ماذا بعدَ اغتيالِ بي نظير بوتو؟ سؤالٌ قفزَ سريعاً متجاوزاً الأسئلة البديهيةَ عمَّن يقفُ وراءَ الجريمة، نظراً لجسامةِ الحدثِ الذي ادخلَ الدولةَ النوويةَ الإسلامية في مرحلةٍ جديدةٍ تقعُ بين التوترِ السياسي الراهنِ واحتمالاتِ الانفجارِ الداخلي المستقبلي، في ضوءِ تشابكِ المصالحِ الدوليةِ الواقفةِ ايضاً على خطِ التماسِ بينَ ما يسمى الحربَ على الإرهاب، والتي تؤدي فيها إسلام اباد دوراً محورياً في مجالها الجغرافي، وبينَ القلقِ من خروجِ القنبلةِ النوويةِ الباكستانيةِ عن السيطرة، ولا سيما انَ الولاياتِ المتحدةَ وفريقَها الإقليمي والدوليَ منشغلونَ بالبحثِ عن طريقةٍ لوضعِ حدٍ لما يسمونَه مخاطرَ البرنامجِ النووي الإيراني المجاور.
وعليهِ فانَ باكستانَ الانَ لا تشبهُ نفسَها قبلَ ساعات، فالأوراق خُلطت فيها بطريقةٍ تشبهُ أصابع الاتهامِ الموجهةِ الى اكثرَ من طرفٍ يتقاسمونَ المصلحةَ في هذا التطورِ الدراماتيكي وسطَ توقعاتٍ بانعكاساتٍ محليةٍ سريعةٍ اولاً على نتائجِ الانتخاباتِ التشريعيةِ بعدَ نحوِ اسبوعين، ولاحقاً على مسارِ نظامِ برويز مشرف بعدما خلعَ بزتَه العسكرية، وما يتصلُ بالخريطةِ السياسيةِ الجديدة، وثانياً على موقعِ هذا البلدِ من مجملِ الملفاتِ الاقليميةِ التي يتصلُ بها.
باكستان فُجعت بحادث اغتيال مأساوي أودى بحياة رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، على مقربة أسبوعين من الانتخابات التشريعية والإقليمية. الاغتيال ستكون له من دون شك تداعياتٌ على الوضع السياسي في البلاد، ومن تباشيره الأولى اشتباكاتٌ في الشارع بين الشرطة ومناصري المعارضة، ووعدُ رئيس الوزراء السابق نواز شريف الباكستانيين ب"خوض معركتهم" بعد اغتيال رفيقتِه ومنافستِه في المعارضة، وعقدُ اجتماع طارئ للقيادة الرسمية برئاسة الرئيس برويز مشرف. الاغتيال قد يعيد رسم الخارطة السياسية في باكستان بعد نحو شهر على تراجع الأزمة اثر رفع حال الطوارئ. وإضافة إلى الضربة القاسية التي تلقاها حزب الشعب أحد الأحزاب الرئيسة في المعارضة، فان الاغتيال قد يطيح بالانتخابات المقررة، كما قد يدفع باتجاه إعادة فرض حال الطوارئ.
وقد تلت الانفجار دقائق من الترجيحات والتأويلات أعقبت الانفجار العنيف، في روالبندي إحدى ضواحي اسلام اباد. لينجلي المشهد على الحقيقة القاسية، بنازير بوتو لقيت مصرعها ضحيةَ هجوم انتحاري استهدفها شخصيا، وأسفر عن قتل وجرح العشرات. ويشبه الهجوم الى حد كبير محاولة الاغتيال السابقة التي تعرضت لها بوتو يوم صولها الى باكستان قبل ما يقارب الشهرين، وبعد ذلك الهجوم لم تتوقف بوتو عن التحذير ممن كانت تسميهم بالإرهابيين الذين يريدون اغتيالها، وهي تحدثت قبل ساعات من مقتلها عن سعيها للوصول إلى السلطة بهدف حماية البلاد من التطرف والإرهاب.
وخلال لقائها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي قبل اغتيالها قالت بوتو : أوضحت للرئيس كرزاي أن حزب الشعب في باكستان يأمل أن يفوز في الانتخابات ويشكل الحكومة، نحن نؤمن بأن من مصلحة بلدينا ومن مصلحة العالم الإسلامي بأكمله أن نعمل على حماية الحضارة الإسلامية من خلال استئصال التطرف والإرهاب". كان هذا التصريح الأخير الذي أدلت به بنازير بوتو، ومضت الى حيث لن تعود، ليسقط اسم آخر من عائلة بوتو ضحية الاغتيال السياسي، بعد أن كان والد بنازير وشقيقها قد قضيا قتلاً إنما في ظرف سياسي غير القائم حاليا في باكستان.