جنوب السودان وآفاق المستقبل كتاب جديد ومهم يتحدث عن مشكلة الجنوب ولأهمية الكتاب وضرورة الإطلاع عليه قامت الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب بتقديم التهاني للكاتب والباحث الكبير الاستاذ أحمد أبو سعدة بمناسبة الأعياد وقدوم السنة الجديدة وطلبت منه إذناً خطياً لنشر الكتاب في مركز واتا للدراسات الإفريقية وقد حصلنا على موافقة حصرية لنشره في هذا المركز ونقوم بنشره علىحلقات.


جنوب السودان
و
وآفاق المستقبل


ذات يوم من أيام الخريف الجميلة كان شاب طويل القامة يخطو بثبات نحو بركة للماء وخلفه عدد من الأولاد والنسوة.
بجانب البركة جثى شاب آخر يغرف الماء ويعبئه بقربته الجلدية والناس ملتفون حول البركة يفعلون مثلما يفعل الشاب الجاثي.
كل شيء هادىء في المكان إلا صوت الماء الذي يغرف ويوضع في القرب.
دقق الشاب الطويل يتفحص البركة وجوانبها ليأخذ له مكاناً يعبىء
منه الماء.
انقطع الهدوء حين سأل الشاب الطويل الشاب الجاثي:
ماذا تفعل هنا يا عثمان؟.
مثلما تفعل أنت يا لام.
أنا هنا بفعل الحياة.
وأنا هنا بفعل الوجود.
أربع جمل تبادلها عثمان ولام وكان ما كان؟؟.

* * *


جنوب السودان وآفاق المستقبل

إهداء

إلى روح صديقيَّ
العقيد السوداني خليفة كرار بلة
والمناضل الأرتري صالح أحمد آياي
اللذين ناضلا في سبيل تحقيق الاستقلال التام والوحدة الوطنية في كل من السودان الشقيق وأرتريا، فكان للأول ما أراد، أما صالح فلقد توفاه الله وهو يناضل من أجل إعادة الحق إلى نصابه.
وإلى روح شهيد فلسطين والوطن العربي والإسلامي المجاهد
عبد العزيز الرنتيسي
غفر الله لهم
دمشق في 1/6/2006
أحمد أبو سعدة


«أينما ذهبت وأمعنت في التوغل.. في القرى والغابات وعلى قمم الجبال وجدت اللغة العربية منتشرة بين السكان.. وعليه يجب إعادة النظر وبحذر شديد فيما يجري وعلينا بذل الجهد والمال لوقف الدين الإسلامي واللغة العربية..»
ر. س. أوين
الحاكم العام الانكليزي للسودان

المقدمـة
- سألني أحد أصدقائي عن سبب كتابتي لمواضيع وكتب، لا يقرؤها ولا يهتم بها سوى عدد قليل من الناس؟
- ابتسمت وأردت الإجابة، لكنه لم يتركني أرد على كلامه بل تابع مندفعاً:
- أنت تكتب عن الصراع والاضطرابات العلنية والمخفية في مناطق متعددة وبعيدة جغرافياً و...
- قاطعته وبقوة:
- نعم إنني أكتب عن ما ذكرته، أكتب في التاريخ السياسي الحديث عن أفريقيا وهموم شعوبها؟
- عاد صديقي العزيز ليسألني ساخراً: هل تكتب الآن عن قبائل (الماوماو)؟ وأطلق لضحكته العنان.
- ضحكت بدوري وأجبته بجدية: أكتب الآن عن جنوب السودان و......
- /حلو/ عن (كرنغ) وصديقه الترابي؟
- اسمع يا صديقي: إنني أكتب عن السودان هذا البلد العربي المسلم الأصيل، صحيح وأكيد إنني لا أدعي الإنابة أو الأصالة عن الشعب السوداني الطيب، إلا أن عليك أن لا تنسى أنني عربي وأتعامل مع الناس على هذا الأساس، وهذا الأمر يماشي ويناسب معتقدي الوطني والقومي والإنساني...
إن الوقائع التي جرت وتجري على أرض السودان تخيفني وترعبني؟
- هذا كلام مغامر وليس كلام كاتب ومحلل سياسي؟ أيها العزيز، أنت تحب المغامرة؟
- أي مغامرة هذه؟ يا صديقي... إنها هموم ومتاعب أمتي، حاضرها ومستقبلها... وجودها... تلاشيها...: لذلك عليّ البحث والسعي لدرء الخطر عنها، علينا أن نقلب الكثير من صفحات التاريخ لنأخذ منها العبر، بعد ذلك نقدمها إلى أبناء أمتنا، كي يستفيدوا منها.
- أنت تحب السرد.
- لا يهم، قل ما تشاء وسمِّ الحقيقة بما يحلو لك تسميتها /سرد/ حكاية - رواية - تاريخ - صراع،... لا يهم قل ما تشاء. لكن عليك أن لا تنس أمراً حقيقياً واحداً وهو تسابق المستعمرين الأوروبيين الذي كان وما زال مزيجاً من الحقد والأنانية والسيطرة والتهافت على كسب المغانم والحصول على المواد الخام والحماسة الدينية /الفرنجية/ ونشرها في القارة السمراء.
- هز صديقي /العتيق/ رأسه وقال مازحاً... اكتب كان الله بعونك... اكتب وسنقرأ ما سوف تكتبه؟...
- حسناً سأكتب لكن عليك أن تعلم بأن ماضي أفريقيا يكاد يكون غير معلوم لكثير من الناس، وإن ما كتب عنها كان من وجهة نظر المستعمرين الأوروبيين والأمريكان واليهود الذين جاؤوا إليها واغتصبوا منها الحرية وإنسانية إنسانها، جاء المستعمرون وإرسالياتهم التبشيرية وقالوا سوف نهدي هؤلاء الأفارقة المتوحشين الضالين؟ جاؤوا وعلى وجوههم الغضب وفي قلوبهم الحقد... لكن هؤلاء المستعمرين نسوا أو تناسوا أن للإفريقيين /جذوراً/ وأن هذه الجذور أعطت وتعطي الحياة الحرة الكريمة، قبل أن تكون لهؤلاء المستعمرين حياة.
إنني في كتابي هذا لا أنقب عن ماضي القارة السمراء بشكل عام إنما أبحث عن كرامة الإنسان الإفريقي عامة والشعب السوداني العريق خاصة أننا وبلا شك أمام مسؤولية دقيقة وهامة وهي مشكلة جنوب السودان، إنني كعربي لا أقبل وأرفض وبكل قوتي ما جرى ويجري الآن في السودان بشكل عام وجنوبه بشكل خاص، إننا أمام خطر فظيع وهو لا يقل عن خطر الضياع المؤقت /لفلسطين وعربستان والإسكندرون و..... احتلال العراق....
أيها العرب إن العواصف الشيطانية التي تهب علينا من القوى المعادية لعروبتنا هي عواصف مؤقتة، فليس عيباً أن تزلزل الأرض وينشق البنيان، لكن العيب أن نقف وننظر إلى قضايانا المصيرية ببصر زائغ وأيدٍ مغلولة؟
نحن في مرحلة خطرة /الوجود أو عدمه/ مرحلة فرضتها علينا القوى الظالمة، هل نكون أو نتلاشى؟
وكتابي هذا يهدف إلى شرح بعض جوانب قضية جنوب السودان وخاصة أنَّنا على بعد خطوات قليلة من ضياع هذا الجزء الهام من أرض السودان.
إنَّ الدوائر السياسية الغربية ذات الأغراض الاستعمارية، والجمعيات التبشيرية الأوروبية والأمريكية ومعهما الإعلام العالمي المتصهين هؤلاء كلهم يحاولون تصوير مشكلة الجنوب على أنَّها مشكلة دينية وبأنَّها مشكلة شعب جائع محروم مقهور من جانب العرب السودانيين، ونظراً إلى عدم استيعاب المشكلة على أساس موضوعي أضحى المشهد مضطرباً في الأذهان.
من هنا رأيت أنَّ من واجبي كعربي تعصف به الأحداث الأليمة والمفروضة علينا من قبل قوى التجبر والبغي، أن أقدم صورة مجملة للقارئ العربي عما يجري في السودان، وخاصة في جنوبه، ونستطيع القول أنَّ الأمر وصل إلى حد الخطر الحقيقي، وما اعتمد من /حلول/ لقضية الجنوب في مباحثات (ماشاكوس)، ليس هو بالوضع الأفضل والصحيح؟
إن حرصي وخوفي على وحدة السودان شعباً وأرضاً هو الذي دفعني للمساهمة في إعداد هذا الكتاب، فلعلّي أساهم مع المخلصين في الوصول إلى حل مشرِّف تفادياً لوقوع كارثة قد تحل ليس في السودان فحسب بل في الوطن العربي كافة؟ وأنَّ ما يحصل في السودان الآن «شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً» سوف ينعكس ويهم جميع الدول الأفريقية أيضاً، يجب ألاَّ يغيب عن أذهاننا بأنَّ استمرار السودان واضطلاعه بدوره العربي يعد جسراً مهماً بين العرب الأفارقة وغيرهم من الأفارقة، وبقية شعوب العالم.
علينا التمسك بقيمنا الروحية والمادية من أجل وجودنا الذي أراده الله لنا وأبته قوى الطغيان والأنانية.

دمشق في 1/5/2006
أحمد أبو سعدة


مـدخــل
من المؤكد أن يسأل قراء هذا الكتاب عن معلوماتي التي دونتها من أين أتيت بها؟ والجواب عن ذلك في الآتي:
أراد الله عز وجل أن أعيش حياة ميدانية مع عدد من الشعوب الأفريقية وأن أساهم في أكثر من ثورة لهذه الشعوب، وهذا ما يسعدني ويمدني بالعزيمة للكتابة عن أفريقيا وأوضاعها، هذا أولاً وثانياً مطالعتي لكثير من الكتب والمصادر الأدبية والسياسية والتاريخية كذلك لقاءاتي مع العديد من قادة وزعماء الشعوب الأفريقية، ناضلت سياسياً، قاتلت كمناضل عربي إنساني بالسلاح في أكثر من بلد في القارة السمراء...
من هنا استمديت معرفتي بالقضايا والمسائل الأفريقية والكتابة عنها.


الـبـاب الأول
تعريف السودان


السودان

السودان بلد شاسع، إذ تبلغ مساحته مليون ميل مربع، وعاصمته الخرطوم والمسافة بين حدوده الشمالية والجنوبية المتاخمة لجمهورية يوغندة والكونغو تصل إلى /1400/ ميل بينما يبلغ عرضه من الشرق إلى الغرب في بعض الأماكن حوالي /1000/ ميل.
أما مساحته الإجمالية فتبلغ مليون ميلٍ مربع، كذلك تبلغ مساحة
مياهه /129810/ كم مربع ويمر في السودان نهرا النيل وهما النيل الأزرق
والنيل الأبيض.
النيل الأبيض: يبلغ طوله من بحيرة فكتوريا إلى العاصمة الخرطوم 1530 ميل.
أما النيل الأزرق: وينبع من منطقة بحر دار في أثيوبيا، ويلتقي النيلان في الخرطوم بمنطقة المقرن.
وأهم موارده: النفط /اكتشف مؤخراً/ خام الحديد - نحاس - كروم - زنك - تنجستين - ميكا - فضة - ذهب.
استقل السودان في 1/1/1956.
عدد سكانه حسب تقديرات عام /2000م/ تبلغ /35079814/ نسمة.
اللغة: العربية وهي اللغة الرسمية والوطنية ثم - النوبية - النيلية - الحامية - وعدد من اللهجات المحلية، وأدخلت الإنكليزية في عهد الاستعمار البريطاني.
الدين: الإسلام إذ يبلغ عدد المسلمين فيه 85%.
النظام السياسي: جمهوري.
عدد محافظاته: /26/ محافظة / ولاية.
العملة: الدينار السوداني.
قوته العسكرية حسب تقديرات عام /2000/ هي /94700/ فرد.
ينقسم السودان إلى قسمين هما: الشمال - الجنوب.
الأول : الشمالي الذي يعتبر أكثر تجانساً من الجنوب.
الثاني: الجنوب ويقع في قلب القارة الأفريقية وهو موضوع كتابي هذا /الجنوب وملامح المستقبل/.

الفصل الأول
السودان الحديث


تم تشكيل السودان الحديث أثناء الحكم العثماني والإدارة المصرية، ففي عام /1821م/ توجه جيش (محمد علي باشا) إلى كلٍّ من مناطق البحر الأحمر وسنار.
وفي عام /1838/ فتح منطقة شرقي السودان التي تسمى بلاد /التاكا/، ثم سواحل البحر الأحمر، وفي العقد السابع تم فتح جنوب السودان أي منطقة مديرية خط الاستواء.
وفي عام /1874/ تم فتح غرب السودان أي منطقة /دارفور/...
أثار الدخول العثماني المصري حفيظة الكثير من السودانيين فقاموا بثورات عدة لم يستطع الحكم العثماني المصري القضاء على حركة المقاومة نهائياً إلا في عام /1840/.
وفي عام /1870/ عين الخديوي الإنكليزي (صموئيل بيكر) حاكماً عاماً على المديريات الجنوبية وبعد ثلاث سنوات عاد (بيكر) للقاهرة وذهب بدلاً عنه (شارلس جورج غوردون) ومنذ عام 1873 بدأت علاقات (غوردون) بالسودان، فقد عين مديراً للاستوائية وانتهى بترفيعه إلى حاكم للسودان. ويعتبر (غوردون) آخر حاكم للسودان خلال فترة الحكم /المصري العثماني/.
في السنوات الخمس الأولى من عهد (غوردون) ( ) تدهورت الأحوال الاجتماعية والحياتية بسبب الإسراف الحكومي - كما لم تدفع رواتب الموظفين لعدة شهور وتراكمت الضرائب على الأفراد مما أدى إلى الاضطرابات والمشاكل.
وفي عام 1864 انفجر تمرد بالغ الخطورة داخل صفوف الجيش بمدينة كسلا وفي عام 1865 تمردت القوات العسكرية وانضم إليها الفيلق الرابع الذي كان معسكراً في مدينة كسلا، وجاء أحد الضباط وأقنع هذه القوات بإلقاء السلاح واعداً إياهم بالعفو.
لم تفِ الحكومة بالوعد وأعدمت الكثير من أفراد القوات المسلحة مما أثار غضب الجنود السودانيين - كذلك اندلعت نيران العصيان في كل من سواكن - سنار - كسلا وبعدها عمدت الحكومة إلى تخفيض القوات العسكرية... هكذا كان وضع السودان عندما اندلعت الثورة المهدية في شهر آب /أغسطس/ عام 1880 ومن الممكن القول بأن الثورة المهدية( ) كانت عامل احتجاج ضد النظام الذي هز وضع المجتمع السوداني نتيجة الضرائب الباهظة وسخط العسكريين وعدم رضا الكثير من الطوائف الدينية وزعمائها التقليديين... وفي خصوص الثورة المهدية ذكر اللورد (كرومر) الآتي:
«كان على الحكومة المصرية أن تواجه ثورة عارمة استمدت قوتها من عنصرين الأول ديني روحي - وناجم عن سوء الإدارة الحكومية ما أدى إلى كراهية الموظفين للنظام التركي المصري».
وهنا لابد أن نشير إلى أن الدعوة إلى المهدية قد قضت على كل ولاء قبلي وديني.
والجماهير التي انخرطت في الثورة المهدية كانت من المضطهدين والفقراء - كما أن تعاليم المهدي هي تقبّل الناس لأحكام الله على الأرض كذلك شددت تعاليمه على الجهاد حيث نادى بضرورة التخلص من كل أعراض الدنيا الفانية.
انقضت المرحلة الأولى من مراحل الثورة المهدية، أي مرحلة الثورة والانتصار عندما مات (المهدي) وبعد وفاته بدأت المرحلة الثانية وهي تأسيس الدولة السودانية، حاول الخليفة (عبدالله) مواصلة الحرب وقد قبض بقوة على الجهاز الإداري والعسكري إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
قبائل الجنوب والثورة:
في عام 1890 ثارت قبائل الجنوب على الخليفة (عبدالله) وفي نفس الوقت أخذت الدولة توسع نشاطها في أقصى الجنوب، ففي عام 1888 أنشئت الشركة التي عرفت باسم /شركة أفريقيا الشرقية البريطانية/ وكان عملها الظاهر هو تبيان الحدود داخل مناطق النفوذ البريطانية أما الباطن لهذه الشركة فهو بسط النفوذ الإنكليزي سياسياً وتنصير أهالي الجنوب، وفي عام 1890 أصبحت يوغندة مستعمرة بريطانية وفي عام 1891 وقع كل من بريطانيا وإيطاليا بروتوكولاً عينت بموجبه مصالح الدولتين والحدود الفاصلة بين السودان وأرتريا المستعمرة الجديدة لإيطاليا، وخلال السنتين اللتين أعقبتا هذه الاتفاقية حدثت تطورات كثيرة، منها ازدياد أطماع الفرنسيين والدول الأوروبية، ودفع الحكومة البريطانية إلى التخلي عن سياسة التدخل في السودان، وبعد سقوط الخرطوم والضعف الذي لحق بالدولة المهدية - ذلك كله كان إيذائاً للقوات التركية والمصرية بالزحف إلى السودان.
بدأ احتلال السودان من جديد عام 1896 وفي عام 1897 قتل الخليفة (عبدالله) وكانت جيوش الخليفة قد هزمت، وقد أطلقت القوات الغازية سراح السجناء الذين بلغ عددهم 10.654 سجيناً في أم درمان - ومن الأعمال المؤلمة لدى السودانيين قيام الجيوش الغازية بتحطيم /قبة المهدي/ كذلك أخذ ما بقي من جثته وإحراقها في أحد مواقد السفن ثم نثر رمادها في نهر النيل، رفع بعدها العلمان الإنكليزي والمصري فوق مدينة الخرطوم.
ومن هنا نعتبر قيام السودان الإنكليزي المصري.
«جنوب السودان» جغرافياً وسكانيّاً:
يعرَّف جنوب السودان بأنَّه الجزء الذي يمتد جنوباً حتى بحيرة /البرت/ بيوغندة، ويشتمل الجنوب على ثلاث مديريات هي:
أ - بحر الغزال.
ب - الاستوائية.
ت - أعالي النيل.
وتبلغ مساحة هذه المديريات /250/ ألف ميل مربع أي ربع مساحة البلاد، ومما لا شك فيه أن نهري النيل هما اللذان وهبا الحياة للسودان ولشعبه ولشعوب أخرى – أمّا في الجنوب فقد أوجد النهر مساحات واسعة تغطيها المستنقعات وهذه المنطقة تعرف بـ/السدود/، كما أن مجرى النهر يتبدل على الدوام، هنا وفي هذه المناطق تقع الغابات الاستوائية، وتعلو الجبال التي تموج بالأزهار وبأشجار الفاكهة، وفيها تعيش الحيوانات المفترسة الكبيرة، هنا تدب قطعان الفيلة الكبيرة والصغيرة وفيها تمشي أفراس الماء كما أن وحيد القرن يهجم على كل ما يقف أمامه بقوة جارفة، في هذه المنطقة تزأر الأسود، من هنا تنطلق الظباء هاربة من ملاحقيها، هنا تتواجد الأفاعي الكبيرة الضخمة والتي تعرف بـ /الأصلة/، هذا هو الجنوب بمديرياته الثلاث...
سكان الجنوب:
ينقسم سكان الجنوب إلى ثلاث قبائل أساسية هي:
أ - النيليون الذين يتكونون من الدينكا والنوير والشلك والأنواك( ).
ب - النيليون الحاميّون: الذين يتكونون من القبائل التالية: المورلي (الديدنجا) و(البويا) و(التبوسا) و(الأتوكا) وتعيش أكثرية هذه القبائل في مديرية الاستوائية كما يعيش جزء منهم في يوغندة وكينيا.
ت - السودانيون: يتكونون من عدة قبائل صغيرة، وتعيش في الجزأين الغربي والجنوبي، وأهم هذه القبائل هي قبيلة (الزاندي)، أما القبائل الأخرى فهي (البااي) و(النيانجورا) و(الماندراي) و(الفوجلو) و(المورو) و(اللالوبا) وهذه غير قادرة على بسط نفوذها على بقية القبائل كما أنَّها لم تستقر منذ زمن قديم في جنوب السودان، أما (الشلك) فقد هاجرت من المناطق الواقعة شرق بحيرة فكتوريا بيوغندة، أما قبيلة (الدينكا) فقد هاجرت من مناطق البحيرات العظمى في شرق أفريقيا، وقبيلة (الزاندي) فقد هاجرت من أواسط أفريقيا، بينما القبائل السودانية فقد هاجرت من قرب بحيرة تشاد، وكل هذه القبائل لا تستطيع الادعاء بأنَّها من السكان الأصليين، ويعيش أكثرهم في أراضي بحر الغزال وأعالي النيل.
اللهجات:
إنَّ اللهجات الرئيسية هي لهجات النيلين والتي تشتمل على لهجات قبائل (الدينكا) و(النوير) و (الشلك) و (الأشولي) و (البرن)، أما لهجات قبائل (الباري) فهي تشمل كلاً من القبائل التالية: (الياري) و (الأتوكا)، وكذلك تشتمل لهجات قبيلة (الديدنجا) على (الديدنجا) أنفسهم وكذلك قبيلة (التوبوسا) وكذلك لهجات (الماوي) تشمل كلاً من قبيلة (الماوي والمورو)، وكذلك لهجة الزاندي على قبيلة (لموندي والكريش) والذي نفهمه من ذلك أنَّ في جنوب السودان عدة لهجات يتم التخاطب بها، ويقدّر ورد عدد اللهجات المستخدمة بـ اثنتي عشرة لهجة، وبالرغم من أنَّ هذه اللهجات يتم التخاطب بها إلاَّ أنَّها لم تستطع أن تكون لغةً أساسية حضارية، وبقيت اللغة الأساسية للمخاطبة والتفاهم هي اللغة العربية المحلية بين كافة القبائل بالرغم من كل المحاولات الأجنبية لإخفائها.
الديانة:
توجد في جنوب السودان الديانات التالية:
1 - الإسلام.
2 - الوثنية.
3 - المسيحية من كاثوليك، وبروتستانت.
النظم السياسية:
توجد في جنوب السودان تنظيمات سياسية عديدة تتباين من قبيلة إلى أخرى، فقبيلة الشلك مثلاً تمتاز بنظام ملكي يقوم على تقديس الملك، أما لدى قبيلتي (الدينكا) و (الباري) فالسيادة يتمتع بها «صانع المطر» وهي سيادة مطلقة، بينما السلطة لدى قبيلة (النوير) فهي بأيدي أشخاص من ذوي النفوذ الديني الموروث، وبعيداً عن متناول أيدي رجال السياسية، وانطلاقاً مما ذُكِر آنفاً يمكننا القول بأنَّ لجنوب السودان خصائص متعددة سياسياً وثقافياً وقومياً، وهذا ما يفقده صفة الانسجام والوحدة؟