لقد تبنت الدساتير الغربية مفهوم حماية الحياة الخاصة ومنع انتهاكها والحق في خصوصية المعلومات وحماية البيانات الشخصية وتقييد أنشطة جمعها ومعالجتها ونقلها واستخدامها على نحو يوفر حماية لحياة الأفراد الخاصة من مخاطر تقنية المعلومات واستخداماتها في أنشطة معالجة البيانات الشخصية ، كما أقرت الحق في الحصول على المعلومات من أي مصدر والوصول للسجلات والوثائق والمعلومات العامة ، وقيدته باعتبارات المصالح الوطنية العليا وحقوق الأفراد
( أي الحق في الخصوصية ) .
أما الدساتير العربية ، فان اتجاهاتها في هذا الحقل لا تتفق مع التزاماتها الدولية المقررة في المواثيق والاتفاقيات التي وقعت عليها في ميدان حقوق الإنسان ، كما أنها لا تتفق مع اتجاهات التشريعات الدستورية الحديثة التي تنبهت في عقد الستعينات لما يمكن أن يسمى الحقوق الدستورية الرقمية.
(1)
ويمكن من خلال تحليل النصوص الدستورية العربية ذات العلاقة بالخصوصية تبين ما يلي :-
أولا :- أن سقف حماية الخصوصية يتمثل بحماية المسكن والمراسلات كأصل عام في الدساتير العربية وليس ثمة سقف أعلى إلا في نطاق محدود:-
ذلك انه باستثناء مصر وليبيا وموريتنانيا والجزائر (نسبيا) ، فان كافة دساتير الدول العربية ينحصر سقف حماية الخصوصية فيها بحماية مظهرين من مظاهرها المادية ودون النص على حرمة الحياة الخاصة كحق عام ، فالدساتير العربية جميعا – بما فيها الدول الأربعة المذكورة - نصت على حرمة المسكن وحظر تفتيشه إلا وفق القانون ، وقررت حرمة المراسلات أو سريتها وقيدت الإطلاع عليها في حدود القانون أيضا ، وتكاد تكون النصوص متطابقة بشان هذين الحقين . وكلاهما - كما رأينا – مما يندرج في نطاق مظاهر الخصوصية المادية ( أي حماية الحياة الخاصة من مظاهر الاعتداء المادي ) .
النصوص الدستورية العربية بشان حماية المسكن والمراسلات
الدستور الأردني لعام 1952
المادة 10 :- للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون ، وبالكيفية المنصوص عليها فيه .
المادة 18 :- تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية سرية فلا تخضع للمراقبة أو التوقيف إلا في الأحوال المعينة في القانون .
الدستور السوري لعام 1973
المادة 31 :- المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون.
المادة 32 :- سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون.
لبنان- القانون الدستوري الصادر في 9/11/1943
المادة 14 :- للمنزل حرمة ولا يسوغ لأحد الدخول إليه إلا في الأحوال والطرق المبينة في القانون.
الدستور اليمني
مادة 51 :- للمساكن ودور العبـادة ودور العلم حرمة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها القانون.
مادة 52 :- حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجـوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها، أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي.
دستور سلطنة عمان 1996
مادة ( 27 ) :- للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها بغير اذن أهلها، إلا في الأحوال التي يعينهـا القانون وبالكيفيـة المنصوص عليها فيه.
مادة ( 30 ) :- حريـة المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتـفية وغيرها من وسـائل الاتصال مصونة، وسريتهـا مكفولة، فـلا يجوز مراقبتها أو تـفتيشهـا أو إفشـاء سريتهـا أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التى يبينها القانون وبالاجراءات المنصوص عليها فيه .
دستور دولة الكويت 1962
مادة 38 :- للمساكن حرمة ، فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها ، إلا في الأحوال التي يعينها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه .
مادة 39 :- حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة ، وسريتها مكفولة ، فلا يجوز مراقبة الرسائل ، او إفشاء سريتها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه .
دستور دولة البحرين 1973
مادة(25) :- للمسكن حرمة ، فلا يجوز دخوله أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناء في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون ، وبالكيفية المنصوص عليها فيه .
مادة(26) :- حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة ، وسريتها مكفولة ، فلا يجوز مراقبة المراسلات أو إفشاء سريتها إلا في الضرورات التي يبنيها القانون ، ووفقا للإجراءات والضمانات المنصوص عليها فيه .
دستور جمهورية الصومال
مادة 21 :- حرية المسكن
حرمة المسكن مصونة.
لا يجوز تفتيش المساكن أو أي مكان آخر معد للاستعمال الشخصي أو اتخاذ إجراءات القبض فيها إلا في الحالات وبالشروط المنصوص عليها في الفقرات 3 و 4 و 5 من المادة 17 وكذلك في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه لأسباب قضائية.
لا يجوز تفتيش المنازل لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو الأمن ولأسباب مالية إلا في الحالات المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه.
مادة 22 "- حرية المراسلة وسريتها
حرية المراسلة المكتوبة وسريتها مكفولتان وكذلك كافة وسائل الاتصال.
و لا تفرض قيود على ذلك إلا في الأحوال وبالشروط الواردة في الفقرات 3 و 4 و 5 من المادة17وفي الأحوال الأخرى بالطريقة المنصوص عليها في القانون لأسباب قضائية.
دستور جمهورية موريتانيا
المادة 13 :- …. تضمن الدولة شرف المواطن وحياته الخاصة وحرمة شخصه ومسكنه ومراسلاته.
دستور السودان
المادة 29 :- حرمة الاتصال والخصوصية :-
1- تكفل للمواطنين حرية الاتصال والمراسلة وسريتها، ولا يجوز مراقبتها أو الاطلاع عليها إلا بضوابط القانون.
2- كل خصوصيات الإنسان في مسكنه ومحياه ومتاعه وأسرته هي حرمات لا يجوز الاطلاع عليها إلا بإذن أو بقانون.
دستور المغرب :-
الفصل العاشر :- … المنـزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون.
الفصل الحادي عشر :- لا تنتهك سرية المراسلات.
الجزائر دستور 1996 المعدل لدستور 1908
المادة 40 :- تضمن الدّولة عدم انتهاك حرمة المسكن. فلا تفتيش إلاّ بمقتضى القانون، وفي إطار احترامه. ولا تفتيش إلاّ بأمر مكتوب صادر عن السّلطة القضائية المختصّة.
دستور تونس لعام 1959 وفق تعديل 1988
الفصل 9 :- حرمة المسكن وسرية المراسلة مضمونتان إلا في الحالات الاستثنائية التي يضبطها القانون.
ليبيا :- قانون رقم 20 لسنة1991م - بشـــأن تعزيـز الحريــة ( وثيقة دستورية)
المادة الخامسة عشرة :- سرية المراسلات مكفولة فلا يجوز مراقبتها الا فى احوال ضيقة تقتضيها ضرورات أمن المجتمع وبعد الحصول على اذن بذلك من جهة قضائية.
الدستور المصري
المادة (44) :- للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون.
المادة (45) :- لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون .
ثانيا :- انحصر سقف الخصوصية فيما يتجاوز مظاهرها المادية لدى بعض الدول بإقرار المبدأ العام دون التعرض للبيانات الشخصية .
وفي هذا الصدد فان أربع دول عربية أقرت حماية الحياة الخاصة للإنسان أو خصوصيات الإنسان كمبدأ عام ، واعتبرت مصر - من بينها – المساس بالخصوصية جريمة لا تسقط بالتقادم :-
فالدستور المصري ينص في المادة 45 على انه :- (( لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. ..... )) وينص في المادة 57 على أن (( كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء ))
وينص الدستور الموريتاني في المادة 13 على أن :- (( …. تضمن الدولة شرف المواطن وحياته الخاصة وحرمة شخصه ومسكنه ومراسلاته)) .
وينص الدستور الليبي ( الوثيقة المشار إليها أعلاه ) في المادة 16 على ان:- (( للحياة الخاصة حرمة ويحظر التدخل فيها إلا إذا شكلت مساسا بالنظام والآداب العامة أو ضررا بالآخرين أو إذا اشتكى احد أطرافها.))
وينص الدستور الجزائري في المادة 39 على انه :- (( لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، وحرمة شرفه، ويحميهما القانون. سرّية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة )) (2)
موقف الدساتير العربية من الحرية الشخصية :
تبنت الدساتير العربية و احتوت مواده علي التأكيد علي مبدأ الحرية الشخصية (9)
الأردن ( المادة 7 :- الحرية الشخصية مصونة ).
سوريا ( المادة 25 :- 1ـ الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم )
لبنان( المادة 8 :- الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقا لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون. )
اليمن ( مادة 47 أ-تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محـكـمـة مختصة. ب- ….. كما لا يجوز مراقبـة أي شخص أو التحري عنه إلا وفقاً للقانون ….. )
سلطنة عمان ( مادة ( 18 ) :- الحرية الشخصية مكـفولة وفقا للقانون. ولا يجوز القبض على إنسـان أو تـفتيشـه أو حجـزه أو حبسـه أو تحديـد إقامته أو تـقييد حريته في الإقامة أو التـنقل إلا وفق أحكام القانون.)
دولة الكويت ( مادة 30 :- الحرية الشخصية مكفولة .)
البحرين ( مادة (19) :- أ - الحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون .)
الصومال ( مادة 17 الحرية الشخصية مكفولة. - يعتبر إخضاع شخص لأي شكل من أشكال العبودية أو الاسترقاق جريمة تستوجب العقاب. -لا يجوز أن يتعرض الشخص لأي شكل من أشكال الحبس أو لأي قيد أخر على حريته الشخصية إلا في حالة التلبس أو بمقتضى أمر من السلطة القضائية المختصة وذلك في الحالات وطبقا للإجراءات المبينة في القانون.... )
السودان ( المادة 20 :- لكل إنسان الحق في الحياة والحرية ، وفى الأمان على شخصه وكرامة عرضه إلاّ بالحق وفق القانون ، وهو حر يحظر استرقاقه أو تسخيره، أو إذلاله أو تعذيبه. )
مصر ( المادة (41) :- الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي (3) .
بعد هذا العرض المستفيض لبنود الدساتير العربية ، يتضح لنا عناء المشرع العربي في التأكيد علي مبدأ الحرية الشخصية كمنظومة مكفولة بحماية قانونية و دستورية قانونية في تشكيل البنية الأساسية للمجتمع . و قد ذهب المواثيق و الاتفاقيات الدولية علي تأكيد هذا المبدأ كأساس لحياة الإنسان ( 4 ) .
و كفلت القوانين الحماية الأمنية للشخص المخاطب بالقانون في ماله و عرضه و خصوصيته ، ووضعت عقوبات لمن يقترف انتهاك الحرمات أو الأعراض الشخصية و غلظت العقوبة في بعض الحالات ، و ما يعيننا هنا ، هو حماية المراسلات الشخصية و الحفاظ علي سريتها كمبدأ دستوري منصوص عليه . و لاشك أن تعرض الشخص لتهديد في ماله وعرضه و خصوصيته سواء بالخطابات المكتوبة أو المنشورة أو المراسلات الكترونية يشكل بدوره جريمة اعتداء علي الحرية الشخصية و بخاصة إذا ارتبط الاعتداء بالسب و القذف أو إفشاء الأسرار . فالقذف الذي يستوجب العقاب هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية أو يوجب احتقار المسند غليه عند أهل وطنه . (5) و قبل ان نلقي الضوء علي حرمة البريد الالكتروني ، سنتكلم بإيجاز عن جريمة القذف و السب .
جريمة القذف
النص القانوني :
تنص المادة 302/1 من قانون العقوبات : " يعد قاذفاً كل من أسند لغيره بواسطة احدي الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه " .
و يستفاد من هذا النص أن القذف هو إسناد أمر للغير موجب لعقابه و احتقاره (6)
أركان جريمة القذف :
الركن الأول : ( الركن المادي )
و يتكون الركن المادي من عناصر ثلاثة (7) :
أ- فعل الإسناد ب- موضوع الإسناد ج- المسند إليه أي المجني عليه .
أ- فعل الإسناد :
يقصد بالإسناد نسبة الأمر إلي شخص المقذوف علي سبيل التأكيد . أما الأخبار فيتضمن معني الرواية عن الغير أو ذكر الخبر محتملاً الصدق و الكذب فيجب أن يحصل القذف بطريقة الإسناد وهو نسبة الأمر الشائن إلي المقذوف سواء علي سبيل التأكيد أو من طريق الرواية عن الغير أو ترديد القول علي انه شائعة .
و بناء علي هذا المفهوم ، فكل عبارة يفهم منها نسبة أمر شائن إلي المقذوف تعتبر " قذفاً " و قد تورد العبارة في قالب المديح بيد أن هذا لا يمنع من أن تعد قذفاً متي كان ذبك مقصوداً منها .
وسائل التعبير :
وسائل التعبير قد تكون قولاً أو كتابة أو إشارة . .
و إذا كان التعبير عن طريق الكتابة فسواء لغتها و سواء شكلها ، أكانت مخطوطة أم مطبوعة ، و سواء المادة التي أفرغت فيها ، أكانت ورقاً أم قماشا أم معدناً أم خشباً . و يدخل في نطاق الكتابة الرموز والرسوم و خاصة الرسوم الكاريكاتورية (8).
أما الصور فتتسع لكل ما تنتجه فنون التصوير ، و تعد الإشارة من وسائل التعبير أيضاً و تعني إيماء يكشف بالنظر إلي ظروف معينة عن دلالة عرفية خاصة ، فإذا كانت هذه الدلالة هي نسبة واقعة محقرة ، إلي شخص قام به القذف .
ب- موضوع الإسناد :
لا يكفي أن يسند الفاعل إلي الغير أمراً شائناً و إنما يشترط أن يتحقق أمران :-
أولاً : أن تكون الواقعة محددة .
ثانياً : أن يكون من شانها لو كانت صادقة أن توجب عقاب من أسندت إليه أو توجب عقاب من أسندت إليه أو توجب احتقاره عند أهل وطنه .
أولاً : أن تكون الواقعة محددة . .
يشترط أن يكون موضوع الإسناد أمراً معيناً ومحدداً و هذا الشرط يتميز به القذف عن السب فيعتبر قاذفاً من يسند إلي آخر أن " سرق دابة زيد " أو موظف اختلس مالاً في عهدته أو قاضى ارتشى في قضية ، أما إذا كان الإسناد خالياً من واقعة معينة فإنه يكون سباً لا قذفاً .
الأمر الثاني : أن تكون الواقعة مستوجبة العقاب أو الاحتقار :
ارتأى الشارع ان تكون الواقعة المسندة شائنة في حالتين :
الحالة الأولي : إذا كانت الواقعة توجب عقاب من أسندت إليه .
الحالة الثانية : إذا كانت الواقعة توجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه .
ما لا يشترط في الواقعة :
لا يشترط لوقوع جريمة القذف أن تكون الواقعة المنسوبة إلي المجني عليه كاذبة إذ أن القانون يعاقب علي إسناد الواقعة التي إن كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه أو احتقاره بمعني أن المشرع يعاقب علي مجرد إسناد الواقعة سواء كانت صحيحة أو كاذبة (9) .
الركن الثاني : ركن العلانية
المقصود بالعلانية :
المشرع رأي خطورة القذف تكمن في إعلان عبارات مما في ذلك إحاطة علم كثير من الناس بالواقعة الشائنة المنسوبة للمجني عليه و لذلك أعتبر العلانية ركناً من أركان هذه الجريمة في صورتها العادية (10) .
طرق العلانية :
أحال الشارع في نص القذف إلي المادة 171 من قانون العقوبات لبيان الوسائل التي تتحقق عن طريقها علانية القذف . وقد حددت الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من هذا النص طرق العلانية علي الوجه التالي : ( يعتبر القول أو الصياح علنا إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به او ترديده ، بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخري . . . . . "
الركن الثالث : الركن المعنوي
جريمة القذف العمد جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي العام و قد استقر القضاء علي أن : القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة يتحقق متي كانت الألفاظ الموجهة إلي المجني عليه شائنة بذاتها . . " (11)
و علة التجريم تتوقف علي توافر علم القاذف بأن ما أسنده للمقذوف من شأنه لو صح أن يلحق بهذا الأخير ضرراً مادياً و أدبيا .
عقوبة القذف
قرر المشرع للقذف عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين والغرامة التي لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تزيد علي مائتي جنيه أو احدي هاتين العقوبتين . . و يعتبر القذف جنحة و لا يوجد نص قانوني يعاقب علي الشروع في جريمة القذف.
الظروف المشددة لعقوبة القذف :
شدد المشرع عقاب القذف مع الإبقاء عليه كجنحه إذا توافر احد الظروف الأربعة الآتية :
1- القذف في حق موظف عام أو من في حكمه .
2- القذف في حق عمال النقل .
3- القذف بطريق النشر في احدي الجرائد أو المطبوعات
4- تضمن القذف طعناً في عرض الأفراد أو خدشاً لسمعة العائلات .
جريمة السب العلني و عقوبتها
إن السب والقذف يتفقان في أن كل منهما اعتداء علي شرف المجني عليه واعتباره بإسناد ما يشينه إليه أن أنهما متفقان من حيث الحق المعتدي عليه أي أنهما يختلفان من حيث الفعل المكون للجريمة فينما لا يقوم القذف إلا إذا أسند الجاني إلي المجني عليه واقعة معينة من شانها و لو كانت (12) صادقة أن توجب عقابه أو احتقاره عند أهل وطنه ، فإن السب يقوم بإلصاق صفة أو عيب أو معني شائن إلي المجني عليه دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة . فالقول عن شخص معين أنه سرق مال شخص آخر أو انه ارتشي بعمل من أعمال وظيفته يعتبر قذفاً بينما تقوم جريمة السب إذا قيل عن هذا الشخص أنه سارق أو مرتش إذ يمثل ذلك وصفه بصفة شائنة دون إسناد واقعة معينة إليه .
رؤيتنا القانونية حول ثبوت جريمة السب و القذف عبر المراسلات الالكترونية :
من الواضح خلو الدساتير و التشريعات العربية من إدراج ثبوت جريمة السب و القذف عبر المراسلات الالكترونية كأحد وسائل التعبير التي تقوم معها جريمة القذف و السب . . و لكن بالفحص و التأمل أن نص المادة 171 من قانون العقوبات المصري ترك الباب مفتوحاً للاجتهاد بإدراجه عبارة " و بأية طريقة أخري " ، مما يستفاد منها أن البريد الالكترونية يعد من احدي الوسائل التي تستخدم في التعبير و معها تقوم جريمة السب و القذف إذا ما توافرت أركان الجريمة .
فالدساتير العربية و إن كانت واضحة في التأكيد علي مبدأ الحرية الشخصية و كفلت لها أرضية الحماية القانونية لها و ألحفت الشخص المخاطب بسماء اللجوء للقضاء بغية الاقتصاص من الجاني و التعويض عما لحق المجني عليه من ضرر مادي و أدبي ، إلا أن تقاعس المنوط بهم تنفيذ مواد القانون و غياب الثقافة القانونية و اللعب بأدوات الإثبات القانونية أفرزت نوعاً من الاستهتار بحرية الإنسان و أصبح من المألوف أن تثبت جريمة القذف و السب في حق المجني عليهم من ذوي الصفة العمومية باعتبارهم النخبة . .
و بناء علي ما تقدم فإني أري أن الرسالة الالكترونية إذا تتضمنت ألفاظ أو عبارات شائنة كما عرفها القانون مع اكتمال باقي أركان جريمة السب و القذف وقعت الجنحة المنصوص عليها قانوناً و الموجبة للعقاب مع حرية المجني عليه في اتخاذ إجراءات الإثبات القانونية من تتبع مرسل الرسالة و وضع جهاز الحاسوب تحت الرقابة بعد استئذان النيابة العامة أسوة بمراقبة المكلمات الهاتفية و ذلك مع تطور برامج المراقبة التقنية .
في انتظار تعليقاتكم الموضوعية
تحية احترام و تقدير
المراجع
(1) الأستاذ / يونس عرب المحامي – الخصوصية و حماية البيانات في البيئة العربية
(2) الأستاذ / يونس عرب المحامي – الخصوصية و حماية البيانات في البيئة العربية
(3) الأستاذ الدكتور / محسن خليل " الطائفية و القانون الدستوري اللبناني " جامعة الإسكندرية – منشاة المعارف . ص68 و ما بعدها .
(4) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – المادة 3
(5) حكم محكمة النقض المصرية -الطعن 474 لسنة 55 ق جلسة 3 / 3 / 1985 .
(6) جرائم القذف و السب و البلاغ الكاذب – المستشار معوض عبد التواب – ص14 – دار المطبوعات الجامعية .
(7) الدكتور أحمد أمين – شرح قانون العقوبات الأهلي 1929 – المجلد الثالث ص 748 .
(8) الدكتور محمد نجيب حسني – القسم الخاص طبعة 86 – ص 617 و ما بعدها .
(9) الدكتورة فوزية عبد الستار – القانون الجنائي الخاص – ص 541 و ما بعدها .
(10) الدكتورة فوزية عبد الستار – المرجع السابق – ص 545 .
(11) حكم محكمة النقض المصرية – المكتب الفني – ج 4/1/1932 طعن رقم 52 سنة 2 ق
(12) المستشار معوض عبد التواب – المرجع السابق ص 144 – دار المطبوعات الجامعية
المفضلات