آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: وقفة مع مثال رائع للمودة والرحمة

  1. #1
    إداري وكاتب غير متفرغ الصورة الرمزية عادل جوده
    تاريخ التسجيل
    03/04/2007
    العمر
    69
    المشاركات
    699
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي وقفة مع مثال رائع للمودة والرحمة

    في رحلةٍ (إلى حدٍ ما) طويلة، استمرت حوالي تسع عشرة ساعة؛ من العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً حتى الخامسة فجراً، انطلقت الحافلة ـ على بركة الله ـ من مدينة الرياض بفئتين من المسافرين؛ الأولى تتجه نحو المملكة الأردنية الهاشمية، والأخرى نحو جمهورية مصر العربية، وكان مخطط المؤسسة التي تتبع لها الحافلة أن يواصل مسافرو الفئة الثانية رحلتهم إلى مصر بحافلة أخرى تنتظرهم في مدينة تبوك، وكنت وأسرتي من مسافري الفئة الأولى، وقد فوجئت بهذا الأمر بعد أن تحركت الحافلة، وانزعجت حقيقة لذلك؛ فالطريق التي اعتدنا عليها ستتغير إلى طريق أخرى تحتاج المزيد من الوقت، وبالتالي تتسبب لنا بالمزيد من التعب والجهد.

    إلا أن ذلك الانزعاج تلاشى تدريجياً دون أن أشعر ، وتلاشت أيضاً هموم السفر كلها ؛ إذ يسّرَ الله سبحانه وتعالى براكبين في منتصف أو أواخر الستينات من عمرهما (رجل وزوجته) من أبناء الجالية المصرية، تجمعهما علاقة تتألق مودة ورحمة، شاهدت ذلك بأمّ عيني وأحسستها بوجداني في الاستراحة الأولى التي كانت بعد ثلاث ساعات من انطلاقة الحافلة، الزوجة تحتاج إلى من يعينها ويساعدها ويأخذ بيدها، إلا أنها أحسن حالاً من زوجها.

    في تلك الاستراحة تجلى أمام ناظري إبداع هذه الزوجة في رعاية زوجها؛ لقد غادرت الحافلة ويدها ممسكة بيده، يسيران ببطءٍ وحذرٍ شديدين، ثم يدخلان المطعم جنباً إلى جنب، فتتولى هي تحديد نوع الطعام، ثم تُقطع الدجاج وتضعه أمامه، وتناوله الملعقة والخبز، وتفتح له زجاجة العصير، فيأكلان ويتبادلان النظرات والهمسات والابتسامات، فإذا انتهيا من تناول الطعام تبدأ هي بتقطيع الفاكهة، وتفتح يده اليسرى وتضع فيها منديلاً، وعلى المنديل تضع الفاكهة قطعة قطعة، فإذا تناول قطعة ووضعها في فمه، تأكل هي قطعة، وفي نهاية الوجبة ترفع حبات الأرز التي تساقطت على بنطاله، (كما لو كان ابنها المدلل)، ثم تأخذ بيده إلى المغاسل، فتناولـه الصابون وتقف بجانبه؛ تراقبه وتتأمله وهو ينظف يديه وفمه، ثم يحين موعد التمشية، فإذا هما حبيبان عاشقان متألقان يلتقط كل منهما ريشته ويرسمان معاً لوحة رائعة تهتف محبة ورأفة.

    أسعدنا (أسرتي وأنا) هذا الشعور، ودون أن ندري وجدنا أنفسنا نتبادل معهما أطراف الحديث، فعلمنا أن الزوج أجرى عملية جراحية في إحدى عينيه منذ أيام قليلة، وأنهما ليسا وحيدين، بل لهما من الأبناء أربعة (ثلاثة أولاد وبنت) وجميعهم أتم تعليمه وتزوج واستقر مع أسرته.

    وفي مدينة تبوك غادر الزوجان مع الفئة الثانية إلى الحافلة الأخرى المتجهة إلى مصر، وافترقنا، ولكن جسدياً، أما طيفهما فلم يغِب عن مخيلتي، قلت في نفسي:
    إيهِ يا دنيا ! ما أعجبك!
    أهكذا تكون النهاية؟
    أيعقل أن يُتركا وحيدين في مثل هذا العمر وفي رحلة طويلة كهذه!

    تساؤلات كثيرة استوقفتني طويلاً!! ولكنني في النهاية تركتها لأعود إلى تلك العلاقة الحميمية التي تجمعهما، وهمست داخلي: "لله درها من زوجة"، وإكراماً لها وتقديراً لأناقتها ورقتها وحنانها ومحبتها ورأفتها، أعلنت (داخلي أيضاً) أن المرأة ليست فقط نصف المجتمع بل هي أكثر من النصف بكثير".

    نعم .. المرأة أكثر من نصف المجتمع؛ هذه حقيقة، ولكنها غابت عن أولئك الذين سرعان ما انهزموا أمام خلافاتٍ كان من الممكن السيطرة عليها وحلّها بقليل من الصبر والحكمة، فتسببوا بعنادهم أحياناً، وبجهلهم أحياناً أخرى، في انهيار عروشهم الزوجية، وسجلوا أسماءهم في كشوفات المطلقين والمطلقات، ظناً منهم بأن الطلاق هو الحل، فكانت النتيجة الندامة يوم لا ينفع الندم أولاً، ثم مواجهة المشكلات الحقيقية؛ مشكلات ما بعد الطلاق؛ وذائقو الحنظل يدركون العلقم.

    ومع الأسف أن هذه الحقيقة مازالت تغيب عن الأزواج المتخاصمين مع زوجاتهم وخصوصاً أولئك الذين هم في بداية مشوارهم، وهم كُثر تعجّ بهم المحاكم الشرعية، وجلّهم باستسلامه لشياطين الإنس والجن لم يعد بمقدوره التمييز بين الحق والباطل والخير والشر؛ ففتح الباب على مصراعيه للشقاء والحقد وربما الظلم والجبروت.

    تُرى ألا تستحق لوحة صاحبينا وقفة صادقة مع النفس نتأمل فيها خلافاتنا لندرك بما لا يدع مجالاً للشك بأن الحياة أجمل وأسمى وأعظم من تلك الخلافات مهما عظمت؟ !

    والله سبحانه وتعالى يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم؛ آية 21].

    الحق أحق أن يتبع

  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    19/04/2007
    المشاركات
    662
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    أستاذ عادل أسلوب رائع يستدرج القارئ حتى النهاية .. سيدي الكريم.. لا تخلو الدنيا من هذه النماذج المشرفة والعلاقات التي تكتنفها المودة والرحمة والترابط الحسي والمعنوي.. سررت بمروري هنا

    مع خالص تحياتي وتقديري


  3. #3
    بنت الشهباء
    زائر

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أستاذنا الفاضل
    عادل أيوب
    بداية أنا سعيدة أن أعانق هذا النص الثري بما حوى في داخله درر من الكنوز والمواعظ والعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...
    لقد أبدعت في سرد حال الزوجين مع بعضهما البعض , وكيف كان الحب والمودة والألفة تحوطهما من كل جانب ... والنهاية كانت دليلا ثابتا من كتاب الله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم؛ آية 21].

    فالسكن والمودة والرحمة والحب هم أساس العلاقة الزوجية السليمة , وإلا لكانت الأسرة في عالم الضياع والخلافات والشقاقات فيما بينها ..
    وهذه المرأة الودود الرؤوم التي تجد نفسها حاضرة مع زوجها أينما كان وأينما حل لهي المرأة الصالحة القانتة التي تضرب لنا مثلا رائعا في المودة والرحمة ......
    ومثل هذه النساء يا أستاذنا الفاضل ليس بغريب عنا والله ....
    وهي أقرب الناس إلى نفسي وروحي وقلبي
    إنها أمي - رحمها الله - فكانت مثال الزوجة الصالحة القانتة التي تخاف على بيت زوجها فترعاه وتحنو عليه , وتخشى وتخاف عليه , وتتمنى لو أنها تفديه بكل ما عندها دون أن تنتظر مقابل هذا العطاء أي شيء ....


  4. #4
    إداري وكاتب غير متفرغ الصورة الرمزية عادل جوده
    تاريخ التسجيل
    03/04/2007
    العمر
    69
    المشاركات
    699
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء حسن محمد مشاهدة المشاركة
    أستاذ عادل أسلوب رائع يستدرج القارئ حتى النهاية .. سيدي الكريم.. لا تخلو الدنيا من هذه النماذج المشرفة والعلاقات التي تكتنفها المودة والرحمة والترابط الحسي والمعنوي.. سررت بمروري هنا

    مع خالص تحياتي وتقديري

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الأستاذة الفاضلة أسماء حسن محمد
    تحية الوفاء والعطاء

    أسعدني مرورك النادي
    وشرفني تعليقك الشادي

    لك
    تقديري وامتناني

    أخوك
    عادل جوده

    الحق أحق أن يتبع

  5. #5
    إداري وكاتب غير متفرغ الصورة الرمزية عادل جوده
    تاريخ التسجيل
    03/04/2007
    العمر
    69
    المشاركات
    699
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الشهباء مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أستاذنا الفاضل
    عادل أيوب
    بداية أنا سعيدة أن أعانق هذا النص الثري بما حوى في داخله درر من الكنوز والمواعظ والعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...
    لقد أبدعت في سرد حال الزوجين مع بعضهما البعض , وكيف كان الحب والمودة والألفة تحوطهما من كل جانب ... والنهاية كانت دليلا ثابتا من كتاب الله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم؛ آية 21].

    فالسكن والمودة والرحمة والحب هم أساس العلاقة الزوجية السليمة , وإلا لكانت الأسرة في عالم الضياع والخلافات والشقاقات فيما بينها ..
    وهذه المرأة الودود الرؤوم التي تجد نفسها حاضرة مع زوجها أينما كان وأينما حل لهي المرأة الصالحة القانتة التي تضرب لنا مثلا رائعا في المودة والرحمة ......
    ومثل هذه النساء يا أستاذنا الفاضل ليس بغريب عنا والله ....
    وهي أقرب الناس إلى نفسي وروحي وقلبي
    إنها أمي - رحمها الله - فكانت مثال الزوجة الصالحة القانتة التي تخاف على بيت زوجها فترعاه وتحنو عليه , وتخشى وتخاف عليه , وتتمنى لو أنها تفديه بكل ما عندها دون أن تنتظر مقابل هذا العطاء أي شيء ....

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    المتألقة دوماً ابنة الشهباء

    أدعو الله العفو الغفور
    أن يعفو عن والدتك ويغفر لها
    وأن يجمعك بها في الفردوس الأعلى من الجنة
    لقد هزت كياني مشاعرك الرائعة نحوها
    وأحسست بعبرتك
    وأنت تسطرين شيئاً من صفحاتها المضيئة وعطاءاتها النقية
    رحمها الله ورحم أمواتنا جميعاً

    صدقيني يا ابنة الشهباء
    أنني ما إن انتهيت من استنشاق بوحك الرقيق
    حتى عدت أقرأ كتابتي من جديد
    لأجد همساتك تصافح سطورها وتداعب كلماتها وتعانق أحرفها

    أما
    اسم ( أيوب ) الذي تكرمت بإضافته إلى اسمي
    فحقاً أسعدني
    وجعلني أتأمل صفة الصبر لدي
    فوجدتني أصرخ داخلي
    أين أنا من صبر أيوب

    سلم فكرك وبورك إحساسك
    وأرجو قبول تحياتي

    أخوك
    عادل جوده

    الحق أحق أن يتبع

  6. #6
    بنت الشهباء
    زائر

    افتراضي

    فوالله يا أستاذنا الفاضل
    عادل جودة

    كنت أعلم اسمك الحقيقي , لكن لا أعلم كيف كتبت الاسم تلقائيا وعفويا دون أن أنتبه إلى ذلك

    فأعتذر منك عن ذلك

    ومرة ثانية أشكرك على هذا الطرح المميز
    ودمت بألف خير


  7. #7
    أستاذ بارز
    الصورة الرمزية أحمد المدهون
    تاريخ التسجيل
    28/08/2010
    المشاركات
    5,295
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: وقفة مع مثال رائع للمودة والرحمة

    أستاذ عادل جودة،

    استمتعت وأنا أقرأ هذا الوصف الدقيق لمثال رائع للمودة والرحمة.
    وكم أثلجت صدري تعليقاتك العميقة، ونصائحك الحكيمة.

    لك أزكى تحياتي.

    " سُئلت عمـن سيقود الجنس البشري ؟ فأجبت: الذين يعرفون كيـف يقرؤون "
    فولتيـــر

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •