الموازنة الماليزية... بين الاحتياجات الداخلية والتوسع الخارجى (2)


هـــل تنجح ماليـزيــا في أسـلمــة الاقتصـــاد القومي وتقديمه كنموذج للعالم ؟
لا يزال الاقتصاد الماليزى يندرج تحت تقسيم الاقتصاد الرأسمالى، بل إنه من الاقتصادات الرأسمالية الضخمة والمعبرة عن العلاقات الاقتصادية الرأسمالية بدرجة كبيرة من التوافق. غير أنه وفي الحقبيتن الماضيتين قد ابتدأت ماليزيا في التحول الاقتصادى التدريجى Economic Gradual Transformation. والذي يبدو إسلامياً مع بعض الاختلافات عن النماذج الإسلامية فى عمق العالم الإسلامى والجزيرة العربية، ولا سيما فيما يتعلق بتعريف الربا ومحددات المعاملات الربوية ومفهوم الحلال الماليزي في مقابل مفهوم الحلال لدى الثقافة العربية. ويبدو أن الجدل القائم على نطاق الاقتصاد السياسي لم يحسم بعد، في حين أن التوسع الإقتصادي العملي لماليزيا يسبق بخطوات كثيرة التوسع النظرى لها.

فبالرغم من أن التعريفات الإقتصادية المحورية لا زالت تعانى من وجود خلافات بعضها جوهرية، إلا أن سرعة توغل الإقتصاد الماليزيي فى المنظومة العربية تعد من المؤشرات الحقيقية الملحوظة. كما أن السياسة الماليزية لا تتوقف عند حد القرار ولكن المبادرات الماليزية تدفع الإستثمارات الخليجية والعربية إلى التدفق الموازى. فعندما رغبت ماليزيا فى لفت أنظار المستثمرين العرب لم تقف عند حد الترويج السياحى والخدمى، وبذل الوعود وتوقيع العقود كما هو الحال فى العلاقات العربية العربية، ولكنها بادرت بطرح خطط مستقبلية للإستثمار الماليزى فى المنطقة العربية بما يقدر بنحو 6 مليارات دولاراً من جانب الخزانة الماليزية وحدها من الإحتياطى البالغ 25 ملياراً.
ويمكن من ذلك ملاحظة أنه رغم أن التدفق العربى السياحى إلى ماليزيا ليس بالكثير نسبيا (300 ألف سائح من إجمالى 20 مليوناً) أى بنسبة أقل من 2% من إجمالى عدد السائحين، إلا أن ما خصصته الخزانة الماليزية للإستثمار فى الخليج قد إقترب من ربع الإحتياطى النقدى بها. وهو ما يدل على مدى إهتمام الحكومة الماليزية بدعم التبادل الإستثمارى والتدفق الرأسمالى بين ماليزيا والعرب.

ويبدو أن السبب الأساسى فى ذلك هو سعى ماليزيا إلى استثمار موقفها الرائد بين إقتصادات الدول الإسلامية لدعم التحول نحو الإقتصاد الإسلامى الذى لفت إنظار العالم فى الحقبتين الأخيرتين بشكل ملحوظ. بل إن مؤسسات مصرفية عالمية قد اتخذت إجراءات قوية للتوجه نحو جذب الإستثمارات الإسلامية وتغيير عقيدتها الرأسمالية
بما يتوافق مع مبادىء الإقتصاد الإسلامى برغم عدم توافر الإرتياح لدى المنظرين الإسلاميين تجاه تلك التوجهات الغربية، وتفضيلهم للإقتصاد الماليزي فى ذلك مع وجود فوارق ونقاط خلافية لم تحل بعد.

وقد سعت ماليزيا إلى تقديم حوافز لشركات إدارة الصناديق الإسلامية وهو ما يتماشى مع سعي البلاد إلى أن تصبح مركزا ماليا إسلاميا. على أن الأجانب لن يكون فى مقدورهم أن يمتلكوا بشكل كامل شركات إدارة الصناديق الإسلامية التي ستحصل على إعفاء ضريبي وسيتم السماح لها باستثمار كل أصولها فى الخارج. ويبدو أن هذه الحوافز هى رسالة إلى المستثمر الماليزي تعنى ضرورة الإستفادة من السوق الإسلامى وتعظيم دوافع التعاون فى نطاق السوق الإسلامية التى لم تحظ بعد بالإهتمام الكافى.

ماليزيا تتحول من عملاق تصديرى إلى عملاق تمويلى:
تتحدث ماليزيا الآن لغة المال، وتسعى إلى تحقيق خطتها الطموحة فى التحول إلى أكبر مركز لتدفق رؤوس الأموال فى آسيا. ويقول محللون إن ماليزيا ترغب في تحويل الاستثمارات الدولية إليها بدلا من الدول المحيطة بها مثل الصين والهند وتايلاند وفيتنام التي تشهد نموا اقتصاديا كبيرا. ويعد سعى ماليزيا نحو تدشين التجمع الإستثمارى الإسلامى فى ماليزيا بمثابة إستغلال الميزة التنافسية لها فى على المضمار التمويلي. فكل من الدول الأربع بالإضافة إلى ماينمار(بورما) ذات القلاقل السياسية، لا يمكن لأى منها الإستفادة من ميزة الإستثمارات الإسلامية بنفس الدرجة التى تتاح لماليزيا.
وكأن ماليزيا تخلق لنفسها ميزات تنافسية على غرار سياستها المتبعة فى التصدير.


أهم الإستثمارات العربية فى ماليزيا:


♥ من ضمن الصفقات التي تمت للتو، استحواذ شركة تليكوم السعودية على 25 في المائة من أسهم شركة ماكسيس للاتصالات، وشراء عائلة الصباح حصة في شركة بوتراجايا بيردانا للانشاء.

♥ وافقت شركة مبادلة الحكومية بأبو ظبي وبيت التمويل الكويتي وشركة سرايا في دبي للتطوير العمراني على تطوير 2230 فدانا (902 هكتار) من الأراضي في المشروع الماليزي. وسوف تستثمر مبادلة 520 مليون دولار بينما تصل استثمارات البيت الكويتي إلى 330 مليون دولار وتستثمر سرايا 325 مليون دولار في المشروع.
♥ وافقت أربع شركات خليجية استثمارية في أواخر أغسطس الماضي على استثمار 1.200 مليار دولار في مشروع تطوير منطقة اسكندر بماليزيا، وهي منطقة تطوير اقتصادية بالقرب من الحدود مع سنغافورة. والشركات الخليجية هي بيت التمويل الكويتي (بيتك) وثلاث شركات من ابوظبي: شركة مبادلة للتنمية، والدار العقارية وشركة ميلينيوم العالمية للتطوير. وتهدف الحكومة إلى استثمار نحو 105 مليارات دولار في الـ20 سنة المقبلة لتطوير مشروع إسكندر الذي تبلغ مساحته الإجمالية 221634 هكتارا ليصبح مركزا ضخما للأعمال والترفيه. ويأمل رئيس الوزراء عبدالله أحمد بدوي في جذب 14.2 مليار دولار إلى المشروع في السنوات الخمس القادمة.