صدأ الرؤية

إنها المرة الأولى التي أباغت فيها نفسي وأنا أقوم بحصارها في زاوية التذكر واسترجاع المسافات التي هربت من إحساس الوقت ، كأنه التعري الكبير لبداية الأشياء ، وكأنه الوجوب الحقيقي لنهاية الأشياء ، فتنة حوار الأشكال بمداها وزواياها ومجيئها وذهابها كأنها المساحة في وقوفها الخافق على جسد العين .
بين هذا المدى الخلفي وهذا المنظور في قعر العين ومدى أبهمه عشق الضوء ومصافحة الآتي من ريح الضوء.
أمسك وجهي الهارب من وجهي الغائب وأضيع إلى أبعد مسافات الجرح ، وأكون عاريا بيني وبيني ، أفصح في معنى تلاوة الحقيقة البصرية ،ثم أسقط مثل الصدى أتردد بين حنيني وبين مساءات ترسم إيقاع الزمن فوق مساحات جسدي الذابل في مستنقع إرهاصات الوقت .
عار مثل صراخ ينبت فوق شفاه شققها صدأ الصمت.
إني أتصدع ،يغمرني وجع العشق العابث بي . انهار ركاما علنيا يدفئني ماء حطامي ، وأقول بأني ورقة توت شاخت ثم تهاوت ترقص هائمة في باب الريح ، وكما أني متناه في لجة قولي ، تصفعني أوراق الكلمات الملفوحة بالغيم الصيفي.
أهمس في أغوار فضائي بعضا من أحرف ليل مصمت :
" وهم أنت " وكما تنهدم الأبنية الرملية سوف تتهدم .
وسيبقى خبزك لا يعرف طعم الملح .
مديد البؤس ستبقى ،لياليك مسافات عذاب ، وهموم تحتشد على إشراقات الفجر.
في تلك اللحظات ولا زلت، يحزنني خيط النظر المسموم بأنواع التفكير المسبق.
أنظر في وجهي الملقى بين أصابع كفي العشرة ، ثم أنوح على سلسال الأقوال وأهاتف أرصفة تلقيني صوب دروب جوفاء. تهوي ورقة أحلامي من أعلى قمة أملي ، تمضي متكسرة فوق جروف حوار أرعن . أعيد الوهم إلى الوهم .
يصيح نهار يتأبط شمسا تمحو ألوانا ثرثرها فنان أبهمه التكرار وصار من غير ملامح .
وحين أحبك لا بد وأني أحببتك أبعد من أغنية وقصيدة ، أبعد فضاء ، وأيمم وجهي ماء المستقبل ، وهناك نؤلف أغنية أخرى ونصف حروف نشيد يعلن أرصفة بلاد تنتظر أن نفرش ألوان الحلم عليها ، وكما تفعل فراشة ربيع ماطر ، ترقص سبعة أيام لتموت .
الخط جرح على مسافة الأبيض ، جرح يخدش حياء الذاكرة المتورمة بوهم الرغبات الآنية . الخط صانع أحلام ماكر وبه يذهب وجه المشهد إلى أوسع فضاءاته وأكثرها عمقا . لم أعد أرى ، قلت أراك بأصابعي ، لم أعد أرى ، قلت أراك بخط أرسمه قرب شفاه نقاء الثلج وأعود إلى تعبي ، أنظر من زاوية تختلف ، ثم أدون في باب الرؤية صرخة موت عابر : حين أنظر إلى الشكل من زاوية نظر واحدة فقط تصبح نظراتي متشابهة ويتراكم فوق جماله الدائم صدأ فكري، أريد أن أسميه التكرار القاتل لمعنى المحبة .


محمد بدر حمدان
mbhamdan@scs-net.org
www.hamdanart.net