آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: نشأة الروح القومية في مصر - عرض كتاب

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية وائل إبراهيم الدسوقي
    تاريخ التسجيل
    04/06/2007
    العمر
    49
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0

    Angry نشأة الروح القومية في مصر - عرض كتاب

    عرض كتاب
    نشأة الروح القومية المصرية
    (1863 – 1882)

    [bdr][/bdr]

    تأليف: محمد صبري السوربوني
    ترجمة: ناجي رمضان عطية
    عرض: وائل إبراهيم الدسوقي – القاهرة.
    ماجستير الآداب – عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
    بريد إليكتروني: Waileldesoky@yahoo.com .

    [bdr][/bdr]

    الشعب المصري شعب عظيم ذو تاريخ عريق، وقد تَحَدَّد نمطه القومي الخاص به منذ أقدم العصور، ووصل إلينا عَبْر القرون، وساهم في كل مظاهر التحول بدون أن يفقد مميزاته الخاصة به ولا ملامحه الأساسية. والمصري الحديث ليس "عربياً" ولكن "تم تعريبه" لأنه ورث لغة العرب ودينهم. وهو نفس الإنسان الذي وُجد منذ عدة آلاف من السنين على نفس الأرض.
    إن هذا الكتاب هو أول دراسة أكاديمية عن "الروح القومية المصرية"، ومؤلف الكتاب هو الدكتور/ محمد صبري السوربوني هو أول من صاغ تعبير "القومية المصرية"، والكتاب هو الرسالة الجامعية التي نال بها المؤلف درجة دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة السوربون سنة 1924م، وكان أول مصري ينال مثل تلك الدرجة العلمية. وظللنا نقرأ رسالته بالفرنسية حتى أتحفنا الأستاذ/ ناجي رمضان عطية بترجمتها إلى العربية بأسلوب جميل خالي من التعقيد اللغوي. الذي يعمل مرشداً سياحياً في مصر ومترجماً متفرغاً، وهذا هو ثاني ترجماته عن السوربوني، الذي يغرم به ويحترمه ويحترم كتابته.
    الكتاب في 310 صفحة من القطع P5 (17.5×24).
    الناشر: المشروع القومي للترجمة – المجلس الأعلى للثقافة.
    القاهرة 2007.
    رقم إيداع دولي : I.S.BN. 977-437-050-3 .
    [bdr][/bdr]

    ومن المفيد دراسة تطور النمط القومي وقدرته على الاستيعاب والمقاومة على مَرَّ العصور، والتي بدأت منذ غزوات "الرعاة" وصولاً إلى نضاله الرائع ضد الفرس. ويُعتبر العصر الإغريقي/ الروماني - الذي يبدأ منذ سـنة 332ق.م. بمثابة فترة حاسمة في تاريخ مصر القديمة: فالبلاد كانت مُستَنْزَفَة نتيجةً للصراعات الطويلة، كما عمل الرومان - بمهارة - على خنق الشعور الوطني وسحق أبسط محاولة لمقاومتهم. لقد كانت مصر تُعْتَبَر بمثابة ضيعة خاصة للإمبراطور الروماني، وفُرضت عليها الجزية، وكانت مجبرة على تزويد روما بالقمح واعتبرها الرومان بمثابة شونة غلال روما.
    ويذكر السوربوني في كتابه تعليق المستر "ج.ج. ميلن" على ذلك الوضع الذي قال: "بسبب هذا الفقر، تَفَشَّت اللامبالاة التي قابل المصريون بها كل تغيير في بلادهم؛ وتجلي غيابهم التام عن أي محاولة للمشاركة في إدارة الدولة أو الكنيسة. لقد تدهور حالهم لدرجة أن الخلافات الدينية لم تستطع إيقاظهم".
    لقد حافظ الكهنة المصريون على تقاليد مصر الفرعونية؛ ولكن عندما قرر ثيودوس في سنة 381 م (أي 241 سنة قبل الهجرة النبوية) إلغاء الدين الوثنى القديم وإغلاق المعابد، فإنه قضي بذلك نهائياً على مصر القديمة : فمنظومتها من الأخلاق والأفكار كانت قد بدأت تتحلل. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح المصريون - الذين اعتنقوا المسيحية - يُطلق عليهم اسم (الأقباط).
    وظلت المسيحية هي الدين الرسمي للبلاد طوال 259 سنة، منذ سنة 381م حتى سنة 640م. أما اللغة الوطنية التي حملت أَدباً عظيمًا - أي "كنزاً مشتركاَ" من "المشاعر والأفكار" - فقد أُلغيت بشكل عملي لأنها خضعت لتغيرات عميقة - في الشكل - لكي تقترب من اللغة اليونانية. وهجر المصريون التدوين بالخط الهيروغليفي الصعب والذي كانت أَشكاله تُذَكِّر المسيحيين بالعبادات الوثنية القديمة.
    ووصف السوربوني الحقبة المسيحية، في الشرق - بأنها حقبة تاريخية حزينة تتسم بالحروب الأهلية والاضطهادات الدينية والخلافات المذهبية والعقائدية. أَمَّا المجون والفجور والانحلال الأخلاقي، فقد كانوا مجرد تقليد لما يجري في بيزنطة. وعندئذ ظهر للعالم محمد (صلى الله عليه وسلم)، مؤسس دين جديد. وكان الحكم البيزنطي قد أرهق مصر وجعلها ممزقة بسبب الصراعات بين أنصار المذهبين: الأقباط (أو اليعقوبيين) والروم (أو الملكانيين). ولذلك، كانت مصر تنتظر العرب لكي ينقذوها مما هي فيه؛ وفي سنة 640، فتح عمرو بن العاص مصر.
    ولفترة طويلة، كانت إدارة العرب لمصر سبباً في رخائها المادي. وباستثناء أقلية من المصريين ظلت مسيحية، فإن أغلبية الشعب المصري قد اعتنقت الإسلام. وفيما يتعلق باللغة، "فإن العرب الفاتحين قد احتقروا لغات الشعوب المغلوبة، وفرضوا عليهم - بالقوة - تعلم اللغة العربية. وهذا الإجبار أصبح قانونياً عندما منع الخليفة الوليد الأول استخدام اللغة اليونانية في الإمبراطورية العربية، في نهاية القرن الأول الهجري. "وبدأً من ذلك التاريخ أصبحت اللغة العربية لغة عالمية".
    وحدد السوربوني ذلك العهد، بداية لتاريخ مصر الحديثة: فهي عربية بلغتها ودينها وثقافتها؛ إلاَّ أنها حافظت على هويتها المصرية لأن العرب - الذين استقروا في مصر - لم يتجاوز عددهم المائة ألف نسمة. وهذا التداخل - غير المتجانس - ربما كان هو الأخطر من نوعه الذي تعرضت له البلاد في فترة الانحطاط الطويلة التي مرت بها، ولكنه لم يُخِل بالتجانس العرقي في مصر.
    ولحسن حظ مصر، فقد كان هناك رجل استوعب ما فات من التاريخ المصري، وأعطى مصر القيادات اللازمة لإدارة الأمة الحديثة، هذا الرجل هو محمد على. لقد كان محمد على ألبانياً، وتميز أثناء القتال ضد نابليون؛ ثم استطاع أن يكسب ثقة السلطان وعلماء الدين في القاهرة الذين انتخبوه لمنصب "باشا مصر" (سنة 1805 - 1806م). إن تاريخ محمد على معروف تماماً ولكننا نريد فقط أن نُذَكِّر القارئ بخطوطه الأساسية. لقد وجد الباشا الجديد مصر في حالة انحطاط تام: معنوياً ومادياً. ولكنها - في المقابل - قدمت له ميزة هامة، ألا وهي: ميزة التجانس الذي تمتعت به بفضل وحدة اللغة والدين والجنس، والوحدة الجغرافية.
    وطمح محمد على طموحاً كبيراً في تكوين أسرة حاكمة وتأسيس دولة عظمى مستقلة: ففي الفترة الأولى من حكمة، حاول إنشاء إمبراطورية عربية لصالحه ولصالح أُسرته ، فقام بشن حروب عديدة وظافرة ضد تركيا في سوريا وآسيا الصغرى، منها - على سبيل المثال - انتصاره الشهير في موقعة قونية سنة 1832م. ولكن أهم ما يميز عبقرية محمد على هو انه أدرك وجود علاقات تربط ما بين إنشاء جيش عصري ومختلف الأفرع التي تُكَوِّن الدولة القومية.
    ولإنجاز هذا المشروع القومي بما يتفق مع آماله، فإنه قرر أولاً - وقبل كل شيء - أن هذا الجيش يجب أن يكون جيشاً مصرياً. وبعد موقعة قونية، اهتم محمد على - مع الكولونيل سيف – بتكوين جيش من الفلاحين لأول مرة منذ سيطرة الإغريق على مصر (لأن الإغريق استبدلوا الفلاحين المصريين بجنود أجانب للدفاع عن البلاد). ويعلق كلوت بك (Clot Bey) قائلاً: "كانت النتائج العامة لتكوين جيش نظامي مفيدة جداً لمصر. فأولاً: جعل الجيش البلاد تعتاد على نظام صارم لم تكن تعرفه؛ فحتى ذلك الوقت، لم تكن مصر تعرف سوى الفوضى. وكانت بمثابة فريسة وقعت بين براثن القوات التركية والألبانية المكوَّنَة من عسكر غير نظاميين وغير منضبطين، ومُثيرين للفتن ومتعسفين.
    لقد أرسى الجيش قواعد الوحدة والتسلسل القيادي والنظام حيث كان كل شيء آخذ في التحلل والضعف. وبفضل هذا الجيش المصري، استطاع إبراهيم باشا - ابن محمد على - هزيمة الأتراك في موقعة "نزيب" - سنة 1838م - واستعد للاستيلاء على إستانبول؛ ولكن القوى الأوربية - بتحريض من بالمرستون أوقفت المسيرة الظافرة للجيش المصرى، وفرضت على محمد على "معاهدة سنة 1840 - 1841م" الشهيرة التى ضمنت لأسرته وراثة عرش مصر ، وكَرَّسَت استقلالها الذاتي في إدارة البلاد، وأَرْسَت الميثاق الأساسي الذي قامت عليه مصر الحديثة.
    وكان نابليون قد ذكر: "إن مصر ستفقد ثُلُثَ أراضيها الزراعية إذا استمرت الإدارة المملوكية على ما هي عليه في العشرين سنة القادمة" وأراد محمد على أن يجعل الريف ينعم بالرخاء، كما أراد تهيئة الظروف لزيادة عدد السكان، فأمر: بشق القنوات، وببناء القناطر الشهيرة، وبإنشاء نظام عظيم للري، وبإدخال زراعة القطن الذي يمثل الثروة الأساسية لمصر حتى يومنا هذا.
    وكَرَّس محمد على جهوده لتنظيم البلاد اقتصادياً وإدارياً وثقافياً ، وانتشالها من فوضى القرون الوسطى، ووَضْعها في مصاف الدول الحديثة، فأدخل إلى مصر العلوم والصناعات الحديثة: وأنشأ - مثلاً - في القاهرة أول مصنع للنسيج وأربعة مصانع للغزل، وأنشأ عشرة مصانع أخري في الدلتا وثمانية في الصعيد. وظهرت صناعات جديدة كان من أهمها: صناعة الجوخ والحبال والسجاد والروائح العطرية والشموع الخ إلخ... كما أنشأ مصانع: للزجاج والورق والصابون، وصب المدافع وصناعة الأسلحة، ومسابك وورش للصناعات المعدنية.
    وأمر محمد على - أيضاً - بإنشاء المدارس، وبإرسال بعثات مصرية إلى إيطاليا وخصوصاً إلى فرنسا. ولا يسعنا هنا إلاَّ أن نسجل - بمزيد من التقدير - بُعد النظر الذي أَلْهَم الفرنسيين - في تلك الفترة - مثل : المسيو جومار (Jomart) المهندس السابق الذي اشترك في "جيش الشرق"، وهو الذي كتب إلى قنصل فرنسا في الإسكندرية لكي يستكمل أبحاثه العلمية التي بدأها مع الحملة الفرنسية.
    وهناك أيضا كلوت بك الذي أنشأ مدرسة الطب - سنه 1827 - في أبو زعبل. وفي سنة 1826م، وجه رسالة إلى صاحب السعادة عثمان نور الدين بك (أحد قادة الجيش المصري) بخصوص إنشاء مدرسة للطب، جاء فيها : "لكي تستمر هذه المؤسسات النافعة، فإنها يجب أن تكون مؤسسات قومية مستغنية عن مساعدة الأجانب: فمصالح الأجانب وأهوائهم - مع ألف سبب آخر مختلف - قد تجبرهم على العودة إلى بلادهم... ولذلك، يجب إيجاد أطباء ومدرسين من بين صفوف السكان المحليين فقط. وبالإضافة إلي ذلك ، فإن هذه الوسيلة هي الوحيدة لبلوغ الهدف العظيم للحضارة وخَلْق رجال مخلصين بحق لمصالح الأمة". وبعد إنشاء هذه المدرسة ، توالى إنشاء مدارس غيرها بلغ عددها 40 مدرسة ابتدائية في الدلتا و26 في الصعيد ، كما تم إنشاء مدرستَيْن تجهيزَيَتَينْ ومدارس مخصوصة للهندسة والمدفعية والفرسان .
    وتوفي محمد على في سنة 1849 م بعدما جعل مصر تقوم بدور القوة العظمي " لفترة محدودة " حسبما يقول المسيو دي فريسينيه (De Freycinet).
    وفي الفترة الزمنية التي تفصل عهد محمد على عن عهد إسماعيل، حكم مصر ثلاثة من الولاة، هم بالترتيب: إبراهيم باشا: الذي حارب الأتراك وأنتصر عليهم في حياد والده، ولكنه لم يتول الحكم سوى ستة أشهر فقط؛ عباس الأول (1848-1854م): في عهده توقف مشروع محمد على الحضارى بسبب ممارسة عباس لسياسة استبدادية مجردة من العظمة؛ سعيد باشا ( 1854-1863م): كانت سياسته تتصف بالحكمة وبرهن على رغبته في القيام بإصلاحات تدريجية. لقد استنزف محمد على السكان بفرص ضرائب متوالية عليهم، كما فرض عليهم التجنيد الإجباري (الذي حرم الزراعة من الكثير من الأيدي العاملة) طوال فترات حروبه العديدة؛ فجاء سعيد، وحَدَّدْ الوعاء الضريبي على أسس عادلة. ولتشجيع حرية التجارة، أَلغي سعيد باشا الرسوم والجمارك الداخلية (هذه الضرائب الجائرة التي كانت تعرقل حركة التجارة) .
    لقد كان سعيد باشا يحب الفلاحين بصدق وكان يتعامل معهم بإنسانية لأنه - هو نفسه - قد تربي مع أبناء الشعب . وكان سعيد باشا يكره الأتراك فكان يحل المصريين مكانهم - تدريجياً - في المناصب الإدارية العليا ، بل وأعطي الفلاحين الأراضي التي كانت ما تزال ملكاً للدولة ، وسمح لهم بالتصرف بحُرَّية في محاصيلهم.
    وفي تلك الدراسة تحدث "السوربوني" عن الليبرالية في بلاد الغرب وذكر بحق: "ولكن في بلاد الشَرق، فإن الأفكار تتخذ شكلاً مختلفاً تماماً: فلا بد أن تكون لدى الشخص كفاءات غير معتادة لكي يستطيع - مع أفضل الدروس - أن يسموا فوق المستوي العام للمبادئ المتفق عليها في هذا المجتمع القَدَري الذي تم تنظيمه لكن يظل – لمدة طويلة - ساكناً وخاضعاً للطغيان في أحط صُوَره. ولهذا السبب، فإن ظهور حاكم شرقي – واحد - يُبدى تشبعه بالمبادئ الليبرالية، يُعْتَبرَ برهاناً على سُمُوِّ أفكاره سُمُوَّاً عظيماً. وفي هذه النقطة ، فإن محمد سعيد باشا يتفوق على أي أمير في أوروبا. لقد سَعَى سعيد باشا - أكثر مِنْ كل مَنْ سبقوه بلا استثناء - لكي يُحَرِّر رعاياه، وعَمَل لصالح حضارة مصر ومدنيتها.
    وفضلاً عن ذلك، فقد كان سعيد باشا هو الذي سمح - في سنة 1854م - لفردينان دي ليسيبس ((Ferdinand de Lesseps بحفر قناة السويس. إن هذه القناة مع الدين كانا هما العامَليْن الأساسيَيْن اللذان سيلعبان دوراً حاسماً في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين مصر والقوى العظمي، خصوصاً فرنسا وإنجلترا: لقد كان الدور ضد مصالح مصر ونتيجة لخطأ إسماعيل.
    أرجو أن أكون قد وفقت في عرضي لكتاب السوربوني الذي يعد بحق أحسن وأفضل ما كتب عن التاريخ المصري الحديث، في فترة كانت تتشكل فيها ليس فقط الشخصية المصرية القومية، ولكن أيضا الشخصية القومية العربية بصورة أعم وأرحب.


    [bdr][/bdr]
    تحياتي
    وائل إبراهيم الدسوقي يوسف
    عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
    باحث في الدراسات التاريخية الحديثة
    Mes souvenirs
    Wail Ibrahim Eldesoky
    Membre de la société égyptienne pour des études historiques
    Chercheur dans des études historiques modernes
    للاتصال – جمهورية مصر العربية
    2024482938
    Emails
    waileldesoky@yahoo.com
    شكراً


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية وائل إبراهيم الدسوقي
    تاريخ التسجيل
    04/06/2007
    العمر
    49
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0

    Angry نشأة الروح القومية في مصر - عرض كتاب

    عرض كتاب
    نشأة الروح القومية المصرية
    (1863 – 1882)

    [bdr][/bdr]

    تأليف: محمد صبري السوربوني
    ترجمة: ناجي رمضان عطية
    عرض: وائل إبراهيم الدسوقي – القاهرة.
    ماجستير الآداب – عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
    بريد إليكتروني: Waileldesoky@yahoo.com .

    [bdr][/bdr]

    الشعب المصري شعب عظيم ذو تاريخ عريق، وقد تَحَدَّد نمطه القومي الخاص به منذ أقدم العصور، ووصل إلينا عَبْر القرون، وساهم في كل مظاهر التحول بدون أن يفقد مميزاته الخاصة به ولا ملامحه الأساسية. والمصري الحديث ليس "عربياً" ولكن "تم تعريبه" لأنه ورث لغة العرب ودينهم. وهو نفس الإنسان الذي وُجد منذ عدة آلاف من السنين على نفس الأرض.
    إن هذا الكتاب هو أول دراسة أكاديمية عن "الروح القومية المصرية"، ومؤلف الكتاب هو الدكتور/ محمد صبري السوربوني هو أول من صاغ تعبير "القومية المصرية"، والكتاب هو الرسالة الجامعية التي نال بها المؤلف درجة دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة السوربون سنة 1924م، وكان أول مصري ينال مثل تلك الدرجة العلمية. وظللنا نقرأ رسالته بالفرنسية حتى أتحفنا الأستاذ/ ناجي رمضان عطية بترجمتها إلى العربية بأسلوب جميل خالي من التعقيد اللغوي. الذي يعمل مرشداً سياحياً في مصر ومترجماً متفرغاً، وهذا هو ثاني ترجماته عن السوربوني، الذي يغرم به ويحترمه ويحترم كتابته.
    الكتاب في 310 صفحة من القطع P5 (17.5×24).
    الناشر: المشروع القومي للترجمة – المجلس الأعلى للثقافة.
    القاهرة 2007.
    رقم إيداع دولي : I.S.BN. 977-437-050-3 .
    [bdr][/bdr]

    ومن المفيد دراسة تطور النمط القومي وقدرته على الاستيعاب والمقاومة على مَرَّ العصور، والتي بدأت منذ غزوات "الرعاة" وصولاً إلى نضاله الرائع ضد الفرس. ويُعتبر العصر الإغريقي/ الروماني - الذي يبدأ منذ سـنة 332ق.م. بمثابة فترة حاسمة في تاريخ مصر القديمة: فالبلاد كانت مُستَنْزَفَة نتيجةً للصراعات الطويلة، كما عمل الرومان - بمهارة - على خنق الشعور الوطني وسحق أبسط محاولة لمقاومتهم. لقد كانت مصر تُعْتَبَر بمثابة ضيعة خاصة للإمبراطور الروماني، وفُرضت عليها الجزية، وكانت مجبرة على تزويد روما بالقمح واعتبرها الرومان بمثابة شونة غلال روما.
    ويذكر السوربوني في كتابه تعليق المستر "ج.ج. ميلن" على ذلك الوضع الذي قال: "بسبب هذا الفقر، تَفَشَّت اللامبالاة التي قابل المصريون بها كل تغيير في بلادهم؛ وتجلي غيابهم التام عن أي محاولة للمشاركة في إدارة الدولة أو الكنيسة. لقد تدهور حالهم لدرجة أن الخلافات الدينية لم تستطع إيقاظهم".
    لقد حافظ الكهنة المصريون على تقاليد مصر الفرعونية؛ ولكن عندما قرر ثيودوس في سنة 381 م (أي 241 سنة قبل الهجرة النبوية) إلغاء الدين الوثنى القديم وإغلاق المعابد، فإنه قضي بذلك نهائياً على مصر القديمة : فمنظومتها من الأخلاق والأفكار كانت قد بدأت تتحلل. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح المصريون - الذين اعتنقوا المسيحية - يُطلق عليهم اسم (الأقباط).
    وظلت المسيحية هي الدين الرسمي للبلاد طوال 259 سنة، منذ سنة 381م حتى سنة 640م. أما اللغة الوطنية التي حملت أَدباً عظيمًا - أي "كنزاً مشتركاَ" من "المشاعر والأفكار" - فقد أُلغيت بشكل عملي لأنها خضعت لتغيرات عميقة - في الشكل - لكي تقترب من اللغة اليونانية. وهجر المصريون التدوين بالخط الهيروغليفي الصعب والذي كانت أَشكاله تُذَكِّر المسيحيين بالعبادات الوثنية القديمة.
    ووصف السوربوني الحقبة المسيحية، في الشرق - بأنها حقبة تاريخية حزينة تتسم بالحروب الأهلية والاضطهادات الدينية والخلافات المذهبية والعقائدية. أَمَّا المجون والفجور والانحلال الأخلاقي، فقد كانوا مجرد تقليد لما يجري في بيزنطة. وعندئذ ظهر للعالم محمد (صلى الله عليه وسلم)، مؤسس دين جديد. وكان الحكم البيزنطي قد أرهق مصر وجعلها ممزقة بسبب الصراعات بين أنصار المذهبين: الأقباط (أو اليعقوبيين) والروم (أو الملكانيين). ولذلك، كانت مصر تنتظر العرب لكي ينقذوها مما هي فيه؛ وفي سنة 640، فتح عمرو بن العاص مصر.
    ولفترة طويلة، كانت إدارة العرب لمصر سبباً في رخائها المادي. وباستثناء أقلية من المصريين ظلت مسيحية، فإن أغلبية الشعب المصري قد اعتنقت الإسلام. وفيما يتعلق باللغة، "فإن العرب الفاتحين قد احتقروا لغات الشعوب المغلوبة، وفرضوا عليهم - بالقوة - تعلم اللغة العربية. وهذا الإجبار أصبح قانونياً عندما منع الخليفة الوليد الأول استخدام اللغة اليونانية في الإمبراطورية العربية، في نهاية القرن الأول الهجري. "وبدأً من ذلك التاريخ أصبحت اللغة العربية لغة عالمية".
    وحدد السوربوني ذلك العهد، بداية لتاريخ مصر الحديثة: فهي عربية بلغتها ودينها وثقافتها؛ إلاَّ أنها حافظت على هويتها المصرية لأن العرب - الذين استقروا في مصر - لم يتجاوز عددهم المائة ألف نسمة. وهذا التداخل - غير المتجانس - ربما كان هو الأخطر من نوعه الذي تعرضت له البلاد في فترة الانحطاط الطويلة التي مرت بها، ولكنه لم يُخِل بالتجانس العرقي في مصر.
    ولحسن حظ مصر، فقد كان هناك رجل استوعب ما فات من التاريخ المصري، وأعطى مصر القيادات اللازمة لإدارة الأمة الحديثة، هذا الرجل هو محمد على. لقد كان محمد على ألبانياً، وتميز أثناء القتال ضد نابليون؛ ثم استطاع أن يكسب ثقة السلطان وعلماء الدين في القاهرة الذين انتخبوه لمنصب "باشا مصر" (سنة 1805 - 1806م). إن تاريخ محمد على معروف تماماً ولكننا نريد فقط أن نُذَكِّر القارئ بخطوطه الأساسية. لقد وجد الباشا الجديد مصر في حالة انحطاط تام: معنوياً ومادياً. ولكنها - في المقابل - قدمت له ميزة هامة، ألا وهي: ميزة التجانس الذي تمتعت به بفضل وحدة اللغة والدين والجنس، والوحدة الجغرافية.
    وطمح محمد على طموحاً كبيراً في تكوين أسرة حاكمة وتأسيس دولة عظمى مستقلة: ففي الفترة الأولى من حكمة، حاول إنشاء إمبراطورية عربية لصالحه ولصالح أُسرته ، فقام بشن حروب عديدة وظافرة ضد تركيا في سوريا وآسيا الصغرى، منها - على سبيل المثال - انتصاره الشهير في موقعة قونية سنة 1832م. ولكن أهم ما يميز عبقرية محمد على هو انه أدرك وجود علاقات تربط ما بين إنشاء جيش عصري ومختلف الأفرع التي تُكَوِّن الدولة القومية.
    ولإنجاز هذا المشروع القومي بما يتفق مع آماله، فإنه قرر أولاً - وقبل كل شيء - أن هذا الجيش يجب أن يكون جيشاً مصرياً. وبعد موقعة قونية، اهتم محمد على - مع الكولونيل سيف – بتكوين جيش من الفلاحين لأول مرة منذ سيطرة الإغريق على مصر (لأن الإغريق استبدلوا الفلاحين المصريين بجنود أجانب للدفاع عن البلاد). ويعلق كلوت بك (Clot Bey) قائلاً: "كانت النتائج العامة لتكوين جيش نظامي مفيدة جداً لمصر. فأولاً: جعل الجيش البلاد تعتاد على نظام صارم لم تكن تعرفه؛ فحتى ذلك الوقت، لم تكن مصر تعرف سوى الفوضى. وكانت بمثابة فريسة وقعت بين براثن القوات التركية والألبانية المكوَّنَة من عسكر غير نظاميين وغير منضبطين، ومُثيرين للفتن ومتعسفين.
    لقد أرسى الجيش قواعد الوحدة والتسلسل القيادي والنظام حيث كان كل شيء آخذ في التحلل والضعف. وبفضل هذا الجيش المصري، استطاع إبراهيم باشا - ابن محمد على - هزيمة الأتراك في موقعة "نزيب" - سنة 1838م - واستعد للاستيلاء على إستانبول؛ ولكن القوى الأوربية - بتحريض من بالمرستون أوقفت المسيرة الظافرة للجيش المصرى، وفرضت على محمد على "معاهدة سنة 1840 - 1841م" الشهيرة التى ضمنت لأسرته وراثة عرش مصر ، وكَرَّسَت استقلالها الذاتي في إدارة البلاد، وأَرْسَت الميثاق الأساسي الذي قامت عليه مصر الحديثة.
    وكان نابليون قد ذكر: "إن مصر ستفقد ثُلُثَ أراضيها الزراعية إذا استمرت الإدارة المملوكية على ما هي عليه في العشرين سنة القادمة" وأراد محمد على أن يجعل الريف ينعم بالرخاء، كما أراد تهيئة الظروف لزيادة عدد السكان، فأمر: بشق القنوات، وببناء القناطر الشهيرة، وبإنشاء نظام عظيم للري، وبإدخال زراعة القطن الذي يمثل الثروة الأساسية لمصر حتى يومنا هذا.
    وكَرَّس محمد على جهوده لتنظيم البلاد اقتصادياً وإدارياً وثقافياً ، وانتشالها من فوضى القرون الوسطى، ووَضْعها في مصاف الدول الحديثة، فأدخل إلى مصر العلوم والصناعات الحديثة: وأنشأ - مثلاً - في القاهرة أول مصنع للنسيج وأربعة مصانع للغزل، وأنشأ عشرة مصانع أخري في الدلتا وثمانية في الصعيد. وظهرت صناعات جديدة كان من أهمها: صناعة الجوخ والحبال والسجاد والروائح العطرية والشموع الخ إلخ... كما أنشأ مصانع: للزجاج والورق والصابون، وصب المدافع وصناعة الأسلحة، ومسابك وورش للصناعات المعدنية.
    وأمر محمد على - أيضاً - بإنشاء المدارس، وبإرسال بعثات مصرية إلى إيطاليا وخصوصاً إلى فرنسا. ولا يسعنا هنا إلاَّ أن نسجل - بمزيد من التقدير - بُعد النظر الذي أَلْهَم الفرنسيين - في تلك الفترة - مثل : المسيو جومار (Jomart) المهندس السابق الذي اشترك في "جيش الشرق"، وهو الذي كتب إلى قنصل فرنسا في الإسكندرية لكي يستكمل أبحاثه العلمية التي بدأها مع الحملة الفرنسية.
    وهناك أيضا كلوت بك الذي أنشأ مدرسة الطب - سنه 1827 - في أبو زعبل. وفي سنة 1826م، وجه رسالة إلى صاحب السعادة عثمان نور الدين بك (أحد قادة الجيش المصري) بخصوص إنشاء مدرسة للطب، جاء فيها : "لكي تستمر هذه المؤسسات النافعة، فإنها يجب أن تكون مؤسسات قومية مستغنية عن مساعدة الأجانب: فمصالح الأجانب وأهوائهم - مع ألف سبب آخر مختلف - قد تجبرهم على العودة إلى بلادهم... ولذلك، يجب إيجاد أطباء ومدرسين من بين صفوف السكان المحليين فقط. وبالإضافة إلي ذلك ، فإن هذه الوسيلة هي الوحيدة لبلوغ الهدف العظيم للحضارة وخَلْق رجال مخلصين بحق لمصالح الأمة". وبعد إنشاء هذه المدرسة ، توالى إنشاء مدارس غيرها بلغ عددها 40 مدرسة ابتدائية في الدلتا و26 في الصعيد ، كما تم إنشاء مدرستَيْن تجهيزَيَتَينْ ومدارس مخصوصة للهندسة والمدفعية والفرسان .
    وتوفي محمد على في سنة 1849 م بعدما جعل مصر تقوم بدور القوة العظمي " لفترة محدودة " حسبما يقول المسيو دي فريسينيه (De Freycinet).
    وفي الفترة الزمنية التي تفصل عهد محمد على عن عهد إسماعيل، حكم مصر ثلاثة من الولاة، هم بالترتيب: إبراهيم باشا: الذي حارب الأتراك وأنتصر عليهم في حياد والده، ولكنه لم يتول الحكم سوى ستة أشهر فقط؛ عباس الأول (1848-1854م): في عهده توقف مشروع محمد على الحضارى بسبب ممارسة عباس لسياسة استبدادية مجردة من العظمة؛ سعيد باشا ( 1854-1863م): كانت سياسته تتصف بالحكمة وبرهن على رغبته في القيام بإصلاحات تدريجية. لقد استنزف محمد على السكان بفرص ضرائب متوالية عليهم، كما فرض عليهم التجنيد الإجباري (الذي حرم الزراعة من الكثير من الأيدي العاملة) طوال فترات حروبه العديدة؛ فجاء سعيد، وحَدَّدْ الوعاء الضريبي على أسس عادلة. ولتشجيع حرية التجارة، أَلغي سعيد باشا الرسوم والجمارك الداخلية (هذه الضرائب الجائرة التي كانت تعرقل حركة التجارة) .
    لقد كان سعيد باشا يحب الفلاحين بصدق وكان يتعامل معهم بإنسانية لأنه - هو نفسه - قد تربي مع أبناء الشعب . وكان سعيد باشا يكره الأتراك فكان يحل المصريين مكانهم - تدريجياً - في المناصب الإدارية العليا ، بل وأعطي الفلاحين الأراضي التي كانت ما تزال ملكاً للدولة ، وسمح لهم بالتصرف بحُرَّية في محاصيلهم.
    وفي تلك الدراسة تحدث "السوربوني" عن الليبرالية في بلاد الغرب وذكر بحق: "ولكن في بلاد الشَرق، فإن الأفكار تتخذ شكلاً مختلفاً تماماً: فلا بد أن تكون لدى الشخص كفاءات غير معتادة لكي يستطيع - مع أفضل الدروس - أن يسموا فوق المستوي العام للمبادئ المتفق عليها في هذا المجتمع القَدَري الذي تم تنظيمه لكن يظل – لمدة طويلة - ساكناً وخاضعاً للطغيان في أحط صُوَره. ولهذا السبب، فإن ظهور حاكم شرقي – واحد - يُبدى تشبعه بالمبادئ الليبرالية، يُعْتَبرَ برهاناً على سُمُوِّ أفكاره سُمُوَّاً عظيماً. وفي هذه النقطة ، فإن محمد سعيد باشا يتفوق على أي أمير في أوروبا. لقد سَعَى سعيد باشا - أكثر مِنْ كل مَنْ سبقوه بلا استثناء - لكي يُحَرِّر رعاياه، وعَمَل لصالح حضارة مصر ومدنيتها.
    وفضلاً عن ذلك، فقد كان سعيد باشا هو الذي سمح - في سنة 1854م - لفردينان دي ليسيبس ((Ferdinand de Lesseps بحفر قناة السويس. إن هذه القناة مع الدين كانا هما العامَليْن الأساسيَيْن اللذان سيلعبان دوراً حاسماً في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين مصر والقوى العظمي، خصوصاً فرنسا وإنجلترا: لقد كان الدور ضد مصالح مصر ونتيجة لخطأ إسماعيل.
    أرجو أن أكون قد وفقت في عرضي لكتاب السوربوني الذي يعد بحق أحسن وأفضل ما كتب عن التاريخ المصري الحديث، في فترة كانت تتشكل فيها ليس فقط الشخصية المصرية القومية، ولكن أيضا الشخصية القومية العربية بصورة أعم وأرحب.


    [bdr][/bdr]
    تحياتي
    وائل إبراهيم الدسوقي يوسف
    عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
    باحث في الدراسات التاريخية الحديثة
    Mes souvenirs
    Wail Ibrahim Eldesoky
    Membre de la société égyptienne pour des études historiques
    Chercheur dans des études historiques modernes
    للاتصال – جمهورية مصر العربية
    2024482938
    Emails
    waileldesoky@yahoo.com
    شكراً


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •