Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
البحث عن الشمس الجزء الأول ويليه الثاني

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: البحث عن الشمس الجزء الأول ويليه الثاني

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    27/06/2007
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي البحث عن الشمس الجزء الأول ويليه الثاني

    البحث عن الشمس

    مسرحية في جزئين

    الجزء الأول

    الإهـداء

    إلى الطفل الشهيد
    محمد جمال الدرة الذي اصاعد ذات انتفاضة إلى سدرة الشهداء إلى كل الواقفين في طليعة الأمة العربية الذائدين عن حياضيها المنافحين عن عزتها وكبريائها الرافعين ألوتها خفاقة مكابرة إليهم جميعا أرفع هذا الإيحاء

    في حجرة مظلمة رطبة، لا باب لها، أرضيتها مليئة بالجرذان والعناكب والصراصير، كان المقهور نائما مدثرا بغطاء ممزق، يملأ شخيره الحجرة.
    بعد لحظات يدخل الحجرة الغريب، وهو رجل عليه سمات الوقار، يلبس ثيابا بيضاء جديدة.

    الغـريب: (متعجبا) ياإلهي، ما هذا الشخير؟ الأرض تدور… الكون يدور…والفلك يدور…وها، ذا المقهور في بيته مقبور؟ آه… آه …آه…
    (يدور هنا وهناك، ثم يقف عند رأس المقهور يضربه على رأسه بعصاه)
    قم، كفــاك نوما قم...قم.
    المقـهـور:(لا يرد وينكمش على نفسه).
    الغـريـب :(يضربه ثانية بشدة) قلت لك، قم كفاك خمولا، يامقهور الأرض تدور، الأفلاك تدور، الكون يدور، وأنت هنا مقبور؟ قم وإلا ابتلعتك الشرور.
    المقـهـور:(يتململ ولا يرد).
    الغـريـب:(وهو يهزه هزا عنيفا) قم كفاك سباتا.
    المقـهـور:(وهو ينكمش على نفسه) دثرني، دثرني، ودعني أنام.
    الغـريـب:(ينزع عنه الدثار الممزق) إلى متى وأنت نائم؟
    (بصوت أعلى)
    النوم انشطار، وانتثار، واندثار.
    المقـهـور:(يجلس ويفرك عينيه) منذ متى وأنا نائم؟
    الغـريـب:(يضحك مستهزئا) منذ متى؟؟؟ لا تدري منذ متى وأنت نائم؟؟؟ ألم أقل لك أن النوم موت؟
    المقـهـور:لا ليس موتا، ولكنه كالموت فقط.
    الغـريـب:إذن فأنت ترى أن بينهما فرقا؟
    المقـهـور:المهم أني لم أمت، أنا مازلت حيا أرزق، والمهم أن تجيبني عن سؤالي، منذ متى وأنا نائم؟
    الغـريـب:(متنهدا) منذ قرون إن أردت الحقيقة.
    المقـهـور:(متعجبا) منذ قرون؟ منذ قرون؟؟ إنه لزمن طويل حقا، لا بأس كل ما فات مات، وكل ما مات رفات، ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ قلت لك قم.
    المقـهـور:(منكمشا على نفسه) آحح آحح، أشعر بالبرد القارس ينهش مفاصلي نهشا.
    الغـريـب:(بمرارة) البرد فقط؟ وهذه الرائحة العفنة التي تملأ عليك المكان، أما أحسست بها؟ وهذا الظلام الذي يسدل ستائره عليك، وهذه الجرذان والصراصير والعناكب التي تملأ عليك الحجرة، وهذه النخلة الميتة التي لم يبق منها إلا الجذر...إني لأعجب كيف أن الدود لم يأكلك؟
    المقـهـور:(بحزن وحسرة) بل أحس بها جميعا، كما أحس بالبرد تماما، ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟
    المقـهـور:ولكن لا حيلة لي.
    الغـريـب:اطلب الشمس.
    المقـهـور:(متعجبا) أطلب الشمس؟
    الغـريـب:اسمع يامقهور، إن الشمس لن تخترق الجدران إليك، ولن تتسرب عبر الإسمنت والصخور.
    المقـهـور:(حالما) الله...لم أر الشمس منذ قرون
    (وهو يجلس)
    أسألك سؤالا...؟
    الغـريـب:اسأل...
    المقـهـور:ماهو لون الشمس اليوم؟
    الغـريـب:(مستهزئا) هل تريد أن تتذوق بي أنا؟
    المقـهـور:ألا يمكن ذلك؟
    الغـريـب:أجل يستحيل ذلك.
    المقـهـور:(حائرا) والعمل...؟
    الغـريـب:ذق أنت بنفسك، أليس لك عينان ترى بهما؟
    المقـهـور:لقد كاد الظلام يطمسهما تماما.
    الغـريـب:حاول.
    المقـهـور:(خائفا) ربما لا أستطيع.
    الغـريـب:بل تستطيع دون شك.
    الغـريـب:كن أصلب منها وحطمها.
    المقـهـور:(متعجبا) أحطمها كلها؟
    الغـريـب:أحدث فيها ثقبا على الأقل، حتى ترى الشمس أولا، ثم حطمها كلها بعد ذلك.
    المقـهـور:وأنت متأكد من أنني سأجد الشمس؟
    الغـريـب:لاشك في ذلك.
    المقـهـور:(حالما) إيه، ما أحلى الشمس...هل تعلم أني منذ زمان وأنا أحلم بالشمس، وبأشعتها الدافئة؟
    الغـريـب:لاشيء يعدل الشمس مطلقا، ولكن الحلم لا يكفي يامقهور.
    المقـهـور:ولكن...
    الغـريـب:(ثائرا) ولكن ماذا؟ حياتك كلها استدراكات.
    المقـهـور:ولكني خائف، خائف.
    الغـريـب:(محذرا) تخاف؟ ابق إذن في الظلام أبدا، تعاشرك الصراصير والجرذان.
    المقـهـور:(فزعا) الصراصير والجرذان؟
    الغـريـب:هل تحب الصراصير والجرذان؟
    المقـهـور:تريد الحقيقة؟ لقد كدت آلفها.
    الغـريـب:أو لعلك كدت تمسخ جرذا أو صرصورا.
    المقـهـور:(مؤكدا) قلها ولا تخف، انظر
    (يحمل بين يديه جرذا يداعبه).
    الغـريـب:أخشى أن تتحول يوما إلى جرذ مثل الذي تحمله بين يديك.
    المقـهـور:أقول لك الحقيقة؟
    الغـريـب:قل.
    المقـهـور:وتقبل قولي؟
    الغـريـب:إن وجدته صائبا طبعا.
    المقـهـور:وإن لم تجده صائبا؟
    الغـريـب:سأرفضه طبعا.
    المقـهـور:إذن فلماذا أقول لك إن كنت سترفضه؟
    الغـريـب:قل وسنرى.
    المقـهـور:أنا أحب الجرذان والصراصير، وأحب السبات وهذا الظلام.
    الغـريـب:(مؤكدا) من عاشر شيئا أربعين يوما ألفه، وتعود عليه.
    المقـهـور:أما أنا فقد عاشرتها قرونا.
    الغـريـب:والشمس ألا تحبها؟
    المقـهـور:أجل أحبها...ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا بغضب) ولكن، أمازلت في الاستدراكات؟
    المقـهـور:ولكن الشمس أمرها صعب.
    الغـريـب:وما أنت فيه؟
    المقـهـور:ما أنا فيه، أسهل وأبسط.
    الغـريـب:أسهل، ولكنه أهون وأحقر.
    المقـهـور:(مفكرا) الأسهل...الأصعب؟؟؟
    الغـريـب:إذن أنت بين أمرين إما...وإما...وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
    المقـهـور:(بعد صمت) تذكرت أمرا أريد أن أبوح به إليك.
    الغـريـب:هل هو سر؟
    المقـهـور:لا ليس سرا، ولكن لعلك لا تعرفه.
    الغـريـب:اذكره.
    المقـهـور:هل تعرف كيف كان هذا البيت؟
    الغـريـب:وكيف كان؟
    المقـهـور:(متذكرا) كان قصرا فخما...عظيما... تطل عليه الشمس لا تطل إلا عليه...ولا تغرب عنه أبدا... وكانت حوله حدائق غناء...وأزهار وماء... وكان الناس جميعا، رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم ومشاربهم، إذا أرادوا استنشاق الهواء، أو رؤية الشمس، جاءوا هنا... صدقني بل لقد كانت تحمل إليهم الشمس، ويحمل إليهم الهواء إلى مساكنهم، نعم هذه هي الحقيقة صدقني لا تظنني مجنونا ولا حالما.
    الغـريـب:اطمئن أنا مصدق لك، بل أنا أعرف عنك كل شيء.
    المقـهـور:(مندهشا) تعرف عني كل شيء، ومن أدراك؟
    الغـريـب:اذكر أمامي حاضرك، وسأحدثك من أنا؟
    المقـهـور:تريد أن أحدثك عني الآن؟
    الغـريـب:نعم الآن.
    المقـهـور:(متحسرا) بل منذ زمان طويل، طويل، لست أدري ماذا وقع حتى انقلب الوضع هكذا.
    الغـريـب:لاتدري ماذا وقع، لماذا؟ هل كنت فاقد الوعي؟
    المقـهـور:(وقد انحدرت دموعه) ألم تقل أنك تعرف عني كل شيء؟ أجل لقد كنت فاقد الوعي والحس، كنت مخمورا…ولما أفقت وفتحت عيني…وجدت الظلام يضرب بجرانه من حولي…فذبلت الأشجار والأزهار، ومات كل هزار، وغار الماء، وبدأ القصر يتقلص حتى أضحى حجرة واحدة، وهي هذه التي تراها، وذبلت النخلات الواحدة تلو الأخرى، وهوت أعجازها
    (ينتحب باكيا)
    وأخبرت بعد ذلك أن قوما سرقوا الشمس، واتجهوا بها إلى الغرب، هل تعرف؟
    الغـريب:وماذا أعرف؟
    المقـهـور:(حزينا) كم بكيت ذلك اليوم...! بكيت كثيرا... بكيت دما لا دموعا.
    الغـريـب:(مستهزئا) بكيت فقط؟ إني لأشفق لحالك.
    المقـهـور:وما عساني أفعل؟
    الغـريـب:إن البكاء كأدوية الأمراض العصبية، تضر أكثر مما تنفع.
    المقـهـور:صدقت فأنا كمريض الأعصاب، لا أعيش هذه الأيام إلا على البكاء والأحلام.
    الغـريـب:ولكن ما كان عليك أن تبكي.
    المقـهـور:وما تريدني أن أفعل؟
    الغـريـب:كان عليك أن تقاوم.
    المقـهـور:(مستهزئا) أقاوم...! كيف؟
    الغـريـب:ألا تعرف كيف تقاوم؟ سبحان الله !
    المقـهـور:حينما أخرجت سيفي وجدت الصدأ قد علاه، وأما رمحي
    (يشير إليه)
    فانظر لحاله لم يبق منه إلا سنانه… وفوق هذا لقد وجدت هذه الجدران من حولي تمنعني من الانطلاق… والظلام الحالك يخفي عني كل شيء.
    (يطرق حزينا)
    الغـريـب:لقد كبلوك...سرقوا منك الشمس، وكبلوك حتى لا تلحق بهم.
    المقـهـور:وبقيتُ طوال هذه القرون أعيش في هذا السجن المظلم.
    الغـريـب:ولم تحاول أن تفعل شيئا؟
    المقـهـور:كنت أعرف أني لن أستطيع فعل أي شيء أبدا.
    الغـريـب:فلجأت إلى النوم؟
    المقـهـور:أجل هو ذاك.
    الغـريـب:هكذا ببساطة.
    المقـهـور:إن الذي لا يبصر غير الظلام، لا يلجأ إلا للنوم.
    الغـريـب:وما إن رأت عيناك الظلام حتى استسلمت للسبات العميق، إن النوم يسكن نفسك، يعشش في أعماقها وأغوارها لا في الظلام أيها المقهور المدحور.
    المقـهـور:تعودت عيناي الظلام فمالت إليه، شعرت بادئ الأمر بالوحشة، ولكن بعد ذلك استأنست بالجرذان والصراصير والعناكب، لقد كانت لي رفيقة تملأ علي وقتي وتقتل الفراغ.
    الغـريـب:والآن أليس لك شوق إلى الشمس؟
    المقـهـور:رغم أني حاولت طرد طيفها من ذهني إلا أن الشوق إليها مازال يسكنني حتى النخاع.
    الغـريـب:(متعجبا) ماذا قلت، حتى النخاع؟؟ !
    المقـهـور:أجل حتى النخاغ.
    الغـريـب:سبحان الله ! وتعيدها؟
    المقـهـور:(مرتبكا) هل أخطأت في الحديث؟
    الغـريـب:إن أمثالك لا يملكون نخاعا، ولا يحق لهم أن يتحدثوا عن النخاع.
    المقـهـور:النخاع؟؟
    (يمس ظهره ورقبته للتأكد)
    بقي منه شيء في رقبتي، والباقي التهمه الظلام.
    الغـريـب:(بحزن) صدقت، الظلام يأكل النخاع. لا يحب شيئا أكثر مما يحب النخاع.
    المقـهـور:(حائرا) تعني أنني، أنني........
    الغـريـب:(مقاطعا) نعم إذا بقيت هكذا فسيزول نخاعك تماما تماما.
    المقـهـور:(خائفا مضطربا) تععـ…عني، أننـ... نني...
    الغـريـب:نعم، وستموت إذا زال نخاعك.
    المقـهـور:(وقد اشتد خوفه) تععـ …ـععنني...
    الغـريـب:نعم، وستندثر إلى الأبد، إلى الأبد.
    المقـهـور:(يبتلع ريقه بصعوبة) ولا أرى الشـ...ـشـمس؟
    الغـريـب:لن ترى الشمس مطلقا أبدا، والشمس لن تراك.
    المقـهـور:(وقد جحظت عيناه) لن تراني، ياويلي ما أشقاني !
    الغـريـب:إن الشمس لا تحب الأموات وأهل القبور.
    المقـهـور:(مستنجدا) والحل؟
    الغـريـب:والحل؟ تبحث عن الحل؟ الحل في يديك.
    المقـهـور:(مستغربا) في يدي؟ ما في يدي شيء.
    (يبسط يديه).
    الغـريـب:كي لا تفقد نخاعك عليك أن ترى الشمس وتراك.
    المقـهـور:(بفرح) حقا؟
    الغـريـب:إذا رأيت الشمس وأحسست بالدفء نما نخاعك، ونجوت من الموت المحتم.
    المقـهـور:ولكن هذا الحل ليس في يدي.
    الغـريـب:بل هو في يديك.
    المقـهـور:ولكن كيف؟ !
    الغـريـب:هل تطيعني في كل ما آمرك به، وتطبق كل ما أشير به عليك؟
    المقـهـور:السمع والطاعة.
    الغـريـب:(آمرا) قم على رجليك أولا.
    المقـهـور:تعني أني سأرى الشمس حين أقوم؟
    الغـريـب:هذه الخطوة الأولى فقط.
    المقـهـور:وبعدها خطوات؟
    الغـريـب:سترى.
    المقـهـور:الأمر صعب إذن؟
    الغـريـب:حاول، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
    المقـهـور:(خائفا) وإذا لم أستطع.
    الغـريـب:حاول، حرك ما تبقى من جمر تحت هذا الرماد.
    المقـهـور:ولكني أحس بالشلل في ساقيّ.
    الغـريـب:حركهما رويدا رويدا.
    المقـهـور:(مذعورا) أخاف...
    الغـريـب:تخاف، ابق إذن في الظلام كالحشرات، ليس للرعديد مكان في هذه الحياة.
    (يهم بالانصراف)
    المقـهـور:(مسترحما) لا لا أرجوك، لا تنصرف، لا تتركني وحدي.
    الغـريـب:حسن، لن أنصرف ولكن حاول.
    المقـهـور:ماذا أفعل؟
    الغـريـب :حرك رجليك.
    المقـهـور:(يحركهما ببطء وبصعوبة ويضج) أي...أي... أي...
    الغـريـب:حاول أكثر حاول.
    (يحاول المقهور تحريك رجليه)
    حرك رجليك بقوة
    (يحركهما.. يهتف فرحا)
    جميل لقد استطعت، هذه الخطوة الأولى.
    المقـهـور:(فرحا) لقد أحسست بالدم يسري في رجلي.
    الغـريـب :حاول أن تقوم، هيا حاول، حاول.
    المقـهـور:(مستغربا) أقوم؟ !
    الغـريـب:أجل، هل هذا صعب؟
    المقـهـور:وأنت، هل تراه سهلا؟
    الغـريـب:طبعا، طبعا، جرب وسترى.
    المقـهـور:(خائفا) ولكنني، ولكنني...
    الغـريـب:(مقاطعا)ولكن ماذا؟قلت لك ألف مرة كفاك استدراكا، إن الاستدراك من شيم الضعاف.
    المقـهـور:(خائفا) ولكني لا أستطيع.
    الغـريـب:(غاضبا) لا تستطيع؟
    المقـهـور:أخشى أن لا أستطيع.
    الغـريـب:لا تستطيع؟ ابق إذن في الظلام، لن أعود إليك، إني أكره المنهزمين.
    (يهم بالانصراف)
    المقـهـور:(مستشفعا) لا، لا أرجوك، إني أكره الظلام، أكره الظلام.
    الغـريـب:(متوقفا) لا يكفي كره الظلام، بل يجب أن تعقد العزم الأكيد على تبديده.
    المقـهـور:حاضر، حاضر.
    الغـريـب:ولن تتمكن من تبديد الظلام إلا إذا بددته من داخلك وأزلته من على قلبك.
    المقـهـور:(مذعنا) حسنا، حسنا سأفعل.
    الغـريب:هيا قم إذن.
    المقـهـور:(مستعطفا) ساعدني على القيام.
    الغـريـب:(غاضبا) أساعدك؟ هذه لعمري ثالثة الأثافي…
    المقـهـور:ما طلبت محالا.
    الغـريـب:(غاضبا) بل طلبت حراما، وإياك أن تعيدها.
    المقـهـور:العفو إن كنت أخطأت.
    الغـريـب:تأكد من أنك أخطأت خطأ فادحا.
    المقـهـور:هل تعتبر طلب المساعدة خطأ.
    الغـريـب:من اعتمد على غيره ضاع، ومن أكل بغير يده جاع، ومن قلد غيره ماع.
    المقـهـور:(يائسا) لن تمد لي يد المساعدة إذن؟
    الغـريـب:(محذرا) لا تعود نفسك الاعتماد على غيرك.
    المقـهـور:حسنا سأحاول
    (يتحرك محاولا القيام)
    أي...أي...أي... سأستعين بالجدار.
    الغـريـب:(محذرا) لا تتكئ على الجدران...لا تتكئ على الجدران...إياك والاتكاء على الجدران.
    المقـهـور:(منقادا) حسن ها أنذا أتخلى عنه.
    (يحاول أن يقف..بعد لحظات وقد وقف يصيح فرحا)
    جميل لقد وقفت، لقد وقفت.
    الغـريـب:جميل حقا هذا !
    المقـهـور:(تسيل دموعه فرحا) ما كنت أظن...ما كنت أظن.
    الغـريـب:ما الذي لم تكن تظنه؟
    المقـهـور:ما كنت أظن يوما أنني سأقوم...منذ نمت في المرة الأولى كنت أحلم بالوقوف، ولكن حلمي هذا لم يكن يتجسد على أرض الواقع، بل كان يتبخر ويتلاشى، والسبب هو أنني كنت أخشى السقوط.
    الغـريـب:العضو الذي لا يعمل يضمر، والذي يخشى السقوط يعيش أبد الدهر بين الحفر.
    المقـهـور:كدت أضمر كلية، جسمي كله توقف عن الحركة منذ قرون، مذ فرضت علي الظلمة، ودخلت في سبات عميق.
    الغـريـب:بل وحتى عقلك كاد يتوقف.
    المقـهـور:كنت أخشى التفكير، كما كنت أخشى الوقوف.
    الغـريـب:(حاثا) تحرك خطوة إلى الأمام.
    المقـهـور:جيد سأحاول
    ( يحاول أن يتحرك فيكاد توازنه أن يختل)
    الغـريـب:(محذرا) إياك أن تعود إلى الوراء... إياك... إياك.
    المقـهـور:ولكني لم أستطيع، أكاد أعود إلى الوراء.
    الغـريـب:(غاضبا) لا تنـف عن نفسك الاستطاعة، أنت أقدر على كل شيء.
    المقـهـور:ولكنني أكاد أعود إلى الوراء.
    الغـريـب:خطوة إلى الوراء تكلفك حياتك، هل فهمت معنى تكلفك حياتك؟
    المقـهـور:لا لم أفهم بعد.
    الغـريـب:يعني ستموت، ستفنى، ستندثر.
    المقـهـور:(خائفا) لا، لا أريد أن أموت، لا أريد أن أندثر.
    الغـريـب:إذن اخط إلى الأمام.
    المقـهـور:أعني على ذلك.
    الغـريـب:اعتمد على نفسك ولاتكن متواكلا.
    (يحاول المقهور مرة ثانية، ويندفع خطوة إلى الأمام يصفق الغريب مشجعا)
    آه جميل، جميل رائع، اخط ثانية…اخط.
    (يخطـو ثانية)
    المقـهـور:(مشجعا) وأخرى ثالثة.
    (يخطو خطوة ثالثة)
    الغـريـب:سر مطلقا الآن.
    (يندفع بطلاقة)
    أرأيت كم هي الأمور سهلة؟ المهم أن تبدأ، أن تتحرك، ومسافة الميل تبدأ بخطوة.
    المقـهـور:(وقد تهلهل وجهه) الحمد لله لقد أنقذتني، لقد قطعت الوثاق الذي كان يعيق حركتي، ما كنت أحسب أني سأسير، لقد سرت الحرارة في جسمي كله.
    الغـريـب:ألم أقل لك حاول فقط وستنجح؟
    المقـهـور:كل هذا بفضلك، وإني لأشكرك؟
    الغـريـب:أنا لم أفعل شيئا، أنت فعلت كل شيء.
    المقـهـور:(مستنكرا) أنا فعلت كل شيء !
    الغـريـب:أنت تملك الاستطاعة والقدرة، وأنا حركت فيك الاستطاعة والقدرة.
    المقـهـور:أنا أملك الاستطاعة الآن إذن؟
    الغـريـب:أمازلت تشك في ذلك؟ الاستطاعة في داخلك كالجمر غطاه الرماد يحسبه السطحيون رمادا لا جذوة فيه، ولكن ما إن يزال عنه الرماد حتى يتوهج نوره، ويسري دفئه
    المقـهـور:أنت حكيم حقا ! ولكن قل لي: هل يمكنني أن أرى الشمس الآن؟
    الغـريـب:لا مازالت أمامك خطوات.
    المقـهـور:طويلة هي؟
    الغـريـب:طولها وقصرها يتوقف عليك أنت، لا يوجد في الدنيا شيء قصير وآخر طويل، الأشياء العظيمة تصغر أمام الهمم العالية، والأشياء الصغيرة تعظم أمام المتقاعسين.
    المقـهـور:ماذا سأفعل الآن إذن؟
    الغـريـب:نظف بيتك من الجرذان والصراصير.
    المقـهـور:ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا بغضب) لا تستدرك، كفاك استدراكا، إلى متى وأنت تستدرك، قم نظف بيتك نظفها، نظفها.
    المقـهـور:حاضر، هل تعينني على تنظيفها؟
    الغريـب:قلت لك ألف مرة اعتمد على نفسك، ولا تتوكل على غيرك.
    المقـهـور:ولكنني...ولكنني...
    الغـريـب:(بغضب) لاتقل ولكنك لا تستطيع، وأنت بيدك الأمر كله، تنظيف البيت وطرد هذه الحشرات منها ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج منك إلا الإرادة.
    المقـهـور:إذن فأنـا في حاجة إلى مكنسة، سأستعيرها وأقو…
    الغـريـب:(مقاطعا) لقد ران الحمق على قلبك، إنك لا تستوعب الدروس جيدا، أوصيك، لا تعتمد على غيرك، هي ذي النخلة أمامك خذ منها سعفة ونظف بيتك.
    المقـهـور:حاضر، حاضر.
    (يقطع سعفة ويبدأ فتل الصراصير والجرذان والعناكب، يضربها بالسعفة ويدوسها بقدميه حتى يقضي عليها جميعا.. يهتف فرحا)
    آه، لقد حققت الوقوف، وقضيت على الحشرات التي كانت تزعجني، لقد أصبح بيتي نظيفا، ما كنت أحلم يوما بهذا لولا ذلك الغريب،
    (ينظر يمنة ويسرة يبحث عنه فلا يجده)
    ترى أين هو؟ لقد اختفى، ويلي ماذا سأفعل الآن من دونه يارب، ماذا سأفعل؟
    الغـريـب:(وهو يظهر فجأة) اعتمد على نفسك، حكم عقلك.
    المقـهـور:آه هذا أنت؟ لقد جئت في الوقت المناسب.
    الغـريـب:تريد أن أدلك على ما ستفعل.
    المقـهـور:هو ذاك، ماذا سأفعل؟
    الغـريـب:وأنت فيم فكرت؟
    المقـهـور:أنا في رأي يجب أن أطلب الشمس الآن، الآن فورا.
    الغـريـب:كيف تطلب الشمس؟
    المقـهـور:أزيل هذه الحصون التي تمنعها من الوصول إلي وإلى بيتي.
    الغـريـب:وبماذا ستزيل هذه الجدران؟
    المقـهـور:ممتاز أنا لم أفكر في العدة.
    الغـريـب:أرأيت كيف لا ترتب أمورك؟ إن هذا القفز قد يوقعك في الهاوية.
    المقـهـور:ولكن على رسلك، أنا لا أملك عدة... إذن أنا لاأستطيع.
    الغـريـب:(ثائرا) قلت لك مليون مرة لا تقل لا أستطيع، تكذب على نفسك أم على من؟
    المقـهـور:(مرتعدا) العفو… العفو…أستطيع… أستطيع ولكن بماذا أستطيع؟
    الغـريـب:وهذا السيف الذي تملكه، وهذا السنان؟
    المقـهـور:سأبقى إذن قرنا كاملا لأثقب الجدار.
    الغـريب:ابق قرنا، ابق قرنين، المهم أن تثقب الجدار، وتدخل الشمس إلى الدار.
    المقـهـور:(يبدي الاستعداد) حاضر، حاضر، ولو بقيت قرونا.
    الغـريـب:المهم أن تملك الإرادة على المواصلة.
    المقـهـور:سأثقب الجدار بسنان رمحي.
    الغـريـب:بسنان رمحك خير من مدفع غيرك.
    المقـهـور:حسن سأبدأ العمل، ولكن لم تخبرني من أنت، لقد وعدتني أليس كذلك؟
    (ينحني ليحمل السنان، فيختفي الغريب فجأة… يندفع باحثا عنه)
    الله أين هو؟ لقد اختفى كأن لم يكن مطلقا، لا يهم سأبدأ العمل، وحينما سألتقي به ثانية سأسأله.
    (يبدأ في نقر الجدار بكل قوة وعزيمة...كلما يتسع الثقب في الجدار تزداد قوته وعزيمته... يغبر شعره وملابسه، يتصبب العرق من على جسده كله.. يحس أنه قد كاد يحقق الهدف.. يتوقف عن الثقب يمسح العرق)
    يظهر أن الجدار صلب جدا، فرغم الزمن الطويل الذي استغرقته، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته، إلا أني لم أنحت منه إلا القليل، ولكن لابأس، من طلب الشمس قدم مهرها غاليا، لأواصل.
    (يعود إلى النقر من جديد...بعد مدة وقد انبسطت أساريره)
    الله أكاد أزيل الجدار ، أكاد أفتح فيه نافذة، سأرى الشمس بعد قليل.
    (ينقر الجدار بإصبعه ليتأكد)
    لم تبق إلا قشرة رقيقة سأزيلها
    (بصوت أعلى)
    سأزيلها.
    (يواصل النقب بحماس... بعد لحظات يفتح كوة فيهتز فرحا)
    الله فتحتها، فتحتها هاهي الشمس تطل علي... ابشر يامقهور لقد رأيت الشمس... بعدما حرمت منها قرونا.
    (يعود إلى الكوة وينظر منها فينبعث إليه شعاع الشمس...فيجلس حالما)
    آه الحمد الله، سيعود القصر كما كان، وستنمو الأشجار والأزهار... وينساب الماء رقراقا، وتغرد العصافير... ويكتمل نخاعي الشوكي
    (يعود إلى الكوة فيجدها قد أغلقت فيصرخ مندهشا)
    من فعل هذا؟ من منع عني الشمس؟ من؟
    (يدق على الجدار بقبضتيه)
    ملك الشمس:(بصوت خشن) أنا.
    المقـهـور:(يبتعد عن الجدار مرعوبا) أنت؟
    الصـوت:أجل أنا أما تعرفني؟
    المقـهـور:أعرفك؟؟؟ وأنّي لي أن أعرفك؟
    الصـوت:(يقهقه عاليا) سأعرفك بنفسي أيها الجاهل.
    المقـهـور:جاهل؟
    الصـوت:ومغرور يامقهور.
    المقـهـور:(مندهشا) وتعرف اسمي؟
    الصـوت:وأعرف عنك كل كبيرة وصغيرة.
    المقـهـور:من أنت؟
    الصـوت:(بغضب) أنا ملك الشمس وسيدها.
    المقـهـور:(مندهشا) ملك الشمس وسيدها؟
    ملك الشمس:أجل ملك الشمس وسيدها، يامغرور.
    المقـهـور:الشمس للجميع،
    (يضرب الجدار بقبضته)
    افتح، افتح.
    ملك الشمس:(وهو يقهقه)كن صبيا وديعا ياهذا، ولا تعاند، قلت لك أنا ملك الشمس وسيدها.
    المقـهـور:ما سمعت بهذا أبدا، الشمس للجميع، لا سيد لها ولا ملك.
    ملك الشمس:هل تريد أن تتأكد؟
    المقـهـور:ومم أتأكد؟
    ملك الشمس:من أنني ملك الشمس حقا وصدقا، وإن كنت لا أحتاج إلى ذلك.
    المقـهـور:كيف ستؤكد لي؟
    ملك الشمس:سأظهر لك لتراني، وتتأكد بنفسك من أنني ملك الشمس الذي يجب أن تخضع له كل الرقاب.
    المقـهـور:أرني نفسك إن كنت محقا.
    (يظهر ملك الشمس طويلا عريضا، مستنير الوجه، فهو عكس المقهور تماما)
    ملك الشمس:(وهو يقهقه) هــاأنذا.
    المقـهـور:(وهو يصعد فيه النظر بإعجاب واندهاش) أنت... أنت هو ملك الشمس وسيدها؟
    ملك الشمس:(مفتخرا) ولا سيد لها غيري، انظر إلى جسمي، كأني أنا الذي أرسلها.
    المقـهـور:(منبهرا) حقا...وصدقا. !
    ملك الشمس:(مفتخرا) إن المظاهر تدل على المخابر.
    المقـهـور:قد يكون ذلك حقا.
    ملك الشمس:بل هو الحق، انظر إلى جسمك.
    المقـهـور:ما به جسمي؟
    (ينظر إلى جسمه)
    ملك الشمس:إن الناظر إليك يدرك أنك ظلامي، ولدت من رحم لياليه الحالكة.
    المقـهـور:ولكن، أليس من حقي أن أرى الشمس.
    ملك الشمس:لا، لا حق لك.
    المقـهـور:وكل الناس ليس لهم الحق في هذه الشمس.
    ملك الشمس:هي ملكي وملك حلفائي.
    المقـهـور:حلفاؤك ! وأين حلفاؤك؟
    ملك الشمس:لعل الظروف ستسمح لك برؤيتهم.
    المقـهـور:أتمنى ذلك.
    ملك الشمس:عندي فكرة أعرضها عليك.
    المقـهـور:ما هي؟ هاتها.
    ملك الشمس:أن تكون لي خادما.
    المقـهـور:(مندهشا) خادما ! !
    ملك الشمس:وعبدا مطيعا ذلولا خنوعا.
    المقـهـور:(غاضبا) ولماذا أكون لك كذلك؟
    ملك الشمس:وسأعطيك الشمس تنعم بها كيف تشاء.
    المقـهـور:(غاضبا) أعوذ بالله، الشمس مقابل حريتي، حريتي ليس لها ثمن.
    ملك الشمس:وأرفعك مع مرور الزمن إلى مصاف الحلفاء.
    المقـهـور:(رافضا) لا، لا تحاول إغرائي، حريتي لا تشترى الذهب
    ملك الشمس:أنت حر فيما تفعل، ولكن دعني أؤكد لك.
    المقـهـور:ماذا ستؤكد لي؟
    ملك الشمس:(بثقة) تيقن من أنك ستندم حين لاينفع الندم.
    المقـهـور:سنرى.
    (يختفي الغريب، ويشتد حماس المقهور)
    يجب أن أزيل الحاجز الذي وضعوه، إن الشمس من حقي أنا أيضا فلماذا أحرم منها؟
    (يعود إلى النقب من جديد… يتوقف بعد لحظات)
    مواصلة الحفر هكذا سيفني طاقتي، ولكن لابأس، إما أن أرى الشمس وأنعم بدفئها وإما أن أموت دون ذلك، إن الحياة بلا شمس حياة دودة الأرض.
    (يواصل النقب)
    ملك الشمس:(وهو يظهر فجأة مع بعض حلفائه) هذا المشاكس يجب أن نسكته، لقد أكثر علينا الدق وأقلق راحتنا.
    أحدالحلفاء:نقتله ونستريح.
    الثـانـي:(موافقا) فكرة منيرة، لقد نغص علينا حياتنا، وأقلق راحتنا.
    الثـالـث:إذا قتلناه استحوذنا على داره، وضممناها إلينا، أما أن نتركه هكذا بيننا ففي ذلك كل الخطر.
    الأول :خاصة بعد أن استيقظ من الغيبوبة التي أدخلناه فيها منذ قرون.
    ملك الشمس:(معارضا) أما أنا فلا أوافقكم على ما قلتم أبدا، هل تظنون أن الأمر بهذه البساطة؟
    الثـانـي:ماذا تعني؟
    ملك الشمس:لا يمكن أن نقهره، رغم ضعفه فهو قوي، عنيد.
    الثـالـث:وما العمل إذن؟
    ملك الشمس:نعيده إلى الغيبوبة من جديد.
    الأول :فكرة مقبولة، ولكن كيف؟
    ملك الشمس:نقتله بالمماطلة والتسويف، ونشكل له محكمة منا تتظاهر له بالعدل ونصرة المظلوم.
    الثـانـي:فكرة رائعة، إن نجحنا في جره إليها.
    ملك الشمس:(بثقة) لا تخش فهو مازال طيبا، ويمكن خداعه بسهولة.
    الثـالـث:وهكذا كلما احتاج شيئا لجأ إلى المحكمة يشكوها همه، ولم يزعجنا.
    الثـانـي:وما العمل الآن؟
    ملك الشمس:(يأمر الثالث) اذهب وشكل المحكمة، انطلق أنت معه.
    (يشير للأول)
    الثـانـي:ونحن ماذا سنفعل الآن؟
    ملك الشمس:سنستدعيه ونشغله عن طلب الشمس.
    الثـانـي:أسرع وناده قبل أن يهدم علينا الجدار.
    ملك الشمس:(ينادي المقهور) يامقهور، يامقهور، لا تكن مغرورا وأقبل.
    (يتوقف المقهور عن النقب)
    المقـهـور:ماذا تريد؟ دعني وشأني، لا تشغلني عن طلب الشمس
    ملك الشمس:(بلين) حقك نحن نعترف لك به.
    المقـهـور:(مندهشا، وهو يمسح العرق عنه) حقا ما قلت؟ا
    ملك الشمس:إني صادق، ملك الشمس لا يكذب أبدا.
    المقـهـور:(محدثا نفسه باستغراب) ملك الشمس لا يكذب أبدا؟؟
    ملك الشمس:ماذا قلت؟ مالك تكلم نفسك؟؟؟
    المقـهـور:(منتبها) آه...آه نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا حقا،حقا.
    ملك الشمس:نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا، ولكن حقك لا تأخذه بالفوضى.
    المقـهـور:ماذا قلت؟ بالفوضى؟
    ملك الشمس:أجل حقك لا تأخذه بالفوضى.
    المقـهـور:وهل تعتبر هذا فوضى؟
    ملك الشمس:أجل ما في ذلك شك، ولا يختلف في ذلك عاقلان.
    المقـهـور:حسن، وكيف يمكنني أن أتحصل على حقي؟
    ملك الشمس:تحصل عليه بالعدل والإنصاف.
    المقـهـور:(مستغربا) بالعدل والإنصاف !منك أنت؟
    ملك الشمس:أجل مني أنا.
    المقـهـور:(متعجبا) سبحان الله مغير الأحوال ! !
    ملك الشمس:أما تدري أننا نصبنا للعدل محكمة يخضع لها الجميع؟
    المقـهـور:محكمة ! وهل تقيم العدل؟
    ملك الشمس:أو تشك في ذلك؟ إن الطعن في عدالتها لمن سوء الأدب
    المقـهـور:لا، لا حاشاك، حاشاك.
    ملك الشمس:وكل من يطعن في عدالتها فإننا نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
    الحـليـف:(غاضبا) أجل نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
    أصــوات:(بغضب كأنما رجع صدى) أجل نصفه بالوحشية، البداوة والرجعية، والإرهاب.
    المقـهـور:(خائفا) من هؤلاء سيدي؟
    ملك الشمس:هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.
    المقـهـور:أهل الحق والعدل ! ما أسعدني أن أراهم ياسيدي!
    ملك الشمس:استغفر الله الأطهار لا يظهرون إلا للأطهار مثلي ومثل حلفائي.
    المقـهـور:
    (معتذرا) لا، لا أرجوك، ما قصدت إلى ذلك أبدا، أنا أحب العدل، وأحب الحق، وأحب كل من يقوم بذلك.
    ملك الشمس:إذن فقد قبلت حضور المحكمة الآن؟
    المقـهـور:وقبلت حكمها العادل مسبقا.
    ملك الشمس:هكذا تكون إنسانا تستحق الاحترام والتقدير (لحليفه) استدع لنا أعضاء المحكمة الموقرة العادلة، للنظر في قضية جارنا المقهور.
    المقـهـور:لا، لا قبل أن تنطلق، عرفني به أولا.
    ملك الشمس:أما تعرفه؟ تأمله إن بيني وبينه لحمة نسب ووشائج قربى، وإنك لترى ذلك في محياه.
    المقـهـور:(متذكرا) أليس هو الحليف الذي ذكرته لي؟
    ملك الشمس:(مراوغا) الله ! ما أذكاك ! إنه هو بشحمه ولحمه، وإنه لشرف كبير أن تلقاه، وتنعم برؤية محياه.
    الحـليـف:أتمنى أن تتوطد العلاقة بيننا.
    المقـهـور:وإني لأتمنى مثلما تتمنى.
    ملك الشمس:(للحليف) هيا، هيا انطلق ليس لنا وقت نضيعه…
    (ينطلق لاستدعاء أعضاء المحكمة)
    انفض عنك الغبار، واستعد لاستقبال العدل.
    المقـهـور:حاضر، حاضر لقد أنستني الدهشة كل شيء
    (ينفض ثيابه البالية من الغبار، ويعدل من هندامه)
    ها أنا على أتم الاستعداد.
    ملك الشمس:كن حكيما ورزينا.
    (يدخل أعضاء المحكمة)
    هاهم أعضاء المحكمة الموقرة، اسجد، اسجد.
    المقـهـور:أسجد؟ ولمه؟
    ملك الشمس:(بغضب) ويلك اسجد للعدل والحق ولا تناقش
    (يطأطئ له رأسه)
    الحكـيـم:نطلب من الخصمين أن يقفا للفصل بينهما.
    (يقف ملك الشمس من جهة، والمقهور من الجهة الأخرى يفتتح الحكيم الجلسة)
    باسم الرب الذي في السماء باسم العدل والحق والأخوة نفتتح جلستنا اليوم، متمنين أن نوفق للخير، وأن نكون عند حسن ظن الجميع، كما نطلب من الجميع احترام الجلسة والسلام.
    ملك الشمس:(للمقهور) قدم شكواك الآن.
    المقـهـور:(مضطربا) أقدم شكواي ! ماذا أقول؟
    ملك الشمس:ويلك ألا تدري ما تقول؟
    المقـهـور:حسنا...حسنا...أح...أح...أيها القاضي...
    ملك الشمس:(مقاطعا) لا، بل سيدي الحكيم المفدي.
    المقـهـور:(معتذرا) عفوا...عفوا.
    الحكـيـم:تفضل، تفضل لا بأس عليك.
    المقـهـور:(يعتدل في وقفته) أح...أح...سيدي الحكيم العظيم، صاحب العقل القويم، والمنطق السليم، والحسب الكريم، أرفع إليك شكواي يامولاي، لقد طلبت الشمس، ولكن هذا الأحمر الطويل، هددني بالثبور والويل، وقال ليس من حقك الشمس أبدا، فأنا سيدها وملكها الأوحدا، إلا أني واثق من أن عدالة سيادتكم العظيمة ستعيد لي حقوقي السليبة.
    الحكـيـم:نشكرك على هذه الثقة…وهذه الكلمات الجميلة.
    ملك الشمس:أما أنا فقد قدمت شكواي، وشرحت قضيتي في رسالة وجهتها إلى سيادتكم، ولا داعي لأن أقول شيئا.
    الحكـيـم:نستأذنكم إذن لمناقشة القضية
    (يناقش الحكيم مع مساعديه القضية همسا... وبعد لحظات)
    بعد الاستماع إلى قضيتكما، ودراسة أبعادها وخباياها قررنا مايلي:
    نحن هيئة الأخوة والوئام، نندد بشدة بالعملية الإجرامية التي ارتكبها في حقك الأحمر الطويل، وندعو عليه بالثبور والويل، ونناشد الإخوة جميعا أن يقفوا في صفك لتحقيق حلمك، والسلام.
    المقـهـور:(مندهشا) والسلام؟ !
    الحكـيـم:(يسلم القرار مكتوبا للمقهور) هاك القرار ياصاحب الحق، وثق أننا سنكون إلى جانبك.
    المقـهـور:إن الحكم سيدي لا يكون إلا بإعادة الحق إلى أهله، ومعاقبة المجرم.
    الحكـيـم:(غاضبا)أتقدح في عدالة أسيادك أيها الجلف؟
    يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــ ــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    27/06/2007
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي البحث عن الشمس الجزء الأول ويليه الثاني

    البحث عن الشمس

    مسرحية في جزئين

    الجزء الأول

    الإهـداء

    إلى الطفل الشهيد
    محمد جمال الدرة الذي اصاعد ذات انتفاضة إلى سدرة الشهداء إلى كل الواقفين في طليعة الأمة العربية الذائدين عن حياضيها المنافحين عن عزتها وكبريائها الرافعين ألوتها خفاقة مكابرة إليهم جميعا أرفع هذا الإيحاء

    في حجرة مظلمة رطبة، لا باب لها، أرضيتها مليئة بالجرذان والعناكب والصراصير، كان المقهور نائما مدثرا بغطاء ممزق، يملأ شخيره الحجرة.
    بعد لحظات يدخل الحجرة الغريب، وهو رجل عليه سمات الوقار، يلبس ثيابا بيضاء جديدة.

    الغـريب: (متعجبا) ياإلهي، ما هذا الشخير؟ الأرض تدور… الكون يدور…والفلك يدور…وها، ذا المقهور في بيته مقبور؟ آه… آه …آه…
    (يدور هنا وهناك، ثم يقف عند رأس المقهور يضربه على رأسه بعصاه)
    قم، كفــاك نوما قم...قم.
    المقـهـور:(لا يرد وينكمش على نفسه).
    الغـريـب :(يضربه ثانية بشدة) قلت لك، قم كفاك خمولا، يامقهور الأرض تدور، الأفلاك تدور، الكون يدور، وأنت هنا مقبور؟ قم وإلا ابتلعتك الشرور.
    المقـهـور:(يتململ ولا يرد).
    الغـريـب:(وهو يهزه هزا عنيفا) قم كفاك سباتا.
    المقـهـور:(وهو ينكمش على نفسه) دثرني، دثرني، ودعني أنام.
    الغـريـب:(ينزع عنه الدثار الممزق) إلى متى وأنت نائم؟
    (بصوت أعلى)
    النوم انشطار، وانتثار، واندثار.
    المقـهـور:(يجلس ويفرك عينيه) منذ متى وأنا نائم؟
    الغـريـب:(يضحك مستهزئا) منذ متى؟؟؟ لا تدري منذ متى وأنت نائم؟؟؟ ألم أقل لك أن النوم موت؟
    المقـهـور:لا ليس موتا، ولكنه كالموت فقط.
    الغـريـب:إذن فأنت ترى أن بينهما فرقا؟
    المقـهـور:المهم أني لم أمت، أنا مازلت حيا أرزق، والمهم أن تجيبني عن سؤالي، منذ متى وأنا نائم؟
    الغـريـب:(متنهدا) منذ قرون إن أردت الحقيقة.
    المقـهـور:(متعجبا) منذ قرون؟ منذ قرون؟؟ إنه لزمن طويل حقا، لا بأس كل ما فات مات، وكل ما مات رفات، ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ قلت لك قم.
    المقـهـور:(منكمشا على نفسه) آحح آحح، أشعر بالبرد القارس ينهش مفاصلي نهشا.
    الغـريـب:(بمرارة) البرد فقط؟ وهذه الرائحة العفنة التي تملأ عليك المكان، أما أحسست بها؟ وهذا الظلام الذي يسدل ستائره عليك، وهذه الجرذان والصراصير والعناكب التي تملأ عليك الحجرة، وهذه النخلة الميتة التي لم يبق منها إلا الجذر...إني لأعجب كيف أن الدود لم يأكلك؟
    المقـهـور:(بحزن وحسرة) بل أحس بها جميعا، كما أحس بالبرد تماما، ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟
    المقـهـور:ولكن لا حيلة لي.
    الغـريـب:اطلب الشمس.
    المقـهـور:(متعجبا) أطلب الشمس؟
    الغـريـب:اسمع يامقهور، إن الشمس لن تخترق الجدران إليك، ولن تتسرب عبر الإسمنت والصخور.
    المقـهـور:(حالما) الله...لم أر الشمس منذ قرون
    (وهو يجلس)
    أسألك سؤالا...؟
    الغـريـب:اسأل...
    المقـهـور:ماهو لون الشمس اليوم؟
    الغـريـب:(مستهزئا) هل تريد أن تتذوق بي أنا؟
    المقـهـور:ألا يمكن ذلك؟
    الغـريـب:أجل يستحيل ذلك.
    المقـهـور:(حائرا) والعمل...؟
    الغـريـب:ذق أنت بنفسك، أليس لك عينان ترى بهما؟
    المقـهـور:لقد كاد الظلام يطمسهما تماما.
    الغـريـب:حاول.
    المقـهـور:(خائفا) ربما لا أستطيع.
    الغـريـب:بل تستطيع دون شك.
    الغـريـب:كن أصلب منها وحطمها.
    المقـهـور:(متعجبا) أحطمها كلها؟
    الغـريـب:أحدث فيها ثقبا على الأقل، حتى ترى الشمس أولا، ثم حطمها كلها بعد ذلك.
    المقـهـور:وأنت متأكد من أنني سأجد الشمس؟
    الغـريـب:لاشك في ذلك.
    المقـهـور:(حالما) إيه، ما أحلى الشمس...هل تعلم أني منذ زمان وأنا أحلم بالشمس، وبأشعتها الدافئة؟
    الغـريـب:لاشيء يعدل الشمس مطلقا، ولكن الحلم لا يكفي يامقهور.
    المقـهـور:ولكن...
    الغـريـب:(ثائرا) ولكن ماذا؟ حياتك كلها استدراكات.
    المقـهـور:ولكني خائف، خائف.
    الغـريـب:(محذرا) تخاف؟ ابق إذن في الظلام أبدا، تعاشرك الصراصير والجرذان.
    المقـهـور:(فزعا) الصراصير والجرذان؟
    الغـريـب:هل تحب الصراصير والجرذان؟
    المقـهـور:تريد الحقيقة؟ لقد كدت آلفها.
    الغـريـب:أو لعلك كدت تمسخ جرذا أو صرصورا.
    المقـهـور:(مؤكدا) قلها ولا تخف، انظر
    (يحمل بين يديه جرذا يداعبه).
    الغـريـب:أخشى أن تتحول يوما إلى جرذ مثل الذي تحمله بين يديك.
    المقـهـور:أقول لك الحقيقة؟
    الغـريـب:قل.
    المقـهـور:وتقبل قولي؟
    الغـريـب:إن وجدته صائبا طبعا.
    المقـهـور:وإن لم تجده صائبا؟
    الغـريـب:سأرفضه طبعا.
    المقـهـور:إذن فلماذا أقول لك إن كنت سترفضه؟
    الغـريـب:قل وسنرى.
    المقـهـور:أنا أحب الجرذان والصراصير، وأحب السبات وهذا الظلام.
    الغـريـب:(مؤكدا) من عاشر شيئا أربعين يوما ألفه، وتعود عليه.
    المقـهـور:أما أنا فقد عاشرتها قرونا.
    الغـريـب:والشمس ألا تحبها؟
    المقـهـور:أجل أحبها...ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا بغضب) ولكن، أمازلت في الاستدراكات؟
    المقـهـور:ولكن الشمس أمرها صعب.
    الغـريـب:وما أنت فيه؟
    المقـهـور:ما أنا فيه، أسهل وأبسط.
    الغـريـب:أسهل، ولكنه أهون وأحقر.
    المقـهـور:(مفكرا) الأسهل...الأصعب؟؟؟
    الغـريـب:إذن أنت بين أمرين إما...وإما...وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
    المقـهـور:(بعد صمت) تذكرت أمرا أريد أن أبوح به إليك.
    الغـريـب:هل هو سر؟
    المقـهـور:لا ليس سرا، ولكن لعلك لا تعرفه.
    الغـريـب:اذكره.
    المقـهـور:هل تعرف كيف كان هذا البيت؟
    الغـريـب:وكيف كان؟
    المقـهـور:(متذكرا) كان قصرا فخما...عظيما... تطل عليه الشمس لا تطل إلا عليه...ولا تغرب عنه أبدا... وكانت حوله حدائق غناء...وأزهار وماء... وكان الناس جميعا، رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم ومشاربهم، إذا أرادوا استنشاق الهواء، أو رؤية الشمس، جاءوا هنا... صدقني بل لقد كانت تحمل إليهم الشمس، ويحمل إليهم الهواء إلى مساكنهم، نعم هذه هي الحقيقة صدقني لا تظنني مجنونا ولا حالما.
    الغـريـب:اطمئن أنا مصدق لك، بل أنا أعرف عنك كل شيء.
    المقـهـور:(مندهشا) تعرف عني كل شيء، ومن أدراك؟
    الغـريـب:اذكر أمامي حاضرك، وسأحدثك من أنا؟
    المقـهـور:تريد أن أحدثك عني الآن؟
    الغـريـب:نعم الآن.
    المقـهـور:(متحسرا) بل منذ زمان طويل، طويل، لست أدري ماذا وقع حتى انقلب الوضع هكذا.
    الغـريـب:لاتدري ماذا وقع، لماذا؟ هل كنت فاقد الوعي؟
    المقـهـور:(وقد انحدرت دموعه) ألم تقل أنك تعرف عني كل شيء؟ أجل لقد كنت فاقد الوعي والحس، كنت مخمورا…ولما أفقت وفتحت عيني…وجدت الظلام يضرب بجرانه من حولي…فذبلت الأشجار والأزهار، ومات كل هزار، وغار الماء، وبدأ القصر يتقلص حتى أضحى حجرة واحدة، وهي هذه التي تراها، وذبلت النخلات الواحدة تلو الأخرى، وهوت أعجازها
    (ينتحب باكيا)
    وأخبرت بعد ذلك أن قوما سرقوا الشمس، واتجهوا بها إلى الغرب، هل تعرف؟
    الغـريب:وماذا أعرف؟
    المقـهـور:(حزينا) كم بكيت ذلك اليوم...! بكيت كثيرا... بكيت دما لا دموعا.
    الغـريـب:(مستهزئا) بكيت فقط؟ إني لأشفق لحالك.
    المقـهـور:وما عساني أفعل؟
    الغـريـب:إن البكاء كأدوية الأمراض العصبية، تضر أكثر مما تنفع.
    المقـهـور:صدقت فأنا كمريض الأعصاب، لا أعيش هذه الأيام إلا على البكاء والأحلام.
    الغـريـب:ولكن ما كان عليك أن تبكي.
    المقـهـور:وما تريدني أن أفعل؟
    الغـريـب:كان عليك أن تقاوم.
    المقـهـور:(مستهزئا) أقاوم...! كيف؟
    الغـريـب:ألا تعرف كيف تقاوم؟ سبحان الله !
    المقـهـور:حينما أخرجت سيفي وجدت الصدأ قد علاه، وأما رمحي
    (يشير إليه)
    فانظر لحاله لم يبق منه إلا سنانه… وفوق هذا لقد وجدت هذه الجدران من حولي تمنعني من الانطلاق… والظلام الحالك يخفي عني كل شيء.
    (يطرق حزينا)
    الغـريـب:لقد كبلوك...سرقوا منك الشمس، وكبلوك حتى لا تلحق بهم.
    المقـهـور:وبقيتُ طوال هذه القرون أعيش في هذا السجن المظلم.
    الغـريـب:ولم تحاول أن تفعل شيئا؟
    المقـهـور:كنت أعرف أني لن أستطيع فعل أي شيء أبدا.
    الغـريـب:فلجأت إلى النوم؟
    المقـهـور:أجل هو ذاك.
    الغـريـب:هكذا ببساطة.
    المقـهـور:إن الذي لا يبصر غير الظلام، لا يلجأ إلا للنوم.
    الغـريـب:وما إن رأت عيناك الظلام حتى استسلمت للسبات العميق، إن النوم يسكن نفسك، يعشش في أعماقها وأغوارها لا في الظلام أيها المقهور المدحور.
    المقـهـور:تعودت عيناي الظلام فمالت إليه، شعرت بادئ الأمر بالوحشة، ولكن بعد ذلك استأنست بالجرذان والصراصير والعناكب، لقد كانت لي رفيقة تملأ علي وقتي وتقتل الفراغ.
    الغـريـب:والآن أليس لك شوق إلى الشمس؟
    المقـهـور:رغم أني حاولت طرد طيفها من ذهني إلا أن الشوق إليها مازال يسكنني حتى النخاع.
    الغـريـب:(متعجبا) ماذا قلت، حتى النخاع؟؟ !
    المقـهـور:أجل حتى النخاغ.
    الغـريـب:سبحان الله ! وتعيدها؟
    المقـهـور:(مرتبكا) هل أخطأت في الحديث؟
    الغـريـب:إن أمثالك لا يملكون نخاعا، ولا يحق لهم أن يتحدثوا عن النخاع.
    المقـهـور:النخاع؟؟
    (يمس ظهره ورقبته للتأكد)
    بقي منه شيء في رقبتي، والباقي التهمه الظلام.
    الغـريـب:(بحزن) صدقت، الظلام يأكل النخاع. لا يحب شيئا أكثر مما يحب النخاع.
    المقـهـور:(حائرا) تعني أنني، أنني........
    الغـريـب:(مقاطعا) نعم إذا بقيت هكذا فسيزول نخاعك تماما تماما.
    المقـهـور:(خائفا مضطربا) تععـ…عني، أننـ... نني...
    الغـريـب:نعم، وستموت إذا زال نخاعك.
    المقـهـور:(وقد اشتد خوفه) تععـ …ـععنني...
    الغـريـب:نعم، وستندثر إلى الأبد، إلى الأبد.
    المقـهـور:(يبتلع ريقه بصعوبة) ولا أرى الشـ...ـشـمس؟
    الغـريـب:لن ترى الشمس مطلقا أبدا، والشمس لن تراك.
    المقـهـور:(وقد جحظت عيناه) لن تراني، ياويلي ما أشقاني !
    الغـريـب:إن الشمس لا تحب الأموات وأهل القبور.
    المقـهـور:(مستنجدا) والحل؟
    الغـريـب:والحل؟ تبحث عن الحل؟ الحل في يديك.
    المقـهـور:(مستغربا) في يدي؟ ما في يدي شيء.
    (يبسط يديه).
    الغـريـب:كي لا تفقد نخاعك عليك أن ترى الشمس وتراك.
    المقـهـور:(بفرح) حقا؟
    الغـريـب:إذا رأيت الشمس وأحسست بالدفء نما نخاعك، ونجوت من الموت المحتم.
    المقـهـور:ولكن هذا الحل ليس في يدي.
    الغـريـب:بل هو في يديك.
    المقـهـور:ولكن كيف؟ !
    الغـريـب:هل تطيعني في كل ما آمرك به، وتطبق كل ما أشير به عليك؟
    المقـهـور:السمع والطاعة.
    الغـريـب:(آمرا) قم على رجليك أولا.
    المقـهـور:تعني أني سأرى الشمس حين أقوم؟
    الغـريـب:هذه الخطوة الأولى فقط.
    المقـهـور:وبعدها خطوات؟
    الغـريـب:سترى.
    المقـهـور:الأمر صعب إذن؟
    الغـريـب:حاول، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
    المقـهـور:(خائفا) وإذا لم أستطع.
    الغـريـب:حاول، حرك ما تبقى من جمر تحت هذا الرماد.
    المقـهـور:ولكني أحس بالشلل في ساقيّ.
    الغـريـب:حركهما رويدا رويدا.
    المقـهـور:(مذعورا) أخاف...
    الغـريـب:تخاف، ابق إذن في الظلام كالحشرات، ليس للرعديد مكان في هذه الحياة.
    (يهم بالانصراف)
    المقـهـور:(مسترحما) لا لا أرجوك، لا تنصرف، لا تتركني وحدي.
    الغـريـب:حسن، لن أنصرف ولكن حاول.
    المقـهـور:ماذا أفعل؟
    الغـريـب :حرك رجليك.
    المقـهـور:(يحركهما ببطء وبصعوبة ويضج) أي...أي... أي...
    الغـريـب:حاول أكثر حاول.
    (يحاول المقهور تحريك رجليه)
    حرك رجليك بقوة
    (يحركهما.. يهتف فرحا)
    جميل لقد استطعت، هذه الخطوة الأولى.
    المقـهـور:(فرحا) لقد أحسست بالدم يسري في رجلي.
    الغـريـب :حاول أن تقوم، هيا حاول، حاول.
    المقـهـور:(مستغربا) أقوم؟ !
    الغـريـب:أجل، هل هذا صعب؟
    المقـهـور:وأنت، هل تراه سهلا؟
    الغـريـب:طبعا، طبعا، جرب وسترى.
    المقـهـور:(خائفا) ولكنني، ولكنني...
    الغـريـب:(مقاطعا)ولكن ماذا؟قلت لك ألف مرة كفاك استدراكا، إن الاستدراك من شيم الضعاف.
    المقـهـور:(خائفا) ولكني لا أستطيع.
    الغـريـب:(غاضبا) لا تستطيع؟
    المقـهـور:أخشى أن لا أستطيع.
    الغـريـب:لا تستطيع؟ ابق إذن في الظلام، لن أعود إليك، إني أكره المنهزمين.
    (يهم بالانصراف)
    المقـهـور:(مستشفعا) لا، لا أرجوك، إني أكره الظلام، أكره الظلام.
    الغـريـب:(متوقفا) لا يكفي كره الظلام، بل يجب أن تعقد العزم الأكيد على تبديده.
    المقـهـور:حاضر، حاضر.
    الغـريـب:ولن تتمكن من تبديد الظلام إلا إذا بددته من داخلك وأزلته من على قلبك.
    المقـهـور:(مذعنا) حسنا، حسنا سأفعل.
    الغـريب:هيا قم إذن.
    المقـهـور:(مستعطفا) ساعدني على القيام.
    الغـريـب:(غاضبا) أساعدك؟ هذه لعمري ثالثة الأثافي…
    المقـهـور:ما طلبت محالا.
    الغـريـب:(غاضبا) بل طلبت حراما، وإياك أن تعيدها.
    المقـهـور:العفو إن كنت أخطأت.
    الغـريـب:تأكد من أنك أخطأت خطأ فادحا.
    المقـهـور:هل تعتبر طلب المساعدة خطأ.
    الغـريـب:من اعتمد على غيره ضاع، ومن أكل بغير يده جاع، ومن قلد غيره ماع.
    المقـهـور:(يائسا) لن تمد لي يد المساعدة إذن؟
    الغـريـب:(محذرا) لا تعود نفسك الاعتماد على غيرك.
    المقـهـور:حسنا سأحاول
    (يتحرك محاولا القيام)
    أي...أي...أي... سأستعين بالجدار.
    الغـريـب:(محذرا) لا تتكئ على الجدران...لا تتكئ على الجدران...إياك والاتكاء على الجدران.
    المقـهـور:(منقادا) حسن ها أنذا أتخلى عنه.
    (يحاول أن يقف..بعد لحظات وقد وقف يصيح فرحا)
    جميل لقد وقفت، لقد وقفت.
    الغـريـب:جميل حقا هذا !
    المقـهـور:(تسيل دموعه فرحا) ما كنت أظن...ما كنت أظن.
    الغـريـب:ما الذي لم تكن تظنه؟
    المقـهـور:ما كنت أظن يوما أنني سأقوم...منذ نمت في المرة الأولى كنت أحلم بالوقوف، ولكن حلمي هذا لم يكن يتجسد على أرض الواقع، بل كان يتبخر ويتلاشى، والسبب هو أنني كنت أخشى السقوط.
    الغـريـب:العضو الذي لا يعمل يضمر، والذي يخشى السقوط يعيش أبد الدهر بين الحفر.
    المقـهـور:كدت أضمر كلية، جسمي كله توقف عن الحركة منذ قرون، مذ فرضت علي الظلمة، ودخلت في سبات عميق.
    الغـريـب:بل وحتى عقلك كاد يتوقف.
    المقـهـور:كنت أخشى التفكير، كما كنت أخشى الوقوف.
    الغـريـب:(حاثا) تحرك خطوة إلى الأمام.
    المقـهـور:جيد سأحاول
    ( يحاول أن يتحرك فيكاد توازنه أن يختل)
    الغـريـب:(محذرا) إياك أن تعود إلى الوراء... إياك... إياك.
    المقـهـور:ولكني لم أستطيع، أكاد أعود إلى الوراء.
    الغـريـب:(غاضبا) لا تنـف عن نفسك الاستطاعة، أنت أقدر على كل شيء.
    المقـهـور:ولكنني أكاد أعود إلى الوراء.
    الغـريـب:خطوة إلى الوراء تكلفك حياتك، هل فهمت معنى تكلفك حياتك؟
    المقـهـور:لا لم أفهم بعد.
    الغـريـب:يعني ستموت، ستفنى، ستندثر.
    المقـهـور:(خائفا) لا، لا أريد أن أموت، لا أريد أن أندثر.
    الغـريـب:إذن اخط إلى الأمام.
    المقـهـور:أعني على ذلك.
    الغـريـب:اعتمد على نفسك ولاتكن متواكلا.
    (يحاول المقهور مرة ثانية، ويندفع خطوة إلى الأمام يصفق الغريب مشجعا)
    آه جميل، جميل رائع، اخط ثانية…اخط.
    (يخطـو ثانية)
    المقـهـور:(مشجعا) وأخرى ثالثة.
    (يخطو خطوة ثالثة)
    الغـريـب:سر مطلقا الآن.
    (يندفع بطلاقة)
    أرأيت كم هي الأمور سهلة؟ المهم أن تبدأ، أن تتحرك، ومسافة الميل تبدأ بخطوة.
    المقـهـور:(وقد تهلهل وجهه) الحمد لله لقد أنقذتني، لقد قطعت الوثاق الذي كان يعيق حركتي، ما كنت أحسب أني سأسير، لقد سرت الحرارة في جسمي كله.
    الغـريـب:ألم أقل لك حاول فقط وستنجح؟
    المقـهـور:كل هذا بفضلك، وإني لأشكرك؟
    الغـريـب:أنا لم أفعل شيئا، أنت فعلت كل شيء.
    المقـهـور:(مستنكرا) أنا فعلت كل شيء !
    الغـريـب:أنت تملك الاستطاعة والقدرة، وأنا حركت فيك الاستطاعة والقدرة.
    المقـهـور:أنا أملك الاستطاعة الآن إذن؟
    الغـريـب:أمازلت تشك في ذلك؟ الاستطاعة في داخلك كالجمر غطاه الرماد يحسبه السطحيون رمادا لا جذوة فيه، ولكن ما إن يزال عنه الرماد حتى يتوهج نوره، ويسري دفئه
    المقـهـور:أنت حكيم حقا ! ولكن قل لي: هل يمكنني أن أرى الشمس الآن؟
    الغـريـب:لا مازالت أمامك خطوات.
    المقـهـور:طويلة هي؟
    الغـريـب:طولها وقصرها يتوقف عليك أنت، لا يوجد في الدنيا شيء قصير وآخر طويل، الأشياء العظيمة تصغر أمام الهمم العالية، والأشياء الصغيرة تعظم أمام المتقاعسين.
    المقـهـور:ماذا سأفعل الآن إذن؟
    الغـريـب:نظف بيتك من الجرذان والصراصير.
    المقـهـور:ولكن...
    الغـريـب:(مقاطعا بغضب) لا تستدرك، كفاك استدراكا، إلى متى وأنت تستدرك، قم نظف بيتك نظفها، نظفها.
    المقـهـور:حاضر، هل تعينني على تنظيفها؟
    الغريـب:قلت لك ألف مرة اعتمد على نفسك، ولا تتوكل على غيرك.
    المقـهـور:ولكنني...ولكنني...
    الغـريـب:(بغضب) لاتقل ولكنك لا تستطيع، وأنت بيدك الأمر كله، تنظيف البيت وطرد هذه الحشرات منها ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج منك إلا الإرادة.
    المقـهـور:إذن فأنـا في حاجة إلى مكنسة، سأستعيرها وأقو…
    الغـريـب:(مقاطعا) لقد ران الحمق على قلبك، إنك لا تستوعب الدروس جيدا، أوصيك، لا تعتمد على غيرك، هي ذي النخلة أمامك خذ منها سعفة ونظف بيتك.
    المقـهـور:حاضر، حاضر.
    (يقطع سعفة ويبدأ فتل الصراصير والجرذان والعناكب، يضربها بالسعفة ويدوسها بقدميه حتى يقضي عليها جميعا.. يهتف فرحا)
    آه، لقد حققت الوقوف، وقضيت على الحشرات التي كانت تزعجني، لقد أصبح بيتي نظيفا، ما كنت أحلم يوما بهذا لولا ذلك الغريب،
    (ينظر يمنة ويسرة يبحث عنه فلا يجده)
    ترى أين هو؟ لقد اختفى، ويلي ماذا سأفعل الآن من دونه يارب، ماذا سأفعل؟
    الغـريـب:(وهو يظهر فجأة) اعتمد على نفسك، حكم عقلك.
    المقـهـور:آه هذا أنت؟ لقد جئت في الوقت المناسب.
    الغـريـب:تريد أن أدلك على ما ستفعل.
    المقـهـور:هو ذاك، ماذا سأفعل؟
    الغـريـب:وأنت فيم فكرت؟
    المقـهـور:أنا في رأي يجب أن أطلب الشمس الآن، الآن فورا.
    الغـريـب:كيف تطلب الشمس؟
    المقـهـور:أزيل هذه الحصون التي تمنعها من الوصول إلي وإلى بيتي.
    الغـريـب:وبماذا ستزيل هذه الجدران؟
    المقـهـور:ممتاز أنا لم أفكر في العدة.
    الغـريـب:أرأيت كيف لا ترتب أمورك؟ إن هذا القفز قد يوقعك في الهاوية.
    المقـهـور:ولكن على رسلك، أنا لا أملك عدة... إذن أنا لاأستطيع.
    الغـريـب:(ثائرا) قلت لك مليون مرة لا تقل لا أستطيع، تكذب على نفسك أم على من؟
    المقـهـور:(مرتعدا) العفو… العفو…أستطيع… أستطيع ولكن بماذا أستطيع؟
    الغـريـب:وهذا السيف الذي تملكه، وهذا السنان؟
    المقـهـور:سأبقى إذن قرنا كاملا لأثقب الجدار.
    الغـريب:ابق قرنا، ابق قرنين، المهم أن تثقب الجدار، وتدخل الشمس إلى الدار.
    المقـهـور:(يبدي الاستعداد) حاضر، حاضر، ولو بقيت قرونا.
    الغـريـب:المهم أن تملك الإرادة على المواصلة.
    المقـهـور:سأثقب الجدار بسنان رمحي.
    الغـريـب:بسنان رمحك خير من مدفع غيرك.
    المقـهـور:حسن سأبدأ العمل، ولكن لم تخبرني من أنت، لقد وعدتني أليس كذلك؟
    (ينحني ليحمل السنان، فيختفي الغريب فجأة… يندفع باحثا عنه)
    الله أين هو؟ لقد اختفى كأن لم يكن مطلقا، لا يهم سأبدأ العمل، وحينما سألتقي به ثانية سأسأله.
    (يبدأ في نقر الجدار بكل قوة وعزيمة...كلما يتسع الثقب في الجدار تزداد قوته وعزيمته... يغبر شعره وملابسه، يتصبب العرق من على جسده كله.. يحس أنه قد كاد يحقق الهدف.. يتوقف عن الثقب يمسح العرق)
    يظهر أن الجدار صلب جدا، فرغم الزمن الطويل الذي استغرقته، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته، إلا أني لم أنحت منه إلا القليل، ولكن لابأس، من طلب الشمس قدم مهرها غاليا، لأواصل.
    (يعود إلى النقر من جديد...بعد مدة وقد انبسطت أساريره)
    الله أكاد أزيل الجدار ، أكاد أفتح فيه نافذة، سأرى الشمس بعد قليل.
    (ينقر الجدار بإصبعه ليتأكد)
    لم تبق إلا قشرة رقيقة سأزيلها
    (بصوت أعلى)
    سأزيلها.
    (يواصل النقب بحماس... بعد لحظات يفتح كوة فيهتز فرحا)
    الله فتحتها، فتحتها هاهي الشمس تطل علي... ابشر يامقهور لقد رأيت الشمس... بعدما حرمت منها قرونا.
    (يعود إلى الكوة وينظر منها فينبعث إليه شعاع الشمس...فيجلس حالما)
    آه الحمد الله، سيعود القصر كما كان، وستنمو الأشجار والأزهار... وينساب الماء رقراقا، وتغرد العصافير... ويكتمل نخاعي الشوكي
    (يعود إلى الكوة فيجدها قد أغلقت فيصرخ مندهشا)
    من فعل هذا؟ من منع عني الشمس؟ من؟
    (يدق على الجدار بقبضتيه)
    ملك الشمس:(بصوت خشن) أنا.
    المقـهـور:(يبتعد عن الجدار مرعوبا) أنت؟
    الصـوت:أجل أنا أما تعرفني؟
    المقـهـور:أعرفك؟؟؟ وأنّي لي أن أعرفك؟
    الصـوت:(يقهقه عاليا) سأعرفك بنفسي أيها الجاهل.
    المقـهـور:جاهل؟
    الصـوت:ومغرور يامقهور.
    المقـهـور:(مندهشا) وتعرف اسمي؟
    الصـوت:وأعرف عنك كل كبيرة وصغيرة.
    المقـهـور:من أنت؟
    الصـوت:(بغضب) أنا ملك الشمس وسيدها.
    المقـهـور:(مندهشا) ملك الشمس وسيدها؟
    ملك الشمس:أجل ملك الشمس وسيدها، يامغرور.
    المقـهـور:الشمس للجميع،
    (يضرب الجدار بقبضته)
    افتح، افتح.
    ملك الشمس:(وهو يقهقه)كن صبيا وديعا ياهذا، ولا تعاند، قلت لك أنا ملك الشمس وسيدها.
    المقـهـور:ما سمعت بهذا أبدا، الشمس للجميع، لا سيد لها ولا ملك.
    ملك الشمس:هل تريد أن تتأكد؟
    المقـهـور:ومم أتأكد؟
    ملك الشمس:من أنني ملك الشمس حقا وصدقا، وإن كنت لا أحتاج إلى ذلك.
    المقـهـور:كيف ستؤكد لي؟
    ملك الشمس:سأظهر لك لتراني، وتتأكد بنفسك من أنني ملك الشمس الذي يجب أن تخضع له كل الرقاب.
    المقـهـور:أرني نفسك إن كنت محقا.
    (يظهر ملك الشمس طويلا عريضا، مستنير الوجه، فهو عكس المقهور تماما)
    ملك الشمس:(وهو يقهقه) هــاأنذا.
    المقـهـور:(وهو يصعد فيه النظر بإعجاب واندهاش) أنت... أنت هو ملك الشمس وسيدها؟
    ملك الشمس:(مفتخرا) ولا سيد لها غيري، انظر إلى جسمي، كأني أنا الذي أرسلها.
    المقـهـور:(منبهرا) حقا...وصدقا. !
    ملك الشمس:(مفتخرا) إن المظاهر تدل على المخابر.
    المقـهـور:قد يكون ذلك حقا.
    ملك الشمس:بل هو الحق، انظر إلى جسمك.
    المقـهـور:ما به جسمي؟
    (ينظر إلى جسمه)
    ملك الشمس:إن الناظر إليك يدرك أنك ظلامي، ولدت من رحم لياليه الحالكة.
    المقـهـور:ولكن، أليس من حقي أن أرى الشمس.
    ملك الشمس:لا، لا حق لك.
    المقـهـور:وكل الناس ليس لهم الحق في هذه الشمس.
    ملك الشمس:هي ملكي وملك حلفائي.
    المقـهـور:حلفاؤك ! وأين حلفاؤك؟
    ملك الشمس:لعل الظروف ستسمح لك برؤيتهم.
    المقـهـور:أتمنى ذلك.
    ملك الشمس:عندي فكرة أعرضها عليك.
    المقـهـور:ما هي؟ هاتها.
    ملك الشمس:أن تكون لي خادما.
    المقـهـور:(مندهشا) خادما ! !
    ملك الشمس:وعبدا مطيعا ذلولا خنوعا.
    المقـهـور:(غاضبا) ولماذا أكون لك كذلك؟
    ملك الشمس:وسأعطيك الشمس تنعم بها كيف تشاء.
    المقـهـور:(غاضبا) أعوذ بالله، الشمس مقابل حريتي، حريتي ليس لها ثمن.
    ملك الشمس:وأرفعك مع مرور الزمن إلى مصاف الحلفاء.
    المقـهـور:(رافضا) لا، لا تحاول إغرائي، حريتي لا تشترى الذهب
    ملك الشمس:أنت حر فيما تفعل، ولكن دعني أؤكد لك.
    المقـهـور:ماذا ستؤكد لي؟
    ملك الشمس:(بثقة) تيقن من أنك ستندم حين لاينفع الندم.
    المقـهـور:سنرى.
    (يختفي الغريب، ويشتد حماس المقهور)
    يجب أن أزيل الحاجز الذي وضعوه، إن الشمس من حقي أنا أيضا فلماذا أحرم منها؟
    (يعود إلى النقب من جديد… يتوقف بعد لحظات)
    مواصلة الحفر هكذا سيفني طاقتي، ولكن لابأس، إما أن أرى الشمس وأنعم بدفئها وإما أن أموت دون ذلك، إن الحياة بلا شمس حياة دودة الأرض.
    (يواصل النقب)
    ملك الشمس:(وهو يظهر فجأة مع بعض حلفائه) هذا المشاكس يجب أن نسكته، لقد أكثر علينا الدق وأقلق راحتنا.
    أحدالحلفاء:نقتله ونستريح.
    الثـانـي:(موافقا) فكرة منيرة، لقد نغص علينا حياتنا، وأقلق راحتنا.
    الثـالـث:إذا قتلناه استحوذنا على داره، وضممناها إلينا، أما أن نتركه هكذا بيننا ففي ذلك كل الخطر.
    الأول :خاصة بعد أن استيقظ من الغيبوبة التي أدخلناه فيها منذ قرون.
    ملك الشمس:(معارضا) أما أنا فلا أوافقكم على ما قلتم أبدا، هل تظنون أن الأمر بهذه البساطة؟
    الثـانـي:ماذا تعني؟
    ملك الشمس:لا يمكن أن نقهره، رغم ضعفه فهو قوي، عنيد.
    الثـالـث:وما العمل إذن؟
    ملك الشمس:نعيده إلى الغيبوبة من جديد.
    الأول :فكرة مقبولة، ولكن كيف؟
    ملك الشمس:نقتله بالمماطلة والتسويف، ونشكل له محكمة منا تتظاهر له بالعدل ونصرة المظلوم.
    الثـانـي:فكرة رائعة، إن نجحنا في جره إليها.
    ملك الشمس:(بثقة) لا تخش فهو مازال طيبا، ويمكن خداعه بسهولة.
    الثـالـث:وهكذا كلما احتاج شيئا لجأ إلى المحكمة يشكوها همه، ولم يزعجنا.
    الثـانـي:وما العمل الآن؟
    ملك الشمس:(يأمر الثالث) اذهب وشكل المحكمة، انطلق أنت معه.
    (يشير للأول)
    الثـانـي:ونحن ماذا سنفعل الآن؟
    ملك الشمس:سنستدعيه ونشغله عن طلب الشمس.
    الثـانـي:أسرع وناده قبل أن يهدم علينا الجدار.
    ملك الشمس:(ينادي المقهور) يامقهور، يامقهور، لا تكن مغرورا وأقبل.
    (يتوقف المقهور عن النقب)
    المقـهـور:ماذا تريد؟ دعني وشأني، لا تشغلني عن طلب الشمس
    ملك الشمس:(بلين) حقك نحن نعترف لك به.
    المقـهـور:(مندهشا، وهو يمسح العرق عنه) حقا ما قلت؟ا
    ملك الشمس:إني صادق، ملك الشمس لا يكذب أبدا.
    المقـهـور:(محدثا نفسه باستغراب) ملك الشمس لا يكذب أبدا؟؟
    ملك الشمس:ماذا قلت؟ مالك تكلم نفسك؟؟؟
    المقـهـور:(منتبها) آه...آه نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا حقا،حقا.
    ملك الشمس:نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا، ولكن حقك لا تأخذه بالفوضى.
    المقـهـور:ماذا قلت؟ بالفوضى؟
    ملك الشمس:أجل حقك لا تأخذه بالفوضى.
    المقـهـور:وهل تعتبر هذا فوضى؟
    ملك الشمس:أجل ما في ذلك شك، ولا يختلف في ذلك عاقلان.
    المقـهـور:حسن، وكيف يمكنني أن أتحصل على حقي؟
    ملك الشمس:تحصل عليه بالعدل والإنصاف.
    المقـهـور:(مستغربا) بالعدل والإنصاف !منك أنت؟
    ملك الشمس:أجل مني أنا.
    المقـهـور:(متعجبا) سبحان الله مغير الأحوال ! !
    ملك الشمس:أما تدري أننا نصبنا للعدل محكمة يخضع لها الجميع؟
    المقـهـور:محكمة ! وهل تقيم العدل؟
    ملك الشمس:أو تشك في ذلك؟ إن الطعن في عدالتها لمن سوء الأدب
    المقـهـور:لا، لا حاشاك، حاشاك.
    ملك الشمس:وكل من يطعن في عدالتها فإننا نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
    الحـليـف:(غاضبا) أجل نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.
    أصــوات:(بغضب كأنما رجع صدى) أجل نصفه بالوحشية، البداوة والرجعية، والإرهاب.
    المقـهـور:(خائفا) من هؤلاء سيدي؟
    ملك الشمس:هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.
    المقـهـور:أهل الحق والعدل ! ما أسعدني أن أراهم ياسيدي!
    ملك الشمس:استغفر الله الأطهار لا يظهرون إلا للأطهار مثلي ومثل حلفائي.
    المقـهـور:
    (معتذرا) لا، لا أرجوك، ما قصدت إلى ذلك أبدا، أنا أحب العدل، وأحب الحق، وأحب كل من يقوم بذلك.
    ملك الشمس:إذن فقد قبلت حضور المحكمة الآن؟
    المقـهـور:وقبلت حكمها العادل مسبقا.
    ملك الشمس:هكذا تكون إنسانا تستحق الاحترام والتقدير (لحليفه) استدع لنا أعضاء المحكمة الموقرة العادلة، للنظر في قضية جارنا المقهور.
    المقـهـور:لا، لا قبل أن تنطلق، عرفني به أولا.
    ملك الشمس:أما تعرفه؟ تأمله إن بيني وبينه لحمة نسب ووشائج قربى، وإنك لترى ذلك في محياه.
    المقـهـور:(متذكرا) أليس هو الحليف الذي ذكرته لي؟
    ملك الشمس:(مراوغا) الله ! ما أذكاك ! إنه هو بشحمه ولحمه، وإنه لشرف كبير أن تلقاه، وتنعم برؤية محياه.
    الحـليـف:أتمنى أن تتوطد العلاقة بيننا.
    المقـهـور:وإني لأتمنى مثلما تتمنى.
    ملك الشمس:(للحليف) هيا، هيا انطلق ليس لنا وقت نضيعه…
    (ينطلق لاستدعاء أعضاء المحكمة)
    انفض عنك الغبار، واستعد لاستقبال العدل.
    المقـهـور:حاضر، حاضر لقد أنستني الدهشة كل شيء
    (ينفض ثيابه البالية من الغبار، ويعدل من هندامه)
    ها أنا على أتم الاستعداد.
    ملك الشمس:كن حكيما ورزينا.
    (يدخل أعضاء المحكمة)
    هاهم أعضاء المحكمة الموقرة، اسجد، اسجد.
    المقـهـور:أسجد؟ ولمه؟
    ملك الشمس:(بغضب) ويلك اسجد للعدل والحق ولا تناقش
    (يطأطئ له رأسه)
    الحكـيـم:نطلب من الخصمين أن يقفا للفصل بينهما.
    (يقف ملك الشمس من جهة، والمقهور من الجهة الأخرى يفتتح الحكيم الجلسة)
    باسم الرب الذي في السماء باسم العدل والحق والأخوة نفتتح جلستنا اليوم، متمنين أن نوفق للخير، وأن نكون عند حسن ظن الجميع، كما نطلب من الجميع احترام الجلسة والسلام.
    ملك الشمس:(للمقهور) قدم شكواك الآن.
    المقـهـور:(مضطربا) أقدم شكواي ! ماذا أقول؟
    ملك الشمس:ويلك ألا تدري ما تقول؟
    المقـهـور:حسنا...حسنا...أح...أح...أيها القاضي...
    ملك الشمس:(مقاطعا) لا، بل سيدي الحكيم المفدي.
    المقـهـور:(معتذرا) عفوا...عفوا.
    الحكـيـم:تفضل، تفضل لا بأس عليك.
    المقـهـور:(يعتدل في وقفته) أح...أح...سيدي الحكيم العظيم، صاحب العقل القويم، والمنطق السليم، والحسب الكريم، أرفع إليك شكواي يامولاي، لقد طلبت الشمس، ولكن هذا الأحمر الطويل، هددني بالثبور والويل، وقال ليس من حقك الشمس أبدا، فأنا سيدها وملكها الأوحدا، إلا أني واثق من أن عدالة سيادتكم العظيمة ستعيد لي حقوقي السليبة.
    الحكـيـم:نشكرك على هذه الثقة…وهذه الكلمات الجميلة.
    ملك الشمس:أما أنا فقد قدمت شكواي، وشرحت قضيتي في رسالة وجهتها إلى سيادتكم، ولا داعي لأن أقول شيئا.
    الحكـيـم:نستأذنكم إذن لمناقشة القضية
    (يناقش الحكيم مع مساعديه القضية همسا... وبعد لحظات)
    بعد الاستماع إلى قضيتكما، ودراسة أبعادها وخباياها قررنا مايلي:
    نحن هيئة الأخوة والوئام، نندد بشدة بالعملية الإجرامية التي ارتكبها في حقك الأحمر الطويل، وندعو عليه بالثبور والويل، ونناشد الإخوة جميعا أن يقفوا في صفك لتحقيق حلمك، والسلام.
    المقـهـور:(مندهشا) والسلام؟ !
    الحكـيـم:(يسلم القرار مكتوبا للمقهور) هاك القرار ياصاحب الحق، وثق أننا سنكون إلى جانبك.
    المقـهـور:إن الحكم سيدي لا يكون إلا بإعادة الحق إلى أهله، ومعاقبة المجرم.
    الحكـيـم:(غاضبا)أتقدح في عدالة أسيادك أيها الجلف؟
    يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــ ــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية حنين حمودة
    تاريخ التسجيل
    05/08/2007
    المشاركات
    1,008
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    آه ما أقسى الجدار
    عندما ينهض في وجه الشروق
    ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
    ليمر النور للأجيال مرة
    ربما لو لم يكن هذا الجدار
    ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
    أمل دنقل

    رأيت أن اعلق، رغم أني لم أقرأ الجزء الثاني بعد..
    في الحقيقة، لم استطع فتحه.
    كان يدور في خلدي سؤال: من يكون هذا الغريب؟!!
    أهو كونداليزا؟ الشيطان؟!!
    لكنني عرفت أنه ضميره.. عندما اختفى!
    فكثيرا ما تغيب ضمائرنا في اجازات!

    "يا أيها المدثر، قم" .. فحاول، فما أوقعنا الا خشية عدم الاستطاعة!

    وما نيل المطالب بالمحاكم
    ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

    تقديري


  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية حنين حمودة
    تاريخ التسجيل
    05/08/2007
    المشاركات
    1,008
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    آه ما أقسى الجدار
    عندما ينهض في وجه الشروق
    ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
    ليمر النور للأجيال مرة
    ربما لو لم يكن هذا الجدار
    ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
    أمل دنقل

    رأيت أن اعلق، رغم أني لم أقرأ الجزء الثاني بعد..
    في الحقيقة، لم استطع فتحه.
    كان يدور في خلدي سؤال: من يكون هذا الغريب؟!!
    أهو كونداليزا؟ الشيطان؟!!
    لكنني عرفت أنه ضميره.. عندما اختفى!
    فكثيرا ما تغيب ضمائرنا في اجازات!

    "يا أيها المدثر، قم" .. فحاول، فما أوقعنا الا خشية عدم الاستطاعة!

    وما نيل المطالب بالمحاكم
    ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

    تقديري


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية مراد حركات
    تاريخ التسجيل
    23/12/2008
    المشاركات
    398
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: البحث عن الشمس الجزء الأول ويليه الثاني

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك أخي الأستاذ عز الدين جلاوجي على ما قدّمتَه للقرّاء والمثقفين المسرحيين..
    "البحث عن الشمس" عنوان يعكس مدى الضياء، والبحث هنا حسب ما أراه يدلّ على العتمة، ومن ثمّ البحث يكون وفق ما ذهبت إليه المسرحية من مدلولات ترتبط بوثاق المعنى التأملي...

    مودتي.

    مراد حركات
    مسؤول الإعلام والاتصال
    شاعر وكاتب وسيناريست ومصمم شعارات
    http://www.ouleddjellalcity.webs.com
    BiTotal – New PC Services
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •