آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

موضوع مغلق
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 64

الموضوع: جنوب السودان وآفاق المستقبل ج1-لأحمد أبو سعدة

  1. #21
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    «التمرد الأول» 1955 – 1972

    انشغلت حكومات السودان الوطنية المتعاقبة بمشكلة الجنوب، فلقد استنفذت هذه المشكلة الخطيرة القدر الأكبر من طاقات السودان: السياسية - المادية - العسكرية كما كانت أحد أهم الأسباب التي أطاحت بالحكومات الديمقراطية والعسكرية ولقد أنشئت عدة تنظيمات سياسية جنوبية في الخارج والداخل، وكان أهم هذه المنظمات «الاتحاد السوداني الأفريقي للمناطق المغلقة»، وقد اتخذ هذا التنظيم مدينة «ليوبولدفيل» الكنغولية مقراً لـه، ولكن ما لبث أن غيَّر اسمه ليصبح «الاتحاد السوداني الأفريقي القومي» واختصاراً «سانو» ونقل مقره إلى مدينة «كمبالا»( ) اليوغندية، وكان من أبرز قادة الاتحاد السوداني (جوزيف أودهو)( ) الذي أصبح رئيساً للتنظيم و(وليم دنيق)( ) الذي أصبح سكرتيراً عاماً للتنظيم، و(باركورومي)( ) نائباً لرئيس التنظيم، و(ساترنيتو لاهور)( ) و(فرد اديناق) و (بانكر اسيواوشنق)( ) الذي عين أميناً للصندوق المالي، و(جيمس وول اشيان)( ) و(فالوياو) الذي عين معاوناً لأمين صندوق التنظيم، و(اقري جادين) الذي عين مساعداً لسكرتير التنظيم و(باسيار تريه)( ) و(كرت اثيم) و(الكسيس مايالي يانجو) و(فيليب يداك) و(ناثينال أويت)( ).
    الأنانيا:استطاع الاتحاد السوداني الأفريقي في الداخل والخارج أن يستقطب عدداً لا بأس به من الجنوبيين «طلاباً وموظفين...»، كذلك اتصل ببقايا المقاتلين المتمردين المختبئين في الأدغال منذ تمرد عام /1955/ وبهؤلاء تم تكوين قوة عسكرية مقاتلة أطلقوا عليها اسم «الأنانيا»( ) التي أصبحت الجناح العسكري للاتحاد السوداني الأفريقي «سانو» منذ عام 1962.
    في عام 1964 تمكن القس والنائب السابق والعضو في «سانو» من الحصول على أسلحة وذخائر وبكميات كبيرة من «إسرائيل» وهذا بهدف تسليح «الأنانيا»، وبالتالي مهاجمة الجيش السوداني الوطني في مديرية بحر الغزال، ففي كانون الثاني - يناير - 1964 قامت «الأنانيا» بمحاولة الاستيلاء على مدينة «واو» عاصمة مديرية «بحر الغزال»، ورأس مجموعة المتمردين هذه أحد أبناء سلاطين قبيلة (الدينكا) ويدعى (برنابا ديني ماو)( )، ولقد فشل المتمردون في محاولتهم هذه وقتل عدد كبير منهم الأمر الذي توقف عنده التنظيم كثيراً، ولقد تفاعلت الأحداث وانعكست على «سانو» حيث أخذت الخلافات تطفو على السطح، وانفصل عنه أحد قادته المهمين وهو (وليم دنيق)، وخرج معه جناح كبير، وعاد (دنيق) إلى السودان وبشكل سري، حيث عمل كمنافس لما يسمى بجبهة الجنوب، وقد أعلن في 27/2/1965 استعداده الدخول في مفاوضات مع الحكومة السودانية.
    في الوقت نفسه ظهرت تنظيمات جديدة وعديدة منها:
    1 - حزب الوحدة بقيادة (سانتينو دنيق).
    2 - الجبهة الجنوبية الحرة وقادها (بون ديو).
    3 - الاتحاد السوداني الأفريقي الذي قاده أحد أقطاب الحزب الشيوعي السوداني (جوزيف كرنغ)( ).
    ازدادت الخلافات في داخل «سانو» وأنصاره في الخارج والداخل، ولم تكن هذه الخلافات عقائدية أو سياسية، بل قبلية وشخصية.
    وكذلك انشقت عناصر عديدة من منظمات مختلفة متنافسة ومتصارعة فيما بينها ومثال على ذلك الحكومة التي شكلها (كرنغ) وحملت اسم «حكومة فاشوده الوطنية المؤقتة» كذلك «جبهة التحرير الأفريقية» ومنظمة « المحاربون السودانيون من أجل الحرية»، إلاَّ أنَّه ومع مجيء عام 1965 - وتحديداً في شهر حزيران - 1965، وقع انشقاق وسط قادة تنظيم الاتحاد السوداني الأفريقي، ومن جراء هذا الانشقاق خرج عدد من القياديين الجنوبيين المهمين وكونوا «جبهة تحرير/ أذانيا» بقيادة (جوزيف أودهو) الذي كان أول رئيس لـ «سانو» كما انشق معه قيادي آخر هو (أقري جادين) الذي كوَّن تنظيماً خاصاً به، وقد أطلق عليه اسم «جبهة التحرير السودانية الأفريقية» إلاَّ أنَّه لم تمض أشهر إلاَّ وعاد وانضم إلى «جبهة تحرير أذانيا» وأصبح نائباً لرئيسها.
    أطل عام 1967، وأطلت معه الانقسامات في صفوف القادة المتمردين فقد انشق الاتحاد السوداني الأفريقي الذي يعمل داخل السودان - إلى قسمين، حيث خرج القائد (الفريد وول) عن قيادة الزعيم (وليم دنيق) وقد تتالت الانشقاقات بين صفوف المتمردين في الداخل، إلاَّ أنَّها سجلت نسبة أكبر في الخارج ولاسيما في يوغندة.
    وفي ضوء هذه الانشقاقات دعا بعض المثقفين الجنوبيين إلى ضرورة وحدة الكلمة والصف ضد عدوهم الشمالي، ولقد لاقت هذه الدعوة قبولاً قوياً وسط العناصر السياسية الفاعلة التي تقف وراءها القوى الغربية، وفي شهر آب - أغسطس - عام 1967 انعقد مؤتمر كبير في منطقة «انجودين» في جنوب السودان، ولقد شاركت في هذا المؤتمر عدة فصائل جنوبية متمردة، كما شارك فيه قادة «الأنانيا» وعدد من السياسيين المحترفين.
    ولقد ساد المؤتمر جو من الوفاق والوئام، وعلا صوت الدعوة لجمع الشمل وخاصة بعد فشل القس المتمرد (ساترنينولاهور) الذي قتلته القوات اليوغندية، وغياب (جوزيف أودهو) الذي زادت أموره السياسية تدهوراً فوقع في عزلة لا يحسد عليها، مع العلم بأنَّ المذكور لا يحظى بالتأييد إلاَّ في منطقة شرق الاستوائية.
    ولقد صدرت عن مؤتمر «انجوديت» عدة قرارات أهمها الإعلان عن قيام حكومة مؤقتة في جنوب السودان، وقد رأسها المتمرد الانفصالي (أقري جادين)، كما ضمت هذه الحكومة معظم القوى القبلية والسياسية المتمردة في جنوب السودان، كذلك تم اختيار (اميدوتافنج) قائداً عاماً لقوات الأنانيا.
    بدأت حكومة التمرد عملها، وقبل أن تقوم بأي عمل فعّال دبَّت الانشقاقات السياسية والقبلية فيها، وفقدت نفوذها في كافة أنحاء الجنوب إلاَّ في محافظة الاستوائية، والتي يسيطر على شرقها المتمرد (جوزيف أودهو)، ولقد ابتعدت عنها القوى السياسية والقبلية في مديريتي «بحر الغزال» و«أعالي النيل» إلاَّ أنَّ أحد أهم الأسباب التي عجَّل بنهايتها هو رفض قبيلة (الزاندي)( ) لها، والسبب يعود إلى اختيار (اميدوتافنج) قائداً عاماً لقوات الأنانيا، وانسحاب ممثل القبيلة من الحكومة في شهر أيلول - سبتمبر - عام 1968، بعد ذلك أعلن رئيس الحكومة (أقري جادين) بأنَّ نائبه (كاميلودول) يكيد المؤامرات ضده، وأنَّه قد تحالف مع أعداء الجنوب لإسقاطه.
    فجأة غادر «رئيس حكومة المتمردين» (أقري جادين) الجنوب واتجه إلى «نيروبي» عاصمة «كينيا» ليعيش لاجئاً هناك، وقد ترك وراءه الحكومة المؤقتة التي استمرت بعض إداراتها تعمل لغاية عام 1969.
    وجاء عام 1968، وجلب معه النكسات للجنوبيين فقد تم اغتيال الزعيم (وليم دنيق) في الجنوب أثناء قيامه بزيارات سياسية في شهر - أيار - مايو - عام 1968، وباغتيال (دنيق) تكون قد فقدت قبيلة (الدينكا) زعيماً مهماً لها، وكان الجنوب قد فقد زعيماً من زعمائه الذي عمل على انفصال الجنوب عن الشمال وهو المتمرد الأب (ساترنينولاهور)( ) الذي دُعِم مالياً وعسكرياً من قبل الغرب واسرائيل، وكان هذا في سبيل تسليح تنظيم الأنانيا، وبعد انهيار الحكومة المؤقتة الجنوبية، تم تكوين حكومة جديدة أطلق عليها اسم «حكومة النيل المؤقتة» وقد رأسها (تمورون مورتادماين)( ) لم تستطع النيل الصمود والمتابعة أمام الصراعات القبلية والعنصرية، وقد أُخِذَ على رئيسها (غوردون مورتا) أنّه جاء بأغلبية وزرائه من قبيلة (الدينكا) هذا الأمر أغضب زعماء وقادة القبائل الأخرى وخاصة القبائل الاستوائية التي تعتبر أنَّ الفضل في إشعال /الثورة/ أي التمرد عام 1955، ورعايته إنما يعود إليها، ولذلك اعتبرت أنَّ رئيس الوزراء قد انحرف عن طريق الثورة والتمرد، بعد ذلك عمل القادة والزعماء المتمردون وعلى رأسهم القس (ساترنينولاهر) على إعادة تنظيم الجناح العسكري في «الأنانيا» الذي جلبَ لـه المال والسلاح من اسرائيل والدول الغربية.
    ازدادت الصراعات بين قادة وزعماء حكومة «النيل المؤقتة» ممَّا أدى إلى ظهور عدة تنظيمات شكَّلت خطراً مباشراً عليها، وأهم هذه التنظيمات:
    1 - منظمة نهر سو الجمهورية.
    2 - منظمة أزانيا السودانية.
    وقد ترأس منظمة /أزانيا/ المتمرد الانفصالي (أزيوني منديري)( ) ولقد كان وزيراً للمواصلات في حكومة (سر الختم الخليفة)، كذلك أعلن الجنرال (اميدو نفتح) معارضته لحكومة /النيل/، وأطلق أيضاً «مجلس الثورة» ثم قاد الحكومة ومجلس الثورة، علماً أنَّ المجلس ضمَّ كبار العسكريين من «الأنانيا» ثم أصدر بياناً قوياً أدان فيه السياسيين الجنوبيين الذين اتهمهم فيه بأنهم أضاعوا سبع سنوات من كفاح الأفريقيين الجنوبيين ضد العرب.
    نجم جديد؟
    في خضم الصراع القبلي السياسي على القيادة خرج متمرد جديد من رحم الانفصال وضباب الجنوب، إنَّه الضابط السوداني السابق والمتمرد في قوات الأنانيا لاحقاً إنَّه (جوزيف لاغو)( ) الذي استطاع أن يقوي مركزه وسط حركة التمرد «الأنانيا» في شرق الاستوائية في الفترة الممتدة من شباط - فبراير - إلى تشرين الثاني - نوفمبر 1969، واستطاع أن يشكل خطورة كبيرة وتحدياً أكبر للقائد الجنوبي المتمرد (اميديوتارنخ) ولقد كسب (لاغو) ولاء قوة التمرد «الأنانيا» في غرب الاستوائية، وعندما استتب الأمر قام بما يشبه الانقلاب وبعد نجاحه أطلق على قواته اسم «الأنانيا الوطنية»؟
    إنَّ القوى الغربية والكنسية وإسرائيل والتي عملت وتعمل على فصل الجنوب عن شقيقه الشمال، وجدت ضالتها وشخصها القوي في (جوزيف لاغو) فهو الرجل الذي يستطيع فصل الجنوب، وإقامة دولة متفرنجة موالية للغرب واسرائيل، وبدأت تنهال المساعدات العسكرية والمالية من هذه الدول، كما بدأت أعداد كبيرة من المرتزقة الأوروبيين والذين كانوا يعملون في «الكونغو» و«بيافرا»( ) بالعمل معه، وتدريب قواته ومنهم المرتزق الألماني (رودلف شتاينر) الذي اعتقلته قوات الجيش السوداني وحوكم في الخرطوم، وحكم عليه بالسجن ثم أطلق سراحه فيما بعد، بعد تدخلات كثيرة؟..


  2. #22
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب السادس
    اليد الصهيونية

    الفصل الأول
    الانتقاء الصهيوني

    انتقت اسرائيل «26» جنوبياً متمرداً من قوات (لاغو)، واستقدمتهم إلى «إسرائيل» ودربتهم تدريباً عالياً، كذلك أرسلت اسرائيل بعثة عسكرية من المستشارين إلى الجنوب( ) لدعم حركة التمرد، ولكي يثبت (لاغو) قوته ووجوده كقائد جديد لحركة التمرد بدأ في شن هجمات عسكرية مكثفة ضد الجيش السوداني، وقد وصلت هذه الهجمات إلى ذروتها في شهر تشرين الثاني - نوفمبر - عام 1969، وكان نتيجة هذا التصعيد ما يلي:
    إقناع كافة قوات المتمردين ولا سيما التي لم تقبل (لاغو) كقائدٍ لها بأنَّه يستطيع أن يقود قوات التمرد، وأن يخلق منها قوة عسكرية قوية تستطيع أن تصمد وترد وتواجه العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوداني، هذا من جانب، أما من جانب آخر، فهو الضغط على حكومة الرئيس جعفر النميري التي تبذل مجهودات عالية من أجل تسوية مشكلة الجنوب حسب رؤيتها.
    في عام 1970 - 1971 ازدادت العمليات العسكرية بين الجيش السوداني وحركة التمرد، ولقد قامت قوات التمرد بقيادة (جوزيف لاغو) في نهاية عام 1969 وبداية عام 1970 بشن عمليات عسكرية قوية ضد الجيش السوداني الوطني، ورداً على عمليات «الأنانيا» قام الجيش السوداني بالرد وبقوة على قوات المتمردين المتواجدة ضمن الحدود السودانية( ) والدول المجاورة وفي بداية عام 1971 قامت القوات العسكرية السودانية بشن هجوم عنيف ومنظم شارك فيه سلاح الطيران السوداني، ولقد كان هذا الهجوم مركزاً ومخططاً لـه وبدقة متناهية.
    ولقد خسر المتمردون كثيراً من المناطق والمعسكرات التي كانوا يهيمنون عليها وكان أول معسكر قد سقط للمتمردين يدعى (مورونو) وكان تحت قيادة الزعيم القس المتمرد (اميدو تفنج) وضم هذا المعسكر الحصين عدداً من الجنود المرتزقة وعلى رأسهم المرتزق الكبير (رودلف شتابتر)، وكذلك المرتزق الإنجليزي المدعو (إلكسندر بولنجهام).
    رغم الهزائم الكبيرة والعديدة المتلاحقة لقوات التمرد فقد استمرت في هجماتها ضد الجيش السوداني والضحايا الذين قتلوا بيد المتمردين كانوا من الجنوبيين المدنيين؟!
    وصمدت «الأنانيا» رغم الهزائم الكبيرة التي تعرضت لها، ولقد أثار هذا الصمود إعجاب الكثير من المتمردين، ولا سيما الحركات التي لم تعترف ولم تقبل بـ (جوزيف لاغو)، وهكذا دفعهم هذا الصمود والقتال إلى القبول بـ (جوزيف لاغو) زعيماً ولقد أعلنت هذه الحركات في بيان لها ولاءها وقبولها العمل تحت جناحه، وبذلك أصبح المتمرد (جوزيف لاغو) أهم القادة الجنوبيين.


  3. #23
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    الملازم الهارب يرقي نفسه
    !

    في شهر تموز - يوليو - عام 1970، أصبح القائد المتمرد (جوزيف لاغو) القائد العام لحركة الأنانيا، وذلك بعد أن حلت حكومة أعالي النيل، كذلك بدأ نفوذ السياسيين الجنوبيين يتقلص بشكل سريع، وبدأ هؤلاء السياسيون يطلبون ود المذكور، والتقرب إليه، والعمل تحت قيادته، وهكذا تضاعفت قوة العسكريين المتمردين، وأصبحت كلمتهم هي العليا في أوساط السياسيين الجنوبيين، وذلك بعد الانطواء تحت جناح (لاغو) ثم أعلن بعد ذلك قيام «جبهة تحرير السودان» تحت راية الملازم الأول الهارب من الجيش السوداني الوطني، وانضمامه إلى قوات التمرد الجنوبية، ولقد رقى الملازم الهارب نفسه إلى رتبة لواء، ولقد نشطت العمليات العسكرية من جديد ما بين [ كَرٍّ وفَرّ ] والجيش السوداني الوطني الضامن لوحدة السودان وبين قوات التمرد الإنفصالية، ولقد حقق الجيش السوداني الانتصار تلو الانتصار على قوات جبهة تحرير السودان، إلاَّ أنَّ هذه القوات كانت تجد من يرفدها بمقاتلين ومستشارين وفرنجة، هذا الأمر مكَّنها من الوقوف مرات عديدة وتصديها للقوات العسكرية السودانية أحياناً، هذا على صعيد العمل العسكري، أما على الصعيد السياسي فقد كان هناك سباق بين الحكومة السودانية من جهة، وجبهة تحرير السودان المدعمة غربياً وإسرائيلياً من جهة أخرى، فالاثنتان تعملان على إطلاع الرأي العام العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى الرأي العام السوداني ومحاولة كسب المعركة.
    ولقد دعت الحكومة السودانية العديد من الوفود والهيئات الأجنبية لزيارة السودان والتحقق من جدية خطواتها الوطنية السلمية لحل مشكلة الجنوب، وبالفعل قدمت إلى السودان عدة وفود، من بينها وفد «مجلس الكنائس العالمي» و«مجلس كنائس عموم أفريقيا»، ومندوبون عن «مجلس العموم البريطاني»، وكذلك مندوبون عن «اتحاد العمال في بريطانيا»، و«حركة تحرير المستعمرات»، ولقد عبَّر هؤلاء المندوبون عما رؤوه وهو أنَّ الحكومة السودانية تعمل بجد وإخلاص للوصول إلى تسوية سلمية لمشكلة الجنوب.
    وفي مقابل جدية الحكومة السودانية للتوصل إلى حل سلمي لمشكلة الجنوب كان رد فعل جبهة تحرير جنوب السودان وباقي المنظمات الجنوبية وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي أن صعدت حربها العسكرية والإعلامية ضد الجيش السوداني، أما من الجهة الإعلامية فلقد قدمت هذه التنظيمات المتمردة مذكرة تم توزيعها على الصحافة، تعدِّد فيها توجَّهات الحكومة السودانية وضلوعها في مشاريع عربية وهذا في زعمها يمثل تهديداً لهوية أبناء السودان، ولقد أوردت في هذه المذكرة اتهاماً للدول العربية والاتحاد السوفييتي بتقديم المساعدات العسكرية والمالية للحكومة السودانية من أجل استمرارها في قهر أبناء الجنوب، ولقد طالبت المذكرة الأمين العام للأمم المتحدة التدخل لإنقاذ شعب جنوب السودان من الضياع ومحاولة طمس ثقافته وقيمه من قبل العرب... ولقد وقع هذه المذكرة كل من (د. لورنس وول) كممثل عن السياسيين، والعقيد (فردريك براين ماقوت) من الأنانيا.
    وهكذا لم تثمر دعوة الحكومة السودانية لهذه المنظمات لأنَّ معظمهم كان ممن زرعوا في عقول الجنوبيين فكرة الانفصال.
    وفي نهاية عام 1971 ظهرت الصورة واضحة، فقد تمكن كل من الحكومة السودانية وحركة التمرد «الأنانيا» من تثبيت أقدامهم ولكن كلّ في مكانه، فالرئيس (جعفر النميري) ذبح رفاق الأمس الذين جاؤوا به إلى السلطة وانتهى منهم، كذلك تغلب (جوزيف لاغو) قائد حركة التمرد على كل زملائه الطامحين والمنافسين لـه في الجنوب من سياسيين وعسكريين، ونتيجة لذلك خاضَ الجيش السوداني معارك شرسة ضد قوات التمرد التي كانت تشن هجماتها الواحدة تلو الأخرى، ولقد اكتسح الجيش السوداني أكبر المناطق والمعسكرات الواقعة في أيدي قوات «الأنانيا» وأخذ يطارد فلولهم، ولقد نُصِح قائد قوات التمرد (جوزيف لاغو) من قبل الدوائر الغربية أنَّه لا جدوى من القتال ضد قوات الجيش السوداني الوطنية، ولذلك فإنَّ عليه أن يلجأ إلى حل آخر؟
    وهكذا لجأت قيادة التمرد «الأنانيا واحد» وقائدها الملازم (لاغو) الذي كان قد رفعَ نفسه إلى رتبة لواء، إلى التفكير جدياً بحل آخر...
    فقد صرَّح قائد الأنانيا (لاغو) قائلاً:
    «لقد تأكدت أنَّ الحكومات المتعاقبة في الخرطوم لم تكن راغبة، ولا قادرة للتوصل إلى اتفاق، فعندما وافقت ثورة /مايو - أيار/ على مطلب المشاركة لم يكن هناك مبرر لكي نستمر في إزهاق الأرواح وإهدار الدماء، فما ينقصنا هو توفر الثقة، وقد توفرت في شخص (النميري).
    وفي تصريح آخر يقول (لاغو): «لقد بذل (جعفر النميري) جهداً ليعرف الحقيقة، فلما عرفها كانت لديه الشجاعة ليقبلها ويعلنها، ومن ثم امتلك القدرة على حل كل مشاكلها».


  4. #24
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    البحث عن السلام
    بدأت الاتصالات السرية بين حكومة (النميري) وقيادة حركة تحرير جنوب السودان، وكانت قد سبقتها اتصالات بغاية السِّرية من قبل أجهزة الأمن الغربية، يعاونهم ويباركهم في ذلك القسيسون الفرنجة، وكانت بداية الاتصالات التمهيدية قد تمت في لندن برعاية أمنية غربية وإسرائيلية، وقد مثل الطرف الحكومي السوداني سفير السودان في لندن (فيليب أوباتق) وهو جنوبي، ومثَّل حركة التمرد الدكتور (لورنس وول)، وقد اتفق هؤلاء على تحقيق السلام في الجنوب من خلال المحادثات بينهم وبرعاية أصدقاء كِلا الطرفين، وبعد فترة عقدت عدة لقاءات بينهما في «أثيوبيا» و«زائير»، وقد مثل الحكومة السودانية (أبل ألير) واللواء (الباقر محمد أحمد)، ومن قادة المتمردين الدكتور (لورنس وول) وغيره.
    تتويج الاتصالات السرية:
    تحت جنح الظلام وبسرية تامة وصل إلى «أديس أبابا» وفدا الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان وبعد أن تبادلا القبل والمصافحة، اجتمع معهما الإمبراطور (هيلا سيلاسي)، ولقد تبادلا الأنخاب فيما بينهما، وتوجَّت الاتصالات السرية والمباحثات الرسمية بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بتوقيع اتفاقية السلام التي عُرفت باتفاقية أديس أبابا وذلك في شهر شباط /فبراير/ من عام 1972 وتحت رعاية الإمبراطور (هيلا سيلاسي) في أديس أبابا.
    ونصت اتفاقية السلام هذه على منح جنوب السودان الحكم الذاتي، ففي 3/3/1972 أصدرت حكومة السودان قانون الحكم الذاتي الإقليمي لجنوب السودان والذي ترجم اتفاقية أديس أبابا إلى تشريع وطني كما تم تعديل الدستور السوداني في شهر نيسان - أبريل - من عام 1973 بحيث يتضمن روح المبادئ والنصوص الواردة في الاتفاقية وتضمنت اتفاقية أديس أبابا ثلاث اتفاقيات أساسية وهي:
    الأولى: مسودة القانون الأساسي للحكم الذاتي الإقليمي.
    الثانية: اتفاقية وقف إطلاق النار في الإقليم الجنوبي.
    الثالثة: بروتوكولات خاصة بأحكام انتقالية، والتي تتضمن الإجراءات المؤقتة بتشكيل القوات المسلحة في الجنوب.
    وبعد أسابيع من توقيع هذه الاتفاقية أصدر رئيس الجمهورية (جعفر النميري) القرار رقم /40/ لشهر 4 وعام 1972 الذي ينص على تعيين (أبل ألير) رئيساً للمجلس التنفيذي مع احتفاظه بمنصب نائب رئيس الجمهورية، كما تم تعيين ثلاثة وزراء جنوبيين في الحكومة المركزية وهم:
    1 - الدكتور (لورانس وول) وزيراً للتخطيط.
    2 - (بوناموال) وزيراً للإعلام.
    3 - (صمويل نوباي) وزيراً لشؤون الحكم المحلي.
    بعد هذه الاتفاقية وتعيين المذكورين أجمع المواطنون غير العارفين بخفايا وبواطن الأمور أن الحرب التي اشتعلت في عام 1955 بين الأشقاء والتي استمرت سبعة عشر عاماً قد انتهت، وأن مرحلة جديدة في تاريخ السودان قد بدأت.
    هنا لابد أن نتساءل: هل ستؤول اتفاقية مشاكوس إلى ما آلت إليه اتفاقية أديس أبابا؟ أم أن الانفصال وقيام دولة جديدة قد تجسد بجدية؟


  5. #25
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    البحث عن السلام
    بدأت الاتصالات السرية بين حكومة (النميري) وقيادة حركة تحرير جنوب السودان، وكانت قد سبقتها اتصالات بغاية السِّرية من قبل أجهزة الأمن الغربية، يعاونهم ويباركهم في ذلك القسيسون الفرنجة، وكانت بداية الاتصالات التمهيدية قد تمت في لندن برعاية أمنية غربية وإسرائيلية، وقد مثل الطرف الحكومي السوداني سفير السودان في لندن (فيليب أوباتق) وهو جنوبي، ومثَّل حركة التمرد الدكتور (لورنس وول)، وقد اتفق هؤلاء على تحقيق السلام في الجنوب من خلال المحادثات بينهم وبرعاية أصدقاء كِلا الطرفين، وبعد فترة عقدت عدة لقاءات بينهما في «أثيوبيا» و«زائير»، وقد مثل الحكومة السودانية (أبل ألير) واللواء (الباقر محمد أحمد)، ومن قادة المتمردين الدكتور (لورنس وول) وغيره.
    تتويج الاتصالات السرية:
    تحت جنح الظلام وبسرية تامة وصل إلى «أديس أبابا» وفدا الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان وبعد أن تبادلا القبل والمصافحة، اجتمع معهما الإمبراطور (هيلا سيلاسي)، ولقد تبادلا الأنخاب فيما بينهما، وتوجَّت الاتصالات السرية والمباحثات الرسمية بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بتوقيع اتفاقية السلام التي عُرفت باتفاقية أديس أبابا وذلك في شهر شباط /فبراير/ من عام 1972 وتحت رعاية الإمبراطور (هيلا سيلاسي) في أديس أبابا.
    ونصت اتفاقية السلام هذه على منح جنوب السودان الحكم الذاتي، ففي 3/3/1972 أصدرت حكومة السودان قانون الحكم الذاتي الإقليمي لجنوب السودان والذي ترجم اتفاقية أديس أبابا إلى تشريع وطني كما تم تعديل الدستور السوداني في شهر نيسان - أبريل - من عام 1973 بحيث يتضمن روح المبادئ والنصوص الواردة في الاتفاقية وتضمنت اتفاقية أديس أبابا ثلاث اتفاقيات أساسية وهي:
    الأولى: مسودة القانون الأساسي للحكم الذاتي الإقليمي.
    الثانية: اتفاقية وقف إطلاق النار في الإقليم الجنوبي.
    الثالثة: بروتوكولات خاصة بأحكام انتقالية، والتي تتضمن الإجراءات المؤقتة بتشكيل القوات المسلحة في الجنوب.
    وبعد أسابيع من توقيع هذه الاتفاقية أصدر رئيس الجمهورية (جعفر النميري) القرار رقم /40/ لشهر 4 وعام 1972 الذي ينص على تعيين (أبل ألير) رئيساً للمجلس التنفيذي مع احتفاظه بمنصب نائب رئيس الجمهورية، كما تم تعيين ثلاثة وزراء جنوبيين في الحكومة المركزية وهم:
    1 - الدكتور (لورانس وول) وزيراً للتخطيط.
    2 - (بوناموال) وزيراً للإعلام.
    3 - (صمويل نوباي) وزيراً لشؤون الحكم المحلي.
    بعد هذه الاتفاقية وتعيين المذكورين أجمع المواطنون غير العارفين بخفايا وبواطن الأمور أن الحرب التي اشتعلت في عام 1955 بين الأشقاء والتي استمرت سبعة عشر عاماً قد انتهت، وأن مرحلة جديدة في تاريخ السودان قد بدأت.
    هنا لابد أن نتساءل: هل ستؤول اتفاقية مشاكوس إلى ما آلت إليه اتفاقية أديس أبابا؟ أم أن الانفصال وقيام دولة جديدة قد تجسد بجدية؟


  6. #26
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    تمرد الكتيبة /104/

    بداية أنانيا /2/:
    في 2/3/1975 تفجَّر الموقف من جديد في الجنوب وتحديداً في منطقة /اكوير/ فقد أعلنت الكتيبة /104/( ) عصيانها، وقتلت قائدها الجنوبي المدعو (ابل كول ارثر) وهو من قوات /أنانيا واحد/ وقد قادَ هذا التمرد الملازم (بتسون كراج) الذي انسحب وقواته إلى الأراضي الأثيوبية بعد أن علم بتحرك قوات الجيش الوطنية في منطقة /الناصر/ وبقيادة العقيد (عبدالله الياس) ولقد كان هذا التمرد هو البداية الفعلية للتمرد الثاني الذي عُرف بحركة أنانيا/2/ بعد ذلك.
    ... كيف بدأ التمرد؟
    قبل أعياد الوحدة:
    كان من المفروض أن ينفذ المتمردون هذا العصيان مع باقي الكتائب المدمجة في الجيش السوداني الوطني في يوم واحد وساعة واحدة، وعلى مستوى الجنوب بأكمله، وقبل أعياد الوحدة بيوم واحد.
    ولقد تم الإعداد لهذا التمرد بدقة متناهية، إلاَّ أنَّ الأوامر والتعليمات وأثناء إرسالها إلى المتآمرين في بقية محافظات الجنوب وقعت في أيدي الاستخبارات السودانية، فقامت بأخذ الحيطة، وتم إلقاء القبض على بعض العناصر المتآمرة الذي اعترف بالخطّة وبأنَّه كان قد خطط لها من قبل عناصر أمنية في دول الغرب واسرائيل.
    بعد هذا العصيان من قبل الكتيبة /104/ جاء تمرد النقيب (ألفريد أقويت) فالمذكور من الضباط الذين تم استيعابهم على أسس قبلية، وكان قد انضم إلى «الأنانيا واحد».
    استوعب النقيب (أقويت) ضمن مجموعة «الأنانيا» التي كانت في مدينة «رومبيك» ثم نقل إلى الكتيبة «110» المعروفة بعدم انضباطها ورفضها الانصهار في بوتقة القوات المسلحة الوطنية وقد نقل المذكور في عام 1976 إلى مدينة «واو» ومعه سريته، وبدلاً من أن يسكن هو وجنوده في المعسكر سكن داخل المدينة وصار مصدراً للإزعاج ولتهديد أمن المواطنين فيها، ممَّا دعا قائده آنذاك العميد (نور الدين المبارك) أن يشكوه إلى محافظ المديرية المدعو (ازاياطكولانق) الذي زاره في مكان إقامته في المدينة وتحدث إليه وإلى جنوده، وما كان منه ومن جنوده إلاَّ أن رحلوا من المدينة إلى المعسكر المعَد لهم وانضم البقية إلى وحدتهم العسكرية، والحقيقة أنَّ النقيب المتمرد (الفريد) وجنوده كانوا عبارة عن أحجار شطرنج.
    فقد كان السياسيون الانفصاليون المرتبطون بالغرب وإسرائيل يتم تحريكهم وفق مصالح وغايات الفرنجة الانفصالية.
    وفي يوم 16 - 2 - 1976 تحرَّك (الفريد) ومجموعته العسكرية وبكامل أسلحتهم ودخلوا الغابة تاركين معسكرهم النظامي معلنين رفضهم لاتفاقية السلام( ).
    إنَّ هروب النقيب (الفريد) وتمرد الكتيبة «104» كان ضمن خطة شاملة وواسعة من أجل تمرد كل حركة «الأنانيا»، حيث كان النقيب (الفريد) وعناصره مجرد دمىً في أيدي سياسيي التنظيمات الجنوبية الانفصالية، فهؤلاء الساسة كانوا المحرضين الأساسيين لهروب (الفريد) ومجموعته ولكي يثيروا البلبلة والذعر، بما يمهِّد لنشوء الحرب الأهلية من جديد، وهكذا كان وهكذا صار وهذا ما أظهرته الوثيقة الدافعة التي ضبطت وكان مرسلها (بنجامين يول) من مدينة «واو» إلى (جوزيف أودهو) في مدينة «جوبا» والذي يدعوه فيها إلى تنفيذ خطة الهروب الجماعي لكل فصائل «الأنانيا» الملتحقة بالجيش، وبعد ذلك يلحق بهم جميع السياسيين الذين يؤيدون الانفصال، هؤلاء هم الذين سيقاتلون الجيش السوداني الوطني حامي الأرض والوحدة السودانية.
    اعتراف المتمرد (الفريد أقويت):
    عندما ألقت قوات الجيش السوداني القبض على المتمرد (أقويت) قُدِم إلى المحاكمة، وهنا قدم اعترافات أدت إلى إدانته والحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، ونفذ الحكم بحقه.
    ومما اعترف به (أقويت) كيف هرب زوجته وأولاده قبل الحركة، حيث قام الرائد الانفصالي (مارتن ماكور) وهو من المشاركين في المخطط الانفصالي، بنقل زوجته وأولاد (أقويت) من مدينة «واو» إلى «رمبيك».
    كذلك اعترف بالمكان الذي خبأ به المتمردون سلاحهم، مما مكن الجيش السوداني من استعادته.
    هذه الرواية هي الرواية الرسمية، أما الرواية التي رواها أحد الأصدقاء والعسكريين فأوردها كما سمعتها:


  7. #27
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الخامس
    المؤامرة الكبرى «جوبا»

    بعد تناولي لطعام الإفطار في بيت الفريق المتقاعد (د)، قال لي صديقي: «يا أخ أحمد لقد سألتني بالأمس عن مدينة «جوبا» وعن المؤامرة التي حصلت هناك والآن وبعد أن /أكلت/ الكبدة وشربت الشاي باللبن، أكيد أنك أصبحت جاهزاً لسماع هذه الرواية العجيبة».
    - تفصل يا سيادة الفريق (د).
    - ضحك صديقي الفريق (د) وقال:
    «في شهر مايو - أيار - عام 1977 أخبرني جهاز الاستخبارات العسكرية، بأنَّ هناك مؤامرة كبيرة لضرب الوحدة الوطنية يعمل على الإعداد لها في الخفاء، ولقد كان المخطط عبارة عن انقلاب عسكري داخل الجنوب، ويبدأ تنفيذ هذا الانقلاب في مدينة «جوبا» عاصمة الجنوب ثم يعمم ليشمل كافة أنحاء الجنوب، وتشترك فيه قوات المتمردين «الأنانيا»، وبعد أن يتم تأمين الانقلاب، تغلق كافة قطارات الجنوب، وكذلك كافة الطرق التي من الممكن أن تأتي منها القوات النظامية السودانية لسحق انقلاب هؤلاء المتمردين، وهنا وبعد التأمين لهذه المنافذ تعلن القوى الانفصالية المتمردة فصل الجنوب عن الشمال ويفتح على أثر ذلك مطار «جوبا» لتلقي المعونات من الدول الغربية وإسرائيل التي كانت تعلم وتعرف توقيت هذا الانقلاب الانفصالي.
    تابعت استخباراتنا مخطط المتآمرين، فقد كان قادة الانقلاب يتحركون وفق خطة سرية للغاية، جعلت من الصعب معرفتهم في البداية، ولقد كان أغلب القادة المتآمرين من العسكريين أصحاب الرتب الصغيرة أي من ضباط الصف، أما القادة الكبار فقد كانوا بعيدين كل البعد، وبالرغم من قناعة أجهزة الأمن العسكرية بأنَّ هؤلاء القادة هم المخططون الرئيسيون والمتورطون في هذا العمل الدنيء إلاَّ أننا لم نلق القبض عليهم لأنَّنا لم نكن نملك الأدلة الكافية لاعتقالهم.. مرَّت الأيام بثقلها وخطورتها ونحن نتابع ونتحرى، ولكننا بدأنا نشعر بأنَّ الوضع قد ينفجر في أيّ لحظة، إلاَّ أنَّ متابعتنا للمتآمرين كشفت الحقيقة من خلال المتآمر (غوردن مورتات) ومجموعته في الخارج، و(فيليب عباس غبوش) الذي يعد بمثابة حلقة الوصل بين المتآمرين والإسرائيليين، و(كارلوكومي) وهو من جبال النوبة.
    عمل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بجدية لها خصوصية الحياة أو الموت، فاستطاع زرع بعض ضباط الصف بينهم...
    الاجتماع الأخير:
    في مساء يوم 28 - 6 - 1977 عقد الاجتماع الأخير للانفصاليين، وتم تحديد يوم تنفيذ العملية وهو 2 - 7 - 1977 وفي مساء يوم 30 - 6 - 1977 قامت قيادة الجنوب والاستخبارات العسكرية بمداهمة واعتقال جميع صف الضباط والجنود الذين شاركوا في الاجتماعات، وقد ضبطوا وهم يضعون اللمسات الأخيرة لمخططهم التآمري الانفصالي.
    إذاً تم كشف العملية، وأحبطت ساعة الصفر نتيجة اعتقال معظم المتآمرين أما الباقون الذين لم يتم اعتقالهم فقد قرروا الاستمرار في المؤامرة، والعمل على تنفيذ مخططهم يحدوهم أمل بدعم القوات القديمة من الأنانيا والتي انضمت إلى الشرطة والسجون وتقديم دعمها العسكري لهم.
    في يوم 2 - 7 - 1977 وفي الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحاً، غطت سماء عاصمة الجنوب «جوبا» ألوان حمراء تصاحبها أصوات قوية، كان الضرب عشوائياً وغير مركز وكانت أصوات الأسلحة المختلفة تملأ المكان، أما مصدرها فكان من جهة مطار «جوبا».
    - إذاً تم تنفيذ المخطط؟
    - نعم - لقد نفذت المخطط أفراد سرية الدفاع الجوي الذين كانوا مكلفين بحماية المطار، وكان الضرب العشوائي والكثيف بمثابة إشارة للقوات المستوعبة في الجيش السوداني للانضمام إليهم لتتمة تنفيذ العملية، ولكن هذه الوحدات كانت بدون قيادات توجهها، حيث تم اعتقال قادتهم قبل يوم من تنفيذ الانقلاب.
    تمكن الجيش السوداني من إحباط الحركة واستعادة المطار، ومن ثم هرب الجنود وقادتهم بعد أن قتلوا جنود الجيش النظامي الذين كانوا معهم.
    كان فشل هذه المؤامرة بمثابة ضربة كبيرة ونكسة خطيرة لاستراتيجية قوى التمرد الانفصالية وأسيادها.
    بعد ذلك بدأت قوى الانفصال تركز نشاطها في مديريتي «أعالي النيل» و«جونقلي» وأخذت تعمل على توحيد قوات الانفصال بحيث تجعلها قوى كبيرة ضاربة فعمد كل من القائدين الانفصاليين (قاي توت) و(كوت اتيم) إلى القيام بخطوات تمهيدية للمؤامرة وهي:
    أ - توحيد كل الفصائل المتمردة في أعالي النيل، وتجميعها في معسكر واحد يكون ضمن الأراضي الأثيوبية، كي تكون بمأمن من ملاحقة وضرب الجيش السوداني لها، وبالتالي سهولة قيادتها، ولقد عين قائداً عاماً عليها (بنسون كرانج) ولكن بشكل مؤقت إلى حين تعيين قيادة جديدة.
    والتي تألفت من الانفصاليين التالية أسماؤهم:
    1 - كوت اتيم.
    2 - صمويل قاي توت.
    3 - جوزيف أودهو.
    4 - عبدالله شول.
    وهؤلاء جميعهم من قادة «الأنانيا» ومن ذوي النفوذ قبل اتفاقية «أديس أبابا» عام 1972.
    ب - تم الاتصال بالسلطات الأثيوبية لتقديم العون المادي والسماح للمتمردين بالانطلاق من أراضيها إلى داخل السودان للقيام بالعمليات العسكرية التخريبية، كما طلب من السلطات الأثيوبية القيام بتدريب المتمردين تدريباً حديثاً من قبل ضباط أثيوبيين متمرسين، وقد وافقت السلطات الأثيوبية على كافة طلبات الانفصاليين وقدمت لهم معسكراً يدعى (بلغام) للتدريب والتسليح، ثم أضيف لـه معسكران آخران يدعى الأولى (برير)، والثاني (ثيرقول) وبحيث يستخدمان كنقطة ارتكاز عند الانطلاق لدخول الأراضي السودانية، وقتال الجيش السوداني الوطني.
    جـ - تم الاتصال بالمنظمات الدولية وبمساعدة أثيوبيا، ولقد اُستجيب لطلباتهم.
    د - القيام بحركة تجنيد واسعة في أوساط (الدينكا)، وكذلك القبائل الأخرى التي رفضت مؤتمر أديس أبابا.
    هـ - كونت شبكة لتهريب السلاح من «الكونغو» و«يوغندة» عبر الحدود، وقد رأس هذه الشبكة (صمويل قاي توت) الذي عمد هو و(جون كرنق) لاستغلال منصبيهما، وقاما بتهريب السلاح بسيارات الدولة، ولقد قبض على الاثنين وحوكما وعوقبا بالسجن لمدة عام.
    بعد ذلك اشتدت شوكة المتمردين كافة وخاصة بعد الدعم الذي تلقوه من الغرب ومجالس الإرساليات التبشيرية وإسرائيل، وقاموا بوضع استراتيجية قصيرة الأمد لتمتد من عام 1981 إلى عام 1982 ولتبدأ استراتيجية ثانية، ولقد شملت هذه الاستراتيجية أعمالاً عدة نورد أهمها:
    1 - احتلال نقاط على الحدود السودانية الأثيوبية، وإعلانها نقاط محررة واستخدامها كنقاط ارتكاز وعبور إلى عمق أراضي الجنوب للقيام بضرب الجيش السوداني والمليشيات الجنوبية الوحدوية، والعمل على تخريب وإحراق القرى الآمنة وإتلاف المواد الغذائية وحرقها للتأثير على صمود المواطنين الجنوبيين.
    2 - قطع الطرق والمواصلات البرية والنهرية، والتعرض للقوافل التجارية وقتل أصحابها لإشاعة الذعر والفوضى في المنطقة.
    3 - حرق المتاجر وقتل أصحابها إن كانوا شماليين.
    4 - التسلل إلى داخل منطقة أعالي النيل، وضرب مناطق البترول في كل من «عدرا» و«بانيتو».
    5 - مهاجمة مخافر الشرطة المنعزلة وقتل أفرادها، وسلبهم السلاح.
    6 - مهاجمة نقاط الجيش المنعزلة، وكذلك الأهداف الصغيرة العسكرية وتدمير معداتهم، وقتل أفرادها.
    7 - العمل على إلقاء المحاضرات، وتكثيف التدريب من أجل التحضير لانطلاق حركة الأنانيا.
    وقبل الدخول إلى معرفة ما هي حركة التمرد الثانية لابد من العودة إلى الأحداث التي تلاحقت وتتلاحق وتمضي مخلفة وراءها نتائجها السلبية على شعب السودان، إنني ربما أشابك الأحداث دون مراعاة لقدمها أو حداثتها إلا أنني أروي قصة واقع جنوب السودان المؤلمة، إن تشابك الأحداث في القصة وعدم ترتيبها زمنياً أريد منه الخروج على المألوف والسرد خدمة لواقع هذه الرواية الحزينة /قصة حياة أو موت/.
    إنني أنشد وضع الصورة الحقيقية وبكل ظلالها الميتة والحية لما جرى ويجري في جنوب السودان وتداعياته على السودان.
    إنني أحاول تقديم الحقيقة من خلال ما جرى ويجري وما سوف يجري في جنوب السودان؟


  8. #28
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب السابع
    اســــتـعـادة

    الفصل الأول
    المائدة المستديرة

    في 14 تشرين الثاني /نوفمبر/ عام 1964 أعلنت الحكومة المدنية الانتقالية التي يرأسها (سر الختم خليفة) عفواً عاماً عن كل السودانيين الذين هربوا من السودان منذ عام 1955 والمحكومين غيابياً ثم ناشدت حكومة (سر الختم) كافة الجنوبيين الذين يعيشون في المنفى أن يتركوا الخلافات كافة دينية - عرقية - سياسية - جانباً ويعودوا إلى وطنهم السودان، وقف رئيس الوزراء موقفاً سودانياً أصيلاً حيث قدم اقتراحاً بمنح الجنوب حكماً ذاتياً وقد عقد مؤتمر في عام 1965 وقد تمثلت فيه معظم الأحزاب السودانية، منها:
    1 - سانو (A).
    2 - جبهة الجنوب (B).
    3 - حزب الوحدة السوداني (C).
    ولقد مثل هذه الأحزاب مندوبون لكل منها.
    ما هي هذه الأحزاب؟..
    من خلال البحث والتقصّي علمت بما هو آتٍ:
    A - حزب سانو:
    تتلخص أفكار هذا الحزب في إيمانه بتعدد الأعراق في السودان وأن يسود نظام فيدرالي ولا بد هنا من العودة قليلاً إلى الوراء كي تكون الصورة أوضح:
    ما بين أعوام 1965 - و1969 في هذه الفترة حدثت تعقيدات سياسية وشخصية ما بين سياسيي الجنوب بحيث أصبح كل من أراد أن يكون لـه تنظيم فهو قادر على ذلك، طالما المال الغربي الكنسي متوفر ودماء الناس فلماذا لا تتعدد التنظيمات الانفصالية المتمردة ولنأخذ مثالاً على ذلك (وليم دنيق) الذي فصل من الحزب رسمياً في عام 1965 لأنه فضل قيام فيدرالية مع الشمال الأمر الذي أدى إلى غضب الغرب عليه.
    بدأ (وليم دنيق) حياته السياسية منادياً بانفصال الجنوب عن الشمال وقد قام مع شريكه (جوزيف أودهو) في نشر كتاب /مشكلة جنوب السودان/ كما نظم عدة عمليات /عسكرية/ ضد الجيش والمواطنين السودانيين.
    كان انفصالياً من رأسه إلى أخمص قدميه لكنه تغير فجأة وأصبح ينادي بقيام نظام فيدرالي ما بين الشمال والجنوب.
    وفي عام 1965 قام (وليم دنيق) وسجل حزبه تحت اسم /سانو/ في الداخل وكان هدف الحزب الرئيسي هو المطالبة بتطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان وبطريقة سلمية.
    وفي عام 1965 أجريت الانتخابات في الشمال واستثني الجنوب منها لأسباب أمنية وعلى أثر الانتخابات شكل (محمد أحمد محجوب) الائتلاف الحكومي بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي وخُصصت لحزب /سانو/ حقيبتان وزاريتان، وكان حزب جبهة الجنوب قد رفضهما... ومع اقتراب الانتخابات العامة في البلاد ازدادت الخلافات بين الحزبين الجنوبيين كما كان لها أيضاً طابع شخصي واستمرت الأوضاع السيئة تتفاقم إلى أن جاء يوم 15 أيار /مايو/ 1968 حيث أعلن عن مقتل (وليم دنيق) وستة من رفاقه في كمين نصب لهم وهم في طريقهم من مدينة /رومبيك/ إلى مدينة /واو/ وقد قتل (دنيق) بطريقة وحشية حيث قطع رأسه مع جزء من الجمجمة وأسند جسده إلى شجرة بجانب رأسه كما تم التمثيل بجثث بقية رفاقه الستة، وقد تم القتل من قبل المتمردين الجنوبيين الذين رفضوا الفيدرالية وعملوا على فصل الجنوب عن الشمال، وقد اعتبر خصومه عودته إلى السودان وتعامله مع الحكومة السودانية خيانة عظمى لقضية الجنوب، وقد اتهم الانفصالي (الفرد وول) زعيم جماعة الستة الكبار الانفصالية بالقتل.
    B - حزب جبهة الجنوب:
    بدأت جبهة الجنوب بعدد من المواطنين الجنوبيين وطلبة الجامعات إلا أن تاريخ إنشائها غير معروف بالضبط، ومؤسسو جبهة الجنوب يعدون تنظيمهم تنظيماً جماهيرياً، لهم جماهيرهم وتوجهاتهم، وبعد ثورة أكتوبر عام 1964 أسند إلى قادة هذا التنظيم عددٌ من المناصب الوزارية وقد شغل منصب وزارة الدفاع والداخلية المدعو (كلمنت مبورو بيكوبو) في عهد رئيس الوزراء (سر الختم خليفة) وبذلك يكون أول جنوبي يتبوأ هذا المنصب الهام، كذلك شغل منصب وزارة الأشغال المدعو (هيلري بول) كما شغل المدعو (أزيون مونديري) وزارة الاتصالات، وقد رشح حزب جبهة الجنوب المدعو (لويجي أدوك) ليمثل الجنوب في مجلس السيادة كذلك أصدر الحزب أول جريدة لـه باسم /اليقظة/ وهي جريدة يومية وقد ترأس تحرير الجريدة (بوانا ملوال) وقد شارك هذا الحزب في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965.
    C - حزب الوحدة السوداني:
    لا تختلف أفكار هذا الحزب وتوجهاته عن أهداف وتوجهات الحزبين المذكورين.
    أما الأحزاب الشمالية الرئيسية، فقد تمثلت بالأحزاب التالية:
    1. حزب الأمة.
    2. الحزب الوطني الاتحادي.
    3. الحزب الشيوعي السوداني.
    4. جبهة الميثاق الإسلامي.
    5. جبهة الهيئات.
    6. حزب الشعب الديمقراطي.
    للحقيقة نقول أن اقتراح (سر الختم خليفة) جاء من قوة وحكمة سودانية لا لثمن ما، وإن الحكمة في استجابة الحكومة السودانية لرسالة (وليم دنيق) الذي اقترح فيها قيام مؤتمر المائدة المستديرة ومن هذا المؤتمر تطرح كافة المشاكل المستعصية، يعني /مشكلة الجنوب/ جاء رد رئيس الوزراء برده الإيجابي تجاه شعبه السوداني وخاصة تجاه الإقليم الجنوبي، فماذا كان رد الجنوبيين المتمردين الذين عفت عنهم الحكومة؟
    أول رد فعل جاء من قبل (وليم دنيق)( ) الذي كان يعيش في أوروبا، فقد كتب رسالة لرئيس الوزراء (سر الختم خليفة) وفيها أوضح رغبته بالعودة إلى السودان لكنه اشترط الآتي:
    أ - يجب أن تعلن الحكومة عفواً عاماً عن كل اللاجئين؟ إن بيان رئيس الوزراء كان واضحاً وخاصة في موضوع العفو إلا أن المتمردين يريدون أن يفرضوا أقوالهم.
    ب - يجب الاعتراف بـ /سانو/ كحزب سياسي حتى يتمكن من الاشتراك في الانتخابات المقبلة متخذاً سياسة الحكم الفيدرالي برنامجاً انتخابياً لـه:
    (وفعلاً كان رئيس الوزراء قدم للجنوبيين اقتراحاً بمنحهم الحكم الفيدرالي) إلا أنهم كانوا يضعون العصي أمام عجلات المؤتمر.
    ت - يجب أن تبعث الحكومة برسالة إلى الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية تتعهد فيها بسلامة اللاجئين السياسيين وقادة /سانو/.
    (هنا يريد المتمردون إثبات وجودهم ونزع الاعتراف بهم من قبل الحكومة السودانية).
    ث - يجب أن يعقد مؤتمر المائدة المستديرة بحضور كل الأحزاب السياسية السودانية وممثلين عن السلطة القضائية وجامعة الخرطوم واتحاد العمال ومراقبين من الدول العربية والإفريقية والأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية لمناقشة الخطوط العريضة للعلاقة بين الشمال والجنوب.
    جـ - يجب الاعتراف بحقيقة أن السودان دولة أفريقية - عربية ذات ثقافتين مختلفتين وبأن الوحدة في ظل التنوع هي الحل لمشكلة الجنوب والتي تتحقق فقط بفضل دستور فيدرالي.
    وبعد تحقيق هذه المطالب فإن المؤتمر من الممكن أن ينعقد في السادس من شهر شباط عام 1965 بمدينة جوبا عاصمة الإقليم الجنوبي، هنا قام المتمردون بتكثيف نشاطهم العسكري حول مدينة جوبا لمنع انعقاد المؤتمر متجاهلين نداء (وليم دنيق) ونتيجة للعمليات العسكرية ساد نوع من البلبلة أوساط حزب /سانو/ وعززت هذه البلبلة الخطوات التي اتخذها (وليم دنيق) أي أنه لم يستشر أي قيادي من الحزب وخاصة أن الحكومة السودانية قبلت اقتراحه.
    اجتماع اللجنة التنفيذية:
    وفي /20/ كانون الثاني عام 1965 اجتمعت اللجنة التنفيذية لحزب /سانو/ في مدينة كمبالا اليوغندية واتخذت قراراً بتكوين لجنة ثلاثية من:
    1 - وليم دنيق نيال.
    2 - مايكل وال دوانج.
    3 - إيليا لوبي.
    وضعت هذه اللجنة شروط التفاوض مع الحكومة السودانية وهي:
    1 - تعهد حزب سانو بمناشدة الجنوبيين المتمردين بوقف العمليات العسكرية ضد الحكومة، كما يجب على الحكومة أن ترفع حالة الطوارئ في الجنوب.
    2 - يجب أن تتعهد الحكومة بضمان سلامة الأطراف المفاوضة ويجب أن ترفع حالة الطوارئ داخل مدينة «جوبا».
    3 - دعوة الصحافة المحلية والعالمية لحضور المفاوضات.
    4 - يجب أن تتاح حرية العودة إلى شرق أفريقيا لأعضاء /سانو/ المفاوضين لتقديم التقدير حول ما جاء في المفاوضات إلى قاعدتهم وقيادييهم في المنفى.
    5 - على المؤتمر أن يجد حلاً لمشكلة الجنوب.
    تسلمت الحكومة السودانية مطالب /سانو/ ودرستها وقررت بالتعاون مع جبهة الجنوب إرسال مبعوثين إلى الدول الإفريقية المتواجد فيها قادة /سانو/ لإقناعهم بالعودة إلى الخرطوم بدل /جوبا/ وبررت الحكومة السودانية هذا الطلب بأن الأمن في /جوبا/ غير مستقر.
    طار المندوبون إلى دول أفريقيا الشرقية واجتمعوا فيها إلى المتمردين غير أن البعض منهم تمسك بموقفه وهو عقد المؤتمر خارج السودان طالما الوضع الأمني متدهور في /جوبا/ ولا يسمح بذلك، بعد مفاوضات طويلة اقتنع
    (وليم دنيق) بالسفر إلى الخرطوم وسافر في 27 /شباط/ فبراير 1965 بصحبة ستة من السياسيين الجنوبيين وكان (دنيق) قدم نفسه للحكومة السودانية على أنه ممثل حزب /سانو/ ولأن فكرة عقد مؤتمر المائدة المستديرة كانت فكرته رفض بعض السياسيين القدوم للخرطوم وتمسكوا بفكرة عقد المؤتمر في دولة أفريقية، وهنا طلب (وليم دنيق) من الحكومة السودانية ألا تهتم بهؤلاء الذين رفضوا العودة إلى الوطن وأن تعمل على انعقاد المؤتمر في حينه!
    نتيجة للأجواء التي سادت وعدم اهتمام الحكومة السودانية بمجيء المتمردين وعلى رأسهم مجموعة (جادين) ودعوة (وليم دنيق) بعدم الاهتمام بكافة هؤلاء.
    وجد هؤلاء المتمردون أنهم قد أصبحوا في عزلة، فأرغموا أنفسهم على حضور مؤتمر المائدة المستديرة وفق ما اقترحته الحكومة السودانية وخوفاً من اعتراف الحكومة بـ(دنيق) ومجموعته، هنا برز شيء مهم وهو: كيف يمكن التوفيق بين مجموعة (دنيق) وحزب /سانو/؟ لذلك تم نقاش طويل وقاسٍ.
    وافقت مجموعة (جادين) على قبول (وليم دنيق) عضواً في وفد حزب /سانو/ المتحد وقد جاء ترتيبه السادس في قائمة /سانو/ الذي بلغ عدد أعضائه تسعة، وقد تم الاتفاق على حل وسط يقضي بأن يمثل وفد هؤلاء المتمردون على الشكل التالي:
    1 - مجموعة (وليم دنيق) أربعة أعضاء.
    2 - مجموعة (جادين) خمسة أعضاء.
    كما تم الاتفاق على أن يكون رئيس الوفد للمفاوضات من مجموعة (جادين) وقد ترأس (ايليا لوبي) حزب /سانو/ وعضوية كل من:
    لورنس وول وول
    جورج أكومبيك
    أوليفر نتالي البينو
    جورج لومورد
    وليم دنيق نيال
    هنري أوكيلا أكونو
    نيكانورا أقوير
    ابليا دوانق
    أما أعضاء وفد جبهة الجنوب فكان يرأسه (غوردون مورتات ميان)، وكان كل من (أبل الير كواي) و(غوردن أبياي) و(أوطون داك) و(أطون بوغو) و(نتالي أولواك) و(لوباري رامبا) و(بونا ملوال دنيق) و(دومانوحس) كانوا أعضاء الوفد.
    وقد رفضت جبهة الجنوب أن يمثل الحزب( ) الليبرالي كذلك حزب السلام السوداني الذي يرأسه (فليمون مجوك) و(ساتينو دنيق) هذا هو الجانب الجنوبي أما الأحزاب الشمالية والتي أصرت أن تمثل الأحزاب الجنوبية المناهضة لجبهة الجنوب وحزب سانو أما الأحزاب الشمالية وكان عددها ستة وكان يرأس كل حزب رئيسه وأمينه العام، وتبين فيما يلي أسماء المشاركين في المؤتمر:
    1 - (الصادق الصديق المهدي) ممثلاً عن حزب الأمة.
    2 - (علي عبد الرحمن) ممثلاً عن حزب الشعب الديمقراطي.
    3 - (عبد الخالق محجوب) ممثلاً عن الحزب الشيوعي السوداني.
    4 - (حسن عبدالله الترابي) ممثلاً عن جبهة الميثاق الإسلامي.
    5 - (مكاوي مصطفى) ممثلاً عن جبهة القوى العاملة.
    6 - (اسماعيل أحمد الأزهري) ممثلاً عن الحزب الوطني الاتحادي.
    المؤتمر:
    عقد مؤتمر المائدة المستديرة في 16 آذار مارس عام 1965 وترأسه رئيس جامعة الخرطوم (نذير دفع الله) وساعده البروفسور (محمد عمر بشير) وحضره مراقبون من البلدان التالية:
    1 - الجزائر ـ
    2 - مصر ـ
    3 - غانا ـ
    4 - كينيا ـ
    5 - نيجيريا ـ
    6 - تنزانيا ـ
    7 - يوغندة ـ
    وافتتح الجلسة الأولى رئيس الوزراء السوداني (سر الختم خليفة) الذي حمل في خطابه الإنكليز مسؤولية خلق مشكلة الجنوب وناشد رئيس الوزراء المؤتمرين التوصل لحل المشكلة، ولكن حدث أمرٌ غريبٌ وهو أن الأعضاء التسعة أعلنوا دعمهم لأهداف حزب /سانو/ وجبهة الجنوب، وتعبيراً عن موقفهم المفاجئ الداعم قام هؤلاء وتركوا مقاعدهم التي خصصت لهم وجلسوا بجانب وفدي /سانو/ و/جبهة الجنوب/.
    هذا التصرف المفاجئ أصاب وفود الأحزاب الشمالية بالدهشة وألقى (وليم دنيق) خطاباً قال فيه أن الحل يكمن بإيجاد نظام فيدرالي على غرار النظام الأمريكي، أما جبهة الجنوب فقد طالب رئيس وفدها بحق تقرير المصير( ).
    رفضت الحكومة السودانية برئاسة (سر الختم خليفة) هذا المبدأ.
    أما كلمة حزب /سانو/ فقد ألقاها رئيس الحزب (أقري جادين) الذي تناول فيها علاقات الجنوب بالشمال وقد ارتكز في خطابه على المعلومات التي أوردها الغربيون /العبودية/ وعدم المساواة /؟/ ثم اختتم خطابه بقوله:
    - إنه من مصلحة الشمال والجنوب أن ينفصلا /بسلام/ وبرر ذلك قائلاً:
    - في السودان منطقتان مختلفتان جغرافياً وعرقياً وثقافياً، فلا قاسم مشترك بين المجموعات السودانية ولا معتقدات مشتركة وليست هناك مصلحة مشتركة من ناحية الهوية ولا بوادر محلية لتشجيع الوحدة، وفوق كل ذلك فشل السودان في أن يشكل كياناً موحداً، ولا أمل في حل الخلافات حتى يمنح الجنوب الانفصال والاستقلال.
    إن مشكلة جنوب السودان قد تضر بالعلاقات الإفريقية العربية، بالإضافة إلى كونها سبباً لعدم الاستقرار في إفريقيا وتفادياً لذلك يجب أن يمنح جنوب السودان استقلاله..؟!!
    أما الأحزاب الشمالية فقد اقترحت قيام حكم ذاتي يحفظ الوحدة الوطنية والبلاد موحدة، وبعد مداولات طويلة لاح في الأفق الفشل وهكذا حصل!..


  9. #29
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب السابع
    اســــتـعـادة

    الفصل الأول
    المائدة المستديرة

    في 14 تشرين الثاني /نوفمبر/ عام 1964 أعلنت الحكومة المدنية الانتقالية التي يرأسها (سر الختم خليفة) عفواً عاماً عن كل السودانيين الذين هربوا من السودان منذ عام 1955 والمحكومين غيابياً ثم ناشدت حكومة (سر الختم) كافة الجنوبيين الذين يعيشون في المنفى أن يتركوا الخلافات كافة دينية - عرقية - سياسية - جانباً ويعودوا إلى وطنهم السودان، وقف رئيس الوزراء موقفاً سودانياً أصيلاً حيث قدم اقتراحاً بمنح الجنوب حكماً ذاتياً وقد عقد مؤتمر في عام 1965 وقد تمثلت فيه معظم الأحزاب السودانية، منها:
    1 - سانو (A).
    2 - جبهة الجنوب (B).
    3 - حزب الوحدة السوداني (C).
    ولقد مثل هذه الأحزاب مندوبون لكل منها.
    ما هي هذه الأحزاب؟..
    من خلال البحث والتقصّي علمت بما هو آتٍ:
    A - حزب سانو:
    تتلخص أفكار هذا الحزب في إيمانه بتعدد الأعراق في السودان وأن يسود نظام فيدرالي ولا بد هنا من العودة قليلاً إلى الوراء كي تكون الصورة أوضح:
    ما بين أعوام 1965 - و1969 في هذه الفترة حدثت تعقيدات سياسية وشخصية ما بين سياسيي الجنوب بحيث أصبح كل من أراد أن يكون لـه تنظيم فهو قادر على ذلك، طالما المال الغربي الكنسي متوفر ودماء الناس فلماذا لا تتعدد التنظيمات الانفصالية المتمردة ولنأخذ مثالاً على ذلك (وليم دنيق) الذي فصل من الحزب رسمياً في عام 1965 لأنه فضل قيام فيدرالية مع الشمال الأمر الذي أدى إلى غضب الغرب عليه.
    بدأ (وليم دنيق) حياته السياسية منادياً بانفصال الجنوب عن الشمال وقد قام مع شريكه (جوزيف أودهو) في نشر كتاب /مشكلة جنوب السودان/ كما نظم عدة عمليات /عسكرية/ ضد الجيش والمواطنين السودانيين.
    كان انفصالياً من رأسه إلى أخمص قدميه لكنه تغير فجأة وأصبح ينادي بقيام نظام فيدرالي ما بين الشمال والجنوب.
    وفي عام 1965 قام (وليم دنيق) وسجل حزبه تحت اسم /سانو/ في الداخل وكان هدف الحزب الرئيسي هو المطالبة بتطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان وبطريقة سلمية.
    وفي عام 1965 أجريت الانتخابات في الشمال واستثني الجنوب منها لأسباب أمنية وعلى أثر الانتخابات شكل (محمد أحمد محجوب) الائتلاف الحكومي بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي وخُصصت لحزب /سانو/ حقيبتان وزاريتان، وكان حزب جبهة الجنوب قد رفضهما... ومع اقتراب الانتخابات العامة في البلاد ازدادت الخلافات بين الحزبين الجنوبيين كما كان لها أيضاً طابع شخصي واستمرت الأوضاع السيئة تتفاقم إلى أن جاء يوم 15 أيار /مايو/ 1968 حيث أعلن عن مقتل (وليم دنيق) وستة من رفاقه في كمين نصب لهم وهم في طريقهم من مدينة /رومبيك/ إلى مدينة /واو/ وقد قتل (دنيق) بطريقة وحشية حيث قطع رأسه مع جزء من الجمجمة وأسند جسده إلى شجرة بجانب رأسه كما تم التمثيل بجثث بقية رفاقه الستة، وقد تم القتل من قبل المتمردين الجنوبيين الذين رفضوا الفيدرالية وعملوا على فصل الجنوب عن الشمال، وقد اعتبر خصومه عودته إلى السودان وتعامله مع الحكومة السودانية خيانة عظمى لقضية الجنوب، وقد اتهم الانفصالي (الفرد وول) زعيم جماعة الستة الكبار الانفصالية بالقتل.
    B - حزب جبهة الجنوب:
    بدأت جبهة الجنوب بعدد من المواطنين الجنوبيين وطلبة الجامعات إلا أن تاريخ إنشائها غير معروف بالضبط، ومؤسسو جبهة الجنوب يعدون تنظيمهم تنظيماً جماهيرياً، لهم جماهيرهم وتوجهاتهم، وبعد ثورة أكتوبر عام 1964 أسند إلى قادة هذا التنظيم عددٌ من المناصب الوزارية وقد شغل منصب وزارة الدفاع والداخلية المدعو (كلمنت مبورو بيكوبو) في عهد رئيس الوزراء (سر الختم خليفة) وبذلك يكون أول جنوبي يتبوأ هذا المنصب الهام، كذلك شغل منصب وزارة الأشغال المدعو (هيلري بول) كما شغل المدعو (أزيون مونديري) وزارة الاتصالات، وقد رشح حزب جبهة الجنوب المدعو (لويجي أدوك) ليمثل الجنوب في مجلس السيادة كذلك أصدر الحزب أول جريدة لـه باسم /اليقظة/ وهي جريدة يومية وقد ترأس تحرير الجريدة (بوانا ملوال) وقد شارك هذا الحزب في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965.
    C - حزب الوحدة السوداني:
    لا تختلف أفكار هذا الحزب وتوجهاته عن أهداف وتوجهات الحزبين المذكورين.
    أما الأحزاب الشمالية الرئيسية، فقد تمثلت بالأحزاب التالية:
    1. حزب الأمة.
    2. الحزب الوطني الاتحادي.
    3. الحزب الشيوعي السوداني.
    4. جبهة الميثاق الإسلامي.
    5. جبهة الهيئات.
    6. حزب الشعب الديمقراطي.
    للحقيقة نقول أن اقتراح (سر الختم خليفة) جاء من قوة وحكمة سودانية لا لثمن ما، وإن الحكمة في استجابة الحكومة السودانية لرسالة (وليم دنيق) الذي اقترح فيها قيام مؤتمر المائدة المستديرة ومن هذا المؤتمر تطرح كافة المشاكل المستعصية، يعني /مشكلة الجنوب/ جاء رد رئيس الوزراء برده الإيجابي تجاه شعبه السوداني وخاصة تجاه الإقليم الجنوبي، فماذا كان رد الجنوبيين المتمردين الذين عفت عنهم الحكومة؟
    أول رد فعل جاء من قبل (وليم دنيق)( ) الذي كان يعيش في أوروبا، فقد كتب رسالة لرئيس الوزراء (سر الختم خليفة) وفيها أوضح رغبته بالعودة إلى السودان لكنه اشترط الآتي:
    أ - يجب أن تعلن الحكومة عفواً عاماً عن كل اللاجئين؟ إن بيان رئيس الوزراء كان واضحاً وخاصة في موضوع العفو إلا أن المتمردين يريدون أن يفرضوا أقوالهم.
    ب - يجب الاعتراف بـ /سانو/ كحزب سياسي حتى يتمكن من الاشتراك في الانتخابات المقبلة متخذاً سياسة الحكم الفيدرالي برنامجاً انتخابياً لـه:
    (وفعلاً كان رئيس الوزراء قدم للجنوبيين اقتراحاً بمنحهم الحكم الفيدرالي) إلا أنهم كانوا يضعون العصي أمام عجلات المؤتمر.
    ت - يجب أن تبعث الحكومة برسالة إلى الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية تتعهد فيها بسلامة اللاجئين السياسيين وقادة /سانو/.
    (هنا يريد المتمردون إثبات وجودهم ونزع الاعتراف بهم من قبل الحكومة السودانية).
    ث - يجب أن يعقد مؤتمر المائدة المستديرة بحضور كل الأحزاب السياسية السودانية وممثلين عن السلطة القضائية وجامعة الخرطوم واتحاد العمال ومراقبين من الدول العربية والإفريقية والأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية لمناقشة الخطوط العريضة للعلاقة بين الشمال والجنوب.
    جـ - يجب الاعتراف بحقيقة أن السودان دولة أفريقية - عربية ذات ثقافتين مختلفتين وبأن الوحدة في ظل التنوع هي الحل لمشكلة الجنوب والتي تتحقق فقط بفضل دستور فيدرالي.
    وبعد تحقيق هذه المطالب فإن المؤتمر من الممكن أن ينعقد في السادس من شهر شباط عام 1965 بمدينة جوبا عاصمة الإقليم الجنوبي، هنا قام المتمردون بتكثيف نشاطهم العسكري حول مدينة جوبا لمنع انعقاد المؤتمر متجاهلين نداء (وليم دنيق) ونتيجة للعمليات العسكرية ساد نوع من البلبلة أوساط حزب /سانو/ وعززت هذه البلبلة الخطوات التي اتخذها (وليم دنيق) أي أنه لم يستشر أي قيادي من الحزب وخاصة أن الحكومة السودانية قبلت اقتراحه.
    اجتماع اللجنة التنفيذية:
    وفي /20/ كانون الثاني عام 1965 اجتمعت اللجنة التنفيذية لحزب /سانو/ في مدينة كمبالا اليوغندية واتخذت قراراً بتكوين لجنة ثلاثية من:
    1 - وليم دنيق نيال.
    2 - مايكل وال دوانج.
    3 - إيليا لوبي.
    وضعت هذه اللجنة شروط التفاوض مع الحكومة السودانية وهي:
    1 - تعهد حزب سانو بمناشدة الجنوبيين المتمردين بوقف العمليات العسكرية ضد الحكومة، كما يجب على الحكومة أن ترفع حالة الطوارئ في الجنوب.
    2 - يجب أن تتعهد الحكومة بضمان سلامة الأطراف المفاوضة ويجب أن ترفع حالة الطوارئ داخل مدينة «جوبا».
    3 - دعوة الصحافة المحلية والعالمية لحضور المفاوضات.
    4 - يجب أن تتاح حرية العودة إلى شرق أفريقيا لأعضاء /سانو/ المفاوضين لتقديم التقدير حول ما جاء في المفاوضات إلى قاعدتهم وقيادييهم في المنفى.
    5 - على المؤتمر أن يجد حلاً لمشكلة الجنوب.
    تسلمت الحكومة السودانية مطالب /سانو/ ودرستها وقررت بالتعاون مع جبهة الجنوب إرسال مبعوثين إلى الدول الإفريقية المتواجد فيها قادة /سانو/ لإقناعهم بالعودة إلى الخرطوم بدل /جوبا/ وبررت الحكومة السودانية هذا الطلب بأن الأمن في /جوبا/ غير مستقر.
    طار المندوبون إلى دول أفريقيا الشرقية واجتمعوا فيها إلى المتمردين غير أن البعض منهم تمسك بموقفه وهو عقد المؤتمر خارج السودان طالما الوضع الأمني متدهور في /جوبا/ ولا يسمح بذلك، بعد مفاوضات طويلة اقتنع
    (وليم دنيق) بالسفر إلى الخرطوم وسافر في 27 /شباط/ فبراير 1965 بصحبة ستة من السياسيين الجنوبيين وكان (دنيق) قدم نفسه للحكومة السودانية على أنه ممثل حزب /سانو/ ولأن فكرة عقد مؤتمر المائدة المستديرة كانت فكرته رفض بعض السياسيين القدوم للخرطوم وتمسكوا بفكرة عقد المؤتمر في دولة أفريقية، وهنا طلب (وليم دنيق) من الحكومة السودانية ألا تهتم بهؤلاء الذين رفضوا العودة إلى الوطن وأن تعمل على انعقاد المؤتمر في حينه!
    نتيجة للأجواء التي سادت وعدم اهتمام الحكومة السودانية بمجيء المتمردين وعلى رأسهم مجموعة (جادين) ودعوة (وليم دنيق) بعدم الاهتمام بكافة هؤلاء.
    وجد هؤلاء المتمردون أنهم قد أصبحوا في عزلة، فأرغموا أنفسهم على حضور مؤتمر المائدة المستديرة وفق ما اقترحته الحكومة السودانية وخوفاً من اعتراف الحكومة بـ(دنيق) ومجموعته، هنا برز شيء مهم وهو: كيف يمكن التوفيق بين مجموعة (دنيق) وحزب /سانو/؟ لذلك تم نقاش طويل وقاسٍ.
    وافقت مجموعة (جادين) على قبول (وليم دنيق) عضواً في وفد حزب /سانو/ المتحد وقد جاء ترتيبه السادس في قائمة /سانو/ الذي بلغ عدد أعضائه تسعة، وقد تم الاتفاق على حل وسط يقضي بأن يمثل وفد هؤلاء المتمردون على الشكل التالي:
    1 - مجموعة (وليم دنيق) أربعة أعضاء.
    2 - مجموعة (جادين) خمسة أعضاء.
    كما تم الاتفاق على أن يكون رئيس الوفد للمفاوضات من مجموعة (جادين) وقد ترأس (ايليا لوبي) حزب /سانو/ وعضوية كل من:
    لورنس وول وول
    جورج أكومبيك
    أوليفر نتالي البينو
    جورج لومورد
    وليم دنيق نيال
    هنري أوكيلا أكونو
    نيكانورا أقوير
    ابليا دوانق
    أما أعضاء وفد جبهة الجنوب فكان يرأسه (غوردون مورتات ميان)، وكان كل من (أبل الير كواي) و(غوردن أبياي) و(أوطون داك) و(أطون بوغو) و(نتالي أولواك) و(لوباري رامبا) و(بونا ملوال دنيق) و(دومانوحس) كانوا أعضاء الوفد.
    وقد رفضت جبهة الجنوب أن يمثل الحزب( ) الليبرالي كذلك حزب السلام السوداني الذي يرأسه (فليمون مجوك) و(ساتينو دنيق) هذا هو الجانب الجنوبي أما الأحزاب الشمالية والتي أصرت أن تمثل الأحزاب الجنوبية المناهضة لجبهة الجنوب وحزب سانو أما الأحزاب الشمالية وكان عددها ستة وكان يرأس كل حزب رئيسه وأمينه العام، وتبين فيما يلي أسماء المشاركين في المؤتمر:
    1 - (الصادق الصديق المهدي) ممثلاً عن حزب الأمة.
    2 - (علي عبد الرحمن) ممثلاً عن حزب الشعب الديمقراطي.
    3 - (عبد الخالق محجوب) ممثلاً عن الحزب الشيوعي السوداني.
    4 - (حسن عبدالله الترابي) ممثلاً عن جبهة الميثاق الإسلامي.
    5 - (مكاوي مصطفى) ممثلاً عن جبهة القوى العاملة.
    6 - (اسماعيل أحمد الأزهري) ممثلاً عن الحزب الوطني الاتحادي.
    المؤتمر:
    عقد مؤتمر المائدة المستديرة في 16 آذار مارس عام 1965 وترأسه رئيس جامعة الخرطوم (نذير دفع الله) وساعده البروفسور (محمد عمر بشير) وحضره مراقبون من البلدان التالية:
    1 - الجزائر ـ
    2 - مصر ـ
    3 - غانا ـ
    4 - كينيا ـ
    5 - نيجيريا ـ
    6 - تنزانيا ـ
    7 - يوغندة ـ
    وافتتح الجلسة الأولى رئيس الوزراء السوداني (سر الختم خليفة) الذي حمل في خطابه الإنكليز مسؤولية خلق مشكلة الجنوب وناشد رئيس الوزراء المؤتمرين التوصل لحل المشكلة، ولكن حدث أمرٌ غريبٌ وهو أن الأعضاء التسعة أعلنوا دعمهم لأهداف حزب /سانو/ وجبهة الجنوب، وتعبيراً عن موقفهم المفاجئ الداعم قام هؤلاء وتركوا مقاعدهم التي خصصت لهم وجلسوا بجانب وفدي /سانو/ و/جبهة الجنوب/.
    هذا التصرف المفاجئ أصاب وفود الأحزاب الشمالية بالدهشة وألقى (وليم دنيق) خطاباً قال فيه أن الحل يكمن بإيجاد نظام فيدرالي على غرار النظام الأمريكي، أما جبهة الجنوب فقد طالب رئيس وفدها بحق تقرير المصير( ).
    رفضت الحكومة السودانية برئاسة (سر الختم خليفة) هذا المبدأ.
    أما كلمة حزب /سانو/ فقد ألقاها رئيس الحزب (أقري جادين) الذي تناول فيها علاقات الجنوب بالشمال وقد ارتكز في خطابه على المعلومات التي أوردها الغربيون /العبودية/ وعدم المساواة /؟/ ثم اختتم خطابه بقوله:
    - إنه من مصلحة الشمال والجنوب أن ينفصلا /بسلام/ وبرر ذلك قائلاً:
    - في السودان منطقتان مختلفتان جغرافياً وعرقياً وثقافياً، فلا قاسم مشترك بين المجموعات السودانية ولا معتقدات مشتركة وليست هناك مصلحة مشتركة من ناحية الهوية ولا بوادر محلية لتشجيع الوحدة، وفوق كل ذلك فشل السودان في أن يشكل كياناً موحداً، ولا أمل في حل الخلافات حتى يمنح الجنوب الانفصال والاستقلال.
    إن مشكلة جنوب السودان قد تضر بالعلاقات الإفريقية العربية، بالإضافة إلى كونها سبباً لعدم الاستقرار في إفريقيا وتفادياً لذلك يجب أن يمنح جنوب السودان استقلاله..؟!!
    أما الأحزاب الشمالية فقد اقترحت قيام حكم ذاتي يحفظ الوحدة الوطنية والبلاد موحدة، وبعد مداولات طويلة لاح في الأفق الفشل وهكذا حصل!..


  10. #30
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    فشــل المؤتـمـر

    فشل مؤتمر المائدة المستديرة أما أسباب فشله فتعود إلى الأسباب التالية:
    1 - هناك من يؤول الفشل للطرفين المتحاورين، ولكن حقيقة الفشل تعود إلى تباين وجهات نظر الجانب الجنوبي بالإضافة إلى ممارسة ضغط قوات /الأنانيا/ على مجموعة (جادين) التي طلبت فيها ألا تقبل بأقل من انفصال الجنوب.
    2 - اهتمام الأحزاب الشمالية بالانتخابات التي أعلن عن موعد إجرائها، أكثر من اهتمامها بالمفاوضات، والحقيقة أن هذا الإهمال ناتج عن انقسامات الجهات الجنوبية في المؤتمر، كما سبق وذكرنا.
    3 - استياء وغضب الأحزاب الشمالية، المشاركة في المؤتمرين الجنوبيين، الذين كانوا يصرحون ويتحدثون عن أخطاء الشماليين والأحاديث كانت تتم في قاعة المؤتمر وأمام وسائل الإعلام وتصرف الجنوبيين أغضب وفود الأحزاب الشمالية مما دفع بعضها لمقاطعة المؤتمر.
    الطريق المسدود:
    في هذا الجو المشحون بالتناقضات والضغوط التي أثارتها وبدأتها الوفود الجنوبية فشل المؤتمرون وأدركوا أنهم توصلوا إلى طريق مسدود، ولكي لا يظهروا أمام الرأي العام السوداني بأنهم المسببون لهذا الفشل لملموا فشلهم واتفقوا على الآتي:
    1 - تأجيل المؤتمر لثلاثة أشهر.
    2 - تكوين لجنة من اثني عشر عضواً لدراسة وتقديم توصيات حول العلاقات الدستورية والإدارية والاقتصادية بين الجنوب والحكومة المركزية.
    3 - قيام برنامج إسعافي انتقالي في الجنوب.
    ثلاثة بنود خرج بها المؤتمرون الذين يدّعون وصايتهم على الشعب السوداني ومصالحه، خرجوا بها، فهل انعقد المؤتمر مرة ثانية؟!!!
    وقبل الإجابة عن ذلك دعونا نقدم التحليل التالي:
    س 1: جاءت قرارات المؤتمر النهائية على شكل إعلان للتوصل إلى اتفاقيات بين الطرفين بشأن بعض المواضيع؟
    ج : كيف ذلك، وجوهر القضية لم يؤتَ على ذكره من قريب أو بعيد، وهو الإطار الدستوري لمستقبل السودان.
    س 2: لماذا اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة سميت /لجنة الإثني عشر/؟
    ج : حتى تتم مراضاة من لم يكن حاضراً أو ممثلاً في المؤتمر المذكور!
    إنَّ اللجنة المقترحة والمتكونة من ممثلي التجمعات السياسية المختلفة ستعمل على مناقشة المسألة الدستورية.
    س - هل كان لزاماً على هذه اللجنة مناقشة مسألة الدستور بعد فشل المؤتمر؟
    ج - ......
    س - لماذا لم تتكون اللجنة قبل مؤتمر /المائدة المستديرة/؟
    ج - ......
    إن الجواب يكمن في الآتي، وكما يقول أحد القادة الجنوبيين:
    «إنَّ لجنة الإثني عشرية هي وليدة مؤتمر المائدة المستديرة، لنترك الوليد ونأخذ الأم».
    ويتابع قائلاً: «لقد استبعدنا من الاشتراك في المفاوضات، ونحن الذين قدنا الحملة السياسية والعسكرية ضد الحكومة المركزية وقواتها في الجنوب، إنَّ حركتنا /الأنانيا/ لم توجه إليها دعوة لحضور المفاوضات، ونحن لم نهتم لذلك واستمرينا في حملتنا، تركناهم يتفاوضون... ليفعلوا ما يشاؤون...».
    وبينما كانت تجري المفاوضات في الخرطوم، كانت تصعّد حركة التمرد /الأنانيا/ من هجماتها على الجيش السوداني، والشيء المهم أنَّ عدداً من الجنوبيين المفاوضين كانوا على علاقات جيدة مع حركة /الأنانيا/ وهكذا بقيت الحركة على تواصل مع كل ما يتم في المؤتمر وعلى هامشه، وفي الحقيقة نستطيع القول بأنَّ هؤلاء كانوا جواسيس للحركة، ويمكننا أن نستنتج أنَّ فشل المفاوضات يعود إلى هؤلاء المشاركين فهم لم يكونوا في موقف يتيح لهم تقديم أي تنازلات أو تسويات حقيقية، إنَّهم أدركوا جيداً أنَّ التوصل إلى حل نهائي مرهون بقبول /الأنانيا/ ترفض أي تنازلات يتقدم بها ممثلو الأحزاب الجنوبية الذين يعتبرون أنَّ مهمة لجنة /الاثني عشر/ هي البحث عن حل في إطار سودان موحَّد، ولكن بشرط أن يبقى هذا الحل سرياً ولا ينشر تداركاً لردة فعل حركة /الأنانيا/ التي قد تقوم عندها بتصفية أفراد هذه التنظيمات.
    ما الذي حدث بعد فشل المؤتمر؟
    بعد انتهاء المؤتمر بقيت مجموعة (وليم دنيق) في الخرطوم وتم الاعتراف بهم كحزب سياسي، فقد ساعد انعقاد المؤتمر على انشقاق وخروج (وليم دنيق) من حزب /سانو/ بينما قبع (أقري جادين) ومنافسه (جوزيف أودهو) في كمبالا عاصمة يوغندة.
    فشل المؤتمر كما ذكرنا سابقاً إلا أنه أعطى فرصة للحكومة والمتمردين أن يلتقيا ويسمع كل منهما وجهة نظر الآخر، هذا أهم حدث في المؤتمر، إلا أن الشارع السوداني شعر بنكسة جديدة تضاف إلى الأمة وجروحها التي تزداد وتتعمق يوماً بعد يوم.
    وقد فضل (وليم دنيق) ومجموعته البقاء في عاصمة بلاده السودان، بينما جلس زملاؤه في كمبالا وزادت الخلافات بين الجنوبيين مما أدى إلى انشقاق جديد في الحزب وتزعم هذا الانشقاق (جوزيف أودهو) الذي كون جبهة جديدة سماها /جبهة أزانيا التحريرية/ وقدموا برنامجهم الذي تضمن بنوداً عدة ومن أهمها توحيد الجناح العسكري والسياسي للحركة الجنوبية وتحرير الجنوب من حكم الشماليين كما ادعوا؟
    وكان هذا الطرح هو الهدف الرئيسي لهم، أما قيادة /سانو/ فقد تألفت من المتمردين الجنوبيين التالية أسماؤهم:
    1 - جوزيف أودهو رئيساً.
    2 - الأب ساترنينولو هورو: نائباً للرئيس.
    3 - أزيون مونديري: مسؤولاً عن الدفاع.
    4 - جورج أكومبيك كواناي: مسؤولاً عن العلاقات الخارجية.
    5 - جوزيف لاغويانقا: قائداً أعلى للجيش.
    6 - وليم حسن - مساعداً للقائد الأعلى.
    7 - ايليا لوبي: عضواً.
    8 - فانكاراسيسو أوشيانق: عضواً.
    9 - ماركو رومي: عضواً.


  11. #31
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    فشــل المؤتـمـر

    فشل مؤتمر المائدة المستديرة أما أسباب فشله فتعود إلى الأسباب التالية:
    1 - هناك من يؤول الفشل للطرفين المتحاورين، ولكن حقيقة الفشل تعود إلى تباين وجهات نظر الجانب الجنوبي بالإضافة إلى ممارسة ضغط قوات /الأنانيا/ على مجموعة (جادين) التي طلبت فيها ألا تقبل بأقل من انفصال الجنوب.
    2 - اهتمام الأحزاب الشمالية بالانتخابات التي أعلن عن موعد إجرائها، أكثر من اهتمامها بالمفاوضات، والحقيقة أن هذا الإهمال ناتج عن انقسامات الجهات الجنوبية في المؤتمر، كما سبق وذكرنا.
    3 - استياء وغضب الأحزاب الشمالية، المشاركة في المؤتمرين الجنوبيين، الذين كانوا يصرحون ويتحدثون عن أخطاء الشماليين والأحاديث كانت تتم في قاعة المؤتمر وأمام وسائل الإعلام وتصرف الجنوبيين أغضب وفود الأحزاب الشمالية مما دفع بعضها لمقاطعة المؤتمر.
    الطريق المسدود:
    في هذا الجو المشحون بالتناقضات والضغوط التي أثارتها وبدأتها الوفود الجنوبية فشل المؤتمرون وأدركوا أنهم توصلوا إلى طريق مسدود، ولكي لا يظهروا أمام الرأي العام السوداني بأنهم المسببون لهذا الفشل لملموا فشلهم واتفقوا على الآتي:
    1 - تأجيل المؤتمر لثلاثة أشهر.
    2 - تكوين لجنة من اثني عشر عضواً لدراسة وتقديم توصيات حول العلاقات الدستورية والإدارية والاقتصادية بين الجنوب والحكومة المركزية.
    3 - قيام برنامج إسعافي انتقالي في الجنوب.
    ثلاثة بنود خرج بها المؤتمرون الذين يدّعون وصايتهم على الشعب السوداني ومصالحه، خرجوا بها، فهل انعقد المؤتمر مرة ثانية؟!!!
    وقبل الإجابة عن ذلك دعونا نقدم التحليل التالي:
    س 1: جاءت قرارات المؤتمر النهائية على شكل إعلان للتوصل إلى اتفاقيات بين الطرفين بشأن بعض المواضيع؟
    ج : كيف ذلك، وجوهر القضية لم يؤتَ على ذكره من قريب أو بعيد، وهو الإطار الدستوري لمستقبل السودان.
    س 2: لماذا اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة سميت /لجنة الإثني عشر/؟
    ج : حتى تتم مراضاة من لم يكن حاضراً أو ممثلاً في المؤتمر المذكور!
    إنَّ اللجنة المقترحة والمتكونة من ممثلي التجمعات السياسية المختلفة ستعمل على مناقشة المسألة الدستورية.
    س - هل كان لزاماً على هذه اللجنة مناقشة مسألة الدستور بعد فشل المؤتمر؟
    ج - ......
    س - لماذا لم تتكون اللجنة قبل مؤتمر /المائدة المستديرة/؟
    ج - ......
    إن الجواب يكمن في الآتي، وكما يقول أحد القادة الجنوبيين:
    «إنَّ لجنة الإثني عشرية هي وليدة مؤتمر المائدة المستديرة، لنترك الوليد ونأخذ الأم».
    ويتابع قائلاً: «لقد استبعدنا من الاشتراك في المفاوضات، ونحن الذين قدنا الحملة السياسية والعسكرية ضد الحكومة المركزية وقواتها في الجنوب، إنَّ حركتنا /الأنانيا/ لم توجه إليها دعوة لحضور المفاوضات، ونحن لم نهتم لذلك واستمرينا في حملتنا، تركناهم يتفاوضون... ليفعلوا ما يشاؤون...».
    وبينما كانت تجري المفاوضات في الخرطوم، كانت تصعّد حركة التمرد /الأنانيا/ من هجماتها على الجيش السوداني، والشيء المهم أنَّ عدداً من الجنوبيين المفاوضين كانوا على علاقات جيدة مع حركة /الأنانيا/ وهكذا بقيت الحركة على تواصل مع كل ما يتم في المؤتمر وعلى هامشه، وفي الحقيقة نستطيع القول بأنَّ هؤلاء كانوا جواسيس للحركة، ويمكننا أن نستنتج أنَّ فشل المفاوضات يعود إلى هؤلاء المشاركين فهم لم يكونوا في موقف يتيح لهم تقديم أي تنازلات أو تسويات حقيقية، إنَّهم أدركوا جيداً أنَّ التوصل إلى حل نهائي مرهون بقبول /الأنانيا/ ترفض أي تنازلات يتقدم بها ممثلو الأحزاب الجنوبية الذين يعتبرون أنَّ مهمة لجنة /الاثني عشر/ هي البحث عن حل في إطار سودان موحَّد، ولكن بشرط أن يبقى هذا الحل سرياً ولا ينشر تداركاً لردة فعل حركة /الأنانيا/ التي قد تقوم عندها بتصفية أفراد هذه التنظيمات.
    ما الذي حدث بعد فشل المؤتمر؟
    بعد انتهاء المؤتمر بقيت مجموعة (وليم دنيق) في الخرطوم وتم الاعتراف بهم كحزب سياسي، فقد ساعد انعقاد المؤتمر على انشقاق وخروج (وليم دنيق) من حزب /سانو/ بينما قبع (أقري جادين) ومنافسه (جوزيف أودهو) في كمبالا عاصمة يوغندة.
    فشل المؤتمر كما ذكرنا سابقاً إلا أنه أعطى فرصة للحكومة والمتمردين أن يلتقيا ويسمع كل منهما وجهة نظر الآخر، هذا أهم حدث في المؤتمر، إلا أن الشارع السوداني شعر بنكسة جديدة تضاف إلى الأمة وجروحها التي تزداد وتتعمق يوماً بعد يوم.
    وقد فضل (وليم دنيق) ومجموعته البقاء في عاصمة بلاده السودان، بينما جلس زملاؤه في كمبالا وزادت الخلافات بين الجنوبيين مما أدى إلى انشقاق جديد في الحزب وتزعم هذا الانشقاق (جوزيف أودهو) الذي كون جبهة جديدة سماها /جبهة أزانيا التحريرية/ وقدموا برنامجهم الذي تضمن بنوداً عدة ومن أهمها توحيد الجناح العسكري والسياسي للحركة الجنوبية وتحرير الجنوب من حكم الشماليين كما ادعوا؟
    وكان هذا الطرح هو الهدف الرئيسي لهم، أما قيادة /سانو/ فقد تألفت من المتمردين الجنوبيين التالية أسماؤهم:
    1 - جوزيف أودهو رئيساً.
    2 - الأب ساترنينولو هورو: نائباً للرئيس.
    3 - أزيون مونديري: مسؤولاً عن الدفاع.
    4 - جورج أكومبيك كواناي: مسؤولاً عن العلاقات الخارجية.
    5 - جوزيف لاغويانقا: قائداً أعلى للجيش.
    6 - وليم حسن - مساعداً للقائد الأعلى.
    7 - ايليا لوبي: عضواً.
    8 - فانكاراسيسو أوشيانق: عضواً.
    9 - ماركو رومي: عضواً.


  12. #32
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    تعزيز قوة تنظيم الأنانيا

    أرسل رئيس /أنانيا/ (أودهو) مسؤول الدفاع في التنظيم (أزيون) إلى غرب المحافظة الاستوائية وبحر الغزال لشرح واستقطاب العسكريين والسياسيين لحركة /الأنانيا/ أما (أودهو) فقد سافر إلى شرق محافظته الاستوائية التي قابل فيها القادة العسكريين المتمردين وشرح لهم أسباب خروجه من /سانو/ وتشكيله /جبهة أزانيا/ كان (أودهو) يدرك تماماً بأنه يمكن أن يحصل على دعم حركة التمرد /الأنانيا/ لجبهته، وبعد جهد كبير بذله رئيس /جبهة أزانيا/ أودهو نجح بشكل بسيط في دعم الجناح العسكري لتنظيمه في كل من /بحر الغزال/ و/الاستوائية/ ودعم أقل في منطقة أعالي النيل، لم يستثمر هذا الدعم فقد عادت الخلافات على أشدها في /الجبهة/ مما أدى إلى سقوط الدعم الجزئي لـ (أودهو) وجبهته.
    إذاً، عادت الخلافات بين رفاق الأمس (أودهو) والأب (ساترنينو)، ذهب (أودهو) إلى يوغندة لحشد الدعم لـه من الجنوبيين الهاربين والحكومة اليوغندية ومن ممثلي مجلس الكنائس الإفريقية.
    لكن الرياح ذهبت بعكس تطلع (أودهو) فقد سجنته السلطات اليوغندية، لم تطل فترة سجنه حيث تدخلت الكنيسة العالمية والإفريقية وأُطلق سراحه وعاد إلى شرق المحافظة الاستوائية، عادت الخلافات من جديد لكن هذه المرة بين (أودهو) وبين القائد الأعلى للمتمردين (جوزيف لاغو) الذي اعتقله( ) - حكم على (أودهو) بالإعدام؟ لم ينفذ الإعدام به وعلل ذلك لكبر سنه ومرضه، لكن الحقيقة تقول أن مجلس الكنائس العالمي هو الذي طلب عدم تنفيذ الحكم خوفاً من قتال أهلي بين الجنوبيين مما قد يضعفهم وتستغله الحكومة السودانية.
    تم الإفراج عن (أودهو) وذهب إلى شرق أفريقيا.
    هنا قرر (أقري جادين) تغيير اسم تنظيمه وأطلق عليه اسم /جبهة تحرير السودان الإفريقي/؟! وفي شهر آب /أغسطس/ عام 1965 حدث انشقاق آخر في /سانو/ جاء هذا الانشقاق من بعض السياسيين المتمردين الذين لم يتفقوا مع كل من (أودهو) و (أقري جادين) كون هؤلاء تنظيماً جديداً ولم يعمر هذا التنظيم كثيراً فقد اختفى دون أن يعرف أحد السبب كما لم يعرف عنه، ولا عن برنامجه، حتى أعضاؤه لم يعرف عنهم شيئاً؟؟
    تدخل قادة الكنائس العالمية والإفريقية الذين حاولوا حل الخلافات داخل التنظيم وأسفرت جهودهم عن اجتماع عقد في مدينة /كمبالا/ اليوغندية في
    25 آب /أغسطس/ عام 1965 وقد حضر الاجتماعات هذه قادة الفصائل المتمردة أصحاب العلاقة، جرت المفاوضات بين الأطراف في أجواء صعبة إلا أن ضغط الكنيسة عليهم جعلهم يصدرون بياناً مشتركاً يدعون فيه للمصالحة فيما بينهم وهذا ما تم فقد تم اتخاذ عدد من القرارات وفيما يلي نذكر القسم المهم منها:
    1 - اتفق أعضاء حزب /سانو/:
    أ - جناج /جادين/.
    ب - جناج A - L - F.
    وقرر هذان الخصمان أن تكون المصالحة تحت اسم /جبهة تحرير السودان الإفريقي/؟
    2 - التخلي عن اسمي حركتيهما - وقد اتفق الجانبان على هدف واحد مشترك هو الاستقلال الكامل لجنوب السودان من الشمال، كذلك اتفقا على استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف؟ كما اتفق أيضاً على دعم حركة /الأنانيا/ قبل وبعد الاستقلال، وتسمية قيادة التنظيم الجديد وفق ما يلي:
    1 - أقري جادين: رئيساً عاماً.
    2 - دومنيك موريل: رئيساً وطنياً.
    3 - فيليب بيداك ليان: نائباً للرئيس.
    وقد استنكر التنظيم الجديد تصرفات العرب ودعمهم للحكومة السودانية التي تقدم الدعم للشماليين ضد الجنوبيين.
    كذلك استنكر التنظيم القوى الخارجية خاصة الاتحاد السوفييتي والصين اللتين تساندان العرب لإبادة الأفارقة السود في جنوب السودان...؟!!
    هذه أهم القرارات التي اتخذها تنظيم جبهة تحرير السودان الإفريقي والحقيقة أن هذه القرارات قد أمليت على قادة التنظيمين اللذين أصبحا تنظيماً واحداً هو قادة الكنائس كما سبق وأن أشرنا، هذا هو المطلوب /دولة جنوبية مسيحية(فرنجية)/ تقف ضد العرب والمسلمين.
    اختلاف المتمرِّدين من جديد!
    لم تمضِ فترة طويلة حتى اختلف المتمردان وعاد كل متمرد إلى فصيله السابق، كان الخلاف خلاف زعامة وليس مبادئ، عاد الوسطاء وضغطوا على الزعيمين وأعوانهما، وتمت المصالحة من جديد وأصبح المتمرد (أودهو) رئيساً و(جادين) نائباً لـه بعد ذلك صيغت مسودة جديدة للدستور الذي وضعه المتمردون وقد جاء في مقدمة الدستور التالي:
    «نحن شعب أفريقيا أصحاب هذه البلاد المعروفة حالياً بجنوب السودان ضحايا الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية والظلم وكل أنواع السياسات التي يمارسها الاستعمار( ) لتحطيم القارة الإفريقية... لقد اتحدنا ووضعنا لأنفسنا دستوراً يهدف إلى شيء واحد هو تحرير جنوب السودان وإنشاء دولة لشعب أفريقي حر لكي يتمتع الإفريقي الأسود في هذا الجزء من قارته بالأمن والعدالة والرفاهية بالإضافة إلى حقوق الإنسان والكرامة؟؟!!».
    لم تدم المصالحة بين المتمردين (جادين) و(أودهو) وعاد الخلاف أشد مما كان عليه، وكما قلنا سابقاً الخلاف هو خلاف زعامة وليس خلاف مبادئ.
    إن كافة المتمردين متفقون على انفصال الجنوب وقيام دولة مذهبية تدين للغرب وقيادته الكنائسية المتصهينة؟
    عادت الجهود لجمع شمل المتمردين المتآمرين على بعضهما البعض، هنا قرر مؤيدو المتمرد الزعيم (جادين) نقل التنظيم من المنفى إلى جنوب السودان وبالتحديد إلى منطقة /لوميريا/ إلى قرب الحدود الزائيرية وبالتحديد إلى منطقة /انجوري/ وكان سبب النقل هو الوضع الأمني وانتصارات الجيش السوداني وضربه للمتمردين.
    إلا أن المتمردين الانفصاليين يبررون هذا النقل بقولهم الآتي:
    إن الجناح العسكري للحركة الجنوبية شعر بأن الانشقاقات المستمرة وسط قادة الحركة السياسية قد أضعفت الحركة التحريرية الجنوبية وبناءً على هذا التصوير قرر الجناح العسكري التدخل من أجل المصالحة العامة في الحركة، وتمت الدعوة إلى انعقاد مؤتمر وطني جامع يحضره جناحا الحركة السياسي والعسكري
    لا على أن يعقد هذا المؤتمر في /انجوري/ المقر الرئيسي الجديد للحركة.
    والحقيقة أن سبب النقل كما سبق وأشرنا هو الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني - فكان لا بد من إيجاد مكان آمن وهذا المكان وجد في أراضي زائير الداعمة للتمرد والانفصال.
    تشكيل حكومة جنوب السودان /للمتمردين/:
    انعقد مؤتمر عام للمتمردين بغية تقويم مسار السياسيين المتطاحنين فيما بينهم وقد عقد المؤتمر ضمن الأراضي الزائيرية في الفترة ما بين 15 - 18 آب /أغسطس/ عام 1967 وقد حضر السياسيون وقادة تنظيم حركة التمرد العسكرية /الأنانيا/ وكان الموضوع المطروح على المؤتمرين هو إصلاح حركة التمرد بشكليها السياسي والعسكري، وبعد مناقشات طويلة كان قادة هذه الحركة قد أخذوا تعليماتهم من قادة مجلس الكنائس العالمي وهي /عليكم أن تخرجوا من هذا المؤتمر وأنتم متفقون على إيجاد حكومة جنوبية تعمل لانفصال الجنوب عن الشمال/ وبناءً على ذلك اتفق المؤتمرون على ما يلي:
    1 - تشكيل حكومة وطنية: تسمى الحكومة الانتقالية لجنوب السودان.
    2 - نقل رئاسة الحركة من شرق أفريقيا إلى أدغال الجنوب.
    3 - تحل كل التنظيمات السياسية وتدمج جميعها في حركة واحدة بجناحيها العسكري والسياسي.
    4 - تتم المصادقة على شكل أول علم لجنوب السودان.
    بعدها قرر المؤتمرون أن يعقد مؤتمر عام سنوياً وبانتظام.
    هذا فيما يخص العمل الداخلي، أما العمل السياسي الخارجي للحركة فقد تم العمل فيه وفق ما يلي:
    أ - على الحكومة الانتقالية أن تسعى للتعاون مع الحركات التحررية( ).
    ب - تحرير جنوب السودان من الحكم العربي في السودان...
    ت - يدعم المؤتمرون حركات السلام العالمية مثل مجلس الكنائس العالمي ومؤتمر الكنائس الإفريقية ومجلس الكنائس السودانية.
    ث - وافق المؤتمر على مساندة السوق المشتركة لشرق أفريقيا..
    وقد تم تشكيل مكتب سياسي ومجلس تنفيذي، والمكتب السياسي شكل من أربعة أشخاص وهم:
    1 - أقري جادين : رئيساً.
    2 - كاميلو ضوال كواج : نائباً للرئيس.
    3 - فرانسيس ميار : وكيلاً عاماً.
    4 - سفرينو فولي : وزيراً لشؤون الرئاسة.
    أما المجلس التنفيذي فقد كُون من اثني عشر شخصاً /6/ منهم من قبيلة (الدينكا) واثنان من قبيلة (الشلك) والباقي من القبائل التالية:
    1 - كاكوا.
    2 - فاجولو.
    3 - لاتوكا.
    4 - النوير.
    وهؤلاء يمثلون المحافظات الجنوبية التالية:
    أ : الاستوائية.
    ب : أعالي النيل.
    ت : بحر الغزال.
    بعد المؤتمر انتقلت القيادة من المنطقة المتداخلة بين السودان وزائير والمعروفة باسم /انجوري/ إلى منطقة أكثر أماناً تعرف باسم /بلوجو بندي/ غرب المحافظة الاستوائية وهي منطقة حدودية متداخلة أيضاً بعد ذلك غيرت القيادة اسم الجناح العسكري المعروف بـ /الأنانيا/؟
    أما النقطة المهمة التي ركزت عليها الحكومة الانتقالية هي تأسيس إدارات في المناطق التي تسيطر عليها، كما أنها عملت من أجل تقوية نفسها فتبنت اقتراحاً تقدم به (أزيون مونديري) عام 1965 وهو تقسيم المحافظات الجنوبية الثلاث إلى تسع مناطق إدارية وأن يحكم كل منطقة مفوض سياسي ينسق مع القائد العسكري المعين بنفس المنطقة، الهدف من ذلك كان إظهار قوة التنظيم وعلى أنه يستطيع حماية مناطق الجنوب كافة من الجيش السوداني.
    ما الذي نستخلصه من هذا المؤتمر الذي دعي باسم /انجوري/؟!
    حسب رأي الحكومة والقيادات السودانية مؤتمر منظم من قبل الكنائس المتصهينة لخلق دولة معادية للسودان وعالمه العربي الإسلامي.
    أما الرأي الجنوبي المتمرد والضروري أن نعرفه هو الآتي:
    أراد القادة الجنوبيون المتمردون في الداخل أن يثبتوا أن سياسيي الخارج قد أخذوا الدروس والعبر من الخلافات التي كانت دائرة بينهم، وأن حسهم بالمسؤولية تجاه شعبهم أصبح هاجس بعضهم.
    وقد أرادوا بانعقاد المؤتمر أن يثبتوا للغرب أنهم يعملون لإقامة دولتهم الإفريقية الفرنجية الكنائسية التي يساعدهم ويدعمهم الغرب لإقامتها خدمة لهم، وبهذا الشأن نستطيع القول الآتي:
    في شهر أيلول /سبتمبر/ عام 1969 وجهت حركة التمرد /الأنانيا/ اللوم إلى السياسيين الذين يعيشون في مدن شرق أفريقيا وأوروبا وأمريكا.
    وكان قادة الأنانيا يقولون أننا نعيش في الغابات والجبال بين الوحوش والحشرات بينما نظراؤنا السياسيون يعيشون في المنتجعات والفنادق الفخمة، كنا نأكل الثعابين والأفاعي بينما هم يأكلون /القريدس/ والكافيار.
    وبناءً على هذه الأقاويل الحقيقية والكاذبة، بدأ العقيد (جوزيف لاغو) قائد الأنانيا في منطقة شرق الاستوائية مهمة شاقة وهي توحيد القيادات الجنوبية في الأقطار الموجودة فقد تبنى (لاغو) برنامجاً يبدأ بالتدريج في البداية لتوحيد قوات الحركة ثم توحيد السياسيين في الخارج ثانياً.
    لم يستطع (لاغو) توحيد السياسيين في الخارج ولا في الداخل وبهذا الشأن قال:
    - كانت أصعب الأمور التي واجهتني في الأدغال هي كيفية التعامل مع السياسيين، لقد رفضت التعاون معهم والحقيقة هي أن السياسيين في الداخل والخارج هم الذين رفضوا التعاون معه أي /مع (لاغو)/ ورأى المقاتلون أن عملي جيد فقاموا بعزل السياسيين.
    حصل قائد التمرد (لاغو) على ولاء وتأييد معظم ضباط حركة التمرد /الأنانيا/ في الجنوب وعلى أثر ذلك شكل (لاغو) مجلساً سماه /مجلس القيادة الوطني الأعلى /للأنانيا/ ومهمة هذا المجلس قيادة العمليات العسكرية وتوفير الدعم والمعدات العسكرية، بعد أن تمكن المتمرد (لاغو) من حل الحكومات الجنوبية /غير الشرعية/ وقد استخدم القوة تارة والسياسة تارة أخرى لتنفيذ خطته بإسقاط الحكومات الجنوبية.
    وفي شهر نيسان /أبريل/ عام 1970 أقنع (لاغو) ما يسمى برئيس حكومة /ايندي الثورية/ الجنرال (اميديو تافنج) بحل حكومته، وفعلاً تم حل هذه الحكومة المصطنعة.
    بعد ذلك حلت حكومة /النيل الانتقالية/ فقد تآمر (لاغو) مع العقيد (فريدريك ماقوت) رئيس هيئة الأركان في حكومة /النيل/ وتم حلها وتشريدها.
    بعد هذه النجاحات التآمرية الجنوبية دعا (لاغو) قيادات حركة /الأنانيا/ وبعض القادة السياسيين لعقد مؤتمر عام في شهر آب /أغسطس/ من عام /1971/ عقد المؤتمر في منطقة /أوينجبول/ وأعلن فيه عن قيام /حركة تحرير جنوب السودان وترقية المتمرد (جوزيف لاغو) إلى رتبة لواء كذلك احتفل بذكرى مرور ست عشرة سنة على عصيان /توريت/ عام 1955 بعد ذلك شكلت قيادة جديدة تحت اسم المجلس الأعلى الذي تكون من المتمردين التالية أسماؤهم:
    1 - اللواء - جوزيف لاغو بانقا - القائد الأعلى.
    2 - العقيد - جوزيف أكون - قائداً للفرقة الثانية في منطقة أعالي النيل.
    3 - العقيد - فريدريك ماقوت - قائداً للفرقة الأولى في منطقة الاستوائية.
    4 - العقيد - أمانويل أبور - كبير ضباط الفرقة الثالثة في بحر الغزال.
    هذا التعيين للعسكريين أما المدنيون فقد تم تعيينهم وفق ولائهم وانتمائهم القبلي.


  13. #33
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    تعزيز قوة تنظيم الأنانيا

    أرسل رئيس /أنانيا/ (أودهو) مسؤول الدفاع في التنظيم (أزيون) إلى غرب المحافظة الاستوائية وبحر الغزال لشرح واستقطاب العسكريين والسياسيين لحركة /الأنانيا/ أما (أودهو) فقد سافر إلى شرق محافظته الاستوائية التي قابل فيها القادة العسكريين المتمردين وشرح لهم أسباب خروجه من /سانو/ وتشكيله /جبهة أزانيا/ كان (أودهو) يدرك تماماً بأنه يمكن أن يحصل على دعم حركة التمرد /الأنانيا/ لجبهته، وبعد جهد كبير بذله رئيس /جبهة أزانيا/ أودهو نجح بشكل بسيط في دعم الجناح العسكري لتنظيمه في كل من /بحر الغزال/ و/الاستوائية/ ودعم أقل في منطقة أعالي النيل، لم يستثمر هذا الدعم فقد عادت الخلافات على أشدها في /الجبهة/ مما أدى إلى سقوط الدعم الجزئي لـ (أودهو) وجبهته.
    إذاً، عادت الخلافات بين رفاق الأمس (أودهو) والأب (ساترنينو)، ذهب (أودهو) إلى يوغندة لحشد الدعم لـه من الجنوبيين الهاربين والحكومة اليوغندية ومن ممثلي مجلس الكنائس الإفريقية.
    لكن الرياح ذهبت بعكس تطلع (أودهو) فقد سجنته السلطات اليوغندية، لم تطل فترة سجنه حيث تدخلت الكنيسة العالمية والإفريقية وأُطلق سراحه وعاد إلى شرق المحافظة الاستوائية، عادت الخلافات من جديد لكن هذه المرة بين (أودهو) وبين القائد الأعلى للمتمردين (جوزيف لاغو) الذي اعتقله( ) - حكم على (أودهو) بالإعدام؟ لم ينفذ الإعدام به وعلل ذلك لكبر سنه ومرضه، لكن الحقيقة تقول أن مجلس الكنائس العالمي هو الذي طلب عدم تنفيذ الحكم خوفاً من قتال أهلي بين الجنوبيين مما قد يضعفهم وتستغله الحكومة السودانية.
    تم الإفراج عن (أودهو) وذهب إلى شرق أفريقيا.
    هنا قرر (أقري جادين) تغيير اسم تنظيمه وأطلق عليه اسم /جبهة تحرير السودان الإفريقي/؟! وفي شهر آب /أغسطس/ عام 1965 حدث انشقاق آخر في /سانو/ جاء هذا الانشقاق من بعض السياسيين المتمردين الذين لم يتفقوا مع كل من (أودهو) و (أقري جادين) كون هؤلاء تنظيماً جديداً ولم يعمر هذا التنظيم كثيراً فقد اختفى دون أن يعرف أحد السبب كما لم يعرف عنه، ولا عن برنامجه، حتى أعضاؤه لم يعرف عنهم شيئاً؟؟
    تدخل قادة الكنائس العالمية والإفريقية الذين حاولوا حل الخلافات داخل التنظيم وأسفرت جهودهم عن اجتماع عقد في مدينة /كمبالا/ اليوغندية في
    25 آب /أغسطس/ عام 1965 وقد حضر الاجتماعات هذه قادة الفصائل المتمردة أصحاب العلاقة، جرت المفاوضات بين الأطراف في أجواء صعبة إلا أن ضغط الكنيسة عليهم جعلهم يصدرون بياناً مشتركاً يدعون فيه للمصالحة فيما بينهم وهذا ما تم فقد تم اتخاذ عدد من القرارات وفيما يلي نذكر القسم المهم منها:
    1 - اتفق أعضاء حزب /سانو/:
    أ - جناج /جادين/.
    ب - جناج A - L - F.
    وقرر هذان الخصمان أن تكون المصالحة تحت اسم /جبهة تحرير السودان الإفريقي/؟
    2 - التخلي عن اسمي حركتيهما - وقد اتفق الجانبان على هدف واحد مشترك هو الاستقلال الكامل لجنوب السودان من الشمال، كذلك اتفقا على استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف؟ كما اتفق أيضاً على دعم حركة /الأنانيا/ قبل وبعد الاستقلال، وتسمية قيادة التنظيم الجديد وفق ما يلي:
    1 - أقري جادين: رئيساً عاماً.
    2 - دومنيك موريل: رئيساً وطنياً.
    3 - فيليب بيداك ليان: نائباً للرئيس.
    وقد استنكر التنظيم الجديد تصرفات العرب ودعمهم للحكومة السودانية التي تقدم الدعم للشماليين ضد الجنوبيين.
    كذلك استنكر التنظيم القوى الخارجية خاصة الاتحاد السوفييتي والصين اللتين تساندان العرب لإبادة الأفارقة السود في جنوب السودان...؟!!
    هذه أهم القرارات التي اتخذها تنظيم جبهة تحرير السودان الإفريقي والحقيقة أن هذه القرارات قد أمليت على قادة التنظيمين اللذين أصبحا تنظيماً واحداً هو قادة الكنائس كما سبق وأن أشرنا، هذا هو المطلوب /دولة جنوبية مسيحية(فرنجية)/ تقف ضد العرب والمسلمين.
    اختلاف المتمرِّدين من جديد!
    لم تمضِ فترة طويلة حتى اختلف المتمردان وعاد كل متمرد إلى فصيله السابق، كان الخلاف خلاف زعامة وليس مبادئ، عاد الوسطاء وضغطوا على الزعيمين وأعوانهما، وتمت المصالحة من جديد وأصبح المتمرد (أودهو) رئيساً و(جادين) نائباً لـه بعد ذلك صيغت مسودة جديدة للدستور الذي وضعه المتمردون وقد جاء في مقدمة الدستور التالي:
    «نحن شعب أفريقيا أصحاب هذه البلاد المعروفة حالياً بجنوب السودان ضحايا الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية والظلم وكل أنواع السياسات التي يمارسها الاستعمار( ) لتحطيم القارة الإفريقية... لقد اتحدنا ووضعنا لأنفسنا دستوراً يهدف إلى شيء واحد هو تحرير جنوب السودان وإنشاء دولة لشعب أفريقي حر لكي يتمتع الإفريقي الأسود في هذا الجزء من قارته بالأمن والعدالة والرفاهية بالإضافة إلى حقوق الإنسان والكرامة؟؟!!».
    لم تدم المصالحة بين المتمردين (جادين) و(أودهو) وعاد الخلاف أشد مما كان عليه، وكما قلنا سابقاً الخلاف هو خلاف زعامة وليس خلاف مبادئ.
    إن كافة المتمردين متفقون على انفصال الجنوب وقيام دولة مذهبية تدين للغرب وقيادته الكنائسية المتصهينة؟
    عادت الجهود لجمع شمل المتمردين المتآمرين على بعضهما البعض، هنا قرر مؤيدو المتمرد الزعيم (جادين) نقل التنظيم من المنفى إلى جنوب السودان وبالتحديد إلى منطقة /لوميريا/ إلى قرب الحدود الزائيرية وبالتحديد إلى منطقة /انجوري/ وكان سبب النقل هو الوضع الأمني وانتصارات الجيش السوداني وضربه للمتمردين.
    إلا أن المتمردين الانفصاليين يبررون هذا النقل بقولهم الآتي:
    إن الجناح العسكري للحركة الجنوبية شعر بأن الانشقاقات المستمرة وسط قادة الحركة السياسية قد أضعفت الحركة التحريرية الجنوبية وبناءً على هذا التصوير قرر الجناح العسكري التدخل من أجل المصالحة العامة في الحركة، وتمت الدعوة إلى انعقاد مؤتمر وطني جامع يحضره جناحا الحركة السياسي والعسكري
    لا على أن يعقد هذا المؤتمر في /انجوري/ المقر الرئيسي الجديد للحركة.
    والحقيقة أن سبب النقل كما سبق وأشرنا هو الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني - فكان لا بد من إيجاد مكان آمن وهذا المكان وجد في أراضي زائير الداعمة للتمرد والانفصال.
    تشكيل حكومة جنوب السودان /للمتمردين/:
    انعقد مؤتمر عام للمتمردين بغية تقويم مسار السياسيين المتطاحنين فيما بينهم وقد عقد المؤتمر ضمن الأراضي الزائيرية في الفترة ما بين 15 - 18 آب /أغسطس/ عام 1967 وقد حضر السياسيون وقادة تنظيم حركة التمرد العسكرية /الأنانيا/ وكان الموضوع المطروح على المؤتمرين هو إصلاح حركة التمرد بشكليها السياسي والعسكري، وبعد مناقشات طويلة كان قادة هذه الحركة قد أخذوا تعليماتهم من قادة مجلس الكنائس العالمي وهي /عليكم أن تخرجوا من هذا المؤتمر وأنتم متفقون على إيجاد حكومة جنوبية تعمل لانفصال الجنوب عن الشمال/ وبناءً على ذلك اتفق المؤتمرون على ما يلي:
    1 - تشكيل حكومة وطنية: تسمى الحكومة الانتقالية لجنوب السودان.
    2 - نقل رئاسة الحركة من شرق أفريقيا إلى أدغال الجنوب.
    3 - تحل كل التنظيمات السياسية وتدمج جميعها في حركة واحدة بجناحيها العسكري والسياسي.
    4 - تتم المصادقة على شكل أول علم لجنوب السودان.
    بعدها قرر المؤتمرون أن يعقد مؤتمر عام سنوياً وبانتظام.
    هذا فيما يخص العمل الداخلي، أما العمل السياسي الخارجي للحركة فقد تم العمل فيه وفق ما يلي:
    أ - على الحكومة الانتقالية أن تسعى للتعاون مع الحركات التحررية( ).
    ب - تحرير جنوب السودان من الحكم العربي في السودان...
    ت - يدعم المؤتمرون حركات السلام العالمية مثل مجلس الكنائس العالمي ومؤتمر الكنائس الإفريقية ومجلس الكنائس السودانية.
    ث - وافق المؤتمر على مساندة السوق المشتركة لشرق أفريقيا..
    وقد تم تشكيل مكتب سياسي ومجلس تنفيذي، والمكتب السياسي شكل من أربعة أشخاص وهم:
    1 - أقري جادين : رئيساً.
    2 - كاميلو ضوال كواج : نائباً للرئيس.
    3 - فرانسيس ميار : وكيلاً عاماً.
    4 - سفرينو فولي : وزيراً لشؤون الرئاسة.
    أما المجلس التنفيذي فقد كُون من اثني عشر شخصاً /6/ منهم من قبيلة (الدينكا) واثنان من قبيلة (الشلك) والباقي من القبائل التالية:
    1 - كاكوا.
    2 - فاجولو.
    3 - لاتوكا.
    4 - النوير.
    وهؤلاء يمثلون المحافظات الجنوبية التالية:
    أ : الاستوائية.
    ب : أعالي النيل.
    ت : بحر الغزال.
    بعد المؤتمر انتقلت القيادة من المنطقة المتداخلة بين السودان وزائير والمعروفة باسم /انجوري/ إلى منطقة أكثر أماناً تعرف باسم /بلوجو بندي/ غرب المحافظة الاستوائية وهي منطقة حدودية متداخلة أيضاً بعد ذلك غيرت القيادة اسم الجناح العسكري المعروف بـ /الأنانيا/؟
    أما النقطة المهمة التي ركزت عليها الحكومة الانتقالية هي تأسيس إدارات في المناطق التي تسيطر عليها، كما أنها عملت من أجل تقوية نفسها فتبنت اقتراحاً تقدم به (أزيون مونديري) عام 1965 وهو تقسيم المحافظات الجنوبية الثلاث إلى تسع مناطق إدارية وأن يحكم كل منطقة مفوض سياسي ينسق مع القائد العسكري المعين بنفس المنطقة، الهدف من ذلك كان إظهار قوة التنظيم وعلى أنه يستطيع حماية مناطق الجنوب كافة من الجيش السوداني.
    ما الذي نستخلصه من هذا المؤتمر الذي دعي باسم /انجوري/؟!
    حسب رأي الحكومة والقيادات السودانية مؤتمر منظم من قبل الكنائس المتصهينة لخلق دولة معادية للسودان وعالمه العربي الإسلامي.
    أما الرأي الجنوبي المتمرد والضروري أن نعرفه هو الآتي:
    أراد القادة الجنوبيون المتمردون في الداخل أن يثبتوا أن سياسيي الخارج قد أخذوا الدروس والعبر من الخلافات التي كانت دائرة بينهم، وأن حسهم بالمسؤولية تجاه شعبهم أصبح هاجس بعضهم.
    وقد أرادوا بانعقاد المؤتمر أن يثبتوا للغرب أنهم يعملون لإقامة دولتهم الإفريقية الفرنجية الكنائسية التي يساعدهم ويدعمهم الغرب لإقامتها خدمة لهم، وبهذا الشأن نستطيع القول الآتي:
    في شهر أيلول /سبتمبر/ عام 1969 وجهت حركة التمرد /الأنانيا/ اللوم إلى السياسيين الذين يعيشون في مدن شرق أفريقيا وأوروبا وأمريكا.
    وكان قادة الأنانيا يقولون أننا نعيش في الغابات والجبال بين الوحوش والحشرات بينما نظراؤنا السياسيون يعيشون في المنتجعات والفنادق الفخمة، كنا نأكل الثعابين والأفاعي بينما هم يأكلون /القريدس/ والكافيار.
    وبناءً على هذه الأقاويل الحقيقية والكاذبة، بدأ العقيد (جوزيف لاغو) قائد الأنانيا في منطقة شرق الاستوائية مهمة شاقة وهي توحيد القيادات الجنوبية في الأقطار الموجودة فقد تبنى (لاغو) برنامجاً يبدأ بالتدريج في البداية لتوحيد قوات الحركة ثم توحيد السياسيين في الخارج ثانياً.
    لم يستطع (لاغو) توحيد السياسيين في الخارج ولا في الداخل وبهذا الشأن قال:
    - كانت أصعب الأمور التي واجهتني في الأدغال هي كيفية التعامل مع السياسيين، لقد رفضت التعاون معهم والحقيقة هي أن السياسيين في الداخل والخارج هم الذين رفضوا التعاون معه أي /مع (لاغو)/ ورأى المقاتلون أن عملي جيد فقاموا بعزل السياسيين.
    حصل قائد التمرد (لاغو) على ولاء وتأييد معظم ضباط حركة التمرد /الأنانيا/ في الجنوب وعلى أثر ذلك شكل (لاغو) مجلساً سماه /مجلس القيادة الوطني الأعلى /للأنانيا/ ومهمة هذا المجلس قيادة العمليات العسكرية وتوفير الدعم والمعدات العسكرية، بعد أن تمكن المتمرد (لاغو) من حل الحكومات الجنوبية /غير الشرعية/ وقد استخدم القوة تارة والسياسة تارة أخرى لتنفيذ خطته بإسقاط الحكومات الجنوبية.
    وفي شهر نيسان /أبريل/ عام 1970 أقنع (لاغو) ما يسمى برئيس حكومة /ايندي الثورية/ الجنرال (اميديو تافنج) بحل حكومته، وفعلاً تم حل هذه الحكومة المصطنعة.
    بعد ذلك حلت حكومة /النيل الانتقالية/ فقد تآمر (لاغو) مع العقيد (فريدريك ماقوت) رئيس هيئة الأركان في حكومة /النيل/ وتم حلها وتشريدها.
    بعد هذه النجاحات التآمرية الجنوبية دعا (لاغو) قيادات حركة /الأنانيا/ وبعض القادة السياسيين لعقد مؤتمر عام في شهر آب /أغسطس/ من عام /1971/ عقد المؤتمر في منطقة /أوينجبول/ وأعلن فيه عن قيام /حركة تحرير جنوب السودان وترقية المتمرد (جوزيف لاغو) إلى رتبة لواء كذلك احتفل بذكرى مرور ست عشرة سنة على عصيان /توريت/ عام 1955 بعد ذلك شكلت قيادة جديدة تحت اسم المجلس الأعلى الذي تكون من المتمردين التالية أسماؤهم:
    1 - اللواء - جوزيف لاغو بانقا - القائد الأعلى.
    2 - العقيد - جوزيف أكون - قائداً للفرقة الثانية في منطقة أعالي النيل.
    3 - العقيد - فريدريك ماقوت - قائداً للفرقة الأولى في منطقة الاستوائية.
    4 - العقيد - أمانويل أبور - كبير ضباط الفرقة الثالثة في بحر الغزال.
    هذا التعيين للعسكريين أما المدنيون فقد تم تعيينهم وفق ولائهم وانتمائهم القبلي.


  14. #34
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    ضعف الأحزاب الجنوبية

    إنَّ التنافس السلبي بين الأحزاب الجنوبية، جعل منها أحزاباً مهلهلة لا تقدم ولا تؤخر، وهذا ما جعلها غير قادرة على تقديم أي تنازلات أو تسهيلات لإنجاح المؤتمر.
    فيما بعد نجحت القوى التقليدية في استبدال هذه الحكومة الجنوبية بحكومة أخرى أقل اندفاعاً وحماساً تجاه مشكلة الجنوب، وهنا تصاعدت الأزمة، وهنا دفنت الآمال حول نجاح المؤتمر، وذلك لاختلاف رؤى الجانبين عن بعضها البعض للأسباب التالية:1
    - يرى الشماليون عدم جدوى السير في طريق المفاوضات كوسيلة لإحلال الأمن والسلام والاستقرار في هذا الجزء الجنوبي من الوطن السوداني.
    2 - إنَّ موقف السودانيين الجنوبيين وأحزابهم المتصلَّب زادَ المشكلة تعقيداً، ولذلك وصل السياسيون الشماليون إلى استنتاج مفاده أنَّ الحوار مع جنوبيين معادين لا يجدي فتيلا، ومن هنا بدا لهم أنَّ الاعتماد على القوة العسكرية هو الطريق الوحيد لحل هذه المشكلة وبالتالي احتوائها، ولقد تدعم هذا الرأي بعد انتخابات أيار/ عام /1965/ حين حلت حكومة (سر الختم خليفة) وتولي مقاليد الحكم حكومة ائتلاف بين حزبي الأمة والوطني، وتولى منصب رئيس الوزراء محمد أحمد محجوب، إن الأحزاب الجنوبية هي سبب كل المشاكل وهي لم تكن سوى هياكل وضعها الغرب ونماها ليصل إلى هدفه الأساسي وهو فصل الجنوب عن الشمال وهنا لا بد أن نلقي الضوء على بعض هذه الأحزاب العميلة للغرب المتصهين.

    الحزب الفيدرالي:
    أسس هذا الحزب (أزيون مونديري)( ) مع بعض الخريجين الجامعيين الجنوبيين المتأثرين بالنظام الفيدرالي الأمريكي فقد اجتمع هؤلاء وقرروا تكوين حزب جنوبي يطالب الحكومة السودانية بقيام الفيدرالية بين الشمال والجنوب.
    يقول مؤسس الحزب في أحاديثه الخاصة والعامة أن دستور حزبنا يشبه إلى حد ما دستور الولايات المتحدة الأمريكية؟
    وبدورنا أخذنا بعض المطالب التي نادى بها هذا الحزب وهي على الشكل التالي:
    1- يجب أن تحكم الفيدرالية العلاقات بين جنوب السودان وشماله على أرضية مشتركة ويجب أن يكون دستور الحكومة الفيدرالية علمانياً على أن تكون قوانين السلطة القضائية والتنفيذية متماشية مع القوانين التشريعية لكل محافظة.
    2- الاعتراف باللغتين الإنكليزية والعربية كلغتين رسميتين في الدولة دون المس بحقوق الأفراد الذين يؤمنون بمعتقدات أو ديانات أخرى /كالديانات الإفريقية الأخرى/.
    3- يجب أن تكون للجنوب إدارة مدنية منفصلة يكون فيها للحكم الفيدرالي في الجنوب الحق في تعيين الموظفين حسب دستورها وقوانينها بالإضافة إلى ذلك، ولكي يُحافظ الجنوب على هويته الثقافية يجب أن يكون لـه نظام تعليمي خاص يشمل كل المراحل التعليمية وجامعة جنوبية تحت سيطرة حكومة الجنوب الفيدرالية.
    4- تكوين جيش مستقل للجنوب؟!
    5- وأهم نقطة في هذا البرنامج الفيدرالي الجنوبي هي النقطة التالية:
    - (تحويل السودان من العالم العربي إلى أفريقيا)؟!
    أي طمس هوية السودان العربية الإسلامية وإلحاقه بالدول الأفريقية أو التي فرضت عليها المسيحية الفرنجية فرضاً.
    إن هذه الأهداف بمجملها هي أهداف تسعى إلى انفصال الجنوب عن الشمال وهذا ما يخطط لـه الأوروبيون والأمريكان والصهاينة، إنهم يريدون زرع المسيحية المتصهينة في جزء مهم من الوطن العربي الإسلامي.
    هذا الحزب تلاشى وانتهى بعد تسلم الجيش السلطة برئاسة الفريق (إبراهيم عبود) في 17/11/ من عام 1958.
    وبعد ثورة أكتوبر عام 1964، أي بعد ست سنوات، ظهر الفيدراليون باسم جديد يحمل اسم /حزب جبهة الجنوب/.
    «حزب سانو»
    عندما تعطلت الحياة البرلمانية بعد عقب تسلم الجيش السلطة عام 1958 حاول عدد من السياسيين الجنوبيين إثارة القلاقل والعبث بأمن السودان فكان رد السلطة العسكرية اعتقال البعض وفرار البعض الآخر إلى الدول المجاورة، فقد هرب كل من (جوزيف أودهو) و(فرديناند أديانق) والأب (ساترنينو لوهورو) - (ناتانيل أويت) - (فانكرا سيد أوشيانق ماركو رومي) - (اليكسيس مبالي يونقو)، هرب هؤلاء إلى الكونغو وبعد عام هرب (دنيق نيال) الذي يعمل مساعداً للمفوض الإداري لمنطقة /كيونا/ ومما يجدر ذكره أن الذين اعتقلوا كانوا من الجنوبيين سكان المنطقة الاستوائية: ويوعز ذلك حسب الباحثين الكنسيين أن سكان المناطق الاستوائية يتمتعون بنشاط ووعي سياسي أكثر من أهالي منطقتي بحر الغزال وأعالي النيل.
    وفي شهر كانون الأول /ديسمبر/ من عام 1960 قام السياسيون الذين يعيشون بالخارج وبمؤازرة كنسية غربية قام هؤلاء بمحاولة لتشكيل تنظيم سياسي للجنوب بعد أن تم دعمهم مالياً وإعلامياً وضم هذا التنظيم كلاً من (جوزيف أودهو) (أقري جادين) الأب (ساترنينو لوهور) (اليكسيس مبالي يونقو) وكل هؤلاء هم من المنطقة الاستوائية المتغلغلة فيها الإرساليات التبشيرية.
    وجاء عام 1961 وكون بعض السياسيين الموجودين في مدينة كمبالا عاصمة يوغندة منظمة دعيت باسم /اتحاد السودان المسيحي/ تدعو مؤسسيها إلى الظهور بمظهر ديني للتأكيد على الاضطهاد الديني المزعوم للجنوبيين من قبل الحكم الإسلامي في الخرطوم؟
    وفي عام 1962 قررت قيادة /اتحاد السودان المسيحي/ تكوين تنظيم سياسي آخر يضم كافة المجموعات القبلية الجنوبية ومقره في كينشاسا( ) بزائير ورعى التنظيم الأب (ستارنينو لوهور) و(جوزيف أودهو) رئيساً للتنظيم و(ماركو رومي) نائباً للتنظيم و(وليم دنيق نيال) سكرتيراً عاماً وقد اجتمع قادة التنظيم في 25 /كانون الأول عام 1963 في مدينة كمبالا اليوغندية وكان الغرض من الاجتماع توسيع التنظيم واستيعاب السياسيين الذين قرروا الانضمام إليه، وكان التنظيم قد وضع دستوره وشكلت اللجنة التنفيذية من العناصر التي ذكرناها في المقدمة.
    وفي الاجتماع الثاني الذي عقد في يوغندة تم تغيير اسم المنظمة الانفصالية ومن ثم انتخبوا لجنة تنفيذية جديدة ممثلة في الأسماء التالية:1 - الأب ستارنينو لوهورو - راعيا (لم أدرك تماماً ماذا عني بكلمة راعٍ).
    2 - جوزيف أودهو - رئيساً ـ
    3 – دومنيلو مورويل - نائباً للرئيس.
    4 - أقري جادين - نائباً للرئيس.
    5 - وليم دنيق نيال - سكرتيراً عاماً.
    6 - فانكراسيو اوشيانق - أميناً للمالية.
    7 - فيلييت فيداك ليات - عضواً ـ
    هذا ما حصل في الجنوب، أما الشمال فقد كان للأحزاب فيه دورٌ مهمٌ في ما يحدث ولنأخذ رأي بعض الأحزاب المهمة والمشاركة في ما سمي بمشكلة الجنوب دون الأخذ بالزمن ومروره فمواقف هذه الأحزاب لم تتغير في جوهرها بشيء تجاه برنامجها وطرحها فيما يخصّ الجنوب.
    «حزب الأمة»
    العلاقة بين حركة التمرد وحزب الأمة كانت تميل دائماً إلى المصلحة الذاتية لقادته وخاصة رئيسه (الصادق المهدي) أما ما يشاع عن علاقة الحزب بحركة التمرد فينطلق من النقاط التالية:
    1 - عضوية الحزب في التجمع.
    2 - النشاط الخاص بالحزب.
    3 - النظر من خلال الحكومة التي كان يرأسها الصادق المهدي.
    كان (الصادق المهدي) يريد تحقيق مكاسب شخصية لنفسه ولحزبه فقام في 30 حزيران من 1986 بزيارة إلى أثيوبيا حيث يقبع المتمرد (كرنغ) وفي عاصمتها أديس أبابا اجتمع الاثنان (المهدي وكرنغ) لمدة تسع ساعات لم يتفق (المهدي والمتمرد) هكذا أشيع حينها فقد صرح زعيم حركة التمرد بعد اللقاء بالآتي:
    - لقد اجتمعت بـ (الصادق المهدي) كرئيس للحزب وليس كرئيس للحكومة؟
    وسبب قوله ذلك إنه لا يعترف بالحكومة السودانية التي يرأسها (المهدي)
    أما (المهدي) فقد قال بضع جمل لا أكثر حول هذا اللقاء وهي:
    - إن لقاءه مع (جون كرنغ) لم يؤد إلى شيء جديد يذكر؟ ثم قال أن (كرنغ) غير واقعي وأنه يتوهم بأن لديه قوة كبيرة وهو لا يتناسب مع حجمه؟
    وكما قلنا، لم يكن موضوع اللقاء مهماً لحل المشكلة بقدر ما هو كسب شخصي من أجل البقاء في قمة السلطة؟
    «الحزب الاتحادي الديمقراطي»
    كان في هذا الحزب رأيان حول حركة التمرد الجنوبية:
    الرأي الأول يصفها بحركة التمرد والرأي الآخر يصفها بالحركة الشعبية، وقادة الحزب لم يكونوا واضحين وصريحين في رأيهم حول مشكلة الجنوب، كما لم يشترك الحزب الاتحادي في إعلان /كوكادام/ وقد عمل الاتحاديون على كسب العناصر اليسارية التي تؤيد حركة التمرد من أجل الاشتداد بها، بعدها التقى بعض قادة الحزب بوفد من حركة التمرد في أثيوبيا ونتج عن هذا اللقاء اتفاق على ضرورة لقاء قيادة الحزب وقيادة حركة التمرد.
    وقد التقى بعد ذلك كل من زعيم الحزب (محمد عثمان الميرغني) والمتمرد (جون كرنغ) زعيم الحركة الشعبية وكان هذا اللقاء قد تم في أديس أبابا من شهر تشرين الثاني نوفمبر من عام 1988، وصدرت عن هذا اللقاء مبادرة سميت /بمبادرة السلام السودانية/ وكان أهم ما جاء في هذه المبادرة الدعوة لقيام مؤتمر دستوري لحل قضايا السودان على أن تتم تهيئة بعض النقاط لانعقاد هذا المؤتمر والنقاط هذه هي:
    1 - رفع حالة الطوارئ.
    2 - وقف إطلاق النار.
    3 - إلغاء كل الاتفاقات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى.
    «إن المعني بالدول الأخرى هو جمهورية مصر العربية».
    هذا ما قدمه وطرحه الحزب الاتحادي الديمقراطي.
    موقف الحزب الشيوعي:
    كان الحزب الشيوعي السوداني على علاقة وثيقة مع /حركة التمرد/ ويرجع سبب هذه العلاقة المتينة إلى الأسباب التالية:
    1 - تبنت حركة التمرد المبادئ الماركسية وبشكل واضح وعلني؟
    والحقيقة غير ذلك، وهي أن الحركة عملت في اليسار لتصل إلى قمة اليمين وقد كان ذلك واضحاً من خلال علاقاتها مع الصهيونية والامبريالية الأمريكية والغربيين ومجلس الكنائس العالمي، وأنا في اعتقادي أن الحزب قد خدع بالشعارات التي رفضتها حركة التمرد الانفصالية /الحركة الشعبية/.
    2 - كان الحزب وهو المعادي للسلطة والذي عاش منذ فشل حركة المناضل (هاشم العطا) /1971/ تحت الأرض وظل ملاحقاً لفترة طويلة جداً.
    فقد كان تعاون الحزب مع الحركة من خلال التجمع وقد تم إيفاد سكرتير الحزب (محمد إبراهيم نقد) إلى أثيوبيا للتفاوض مع المتمرد (جون كرنغ) وقد اختير (نقد) نظراً لقربه من حركة التمرد والتي رفعت شعار الماركسية عالياً ولم تعمل به، وكذلك زيارته إلى أثيوبيا، فالنية مبيتة في عقل المتمردين وقلوبهم وهي قيام دولة جنوبية معادية للعرب والمسلمين، وهنا لي رواية تعتبر بالنسبة لي تاريخية، وحقيقة هي تاريخية:
    في شهر تشرين الثاني من عام 1970 زرت السودان والتقيت الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني وبعض الرفاق القيادين وبعد 35 عاماً من هذا اللقاء صدقت رؤية الحزب وهي الأصح من بين ما قدمته الأحزاب السودانية الأخرى. وقبل الدخول في الرواية لنقرأ الآتي:
    يقول الحزب الشيوعي في أدبياته بخصوص الجنوب ما يلي:
    منذ أن تلاشت مجموعة (بولين الير) الوطنية عام 1955 فإن مسؤولية الدفاع عن وحدة بلادنا الديمقراطية قد وقعت بكاملها على عاتق حزبنا الذي خاض وحدة نضالاً متواصلاً من أجل التحالف بين المواطنين في الجنوب والحركة الثورية في الشمال.
    العودة إلى روايتي ولقائي مع الرفيق القائد ورفاقه رحمة الله عليهم:
    يقع في شارع الجمهورية الكبير في الخرطوم فندق يسمى /الأكسيلسيور/ كان فيه لقاؤنا - (الرفيق عبد الخالق محجوب) الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني - (الرفيق العقيد فاروق حمد الله) وزير الداخلية - (الرفيق المقدم بابكر النور) - (الرفيق الرائد هاشم العطا) - (الأخ خليفة كرار).
    حدثني (الرفيق عبد الخالق) قائلاً:
    - رفضنا الحل العسكري لمشكلة الجنوب منذ عام 1955 - لكن يجب ألا ننسى أننا نواجه تدخلاً امبريالياً مقيتاً في هذه المنطقة المهمة من بلادنا، سألته مقاطعاً:
    - إذا كنتم ترفضون الحل العسكري، والجنوبيون العصاة يرفضون الحل السلمي إلا إذا قام على انفصال الجنوب وقيام دولة تكون ركيزة للغرب المستعمر، في هذه الحالة ماذا تفعلون؟
    - يبتسم الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني ويقول:
    - أنت تعلم ورفاقنا يعرفون أن أضعف حلقات دفاعنا الثورية هو الجنوب، نحن في سباق مع الامبريالية العالمية وخاصة أن جنوبنا قد أصبح بعد /أبا/( ). فوقف (الرفيق عبد الخالق) ونظر إلى (الرائد الرفيق هاشم العطا) عند ذكر /أبا/.... المهم أن الجنوب أصبح نقطة للإمبريالية العالمية والصهيونية - لقد بدأ الغرب والاسرائيليون يرسلون السلاح إلى جنوب البلاد ومنذ عام 1969 وبكميات كبيرة عبر الحدود الأثيوبية والأوغندية، نعم يا رفيق أحمد - من هنا كان يأتي السلاح والدعم.
    - استأذن (الرفيق العقيد فاروق حمد الله) وقال:
    - كان يأتي معظم السلاح جواً من مكان ما في أثيوبيا، حيث تنزل الطائرات وهي محملة بالسلاح، كانت هذه الطائرات تهبط أيضاً في منطقة /حمبيلا/ قرب اكوبوا وتحمل أنواعاً مختلفة من قطع السلاح ومنها المدافع الصغيرة المضادة للطائرات وهي سوفييتية الصنع أتت من إسرائيل، كذلك /البرنات/ والمدافع الأوتوماتيكية البريطانية - توقف العقيد الرفيق وقد بدأ الألم على وجهه بينما أخذ مجرى الحديث (الرفيق بابكر النور) حيث تابع ما وقف عنده (الرفيق العقيد فاروق):
    - كان السلاح من نوعيات أخرى ومن صنع أمريكا وألمانيا الغربية ومنها البازوكا والمدافع المضادة للدبابات مثل السلاح /آر - ني - اف/ كذلك الألغام ذات الانفجار القوي ومدافع المورتر وكميات كبيرة من الذخائر والأدوية.
    رفع (الرفيق الرائد هاشم العطا) يده مستأذناً بالكلام:
    - وزيادة على ذلك يا رفيق (أحمد) فقد عثرت قواتنا الأمنية على ملابس لرجال المظلات وأجهزة راديو للاتصال في المعسكرات، وهذا أخونا (خليفة كرار)( ) شاهد على ذلك، أومأ (الأخ الرائد خليفة) برأسه، وقال: نعم لقد قبضنا على قسم من المرتزقة ومنهم الألماني (جوزيف شتاينر).... والحقيقة التي استنتجتها من رفاقي السودانيين هي الآتي:
    بدأت حركة /السم القاتل/ أي /الأنانيا/ تزيد نشاطها منذ عام 1969 - 1970 في منطقة الضفة الشرقية للنيل من المديرية الاستوائية، كما بدأت تنتشر في الضفة الغربية على الحدود الأثيوبية كما أن إسرائيل لها اليد الطولى في ذلك حيث أرسلت المال والسلاح والخبراء وأخيراً الضباط، كما أن المرتزقة جاؤوا ليقاتلوا ويدربوا المتمردين، وقد نتج عن عمل هؤلاء، نسف عدد من العربات بواسطة الألغام وشن الهجمات على أطراف المدن والقرى، ونقاط البوليس ونسف الجسور الخ...
    لقد صور المتمردون لمواطني الجنوب أن القوات العربية تشترك في ضرب قراهم وحرق بيوتهم وقتل ماشيتهم - كما كانوا يصورون لهؤلاء المواطنين البسطاء أن الغرب ومجلس الكنائس العالمي ومؤتمر الكنائس الإفريقي يقفون معهم ويرعونهم - كما أن المتمردين فتحوا مكاتب لهم في لندن وروما وألمانيا الغربية والدول الإسكندنافية، كما أن أثيوبيا كانت المركز السري لتخزين السلاح الذي تم إرساله، كانت يوغندة هي المركز السياسي للمتمردين، للأسف.
    - قال (الرفيق عبد الخالق) محجوب التالي:
    للأسف أنه لا توجد أي حكومة أو منظمة أعلنت بشكل رسمي وقوفها بجانب معركة السودان من أجل وحدته يا رفيقي العزيز.
    - أجبت عن كلام (الرفيق عبد الخالق):
    أن هذه الحكومات والهيئات يتعاطفون مع المتمردين من أجل خلق دولة عنصرية دينية تقف بوجه المد الوطني الثوري - تابعت كلامي وقلت لرفاقي:
    إنه لمن المؤسف أن يقود /الأنانيا/ ضباط خدموا في الجيش السوداني الوطني مثل (جوزيف لاغو) و(ابوجون) و(تافنق).
    تابع (الرفيق عبد الخالق) كلامه:
    يحاول الامبرياليون خلق (بيافرا)( ) أخرى في جنوب السودان بهدف إسقاط النظام الثوري القائم الآن كما يأملون بتحويل الوضع إلى نزاع عربي أفريقي أي أنهم يضغطون بشكل كبير على الحكومة مما سيضطرها للاستعانة بالدول العربية الشقيقة...
    ما هي اقتراحاتكم كحزب شيوعي:
    يجيب الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني (عبد الخالق محجوب) قائلاً:
    أقرت اللجنة المركزية للحزب اقتراحات عدة وهذه الاقتراحات تستهدف التصدي للعمل الانفصالي في الجنوب وهذه الاقتراحات هي:
    1 - القيام بحملات نقاش واسعة حول تنفيذ برنامج الجنوب عن طريق /السمتيارات/ والصحافة وندوات المثقفين ويمكن أن نكون من بينهم.
    2 - الإعداد الفوري لمؤتمر الجنوب لإدانة التدخل الإمبريالي وعمليات /الأنانيا/.
    3 - القيام بمناقشات داخلية بين قيادة الحزب والديمقراطيين الثوريين.
    4 - أن تساعد منظمات المهنيين العناصر الجيدة فيها لكي تنقل إلى الجنوب.
    5 - بالإضافة إلى واجبنا لعقد مؤتمر في الجنوب ضد التدخل الاستعماري وعمليات الأنانيا علينا أن نعقد مؤتمراً مماثلاً في الشمال للتعريف بأهمية المشروع في تنفيذ الحل الديمقراطي للجنوب.
    6 - أن يعمل رفاقنا لمضاعفة اهتمام المنظمات الديمقراطية بالعمل في الجنوب وذلك بخلق مسؤوليات محددة في تلك المنظمات لهذا الغرض.
    7 - أن تقوم النقابات بدورها في تحسين شروط الخدمة ومستوى الأجور بالنسبة إلى العمال الجنوبيين ووقف تشريدهم والعمل على تثبيتهم في الخدمة ومواصلة النضال من أجل مساواتهم مع العمال الشماليين.
    8 - إيجاد الظروف الملائمة لهزيمة التمرد بالعمل ضد تصاعد المؤتمرات الاستعمارية وتحركات المرجعيين في البلدان الإفريقية، وهذا يعتمد على سياستنا الإفريقية.
    وهذا يعتمد على سياستنا الإفريقية - إننا نحتاج لتعبئة أجهزتنا الديبلوماسية وتقويتها واختيار خيرة العناصر وأقدرها على العمل في بعثاتنا هناك، كما أن على المنظمات الديمقراطية والتقدمية في البلدان الإفريقية وعلى النطاق العالمي في أوروبا وغيرها لمواجهة الدعاية الاستعمارية وتلك التي تقوم بها /الأنانيا/.
    أُطفئت الأنوار في صالون فندق /الأكسيلسيور/ وهنا علمنا أن الوقت أصبح متأخراً جداً وعلينا الرحيل.
    أنا إلى فندق /الخليل/ والذي يقع في السوق العربي وبقية الرفاق إلى عملهم، وأطل الصبح على الخرطوم عاصمة السودان الحبيب ونحن نغادر فندق /الأكسيلسيور/.


  15. #35
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب الثامن

    الفصل الأول
    العودة إلى ما قبل انعقاد
    مؤتمر المائدة المستديرة

    نتيجة إحكام قبضة الجيش السوداني على زمام الأمور المتدهورة والتي كان يغذيها الغرب، أدى هذا الاتجاه إلى هروب عدد من الجنوبيين المتمردين ومن يساندهم إلى خارج السودان وخاصة إلى يوغندة وكينيا وأثيوبيا وأفريقيا الوسطى، ثم حدثت هجرة جماعية عام 1960 إلى يوغندة والكونغو، وكان من بين المهاجرين شخصيات سياسية من أعضاء البرلمان، ولقد أنشأ هؤلاء المهاجرون المغرّر بهم عدة تنظيمات، منها:1
    - رابطة المسيحيين السودانيين.
    2 - الاتحاد السوداني الأفريقي الوطني لجنوب السودان.
    واستمرت المعارضة «ممثلة في هذين التنظيمين» في عملها المناوئ لنظام الفريق عبود حتى عام 1963، كذلك استمرت كنائس الغرب في تقديم دعمها لها من مال وسلاح.
    وفي عام 1963، تقدَّم حزب الاتحاد السوداني الأفريقي بخطاب إلى الأمم المتحدة يعلن فيه سياسته ألا وهي المطالبة باستقلال الجنوب السوداني، ومما جاء في هذا الخطاب الآتي:
    «إنَّ الحزب لم يتقدم بذلك إلاَّ لفشله في إقرار النظام الفيدرالي من جانب الشمال؟»

    ولقد تركزت رئاسة الحزب في الكونغو (ليوبولدفيل) ولكنَّ نشاطه اقتصر على إرسال الرسائل إلى هيئة الأمم المتحدة وإلى منظمة الوحدة الأفريقية، ومن ثم إرسالها إلى الصحف والمنظمات المسيحية والغربية، وكان قد اقترح الحزب في رسالة وجهها إلى منظمة الوحدة الأفريقية أن تتولى هيئة دولية أو شبه دولية معالجة قضية الجنوب أسوة بقضايا أنغولا وموزامبيق وجنوب أفريقيا، وكذلك أرسل الحزب مذكرة إلى لجنة تحرير أفريقيا وطلب فيها أن تسعى اللجنة إلى تكوين هيئة محايدة لتقصي الحقائق، وأصرَّ حزب /سانو/ على إعطاء الجنوب الحق في تقرير المصير، بدأ الشغب ينتشر في الجنوب ورغم ذلك فإنَّ هذه الحوادث لم تكن من أولئك الذين هربوا إلى الغابات بعد تمرد عام 1955، على كلٍّ استمرت الحوادث هنا وهناك إلى أن ظهرت منظمة الأنانيا في عام 1962.
    نفذ صبرنا... استخدام القوة سيؤدي إلى الوصول... إلى دولة جنوبية
    - إننا عقدنا العزم أن نشرع في العمل فوراً.
    - أما وقد نفذ صبرنا واقتنعنا بأنَّ استخدام العنف والقوة سيؤدي إلى الوصول إلى قرار حاسم في الأمر...
    - هذا هو هدف تنظيم الأنانيا الانفصالي، والذي اعتمدوه شعاراً لهم، ولقد شرعت الأنانيا في شن حرب العصابات، ولقد ازداد نشاطها كثيراً وفي مقابل هذا الازدياد ازدادت أيضاً قوة الجيش في مواجهة التمرد، ولقد كان ضحية هذا الازدياد المتوازن السكان المدنيون، حيث حرقت القرى وسقط الأبرياء والشهداء من الجيش والوطنيين ولقد ترتبت على هذا الدمار هجرة الكثيرين إلى يوغندة المجاورة، وقدّر عدد اللاجئين في عام /1964/ بحوالي خمسين ألف نسمة!
    وبعد حوالى ثماني سنوات على نيل الإستقلال، كانت قد ازدادت الأحوال سوءاً في الجنوب، وازداد معه قلق الرأي العام في الإقليم الشمالي على وضع الجنوب، ولقد تبلور هذا القلق في مبادرة المجلس المركزي الذي أُنشئ في عهد الفريق عبود في طرح حوار حقيقي وجاء حول مشكلة الجنوب، وخاصة بعد ورود تقارير تقول: «إنَّ كثيراً من أبناء الشمال والجنوب قد قتلوا»، مما أثار القلق العام لدى كافة المواطنين السودانيين.
    وفي الوقت ذاته تم تكوين تنظيم جديد في الخرطوم انضم إليه الجنوبيون المتعلمون ولقد اعترف هذا التنظيم بأنَّ جبهة الجنوب ممثلة لرأي الجنوب، ولقد وجهت لها الدعوة لتمثل في الحكومة ولكن الواقع... أنَّ جبهة الجنوب هي /حزب سانو/ داخل السودان فجبهة الجنوب ومنذ إنشائها كانت على صلة وثيقة وقوية بحزب /سانو/ الذي كانت رئاسته في مدينة كمبالا بـ /يوغندة/.
    بعد القتل والتدمير وأنهار الدماء التي سالت كان لابد من دعوة للسلام وجاءت المحاولة الأولى للوصول إلى السلام.


  16. #36
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    المحاولة الأولى للوصول إلى السلام

    في أعقاب تمرد جنود الحامية الإستوائية في شهر آب من عام /1955/ ساد وضع من عدم الاستقرار والأمن في جنوب السودان، عند هذا الوضع بدأت المواجهة بين الشمال والجنوب، فقد رفض السياسيون الوطنيون في عام /1956 - 1958/ مطالب السياسيين الجنوبيين المتمثَّلة في منح الجنوب حكماً فيدرالياً، هذا الرفض فسّره كثير من الساسة الجنوبيين بأنَّه يشكل عذراً واضحاً من قبل أشقائهم سياسيي الشمال، وفي هذا الشأن قال أحدهم: «لقد ساندنا استقلال السودان حتى نأخذ حكماً فيدرالياً لم ندعمه كي يغدر بنا»؟ وهنا حصل الانفجار المتوقع، حيث نشبت الحرب الأهلية، وأخذ يتذمر بعض الساسة الجنوبيين من انتشار الإسلام واللغة العربية اللذين هما دين البلاد ولغتها واتهم في هذا نظام الفريق (إبراهيم عبود) الذي حكم من عام 1958 إلى عام 1964، والحقيقة غير ذلك...
    لن نمنح رحمتنا لأحد؟
    رفع المتمردون شعارات جديدة لهم بعد أن تدفق السلاح والمال من الغرب وإسرائيل.
    «لقد بلغ الصبر مداه، وفي يقيننا أنَّنا لن نصل إلى شيء إلاَّ باستخدام القوة، وسنقوم من الآن وصاعداً بتحرير أنفسنا؟ وإنَّنا لن نطلب الرحمة من أحد، ولن نمنح رحمتنا لأحد».
    هكذا ابتدأ القتال من جديد، وبدأت أنهار الدم تتدفق وتزكم الأنوف؟! وتزعمت قبيلة (الدينكا) قيادة معظم حركات التمرد ذات الاتجاه الانفصالي، ويمكننا أن نستعرض بعض الشخصيات الدينكاوية التي أجادت لعب أدوارها المرسومة لها وبدقة متناهية، كي نصل إلى أن التمرد والدعوة للانفصال رسمت بدقة متناهية من قبل الغرب الصهيوني.


  17. #37
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    الحركات المتمردة كافة مدعومة صهيونياً
    1 - /بيرنا ندينوماو/:
    أحد زعماء (الدينكا) في مديرية /بحر الغزال/ وهو من الذين تخرجوا في الفرقة الإستوائية والذي أعاد تشكيل هذه الفرقة عام 1964، ولقد قامت هذه الفرقة بتقتيل العديد من الجنود والمواطنين السودانيين الشماليين، وسدت الطرق في محاولة منها للاستيلاء على مدينة «واو» الواقعة في بحر الغزال، إلاَّ أنَّ الفشل كان حليفها نتيجة المقاومة الباسلة التي أبداها الجيش السوداني الوطني، ولقد تم القبض على المتمرد (بيرنا)، وصدر ضده حكم الإعدام الذي نفذته الحكومة السودانية به لاحقاً.
    ولقد كانت هذه الحركة المسلحة النواة الأولى للتمرد والحرب في مواجهة الشمال، ولقد أضحت قيادات قبيلة (الدينكا) وبفضل الدعم الغربي قوة كبيرة عملت على تجميع معظم القبائل حولها.
    2 - فيليب وول:
    أحد القادة العسكريين الدينكاويين، ولقد رافق المتمرد (بيرناندنيوماو) في حركة عام 1964، ولقد قُبِض عليه من قبل الحكومة السودانية والتي حاكمته وأصدرت بحقه حكم الإعدام الذي نفذته فيما بعد وبناءً على هذا بدأ توجه جديد للحركات العسكرية، وذلك عبر قيادات قبيلة (الدينكا) العسكرية التي صعَّدت الموقف في ساحات القتال بغية الوصول إلى ما تصبو إليه.
    بدأت مشكلة الجنوب تكبر، وبدأ العمل العسكري يتصاعد وقد رأى بعض السودانيين من سياسيين وعسكريين ضرورة التوصل إلى حل لها، وهذا الحل بدوره لن يأتي إلاَّ بالعمل العسكري ضد التمرد؟! قاتلت قيادات (الدينكا) في أنحاء جنوب السودان معتمدة على قبيلتها وعلى المساعدات الأجنبية، وفي عام 1966 ركزت قتالها في «بحر الغزال» فهاجمت الحركة قرية «جدر» وقتلت /90/ جندياً بعد قتال مستميت معهم ثم قتلت سبعة من العاملين في إدارة الأشغال، كذلك قتلت سبعة من رجال البوليس، وأربعة من المدنيين العزّل.
    وفي 14 - كانون الثاني من العام نفسه، وعلى مقربة من مدينة /واو/ قام متمردو الحركة بقتل عدد من جنود الجيش السوداني، كذلك قامت عصابات الأنانيا بمحاصرة مدينة «واو»، واشتبكت مع قوات الجيش التي استطاعت أن تفك الحصار، كما دمرت محكمة تابعة للمتمردين، وقد أصبح من الواضح بعد صدِّ الجيش السوداني لقوات المتمردين أنَّ القيادات الجنوبية قد دخلت في أزمة، فبدأت بضرب المدنيين العزل الذين اتهمتهم بأنهم يتعاونون مع قوات الجيش والوطنيين، ونتيجة لأعمال المتمردين العسكرية تأثرت المدن الواقعة في /أعالي النيل/، وقد تمكنت قوات المتمردين من اغتيال الزعيم (وليم ونج) في أطراف مدينة «واو» ومعه «6» من معاونيه في كمين نصب لهم في الطريق ما بين «واو» و«الرميك» وذلك في شهر أيار - مايو - 1968.
    ونتيجة لهذه العمليات العسكرية في الجنوب، غابَ عنه الاستقرار، ولقد انعكس عدم الاستقرار هذا على كافة الحكومات منذ عام 1965 حتى 2005م. ولقد سعت دول الجوار للإسهام في التوصل إلى حل سلمي لهذه النزاعات ومع تزايد الدور السلبي والمؤامراتي لكل من الغرب وإثيوبيا وإسرائيل ويوغندة ودون أدنى شك فلقد كانت عمليات حركة «الأنانيا واحد» موجعة بالنسبة للسودان ككل وللشمال خاصة، فقد استشهد الكثير من أبنائه من أجل الحفاظ على وحدة الشعب وأرضه.


  18. #38
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    انقلاب جعفر النميري

    في 25 أيار - مايو - 1969 قام (اللواء جعفر النميري) بانقلابه المعروف، وفي بيانه الذي أعده وألقاه تبين منه أنه اعتراف من النظام العسكري( ) الجديد بالنجاح العسكري القتالي للجنوبيين.
    وترجمةً لتوجهات نظام (النميري) أعدت طاولة للمفاوضات بين الحكومة السودانية والمتمردين الجنوبيين، وتم اختيار الأشخاص التالية أسماؤهم من الحكومة السودانية والمتمردين ليديروا هذه المفاوضات وهم:
    1 - الوزير: جوزيف كرانغ.
    2 - السفير: عابدين اسماعيل.
    عن الحكومة السودانية أما عن المتمردين فهم الآتي:
    1 - العقيد (جوزيف لاغو) القائد العسكري والسياسي لحركة الأنانيا.
    2 - (مادينج دي كرانغ) القائد العسكري /لحركة تحرير الجنوب/.
    ولقد أجريت اللقاءات ضمن السودان وخارجه، وبنتيجتها طلبت حركة الأنانيا الدخول في المفاوضات مع الحكومة السودانية بشرط أن تلتزم الحكومة بالآتي:
    أ - وقف الأعمال العدائية حسب ما نسميها مع وقف إنشاء نقاط عسكرية جديدة.
    ب - تعيين فريق مراقبين من منظمة الوحدة الأفريقية.
    ت - ضرورة اعتراف حكومة السودان بحركة الأنانيا كممثل وحيد للجنوب في المحادثات.
    ث - تكون المحادثات خارج السودان وتحت إشراف منظمة الوحدة الأفريقية.
    جـ - ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم (كلمنت إمبورو) وبعد أن قدم وفد الأنانيا شروطه هذه، قال أحد أعضاء الوفد وهو (مادينج دي قرنق): «إنَّ الأنانيا على استعداد لوقف إطلاق النار». ومن الواضح أنَّ قوة المتمردين كانت هي القوة السائدة حينذاك، وهذا ما دفع بالسودان لوضع كافة موارده في خدمة العمل العسكري وهذا ما ساهم في استنزاف طاقاته، ولقد جلس الطرفان السودانيان إلى طاولة المفاوضات في المكان الذي اختير وهو أديس أبابا عاصمة أثيوبيا ولقد توصلا إلى اتفاق سمي بـ اتفاق أديس أبابا عام 1972 وبعد الاتفاق تم استيعاب ضباط وجنود حركة «الأنانيا واحد» في الجيش السوداني الوطني، كما عمل سياسو الحركة في النشاط السياسي العام للسودان، إلاَّ أن قسماً من الضباط والجنود والسياسيين رفضوا اتفاق أديس أبابا وذهبوا إلى أثيوبيا وعاشوا على الحدود الأثيوبية - السودانية في انتظار مرور الوقت ليعيدوا نشاطهم الانفصالي وهكذا حصل؟!! أما لماذا تم توقيع اتفاقية أديس أبابا وما هو المراد من وراء توقيعها فسوف نتناوله بعد أن نعرف محتوى هذه الاتفاقية.
    فكيف تمت اتفاقية «أديس أبابا»؟


  19. #39
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الخامس
    اتفاقية أديس أبابا ودور اتحاد مبشري الكنائس
    في مشاكل الجنوب

    بعد ثورة الحزب الشيوعي السوداني، التي لم يكتب لها النجاح بسبب تآمر بعض الدول العربية والتي أخذت أوامرها من الولايات المتحدة، بعدها تسلّم (أبل الير) منصب وزير لشؤون الجنوب، وكان أول عمل يقوم به لدى تسلمه مهام منصبه الجديد هو الحصول على موافقة الحكومة للبدء في مفاوضة القادة السياسيين الجنوبيين الانفصاليين، وحيث كانت قد بذلت محاولات سابقة في هذا الشأن وعبر الكثير من رؤساء وزعماء السودان، وكذلك كانت تتم الاتصالات مع القادة الجنوبيين المتمردين القاطنين خارج السودان وذلك عن طريق مجلس الكنائس العالمي والمؤتمر الأفريقي العام للبعثات التبشيرية.
    فقد قامت البعثة التبشيرية بزيارة إلى السودان في شهر آيار - مايو - من عام 1971، واجتمعت بأعضاء الحكومة السودانية الذين أبدوا استعدادهم لإقرار السلام في الجنوب السوداني، ولقد اقتنعت البعثة التبشيرية بجدية الحكومة السودانية، فقامت بالاتصال مع القادة والزعماء الجنوبيين في كل من أفريقيا وأوروبا، كذلك حررت خطاباً إلى «ممثلي الجنوبيين في أوروبا»، ونقدِّم هنا أهم فقرات هذا الخطاب:
    - يسرنا أن نعلن أنَّه بعد إجراء عدة محادثات معكم بصفتكم الممثلين المفوضين «للأنانيا» في أوروبا، وإفادتكم لنا بأوضاع حركتكم الحاضرة، وبعد زيارة وفد مجلس الكنائس العالمي، ووفد مؤتمر عام أفريقيا لبعثات التبشير لمختلف كنائس الخرطوم، وإعلامنا بوجهة نظر حكومة السودان في سبيل إقرار السلام والعفو، أننا أصبحنا في موقف يسمح لنا بأن نساعد في تيسير رحلتكم إلى أفريقيا.
    - إننا نقوم بذلك مدفوعون برغبتنا المختلفة في إقرار السلام...
    - لقد تم إعلامكم بصورة واضحة بشأن رحلتنا إلى الخرطوم، حيث طُلِب منا الدخول في مفاوضات معكم...
    ومن أجل ذلك نتطلع إلى إفادتنا بتقرير عن زيارتكم لدى عودتكم إلى السودان، ونأمل أن يتضمن ما يلي:
    أ - رد فعل قيادتكم بالنسبة للمواقف المعلنة من جانب حكومة الخرطوم.
    ب - إفادتنا بقائمة تتضمن أسماء الجنوبيين المرشحين من جانب قيادة «الأنانيا» للاشتراك في المفاوضات.
    ت - إرسال خطابات ثقة توضح لنا من يوافق على ترشيح (جوزيف لاغو) ويفوضه للتعامل مع مجلس الكنائس العالمي ومؤتمر عموم كنائس أفريقيا، وذلك نيابةً عن «الأنانيا»، واسمحوا لنا أن نكرر أنَّ مجلس الكنائس العالمي قد عرض خدماته عليكم وعلى حكومة الخرطوم، باعتباره تنظيماً إنسانياً عالمياً وليست لديه أي مطامع أو أغراض سياسية.
    «وليست لديه أي مطامع أو أغراض سياسية»؟؟!!
    وهنا نطرح التساؤل التالي والذي قد يبدو للبعض تساؤلاً سطحياً:
    «من الذي أشعل نار الفتنة، ويعمل في سبيل انفصال الجنوب؟»
    يتابع المجلس الكنائسي خطابه قائلاً: «إنَّ دافعنا الرئيسي لذلك هو أن نخدم أهالي السودان على أفضل وجه في الشمال أو في الجنوب على حد سواء، مدركين أنَّ إقرار سلام دائم أمر ضروري لابد منه، نرجو إبلاغ تحياتنا «للملازم لاغو» و«للقادة الآخرين في الجنوب».
    لا نعلم إن كانت قد جاءت عبارة (الملازم لاغو) عمداً وخاصة بعد أن رفع (لاغو) نفسه إلى رتبة لواء؟ أو أنها جاءت مسايرةً لحكومة الخرطوم؟
    شهر آب - أغسطس من عام 1970:
    في هذا الشهر أعلن كل من (مادنق دي قرنق) و(لورنس وول) بعد زيارتهما لعدد من الدول الأفريقية أنَّ قيادة الجنوبيين قد أضحت مستعدة للدخول في المفاوضات وصولاً إلى حل سلمي للنزاع في إطار السودان الموحد، إلاَّ أنَّ هناك أمراً أكثر أهمية مما سبق وذكرناه ألاَّ وهو المفاوضات التي جرت في «لندن» والتي أعدت وعملت لها «حركة تحرير أفريقيا»، ولقد شارك فيها المؤتمر الوطني السنوي للمندوبين الذي انعقد في يومي 14 و 15 آذار - مارس - 1970، ودُعي إلى المؤتمر كل من (مادنيق ديقرانق) و(جاكوب أكول) المنتميين في الأصل إلى اتحاد جنوب السودان في لندن، ومكتب نشر الحزام الأخضر، فضلاً عن مشاركة مندوب عن سفارة السودان في لندن وهو (علي أبوسن) قدم مشروع القرار هذا ولكنه رفض لأنه لم يتطابق مع وجهة بعض الكنائس، وعليه قرر المؤتمر أن على اتحاد مبشري الكنائس محاولة استخدام مواقفه الطيبة لإحداث نوع من المصالحة بين اللاجئين وحكومة السودان.
    «لا أعلم متى كانت لاتحاد مبشري الكنائس مواقف طيبة تجاه الشعوب العربية والإسلاميين؟؟!! ومن أشعل نار الفتنة في جنوب السودان غيرهما؟؟» أما (بربارا حاج) فقد عالجت القضية باعتبارها سكرتيرة حركة تحرير المستعمرات مع سفير السودان في لندن، وكذلك مع وزير الدولة لشؤون الجنوب.
    كانت نتيجة المفاوضات تنظيم زيارة لمجموعة من النقابيين البريطانيين وأعضاء البرلمان الإنكليزي، باعتبار ذلك من وسائل إعلام الرأي العام البريطاني، بعد ذلك نظمت (بربارا حاج) عقد اجتماع بين السفير (أبو السن)، والمتمرد (مادنيق ديقرانق) وبعد الاجتماع صرّحا بأنَّ هناك أساساً صالحاً لإجراء مفاوضات أولية تقوم على أساس الاقتراحات المقدمة من (مادنيق ديقرانق) نيابة عن حركة «الأنانيا».
    أخبرت سلطات الخرطوم بذلك، ثم كتبت (بربارا حاج) إلى (جوزيف كرنغ) في 10/8/1970 قائلة لـه: «عقدت كثيراً من جلسات المناقشة مع (مادنيق ديقرانق) محرر جريدة الحزام الأخضر، فضلاً عن (لورنس وول) الذي يوجد الآن في باريس، ولقد تبين لنا أنه يتوفر احترام كامل لحكومة السودان الحاضرة، وأنَّ كثيراً من إجراءاتهم المقترحة أخذت بعين الاعتبار، وأنَّه متى تأمّن تطبيق البيان الذي أعلنه الحكم الذاتي الإقليمي، تهيأت الفرص لقبوله من جانب «الأنانيا».
    لقد أخبرت أنَّ كل الحكومات في المنفى قد حلت، وأنَّ القيادة السياسية أضحت متمثلة في جماعة «الأنانيا» بزعامة (لاغو)، وذهب كل من (مادينق) و(لورنس) إلى أن عودة بعض القادة السياسيين إلى السودان لن يساعد على الحل في المدى البعيد، ذلك لأنَّ الحل السياسي هو الذي سيؤدي إلى إنهاء الصراع، ويهيىء السبيل إلى تحقيق تطور أصيل في جنوب السودان، وقد طلبا مني أن أعرض المقترحات التالية:
    1 - أن يصدر تصريح خاص من حكومتكم يحدد بتفصيل أكثر، أوجه وجوانب الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب، كما يجب في الوقت نفسه، وضع جدول زمني لتحقيق المقترحات وتطبيقها عملياً، بشرط الالتزام بوقف إطلاق النار.
    2 - يجب أن تقدم هذه المقترحات سراً عن طريقي باعتباري سكرتيراً لحركة تحرير المستعمرات لأقدمها لكل من (لورانس) و(مادينق) اللذين سيقومان بدورهما بزيارة شرق أفريقيا للتفاوض مع قادة «الأنانيا»، وإن كان هناك ما يستوجب إيضاح أي مسألة، يلجأ إلى حكومتكم لتقديم الإيضاح المطلوب.
    3 - وعندما يتم الوصول إلى اتفاق بشأن الخطوط العريضة لحل المشكلة، يجب دعوة كل من «تنزانيا ويوغندة وزامبيا» كضيوف مراقبين للاجتماع بين حكومتكم وقادة الأنانيا لإجراء محادثات حول وقف إطلاق النار، والاتفاق على خط الحكم الذاتي الإقليمي.
    ومن الضروري أن تكون الخطوتان الأولى والثانية سريتين للغاية، ولا يعلن عنهما إطلاقاً، ويتم تنفيذهما بواسطتي شخصياً.
    لقد أوضح لي (مادينق) بجلاء أنهم يعلمون تماماً دوافع مؤيديهم، وأنه بسبب التاريخ الناصع لحركتنا استشعروا أنَّ بوسعهم العمل عن طريقنا.
    وقد لا تجد الاقتراحات المذكورة قبولاً من جانب جميع قادة الأنانيا، ولكن إن قُدِم عرض واضح للحكم الذاتي الإقليمي من جانبكم، فإنَّ الظروف تتهيأ لأكبر عدد من القادة لقبول العرض، ومن ثم يمكن أن يُقصى من يصر على استمرار القتال، ولربما يمكِّن ذلك عدداً من السياسيين السابقين الذين ما زالوا في المنفى، من العودة إلى البلاد للمساعدة في بناء الجنوب على نحو لم يحققه عرض العفو الحالي، تمت مناقشة هذه الاقتراحات مرة أخرى في لندن بين الجنوبيين، وتم الاتفاق على قدوم الجنوبيين بمحض إرادتهم إلى لندن للاجتماع مع (مادنيق) وغيره من مؤيدي «الأنانيا» والاتصال بدورهم بالقادة الآخرين وكذلك (بجوزيف لاغو)، عقد الاجتماع في منزل (بربارا حاج)، ولقد كان الأجنبي الوحيد الذي حضر هذا الاجتماع هو رئيس اتحاد جنوب السودان (د. ماكدوموت)، وقد شعر المجتمعون أنَّ مساهمته في المناقشات غير مفيد، أما الجنوبيون الذين اقترحهم (مادنيق) للاشتراك في المناقشات هم: (فرانكو قرانق) - وَ - (صمويل أرو) - وَ - (سلتو حسن) - وَ - (هيلري لوقالي) - وَ - (ناتالي أمواك) - وَ - (كانون عموسا) - ولقد اقترح في هذا الاجتماع كل من يوغندة ولندن لتكونا محلاً للمحادثات، على أن يحضر الاجتماع زعماء «الأنانيا».
    وفي نهاية شهر تشرين الأول - أكتوبر - عام 1970 وبعد مناقشات طويلة قدمت لقادة «الأنانيا»، قبلوا المبادئ التي وضعت كأساس للمفاوضات.
    سودان موحد:
    قبل قائد «الأنانيا» المتمرد (جوزيف لاغو) المبادئ الأساسية وهي:
    1 - سودان موحد - 2 - حكم ذاتي إقليمي للجنوب، 3 - ضرورة تحقيق حل سلمي بدلاً من استمرار القتال.
    في شهر كانون الثاني - يناير - من عام 1971 قدم (مادنيق ديقرانق) ممثلاً عن قيادة «الأنانيا» حاملاً شروطاً لبدء المفاوضات تمثلت بما يلي:
    1 - وقف جميع الاعتداءات سواء عن طريق إقامة مراكز جديدة أو تشييد جسور أو كباري أو أي إعدادات عسكرية.
    2 - الاتفاق على تعيين فريق مراقبة أفريقي تابع لمنظمة الوحدة الإفريقية، يكون أعضاؤه من الأقطار الإفريقية ومقره جوبا، على أن تكون لديه حرية الحركة إلى أرجاء الجنوب مثل /ملكال/ و/واو/ من أجل مراقبة الهدنة.
    3 - إطلاق سراح (كليمنت أمبورو) وجميع الجنوبيين المهتمين بارتكاب جرائم سياسية.
    4 - الاعتراف بالأنانيا من جانب الحكومة باعتبار الأنانيا الهيئة الوحيدة الواجب التفاوض معها وإعلان ذلك على الكافة من إذاعة أم درمان.
    5 - أن تجري المفاوضات برئاسة أحد الرؤساء الأفارقة أو شخص منتدب من منظمة الوحدة الإفريقية.
    6 - إجراء المفاوضات في خارج السودان.
    نُظر إلى هذه المفاوضات باعتبارها مجافية تماماً لما تم الاتفاق عليه.
    هذا هو الوضع الذي وصلت إليه المفاوضات بين الجانبين وفي هذا الجو اتصل الأب (بيرقس كار)( ) بسفير السودان في أثيوبيا عارضاً عليه خدمات منظمته للمساهمة في حل المشكلة.
    بقي الوضع على حاله إلى أن جاء (أبل ألير) يرافقه بعض الجنوبيين وقدموا عدة مقترحات من جهات عدة بشأن تنفيذ الحكم الذاتي وكانت هذه المقترحات قدمت لمختلف الجماعات والتنظيمات الجنوبية في الخارج ومنها تنظيم الأنانيا.
    رغم ذلك بقي الوضع على حاله إلى أن جاء شهر آب من عام 1971 وفيه عين (أبل ألير) بمنصب وزاري فتحرك الوضع وأثمر عن وضع إيجابي وتمت إعادة الاتصالات وعلى مستوى أرفع، بين الجنوبيين في الداخل والخارج، أصدر وزير شؤون الجنوب أمراً بتكوين لجنة من (صموئيل آرو) - (ناتالي ألوك) - (صموئيل لوبي) - (موسى شول) - (هيلري لوقالي) - (اندرو ويي) - (سيلقو حسن).
    بوك ديو:
    كانت مهمة هذه اللجنة دراسة الوضع ووضع تصورهم للهيكل الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية والكيان القانوني للحكم الذاتي الإقليمي هكذا تم وهكذا صار وعلى أساس هذه المناقشات اتخذ مشروع القرار للحكم الذاتي في الجنوب وقد اتفق عليه أيضاً وقد وزع القرار على الجنوبيين داخل السودان وخارجه وضعت العراقيل أمام المشروع إلا أن الحل جاء بعد عدة جلسات سرية لم يعلن عنها فقد غادر الخرطوم - كل من (أبل ألير - الباقر أحمد)( ) إلى أديس أبابا من أجل مقابلة ممثلين للسياسيين الذين يعيشون بالخارج، سلم مشروع قانون الحكم الذاتي الإقليمي للجنوبيين وتم التوصل أيضاً معهم إلى لقاء آخر لإجراء المزيد من المفاوضات.
    في هذا الجو الإيجابي، عملت البعثات التبشيرية على تغيير وجهة نظر الجنوبيين من إيجابية إلى عدائية، فما كان من حركة الأنانيا وبعض السياسيين الجنوبيين إلا أن رفضوا عقد أي اجتماع مع الحكومة السودانية؟ إلا أن المساعي الحميدة كانت جارية على قدم وساق بين الطرفين في هذا الوضع الإيجابي وطُلب إلى الجنوبيين العودة إلى البلاد للمساهمة في بناء السلام وعاد الكثير منهم وقد قدر عدد العائدين من الدول المجاورة بـ /49500/ شخص عدا عودة /8000/ شخص من الغابات إلى المناطق المأهولة بالسكان.


  20. #40
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل السادس
    المؤتمر التداولي


    بعد تقديم الإعانات للاجئين، عقد مؤتمر تداولي في الخرطوم لمتابعة تقديم الإعانات، وقد تم انعقاد المؤتمر ما بين 21 - 23 شباط /فبراير/ من عام 1971 في نفس الوقت أعدت الإجراءات لانعقاد مؤتمر تداولي بين ممثلي الحكومة والمتمردين /حركة تحرير السودان/ في أديس أبابا.
    عقد المؤتمر وحضر عن الحكومة السودانية نائب رئيس الجمهورية (أيل الير) ووزير شؤون الجنوب كذلك وزير الخارجية الدكتور (منصور خالد) والدكتور (جعفر محمد علي نجيت) وزير الحكومات المحلية واللواء (محمد الباقر الأحمد) وزير الداخلية و(عبد الرحمن عبدالله) وزير الخدمة العامة والإصلاح الإداري والقائم مقام (ميرغني سليمان) والمقدم (كمال بشير).
    وقد حضر عن المتمردين /حركة تحرير جنوب السودان/ كل من: (أزيوني منديري) (والدكتور لورانس وول وول) و(مادنيق ديقرانق) والملازم (فريدريك بريان ماقوت) و(اليفرتيالي البينو) و(انجلوفوفا مورجان) والأب (بول بوت) و(جوب أدييردي جوك).
    أما المراقبون الذين حضروا فكانوا كثيرين ومنهم (نابيلون كيغلي) ممثلاً للأمبراطور (هيلا سيلاسي) و(ليوبولدو جـ . نبلوس) و(كدوا. أ. انكرا) عن مجلس الكنائس العالمي و(بيرقس كار) عن مؤتمر كنائس عموم أفريقيا، و(صموئيل آتي يوقو) عن مجلس كنائس السودان، وقد تم الاتفاق ما بين الكل أن يتولى رئاسة الاجتماعات (بيرقس كار) وبعد نقاشات طويلة وفي 27/2/1972 أقر الوفدان ووقعا على اتفاقية أديس أبابا التي أصبحت العمود الفقري للعلاقة ما بين الشمال والجنوب؟
    ومن أبرز ما جاء في هذه الاتفاقية الآتي:

    1 - إنه بموجب هذه الاتفاقية والقانون تكون مديريات بحر الغزال الاستوائية وأعالي النيل وحدة للحكم الذاتي للإقليم الجنوبي في إطار جمهورية السودان الديمقراطية.
    2 - أن السلطة تعين المجلس التنفيذي العالي في الجنوب، وتعيين رئيس المجلس مهما كان محل خلاف فيما مضى، قد حسم النزاع بشأنه، بحيث كفلته مساهمة كل من مجلس الشعب الإقليمي والحكومة القومية، ممثلة في رئيس الجمهورية.
    أما رئيس المجلس التنفيذي العالي فقد كان عليه أن يمثل رئيس الجمهورية ويعمل باسمه.
    3 - لم ينص على أن لا تكون لأبناء الجنوب جنسية مستقلة أو منفصلة، فلكل من أبناء الشمال والجنوب جنسية واحدة هي الجنسية السودانية وحقوق كل مواطن مكفولة وتحظى بالحماية القضائية..
    4 - موضوع الضرائب الذي كان فيما مضى محل خلاف قد تم حله على نحو يؤكد سيطرة الحكومة المركزية...
    5 - إن الإطار الثقافي للعلاقات بين الشمال والجنوب وطّد الاتفاق عن طريق القرار الذي اتخذ بقبول اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للسودان، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قبلت الإنجليزية وهي لغة أجنبية بالنسبة لكل من الشمال والجنوب، لغة رئيسية دون إضرار أو إجحاف باللغات الأخرى.
    وكفل للأقليات حرية استخدام لهجاتها ولغاتها وتطوير ثقافاتها.
    عند هذه البنود زالت مخاوف الكنائس وجماعات التبشير وذلك عندما منح هؤلاء الآباء الحق في تعليم أبنائهم أي شيء يختارونه.
    بعد ذلك أصدر رئيس الجمهورية (جعفر النميري) أمراً بتعيين رئيس المجلس التنفيذي العالي وأحد عشر مفوضاً برئاسة (أبل الير) وعضوية كل من:
    هيليري لوتالي - مالية ونقل.
    لويي أدول - تعليم.
    مادنيق ديقرانق - إعلام وثقافة وسياسة.
    أزيوني منديري - نقل وطريق ومواصلات.
    جمعة حسن - زراعة وإنتاج حيواني.
    توبي مادوست - صحة عامة.
    اليالوب - إدارة إقليمية.
    جوزيف أودهو - اسكان وخدمات عامة.
    مايكل طويل - ثروة وطنية وتنمية ريفية.
    صموئيل ارو - خدمات عامة وعمل.
    هذه التشكيلة للحكومة الإقليمية المؤقتة التي ضمت ممثلين لمختلف الجماعات والتيارات السياسية وكان أداؤها مقبولاً داخل السودان وخارجه، وسبب هذا الأداء كان لصالح العاملين في جبهة الجنوب وأعضاء الأنانيا السابقين، إلا أن هذا التشكيل لم يرق لبعض الجنوبيين الذين كانوا مقيمين في الجنوب لأنهم شعروا أن اللاجئين العائدين قد حصلوا على أكثر المناصب العليا في الجنوب، كذلك رجحت كفة قبيلة (الدينكا) والاستوائيين أيضاً.
    توطين اللاجئين:

    شكلت لجنة خاصة للإعانة وإعادة التوطين للعائدين بعد أن أخذت الحكومة الإقليمية على عاتقها المسؤولية وبمشاركة الحكومة المركزية، وبالنظر إلى الأعداد الكبيرة للعائدين وقلة المصادر المادية الداخلية والخارجية فقد ثبت تماماً أن عودة اللاجئين كانت من أصعب المسائل التي نصت عليها اتفاقية أديس أبابا إذ كان من واجب الحكومة إعادة توطين /190000/ لاجئ من يوغندة وزائير وجمهورية أفريقيا الوسطى وأثيوبيا فضلاً عن /500.000/ ألف لاجىء لم يكن لهم مكان واضح ونتيجة لهذه الأوضاع صدر قرار جمهوري بتخصيص ميزانية خاصة للجنوب، كما صدر أيضاً قرار بتشكيل لجنة إعادة وإغاثة اللاجئين برئاسة (كليمنت امبورو) كما أمر بوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الأنانيا من الجيش الوطني السوداني. فالاتفاقية قدرت أن تكون نسبة تمثيل الجنوبيين في الجيش بشكل متناسب مع عدد السكان في الجنوب، وبرزت عدة صعوبات في ذلك الأمر منها استيعاب /6000/ آلاف فرد من قوات الأنانيا، إلا أن هذا الموضوع الشائك قد حل، فقد تم استيعاب قوات الأنانيا في معسكرات كانت معدة سلفاً، وكان المسار الذي اتفق عليه هو تمتعه باللياقة الصحية وأن تكون لديه المهمة على العمل في الجندية، وقد تم استيعاب وتوزيع الأنانيا البالغ عددهم /6000/ آلاف الجيش السوداني وثلاث مديريات جنوبية بحيث كان نصيب كل مديرية /2000/ مقاتل لكن لأن العدد كبير يبلغ /15.832/ بما فيهم الـ /6000/ آلاف فقد تم استيعابهم على الشكل التالي:
    أ - 6079 مقاتلاً تم استيعابهم في الجيش الوطني.
    ب - 1860 في سلك البوليس والسجون.
    ت - 5489 في المصالح الحكومية.
    كذلك أوصي باستيعاب الباقي وعددهم /2414/ فرداً في مصالح أخرى وبعد الانتهاء من عملية التوزيع، التي قامت بها اللجنة العسكرية الخاصة والتي تكونت بموجب قرار جمهوري، منح رئيس الجمهورية معاشاً خاصاً لأحد عشر ضابطاً كانوا قد خدموا في القوات المسلحة الجنوبية قبل عام /1955/ ومن بينهم (تافنق) و(علي بكارا).
    أما (جوزيف لاغو) فقد عين قائداً عاماً للقوات المسلحة في الجنوب وهكذا سارت الأمور على نحو ما ذكرناه والكل ينظر إلى السلام المنشود، فهل تحقق هذا السلام؟
    من يستطيع في ذلك الوقت التنبؤ بما يكون عليه المستقبل، إلا أن الذي يعيش الأحداث لحظة بلحظة ميدانياً يستطيع أن يتبين المستقبل [ وكما يقال يرى الخيط الأبيض من الأسود ] ومن الممكن أن يرى ويعرف مستقبل هذه الاتفاقية عبر ما سأقدمه عن الأفراد الجنوبيين الذين وقعوا على اتفاقية أديس أبابا.
    أولاً: مادنيق دي كرنغ:
    وسط اشتداد المعارك العسكرية لحركة «الأنانيا واحد» مع الجيش السوداني أعلن المتمرد (مادنيق) بأنَّه ينوي إعلان الحرب على الدولة السودانية، ولقد عمل حينها على جمع المال والسلاح من الدول الغربية وإسرائيل( ) وذلك في سبيل إمداد قوات حركة «الأنانيا واحد» بها، كان قد أطلق تصريحه هذا من مدينة «واو»، وهنا خشي المتمرد «مادنيق» من ملاحقته وتقديمه للمحاكمة، فما كان أمامه إلاَّ الهرب إلى أثيوبيا في البداية حيث الماء والهواء والطعام الشهي... الخ، وأصبح (مادنيق) فيما بعد ممثلاً لحركة تحرير جنوب السودان في «لندن» التي أمدته بالسلاح والمال، ولقد مثل هذا المتمرد، الذي تربى وترعرع في الإرساليات الأوروبية، الموقف المتطرف في الحركة في مواجهة شمال السودان..
    ورغم أنَّه كان قائداً عسكرياً إلاَّ أنَّه كان في الوقت نفسه يرأس جريدة «كراس كيرينين»، وهذه الصحيفة هي لسان حركة التمرد «الأنانيا واحد» وحركة الثورة التي شكلها المتمردون.
    استطاع القائد العسكري ورئيس التحرير أن يؤكد للحكومة السودانية «حكومة (النميري)» بأنَّ القوات العسكرية لحركة الأنانيا على أتم الاستعداد لوقف العمليات العسكرية في حالة قبول شروطها، أي شروط الأنانيا؟
    وفي ذلك الوقت عملت الحركة على زيادة نشاطها العسكري فقامت بالضغط على الجيش السوداني عبر القتال وزرع الألغام ضد الآليات، ورغم هذا الضغط العسكري الانفصالي أدركت حركة التمرد أنّها لا تستطيع أن تملي شروطها؟ والسبب أنَّها لم تدرك أنَّ (النميري) قد أصبح حليفاً للغرب وذلك بعد قضائه على حركة الحزب الشيوعي السوداني في 19 - تموز - يوليو - 1971، وبذلك فقدت حركة الأنانيا أقوى الحلفاء الغربيين لها ألاَّ وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
    الرقيب كوتن:
    وهو أحد أبناء قبيلة (الدينكا) ومن القيادات العسكرية في مديرية أعالي النيل، كان يحمل رتبة رائد في حركة الأنانيا رغم كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولقد رفض التسوية، كما رفض رتبة رقيب في الجيش السوداني تمرَّد مع عدد من الجنود، إلاَّ أنه قبض عليه عند محاولته الهرب وقتل.
    جون أوير جوك:
    من مدينة «يور» كانت تربطه صداقة قديمة مع الزعيم (أبل ألير)، حيث كانا يدرسان معاً، وقد انضم إلى حركة الأنانيا أثناء محادثات أديس أبابا عام 1972.
    وليم كون وينج:
    كان يحمل رتبة عسكرية عالية في حركة /الأنانيا/، إلاَّ أنه استوعب برتبة أقل في الجيش الوطني بعد محادثات أديس أبابا، وكان أحد قيادات حركة الأنانيا في أعالي النيل ومنها قاد عدة حركات عسكرية في مواجهة الجيش السوداني، وافق على اتفاق أديس أبابا وهو الذي طارد الرقيب (كوتن) حتى قتله، بعد فترة من وجوده في الجيش السوداني هرب والتحق بحركة التمرد.
    جيمس أويانق:
    تم انخراط (جيمس) في الجيش السوداني بالرتبة نفسها التي كان يحملها في حركة /الأنانيا واحد/، لكن قبيلة (الأنانيا) وهو أحد أبنائها عادت للتمرد والعصيان، فقد احتلت قوات الأنانيا منطقة «أكوير» وكان على رأس القوى المتمردة عريف يدعى «جيمس بول»، عاونه بعد ذلك اثنان من الضباط وهما الرائد «جيمس أويانق» الذي شغل موقع قائد المنطقة يساعده الملازم «بتسون كور»، ولقد فشل التمرد وقمع، فهرب المتمردون إلى أثيوبيا؟
    ما الذي نستنتجه من ذلك؟
    بكل بساطة نستنتج أنَّ القيادات العسكرية المنتمية لقبيلة (الدينكا) كانت غير راضية عن اتفاق أديس أبابا عام 1972، بل كانت تسعى إلى عرقلة هذا الاتفاق، وبالتالي التمرد عليه، ومن وراء هذا كانت القوى المعادية للسودان، ومثال على هذه العرقلة نقدم الآتي

    في منطقة بحر الغزال حدث التالي:
    في شهر شباط - فبراير - 1976 وتحديداً في مدينة «واو» حيث عقد مؤتمر للشرطة، حضره عدد من قيادات الشرطة من كل أنحاء السودان بينما امتنع عن الحضور العميد (أمونويل أيور) وقائد الشرطة في المنطقة المدعو (ويسان أوجاي)، كما امتنع أيضاً عدد من الضباط الذين تم استيعابهم في قوات الشرطة الوطنية، ولم يأت هؤلاء بسبب المخطط الذي وضعه عدد من قيادات الأنانيا بهدف تهريب أكبر عدد من قوات الأنانيا أثناء عقد المؤتمر، ولقد ساعد في عملية التهريب هذه نقيب من الحركة يدعى (أنويت) الذي فرَّ هو أيضاً إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ولكن ما لبثت أن قبضت عليه حكومتها وسلمته إلى الحكومة السودانية التي حاكمته وأعدمته.
    ولقد حدث الآتي أيضاً:
    ففي يوم 24 - كانون الثاني - يناير - 1974 قامت عدة وحدات من العصابة العسكرية لحركة الأنانيا، والتي تم استيعابها في الجيش السوداني النظامي، هذه العصابة قامت بحرب خاطفة وكانت بداية عملياتها في مدينة «واو» حيث شنت هجوماً عنيفاً على سكن الضباط والجنود الوطنيين في المدينة مما أدى إلى قتل وجرح عدد كبير من الضباط والجنود.
    من خلال استعراضنا للأعمال العسكرية الجنوبية الدينكاوية نستنتج أنَّ أكثر القيادات الدينكاوية رافضة للسلام، ولقد مهَّدت هذه العمليات وغيرها لظهور حركة «الثعبان السام» أو «السم القاتل» رقم «2» وكذلك تشكيل كل من /الحركة الشعبية/ و/الجيش الشعبي لتحرير السودان/.


موضوع مغلق
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •