دراسة في عصر النهضة في إفريقيا
لا نبالغ إن قلنا إن أفريقيا كانت في العصور الوسطى أكثر تطوراً وحضارة من أوروبا في تلك العصور ،وربما كان هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع الأوربيون للتوجه إليها وبدء غزها.
وأكدت الدراسات أن الأوربيين عندما أتوا إلى إفريقيا أتوها بعد أن ضاقت بهم أوروبا ولم تعد تلك القارة قادرة على احتواء طاقاتهم بمختلف القطاعات الزراعية والصناعية والفكرية ،لو أنهم لم يأتوا إلى إفريقيا لكانت الآن إفريقيا قد وصلت إلى الذروة التي وصلت إليها أوروبا وربما كانت تجاوزتها أيضاً.
وهذا الكلام ليس كلاماً مجرداً فهناك الأدلة والوقائع التي تثبت ذلك.
والمدن التي كانت في أوج حضارتها شاهدة على ذلك ومنها مدينة تمبكتو(وسنأتي على ذكر لتاريخ هذه المدينة الإسلامية في وقت لا حق)وجن ومالندي و كلوا وسفالا وممباسا وزنجبار وغيرها من المدن في أوج عطائها التجاري وازدهارها العمراني والصناعي ،وبقيت على هذه الحال قرون عديدة إلى أن أتاها الاستعمار البرتغالي والأسباني والإنكليزي والفرنسي والهولندي الذي استولى على تجارتها ومواردها وإنسانيتها فتحول عراك الإفريقيين إلى الدفاع عن النفس ومحاولة البقاء والصراع مع الاستعمار القادم الذي بدل الموازين فأخرج القارة الأوربية من عصور الظلام على أكتاف التجارة والصناعة الإفريقية ليدخل القارة الإفريقية بأكملها إلى عصور ظلام استمرت أربعة قرون وإلى منتصف القرن الماضي أو إلى ستينات القرن الماضي،وأصبح حال إفريقيا في النصف الأول من القرن العشرين هو حال أوروبا في القرن السادس عشر وهذا ما أكدته المصادر التالية وغيرها:
الكاتب السوداني الشهير جمال محمد احمد يقول :
(كانت إفريقيا(كما جاء في مدونات الرسل الذين أوفدوا من ملوك البرتغال والإسبان وأهل الثراء والمال في الجزيزة البريطانية) تعيش ما يقابل عصر النهضة الأولى في أوروبا حين أتى الرسل يكتشفون ومن هؤلاء بصرا ديوارت باربورسا-يقول بعد طوافه الساحل الشرقي لإفريقيا سنة 1500 وبعد طوافه الوسط والجنوب لمدة سنة كاملة في سنة 1501 وفي سنة 1517 (كانت إفريقيا تنمو وتزدهر من داخلها كما فعلت أوروبا في عصر النهضة الأول ولا يصرفها عن هذا النشاط إلا النضال المحلي على الحكم بين القبائل والقادة وهو نضال لا يستنزف الروح والمادة كما يفعل نضال الأجنبي الأوروبي )
ثم قال ديوارت يصف سفالا كيف كانت قبل أن يأتي البرتغاليون إليها (كانت سفالا فرضة التجارة في موزمبيق ومدخل أقطار القارة في الجنوب والوسط)
وقال (كانت التجارة في سفالا تسير على نحو منسق مرسوم يأتيها التجار في قوارب صغيرة اسمها الزمبوك(السنبوك) من ممالك كلوا وممباسا ومالندي ويبيعون الأقمشة القطنية بعضها مزوق ذو نقط وبعضها الآخر أبيض أو أزرق كما يبيعون نماذج عدة من الحرير وألواناً من الخرز والصوميت فيها الأحمر والأصفر والرمادي ،تجيء هذه السلع في مراكب كبيرة عبر المحيط من شمال غرب الهند من مملكة كامباي يشتريها العرب على الساحل في مالندي وممباسا بمقادير من الذهب يزنونها على قدر معلوم لقاء كل سلعة يعود بعدها التجار لمصادر هذه السلع مرة أخرى ويأتى بها هؤلاء لسفالا ينشدون مزيداً من الذهب، يأتي به الأهلون من مملكة بينا ميتابا في الداخل البعيد (في روديسا الجنوبية) يعطونه للتجار لا يزنونه ويجمع العرب مقادير من العاج قرب سفالا يبيعونه لتجار الهند من كامباي لقاء خمس أو ست كروزاد للكنتنال)).
وفي عام 1754يقول تاجر اسمه سميث في مفكرته :
(يعد أهل النظر من الإفريقيين أن لقاء الأوربيين لهم يعتبر أتعس شيء عرفوه في حياتهم الطويلة ، يقول إننا نحن المسيحيين أدخلنا تجارة الرقيق ،وإنهم كانوا يعيشون في سلام إلى أن جئنا نحن ويلاحظ هؤلاء القادرون على التفكير أن المسيحية تأتي حين تأتي وفي يدها سيف ومدفع وبارود)انتهى كلام التاجر البريطاني سميث.
ويقول أيضا بول مارك هنري متحدثاً عن علاقات النصارى والمسلمين في إفريقيا:
(لم يكن للصدام بين الإسلام والمسيحية في شرق إفريقيا تلك الصبغة التي تميز بها النضال عينه حول حوض البحر الأبيض المتوسط )).
وأما عن العلم والثقافة فقد قال الحسن بن محمد الوزان (ليون الإفريقي)يصف مقاعد العلم والثقافة على مدن نهر النيجر ويصف تمبكتو وهي تتلوى سنة 1590تحت سياط الجنود من الشمال في المغرب يقودها مرتزق من الأسبان يريد تجارتها لمن أجره.
((يعيش فيها الأطباء والقضاة والفقهاء ،وغيرهم من سدنة العلم ،لا يخشون مسبغة ولا سلطة ،ينفق عليهم ملك البلاد ويرعى أمنهم كل الرعاية لينصرفوا لهذه المخطوطات يدرسونها كلها كلما أتتهم من الشمال الإفريقي ،يعيدون كتابتها ،يبيعونها في سوق الكتب وهي نافقة)).
وأيضا وصف ديوارت التجار في سنة 1517 يقول:
((إنهم عرب سود ،يميل بعضهم للسمرة ،ويتحدث بعضهم العربية وبعضهم لغة الأهلين،ولم يميز من فرط ما اختلطو وعاشوا جنب إلى جنب العربي من الزنجي.
فقد كان العرب والزنوج يتعايشون معاً ويتزاوجون ويعمرون، ولم ينفصموا بعضهم عن بعض.

جميع الحقوق محفوظة للمنتدى

يتبع