كتبتُ هذا النص وفي مُخيلتي زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لبغداد أول مرة من بعد الاحتلال . هذا هو النص :

عِيد الشُّكر ـ 2004 م

منْ يمُد ذراعاً من قصر واشنطون ، إلى مطار بغداد ؟
"مقدونيا" الجديدة مرة أخرى . واستشارية الخِصيان تنهض من ركام تاريخ قديم . تقف على عتبات حضارة... و تدُك حصونها .خمسمئة ألفٍ من كنوز ممالِك العهد التليد ، تبعثرت . نامت على صدور السابلة المُترفين . يا مُستباحة الزمن الفاجرِ في كُل حين ، مدِّي خيوط أنوار النيون ... تُضيء وهجاً في ذاكرة الثكالى .
هنا عناقيدٌ من الحَلمات ، تُرضِع الدمَ لصغار حيتان تَيتَموا ،وأنا الباكي . يا نادِّلة ... أعينيني ، واسكُبي سطلاً من الحُزن على رأسي . و دعِ الحِجارة تُفرِج عن مسامها للجذور لتُحيي نباتاً يابِساً ، يشرب من سُمٍ زعاف .
منْ يقف على أمشاط رجليه ، وينظر الأفق العالي ليستريح ؟.
منْ يُلبِس حياتي سيرتها الجديدة ؟
تضحك في المرآة أدمُعي مطراً ، قطراته من الفُكاهة والضَّيمَ .
منْ يَفُضّ غِلاف الديك الرومي ساخِناً لعيد الشُكر ؟
تقول الرواية أنها شِراعيةٌ هبطت إلى شواطئ الأرض الجديدة . في بطنها أجساد ٌ جائعة . وعلى دوارة الشِواء القديمة أعدَّ الهُنود الحُمر للضيوف طعاماً ، فصار الديك الرومي وليمة عيد الشُّكر من كل عام .
العيد اليوم يدُق أجراساً ، ويدعُ الزبانية . أزِفت ساعة الحضور البهيج .
الرئيس يشتمُّ رائحة الشواء ، ويفُض عُذرية القاعة جائعا . الآن يعلو صراخ الدهشة.
يجلس هو بين جنوده . زادت الأحذية حِذاء من ذهب ، و ورداً من ذهب ، وقُبعة من عِظام اليتامى ، تُئن من فوق خُصلات (اسكندر) القرن الجديد .
قولوا للساحر المُتكلِم النَقّال :
ـ اصمُتْ ساعتين بلا حِراك ، عليك حِراسة مُشدّدة . اصمُتْ ... فأمن رئاستنا أهَمْ .
بلد الضحية ...لا عيد لهم ليَشكُروا ! . هنا سجادة حمراء للموتى ، لينـزفوا ، وألوان مزخرفة من جحيمٍ مُنضَّدٍ لتلفاز العيون السود . أمشاط الرُصاص ساهرة ، و وسائدها تنام بعين واحِدة .
لِمَّ هذا الرُعب ؟
منْ يُنصِب من البَشرِ فخاخاً ؟
منْ يُقاتِل أشباحاً من دفتر السِحر القديم ؟ .
يتفتت الشَبحُ تُراباً أسوداً ، أو يستحيل دُخاناً يَخطف الأرواح من قلب المُجنـزرة .
بغداد .... لا تبكِ .
لقد بَنتْ دفاتِرك القديمة جسراً ، لخيول الغزاة منذ ألف عام . لن يُضيرك آلاف بلا مُعين ، يشربون من كؤوس برد الردى جُرعات .
تعالوا نقرأ من ديمقراطية النعيم المُترَف : ـ
" عِند الانتخاب تفرد التلفزة الساحِرة مفاتنها وترمي النَرد للاعبَين . من يُنفق أكثر يسرق حُلم الفقراء ، ويستحِم الجميع في نبعِه .
أتريد كسباً فادِحاً ينسي الخسارة ؟ .
خمس مليارات ثمن السِباق إلى العرش الإمبراطوري ، وتسود الكون من أقصاه إلى أقصاه. يقولون السياسة تخطو وراء الفن السابِع ، والغِنى يصعد سماء الأحلام السابِعة و يعبث بالعقول."
قال الإسكندر الجَديد :
ـ دولتان في أرضٍ واحِدة أو امرأة بفخذين:
الأول لحم حي ، والآخر عَظم للكلاب . من يقف في مُنتصف الطريق ، يحترق . ومن يقف ضِد الإمبراطور يهلك ، ومن يقف معه تدوُسه النِعال . تعال معي نمشي ، فالطريق إلى " مقدونيا " أن تبيع الحياء وتهرول عارياً تجِد الفتات . هذه تسوية للتسلية ، وهنالِكَ فرق بين الحَول وبين البُرهة .
منْ يقرأ ؟
و منْ يتدبر ؟

عبد الله الشقليني