آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

موضوع مغلق
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 64

الموضوع: جنوب السودان وآفاق المستقبل ج1-لأحمد أبو سعدة

  1. #41
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب التاسع
    التخبط في السودان


    وقبل أن نخوض في حركة التمرد الثانية علينا أن نقف مع بعض المكونات الجنوبية التي ظهرت في الإقليم الجنوبي... من هي؟.. ما هي دوافعها ومراميها، ومن كان وراءها؟.. وقبل البدء في ذلك وجدت أنه من الأنسب تقديم فكرة موجزة عن استيلاء الجيش السوداني على السلطة وتشكيل الحكومة العسكرية الوطنية الأولى في السودان.

    الفصل الأول
    استيلاء الجيش على السلطة


    في 17 - تشرين الثاني - نوفمبر - عام 1958 استولى الجيش السوداني برئاسة الفريق (إبراهيم عبود) على السلطة، وبهذا الاستيلاء تكون مشكلة الجنوب قد دخلت مرحلة جديدة، والواقع أنَّ تسلم الجيش للسلطة لم يكن بسبب فشل الأحزاب السياسية في إيجاد حكومة تعمل لحل المشاكل المتفاقمة كإرساء الوحدة الوطنية والاقتصادية، حيث أنَّ حزب الاتحاد الوطني السوداني الأفريقي الذي تكون خارج السودان في نهاية عام 1958، قال بأنَّ تسلم الجيش لمقاليد الأمور في البلاد قد دبر من أجل عزل الجنوب عن الشمال ثم سيطرة الشمال على الجنوب.
    ولكن هذا غير صحيح، والحقيقة أنَّ الذي دعا الجيش لتسلم السلطة هو رئيس الوزراء حينها (عبدالله خليل) وذلك من أجل إحباط الجهود الرامية لعقد تحالف بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي، كذلك حل البرلمان لأنَّ معظم أعضائه كانوا قد أظهروا العداء لرئيس الوزراء ولسياسته الداخلية والخارجية وكذلك من أجل إيقاف المعارضة خارج البرلمان والمتمثلة في رجال الخدمة المدنية والنقابيين والمزارعين وكذلك الطلبة، حيث كان هؤلاء متذمرين من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وبناءً على ذلك وكما يقول العارفون والمطلعون على الأمور الحقيقية للسودان «بأنَّ تسلم الجيش للسلطة كان مؤامرة من أهل الشمال» وهذا أمر يدعو للضحك والسخرية؟
    حكومة الفريق (عبود):
    جاءت الحكومة العسكرية ممثلة بالفريق (إبراهيم عبود)، ولم تكن تملك ورقة عمل لحل مشكلة الجنوب كمثيلتها الحكومة المقالة.
    ولقد عملت الحكومة العسكرية على إيجاد حلول للقضايا الإقتصادية في أعوامها الأولى، ولكنها لم تعط مشكلة الجنوب اهتماماً خاصاً، وكان هناك من ينادي باستخدام القوة في مواجهة تحرك الجنوبيين المتمردين المطالبين بحكم فيدرالي أو أبعد من ذلك وهو انفصال الجنوب، ولكن هذين الأمرين وإن كان الأول منهما مقبولاً ولكن بشروط، دعيا الكثير من الطامحين غير الشرعيين إلى العنف والحرب.
    وعلى سبيل المثال نورد الآتي:
    قام محافظ الاستوائية المدعو (علي يلدو) بإلقاء خطبة في مدينة «جوبا» عام 1961 نقتطف بعض ما جاء فيها:
    1 - إنَّنا نشكر الله العلي القدير الذي يسر بفضل الجهود الضخمة لحكومة الثورة أن تظل بلادنا وتبقى موحدة للأبدية؟
    2 - على الشعب ألاَّ يلتفت للشائعات المغرضة، التي قد يروج لها الساسة.
    3 - من المؤكد أنكم لا ترغبون في إراقة الدماء مرة أخرى في الجنوب، ولا أحسبني بحاجة لأن أذكركم بأنَّ كل من يجرؤ على الإخلال بالأمن والسلام سنتخذ ضده إجراءات صارمة فوراً.
    وهنا لابد لي أن أسجل موقفاً مميزاً للحزب الشيوعي السوداني الذي وقف في وجه الكثير من القرارات الديكتاتورية.
    إلاَّ أننا نستطيع أن نسجل موقفاً إيجابياً مميزاً للنظام العسكري وهو إسراعه في إدخال اللغة العربية والثقافة الإسلامية للجنوب من أجل تمتين العلاقة بين الإقليمين.
    وقد تم افتتاح عدد من المدارس ذات النهج العربي الإسلامي في كل من /جوبا / كدوك / واو / مريدي / راجا / ياي/، كذلك افتتح معهد عربي إسلامي في مدينة /جوبا/ عاصمة الجنوب.
    هكذا انصب نشاط العسكريين على تعليم اللغة العربية ونشر الدين الإسلامي فما كان من غلاة الحكام الذين يطلق عليهم [ المثقفين الجنوبيين ] إلا أن يفرّوا إلى الخارج، وما كان من القساوسة إلاَّ أن كتبوا عريضة وقدموها إلى الفريق عبود ينددون بأعمال الحكومة، هنا قامت السلطات الحكومية باعتقال بعض من هؤلاء القساوسة، وفيما يلي نقدم بعض ما جاء في هذه العريضة:
    «ليس هناك من أحد، مهما علا شأنه ملكاً كان أم امبراطوراً، يمكنه إجبارنا على أن نسير في طريق يخالف تعاليم أبينا الذي في السماوات والأرض أو يتجافى مع ضمائرنا».
    ثم استطردت العريضة قائلة:
    «لقد أضحى القانون سلاحاً لكبح زمام /المسيحية/؟ ولفرض الدين الإسلامي»، لم يكن هذا بالطبع رأي القساوسة والرعية المسيحية السودانية إنما كان إيحاءً من الغرب المتصهين ونتيجة لهذا الموقف الغربي قامت الحكومة العسكرية بطرد الهيئات التبشيرية الغربية وفق الأمر الآتي:
    ففي 27/2/1961 أصدرت وزارة الداخلية أمراً بطرد كافة موظفي الهيئات التبشيرية الأجنبية من الجنوب، علماً بأنَّ عدد الهيئات التبشيرية كان 267 هيئة، وكان من بين المطرودين /272/ قساً كانوا تابعين لبطريركية فيرونا، و/28/ قساً من البروتستانتيين، بعد ذلك اتهم وزير الداخلية في الحكومة العسكرية بأنَّ المجلس المركزي للإرساليات يقوم بنشاط يهدد وحدة السودان، وهذا ما ثبت الآن.
    وقد ازدادت مخاوف نظام الفريق عبود من كثرة المطبوعات الكاثوليكية التي تحمل الحقد والكره للعرب والإسلام.
    ثارت الدوائر الرسمية والدينية في الغرب نتيجة طرد الإرساليات والمبشرين الأجانب وقد صبت الصحف الغربية جام غضبها على حكومة السودان وكذلك فعل الفاتيكان.
    ومما جاء في تعليقات الصحف الغربية تعليق مجلة أفريقيا التي تصدر في لندن، حيث كتبت عام 1964 الآتي:
    «إنَّ /الكاثوليك/ عموماً، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى كرسي «فيرونا» قد أطلوا برؤوسهم ثانيةً سياسياً وجماهيرياً».
    بعد ذلك أخذت الأحوال السياسية في الجنوب السوداني اتجاهاً جديداً؟


  2. #42
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    سقوط النظام العسكري


    بعد أن أطيح بالفريق (عبود) في انتفاضة أكتوبر عام /1964/ وقدوم حكومة (سر الختم خليفة) ظهرت ولأول مرة إمكانية الوصول إلى تسوية للمشكلة الجنوبية عبر مفاوضات سلمية، على أن تعمل الحكومة وفق ما يلي:
    دعم القوى التقدمية دعماً قوياً، حيث أنَّها ساهمت وبشكل فعّال في إقصاء الفريق عبود، إضافة إلى تمتعها بتأييدٍ شعبي واسع، وقد رفضت عمل سياسات نظام (عبود) في الجنوب الرامي إلى حسم المسألة بالوسائل العسكرية، وبدلاً من لجوء /143/ من المتمردين الانفصاليين إلى التهدئة لجؤوا إلى الدوائر الغربية الكنسية للاستنارة بمشورتهم والعمل بها.
    أصبح التآمر وأصبح واضحاً لأبناء السودان وعلى أثر ذلك اتخذت عدة قرارات بهذا الخصوص من قبل القوى الوطنية والقوى المتمردة الانفصالية، وأورد هنا أهم هذه القرارات:
    1 - رفض كافة أحزاب الشمال لأي فكرة أو حل يؤدي إلى الانفصال رغم الدعوات الفردية التي ارتفعت والتي تنادي بوجوب الانفصال.
    2 - وضوح رؤية كل من «حزب الوحدة السوداني» و«جناح» (وليم دنيق) في حزب «سانو» في المناداة بوحدة السودان أرضاً وشعباً.
    3 - مناداة كل من جبهة الجنوب والانفصاليين من حزب «سانو» وحركة «الأنانيا» بالانفصال واستقلال الجنوب، وهناك عدم إمكانية لتغيير توجههم هذا فهم لا يؤيدون إلاَّ الانفصال التام.
    بعد ذلك استولى الجيش على مقاليد الأمور في البلاد، وشددت الحكومة الجديدة من مقاومتها (للأنانيا) وزادت من تعاونها مع الجنوبيين الذين يميلون إلى تأييد الوحدة.
    ازدادت اعتداءات (الأنانيا) على المواطنين في الوقت الذي قام به رئيس الوزراء بزيارة بعض أقطار شرق أفريقيا من أجل إقناع حكومات هذه الدول بعدم تقديم المساعدة لمن يود أن يبقى في أراضيها.
    وقامت أحداث /جوبا/ في 8 - تموز - يوليو - 1965 وكذلك في مدينة «واو» في الحادي عشر من آب /أغسطس/ من العام نفسه.
    قتل الكثير من الانفصاليين المتمردين نتيجة مطاردة الجيش والبوليس للمتمردين وأعوانهم، ولقد ولَّد هذا القتل شعور بالمرارة لدى القوى الانفصالية، فهرب عدد لا بأس به منهم إلى يوغندة، وزادت مشكلة الجنوب تعقيداً وتشابكاً أكثر.
    ازدادت الأوضاع الاقتصادية تدهوراً مع تزامن إبعاد الحزب الشيوعي من الجمعية التأسيسية، وكذلك ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي، هذا في الداخل، أما في الخارج فقد التقى كل من «جبهة التحرير الأفريقية السودانية» وحزب «سانو» في الخارج في جبهة واحدة هي جبهة «الأزانيا» للتحرير، ولقد أعلنت «الأزانيا» أنَّها تعمل في سبيل إقامة دولة أفريقية حرة مستقلة في جنوب السودان تدعى «الأزانيا» وبحيث تحل محل المملكة الأفريقية القديمة في شرق أفريقيا والتي كان «الجنوب» ربَّما جزءاً منها، هذا من جانب «الأزانيا» أما من جهة جبهة الجنوب والتي تعد ثاني أكبر منظمة جنوبية انفصالية، فقد ظلت تمارس نشاطها على وجه «مشروع» في كافة أنحاء السودان، واستمرت جريدتها «الفيبرلانت» تنشر كثيراً من أفكار جبهة أفريقيا للتحرر الوطني.
    وهنا يمكننا أن نصل إلى استنتاج ما يلي:
    إنَّ وجهات النظر والأهداف لكل من:
    1 - جبهة الأزانيا الأفريقية للتحرر.
    2 - جبهة سانو.
    3 - حركة الأنانيا.
    تكاد تكون واحدة ومتطابقة حول محور الانفصال، أي فصل الجنوب عن الشمال، بينما الأحزاب الجنوبية التي تؤمن بوحدة السودان وتدعو إليها فهي:
    1 - حزب «سانو» المتمَّثل في جناح (وليم دنيق).
    2 - حزب الوحدة السوداني الذي يرأسه (سانتينو دنيق) و (فلمون ماجوك).
    وهنا لا بد من القول:
    إنَّ من يدعو ويعمل لانفصال الجنوب عن الشمال، إنَّما يعمل لدفع هذا الإقليم إلى الخراب، وهذا طبعاً ليس في مصلحة السودان والدول المجاورة، وكذلك الدول العربية كما أنَّه ليس في مصلحة السلام العالمي، لذلك علينا أن ندرك تماماً أنَّ هناك أسباباً مهمة وجوهرية في بقاء جنوب السودان موحداً مع الإقليم الشمالي، لأنَّ وحدة السودان هي الضامن لاستمراره وقوته وأمنه، ولذلك ينبغي على دول الغرب التي يهمها أمنها أن تتخلى عن سياستها في فصل الجنوب عن الشمال، كذلك ينبغي على رؤساء الدول الأفريقية أن يقبلوا بحدود السودان كما رسمتها الدول الاستعمارية التي لا تقبل مطلقاً بتفتيت بلدانها إلى دويلات صغيرة.
    إنَّ النيل الذي يجري في أرض الشمال والجنوب يعد رابطة جغرافية تاريخية طبيعية بين الإقليمين، ولذلك فإنَّ الوحدة السياسية كما رسمها التاريخ والجغرافية ضرورية وهامة لاستمرار الحياة.
    «وإن ما أخشاه بعد اتفاقية /مشاكوس/ هو فصل الجنوب عن الشمال وفق المعطيات التي وردت في هذه الاتفاقية»..


  3. #43
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    نموذج من بعض الحكومات المتمردة؟



    تسارعت الأحداث وبدأ المتمردون يبحثون عن غنائمهم، يجنون ثمار /تمردهم/ الذي أتى /بحكومة الجنوب/ الانفصالية، لكن حساباتهم لم تكن في مكانها، فالقيادات السياسية والعسكرية في مناطق عدة من الجنوب اختلفت مع الحكومة المؤقتة وكان سبب الخلاف رفض قادة قبيلة (الزاندي) و(مورو) تعيين (اميديو تافينج) قائداً عاماً لحركة التمرد (الأنانيا) كما أن هناك اعتقاداً كان سائداً في أوساط قادة غرب، محافظة الاستوائية والاعتقاد هو أن أهالي شرق الاستوائية وأكثرية مواطني محافظة /بحر الغزال/ و/أعالي النيل/ لم ينضموا إلى صفوف الحركة بالشكل المطلوب وهو وجودهم الكثيف؟ كما أن قادة بعض قبائل المنطقة الاستوائية الصغيرة اجتمعوا على هيمنة قبيلة (الدينكا) على ما سمي بالحكومة المؤقتة /وحركة التمرد (الأنانيا) كما أن هناك شيئاً ما يحدث في داخل (الأنانيا) لم يستطع قادة التمرد من غير قبيلة (الدينكا) أن يعرفوه؟ وخاصة بين القوات المتواجدة في منطقتي /أعالي النيل/ و/بحر الغزال/ نظراً لحرب هاتين المحافظتين مع أثيوبيا وأفريقيا الوسطى وخاصة أن حرية الحركة صعبة جداً في هذه المناطق، هذه الأوضاع كلها أدت إلى ظهور الخلافات في ما سمي بالحكومة المؤقتة وخاصة بين رئيسها (أقري جادين) و(غردون مورتات ميان) وزير الخارجية أما الأسباب المعلنة لهذه الخلافات فهي قول جادين أنه لا يجد احتراماً ولا دعماً من وزير الخارجية (مورتات)( ) كذلك نائبه (كاميلو ضوال) الذي يعمل لعزله من رئاسة الحكومة، نتيجة لهذه الأحداث سعى (جادين) لعقد المؤتمر السنوي، على إثر فشله في ذلك ذهب إلى /نيروبي/ متخلياً عن رئاسة الوزراء.
    هنا دعا (كاميلو ضوال) بصفته نائب رئيس الحكومة إلى عقد المؤتمر في منطقة /بولجو بندي/ التي تقع قرب الحدود الزائيرية.
    عقد المؤتمر في يوم 29 آذار /مارس/ عام 1969 وفيه تبّنى المؤتمرون مقررات منطقة /انجوري/ بالإضافة إلى قرارات أخرى، نذكر أهم ما ورد فيه:
    1 - تغيير اسم حكومة جنوب السودان الانتقالية إلى حكومة النيل الانتقالية برئاسة (غردون مورتات ميان).
    2 - أعلن المؤتمر أن الانفصال من الشمال يعتبر الهدف الأساسي لدولة النيل وأن الحركة السياسية الجنوبية ستقبل بالفيدرالية فقط كحل وسط وأن قوات (الأنانيا) ستحارب من أجل تحرير الجنوب؟
    3 - رفض فكرة قيام الحكم الذاتي للجنوب.
    هذا أهم ما جاء في مقررات المؤتمر وقد شُكلت حكومة النيل الجديدة من ثمانية وزراء...
    وفيما يلي أهم الوزارات ومن شغلها:
    1 - غردون مورتات ميان: رئيساً للحكومة.
    2 - ماركورومي: نائباً للرئيس.
    3 - اركانجوباري وانجي: مسؤولاً عن العلاقات الخارجية.
    4 - الجنرال اميديوتافينج: قائداً أعلى للجيش.
    5 - العميد أمانويل أبور: قائداً للأركان.
    ومن الجدير ذكره أن مجموعة رئيس الوزراء السابق (أقري جادين) قد قاطعت المؤتمر وقد كان نصيب قبيلة (الدينكا) كافة المناصب الوزارية.
    هذا الأمر أغضب السياسيين من بقية القبائل الذين كانوا يدعمون توجه (غردون مورتات ميان) هذا الأمر أعاد ظهور المشاكل وطفوها على السطح بوجه الحكومة الجديدة /حكومة النيل/ وذلك يعود إلى سيطرة سياسيي منطقتي /بحر الغزال وأعالي النيل/ على الحكومات التي تولت السلطة، ورداً على ذلك قرر قياديو المنطقة الاستوائية قيام حكومة في مناطقهم.
    وبدلاً من قيام حكومة واحدة في هذه المنطقة ظهرت عدة حكومات وهي:
    1 - حكومة أنيدي الثورية:
    بعد خلع رئيس الوزراء (أقري جادين) ولجوئه إلى كينيا، لعب بعض السياسيين المقربين إلى (جادين) دوراً هاماً في كسب ود الجنرال (اميديو تافنج) الذي يشغل منصب القائد الأعلى للجيش في حكومة النيل.
    كسب السياسيون ثقة وود (تافنج) وأقنعوه بأنه الرجل القوي والذي يستحق أن يقود الجنوب إلى الاستقلال وعليه أن يتولى رئاسة الحكومة بدلاً من (غوردون مورتات ميان) اختمرت الفكرة برأس قائد الجيش وأقنع نفسه بأنه فعلاً /القائد المنتظر/؟ فعمد إلى الإطاحة برئيس الحكومة صديق الأمس وعدو اليوم لكنه فشل في ذلك، إلا إنه أعاد الكرة ولكن بشكل آخر، فقد حرضه من جديد كل من (جيمس الياباسورو) الذي ينتمي إلى قبيلة (فاجولو) و(سفرينو واني سواكا) من قبيلة (باري) وساعده على تنفيذ خطته تسعة ضباط من حركة التمرد /الأنانيا/.
    قام الجنرال (تافنج) بإنشاء حكومة جديدة أطلق عليها اسم /حكومة ايندي الثورية/( ) وكان ذلك في 15 أيلول /سبتمبر/ عام 1969 وقد شكل الجنرال المتمرد حكومته على النحو التالي:
    1 - الجنرال اميديو تافنج: رئيساً.
    2 - أقري جادين: مسؤولاً عن العلاقات الخارجية.
    3 - جيمس اليابالوبوكاسورو: مسؤولاً عن المالية والإعلام.
    4 - العقيد نادريك ماقوت: رئيساً للأركان.
    5 - سفرينو واني سواكا: عضواً.
    لم تعمر حكومة الجنرال طويلاً، فقد ادعى عدد من سياسيي منطقة الزاندي أن حكومتي /النيل/ و/ايندي/ فشلتا فشلاً ذريعاً، وعلى أثر ذلك اجتمع سياسيو وعسكريو منطقة الزاندي وقرروا تشكيل حكومة خاصة بهم وقد دعمهم العقيد (صموئيل أبوجون كباشي) القائد المحلي للمنطقة.
    أعلنت الحكومة تحت اسم /نهر سو الثورية/ كذلك قيام جمهورية /سو/( )، كان سبب تشكيل الحكومة الجمهورية الجديدة هو الخلافات بين الجنوبيين وسبب الخلاف يعود إلى قضايا شخصية وهذه الخلافات يغذيها مجلس الكنائس العالمي والغرب حتى تكون كل القوى المتمردة تحت أجنحتهم وتدور في سمائهم، وقد ترأس الحكومة والجمهورية الجديدة (مايكل طويل) الذي يكن العداء الشخصي فقط لرئيس حكومة /النيل الانتقالية/ الذي قال عنها (الطويل) أنها واجهة لسيطرة قبيلة (غردون مورتات).
    على إثر قيام حكومة /نهر سو الثورية/ قامت حكومة جنوبية جديدة فقد أعلن السياسي المتمرد (ازيون مونديري) قيامها وأطلق عليها اسم حكومة /أزانيا السودانية في شرق أفريقيا/. لم يعرف إلا القليل القليل عن هذه الحكومة وأهدافها، إلا أنه كان لبعض السياسيين الجنوبيين والمقيمين في كينيا اتصال مباشر مع المتمرد (ازيون مونديري) كانت حكومة أزانيا القبلية حكومة كغيرها، قبلية شخصية؟؟!
    وشعارات هذه الحكومة كلها التي تتالت كانت تنادي بالانفصال وإقامة دولة جنوبية معادية للوطن ككل وللعرب والمسلمين.
    حكومة الجنوب الإقليمية:
    بعد اتفاق أديس أبابا وتعيين (لاغو) في منصب هام وحساس [ تم تعيينه رئيساً للحكومة الإقليمية الجنوبية ] إثرها بدأ زملاؤه الانفصاليون يلعبون لعبة قوية جداً ضده، هذه اللعبة أجلسته على برميل من البارود قابل للانفجار في أي لحظة تريدها وتقررها القوى الانفصالية، وإن كان كل من (لاغو) و(أرو) أشبه بقطبين متناقضين لا يمكن أن يلتقيا، إلاَّ انهما يشتركان بحبهما لكرسي الحكم وتعلقهما به لأبعد الحدود، ويشتركان أيضاً بإصابتهما بمرض يسري في الكثير ممن يعملون في الشؤون السياسية إلاَّ وهو «الغرور» و/العنجهية/.
    بعد ستة أشهر على تشكيل حكومة (لاغو) بدأت الصراعات القبلية الخامدة تأخذ طريقها إلى النور، ولقد دبَّ الخلاف في أوصال الحكومة الإقليمية للجنوب، هذه الخلافات كانت تُغذى من قبل القوى السياسية الإنفصالية، ولقد كانت هذه القوى توزع تارة لـ (لاغو) وتارة أخرى لـ (أرو) إلى أن انفجر الصراع، وبدأت تظهر السحب الداكنة في عالم الجنوب، وانشقت المؤسسة الإقليمية على نفسها ما بين مؤيد للرئيس (لاغو) وآخر معارضٍ له.
    ووسط هذه السحب تحركت القوى الانفصالية وفق مخططها لاستكمال تنفيذ ما تبقى منه، وكان أول ما قامت به هو ضم كل معارضي (جوزيف لاغو) وعلى رأسهم مؤيدو (أبل ألير) الذين كانوا يتربصون الشر بحكومة (لاغو) ولنيل الثأر منها.
    بدأ موقف رئيس الحكومة يضعف شيئاً فشيئاً وسط أعضاء مجلس الشعب، وعندما أدركت المعارضة الانفصالية ذلك دفعت بكل قوتها لإسقاط رئيس الحكومة، فألصقت التهم به ومن هذه التهم تهمة الفساد والرشوة والمحسوبية والتسلط وعدم الكفاءة في إدارة الحكومة والإقليم، وأعقبت ذلك بقولها: «إنَّ (لاغو) يدير الإقليم كما كان يدير حركة «الأنانيا» في الغابة؟» وعلى خط «مواز» بدأت تتصاعد الاتهامات التي تتعلق بزوجته صراحة داخل مجلس الشعب الإقليمي، فقد اتهمت المعارضة الانفصالية زوجة (لاغو) بالفساد، وأنَّها تسلمت رشاوى تقدر بمليونين ونصف المليون دولار وذلك بعد تسلم زوجها مقاليد رئاسة الحكومة، فهذه الأموال كانت مخصصة للحكومة الجنوبية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن زوجة (لاغو) قبضتها لصالحها الشخصي كما أشار الاتهام؟
    وفي إحدى دورات مجلس الشعب وقف العضو (بنجامين بول) وهو من غلاة الانفصاليين ولقد كان فيما مضى من أكبر المتحمسين لقيادة (جوزيف لاغو) للإقليم الجنوبي، قال عضو المجلس (بول) وسط جلسة مجلس الشعب أنَّ لديه وثائق ومستندات دافعة تدين (لاغو وزوجته) وتفضح سوء تصرفه المشين، وخونه للأمانة التي منحناه إياها، وهنا ثار النواب، وحصل نوع من الشغب، فقد طالب النواب باستقالة (لاغو) وتقديمه للمحاكمة العلنية، ولكن لم تثبت أي تهمة على (لاغو) بعد التحقيق معه، ولا على زوجته أيضاً، إلاَّ أنَّ مكانته اهتزت كثيراً أمام الرأي العام السوداني، والجنوبي خاصة.
    هذا هو المخطط الذي وضعته الدوائر الغربية، وعملت على تنفيذه القوى الانفصالية عبر ضرب (لاغو) و(ألير) ببعضهما، بما يمكنها من التفرَّد بالساحة وتمرير مخططها الانفصالي، على إثر ما حدث كان قد هاج وماج رئيس الحكومة الملازم الأول واللواء والفريق (جوزيف لاغو) فما كان منه إلاَّ أن قام - وكرد فعل على ما حدث - بفصل نائبه وكل معارضيه في الحكومة بمن فيهم مستشاره (لويجي أدوك)، ثم أدخل أحد معارضيه المدعو (بيتر جان كوث) وهو من مجموعة خصمه (أبل ألير) وعينه نائباً له.
    لم يتوقف (لاغو) عند ذلك بل مضى معانداً ومتحدياً كل من يقف بوجهه وحتى من حاول إرشاده أو نصحه، (ويا ليته سمع كلام الناصحين)؟
    مضى (لاغو) إلى المؤسسة التشريعية وفصل رئيسها (كلمنت امبورو)، وكذلك فصل بعض اللجان وبطريقة فظة وغير لائقة به كرئيس حكومة، ولقد وسَّع هذا العمل من دائرة الصراع بشكل عام، وضد (لاغو) بشكل خاص، وأخذت تنعكس على الإقليم الجنوبي سلباً، ثم أخذت الدائرة تكبر وتتوسع، وأخذ يتموج هذا الصراع بألوان عديدة منها «القبلي» و«السياسي» و«العسكري».
    إذاً، لقد نجحت القوى الانفصالية في تحقيق هدفها الأول من بين جملة أهدافها المبتغاة، لقد تمثل هذا الهدف في الصراع بين الجنوبيين وضربهم ببعضهم البعض، وكذلك نجحوا في تحقيق الهدف الثاني وهو طلب الرئيس (النميري) من (أبل ألير) عدم ترشيح نفسه لصالح (جوزيف لاغو) الذي أقصاه فيما بعد مع حكومته ثم حل المجلس الإقليمي الثاني في 5 - 2 - 1980 ثم تكليف (بيترجات كوث) بترؤس حكومة انتقالية لفترة أربعة أشهر، تجري بعد ذلك انتخابات مجلس الشعب الإقليمي الثالث.


  4. #44
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    أربع حكومات بعد سقوط لاغو


    بعد قرار (النميري) بإعفاء المتمرد السابق ورئيس الحكومة الإقليمية (جوزيف لاغو) تعاقبت على جنوب السودان أربع حكومات، اثنتان منها انتقالية، والباقيتان منتخبتان ولكنهما لم تكملا فترتهما المقررة وهي أربع سنوات، والملاحظ في هذه الحكومات المذكورة أنَّها جاءت ضعيفة ومفككة ومهزوزة، ممَّا جعلها تفقد إمكانية السير على الطريق الصحيح، ولقد تناوب على رئاسة هذه الحكومات عدد من القادة منهم (بيتر جات كوت) إلى (أبل ألير)( ) الذي لم يتمكن من بسط سيطرته على الحكومة وإدارة الإقليم الجنوبي، ثم جاء اللواء (قسم الله عبد الله رصاص) على رأس حكومة شبه عسكرية انتقالية فقد كان معظم وزرائها من الضباط الذين تم استيعابهم في الجيش السوداني الوطني ولم تكن لديهم القدرة على تسيير دفة الحكم بالشكل المطلوب، ثم قدم المهندس (جوزي جيمس طمبره) على رأس حكومة ذات برنامج انفصالي، حيث كانت تحوي وزراء انفصاليين.
    لابد من الإشارة إلى أن هذه الحكومات إنما جاءت بمخطط رسمته القوى الانفصالية ربما، باستثناء حكومة (عبدالله رصاص) التي عينها (النميري) شخصياً، برزت في عهد هذه الحكومة كافة أشكال الصراعات التي تطورت فيما بعد فلعبت دوراً مهماً في ازدياد مدى الانقسام وسط أبناء الجنوب.
    وتم تكوين عدد من الأحزاب السياسية، علماً أنَّ القانون كان يجرم ويعاقب من يتعاطى في هذا الشأن.
    لقد قامت حكومة «قسم الله» بتأجيل الانتخابات، التي أوصت بها وقررتها لجنة (عبد الحميد صالح)، وكان تبرير هذا التأجيل بحجّة أنَّ «الأمن غير مستتب»؟ في كافة الإقليم، وخاصة في مديريتي «أعالي النيل» و«جونقلي»، ولكن نتيجة للضغوط العديدة التي تعرضت لها حكومة (قسم الله) رضخت للأمر الواقع في نهاية الأمر، وبدأت فعلياً في الإعداد لانتخابات مجلس الشعب الرابع الذي سيأتي بحكومة منتخبة، علماً أنَّه كانت هناك ثلاث حكومات انتقالية هي:
    1 - الحكومة الأولية: رئيسها (أبل ألير).
    2 - الحكومة الثانية: رئيسها (بيترجات كوت).
    3 - الحكومة الثالثة: رئيسها (قسم الله رصاص).
    بدأ العمل في الإعداد للانتخابات، وأخذ فريق «وحدة السودان» بقيادة (أبل ألير) يعد العدة للفوز بالانتخابات، كذلك بدأ فريق المتمردين الانفصاليين برئاسة الملازم السابق واللواء اللاحق قائد حركة التمرد (جوزيف لاغو) بالعمل للفوز أيضاً، أجريت الانتخابات وكانت نزيهة إلى درجة عدم تشكيك الانفصاليين بنزاهتها، ويعود ذلك إلى خيبة أمل فريق وحدة الجنوب التي ترفض تقسيم البلاد، جاء يوم الثلاثاء الموافق لـ 22/6/1982 ووسط جو سياسي ملتهب ومضطرب حسمت نتائج الانتخابات لصالح الفريق المتآمر الانفصالي وتم انتخاب المهندس (جوزيف جميس طمبرة)( ) رئيساً للمجلس التنفيذي العالي، وكذلك اُنتخب (ماثيو أيور)( ) عضواً في مجلس الشعب.
    طرح (جوزيف طمبرة) سياسة حكومته أمام مجلس الشعب الإقليمي، والتي عبر فيها عن الأمل بتحقيق حلم الاستوائية في تقسيم الجنوب، بعدها أصدر عدة قرارات أهمها تطبيق اللامركزية التي ستقود إلى تقسيم الجنوب؟
    رحب دعاة الانفصال بالقرارات التي أصدرها (طمبرة) ولكن وفي الوقت نفسه استقبلت هذه القرارات من قبل الجنوبيين دعاة الوحدة بغضب شديد، وبدؤوا العمل وبكل ما استطاعوا من قوة للإطاحة بحكومة (طمبرة).
    هنا شعر الانفصاليون بأنَّ فرصتهم لتوسيع وتعميق الخلاف والصراع القبلي والطائفي قد جاءت فعمدوا إلى تصدر المعارضة مع القوى الوحدوية التي انجرفت وراءهم بعد أن خُدِعوا بما قدمته لهم القوى الانفصالية من وعود حول وحدة السودان! حيث كان هدف القوى الوحدوية وقف دعوة التقسيم والعمل على إخفاقها، وإزاء هذا الهدف قبلت هذه القوى التعامل مع مختلف طبقات وقبائل الجنوب، وكذلك مع حكومة الخرطوم، وإزاء إصرار حكومة (جوزيف طمبرة) على تنفيذ برنامجها ومعارضة مجموعة (أبل ألير) لها، إلاَّ أنَّ القوى الانفصالية استطاعت أن تُقنِع المذكور ومجموعته بتشكيل قوة كبيرة معارضة عملت على تمرير خطة تآمرية دقيقة على محورين هما:
    المحور الأول: العمل على إطاحة حكومة (جوزيف طمبرة) في وقت قصير، وذلك عن طريق المظاهرات على كافة المستويات والاتجاهات.
    المحور الثاني: اختراق القوات العسكرية الجنوبية التي استوعبت في الجيش السوداني الوطني، وإقناعهم برفض فكرة التقسيم، ثم تطور هذا الاختراق الذي بُني على أسس قبلية جنوبية إلى الرفض المطلق لكل أوامر القيادة الجنوبية الخاصة والمؤتمر بأوامر القيادة العامة، وخاصة بالتحرك خارج الإقليم الشمالي، ولقد تزامنت هذه الأعمال مع الصراعات والدعوات إلى تقسيم الجنوب.
    هدف اختراق القوات الجنوبية التي استوعبت في الجيش السوداني:
    بعد التمحيص والتحليل من قبل القيادة العسكرية الجنوبية حول اختراق القوات الجنوبية المستوعبة في الجيش الوطني السوداني، وجدت أسباب الاختراق متمثلة فيما يلي:
    1 - إنَّ سبب اختراق المؤسسة العسكرية هو رفض اتفاق أديس أبابا، وقد جاء الرفض والاختراق من قبل السياسيين المعروفين برفضهم للوحدة السودانية، وتأييدهم للانفصال، فأتت محاولة الاختراق وبشكل مباشر امتداداً لاستراتيجيتهم الهادفة لفصل الجنوب.
    2 - سعى ويسعى الانفصاليون لاختراق الجيش السوداني وبكافة قطاعاته وذلك للاستمرار في تحقيق أهدافهم الانفصالية، ولقد لجأ هؤلاء للاختباء خلف المعارضين الوحدويين الذين يرفضون التقسيم والانفصال.
    3 - من المعروف أنَّ المعارضة الوحدوية التي ترفض التقسيم كانت تريد اختراق القوات المستوعبة في الجيش وذلك لتحقيق هدفين مهمين لديها هما الآتي:
    الهدف الأول: تريد هذه المعارضة الوحدوية التأكيد على وجودها كقوة ضاغطة ومرهبة بالنسبة لرئيس الوزراء (طمبرة) وبحيث ينبغي عليه أ ن يحسب لها ألف حساب قبل محاولته الإقدام على أي خطوة قد تؤدي إلى تقسيم الجنوب، وفي رأينا فهذا عمل مشروع ويخدم السودان تماماً.
    الهدف الثاني: تحريك القوات المستوعبة في الجيش السوداني، واستخدامها كقوة ضغط على رئيس الجمهورية وبحيث تجعله يتردد كثيراً في تأييد ومناصرة التقسيم.
    وفي 12 - آب - أغسطس عام 1982 قام قائد القوة العسكرية في الجنوب وعرض على رئيس الحكومة (طمبرة) الحضور إلى القيادة الجنوبية، وإذا امتلكته أو انتابته أي شكوك فبمقدوره أن يحضر معه من يثق فيهم، وغاية هذا العرض تقديم شرح كامل وواضح عن الوضع العسكري والأمني في الجنوب، وإعطاء صورة واضحة عن تحرك القوى الانفصالية والمعارضة التي تعمل لإسقاط حكومة (طمبرة).
    لم يتأخر رد رئيس الحكومة (طمبرة) فلبى الدعوة وحضر إلى مقر القيادة يرافقه اللواء (هيرمان) مدير الشرطة في رئاسة القيادة الجنوبية.
    عرض قائد القيادة الجنوبية الوضع السياسي والعسكري والأمني في الجنوب، وكذلك اختراق القوات المستوعبة في الجيش والتي تم تحريضها على رفض أوامر القيادة العامة، ولقد تم في هذا اللقاء شرح خطة المعارضة بشقيها الانفصالي /والإيجابي/ الذي يرفض التقسيم، وتم التأكيد على هدف المعارضة المتمثل في إسقاط حكومة (طمبرة).
    لم يعلق (طمبرة) على هذه المعلومات القيمة التي قدمتها قيادة الإقليم الجنوبي بل اكتفى بهز رأسه؟
    كان تخطيط المعارضة يقوم على إيجاد قوات مساندة لها ضمن القوات المستوعبة في الجيش السوداني ومن ثم استقلالها من أجل تحقيق أهدافها المعلنة مثل إسقاط حكومة (طمبرة)، أما غير المعلنة فهي «الانفصال».
    كانت قد أعدت القيادة العامة والإقليمية خطة لاحتواء المعارضة بشقيها الإيجابي والانفصالي، كذلك تحركت القيادة الجنوبية في الوقت نفسه للسيطرة على التمرد في «أعالي النيل» و«جونقلي»، والحد من انتشاره إلى المناطق الأخرى في إقليم الجنوب.
    بعثت القيادة الجنوبية بخطتها إلى كافة الوحدات العسكرية لتعمل بموجبها، وللوقوف بوجه أي عمل تخريبي قد يقوم به السياسيون سواء من القوى الإنفصالية أو المعارضة للحكومة الجنوبية التي يرأسها (طمبرة)، والتي تعمل لاختراق القوات المستوعبة في الجيش السوداني.
    احتدم الصراع بين المعارضة والحكومة الإقليمية، بينما استمرت القيادة العسكرية الجنوبية بالعمل وفق الاستراتيجية التي وضعتها وخاصة ما يتعلق بموضوع استبدال الكتائب التي جرى فيها استيعاب القوات الجنوبية المنحلة والتي سيجري استبدالها بكتائب من الجيش السوداني ومن القيادة الشمالية، على أن يبدأ الاستبدال وينتهي في الفترة ما بين 15 - كانون الأول - ديسمبر - 1982 ونهاية شهر آذار - مارس - من العام نفسه.
    بدأ التخطيط والعمل لعقد مؤتمر لقادة الألوية والوحدات العسكرية في القيادة الجنوبية وذلك في مدينة «جوبا».
    صدرت الأوامر بالتبديل، وتم تحديد الوحدات العسكرية التي سيشملها التبديل، ولقد كثَّفت المعارضة بشقيها الانفصالي والإيجابي (الداعي إلى وحدة الجنوب) من اختراقها للقوات المستوعبة، وتحريضها لرفض التبديل رفضاً كاملاً، وذلك لتعارضه مع اتفاقية «أديس أبابا» عام /1972/ والتي تنص على عدم نقل الجنود الجنوبيين إلى خارج مناطق الجنوب، وكما تنص اتفاقية «أديس أبابا» على عدم استقدام أو تبديل الجنود الجنوبيين بآخرين شماليين، وهكذا مورس التحريض وبصورة مكثفة على الجنود الجنوبيين لدعوتهم إلى معارضة تقسيم الجنوب حتى ولو استدعى تمردهم العودة بهم إلى الغابات مرة أخرى.
    استجاب الجنود الجنوبيون لتحريض السياسيين، ومن ثم بدأت تظهر روح التمرد ورفض الأوامر الصادرة من القيادة العامة والجنوبية.
    تمسكت القيادة الجنوبية بتنفيذ القرار بالاستبدال مهما كلف الأمر، وبعد جهد جهيد وطويل استطاعت القيادة الجنوبية تبديل القطع والوحدات العسكرية التابعة لغرب الاستوائية وتنفيذ الأوامر الصادرة لها في هذه الخصوص، أما الكتيبة /105/ المتمركزة في «البيبور» و«بور» رفضت تنفيذ الأوامر، كذلك لم تستطع القيادة احتواء هذه الكتيبة وأمثالها ولكن القوى الداعية لوحدة الجنوب وعلى رأسهم (أبل ألير) تمكنوا من احتوائهم.
    وبالرغم من المحاولات المتعددة المبذولة من قبل القيادة الجنوبية ورئيس الحكومة الإقليمية في سبيل إقناعهم بتنفيذ قرار التبديل، إلاَّ أنهم رفضوا هذا القرار رفضاً تاماً، مما أوصلهم إلى مرحلة التمرد الكامل.
    بدأت مؤشرات ومظاهر التمرد الشامل تلوح في أفق الجنوب، كما أنَّ وحدات المستوعبين قد رفضت عدداً من القرارات أهمها الآتي:
    1 - رفض الذهاب إلى الإقليم الشمالي نهائياً، ومهما كلف الأمر.
    2 - رفض التحرك حتى ولو كان داخل الجنوب.
    3 - رفض كل ما يصدر من تعليمات من قبل رئاسة اللواء في «ملكال».
    4 - اكتشاف اختلاسات كبيرة لم تشهدها القوات المسلحة في تاريخها، بلغت شهرياً حوالي المليوني جنيه شهرياً [ الجنيه الواحد يساوي دولاراً واحداً حينها ] كما فشلت رئاسة الكتيبة في إبراز أي مستند أو دفتر مالي بهذا الشأن، واستمر تمادي رئاسة الكتيبة في تصريف الأمور المادية والعسكرية.
    ازداد التآمر عندما وصل الرائد (كاربينو كرانج) إلى «بور»، وانضمامه إلى القوات الانفصالية المتمردة، ثم بدأ في قيادتها وقام بإصدار أوامر عديدة منها الترقيات والتي هي بالأصل ليست من اختصاصه؟
    كما تم الاتصال مع حركة التمرد «الأنانيا» وتم التنسيق معها، كما طلب منها التحرك إلى مواقع قريبة من منطقة «بور» ليسهل الاتصال بها وقت الحاجة، كذلك تم إرسال رسالة شفهية إلى قائد الفرقة يهددونه فيها بقتله هو وأسرته إن لم يصرف رواتب المتمردين كاملة.
    كما أرسلت كذلك رسالة إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس المجلس التنفيذي وقائد القيادة الجنوبية، تنص على ضرورة إرسال رواتب المتمردين وإلاَّ فإنهم سوف يرسلون جنوداً لقتل قائد القيادة وأسرته وبقية الضباط وأسرهم، كذلك انضم الكثير من الضباط والجنود لقيادة (كاربينو) رغم أنه لم تكن لـه علاقة بهم.
    إنَّ الملاحظ وبشكل ملفت للنظر أن الضباط والجنود الذين التحقوا بقيادة الرائد الانفصالي (كاربينو كرانج) أنهم كانوا يتبعون لقيادة الشمال، والسبب وراء تمردهم وتخليهم عن وحداتهم هو انتماؤهم إلى قبيلة (الدينكا).
    ازداد تدفق الجنود إلى منطقة «بور» ولقد كان هذا الأمر بمثابة تمهيد للاشتراك في التمرد المنتظر، ولقد تم كل هذا تحت سمع وعلم (أبل الير) الذي كان موجوداً في منطقة «بور»، السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان (ألير) مشتركاً في التمرد؟ أم أنَّ انتماءه القبلي هو الذي جعله يغض النظر عما يحدث؟؟
    هل نترك الأيام تجيب عن هذا التساؤل؟ فالوقائع التي ستأتي بها هي البرهان لما حدث وسيحدث، أمّا إذا أجبنا دون انتظار الوقت لقلنا نعم، هو متآمر!..
    محاولة القيادة احتواء الموقف:
    استدعت القيادة الجنوبية العقيد (استيفن) قائد الكتيبة /105/ من مكان تواجده في منطقة «اكوير» إلى مقر القيادة الجنوبية في «جوبا» لشرح الوضع السيىء في كل من «بور» و«البيبور» و«فشلا»، والبحث في رفض السرايا الانصياع للأوامر، والعمل على تبديل مكان تواجدها ونقلها إلى الشمال بشكل أساسي، كما أصدرت القيادة الجنوبية الوطنية أمراً إلى العقيد (استيفن) للقيام فوراً بالذهاب إلى «بور» وليشرف بنفسه على تنفيذ الأوامر الصادرة بتحرك الكتيبة /105/ إلى الشمال، ويشدد قبضته على الرائد (كاربينو) ويأمره بالعودة إلى مكانه الأول «فشلا» وألاَّ يعود مرة ثانية إلى منطقة «البيبور» و«بور»، وعلى الرائد (كاربينو) أن يعيد كل الضباط والجنود الذين التحقوا به في «بور» فهم في الأصل غير تابعين لوحدته؟
    شعبة الاستخبارات:

    جاءت «إشارة عاجلة» إلى شعبة الاستخبارات في القيادة الجنوبية مفادها أنَّ رئاسة الكتيبة /105/ تخطط لرفع السلاح في وجه أي قوة قادمة من الشمال لتحل محل الوحدات الجنوبية، وهنا تحركت القيادة بسرعة، ودفعت سرية المشاة الأولى إلى «بور» بقيادة الرائد (الزين)، كما وصل العقيد (استيفن) الذي اجتمع مع ضباط وجنود الكتيبة /105/ وأطلعهم على أهمية التبديل وفوائده في الحياة العسكرية، وما كان من عسكريي الكتيبة إلاَّ أن أبدوا اعتراضهم لإرسال سرية المشاة بقيادة الرائد (الزين) لمراقبتهم ولتأمين منطقة «بور»، كذلك هاجموا رئاسة الفرقة، وقائد الكتيبة الذي وصفوه بالجبان لانصياعه لتعليمات الشماليين.
    وفي 26/1/1983 أرسل قائد الكتيبة /105/ إلى العقيد (استيفن) /برقية/ يقول فيها: «إنَّ الموقف سيىء للغاية وإنَّ الجنود والضباط مصرون على حمل أسلحتهم، ويرفضون تسليمها إلى المخازن».
    والحقيقة أنَّه لا مجال لإعادة الأمور إلى الوراء، ولا سيما أنَّ التمرد بدأ يطل برأسه في مناطق الجنوب.
    وهنا أصدر قائد الفرقة عدة أوامر عسكرية، آخذ منها المهم:
    1 - الإعداد لعمليات حربية منذ الآن.
    2 - وضع الوحدات العسكرية المكلفة بهذه المهمة في حالة استعداد قصوى.
    3 - على الوحدات المنوط بها هذا الأمر أن تتجمع في «جوبا» خلال خمس ساعات.
    4 - توضيح طبيعة المهمة للجنود، وهو التحرك نحو الحدود السودانية اليوغندية وذلك بقصد التمويه.
    5 - توضيح كافة الأمور لرئيس الحكومة الإقليمية، وكذلك لجنة الأمن عن الموقف المتردي في «بور»، ولقد كلّف قائد الفرقة إرسال وفد سياسي عسكري إلى «بور» لشرح الموقف للضباط والجنود التابعين للكتيبة /105/ وبأنَّ ما يقومون به من رفض للأوامر، والانسياق وراء رغبات السياسيين سوف يجر عليهم المشاكل التي لا طائل لهم بها، ثم إنذارهم نهائياً بعدم اللعب بالنار.
    بعد ذلك، تقرر إرسال الوفد السياسي العسكري إلى «بور» وقد اختير عدد من المسؤولين والوجهاء لتمثيل الوفد، وهؤلاء هم:
    1 - دول اشويل، نائب رئيس المجلس التنفيذي العالي.
    2 - فيليب أوبانق، وزير التربية والتعليم الإقليمي.
    3 - عبد اللطيف شول، نائب رئيس هيئة مجلس الشعب.
    4 - مايكل وول، عضو مجلس الشعب.
    5 - اكوت ايتم، وزير الدفاع في الأنانيا، ومن أبناء منطقة «بور».
    6 - صموئيل قاي توت، وزير سابق ومن أبناء محافظة جونقلي.
    7 - الرائد (أروك طون) ممثل القوات المسلحة في مجلس الشعب، ورئيس لجنة الأمن في المجلس.
    8 - العميد جيمس لورو القائد الثاني للفرقة الأولى.
    9 - العميد مساعد النويري، قائد اللواء /13/ التابعة له الكتيبة /105/.
    10 - المقدم أسامة أمين المرضي - من استخبارات اللواء /13/.
    11 - المقدم السر أحمد سعيد من استخبارات الفرقة.
    12 - المقدم بينيامين أجوك، قائد ورشة الصيانة ومن أبناء النوير.
    ما هي الأسباب التي من أجلها تكون الوفد؟
    إنِّها الآتي:

    أ - تعدُّ مدينة «بور» مركز الثقل الذي انطلقت منه المعارضة الرافضة للتقسيم كما أنَّها معقل قبيلة (الدينكا)، وكما توجد فيها نسبة عالية من المتعلمين.
    ب - إنَّ مدينة «بور» هي مسقط رأس (أبل ألير) وهو متواجد فيها ومدعي الإصلاح؟
    أما في الحقيقة فهو يقود المعارضة الداعية إلى عدم التقسيم، وهو يبارك اختراق القوات المستوعبة، وبالتالي تحريضها الرفض التبديل بينها وبين وحدات الجيش وباعتبار أنَّ هذا التبديل يتنافى مع اتفاقية أديس أبابا.
    وصول الوفد:

    وصل الوفد المذكور إلى مدينة «بور»، وفور وصوله عقد اجتماعات امتدت على مدار ساعات عديدة، وأول الاجتماعات عقدت مع (ماريو) محافظة «بور» والذي كان متحاملاً على رئاسة القيادة لإصدارها أوامر التبديل، بعد ذلك عقد الوفد برئاسة (وول أشويل) اجتماعات مع الضباط والجنود، امتدت لساعات طويلة إلاَّ أن الجنود والضباط هؤلاء لم يلتزموا الانضباط وخاصة في المساء، وإنَّ سبب عدم الانضباط هذا يعود لأمرين:
    الأمر الأول: هو اتصال السياسيين الانفصاليين بهم ولا سيما بعد الانتهاء من الاجتماع الصباحي، حيث يقومون بتحريضهم على رفض التبديل جملة وتفصيلا.
    الأمر الثاني: هو أنَّ أكثرية هؤلاء الضباط الجنود كانوا يحضرون الاجتماع المسائي وهم في حالة «سكر شديد»، وهذا ما كان يدفعهم إلى التحدث بوقاحة، وبعدم احترام لمرؤوسيهم، وخاصة أنهم عسكريون ولا يليق بهم وبأي عسكري أن يتطاول على رؤسائه.
    وهذا يعود أيضاً إلى التلقين الذي كانوا يتلقونه من السياسيين الانفصاليين ضد العميد (جيمس لورد) والعميد (مساعد النويري) والضباط الشماليين والذي كان في غاية الوقاحة، وقلة الانضباط.
    لاحظ الضباط الوحدويين وكذلك العميد (جيمس لورد) أنَّ كلاً من (وول أشريل) و(قاي توت) و(كوت ايتم) يقومون بتحريض الضباط والجنود، ويقولون لهم: هل أنتم جاهزون للتمرد؟ فيجيب هؤلاء: نعم نحن جاهزون؟
    أخبار التمرد:

    تطورت الأحداث في منطقة «بانيتو» فقد تمردت الفصيلة القاطنة في «وانكاي» وقتل أفرادها الانفصاليون قائد الفصيلة الملازم (محمد أحمد فضل الله)، وثلاثة من التجار المسلمين، وكذلك هرب /12/ فرداً منها، وجميع هؤلاء المتمردين هم من قبيلة (النوير) ومع العلم فإنَّ هذه الفصيلة المتمردة تتبع الكتيبة /105/.
    ولقد هربت مجموعة أخرى من معسكر «بانيتو» وهؤلاء هم أيضاً من قبيلة (النوير).
    وفي يوم 20 - من آذار - مارس - عام 1983 هربت مجموعة أخرى من المتمردين من سرية المعاونة وهم أيضاً من قبيلة (النوير).
    وعلى أثر الهروب المتزايد من منطقة «بانيتو»، عقد قائد الفرقة الجنوبية اجتماعاً مع العميد (مساعد النويري) الذي جاء من مدينة «ملكال» كذلك مع المقدم (بيويوكوان) ولقد تقرر في هذا الاجتماع الآتي:
    1 - سحب بقية معاوني الكتيبة /105/ إلى معسكر «بانيتو».
    2 - تقديم شرح مكثف للضباط وصف الضباط والجنود حول التآمر الذي يقوده الساسة المرتبطون بالخارج.
    3 - إيجاد تعاون فعّال ومشترك بين الوحدات المحمولة جواً.
    وتعيين وحدات صغيرة دائمة عند مدينة «نانيتو» وعند آبار البترول وبحيث تكون هذه الوحدات من القوات القديمة.
    ولقد كثفت الاتصالات بين قائد القيادة الجنوبية ورئيس هيئة العمليات الفريق (أبو كدوك) وذلك بخصوص الموقف المتردي بشكل عام، والمتعلق بالكتيبة /105/ بشكل خاص، ومعالجة الوضع القائم في كل من منطقة «البيبور» و «بور» و «فشلا» وبحيث تتخذ الإجراءات المناسبة لوقف التمرد ومعاقبة مرتكبيه والمحرضين لـه، وبدون هذه الإجراءات فسوف يقع الجنوب كله فريسة لهذا التمرد.
    وفعلاً، فقد حشدت القوات اللازمة للهجوم على المناطق المتمردة في وقت واحد، ولقد قدمت هذه القوات من مدينة «جوبا» و«أكوير»، ولقد نفذ الهجوم على عدة مراحل كان الهدف منها هو الآتي:1
    - إسقاط (أبل ألير) و(جوزيف لاغو) ومحاولة ضربهما ببعضهما لإبعادها عن المسرح السياسي.
    2 - تفجير الصراعات القبلية والسياسية ثم تعميقها.
    3 - نقل الصراعات القبلية إلى داخل المؤسسة العسكرية، والقصد من وراء ذلك إظهار الجيش السوداني بوصفه مؤسسة عسكرية شمالية فقط.
    4 - استثمار النجاحات فيما سبق لخلق مناخ لاندلاع التمرد من جديد في حال فشل الانقلاب الذي ينفذه «عسكريو وسياسيو» الجنوب أو إعلان فصل الجنوب في حالة نجاح الانقلاب.
    التآمر:

    أدركت الدوائر الغربية أن نجاح مخططها لفصل الجنوب لا يمكن أن يتحقق إلاَّ عن طريق التآمر، فأوعزت إلى الانفصاليين للقيام بتمرد سياسي يتبعه تمرد عسكري وقتال، ولا سيما أن حلقة التآمر المخطط لها من قبل الدوائر الغربية والتي قام بتجسيدها وتنفيذها المتمردون، عملت على تحقيق هدفين مكملين لبعضهما البعض هما:
    الهدف الأول: إجهاض اتفاقية «أديس أبابا» رغم /علاّتها/ وبما يمكِّن من انهيار الحكم الذاتي الذي لا يمكن تحقيقه إلاَّ بإشعال نار الفتنة والعمل على تقوية الصراع بين بطلي اتفاقية أديس أبابا، الأول: هو (أبل ألير) الذي يؤمن بالوحدة الوطنية، أما البطل الثاني فهو اللواء (جوزيف لاغو) قائد حركة تحرير جنوب السودان. ينحدر (أبل ألير) من قبيلة (الدينكا) التي تعتبر من أكبر قبائل السودان، ويعد أول رئيس للمجلس التنفيذي العالي للإقليم الجنوبي.
    و(جوزيف لاغو) هو الذي وقع على اتفاقية «أديس أبابا» مع رئيس الجمهورية (جعفر النميري) ولاحقاً تم استيعابه في الجيش السوداني وبالرتبة نفسها التي اختارها بنفسه أي رتبة «لواء» عين قائداً للقيادة الجنوبية، وبحيث يتفرَّغ لتنفيذ الجانب العسكري من «الاتفاقية».
    كان التنافس بين (أبل ألير) و(جوزيف لاغو) قوياً جداً ودفيناً في أعماق نفسيهما، وكان لابدَّ من الاشتغال على إخراجه إلى السطح، وبما يمكِّن من استغلاله لصالح جهة الانفصاليين، وهذا ما حدث فلقد عمد الانفصاليون إلى ضرب الاثنين ببعضهما البعض، هكذا يتم إبعادهما عن الساحة فيخلو الجو لتنفيذ المخطط المرسوم، فاستمرار (أبل ألير) و(جوزيف لاغو) على رأس قيادة الإقليم الجنوبي وهما متفاهمان سيقلل من نجاح خطة التآمر، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي إلى إحباطها؟
    كما أنَّ الاستمرار في تنفيذ بنود اتفاقية «أديس أبابا» سيحبط التآمر، إذاً لا بد من إسقاط (أبل ألير) نائب رئيس الجمهورية ثم وضع بديل عنه وهو اللواء (جوزيف لاغو)، ولكن وقبل أن يتمم (لاغو) فترة توليه السلطة يجب أن تلوث سمعته بتهم كثيرة وواضحة كعدم الوفاء لبلده، والفساد، والرشوة وضعف القيادة، وعندها يسقط «أوتوماتيكياً».
    بدأ المتآمرون في تنفيذ مخططهم لإسقاط (أبل ألير) وذلك عبر إشعال نار الصراع بين قادة (الأنانيا) والقادة السياسيين، ولا سيما أولئك الذين لم يقاتلوا ويحملوا البندقية وكان لهم نصيب الأسد في إدارة الحكم الذاتي الإقليمي، انتقل الصراع بين كافة الأطراف إلى صراع سياسي عسكري وخاصة بين (جوزيف لاغو) و(أبل ألير) على السلطة، فا(ألير) بحكم منصبه ينوب عن رئيس الجمهورية كقائد عام للجيش السوداني في الجنوب، وهذا لم يرضِ (لاغو) فهو ينظر إلى «نائب رئيس الجمهورية» نظرة قائد إلى جندي يستطيع أن يسرحه في أي وقت يشاء.
    لقد جاءت الفرصة المناسبة، وتم إعفاء أربعة وزراء في حكومة (ألير) كما تم اعتقال (كلمنت امبورو) ثم «تمَّ» سجنه بتهمة اشتراكه في مؤامرة عام /1975/ التي قادها وفشل فيها العقيد (حسن حسين)، لقد استغلت هذه الأحداث القوى الانفصالية، وبدأت هجومها على شخص نائب رئيس الجمهورية (ألير) وقد وصفته بأنه ذو شخصية ضعيفة وبأنَّه رجل لا يصلح حتى لقيادة نفسه؟! ومن التهم التي ألصقتها به محاولته فرض سيطرة قبيلة (الدينكا) على كل الإقليم الجنوبي، ومحاولته جعل بقية القبائل «قبائل من الدرجة الثانية» أمام قبيلته التي وضعها مكان الشماليين.
    ولقد وسعت القوى الانفصالية عملها في سبيل تحقيق هدفها المتمثل في إسقاط (ألير) فقامت بتجميع كل الفعاليات المعارضة لـه وجعلت منها معارضة واحدة قوية تشمل كلاً من «حزب سانو والفعاليات الاستوائية، كذلك معارضي أعالي النيل وبحر الغزال» وقد نجحت في ذلك.
    فشل نائب رئيس الجمهورية (أبل ألير) في صد المعارضة الانفصالية، وفي الوقت نفسه أخذت هذه القوى المعارضة الانفصالية تسلط الضوء على قائد قوات «الأنانيا» الذي رُقي إلى رتبة «فريق»، وبدأت الترويج لـه وإظهاره بوصفه الرجل الوحيد والقوي الذي يستطيع قيادة الجنوب بأكمله بكفاءة واقتدار في المرحلة المقبلة، كذلك بإمكانه تحقيق مكاسب جيدة عبر اتفاقية أديس أبابا، وهذا لم يكن بالأمر الشائك بالنسبة للقوى الانفصالية، فهي تعلم الكثير عن شخصية الملازم اللواء الفريق (جوزيف لاغو)، ومواطن قوته وضعفه، فعملت على استغلال نقطة الضعف فيه ألاَّ وهي شهوته للسلطة والتكبّر المقرون بشخصيته، إضافة إلى «مركّب النقص القبلي» الناتج عن كونه ينحدر من أصغر قبائل الجنوب وهي «المادي»، نجح الانفصاليون في تصويرهم للفريق (لاغو) بأنَّه الزعيم الجنوبي بلا منازع، والقادر على تأسيس حكم اقليمي قوي يبعد عنه أهل الشمال «وكأن أهل الشمال أعداء ألداء لإخوانهم الجنوبيين وذلك حسب تعبير الانفصاليين»، ولقد تمكنوا من إقناعه بأنَّه الرجل الوحيد الذي يوازي بل يتفوق على رئيس البلاد حينها (جعفر النميري)، ولقد أوقع (لاغو) نفسه في هذا الكمين الذي نصبه لـه الانفصاليون من دون أن يشعر بذلك، فلقد رشح نفسه كمنافس لـ (أبل ألير) في انتخابات رئاسة مجلس الشعب الإقليمي، ولقد تم اختياره بالتزكية بعد أن سحب ترشيحه (ألير) بناءً على رغبة الرئيس (جعفر النميري).
    إنَّ رغبة الرئيس (النميري) حول انسحاب (ألير) من الترشيح للانتخابات لم تكن رغبة عاطفية، بل جاءت بعد قراءة واقعية وعميقة للجو العاصف وللكمين الذي نصبه الانفصاليون، وهنا كان قد توصل (النميري) إلى قناعة مفادها سقوط (ألير) في الانتخابات، وهذا إن تم فلسوف يسيء إلى مكانته كرئيس وقائد للجيش.
    ترك (ألير) منصبه بعد أن أدلى ببيانه من إذاعة «جوبا» متوجهاً إلى الجنوبيين كافة، وممَّا قاله (ألير) في بيانه: «لقد سحبت ترشيحي حفاظاً على وحدة الصف، وترسيخاً للديمقراطية».
    حزم (ألير) حقائبه وغادر عاصمة الجنوب «جوبا» متجهاً إلى الخرطوم ليمارس عمله كنائب لرئيس الجمهورية، تاركاً وراءه الانفصاليين ومرشحهم القادم يصول ويجول في الإقليم الجنوبي، وكأنَّه «قورش» زمانه.
    إنَّ سحب (أبل ألير) ترشيحه، بل سقوطه كان أول خنجر مسموم يغرز في جسم الجنوب.
    ومنذ ذلك الوقت دخل الإقليم الجنوبي في دوامة الصراعات القبلية والسياسية، هذا ما أرادته القوة الانفصالية التي خططت لها، ووجهتها الدوائر الغربية أولاً، وإسرائيل ثانياً.


  5. #45
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الخامس
    ظهور السم القاتل رقم «2»


    كان ظهور حركة التمرد الجنوبية «الأنانيا واحد» أو السم القاتل عام 1955 نتيجة لتمرد وهروب العسكريين الجنوبيين إلى الغابات والمستنقعات بتحريض من الدوائر الغربية الرسمية والكنسية، وكان ظهور /الأنانيا/ «2» وليد تمرد وعصيان منطقة «أكايو» عام 1975، وإن كانت حركة التمرد الأولى تستهدف الانفصال وإنما بشكل مبطَّن فإنَّ حركة الأنانيا «2» قد أوضحت علانيةً أنَّ هدفها هو الاستقلال الكامل لجنوب السودان.
    ولقد قاد هذا التمرد العسكري (صموئيل تالي تون) والرائد (وليم عبدالله شول) والاثنان من قبيلة (النوير)، ولقد فشل هجوم وتمرد (أكايو) وهرب الاثنان إلى إثيوبيا وعاشا فيها حوالي ثماني سنوات، من هنا تشكلت الأنانيا «2» أي من قوى المعارضة التي رفضت اتفاق السلام الموقع في أديس أبابا عام 1972.
    ومع مرور الأعوام توسعت حركة الأنانيا إلى أن جاء عام 1983 فقامت الكتيبتان «105 و104» بالتمرد تحت قيادة العسكري الدينكاوي (جون كرنغ)، ولقد بلغ المتمردون الحدود الأثيوبية، واجتمعوا مع المتمرد (صموئيل تون) لكنهما سرعان ما اختلفا حول رئاسة حركة الأنانيا؟ وهكذا انشقت الأنانيا من حركة واحدة إلى اثنتين يقود الأولى (صموئيل تون) و(وليم عبدالله شول) ويقودهما السياسي المخضرم الدينكاوي (أكوت أتم) ولقد اعتبر هؤلاء أنَّ القيادات العسكرية المتواجدة على الحدود الأثيوبية جزء لا يتجزأ من القيادة السياسية، ولقد رفض (جون كرنغ) القيادة برئاسة المذكورين، وكون لـه قيادة ترأسها مباشرة، وسرعان ما اصطدمت حركته مع مجموعة أخرى من المتمردين ضمت كلاً من (وليام بتون يانج) والرائد (كرانيو كواتن بول)، ولقد بلغ التصادم العسكري بينهما إلى شرق أعالي النيل، وهنا تقدمت أثيوبيا ومديرها لمساعدة المتمرد (جون كرنغ) وأصبحت أثيوبيا الحليف القوي (لجون كرنغ) ومجموعته، هنا أعلن متمرد آخر واسمه (صموئيل أنوت) أنَّه عدَّل أهداف حركته من انفصال جنوب السودان إلى وحدة السودان، ولقد استمر التحالف بين (أنوت) والحكومة السودانية حتى عام 1984 حيث فقد حياته في خضم الأحداث، وبحسب ما يشير إليه بعض المطلعين والمواكبين لتطورات الجنوب فقد قتل (أنوت) من قبل جناح (جون كرنغ)؟
    هكذا تنقلت حركات الأنانيا بين انفصال... /وحدة/... اغتيال إلاَّ أن الجناج المنشق لحركة /الأنانيا/ أقام تحالفاً مع أنظمة الرئيس (جعفر النميري) و(سوار الذهب) و(الصادق المهدي) الذي اقترح أن يكون لحركة الأنانيا ركن سياسي وإذاعة خاصة بها...
    ومن هنا جاء تحالف (صموئيل أقوت) مع حكومة السودان في عام 1984، هكذا حصل (أقوت) على الدعم المطلوب لـه من مال وسلاح ليجابه به /حركة (جون كرنغ)/ ولقد برَّر (أقوت) هذا التحالف بأنَّه نتيجة تغلغل الشيوعيين وسيطرتهم على حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان.
    وهكذا نجد أنَّ قبيلة (الدينكا) وبتسييرها للحركة العسكرية إنَّما تسعى لضم كافة قبائل الجنوب تحت مظلتها في مواجهة قبيلة (النوير) القوية والمعارضة.
    والذي حصل ومن الممكن أن يكون قد خطط لـه في الغرب هو انضمام حركة «الأنانيا/2» وذوبانها تدريجياً في حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان.


  6. #46
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب العاشر


    الفصل الأول
    قياديو الدينكا في الأنانيا /2/



    1 - صموئيل فالي نوت: جذور (نوت) دينكاوية إلاَّ أنه عاش واستوطن في مناطق (النوير)، لذلك يعتبره البعض من قبيلة (النوير) وعمل لسنوات طويلة في حركة الأنانيا /2/، وقد نافس (جون كرنغ) إلى أن قُتِل.
    2 - وليم نيون باتج: يعتبر من العسكريين في حركة الأنانيا، وجذوره دينكاوية إلاَّ أنه عاش في مناطق (النوير) فترة طويلة نتيجة للاستيطان.
    3 - جوردن مورتان ماين: ينتمي إلى قبيلة (الدينكا)، ويعد (جوردن) من أشد المتطرفين في مواجهة العرب والمسلمين، ولقد رفض اتفاق أديس أبابا عام 1972، وشرح سبب رفضه الذي عزاه إلى سببين:
    أولاً - عدم توافقه مع توجهات حكومة الخرطوم.
    ثانياً - وقوفه ضد (جوزيف لاغو) ليقينه بأنَّ (لاغو) قد اغتصب قيادة حركة الأنانيا من قبيلة (الدينكا) ولقد غادر الخرطوم بعد اتفاقية أديس أبابا.
    4 - النقيب جون كرنغ: في عام 1972 كتب النقيب (كرنغ) إلى قائد حركة الأنانيا (جوزيف لاغو) خطاباً يقترح فيه أن تكون للسودان ثلاثة جيوش وهي:

    1 - جيش للجنوب.
    2 - جيش للشمال.
    3 - جيش مشترك بين الشمال والجنوب.
    إلاَّ أنَّ خطابه حينها أهمل، وكان ذلك أثناء إجراء المفاوضات في أديس أبابا.
    عاد (جون كرنغ) وكتب إلى كافة قادة الأنانيا يوضح ضرورة استمرار الحرب مع الجيش السوداني، ولقد اقتنع عدد قليل بفكرته، عندها أبلغ قائده العسكري بأنَّ قواته في منطقة «بور» غير جاهزة للانخراط في الجيش الوطني، إلاَّ أنَّه وعندما لم يجد لـه لا حولاً ولا قوة انصاع لاتفاق أديس أبابا، ودخل مع قواته في الجيش السوداني، رغم رفضه لهذا الاتفاق.
    هؤلاء هم أهم القادة المتمردين...
    أهداف حركة (الجيش الشعبي المتمرد):
    حدد النقيب السابق والعقيد المتمرد اللاحق (جون كرنغ) سبب إنشاء /الجيش الشعبي لتحرير السودان/، بعدد من الأهداف نذكر بعضاً منها:
    1 - أشار الرئيس النميري في أحد بياناته بالآتي: علينا تقسيم السودان إلى أربعة أقسام: شمال - جنوب - غرب - شرق.
    2 - تسييس الناس في الجنوب تبعاً لقبائلهم، وإطلاق الأسماء التالية عليهم: /اتحاد دينكا الاستوائية العظمى - مسلمين - مسيحيين - عرب - أفارقة/.
    3 - حل اتفاق أديس أبابا عام 1972، والمجالس الجنوبية، والحكومات وكان المحرك الأساسي لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان، فقد كانت نظرته المعلنة متجهة إلى إقامة نظام اشتراكي يعطي الديمقراطية والحقوق الإنسانية لكل القوميات، ويضمن الحرية لكل الأديان، وكان يدعو إلى فتح صراع عسكري لأنَّ الصراع السلمي كان دائماً يقابل بالقوة والقتل العشوائي حسب تعبيره.
    الحقيقة:

    إنَّ قيام حركة الجيش الشعبي لا يهدف إلاَّ لأمرٍ واحد وهو فصل الجنوب عن بقية أجزاء السودان، وقيام دولة طائفية قبلية.
    أولى عمليات الجيش الشعبي المتمرد:
    قام الجيش الشعبي بأولى عمليات العسكرية في 16/أيار – مايو/1984، فقد هاجم مدينة «الناصر» وقتل 120 شمالياً؟ وذلك حسب تصريح (جون كرنغ) قائد الجيش الشعبي، واستمرت العمليات العسكرية ففي 22/شباط – فبراير/1984 - على بعد 215 كم من قناة «جونقلي» هاجم الجنود الجنوبيون برئاسة المقدم «وليم بوت» والمقدم «كاوا ماكوير» وهما من قبيلة (الدينكا) القناة ثم نصبا كميناً لباخرة نيلية تنقل المواطنين بين الشمال والجنوب، وقتلا عدداً من ركابها، بعد ذلك قام الجيش الشعبي بضرب مدينة ملكال، وبهذه الأعمال العسكرية توقف العمل في المنطقة، وبالذات في قناة جونقلي.
    الدعم العسكري:

    هذا الدعم الشامل /لحركة الجيش الشعبي/ المتمرد لا يحتاج إلى إطالة تحليل وتفسير، لكنَّ السؤال الذي يطرح هو: كيف تمكن من إحكام قبضته على الحركة العامة، وكيف مكَّن حركته من الهيمنة على بقية التنظيمات التي انطوت تحت لوائه.
    إذا تجاوزنا دعم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، نقف قليلاً عند إسرائيل التي مدت وتمد (كرنغ) وحركته بالسلاح، وتدرب جنوده في أرض الجنوب وعلى أرض فلسطين المحتلة، هذا أمر لا يدهشنا ولا يؤسفنا ولا يجب أن نقف عنده فإسرائيل عدوة العرب من مسلمين ومسيحيين فما الذي ننتظره منها؟
    ولكن الأمر المؤلم هو دعم الدول العربية للحركة الانفصالية الصليبية.
    ولقد أتى هذا الدعم من أربعة أماكن:
    1 - الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وإسرائيل.
    2 - الكنائس وعلى رأسها مجلس الكنائس العالمي.
    3 - أفريقيا وعلى رأسها أثيوبيا.
    4 - الدول العربية؟!
    وقبل التطرق إلى نوعية وكيفية هذا الدعم، سنورد بعض المعلومات عن علاقة الجيش الشعبي بقيادة (كرنغ) مع بعض الدول العربية.
    أعلن العقيد معمر القذافي في عام 1985، وفي العاصمة السودانية «الخرطوم» بأنَّه هو الذي خلق (كرنغ) على الساحة العسكرية في السودان وأنَّه أمد الجيش الشعبي بالعتاد والسلاح والمال أيضاً... وتبيَّن أنَّه قادر على قتل الجيش الشعبي إذا لم يوافق قائدها (كرنغ) على السلام والحوار مع الحكومة بشأن الجنوب... وأنَّ «كرنغ» عدَّل موقفه وتحولت حركته إلى حركة عنصرية ضد العروبة؟
    ولكن، ما الذي دفع العقيد القذافي إلى خلق (كرنغ) وتحويل حركته؟! الأمر المعلن هو عداؤه مع الرئيس (جعفر النميري)، ولكن هذا العداء سيؤدي إلى اقتطاع جزء كبير ومهم من السودان العربي، وليبيا دولة عربية؟! وهل ميلاد الجيش الشعبي الذي رعته الدولة العربية الأفريقية إنما هو موافقة الدول العربية على قيام دولة عنصرية تعمل ضد العرب والإسلام، هل ضغط عليها من رئيسة عالم الغرب على مدِّ هذه الحركة بالمال والسلاح، والعمل على فتح مكاتب لها بشكل رسمي أو بغير رسمي، إذاً وكما قال العقيد القذافي فإنَّ حركة (كرنغ) هي من صنع ليبيا، وبالتالي من صنع الدول العربية؟!
    هذا ما يمكننا قوله، ولكن علينا أن نعلم أن جنوب السودان سيكون فلسطين أخرى محتلة يسكنها أناس معادون لديننا وثقافتنا وعاداتنا؟!
    عندما كنتُ في مدينة «جوبا» وضواحيها شاهدت بأم عيني السلاح العربي في أيدي الجنوبيين الذين تم أسرهم؟!
    والحق يقال إنَّ سورية والعراق هما الدولتان الوحيدتان اللتان وقفتا مع السودان كيفما كان نظامه، فقدمتا لـه الدعم المالي والعسكري والإعلامي والمعنوي، كي يحافظ على كيانه رغم الدم الغزير الذي يسيل على أرضه من دماء السودانيين جنوبيين أو شماليين؟!
    لقد تمكن المتمرد (جون كرنغ) الذي يرفض اللغة العربية والتحدث بها ولا يتكلم سوى الإنكليزية من أن تفتح لـه بعض الدول العربية مكاتب لحركته المتمردة الانفصالية؟!.
    سقوط النظام الأثيوبي الاشتراكي؟

    سقط نظام (منغستو هيلا مريام) وسقط معه النظام الماركسي، فامتنعت ليبيا عن تقديم الدعم (لجون كرنغ) وحركته، وكأنَّ أمر تقديم المعونات مرتبط بعلاقة النظام الليبي بالنظام الماركسي الأثيوبي، وكذلك تضاءل حجم المعونات التي كانت تصل للمتمردين من المنظمات الدينية والتي كانت إحدى الأسس الرئيسية في تقدم حركة التمرد في الجنوب كما أوقفت أثيوبيا معوناتها، وأغلقت مكاتب الحركة، إلاَّ أنَّ تخزين الأسلحة الشرقية مثل صاروخ الـ «سام 7» المضاد للطائرات، والذي أسقط عدداً من الطائرات التابعة للجيش السوداني خلال سنتين أي من عام 1986 - 1988 فمقابل هذه الصواريخ، حصلت الحركة الشعبية على دبابات وناقلات جند فضلاً عن المدفعية الطويلة والقصيرة المدى...الخ.
    وبعد هذه الخلاصة المستفيضة دعونا نعد إلى حركة التمرد الثانية، إنني لا أقصد الإطالة إنما هناك أشياء لابد من معرفتها ثم تعميقها لدى القارئ وخاصة القارئ العربي، إن من قاد التمرد في مراحله الأولى لا يختلف مطلقاً في أهدافه، وإن من يظن بأن (كرنغ) يختلف عن سواه إن لم يكن أكثر مغالاة فهو مخطئ، وفيما يلي أقدم شيئاً عن التمرد وعن زعيم التمرد الذي أتى باتفاق (مشاكوس) مدعوماً من الغرب وكنائسه المتصهينة، أما دور اليهود في جنوب السودان فهو قديم وبعمر يزيد عن المئة عام؟
    المؤتمر التبشيري...

    في عام /1910/ عقد المؤتمر الإرسالي /التبشيري/ في أدنبرة بإنكلترا، وصدرت عن هذا المؤتمر عدة توصيات أهمها الآتي:
    «إنَّ أول ما يتطلب منا العمل فيه إذا أردنا كسب أفريقيا لمصلحة /المسيح/؟! أن نقذف بقوة تنصيرية قوية في قلب أفريقيا لمنع تقدم العروبة والإسلام؟».


  7. #47
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    دور اليهود في جنوب السودان


    في عام /1900/ قدم اليهودي (واريوت) وهو خبير بشؤون /الفلاشا/( ) اقتراحاً إلى اللورد (كرومر)( ) بشأن توطين اليهود في السودان؟
    وفي عام /1907/ قدم (أبراهام جلانت) وهو يهودي أيضاً، الاقتراح نفسه إلى رئيس المنظمة الإقليمية اليهودية.
    إذاً، فلقد كان السودان ومنذ القديم محط أنظار واهتمام اليهود، ولا نغالي مطلقاً إذا قلنا إنَّ اليهود ومنذ شتاتهم كانت أعينهم على السودان وما زالت إلى يومنا هذا، ولو سمح القدر وسمحت الظروف أيضاً، فأين سيتم توطينهم في السودان؟ بالنسبة للشمال سيغدو هذا التوطين ضرباً من المحال وذلك لأسباب عديدة، منها أن الشمال يدين بالإسلام، ولذلك فإنَّ الزحف سيكون على الجنوب، وسوف يكون مؤيداً ومدعوماً من القوى الصليبية العالمية لأنَّ الأرضية مهيأة من قبلهم لتوطين اليهود من أجل السيطرة على منابع النيل، وهنا تكون قد تمت إشادة الضلع الأول من الدولة العبرية العظمى؟!
    وقد أدركت إسرائيل أنَّ الحركة الشعبية لتحرير السودان /المتمردة/ هي المعبر المضمون لدخولها إلى جنوب السودان، وفي المقابل أدركت الحركة الشعبية /المتمردون/ أن مصالحها هي في تعميق صداقتها مع إسرائيل.
    وهكذا قام الإسرائيليون والمتمردون بمد حبال التقارب بينهما، فتم التعاون والتنسيق بينهما، وبدأ زعماء الحركة بزيارة /إسرائيل/، في مقابل الزيارات الميدانية لجنوب السودان من قبل ضباط أمن ومخابرات إسرائيليين، ولقد تم هذا وسط سرور عميق من الغرب.
    فقد أرسل عدد كبير من شباب الجنوب إلى إسرائيل لاتباع دورات عسكرية وأمنية مكثفة، واستطاعت الأخيرة تدريب حوالي 30 ألف متمرد في الحدود اليوغندية الشمالية وفي شهر آذار عام /1994/ أقامت إسرائيل جسراً جوياً إلى مناطق المتمردين، كما أوفدت الخبراء العسكريين لتدريب المتمردين، وتتوج هذا التعاون بين الجانبين؛ بإعلان اليهودي الجنوبي (ديفيد بسيوني) ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة الجنوبية التي تقود حركة التمرد وكان ذلك عام /2001/.
    وكان من ثمار هذا التعاون أن أعلن متحف /الهولوكست/ في مدينة نيويورك تضامنه مع المسيحيين الجنوبيين، حيث قال الناطق باسم المتحف ما يلي:«إنهم يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي».
    وسرعان ما كونت اللجنة العليا للمتحف لجنة باسم /لجنة الضمير/؟ برئاسة يهودي متعصب يُدعى (جيري تاولر)، وأسفرت أعمال لجنة /الضمير/ عن قيام معرضٍ أُلحق بالمتحف الهولوكوستي/ يُظهر مآسي حرب الجنوب.
    ولقد قاد اللوبي اليهودي المسيطر على الإدارة الأمريكية جملة قوية في الكونغرس لتبني حركة التمرد في جنوب السودان.
    نظرة تاريخية:

    إنَّ تحالف اليهود مع الحركة الجنوبية المتمردة، عبَّر عنه جنوبي يدعى (بول فاك) حيث كتب ما يلي:
    «إنَّ القبائل النيلية ترجع في الأصل إلى النبي يعقوب، فهي قبائل سامية ذات أصل إسرائيلي؟!!».
    بعيداً وفيما يتجاوز صحة أو عدم صحة ما عبَّر عنه (بول فاك) فإنَّ التمرد الحاصل في الجنوب إنما هو من صنع المسيحيين المتصهينين.
    وتعمل حركة التمرد بجد للفوز بوضع مماثل لوضع إسرائيل وما تحظى به من دعم ومساندة الولايات المتحدة، وهكذا استقبلتهم أمريكا سواءً كانوا يهوداً أم نصارى، وستمنحهم الأولوية في القارة الأفريقية، ولأنهم في نهاية الأمر سينضوون تحت راية شعب الله المختار؟! عندما سقط النظام السوفييتي الاشتراكي، وسقط معه النظام الأثيوبي ممثلاً بالجنرال (منغستو هيلا مريام) بدأت أمريكا تحيط التمرد بالعناية، وتمثل هذا بالآتي:
    1 - عملت أمريكا من خلال المؤسسات والمنظمات الطوعية وبأيدٍ خفية على تقديم دعمها للحركة، وبما أشبع رضاها.
    2 - طوّع اللوبي الصهيوني الإدارة الأمريكية بكافة أجهزتها الدبلوماسية والسياسية والمخابراتية، وكذلك الفرنجة المتشددين دينياً، ومن يدعون حماية الصليب والحقوق النصرانية وعلى رأس هؤلاء بوش الابن الذي قال في شهر آذار - عام /2004/ سنتصدى لحفظ كرامة الإنسان، وضمان الحريات الدينية في كل مكان من العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان؟
    هذه اللهجة الصليبية الفرنجية التي تكلَّم بها (بوش)، لو صدرت هذه الأقوال والتي اقترنت بالأفعال من أي مسؤول عربي مسلم لقامت الدنيا ولم تقعد، ولشرعت قوات المارينز والبوارج والكروز وغيرها بالتحرك لمحاربة الإرهاب العربي الإسلامي، وسوف تبحث عنه لتقتله كما يقتل الصهاينة أولادنا ونساءنا في فلسطين والعراق، وكما يقتل المتمردون شبابنا في الجنوب السوداني.
    وهذا ليس بالأمر المفاجئ لنا، فلا يمكن لأمريكا أن تخرج عن نهجها وثقافتها ودينها المتصهين والذي تعمل على نشره في كل أنحاء العالم.
    فلا يمكن لأمريكا المتصهينة أن تكون أقل عنصرية وتعصباً من سابقتها بريطانيا العظمى التي فعلت الأعاجيب في الجنوب، فمنذ القديم بريطانيا تعمل ضد العرب والمسلمين وخير شاهد على ذلك هو التاريخ الذي يروي لنا كيف أتت جيوشهم تحاربنا في بلداننا العربية.
    وقبل أن تخرج بريطانيا من الجنوب أشعلت فيه فتيل الحرب ورفعت رايته تحت شعار حماية الدين، وقبل أن تخرج من الجنوب السوداني كانت تملك مفاتيح الحل والربط بينما الغرب وعلى رأسه أمريكا لم يملك إلاَّ بعضاً منها.
    ولذلك لن تكتفي قوى الفرنجة المتصهينة بالوقوف عند انفصال الجنوب، وإقامة دولة متصهينة، بل إنَّ هدفها هو تمزيق السودان العربي الإسلامي، وللتأكيد على ذلك نورد ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكية (كولن باول)، حيث قال: «نريد خطوات عملية جادة، وليس مجرد خطوات استعراضية».
    ولكن ما هي هذه الخطوات العملية الجادة التي قصدها الوزير الأمريكي؟
    الجواب: المقصود بهذه الخطوات هو إدخال عناصر إلى أجهزة الدولة تدعو إلى إقامة الدين اليهودي المزيف؟!
    انبرى اليهود لدعم المتمردين على خلفية ما ذكرناه ووفق التالي:
    إذا تساءلنا عن الدور الإسرائيلي في جنوب السودان لتبادر إلينا سؤال وهو أن:
    السودان لا يعتبر دولة مواجهة مع إسرائيل، حتى تعمل المذكورة على بذل جهد غير عادي لإضعافه كما أن السودان خارج نطاق دول الطوق أو دول الدعم كما أن الأنظمة التي تتالت لم تقم بأي دور يذكر في دعم مصر
    (عبد الناصر) أثناء حملة /قاديش/ على مصر كذلك العدوان الثلاثي عام 1956 وأيضاً أثناء حرب الخامس من حزيران عام 1967 انهزم العرب فيها، إذاً السودان كأنظمة متتابعة لم يقدم للعرب في حربهم ضد إسرائيل الشيء الهام والذي يستحق ذكره؟
    فالإسرائيليون ينظرون بمنظار يختلف تماماً عما نراه نحن العرب، وأعلنت قبل مدة دراسة صدرت عن مركز دراسات إسرائيلي مهم بإفريقيا بشكل خاص، وقد كتب هذه الدراسة عميد متقاعد يدعى (موشي فرجي) يتحدث فيها عن العلاقة الرسمية والشخصية للإسرائيليين مع قادة حركة التمرد في جنوب السودان وكبيرهم (جون كرنغ) يقول صاحب الدراسة التالي:
    «قد يبدو الموقف الإسرائيلي من التدخل في الصراع الداخلي الذي نشب في السودان، واعتبر في بدايته مجرد حدث محلي، غريباً ومحيراً بل ومثيراً للدهشة والتساؤل بسبب مجموعة من العوامل التي لابد من ذكرها ونحن نحاول تفسير أبعاد الدور الإسرائيلي في الأزمة السودانية الذي بدا في الآونة الأخيرة واضحاً وجلياً وسافراً أيضاً».
    ما الذي نقرؤه من هذه المقدمة لكاتب يهودي؟
    1 - علينا أن نعلم أن أي دور تآمري على الشعب السوداني يتم تدبيره في يوغندة، بل علينا أن نكون صريحين أكثر عندما نقول يتم /طبخه/ في البلد المذكور وهناك عداء للعرب والإسلام يكمن في عقول وصدور القادة اليوغنديين كافة إذا استثنينا منهم (عيدي أمين دادا) في التآمر لغاية منتصف ولايته الذي كان ضالعاً فيه أيضاً.


  8. #48
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    البداية الثانية للدعم الإسرائيلي للمتمردين


    في عام 1969م بدأت حركة التمرد تتفتت نتيجة الضربات العسكرية التي وجهها الجيش السوداني الوطني، شعرت إسرائيل والغرب بأن حركة التمرد قاربت على الانتهاء فتحركت الدوائر الغربية والإسرائيلية لتقدم العون والدعم المادي والعسكري للمتمردين الجنوبيين وكانت السفارة الإسرائيلية في يوغندة هي صلة الوصل بين المتمردين والدوائر الإسرائيلية، وإن رجل المخابرات الإسرائيلية (جايم ماساتي)( ) هو المنسق لهذه الاتصالات والمذكور تربطه علاقات وطيدة مع الكثير من سياسيي وضباط حركة /الأنانيا/ وبخاصة مع وزير دفاعها (فريدريك ماجون) كما كانت للملحق العسكري الإسرائيلي في يوغندة العقيد (باروخ باربيز) مهمة إيصال هذه المساعدة إلى الانفصاليين في الجنوب، ونتيجة وصول الأسلحة العسكرية الإسرائيلية إلى المتمردين سالت الدماء كثيراً كما اجتاحت الجنوب كافة حركة تمرد شاملة، قال كاتب الدراسة العميد (موشي فرجي) الآتي: ركز الخطاب السياسي الإسرائيلي الموجه لحركة التمرد على الروابط والوشائج بين الشعب اليهودي والأفارقة منذ عهد الملك (سليمان) حتى الآن وكيف أن هذا الشعب يواجه خطر الإبادة والفناء على يد العرب والمسلمين كما هو الحال بالنسبة لليهود على مر السنين.
    «حول هذا الموضوع كتبت جريدة الأهرام المصرية التالي»:
    لم تقتصر جهود الساسة والباحثين اليهود على عملية الربط التاريخي بين اليهود والأفارقة بل امتدت أيضاً إلى الربط الفكري بين الحركة الصهيونية وحركة الجماعات الأفريقية والزنجية والحديث عن الاضطهاد المشترك؟
    العودة للعصيان المسلح:
    في عام 1983 استأنفت حركة التمرد نشاطها بقيادة الجيش الشعبي وزعامة العقيد الهارب من الجيش الوطني السوداني (جون كرنغ) كذلك وسّعت إسرائيل مساعداتها للمتمردين بعد أن أدركت أن الفرصة أصبحت سانحة لاستئناف دورها في دعم حركة الانفصال وسقوط اتفاقية أديس أبابا عام 1972، ولأسباب عديدة أخرى...


  9. #49
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    قصة التآمر... (كرنغ) وزملاؤه


    التقى المتمرد (جون كرنغ) مع عدد من السياسيين والضباط وعلى رأس هؤلاء الضباط (سلفاكير) في مدينة ملكال، وتناقشوا علناً حول التمرد الحاصل أما المخفي فكان بعث وإذكاء التمرد، بعد هذا اللقاء العلني والمخفي انتقل (كرنغ) من ملكال إلى جوبا بعد أن أنهى تآمره مع زميله (سلفاكير) وكان يرافق (كرنغ) الرائد (أروك طون أروك) والذي رافق (كرنغ) في جميع الاجتماعات التي عقدها من وراء ظهر قيادة الجيش السوداني الوطني، وكان يقوم بالتمويه لتحركات (كرنغ) ومثال على ذلك، أنه عمد ولكي يغطي تحركاته إلى السكن مع (جيمس لورو) القائد الثاني للفرقة العسكرية المتواجدة في الجنوب.
    وفي يوم 27/4/1983، اجتمع /كرنغ/ مع بعض العناصر الأجنبية الكنسية، وكان على رأس هذه العناصر (فوستر) الذي أشار على (كرنغ) أن يسارع بالسفر إلى «بور» لتنفيذ الهجوم على «جوبا» وذلك قبيل تنصيب الرئيس (النميري) الذي سيجري في 24 - 5 - 1983 لتسلمه الولاية الثالثة.
    شن الهجوم المذكور والذي كان من نتائجه التخلص من كل شمالي وطني في الجنوب من خلال قتله على يد الانفصاليين، بحيث يقوم أحد الانفصاليين ويذيع بياناً من إذاعة /جوبا/ يعلن فيه انفصال الجنوب نهائياً عن الشمال.
    بدأت قوات كبيرة من حركة «الأنانيا 2» تتجمع على بعد /50 كم/ من مدينة «بور» التي سيقصدها (كرنغ) حسب رجل الكنائس العالمية (فوستر)، فبدأت عناصر «الأنانيا» بالتجمع، وأخذت تتصل ببعض القادة السياسيين والعسكريين ومن هؤلاء العسكري (كربينو كرانج)، والسياسي (قاي توت)، والمحامي (ماجير) و(كوت ايتم) وغيرهم، أما في «بور» مكان تواجد الكتيبة /105/ فكان كافة أفراد هذه الكتيبة مضافاً إليهم قوات الشرطة والسجون وحراس الصيد قد وصلوا إلى مرحلة التمرد الكامل، أي أنهم أخذوا يحملون السلاح ويجوبون به أنحاء المدينة ليلاً نهاراً.
    تحرك الرائد (كاربينو) ومعه عدد من الضباط وضباط الصف وعلى رأسهم (يوسف كير) الذي يعد المحرك الرئيسي لكل ما يجري في مدينة (بور) وما يحاك من تحركات ومؤامرات، وكان يرافقه أيضاً الملازم (ألير) والنقيب (بنجامين) وهذان الضابطان تابعان لقيادة الشمال، ولم تكن لهما أي علاقة بالقيادة الجنوبية، ولكنهما انضما إلى الكتيبة /105/ بعد أن هربا من مكان تواجد وحدتهم في الشمال ومن دون علم القيادة أو شعبة العمليات، أي هربا وفق مزاجهما التآمري الانفصالي.
    قام هؤلاء ومن يتبعهم بضرب التجار الشماليين، ومصادرة كل ما لديهم من «العيش» إلى «النقود»، كذلك قام المتمرد (كاربينو) وأصدقاؤه مثل (يوسف كير) بمصادرة السيارات الكبيرة وما تحمله من مواد غذائية وغيرها - وهي في طريقها من الخرطوم إلى «جوبا».
    كما قاموا بضرب كل من هو شمالي ثم سلبه ما يحمل، وأثناء ارتكاب هذه الأعمال المشينة، قام الملازم الانفصالي مع عساكره بالسطو على متاجر الشماليين في مدينة «بور» وعمدوا إلى أخذ كل ما تقع عليه أعينهم وأيديهم.
    وصول جون كرنغ /اليوم الأول/:
    وصل (جون كرنغ) إلى «جوبا»، والتقى مع القائد الثاني للفرقة العسكرية في الجنوب أثناء استراحة هذا القائد، وبعد أن قدم (كرنغ) التحية العسكرية للقائد، بادره مسائلاً:
    - لقد وصلت يا (جون) إلى «جوبا» قبل أسبوع من وصولك إلى «ملكال» والتي بقيت فيها يومين، تابع قائد الفرقة موجهاً كلامه إلى (كرنغ):
    - لماذا لم تحضر إلى رئاسة القيادة للتبليغ عن وجودك رسمياً؟ أم ليست لديك رغبة في ذلك؟ ألا ينبغي عليك أن تقوم بتحية قائد الفرقة وهيئة القيادة؟
    - قال القائد هذا الكلام غامزاً لامزاً لأنه كان يعلم سبب مجيء (كرنغ)؟!
    قال (جون كرنغ):
    - أعتذر من سعادتك، سوف أحضر غداً لإلقاء التحية.
    - أجابه قائد الفرقة العسكرية:
    - ليكن حضورك قبل الساعة السابعة صباحاً.
    - حاضر سيدي.
    اصطحب قائد الفرقة بعدها (جيمس لورو) بعيداً وأخبره بأنَّه سوف يغادر «جوبا» غداً حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً متوجهاً إلى الخرطوم، ولفترة لا تزيد عن الـ /24/ ساعة فقط، ثم طلب منه استلام رئاسة القيادة لحين عودته، وعليه أن يبقى بشكل دائم مع العقيد (عز الدين هريري) والمقدم (عصام ميرغني) والمقدم (السر أحمد سعيد).
    اليوم الثاني لوصول (كرنغ) إلى جوبا:
    في اليوم الثاني لوصول (جون كرنغ) إلى «جوبا»، وحسب أوامر قائد الفرقة، كان المذكور واقفاً أمام قائد الفرقة يرافقه الملازم أول (فيصل عبدالله)، وبعد أن ألقى (كرنغ) التحية العسكرية، بادره قائد الفرقة قائلاً:
    - لماذا حضرت إلى «جوبا» وقبلها إلى «ملكال»؟!
    ردَّ (جون كرنغ) وقد ظهر الضيق عليه، قائلاً:
    - حضرت ... سعادتك... أنا في إجازة لمدة أسبوعين لزيارة الأهل وأخذ زوجتي من «بور» إلى الخرطوم.
    - ردَّ قائد الفرقة وبقوة:
    - ألم تسمع... ألم تصلك أخبار عن أنَّ الكتيبة قد تمردت وخرجت عن دائرة سلطة اللواء /13/ وقيادة الفرقة، وأنني سلمت قيادتها للسياسيين (قاي توت) و(كوت ايتم)، وأن (كاربينو) قد تمرد هو الآخر، وسلَّم نفسه للرقيب (يوسف كير) ليقوده؟
    - أبدى (كرنغ) استغرابه لما حصل، وسمعه مراوغاً...
    تحدث قائد الفرقة مطولاً، وفي نهاية الحديث قال لـ (كرنغ):
    - إياك والذهاب إلى «بور» فإنَّ حياتك ستكون في خطر إذا (مشيت) ثم قال له وهو يبتسم:
    - لا تذهب إلاَّ إذا كنت تعلم بكل شيء، وحضرت للمشاركة به.
    وعليك أن تعلم أنَّ القيادة تعلم بكل شيء، وبكل ما يدور من تآمر... عليك بالانصراف الآن.
    خرج (كرنغ) من مكتب القائد بعد أن أدى التحية العسكرية لـه.
    نظر قائد الفرقة إلى (كرنغ) وهو يخرج، ثم استدعى (جيمس لورو) إلى مكتبه، وقال له:
    - لا تسمح لـ (جون كرنغ) بالذهاب إلى «بور» بأي حال من الأحوال، وإن استدعى الأمر وضعه بالإقامة المشددة ثم أرجعه بطائرة عسكرية.
    أفلت (جون كرنغ) من (جيمس لورو) واستطاع الهروب بمعاونة (أروك طون أروك) إلى «بور» وذلك قبل رجوع قائد الفرقة من الخرطوم.
    في يوم 2/5/1983 وصل قائد الفرقة إلى مكتب (طمبرة) رئيس المجلس التنفيذي للإقليم الجنوبي:
    شرح قائد الفرقة العسكرية الوضع في الجنوب، ثم قال للمجتمعين من قادة سياسيين وعسكريين: علينا أن نشن هجوماً خاطفاً على سرايا الكتيبة /105/، وقد قررت السفر إلى الخرطوم لشرح الموقف لرئيس الجمهورية، وأطلب أن يرافقني رئيس المجلس التنفيذي (طمبرة).
    في اليوم الثاني غادر (طمبرة) وقائد القيادة الجنوبية «جوبا» إلى الخرطوم، ومن مطار الخرطوم إلى مكتب رئيس جهاز أمن الدولة اللواء (عمر الطيب) الذي كان يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الجمهورية السودانية وبعد مرور دقائق على بدء المناقشات، انضم إليهم رئيس هيئة العمليات ومديرو العمليات والاستخبارات، قام (طمبرة) بشرح خطورة الوضع وطلب أن يتم بشرح الموقف لرئيس الجمهورية وبحضور هيئة القيادة.
    كذلك طلب حضورَ الاجتماع كلٌّ من (عمر الطيب) و(جوزيف لاغو) نائب رئيس الجمهورية، و(طمبرة)، ومديري أفرع العمليات والاستخبارات، ومدير مكتب القائد العام العقيد (أبو القاسم إبراهيم محمد)، وهناك معلومات غير مؤكدة عن حضور كل من الدكتور (حسن الترابي) و(الشريف التهامي) إلاَّ أنَّ الوقائع تنفي حضورهما الاجتماع، وهذا برأينا هو ما تم فعلاً.
    تم الاجتماع ونوقشت الخطة، وتمت الموافقة عليها، ثم غادر قائد الفرقة الخرطوم متوجهاً إلى «جوبا»، ولكنه عرَّج على «ملكال» لاصطحاب العقيد (ميرغني بتي) رئيس أركان اللواء /13/ لاصطحابه معه إلى «جوبا» ولوضع اللمسات الأخيرة لحظة الهجوم العسكرية والتي سوف تشارك فيها سريتان تابعتان لـ «ملكال» على «البيبور» من «اكوير».
    وهنا بدأ العد التنازلي للهجوم على المتمردين.
    (كرنغ) في القيادة:
    في يوم الأربعاء 11/5/1983 دخل إلى مقر القيادة الجنوبية سبعة من ضباط الصف والجنود التابعين إلى الكتيبة /105/ المتمردة، وأدلوا بمعلومات خطيرة تنص على أنَّ (جون كرنغ) قد باشر القيادة، وقدم معلومات هامة حول مكان تمركز القوات العسكرية الرسمية والتي ستشن الهجوم المخطط لـه، كما أفادوا بأنَّ هجوم المتمردين على مدينة «جوبا» سوف يحسم بالتدخل الأجنبي الذي سيأتي سريعاً من يوغندة وكينيا عبر الطائرات التي ستحمل الجنود الذين يترأسهم المرتزقة.
    في يوم الجمعة 13/5/1983 وصل إلى مدينة «جوبا» عدد من الجنود الهاربين من مدينة «بور» وهم من أبناء «الاستوائية» ولقد أدلوا بمعلومات إلى كل من (جون كرنغ) و(كاربينو كرانج) والرقيب (يوسف كير) وكانوا قد استباحوا «بور» وحطموا بنك الوحدة في المدينة، واستولوا عليه وأخذوا كل ما فيه من مال والذي يقدر «بمليون ونصف مليون جنيه سوداني»، وأن قوات الأنانيا دخلت المدينة وبأعداد كبيرة، وهي تحمل السلاح، وتردد الأغاني «الدينكاوية» الخاصة بالحرب؟
    في اليوم التالي، وصل إلى «جوبا» قادماً من مدينة «بور» عدد من التجار، ودخلوا إلى مكتب القائد العام وكان يرافقهم (الطيب حسن) مدير بنك الوحدة في المدينة، والذي يتبع لـه بنك الوحدة في مدينة «بور» الذي استباحه المتمردون الانفصاليون، ولقد ضم الوفد كذلك كلاً من (فضل الله العاقب) و(عبد الله الياس) وآخرين، لقد قدم هؤلاء ليوضحوا ما حصل من كسر للبنوك، وسرقة المال، وكذلك الحالة السيئة للتجار، وما تعرضوا لـه من اعتداءات وضرب ونهب للممتلكات وتوزيعها على القوات المتمردة، وليخبروا عن أعمال (جون كرنغ) و(كاربينو) وغيرهم اللاأخلاقية والمشينة، بعد شرح (عبد الله الياس) لهذه الأمور نهض وعرض جسمه الذي ظهرت عليه آثار الضرب المبرح من قبل (كرنغ) و(كاربينو) ورفاقهم، أمر قائد الفرقة بأن يعالج التاجر (عبدالله الياس) وأن تضمد جراحه فوراً، ثم أخبر كلاً من (الطيب حسن) و(صديق كدوك) بأنَّ القيادة العسكرية سوف تنفذ عملية سريعة يوم 15/6/1983، وأن عليهم أن يصبروا على الألم والأذى الذي طالهم، كما طلب منهم القائد العسكري ألاَّ يعودوا إلى «بور»، كما طلب منهم أن يبقوا ما أخبرهم به في غاية السرية.
    محاولة إخراج (ألير):
    أمر قائد الوحدات العسكرية بالاتصال مع (أبل ألير) من أجل إخراجه من مدينة «بور»، وكان القائد قد طلب سابقاً من (ألير) أن يخرج من «بور» قبل شن الهجوم على المتمردين إلاَّ أنه لم يستجب لطلب القائد، وما كان من القائد العسكري إلاَّ أن أعاد المحاولة مرة ثانية مع (ألير) فأرسل لـه «سيارة» من وحدة جهاز أمن الدولة، وقد كلف وكيل عريف يدعى (جمعة لادو بنقا) يرافقه النقيب (خميس ميان مدوت) والاثنان هما من فرع أمن الدولة.
    قدم الاثنان إلى «بور» وقابلا (ألير)، وطلبا منه مرافقتهما إلى «جوبا» خوفاً على حياته.
    رفض (ألير) الحضور إلى «جوبا» مختلقاً أعذاراً عدة، لكن السبب الحقيقي لعدم مغادرته «بور» إنما كان لاجتماعه شبه الدائم مع العديد من الانفصاليين والأجانب كما أفاد النقيب (خميس ميان مدوت)، وعلم أيضاً أنَّ (جون كرنغ) كان موجوداً في كل الاجتماعات وبرفقة ضباط وسياسيين، وعرف أيضاً أنَّ (ألير) كان يحضر معه (فوستر) وعدد من الهولنديين، ومحافظ المديرية (ماريو)، وقائد شرطة «بور» أيضاً.
    وإنَّ سبب عقد هذه الاجتماعات مع الأجانب، إنَّما كان بهدف المشاركة في التمرد؟!
    الهجوم الخاطف:
    في الساعة الثامنة من مساء يوم 15/5/1983 تحركت القوى الآلية المدرعة تصاحبها قوة المشاة من «جوبا» إلى «بور» بقيادة الضباط (دومنيك كاسياتو)، وفي الساعة نفسها تحركت سريتان من «اكوير» للهجوم على «البيبور»، وفي الساعة الخامسة والنصف صباحاً من يوم 16/5/1983 وهو الوقت الذي وصلت فيه القوات المتحركة من «جوبا» إلى «بور»، بدأت القوتان الالتحام بالقوات المتمردة في «بور» و«البيبور» في وقت واحد، انتهت المعركة في «البيبور» بأقل من خمس وأربعين دقيقة، فقد كان الهجوم سريعاً ومباغتاً، فقتل من قتل، واستسلم من استسلم، وألقي القبض على كل من يحمل السلاح، وأما من تمكن من الهرب فقد غادر إلى الغابات، ومنهم إلى أثيوبيا التي لطالما احتضنتهم وقدمت لهم العتاد والمؤن وما يلزم.
    أما في منطقة «بور» فقد أبدت قوات التمرد بعض المقاومة، ولكن قوات الجيش سحقتها تماماً، ولقد استسلم المعسكر والمدينة قبل الساعة الثانية ظهراً وأثناء هذه المعارك حرص الجيش السوداني على ألاَّ يصاب أي شخص من المدنيين العُزَّل، كما كان حريصاً أيضاً على المدينة من أي ضرر قد تتعرض لـه من جراء القصف المتبادل بين الجيش وقوات التمرد.
    وفي هذا السياق لم يصب السيد (ألير) في هذه المعركة، ولقد كان الجيش السوداني قد وضع لـه عناصر ثابتة.
    إصابة المتمرد (كاربينو)( ):
    في 22/1/1983 سقِط معسكر المتمردين في «بور»، واستسلمت رئاسة الكتيبة /105/، ثم قام الجيش السوداني باستلام المعسكر بكل أسلحته وذخائره التي يعود بعضها لقوات «الأنانيا»، كما تم القبض على جميع رجال الشرطة والسجون وحراس الصيد الذين سلموا أنفسهم دون قيد أو شرط، كما سلم أكثرية جنود سرية الكتيبة /105/، ولقد فرَّ قسم منهم إلى الغابات، ثم إلى أثيوبيا برفقة (جون كرنغ) الذي ساعده الهولنديون في الهرب، وقاموا بمنحه أربع سيارات «لاندروفر»، وزودوهم بالوقود أيضاً حتى يتمكنوا من بلوغ الأراضي الأثيوبية، وفعلاً وصل هؤلاء وبصحبة كل من (صمويل قاي) و(كوت ايتم) و(مارتن ماجير)، أما الرائد (كاربينو) فقد أصيب إصابة بالغة، إلاَّ أنه تمكن من الهروب بمساعدة الهولنديين.
    وهكذا بلغ الجميع مكاناً آمناً في الأراضي الأثيوبية، في حين تمت سيطرة الجيش السوداني على «بور» و«البيبور».
    لقد سمع بقية المتمردين بما حصل في المناطق التي دارت فيها المعارك، فهربوا إلى «أثيوبيا» مع أسلحتهم، ولقد قدر عدد المتمردين الهاربين بحوالي اثنين وسبعين ضابطاً وصف ضابط وجندياً.
    المستر (فوستر):
    غادر المستر (فوستر)( ) «جوبا» وقبل غادرته كان قد اجتمع مع الهولنديين بحضور (ألير) و(كرنغ)، ومحافظ المديرية (مايكل ماريو)( ) وغيرهم، لكن دعونا نستعرض ما دار في هذا الاجتماع؟
    أخبر (فوستر) كلاً من (جون كرنغ) و(أبل ألير) بأنَّ لديه معلومات تؤكد بأنَّ قائد القيادة الجنوبية اللواء (البنا) قد أعدَّ العدة للهجوم على «بور» و«البيبور» ليلة «15 و16»، وأخبرهم أيضاً بأنَّ وزير الزراعة الإقليمي كان قد طلب من الهولنديين منح الجيش ثلاثة تراكتورات للمعاونة في بعض الأعمال، غير أنَّ الهولنديين رفضوا ذلك بعد إخبارهم بأنَّ الجيش السوداني سوف يستعملها في العمليات الحربية ضد «القوات الجنوبية».


  10. #50
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الخامس
    تقسيم الإقليم الجنوبي



    أصدر الرئيس (النميري) قراراً ينص على تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم هي:

    1 - الإقليم الاستوائي وعاصمته «جوبا».
    2 - إقليم أعالي النيل وعاصمته «ملكال».
    3 - إقليم بحر الغزال وعاصمته «واو».
    وبهذا القرار الخطير، يكون رئيس الجمهورية (جعفر النميري) قد تجاوز بنود اتفاقية أديس أبابا؟
    أما رد فعل أهالي منطقة الجنوب، فقد كان موزعاً على الشكل التالي:
    أبدى أهالي المنطقة الاستوائية وأعالي النيل ومن غير قبائل (الدينكا) الارتياح والسعادة لصدور هذا القرار، وبعكس قبائل (الدينكا) التي ترفض التقسيم رفضاً مطلقاً، ولذلك انتابها الغضب الشديد تجاه هذا «القرار».
    على أثر صدور هذا القرار هرب الكثيرون من الذين يعارضون التقسيم، علماً أنَّ القوى الانفصالية هي التي خططت لهذا الهروب الكبير.
    وعلى أثر قرار التقسيم هذا، تمرد النقيب (وليم نون) محتجاً على تقسيم الجنوب، ولقد ارتكب المذكور أبشع جريمة بقتله لـ «حرس المواهي»( ) الذي كان قد أحضر رواتب السرية علماً بأنَّ جميع جنودها من الشماليين ويترأسهم (عبد الرحمن عبد المجيد) و(النقيب عبدالله يوسف)، وبرفقتهم عدد من الضباط وصف ضباط وجنود، فلقد قام النقيب (وليم نون) بقتلهم جميعاً برشاش المدرعة ثم دفنهم جميعهم في حفرة كبيرة، ثم وقف وقال: لقد ارتحت الآن وسوف التحق بصديقي (كاربينو)، وهنا تتالت الفواجع والأحداث الأليمة إلى أن جاء يوم 23/6/ من العام نفسه حيث قام المتمردون في هذا اليوم باحتلال «جبل يوما»، ثم ألقوا القبض على بعض الأجانب التابعين للمنظمات الدولية، وقاموا بأسرهم كرهائن، وطالبوا مقابل تحريرهم بأموال وملابس، هذه هي أعمال حركة تحرير السودان والتي ليست سوى امتداد طبيعي لحركة الأنانيا «واحد» والأنانيا «اثنين»، ولهذه الحركات المتمردة طقوس وأفعال بعيدة عن الواقع السوداني الأصيل.
    بدأت حركة التمرد بضم الشبان الجنوبيين في المحافظات الثلاث إليها: فقد بدأت /الأنانيا/ تجنيد الشبان العاطلين عن العمل وكذلك اللصوص وقطاع الطرق فضلاً عن الذين هربوا من الفرقة الجنوبية بعد تمرد /توريت/ كذلك أفراد البوليس والأمن الذين كانت لهم علاقة بحركة تمرد مدينة /توريت/... وتمر عملية تجنيد هؤلاء في مراحل عديدة نذكر منها الآتي:
    يقف المتمرد أمام الموجه أو الضابط الذي يسأله عدة أسئلة، وهذه الأسئلة شكلية ولا يؤخذ بها...
    الأسئلة:
    1 - هل أنت مستعد أن تعيش فترة طويلة من دون طعام؟
    2 - هل أنت مستعد أن تعيش لفترة طويلة دون ملابس أو عناية صحية؟
    3 - هل أنت مستعد أن تتحمل كل أنواع الصعاب والتي قد تقودك إلى فقدان حياتك؟
    4 - هل أنت مستعد أن تبتعد عن النساء وأن تتمسك بقوانين الحركة؟
    5 - هل تتعهد بأن تكون مخلصاً للحركة حتى النهاية؟
    6 - هل أنت مستعد أن تعمل كل ما بوسعك لتدمير أعداء الحركة حتى ضد أهلك وأقربائك؟
    بعد أن يجيب المتمرد عن هذه الأسئلة بالإيجاب يؤتى بكتاب العهد القديم والجديد ويقوم بأداء القسم الآتي:
    /أقسم باسم الإله القادر والحاضرين أن أعمل بإخلاص للدفاع عن بلادي جنوب السودان وأن أنفذ أوامر قادتي وسأتقبل أي عقوبة تفرض علي إذا كنت مذنباً/؟
    بعدها يرسل المتمرد إلى معسكرات التدريب في داخل المحافظات وفي الأماكن البعيدة وغير المأهولة ويتم على الشكل التالي:
    أولاً - محافظة الاستوائية:
    جرت عملية تجنيد الشبان في الإستوائية عبر الترغيب والترهيب التي كانت تمارسه حركة التمرد، وكان تدريب شبان الإستوائية يمر عبر مرحلتين:
    الأولى: في الغابات المحلية.
    الثانية: في زائير.
    وكان التدريب في المرحلة الأولى يتم بإشراف النقيب الانفصالي (ماركو بانغوسا).
    في مرحلة التدريب الأولى يرسلون إلى معسكرات في زائير ليتم تدريبهم من قبل المرتزقة والإسرائيليين.
    ثانياً - محافظة بحر الغزال:
    بدأ تدريب المتمردين في محافظة /بحر الغزال/ عام 1964 وكان قادة الانفصاليين يعدون هؤلاء الشبان سياسياً وعسكرياً، فقد كانوا يتلقون تدريباتهم الأولية في منطقة /نغوسولومو/ وبعد انتهاء فترة تدريبهم يرسلون إلى زائير أو إلى أفريقيا الوسطى لإتمام تدريبهم العسكري.
    ثالثاً - محافظة أعالي النيل:
    ما كان يتم في محافظتي الإستوائية وبحر الغزال كان يتم في محافظة أعالي النيل مع التعديل البسيط:
    وقد بدأ تنظيم /الأنانيا/ يعمل في عام 1960 إلا أن تجنيد الشبان بدأ في عام 1962 وأول من أسس عصابة /الأنانيا/ في أعالي النيل هو (دانيال بنانق رونديال) وهو شرطي سابق، وأول عملية للمتمردين في أعالي النيل كانت في 16 كانون الأول عام 1963 وقاد الهجوم الشرطي (دانيال).
    وبهذا الأسلوب تم تكوين واستمرار حركة /الأنانيا/ التي استمرت 17 عاماً.
    أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فقد ولدت من رحم التمرد الأول والثاني وشكلت جناحيها:
    الأول: سياسي.
    الثاني: عسكري.
    ولدت هذه الحركة الانفصالية وسط تقلبات ومتغيرات سياسية محلية وإقليمية ودولية، استفادت حركة الانفصال هذه من تشابك القضية الأرتيرية بالعلاقات السودانية الأثيوبية، فقدمت أثيوبيا لها الأرض والمال والسلاح أيضاً، وقد استفادت من سوء العلاقات الليبية السودانية لتحصل من الجماهيرية على المال والسلاح والتدريب، وأحياناً الرجال.
    جاءت ولادة الحركة الشعبية في /أعقاب تمرد ثلاث قطع عسكرية والقطع هذه تمثل الفرقة /105/ من الجيش السوداني الوطني إلا أن معظم جنود هذه القطع العسكرية الثلاث كانوا من حركة التمرد الأولى /الأنانيا/ والذين تم استيعابهم وتوزيعهم (بعد اتفاقية أديس أبابا عام 1972 على قطعات الجيش السوداني في كل من المناطق التالية /بور/ و/البيبور/ و/فشلا/.
    وسبب تمرد هذه القطعات العسكرية الآتي:
    في عام 1983 أصدر القائد العسكري للمنطقة الجنوبية أمراً بإبعاد الفرق العسكرية إلى الشمال واستبدالها بفرق عسكرية من الشمال، وهذا الأمر يعتبر أمراً روتينياً طبيعياً لأي جيش في العالم وقيل حينها أن القائد العسكري لم يستشر حكومة الجنوب في ذلك، وكذلك الذي أصدر أمر النقل لم يستشر رئيس الجمهورية /هذا ما قيل حينها/ لنفرض أن ذلك صحيح فهل يستدعي هذا الأمر أن تتمرد قطعات الجيش؟ بالطبع لا، إن التمرد كان مبيتاً ومخططاً لـه مسبقاً.
    قدمت الوحدات العسكرية من الشمال لتحل محل القوات الشمالية وتم ما تم...
    فيما بعد: أخمد التمرد وكانت نتائجه قتل عدد كبير من الجنود وقادتهم بينما هرب عدد آخر إلى أثيوبيا، وفي أثيوبيا انضم إلى /الأنانيا 2/ عدد من الجنود والضباط ومن ضمنهم العقيد (جون كرنغ دي مبيور) الذي أصبح قائداً للتمرد...


  11. #51
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل السادس
    مقارنة بين حركة التمرد الأنانيا - الحركة الشعبية



    تعتبر الحركة الشعبية أكثر تطوراً من حركة أنانيا /1/ وذلك وفقاً لأساليب العمل التي تبنتها وعملت بها من أجل الوصول إلى أهدافها، أن الأهداف هذه قد تمت في مراحل عدة لكنها كانت متأخرة، وخاصة في العمليات العسكرية أما الحركة الشعبية فقد عملت على توسيع العمليات العسكرية وعلى ضوء نتائج عملياتها العسكرية تبني أحياناً مواقفها السياسية، وفي أحيان أخرى تقدم عملها السياسي على العمل العسكري من هنا تم دمج العمل السياسي بالعمل العسكري/ وذلك بتوحيد القيادة فـ(جون كرنغ) تزعم الحركة الشعبية سياسياً ثم عين نفسه قائداً للجيش الشعبي الذي يمثل الجناح العسكري لتلك الحركة السياسية.
    إن (جون كرنغ) ومعه بعض القادة العسكريين الفارين قاموا في شهور قليلة بتدريب مجموعة من الجنوبيين الانفصاليين الذين قاتلوا الجيش السوداني النظامي، وأعطاهم هذا القتال الخبرة والسمعة وفي نفس العام 1983 انضم لهذه المجموعة المتمردة عدد من السياسيين الجنوبيين الذين ادعوا أنهم تقدميون، أي ماركسيون /وهذا ما يفسر تأييد الحزب الشيوعي للحركة الشعبية في بداية عملها الانفصالي... ومن الممكن الإشارة هنا إلى أن معظم الذين هربوا من الوحدات العسكرية للجيش الوطني بالإضافة إلى السياسيين كانوا من منطقتي /أعالي النيل/ و/بحر الغزال/ كما أنهم ينتمون إلى قبيلتي (الدينكا) و(النوير).
    كان لهذا الوضع انعكاس كبير على جوهر الصراع، فـ(جون كرنغ) كان وجوده على رأس الحركة الشعبية وأَثَّر كثيراً في توسيع قتالها، فالمذكور كان لـه تاريخه العسكري كمقاتل في حركة /الأنانيا - 1/ فقد عاش وسط الأحداث الأولى للتمرد وكان وجوده مصادفة أي إنه كان يقضي عطلته وسط /قومه/ وبعد انتهاء إجازته أعد نفسه للعودة إلى الخرطوم عند سماعه أن حركة التمرد قد بدأت وهذا ما أتاح لـه فرصة التقدم في صفوف التمرد إلا أن زعامته للحركة الشعبية جاءت من انتمائه القبلي (الدينكا).
    حركة التمرد وتقدم برنامجها:
    إذا تركنا الميثاق الذي قدمته الحركة الشعبية، والذي استندت إليه في المرحلة الأولى والذي تم تغييره على صعيد التطبيق العملي، فإننا نجد فيه الضربات السياسية التي قامت بها الحركة خلال عملياتها العسكرية وهي تطبيق لوجودها القبلي، أي أن الصراعات التي انعكست على الحركة سياسياً يمكن أن تصنف إلى نوعين رئيسيين:
    النوع الأول: بقي خارج إطار الحركة التنظيمي، أي أنها تعمل كتنظيم سياسي.
    النوع الثاني: ظل يعمل داخل إطار الحركة التنظيمي بجانبيه السياسي والعسكري، فالحركة الشعبية قد حددت أهدافها في صراعها مع نظام الحكم القائم والذي لا يعترف بها ولا بشرعيتها بل يطلق عليها أسماء عدة، منها: المتمردون - الخوارج، الخ - وقد عملت الحركة الشعبية على تفتيت مناطق الجنوب إلى قطعٍ صغيرة كي تسهل السيطرة عليها ثم بدأت تحرك بقية مناطق السودان كالشرق والغرب.
    بهذا التصرف جلبت الحركة الشعبية العداء لتنظيمها من بعض الفئات القبلية الجنوبية التي تؤمن بسودان واحد وقد وجدت هذه الفئات الدعم الحكومي لتنظيمات مسلحة تدافع بها عن وجودها وعن وحدة السودان، قاتلت ضد التنظيمات الحركة المتمردة الانفصالية مدة من الزمن، بل بقيت تقوم بدورها الوطني في التصدي للشعبية وجيشها، وكانت الحكومات السودانية المتعددة تدعم وتشجع هذه التنظيمات التي كانت تتصدى للمتمردين وخاصة عندما نهبت قراها وبلدانها، وما أشبه اليوم بالأمس حيث يتكرر ما حدث لحركة الأنانيا /1/ على الصعيد الجماهيري الشعبي، وإن الطرفين المتمردين /الاستوائيين/ و/النيليين/ يتبادلون المواقع في تعاملهم مع التنظيمات الوطنية، لقد ادعى المتمرد قائد حركة /الأنانيا-1/ جوزيف لاغو بأنه مسيحي وإنه يمثل الجنوب المسيحي ويعمل ضد الشمال العربي المسلم، كذلك فعل المتمرد (جون كرنغ) بل أن الأخير ذهب إلى أبعد بكثير مما ذهب إليه المتمرد (لاغو) حيث يقول (كرنغ) ومعه قيادة التمرد:
    أن القبائل الثلاث الكبرى تشكل ثلثي السكان، بل أكثر من ذلك فيمضي إلى القول إنها هي التي تقاتل، والحقيقة أن القبائل الثلاث وهي (الدينكا) (النوير) (الشلك) لم تكن ضالعة في التمرد وإن المساندة للانفصاليين كانت تأتي من قبل بعض القبائل الصغيرة وخاصة من منطقة الاستوائية، وكانت الغارات المتكررة من قوات التمرد على الفساد وسرقتهم للمواشي والمواد الغذائية تثير الانزعاج الذي يتحول إلى نقمة عليهم فيتم قتالهم، وفي هذا المجال قال حينها السيد (أحمد محمد محجوب)( ) الآتي:
    - وفي الحقيقة طلب مني عدد من زعماء القبائل تزويدهم بالسلاح لصد الثوار فقدمته لهم.
    ومما لا شك فيه أن النجاح الذي حققته /الحركة الشعبية/ ساعد كثيراً في دائرة الانتماء لها وخاصة بعد أن تحولت جذرياً نحو الولايات المتحدة فكراً واتجاهاً والتي مهدت لها ذلك المنظمات الكنسية والتي أسهمت كثيراً في إنشاء /الحركة/ و/الجيش الشعبي/ لم تكن في يوم من الأيام توجهات وعقيدة الحركة والجيش الشعبي ماركسية لينينيّة مطلقة/ إن التنبؤ والتصرف كنسي غربي صهيوني وهذا ما رأيناه بأم أعيننا وسمعناه بآذاننا في السنين والأيام الأخيرة، وقد تمثل أيضاً في تقديم السلاح من الكيان الصهيوني، وبهذا الخصوص قال الأستاذ (جون قاي نون بوه) وهو جنوبي سوداني حاصل على البكلوريوس في العلوم السياسية والماجستير في تاريخ الشرق الأوسط الحديث من كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت: يقول الأستاذ (جون) الأتي:
    إن المصدر الأساسي لأسلحة حركة التمرد هو إسرائيل...
    وإن الدعم الإسرائيلي لحركة التمرد في جنوب السودان من قبل إسرائيل لم يكن بدوافع أخلاقية ولا إيديولوجية بل دعم إسرائيل للتمرد كان يهدف توجيه ضربة سياسية للعرب بمن فيهم حكام شمال السودان الذين كانوا يحاربون في الجنوب للدفاع عن المصالح العربية وقد أكد ضباط الأنانيا /إن ضباطاً إسرائيليين يعملون مع حركتهم، كما كان يشاهد بالعين المجردة سقوط معدات عسكرية من الطائرات الإسرائيلية، وكذلك كان الدعم العسكري الإسرائيلي يأتي عبر أثيوبيا ويوغندة، وقد وسعت إسرائيل نطاق مساعدتها العسكرية إلى المتمردين على الشكل التالي:
    بعد الضربات العسكرية التي وجهها الجيش السوداني إلى حركة المتمردين أخذت الدوائر الإسرائيلية تبحث عن سبل جديدة لتوسيع نطاق مساعداتها وخاصة العسكرية فالصهاينة يتبنون مبدأ /اذبحوا بعضكم البعض/ وكلما ازداد ذبحكم لبعضكم البعض كلما ازددنا سيطرة وتوسعاً وثراءً/.
    تمت زيادة المعدات والأسلحة العسكرية المرسلة للمتمردين عبر كل من أثيوبيا وكينيا ويوغندة وقد شملت هذه الزيادة على أسلحة ثقيلة للدبابات وكذلك صواريخ من نوع /تاو/ ومدافع مضادة للطائرات من نوع /فالكان/ ثم استقدموا بعض المتمردين وقاموا بتدريبهم.
    إننا نستطيع القول إن نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت المساعدات فيها كبيرة جداً إلى أن جاءت المصالحة بين حكومة أثيوبيا وحكومة السودان.
    وتخلى الجانبان عن دعم الحركات المناوئة للجانب الآخر بالإضافة إلى الانقسام والذي حصل في حركة التمرد وانقسامها إلى ثلاث فصائل يقتلون بعضهم البعض ثم جاء سقوط النظام الأثيوبي برئاسة (منغستو هيلا مريام) عام 1991 نتيجة لهذه التطورات التي حصلت في هذه المنطقة وما جاورها رأت إسرائيل الفرصة سانحة مرة أخرى لتدخل أنفها من جديد وبشكل آخر، فلبت طلب المتمردين في الحصول على السلاح، إلى أن جاء اجتماع (جون كرنغ) بالسفير الإسرائيلي في كينيا الذي طلب منه تزويد حركته بالأسلحة التالية:1
    - أربعة ملايين طلقة لمدافع رشاشة من طراز /47 - EK/ ومدافع عيار /130/ مم وستة آلاف قذيفة لتلك المدافع إضافة إلى آلاف من القذائف الصاروخية وقذائف الهاون من مختلف العيارات وشاحنتين عسكريتين إضافة إلى منحة مالية بقيمة خمسة ملايين دولار.
    الهدف من طلب (كرنغ) هذا هو استرداد قاعدتين استراتيجيتين فقدتهما الحركة نتيجة قتالها مع الجيش السوداني، والقاعدتان هما /كيوتا/ و/توريت/ واستردادها يقوي موقفه التفاوضي عند إجراء محادثات السلام التي ترعاها /نيجيريا/؟
    إضافة لما ورد يقول كاتب الدراسة الإسرائيلية العميد (موشي فرجي) بهذا الخصوص وضمن دراسته [ إن المساعدات الإسرائيلية لحركة (كرنغ) شملت أسلحة روسية /مدافع بازوكا/ ورشاشات كلاشنكوف/ و/كاتيوشا/ ومدافع مضادة للطائرات، إضافة إلى تدريب /10/ آلاف مقاتل من الجنوبيين خلال الفترة من عام 1981 إلى 1992 في معسكرات النقب وتدريب أكثر من خمسة آلاف مقاتل آخرين في معسكرات داخل كينيا وزائير وأثيوبيا على العمليات الخاصة واستعمال الأسلحة الحديثة بواسطة إسرائيليين عسكريين.
    كذلك أوفدت إسرائيل خلال تلك الفترة ضباطاً وفنيين إسرائيليين عسكريين إلى مناطق الجنوب للإشراف على العمليات وتقديم المشورة لقوات (كرنغ) ].
    ويستطرد كاتب الدراسة متابعاً:
    وعقب حدوث الانشقاق في جيش الشعب وانقسامه إلى جناحين أساسيين، أحدهما بزعامة (كرنغ) والثاني بزعامة (رياك مشاك) و(لام أكول) سعت إسرائيل أن تؤكد وتعزز علاقاتهما مع جناح الناصر، بعد ظهور /بوادر/ لاستعداد (كرنغ) للتفاوض مع الحكومة وتخليه عن مطالبه بإقامة دولة مستقلة في الجنوب.
    يتابع (موشي فرجي) قائلاً:
    أن أحد زعماء جناح الناصر زار إسرائيل بناءً على دعوة من (شيمون بيريز) وزير الخارجية وأنه أجرى خلال الزيارة، التي استمرت أسبوعاً، مباحثات مطولة.


  12. #52
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل السابع
    نتائج الدعم الإسرائيلي للمتمردين


    ويضيف كاتب الدراسة... «أن الدعم الإسرائيلي ترتبت عليه نتائج عملية أهمها:
    أولاً: إحباط الدعم العربي للحكومة السودانية، حيث عرقل العمل في قناة /جونقلي/ لتخزين ما يصل إلى /5/ مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، التي لم ترق لإسرائيل ومن هنا حرصت إسرائيل على تحذير الجنوبيين من أن ذلك المشروع سيكون وبالاً عليهم، لأنه سيخزن كميات ضخمة من المياه لن ينتفع بها سكان الجنوب وإنما الشماليون والمصريون كما نبهت إسرائيل الجنوبيين إلى وجود خطة لتهجير أكثر من /6/ ملايين من الفلاحين المصريين للجنوب للتأثير على التركيبة السكانية هناك.
    ثانياً: تصعيد حركة المقاومة في الجنوب ضد السلطة الشمالية.
    ثالثاً: حسم التردد في تحديد أهداف الحركة لصالح الاستقلال والعيش ضمن كيان جنوبي - بهوية جنوبية إفريقية منفصلة عن الشمال.
    رابعاً: المطالبة بالانتفاع بالثروة النفطية في جنوب السودان...».
    ويقول صاحب الدراسة أيضاً «أن إسرائيل أوفدت أحد أهم خبرائها الاقتصاديين وهو البروفسور (ايليا هولونفسكي) إلى الجنوب من أجل تقدير حجم الثروة النفطية في السودان وذلك في النصف الأول من الثمانينيات».. كما أشار (موشي فرجي) في دراسته إلى أن القيادات الإسرائيلية أدركت منذ وقت مبكر أهمية تكوين علاقات خاصة ومباشرة مع قيادات الجنوب على غرار العلاقات التي نشأت مع قيادات الأكراد، يتابع (فرجي) دراسته فيشير إلى (كرنغ) ويقول:
    «إن الملامح والمزايا الكامنة في شخصية (كرنغ) لفتت نظر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والعناصر الاستخبارية الإسرائيلية الموجودة في الولايات المتحدة خلال فترة دراسته في أمريكا وأن تلك العناصر تسابقت في ملاحقة حركته ونشاطه ورصدت نمط حياته وسلوكه حتى تتوصل إلى كيفية التعامل معه مستقبلاً»... ويستطرد الباحث الإسرائيلي:
    «أن المحللين السياسيين في إسرائيل، خاصة من الخبراء السياسيين السابقين الذين عملوا في الدول المجاورة للسودان، ينظرون لاتفاق مشاكوس بين الحكومة وحركة (كرنغ) على أنه وضع أساساً شرعياً وعملياً لانفصال الجنوب في المستقبل، عبر موافقة الحكومة السودانية على مبدأ حق تقرير المصير».
    إن ما ورد في هذا التحليل هو جزء صغير من الحقيقة التي تتعامل بها إسرائيل مع حركة التمرد.
    إن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تسعى إلى نشر معلومات معتمدة على جزء يسير من الحقيقة لكن السم يكمن في داخلها وهو يتمثل في الإرهاب وإشاعة الفوضى عبر تسريب جزء من المعلومات كما ورد في دراسة العميد (موشي فرجي) والذي بالغ فيه كثيراً بغية إثارة الخوف في السودان والعالم العربي، إنّ ما ذكرناه هو فقرة شبه مطولة من هذه الدراسة.
    ويعود اهتمام الصهاينة أيضاً بجنوب السودان منذ أن كان من المرشحين لتوطين اليهود قبل فلسطين حسب الرواية الحقيقية التاريخية.
    ما الذي نستنتجه من ذلك؟
    الذي نستنتجه أنَّ السودان وجنوبه كان محط اهتمام اليهود ومنذ أن ضربهم الشتات، فالاهتمام اليهودي كان منصباً على الجنوب، أي على ما تود أن تصنعه القوى الصليبية المتصهينة، وخلفية هذا الاهتمام تنجم من كون أن اليهود سيجدون الأرضية الجغرافية والثروات الزراعية والنفطية الدفينة تحت الأرض، فضلاً عن سيطرتهم على منابع النيل الأبيض، وتحقيق وعدهم بإسرائيل الكبرى؟
    وقد أدرك المتمردون ذلك جيداً، فمدوا يدهم إلى الإسرائيليين الذين كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر.
    وبدأت الزيارات من زعماء المتمردين تتوالى إلى «إسرائيل»، وأقامت إسرائيل جسراً جوياً إلى مناطق المتمردين في الجنوب، كذلك قامت إسرائيل بتدريب الجنوبيين المتمردين، حتى وصل عددهم في عام 1994 إلى عشرين ألف متمرد!
    وحين نعلم أنَّ من بين قادة التمرد الجنوبي وأخطرهم المدعو (ديفيد بسيوني) الذي نسق علاقات الحركة الشعبية مع إسرائيل والبيت الأبيض، وهو ابن يهودي سوداني تزوج من إقليم أعالي النيل الجنوبي، ثم عمل وزيراً في حكومة الجنوب أيام الرئيس (جعفر النميري) ثم رشح لرئاسة حكومة الجنوب التي أعلن عن تكوينها المتمردين في شهر نيسان - أبريل - عام 2001، بعدها هاجر إلى /إسرائيل/ بعد إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية.
    الدعم المالي - العسكري - الإعلامي:


    الغرب بكامله وخلفه مجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس الأفريقي وإسرائيل هؤلاء كلهم يعملون لانفصال الجنوب وإقامة دولة جنوبية؟ إلا أن الوطنيين الجنوبيين كانوا قد شعروا بأن أكثرية قادتهم كانوا مرتبطين وينفذون سياسة وأهداف الغرب المتصهين ابتعدوا عن حركات التمرد وعادوا إلى أحضان أهلهم، وكان أن انقسمت حركة التمرد حسب ما سأورده هنا:
    في شهر آب /أغسطس/ عام /1991/ حدث المتوقع، فقد انقسمت الحركة /الشعبية لتحرير السودان/ بقيادة كلٍّ من الدكتور (لام أكول) والدكتور (رياك مشار) حيث شكلا تنظيماً عرف حينها /بمجموعة الناصر/، ولقد جاءت هذه التسمية نسبة إلى المنطقة التي نشأ فيها هذا التنظيم.
    ويتركز خطاب هذه المجموعة /مجموعة الناصر/ في رفض القتال والتضحية بدماء الجنوبيين نيابة عن الشمال، وذلك في سبيل هدف لن يتحقق ألا وهو بناء السودان الجديد، طالما أنَّ القوى الشمالية لا ترغب أو بالأحرى لا تستطيع حمل السلاح لإحداث التغيير المطلوب، ولذلك فإنَّه من الأجدى التركيز على حق تقرير المصير، والعمل من أجل انفصال الجنوب واستقلاله وذلك بسبب الفرق الشاسع بين المكونات الثقافية والاجتماعية والتنموية لكلٍّ من الجنوب والشمال بحسب توجههم، فضلاً عن انعدام الثقة بينهما، وحيث أصبحت إمكانية الاستمرار والعيش معاً تثير كثيراً من التساؤل، كما أنَّ السعي إلى إقامة الوحدة العادلة مع العرب ليس إلاَّ ضرباً من السراب؟! هذا ما يدعيه (المتآمرون الانفصاليون) إذا ما أردنا معرفة حقيقة أمر انشقاق ما سمي /بمجموعة الناصر/ آخذين بعين الاعتبار ما تلاه من انشقاقات جنوبية جنوبية، فإنَّه بإمكاننا أن نُعيد ذلك إلى «التركيبة الجنوبية» ومثال على ذلك: الدكتور (رياك مشار) الذي ينتمي إلى قبيلة (النوير) وهذه القبيلة تعارض هيمنة قبيلة (الدينكا) التي ينتمي إليها (جون كرنغ).
    كما أنَّ الدكتور (لام كول) ينتمي إلى قبيلة (الشلك) التي تعتبر ثالث أكبر قبائل الجنوب، وتدخل هذه القبائل في منازعات وحروب فيما بينها من أجل الأرض والمرعى، إضافةً إلى اختلافاتها الثقافية واللغوية والدينية وهنالك الفساد المهيمن على معظم قيادات قبائل الجنوب، والمؤامرات التي تُحاك لاغتيال المنافسين لهم، الطامحين بتبوء مركز الزعامة القبلية.
    ونستطيع القول في هذا السياق أنَّ الطرح الوحدوي /للحركة الشعبية لتحرير السودان/ والتي يقودها (جون كرنغ) هو طرح تكتيكي ليس إلاَّ.
    وقد وعى المتمرد (جون كرنغ) بأنَّ الدعوة للانفصال ستضيق بحال المناورة وخاصة من البلاد العربية المناوئة لنظام الخرطوم، كما أنَّ الجنرال (منغستو هيلا ريام) وهو الداعم الأول لحركة التحرر ولقائدها (كرنغ) وذلك بسبب وجود المشكلة الأرتيرية التي تنادي بحرية شعبها واستقلال بلادها، وإنَّ طرحاً كطرح الانفصال سوف يكرِّس توجه حركات التحرير لشعوب أثيوبيا للانفصال، ولذلك أخفى (كرنغ) دعوته الصريحة للانفصال، وإقامة دولة جنوبية مستقلة، كما أنَّ (كرنغ) وجد أنَّ دعوة الوحدة ستجلب لـه الدعم السياسي والمادي والعسكري اللازم لاستمرار حركته التي تهدف إلى السيطرة على كامل السودان وإنهاء صبغته العربية الإسلامية كما تبتغي ذلك الدول الغربية، فالأمر الذي يستوجب الوقوف عنده طويلاً ثم أخذه بعين الجدية، هو التناقض في الطرح الوحدوي لقيادة الحركة الشعبية ومناداتها بسودان جديد موحد، والأمر الثاني هو قاعدتها العسكرية التي تسعى لتحقيق أهداف مختلفة تماماً عن الطرح الوحدوي ألا وهي استمرار الحرب في الجنوب من أجل استقلاله والتخلص من نير الشمال الظالم، كما يدّعي هؤلاء الانفصاليون.
    الشيء المهم في هذا الموضوع هو انشقاق ما سُمي /بمجموعة ناصر/، حيث ولَّد هذا الانشقاق تطورين هما:
    التطور الأول: عقد مؤتمر عام للحركة في شهر أيلول /سبتمبر/ عام /1991/ في مدينة توريت الاستراتيجية التي تسيطر عليها الحركة، وذلك من أجل مراجعة برنامجها الداعي إلى /سودان جديد/ وتبني شعار /تقرير المصير/.
    وعند انعقاد المؤتمر قامت الحركة بإجراء تغييرات أساسية في جوهر برنامجها على الشكل التالي:
    1 - أكدت الحركة أن الاستقلال وحركة تقرير المصير نتيجتان مختلفتان إذا تعذر الوصول لاتفاق حول سودان علماني ديمقراطي موحد.
    وصدر في هذا المؤتمر ما عُرف بإعلان /توريت/( ) الذي ورد فيه مطلب حق تقرير المصير، وكان هذا المطلب يطرح لأول مرة كخيار ضمن خيارات الحركة التي ظلت فيه تعلن أنَّها تحارب من أجل الوحدة، وترفض الانفصال؟!
    التطور الثاني: سعت الحكومة السودانية إلى تعميق الانقسام في صفوف /الحركة الشعبية/، وقامت بعدة اتصالات مع قادة وزعماء القبائل، ثم اتصلت بالدكتور (لام أكول) الذي انشق عن الحركة الشعبية، وبدأ العمل تحت اسم الحركة الشعبية المتحدة.
    تمخَّض عن هذه الاتصالات مع (لام أكول) ما سُمي بوثيقة /فرانكفورت/ عام /1992/ ولقد كان ممثل السودان الرسمي (علي الحاج)، وممثل الحركة الشعبية المتحدة (لام أكول) أما الراعي لهذه المفاوضات فكان الكنيسة الألمانية التي قالت: «لقد اعتزمت الحكومة السودانية لأول مرة في تاريخ السودان - بحق تقرير المصير للجنوبيين؟!» رفضت الحكومة السودان هذا الادعاء، بل أنكرته تماماً.
    وفي هذه الفترة ارتفعت الدعوة من قبل بعض زعماء الجنوب إلى تطبيق مضمون الوثيقة التي اعترفت فيها الخرطوم بحق تقرير المصير.
    اجتمعت مجموعة من المثقفين الجنوبيين في مدينة /أوير/ بإيرلندا، وعلى رأسهم (بوانا ملوال)( ) و(فرانسيس دنيق) و(جوردن مورتان) و(بيترنيونكوك)( )، وسكرتير مجلس الكنائس السوداني..، تناقش هؤلاء في وضع السودان، وبعد عدة جلسات أصدروا بياناً أُطلق عليه إعلان /أدير/، وأهم ما جاء فيه ثلاثة خيارات وهي:
    أولاً - الفيدرالية.
    ثانياً - الكونفيدرالية.
    ثالثاً - الانفصال.
    وهذا الإعلان كسب تأييد معظم حكام الدول الأفريقية الذين يسبحون في فلك الغرب وكنائسه المتصهينة، وعلى ضوء ذلك نأخذ المثال التالي: قدمت تشاد، هذه الدولة التي تمزقها الحروب نتيجة التناحرات السياسية، السلاح والمال إلى الحركة الشعبية وذلك رداً على موقف الرئيس (القذافي) من تشاد، (المعارك التي خاضها الجيش الليبي ضد النظام التشادي في «شريط أوزو»)، وفي خضم هذا كان لابد من عمل ما قامت به الحكومة السودانية وكان رداً صحيحاً، وقادت القبائل الموالية لها والمعادية للحركة الشعبية، وأنشأت الميليشيات المسلحة لمواجهة الحركة.
    لعبت هذه الميليشيات دوراً مهماً في وجه كل من قدم مساعدة للحركة الشعبية، ومن ثم بدأت تنفذ عملياتها العسكرية في الإستوائية وفي منطقة قبائل (مندري) و(أشولي) ثم امتدت العمليات لتصل إلى «بحر الغزال» وسط قبائل (الغرنيت)، ولقد تصدت قبائل (الدينكا) و(الجور) لقبائل (الغرنيت) ودخلوا في قتال عنيف فيما بينهم، ولقد وقف الجيش السوداني إلى جانب قبائل (الغرنيت)، كذلك تطور القتال ما بين القبائل الموالية للسودان الواحد مثل قبيلة (المراجيل) التي دخلت في قتال مرير مع قبيلة (الدينكا والنوير)، كذلك وقفت الحكومة السودانية إلى جانب (المراجيل) فوفرت لهم السلاح والتدريب والدعم في أكثر من جانب وخاصة أنهم يقاتلون الحركة الشعبية الانفصالية.
    ازداد الانقسام وتعمق، كذلك دعمت الميليشيات الموالية للحكومة وأثناء ذلك، وكما أوردت في الصفحات، حصل انقسام في صفوف الحركة، وهنا ألقي الضوء على هذا الانقسام وبشكل مستفيض:
    الحركة الشعبية:
    تنقسم إلى مجموعتين:
    المجموعة الأولى: الناصر.
    المجموعة الثانية: توريت، وقاد مجموعة توريت كل من:
    1- لام أكول.
    2- د. اريك ايشار، ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ الدكتور (أريك ايشار) قد نال شهادته من كلية الهندسة في بريطانيا، كما أنَّه كان يقود الجيش الشعبي في منطقة «بابينو».
    في عام 1991 أعلنت هذه المجموعة أنَّها تختلف جذرياً مع الطرف الأول (جون كرنغ)، وقد قام ثلاثة من قيادة الحركة وهم:
    1 - لام أكول.
    2 - د. اريك ايشار.
    3 - القائد العسكري: جوردن كرانج.
    وأعلنوا الانفصال عن الحركة الشعبية، وذلك عبر بيان سلموه لهيئة الإذاعة البريطانية، وأعلنوا فيه أنَّ انفصالهم جاء كنتيجة طبيعية لعدم جدوى أي رؤى ديمقراطية داخل التنظيم، كما طالب بيانهم بإخراج المسجونين والمعتقلين في سجون «كارانغ» والذين زج بهم في السجون لاعتراضهم على الأوضاع داخل الحركة الشعبية، كذلك طالب البيان بإنشاء دولتين مستقلتين واحدة في الشمال، والثانية في الجنوب.
    وبنتيجة هذا التحرك للانفصال، احتدم الصراع والقتال بين الطرفين وسالت دماء الجنوبيين بيد الجنوبيين على أعشاب «السافانا»( ).
    وهنا مدَّ الدكتور (ريك ايشار) يده إلى الغرب طالباً مساعدته في سحق (كرنغ) وقواته عندما دعا إلى فصل الجنوب والشمال.
    وفي عام 1991 وبعد حركة (ريك ايشار) قامت القوى المؤيدة لكرنغ بتأييد مواقفه، وأكدت ضرورة أن تقوم حكومة السودان بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية، في سبيل إبقاء السودان موحد، وفي حال رفض الحكومة السودانية لهذه المطالب فإنَّه يتطلب إحقاق الكونفيدرالية بين الشمال والجنوب، أو حق تقرير المصير للجنوب وعبر الاستفتاء، ونتيجة لهذا الرأي ظهرت على الساحة السياسية مجموعة أخرى من السياسيين الجنوبيين ولكن في خارج السودان وهم:
    1 - بوانا ملوال.
    2 - فرنسيس دنيق.
    3 - كلمنت حانرا.
    4 - ديفيد شان.
    5 - جوردن مورتان.
    ولقد أصدر هؤلاء بياناً باسم (أوير) حول الوضع والمستقبل المتوقع في السودان، وذلك في ثلاثة خيارات:
    الأول: إعادة ترتيب فلسفتنا القومية والمبادئ الدستورية والبرامج العلمية بحيث تخلو من العنصرية والتمييز والعرقية وبحيث يشعر الجميع بروح الانتماء والمساواة.
    الثاني: وضع السودان في نطاق وحدة دستورية أو اسمية تسمى فيدرالية أو كونفيدرالية.
    الثالث: في حال الفشل لن يبقى سوى تقسيم السودان، وهذا هو المطلوب لا فيدرالية ولا كونفيدرالية.


  13. #53
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    تسارع الأحداث مرة ثانية:

    ازدادت وتيرة تسارع الأحداث في السودان عامة والجنوب خاصة فما الذي نتوقعه في ظروف كهذه؟
    آفاق المستقبل
    :

    دعونا نتساءل ونتشارك في طرح سؤالٍ مهمٍ عن مستقبل جنوب السودان وهو:
    ما هي توقعات المستقبل بالنسبة لهذا الإقليم؟
    جـ - تقوم توقعات المستقبل بالنسبة للسودان الموحد على ثلاثة جوانب أساسية محورية وهي:
    أ - السلام.
    ب - الوحدة.
    ت - الاستقرار.
    هذه المحاور الثلاث تنطبق على كل الأقاليم السودانية الأربع، ولنأخذ في عرضنا التالي الإقليم الجنوبي، إن السلام فيه يقوم على إيجاد صيغة حكم /ديمقراطية/ لا صفة حكم /فيدرالية/ يبتدئ هذا بقيام السلطة وينتهي بتوزيع الثروة والتجربة السابقة في الحكم /الفيدرالي/ الذي أخذ ومنح للجنوب أثبتت فشله وأدت إلى حرب أهلية طاحنة بللت أرضه دماء السودانيين كافة.
    إنني أتحاشى هنا الدخول إلى اتفاقية /مشاكوس/ واتركها إلى الجزء الثاني من كتابي هذا.
    إن الديمقراطية المطلوبة في السودان لا تتطلب ابتكاراً من نوع خاص إنما تتطلب هيكلاً حقيقياً لتداول السلطة، وما الماضي القريب والحاضر للسلطة المركزية والمحلية وتعاطيها في موضوع الفيدرالية وبعدها مبدأ حق تقرير المصير وعدم وفائها بتعهدها السابق إلا صورة إلى ما آلت إليه الأمور الآن، صحيح أن هناك إجماعاً عاماً بين الحكام والقادة والمثقفين أن الفيدرالية وحدها هي الأداء الملائمة لتلافي الانفصال لكن التجربة أثبتت أن الفيدرالية هي الطريق الخطر المحفوف بالصعاب والتي تؤدي إلى الانفصال إذا لم تكن مدعومة شعبياً، والجنوب السوداني تحكمه الفيدرالية إلا أن الذي أعطتنا إياه هذه التجربة؟ أعطتنا مبدأ حق تقرير المصير، صحيح إن تقرير المصير حق لكل أمة أو شعب عندما يكون البلد يعيش في ظل الديمقراطية، أن تلافي الحرب الأهلية المقبلة في الجنوب إذا حصلت لا سمح الله يكون في الديمقراطية الحقيقية التي تستوعب التنوع العرقي والثقافي والإقليمي في مجتمع متعدد الأعراف والثقافات والديانات، إن مضي سنوات طويلة على تجربة الفيدرالية كانت خدعة مبيتة وضعها الغرب وكنائسه المفرنجة واستثمرها أيضاً، فالفيدرالية عبارة عن نظام مغلق مقيد، أي هي خليط من الحكم الذاتي أو الاستقلال الذاتي أيضاً وأن تعبير المشاركة في الحكم عن طريق الفيدرالية من الصعب أن يطبق في شعب متعدد المذاهب الدينية والثقافية وهذا موجود ولـه جذوره العميقة في السودان ككل، وبعبارة أكثر صراحة ووضوحاً أن الفيدرالية لا تمشي ولا تتماشى في وضع كوضع السودان والحل هو إيجاد المخرج والوصول إلى السلام الذي لا يتم إلا بوضع واحد وهو الديمقراطية التي تناسبه في توجهه وتقاليده وأعرافه، وللوصول إلى هذا علينا أن نبدأ بنشر ثقافتنا ثم نقوم بتوزيع الثروة توزيعاً صحيحاً عادلاً لإيجاد سلام دائم نعمل على تثبيته ودعمه، وهذا أمر يحتاج إلى إيجاد قانون عادل حقيقي نابع من أعرافنا وتقاليدنا غير مفروض علينا ولا قادم من وراء البحار وهذا يحتاج إلى قانون حكيم وكذلك توزيع ثروة السودان بشكل صحيح بعد التنقيب عن النفط واكتشاف كميات كبيرة منه.
    وقد اهتمت حكومة الإنقاذ بهذا الجانب الحيوي من حياة المواطن السوداني فعملت جاهدة وبلا كلل أو ملل لاستخراج نفطها رغم المصاعب التي كانت تحيط بذلك إلا أن السودان استطاع أن يصل ولو بشكل مقبول حالياً لاستخراج هذا الذهب.


  14. #54
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب الحادي عشر
    الدور الأمريكي


    الفصل الأول
    بداية اكتشاف النفط السوداني أو كارثة العالم العربي
    لأننا لا نحسن استخدامه واستغلاله!


    بدأ استشكاف النفط في السودان في الستينيات من القرن الماضي، وتركز البحث في البداية على منطقة البحر الأحمر ولم يسفر البحث عن وجود كميات يعتدّ بها، إلا أن الحدث الهام كان العثور على الغاز في منطقة /سواكن/ عام 1976 عن طريق شركة /شيفرون/ الأمريكية، واستمرت عمليات التنقيب بعد ذلك وفي عام 1980 - 1982 عثرت الشركة سابقة الذكر على النفط في عدة مناطق في جنوب السودان وبالقرب من مدينتي /ملكال/ و/بونتو/.
    وقد برزت عدة مشاكل لهذا الاكتشاف، وكانت أول هذه المشاكل مسألة الحدود بين الشمال والجنوب، ووفقاً لاتفاقية أديس أبابا المعقودة عام /1972/ فالمناطق المتنازع عليها ثلاث وهي:
    1 - منطقة حفرة النحاس.
    2 - منطقة بانتيو.
    3 - منطقة شالي والكرمك.
    وتعد هذه المناطق الثلاث ذات إمكانيات اقتصادية عالية، فمنطقة حفرة النحاس والتي كانت منذ وقت طويل يجري فيها استكشاف النحاس، وقد حاول المستعمرون أن يجعلوا منها منطقة خالية من السكان لتكون حاجزاً خالياً من السكان بين الشمال والجنوب وذلك لإيقاف المد الثقافي العربي الإسلامي جنوباً.
    بانتيو:

    أما منطقة /بانتيو/ فهي المنطقة التي أشارت إليها شركة /شيفرون/ الأمريكية التي نقبت عن النفط، وحيث قالت إنَّها تعد أغنى مناطق النفط التي تمَّ التوصل إليها لغاية الآن.
    شكل ظهور وتدفق النفط حدثاً مهماً كبيراً أوحى لهم (إلى المتمردين) أنَّ بقدرتهم الآن إقامة دولة مستقلة لهم في الجنوب، ومن هذا الفهم الخاطئ المغري من الغرب وكنائسه المتصهينة دعوا إلى إنشاء خط أنابيب لنقل النفط من منطقة /بانتيو/ إلى ميناء /ممباسا/ الكيني وذلك عبر الجنوب السوداني، بدلاً من إيصاله إلى ميناء السودان الكبير /بور سودان/ إنهم يريدون أن يكون النفط تحت سيطرتهم التامة، ومن هنا تركزت هجمات المتمردين على منطقة /بانتيو/.
    شالي والكرمك:

    انطلاقاً من صلة هاتين المنطقتين بالجنوب وانتماءات ساكنيها فإنَّ صلتها بالجنوب أكثر عمقاً من صلتها بالوسط الذي تقع فيه، ومن هنا صعدت إلى السطح مشكلة مصفاة النفط في منطقة /كوسني/ وقط ظهرت هذه المشكلة في عام 1981 بعد أن تقرر أنَّ تكون /كوسني/( ) موقعاً لمصفاة النفط، إلاَّ أنَّ مجلس الشعب الإقليمي للجنوب طلب من رئيس الجمهورية التدخل لوقف قرار وزير الطاقة والمعادن وإدارة شركة شيفرون الأمريكية، وقد تركزت دعوى مجلس الشعب الإقليمي للجنوب على أنَّ منطقة /بانتيو/ هي أصلح منطقة لقيام مثل هذه المصفاة إلاَّ أنَّه تم رفض هذا الاقتراح لأنَّ الغرض منه هو حصر تكرير النفط في منطقة الجنوب التي يعدها المتمردون لأن تكون دول مستقلة، وهكذا تم إنشاء المحطة في /كوسني/.
    أدى اكتشاف النفط إلى تشجيع التمرد والدعوة إلى الانفصال إذ شعرت المجموعات المتمردة أنها إذا استأثرت بمخزون النفط والمعادن ستكون لها الدولة الموعودة، ولقد زاد ذلك من إذكاء النار المشتعلة في منطقة الجنوب.


  15. #55
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    الغضب الأمريكي على السودان


    من جملة أسباب الغضب الأمريكي على السودان، تناقض المواقف السودانية مع سياسة الولايات المتحدة.
    في عام 1996 تبلورت سياسة جديدة أمريكية تجاه أفريقيا، ولقد تمثّلت في إيجاد كتلة أفريقية تمتد من القرن الأفريقي شرقاً إلى السنغال غرباً، وتكون لها السيطرة الكاملة على مصادر المياه «البحيرات العظمى».
    إنَّ هذا التشكيل لم يعد خافياً على أنَّه يرمي إلى إنشاء بنية أساسية لمصلحة شركات النفط والتعدين الأمريكية، وعندما زار الرئيس الأمريكي (كلينتون) أفريقيا، عاد وأطلق في عام 1995 مبادرته تجاه القرن الأفريقي الكبير، هذه المبادرة الصادرة من الرئيس الأمريكي تحاول ربط التطورات التي تجري في السودان بتفاعلات شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بعيداً عن الإطار العربي.
    إنَّ مبادرة (كلينتون) هذه تعني خلق هوية جديدة للمنطقة تكون فيها السيد المطاع والناهي الآمر، من هنا جاء تسليح الأنظمة وحركات التمرد في المنطقة لتحقيق هدف الولايات المتحدة.
    ما الذي نستنتجه من وراء كل هذا التآمر على وحدة السودان أرضاً وشعباً؟.
    ولكن ما هو المطلوب؟ تضامن جميع القوى الوطنية السودانية من معارضة وموالين حريصين على وحدة السودان، حيث أنَّ الحركة الشعبية وبقية المتمردين يسعون إلى قبول الحكومة السودانية بمبدأ «حق تقرير المصير للجنوب» ما هي إلاَّ عملية شطر للسودان الذي عملت لـه بريطانيا سابقاً، وتكمله اليوم الولايات المتحدة الأمريكية والكنائس العالمية والكيان الصهيوني.
    إن إعطاء حق تقرير المصير ما هو إلا الخدعة الكبيرة التي أرادها المتمردون لتمزيق السودان كله وليس فصل الجنوب فقط؟


  16. #56
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الباب الثاني عشر
    جهود السلام
    الفصل الأول
    محادثات السلام في نيروبي عام 1990


    عندما تولى الرئيس النيجيري (إبراهيم بابا نجيدا) رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية سعى لإجراء حوار بين الحكومة السودانية والمتمردين، ولقد أجري الحوار الذي استمر من عام 1991 - إلى 1992، عملت الأطراف الثلاثة: الحكومة السودانية - والرئيس النيجيري - والمتمردون للتفاهم من أجل الوصول إلى حل عبر طاولة المفاوضات وفق ما يلي:
    لن تطبق الحكومة السودانية قوانين أيلول /سبتمبر/ «الشريعة الإسلامية» على الولايات التي تقطنها أغلبية غير مسلمة، أما فيما يختص بموضوع الفيدرالية أو الكونفيدرالية فهذا سوف يطرح على طاولة المفاوضات. وهنا صعَّدت الحكومة السودانية هجماتها على حركة الجيش الشعبي في الوقت الذي سعت فيه منظمة الوحدة الأفريقية إلى إيجاد حل سلمي.
    تمكن الجيش السوداني من تحقيق الانتصار تلو الانتصار على قوات (جون كرنغ) وفي ذلك الوقت أجرت الحكومة السودانية مجموعة اتصالات مع جماعة الدكتور (ريك ايشار) و(لام أكول)، ولكن لم تثمر هذه الاتصالات عن شيء يذكر، كذلك رفض (كرنغ) مشاركة (ريك ايشار) و(لام أكول) في الجلوس معه على طاولة المفاوضات المقترحة من قبل منظمة الوحدة الأفريقية وهذا يعود لكون الانطلاقات الفكرية لمجموعة (ريك) و(لام) كانت تنادي باستقلال الجنوب وقيام دولة جنوبية، وهذا لا يعني بأنَّ المتمرد (كرنغ) يعمل لإبقاء الجنوب جزءاً من السودان، ولكن كما يقال أنَّ الخوخ لم ينضج بعد؟
    التجمع الوطني الديمقراطي /لقاء أسمرا/:
    عمل المتمردون على ضرورة القضاء على نظام الحكم (الإنقاذ)، فقد انطلق هؤلاء المتمردون الجنوبيون من اعتبار أن المفاوضات أو الحوار مع حكومة السودان يعتبر متابعة للعمليات العسكرية، وهذا ما يؤكده المتمرد (كرنغ) عندما يقول: «لساني جزء من أسلحتي، فلماذا أجرّد نفسي من هذا النوع من السلاح، وإنَّنا نرى ضرورة أن تتم تقوية التجمع الوطني الديمقراطي حتى يتمكن من أن يطيح بالحكومة الوطنية العربية الإسلامية؟ وأنني أؤكد على ضرورة خلق تجمع وطني ديمقراطي يضم كافة القوى السودانية والمعارضة للنظام القائم؟! ».
    هذا أولاً، أما ثانياً فهو الآتي:
    يجب تطوير القدرات الضرورية لإزالة نظام الخرطوم؟
    إنَّ ما يود قوله المتمرد (جون كرنغ) هو ضرورة أن تكون هناك رؤية للقوى السياسية المعارضة لنظام الحكم، كما أشار إلى أنَّ الجيش الشعبي والحركة الشعبية هما البديل عن نظام الحكم القائم في الخرطوم؟ كما أشار أيضاً أنَّ كلاً من حزب الأمة والحزب الاتحادي والحزب الشيوعي وبقية الأحزاب غير مؤهلين لتسلم الحكم أو للتعامل مع الأوضاع العالمية.
    إذاً، هذه القوى كلها غير مؤهلة لاستلام الحكم، فما الجدوى من القتال؟ وما الجدوى من وضع العراقيل أمام الحكم الوطني؟ ما الجدوى؟
    الجدوى من ذلك هي قيام دولة جنوبية تكون موالية للغرب ولإسرائيل، وقد جاء اجتماع «اسمرا» الذي رعاه المتصهين (أسياس أفورقي) بهدف إسقاط حكومة الإنقاذ الوطنية ومن خلال العمل العسكري أو الانتفاضة الشعبية الممّولة من قبل الدوائر الغربية ومجلس الكنائس العالمي؟!


  17. #57
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثاني
    بدء مفاوضات الإيجاد للسلام
    1997


    بدأت محادثات السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين عام 1994 برعاية منظمة /الإيجاد/( )، ثم توقفت ويعود سبب توقفها لأمرين مهمين هما الآتي:
    الأول: حق تقرير المصير.
    الثاني: العلاقة بين الدين والدولة.
    وعلى ضوء هذين السببين اللذين رفضتهما حكومة الإنقاذ توقفت المحادثات بين الأطراف /المتحاورة/ وسبب رفض حكومة الإنقاذ يعود إلى موضوع حق تقرير المصير وقوانين الشريعة.
    الحكومة السودانية رفضت هذه المفاوضات.
    ولكن ما هو موقف الحركة الشعبية والجيش الشعبي منها؟
    أصدرت الحركة الشعبية بياناً شرحت فيه موقفها من المحادثات مع الحكومة السودانية، فقالت أنَّها مع وحدة السودان؟
    و«الوحدة» في مفهوم الحركة هي «حق تقرير المصير للسودان»؟!
    أما المتمرد (جون كرنغ) فإنَّه يرى أنَّ الوحدة تعني منهجاً محدداً، ومعنى ذلك فصل الدين عن الدولة، كما يرى (كرنغ) أنَّ حق تقرير المصير والكونفيدرالية وجهان لعملة واحدة، ولذلك طالب بحق تقرير المصير؟ ودعوته هذه تمثل تقطيع السودان لأنَّ حق تقرير المصير هذا يشل السودان كله.
    بعد استعراض أهم مفاصل مشكلة جنوب السودان، دعوني اقترب من بداية حل هذه المشكلة الهامة من تاريخ السودان والدول العربية والاقليمية أيضاً، إنني هنا أنوه بأن هذا الحل كما تم وكما وقعا عليه /الحكومة السودانية/ و/المتمردون/ ليس هو بالحل الذي سيجلب السلام بل سوف يتمخض عن معاناة جديدة لا يعرف مداها سوى الله وإنني لأتابع هنا سرد الأحداث التي حصلت، أما تحليل هذا الموضوع الهام فهو موجود بين سطوره.


  18. #58
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الثالث
    مشاكوس الإيطاري


    في شهر تموز - يوليو - من عام 2001 تم التوقيع على ما سمي بـ /مشاكوس الإيطاري/( ) وذلك بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وذلك تحت رعاية ومظلة الولايات المتحدة ومنظمة الإيجاد وحلفائها المهيمن من بريطانيا وإيطاليا والنرويج، ولقد أثار هذا التوقيع تفاؤلاً كبيراً بأنَّ الحرب قد انتهت، هذه الحرب الثانية والتي دامت تسعة عشر عاماً وقتلت حوالي المليون إنسان وربما أكثر!
    هل حقيقة قد انتهت حرب الأخوة أو كادت أن تنتهي، الجواب عن هذا السؤال يمتلكه المستقبل.
    وطالما أننا نخوض في هذا المضمار، علينا أن ندلي بدلونا حول هذا الاتفاق، وأن نترجم ما ينتابنا من مشاعر القلق والترقب.
    إنَّ الاتفاق الذي أبرم في /كينيا/ يحمل بين طياته نقاطاً شائكة قابلة للتصدع في أي لحظة وعندها سيحدث الانفجار الكبير؟ يليه الانشطار! لا سمح الله.
    وهذا سيقع، إن لم يكن اليوم فغداً، لأن التفكير والاتجاه المتصهين معشش في ذهن كثير من الحكام العرب للأسف لإقامة دولة الجنوب.
    ولن يقتصر هذا التدمير على السودان فقط بل سيتعداه إلى منابع النيلين ومنطقة شرق أفريقيا وبالطبع منطقة القرن الإفريقي وكذلك سيشمل مناطق البحر الأحمر ومصر العربية.
    ولكن لماذا هذا الخوف وهذا الوضع؟
    يعود السبب إلى ما يلي:
    أولاً - جاء في اتفاق /مشاكوس/ الآتي: «يمنح الجنوب حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات، على أن تكون الخيارات المطروحة للاستفتاء هي الاستمرار في النظام الذي سيتم إقراره وفقاً لاتفاق التسوية [ إلاَّ ] الانفصال في كيان مستقل.
    ولكن ماذا يفهم من هذا؟ لا يحتاج الجواب إلى تحليل وتنظير، فالجنوب في طريقه إلى الانفصال؟! نعم هكذا وبصريح العبارة.
    ثانياً - تم الاتفاق ووقع على الآتي: «الاتفاق على إطار دستوري متعدد الطبقات، بحيث يكون هناك دستور للشمال ودستور للجنوب، ودستور قومي يجمع بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، ومؤدى هذا ومضمونه الأساسي هو الحفاظ على تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال في الوقت الذي يكون لـه فيه دستوره وقوانينه الخاصة».
    وهنا جوهر المشكلة:
    وجود: أ - دستور للشمال.
    ب - دستور للجنوب.
    جـ - دستور قومي.
    س1 - ماذا يعني دستور الشمال؟
    ج - يعني قيام دولة سودانية عربية مسلمة، في أحسن الأحوال في وسط السودان.
    س2 - ماذا يعني دستور الجنوب؟
    ج - يعني قيام دولة أفريقية مسيحية، معادية للعرب والمسلمين.
    أما الدستور القومي فهو الانفصال ولسبب واحد وهو كيف يعمل بثلاثة دساتير في دولة واحدة؟!
    علينا أن ندرك ونقول بأنَّ السودان الموحد قد خرج من إطاره القومي إلى أطر جديدة، أي أنه أصبح ورقة في أجندة أمريكا المتصهينة والأوروبيين؟! مع احترامي وتقديري للقيادة السودانية الحالية!
    وهنا نستطيع القول والتأكيد على أنَّ قضية الجنوب قد أخذت منحى جديداً وخطيراً على أمن السودان وأشقائه.
    بعد انقضاء عدة أسابيع على هذا الاتفاق، قامت جماعات المتمردين بالاستيلاء على مدينة /توريت/ الاستراتيجية بشكل مفاجئ وسريع، مما دفع الحكومة السودانية للانسحاب من التفاوض الجاري، وقالت أن هناك انحيازاً من الوسطاء ومن منظمة الإيجاد، وأن هناك مراوحة من الحركة الشعبية وعودة لفتح الملفات والقضايا التي تم الاتفاق عليها في الجولة السابقة.
    ما الذي نستطيع أن نفهمه من هذا الكلام؟
    الجواب: هذا أول بند من أجندة الأمريكان والأوروبيين.
    ماذا يعني احتلال مدينة توريت؟
    الجواب: لَيّ ذراع الحكومة السودانية، وإجبارها على الرضوخ لمطالب المتمردين.
    إن ما يتم في السودان أمر خطير يصل إلى حد مقارنته باقتطاع /لواء إسكندرون والجولان العربي السوري/ وإقليم عربستان العربي وفلسطين واحتلال العراق؟ أين نحن كعرب من هذا كله؟
    والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبأكثر من صيغة هو:
    1 - أين الدول العربية وأين دورها؟!!
    الجواب: أنظمتها غائبة وتعيش في كوكب آخر؟!
    2 - أين وسائل الإعلام المستقلة الحرة؟!
    الجواب: غير موجودة وإن وجدت فهي غير فعّالة.
    3 - أين الكتاب والمثقفون العرب؟!
    الجواب: الله وحده يعلم؟!
    أين هؤلاء كلهم من محاولة اقتطاع جزء مهم من جسم السودان والذي سيلحقه أجزاء أخرى؟
    إنَّ توقيع هذه الاتفاقية وبهذا الشكل وبهذه الطريقة يعتبر تهميشاً لدور السودان الوطني وانحساراً للمد الوطني والعربي.
    ولا أضع اللوم كله على النظام الوطني القائم في السودان بل على كافة الأنظمة العربية، على الأنظمة العربية أن تبذل مجهوداً ما، وتتحرك بسرعة لفرض موقفٍ تكون لـه نتائج إيجابية مهمة لها وللسودان، وصحيح أنَّ ملف جنوب السودان مليء بالمسائل والتفاصيل الشائكة ذات المسالك المتعرجة، لكن سياسية الأمر الواقع التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتصهينة كانت تستبدل وتسقط فيما لو تعاونت الأنظمة العربية فيما بينها وخاصة مصر والسعودية وليبيا، ولكن وللأسف فلقد كشف اتفاق /مشاكوس/ النخبة العربية وجهلها بأوضاع السودان وتركيبته السياسية، فالسطحية التي تعاملت بها هذه النخبة مع القضية أظهرت وللأسف ضحالة المعلومات لديها؟!
    والآن لنلقي نظرة على تفاهم /مشاكوس/:

    يطلق السودانيون على اتفاق /مشاكوس/ الإيطار، ولكن ما المقصود من هذا الإيطار؟
    من دون شك فإنَّ هذا الاتفاق لم يأت من فراغ، فالمتتبع الواعي لهذه القضية يعلم تماماً مقدار الاهتمام الغربي الأمريكي الصهيوني المتزايد بقضية جنوب السودان، والسعي اللاهث لإنهاء القضية وفق مصالحهم التي صاغتها الأسباب التالية:
    أ - تسعى المؤسسات الدينية الغربية لحل القضية في إطار سياستها التبشيرية لخلق دولة أفريقية مسيحية تخدم مصالحها الكنسية وفق مخطط استعماري ديني قديم حديث.
    ب - سعي الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وخاصة الحكومة الحالية اليمينية ذات التوجه الديني الصليبي والتي يقودها ما يطلق عليهم اسم /الصقور/ (وأي صقور؟)، إلى إيجاد حل يخدم مصالحها الخاصة، وبالتالي خلق نظام يفرض على دول أفريقية تدين بالإسلام.
    جـ - هناك دوافع أمريكية أخرى لبسط نفوذها على المنطقة، وخلق خريطة سياسية جديدة تهيمن من خلالها على جنوب السودان النفطي وعلى المنطقة وذلك بحجة مكافحة الإرهاب وقد نمى هذا الادعاء بعد أحداث 11 - أيلول - سبتمبر.
    د - تقوم أكثرية المنظمات الإنسانية الغربية بكتابة تقارير تقول فيها: «يمارس السودانيون الشماليون أنشطة تتعلق ببيع وشراء الجنوبيين، هذا الأمر يجب الوقوف عنده طويلاً»؟!
    والحقيقة أنَّ هذا الكلام غير صحيح لأنَّ معظم الشماليين مسلمون يفهمون أنَّ الرق غير مسموح به وفق تعاليم الإسلام.
    هـ - تقوم مؤسسات التبشير الدينية مثل /مجلس الكنائس العالمي/ بالسعي إلى إيجاد حل للقضية في إطار سياستها الكنسية التوسعية، والتي تسعى من ورائها إلى تنصير الجنوب بالكامل وطرد المسلمين منه وتأخذ هذه السياسة شكل التنافس الحاد بين كل من المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي.
    و - وقف التقدم الثقافي العربي الإسلامي الذي يقوده السودان سابقاً وحالياً، وهكذا استنتجنا الدوافع والأهداف الأمريكية الضاغطة والكامنة في اتفاق /مشاكوس/ حيث نجد فيه المبادرات الأمريكية والتي تتمثل في تقرير اللجنة الأمريكية للحريات الدينية؟
    كما نجد في تقرير المبعوث الأمريكي السناتور (جون دانفورت) والذي يقول فيه: «يجب تحقيق تسوية لإيجاد حل وسط ما بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان وفق ما يلي وباختصار شديد:
    1 - إنَّ تاريخ السودان مليء بالاتفاقيات التي يجترها الموقعون عليها... وعلى كل نستعرض ما جاء في ظل الاتفاق أحياناً وأحياناً أخرى نأخذ ما جاء فيه:
    أ - تقوم الولايات المتحدة بتشجيع طرفي الصراع للقيام بمبادرات للسلام، وتساعدها في ذلك دول الجوار، مثل كينيا وأثيوبيا ومجموعة الإيجاد ثم لابد من إشراك دول مهمة في وضع جنوب السودان مثل كندا والنرويج وسويسرا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا من أجل دعم عملية السلام؟!
    ولكن الولايات المتحدة لم تستخدم أياً من الدول المذكورة إلاَّ في مجال
    الدعاية لها.
    ب - عدم قيام الولايات المتحدة بدور الحكم بين الادعاءات المتنافسة لطرفي النزاع في السودان، وإنما تقوم باختيار احتمالات عملية سلام ديناميكية تكون أمريكا أحد المشاركين فيها.
    جـ - مقابلة أطراف إقليمية مهتمة بالشأن السوداني، للبحث حول جهود بلادهم في إحلال سلام عادل في السودان، وهذه الأطراف قيادية ومعروفة.
    د - لقد تم التنسيق مع البريطانيين والنرويجيين والإيطاليين، وتم بحث الوضع الديني مع الأطراف الفاعلة على هذا الصعيد في الفاتيكان ورئيس أساقفة كانتر بيري.
    2 - بعد ذلك قام السيناتور السابق (جون دانفورث) وقدم مجموعة استنتاجات وتوصيات نورد أهمها:
    أ - عدم إمكانية أي من طرفي الصراع ربح الحرب، وهنا وضع (دانفورث) الشعب السوداني كله بموازاة المتمردين؟
    ب - التخصيص العادل للموارد النفطية كمفتاح لمعالجة المسائل السياسية في إطار صيغة مالية لتقاسم الموارد النفطية بين الحكومة المركزية وشعب الجنوب، وإن من الممكن إيجاد صيغة مقبولة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة لفض النزاع حول حقول النفط قبل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.
    ويمكننا القول إنَّ ما قصده (دانفورث) هو الآتي:
    أ - إنَّ تقسيم موارد النفط بين الطرفين بالتساوي يعتبر حافزاً ذا أهمية كبرى للأمريكان والأوروبيين، حيث أن السودان يمتلك من احتياط النفط ما يزيد عن بليون برميل مع الاعتقاد بوجود احتياطي إضافي يتراوح بين بليون وأربعة بلايين برميل، وهذه وجبة شهية جداً للشركات الأمريكية.
    ب - تبنى السيناتور (دانفورث) طلب الجنوبيين بحق تقرير المصير؟
    يعد تبني (دانفورث) لهذا الطلب بمثابة وسيلة فعّالة لترسيخ مقولة الأمريكان والأوروبيين التي تحيل أهالي جنوب السودان إلى أناس تمارس عليهم أبشع صور الظلم والاضطهاد، ولذلك توجد ضرورة لرفع الظلم عنهم وذلك عن طريق إيجاد دولة خاصة بهم؟ فهذه الدولة ستضمن الوجود الإنساني، وستمكن الجنوبي من التمتع بحقوقه وممارسة واجباته في ظل حكم ديمقراطي يحترم حرية المعتقد والدين والثقافة؟!
    جـ - الاتفاق الإيطاري: إنَّ الدور الفاعل والمؤثر أي الضاغط هو الذي دفع الحكومة السودانية والمتمردين للتوقيع على الاتفاقية التي عقدت في ضاحية /مشاكوس/ التي تقع قرب العاصمة الكينية /نيروبي/، ولقد رعى الاتفاقية (دانيل آراب موي) رئيس البلد المضيف، ولقد جاء هذا الاتفاق أقرب إلى المرجعيات والمقترحات الأمريكية حول /تحقيق السلام في السودان؟/.
    وفي صياغة تقرير موفد الرئيس الأمريكي (جورج بوش) السيناتور السابق (جون دانفورث) نجد أنَّ هذه الصياغة تأخذ طابع المراوغة الأمريكية في وضع جملة /حق تقرير المصير/؟ حيث أنَّ المذكور زار المنطقة كذلك القاهرة وركَّز في لقاءاته مع المسؤولين على حق تقرير المصير للجنوبيين؟ وعند قراءة هادئة لتقرير دانفورث، يمكننا أن نستخلص من أهم نقاطه:
    أ - ضرورة خلق إطار للحكم يضمن اقتسام عادل للثروة والسلطة، وضمان حقوق الإنسان وهو ما يعني ضمناً أنَّ مثل هذه الاعتبارات لم تكن موجودة؟
    ب - الإشارة إلى المظالم التاريخية والتنمية غير المتوازنة بين أجزاء السودان المختلفة تاريخياً.
    جـ – الإشارة إلى مبادرة سلام الإيجاد، ودور الرئيس الكيني؟
    أما بالنسبة لمراقبة تنفيذ الاتفاق فتتشكل من بنود عدة نأخذ منها ما هو آتٍ:
    1 - التمثيل المتساوي لطرفي الاتفاق وهما الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.
    2 - ممثلون لا يزيد عددهم عن ممثلين اثنين لكل جهة من الجهات التالية:
    أولاً: أعضاء اللجنة الفرعية حول السودان لدول منظمة الإيجاد.
    ثانياً: أعضاء الدول المراقبة: 1 - الولايات المتحدة الأمريكية.
    2 - المملكة المتحدة.
    3 - إيطاليا.
    4 - النرويج.
    ثالثاً: أي دول أو هيئات إقليمية أو دولية يتفق عليها الطرفان.
    «ونستطيع أن نستنتج من قراءة هذه الفقرة، أن هناك أطرافاً أخرى يود إدخالها»؟
    رابعاً: إنَّ الاستفتاء على تقرير المصير يبدو أمراً هاماً ومفصلياً في الاتفاق، ويجري هذا الاستفتاء في نهاية المدة الانتقالية وهي ست سنوات وتناط عملية إجراء هذا الاستفتاء بالتعاون بين الحكومة والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وهنا سيتم التصويت لتبني نظام الحكم بموجب اتفاقية السلام أو لصالح الانفصال.
    خامساً: التصور العلماني:
    1 - حرية المعتقد والعبادة والضمير لأتباع كل الأديان والمعتقدات والأعراف، ولا يجوز التمييز ضد أي شخص على هذه الأسس والمعايير.
    2 - تولي جميع المناصب بما فيها رئاسة الدولة والخدمة العامة، والتمتع بجميع الحقوق والواجبات، يتم على أساس المواطنة، وليس على أساس الدين أو المعتقدات أو الأعراف.
    سادساً: هذا بند مهم إذ يقول: «إنَّ حرية العبادة والتجمع من أجل الممارسات الدينية أو الممارسات الخاصة بالمعتقدات الأخرى، وتأسيس وحماية الأماكن التي تقوم بأداء هذه الشعائر».
    سابعاً: تشكيل حكومة وطنية تمارس الوظائف وتجيز القوانين وعلى الحكومة أن تأخذ في الاعتبار القوانين التي تجيزها الطبيعة التعددية للشعب السوداني دينياً وثقافياً، وهذا الضابط يبدو هاماً من وجهة نظر مصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان /المتمردين/».


  19. #59
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    حق تقرير المصير:


    جاء في الاتفاق الإيطاري ما يلي:
    أ - تأسيس مجلس مستقل وهيئة تقييم خلال الفترة الانتقالية يناط بها تطبيق اتفاقية السلام خلال الفترة المؤقتة.
    ب - تشكيل هيئة التقييم من ممثلين متساوين من حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان /المتمردين/، ومما لا يزيد عن ممثلين اثنين:
    1- يبلغ تعداد السودان ثلاثين مليون نسمة، حوالى أربعة ملايين جنوبي فقط، هل يجوز أن يكون رئيس الدولة جنوبياً؟ إلاَّ أنَّ الإدارة الأمريكية تجيز كل شيء من أجل مصالحها!
    2- يدين أكثر من 90% من السودان بالإسلام، فهل يجوز أن يكون رئيس الدولة غير مسلم؟
    من الدول والمنظمات الآتية:
    1- الدول الأعضاء في اللجنة الفرعية حول السودان التابعة لمنظمة الإيجاد هم: جيبوتي، أرتيريا، أثيوبيا، كينيا، أوغندا.
    2- دول مراقبة دولية، وهم: إيطاليا، النرويج، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية بعد ست سنوات؟
    ولكن ماذا سيحصل بعد مرور ست سنوات؟
    ما سيحصل هو الآتي وبشكل مختصر:
    أ - الانفصال وإقامة دولة جنوبية مستقلة ترعى مصالح الغرب وإسرائيل؟
    ب - عودة الاقتتال من جديد؟
    إنَّ حركة التمرد التي يتزعمها (جون كرنغ) تعمل من أجل الحفاظ على مصادر الدعم السياسي والعسكري والمالي من الدول التالية: أمريكا - بريطانيا - إسرائيل - مجلس الكنائس العالمي، والمنظمات غير الحكومية المهتمة بجنوب السودان، ومما لا شك فيه مطلقاً أنَّ المتمرد (كرنغ) يدعم موقفه الانفصالي على أساس مسألتين أساسيتين هما:
    آ - حق تقرير المصير.
    ب - إلغاء الشريعة الإسلامية.
    فهذان البندان سيكرسان خيار الانفصال عبر حق تقرير المصير، وهذا أهم ما جاء به الاتفاق:
    بعد كل ما ذكرناه وأتينا على تدوينه من خلال متابعتي وقراءتي أتساءل في سري وعلني أسأل واستفسر عن سر اتفاق مشاكوس؟
    إن العلاقات السودانية الأمريكية لم تنقطع في يوم من الأيام والآن تمر أحياناً سحابة صيف سوداء أو بيضاء على العلاقات بين الحكومتين إلا أن أمطارهما تغسل القلوب أحياناً؟ (الآن بسبب استخراج النفط؟).
    فالعلاقات ذات اللون الرمادي أصبحت بيضاء مما دفع الإدارة الأمريكية لأن تساهم في اتفاق مشاكوس ومشاركة الولايات المتحدة سببها السعي لاكتشاف احتياطات نفطية جديدة وبعيدة عن نفط منطقة الخليج العربي حتى تخفف عن نفسها تبعية الاعتماد على هذه المنطقة الساخنة سياسياً، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى كميات أكبر من النفط، وكذلك الحاجة إلى تأمين المصالح المباشرة للشركات الأمريكية وخاصة القريبة ذات الصلة الوثيقة بالإدارة، خاصة أن هذه الشركات هي أول من اكتشف النفط بكميات كبيرة اعتمد السودان عليها لسد حاجياته وتصدير الفائض منها هذا أولاً، أما ثانياً: فهو وجود الشركات الصينية التي تسد حاجة الصين من النفط وخاصة مع تزايد عملية النمو المستمر في اقتصادها وصناعاتها.
    فالصين وماليزيا تسعيان إلى الدخول للأماكن التي تتوارى عنها الشركات الأمريكية بسبب سياساتها تجاه العديد من البلدان مثل /العراق/ و/فنزويلا/ إلا أن حصتها من كعكة النفط السوداني ستكون الأكبر؟ هذا من جانب حكومة السودان أما الجانب الآخر فإن /الحركة الشعبية لتحرير السودان/ التي عملت واستطاعت في أوقات مختلفة أن تجبر الشركات النفطية الأمريكية والفرنسية على إيقاف عملها ومغادرة البلاد في عام 1984، ويبدو أنها لم تستطع وقف عمليات الاستخراج التي تمت في النصف الثاني من التسعينيات بالرغم من إنذار وتهديد الحركة الشعبية التي أكدت فيها على أن أماكن استخراج النفط من الجنوب تعد بالنسبة لها أهدافاً عسكرية مشروعة، وبالفعل نفذت الحركة الشعبية تهديداتها وسببت بعض الخسائر إلا أنه أمكن تلافيها وإصلاحها ولم يتوقف استخراج وتصدير النفط؟
    من هنا وجدت الحركة الشعبية أن تهديداتها لم تفعل ما كانت ترجو منه، وهو وقف استخراج النفط وتصديره، ونتيجة لذلك وجد المتمردون أن أوضاع الحكومة السودانية في تحسّن وبشقيها المادي والعسكري، هنا أعلن (جون كرنغ) أنه سيعمل على السيطرة على الأرض في الأماكن التي سيتم التنقيب فيها حتى يتمكن من الحصول على نصيب أكبر عند الحوار حول بنود الاتفاق - التفصيلية.
    وقد حدث بالفعل السيطرة عسكرياً على منطقة /توريت/ الاستراتيجية إلا أن الحكومة السودانية علقت المفاوضات في مشاكوس إلى وقت لاحق.
    حقيقة الأمر:

    بدأ إنتاج النفط وتصديره بكميات جيدة نسبياً وهذا ما جعل الحركة الشعبية ومن يستظل بها من المعارضة الجنوبية والشمالية يقعون ما بين /السنديان والمطرقة/ للأسباب التالية:
    أ - محاولة منع الحكومة السودانية من تصدير النفط.
    ب - محاولة المعارضة السودانية الشمالية، والمدعومة من الغرب ومن النظام الأرتيري والمنطلقة من الأراضي الأرتيرية، ضرب خط الأنابيب.
    ت - فشل كل المحاولات لوقف استخراج وضخ النفط من قبل المعارضة الجنوبية والشمالية لسببين:
    الأول: تحرك وتكتيك الجيش السوداني في حمايته لأماكن الآبار وأنبوب النفط الذي يتم تصديره عبره.
    الثاني: دعم جماهير الشعب السوداني للحكومة التي رأت في استخراج النفط هدية من الخالق عز وجل لرفع حياته المعيشية، فهذه الجماهير رأت في أعمال المعارضة عملاً عدائياً تخريبياً ليس للحكومة فحسب وإنما للشعب ذاته.
    إن عمل المعارضة ككل، والشمالية خاصة، فقد تأييد بعض الفئات من الشعب السوداني نتيجة عملها الشنيع في رأي كافة أطياف الشعب السوداني وخاصة أن الحكومة السودانية بعد تصدير النفط عام 1999 بدأت باعتماد وصرف ملايين الدولارات لتنمية البنية الأساسية في كل أنحاء السودان وبشكل خاص في الجنوب .
    فقد قامت ببناء الجسور والطرق والمدارس والمراكز الصحية وخدمات الماء والكهرباء ثم قامت على الصعيد السياسي بحشد الدعم لها بين القبائل الجنوبية تحت اسم /خطة السلام من الداخل/.
    هنا رأت الإدارة الأمريكية أن مصالحها لابد من تأمينها وعبر اتفاق المتمردين الجنوبيين والحكومة السودانية.
    في هذا الجو بدأ انخفاض التأييد /للحركة الشعبية/ كذلك أصبحت قضية النفط قضية مختلف عليها بين المعارضة الشمالية والجنوبية بقيادة الحركة الشعبية المتمردة للأسباب التالية:
    1 - تمسكت الحركة الشعبية الانفصالية بوقف صادرات النفط للتباحث حول وقف إطلاق النار.
    2 - رفض الحكومة السودانية لمطالب /الحركة الشعبية/.
    3 - رفض /الحزب الشيوعي السوداني/ لتمسك /الحركة الشعبية/ بمواقفها وتصرفاتها حيال استخراج النفط وتصديره، فقد أصدر بياناً أدان فيه زعيم الحركة الشعبية (جون كرنغ) بعدم الالتزام بالقضايا الوطنية ولحق الحزب الشيوعي في نفس السياق كل من حزب الأمة والمؤتمر الشعبي، كما أعلن (الطيب التيجاني) أحد قادة الحزب الشيوعي السوداني والجبهة الوطنية المعارضة أن نقطتي الخلاف الرئيسيتين في محادثات مشاكوس كانتا قضيتي تعيين الحدود بين الأقاليم الشمالية وتلك الجنوبية، وقضية توزيع الثروة ولا سيما الثروة الوطنية، وكلتا النقطتين هما في قلب المعادلة النفطية.
    تقسيم الثروة:

    لم تكتفِ /الحركة الشعبية/ بالمطالبة بنصيبها من استخراج النفط من المنطقة الجنوبية بل طالبت بضرورة عرض الاتفاقات التفصيلية المبرمة بين الحكومة السودانية والشركات النفطية العالمية، وقد اعتبرت الحكومة السودانية هذا الطلب تمادياً كبيراً من الحركة الشعبية عليها.
    فرفضت وبشدة هذا الطلب وبررت الرفض بأنه لا يمكن أن تفرض اتفاقات على أي أطراف غير مندرجة ضمن سلطات البلاد، وبمعنى أوضح لوجهة نظر الحكومة أنه على الحركة الشعبية الانتظار حتى يتم التوصل إلى الاتفاق النهائي ومشاركة الحركة في الحكم حتى يمكنها الحصول على ما تريد في هذا الموضوع، وقد عملت الحكومة السودانية على استغلال النفط المستخرج على الصعيد الإقليمي لتخفيف التأييد للحركة الشعبية في دول الجوار فوضعت عدة اتفاقات منها:
    اتفاق مع الحكومة الأثيوبية يتم بموجبه تزويدها بالمنتجات النفطية عبر خط الأنابيب الذي يأتي من معمل التكرير في الخرطوم.
    كما أن اتفاقاً مماثلاً يُنتظر مع الحكومة الأرتيرية، وكما يقوم السودان بتزويد /كينيا/ بالبترول بأسعار رخيصة، كذلك تقدمت الحكومة السودانية بفرض مماثل إلى /الحكومة اليوغندية/ وهذا ما يدعو الحكومة السودانية أن تقود عملية واتفاق السلام بقوة.
    كما يفتح الطريق أمام الشركات النفطية العالمية الكبرى للبحث والاستكشاف، وهذا يعني رفع مستوى المعيشة للفرد والمجتمع السوداني وزيادة في قدرات الجيش السوداني، وهذا يساعد في التوصل إلى حلّ سلمي مشرف لقضية الجنوب، ودون المساس بهوية السودان الوطنية والمتمثلة بشعبه وأرضه وكذلك تلافي الألغام التي بثتها الولايات الأمريكية لإيقاع السودان في حفرة التجزئة والانقسام.
    ما الذي ننتظره من أمريكا؟

    قال (جورج بوش) رئيس أكبر دولة استعمارية في العالم بعد اتفاق /مشاكوس/ الأول ما يلي:
    «سنتصدى لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحريات الدينية في كل مكان في العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان»... إلى جنوب السودان؟!...
    وفي العام نفسه قال الآتي: «إنَّ الحريات الدينية هي أكثر ما يتعرَّض للانتهاك في السودان» الحرية الدينية؟!...
    إذا تساءلنا ما هو الدين الذي يتعرَّض للإهانة؟ الجواب لا يحتاج إلى تفكير، فطبعاً المقصود هو /دينه/ وخاصة مذهبه المتصهين، هل يستطيع أي رئيس أو زعيم عربي مسلم أن يتفوه بحرف أو بجملة مما قاله الرئيس الأمريكي؟!
    منذ بداية التمرد في جنوب السودان، كانت الولايات المتحدة هي الداعم المادي والعسكري والإعلامي لحركات التمرد الجنوبية، ولقد برز دورها إلى الملأ وخاصة بعد ثلاثة أحداث مهمة:
    الأول: تفكك الاتحاد السوفييتي والذي أصبح دولاً.
    الثاني: سقوط نظام (منغستو هيلا بريام) الماركسي.
    الثالث: تخلي الحركة الشعبية والجيش الشعبي عن مشروعها الماركسي عام 1991.
    وهنا برز دور الولايات المتحدة وعلى صعيدين:
    الصعيد الأول: من خلال المؤسسات والمنظمات الطوعية والخفية كذلك الدعم السري للمتمردين /للحركة وللجيش الشعبي/ وبقية الفصائل الانفصالية والموالية للتوجه الغربي، وهذا الدعم يقدم بسخاء وبمعونة ومعرفة الإدارة الرسمية الأمريكية.
    الصعيد الثاني: يتم عبر وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكية، هاتان الوزارتان تقعان تحت تأثير اللوبي الصهيوني واليمين الديني المتصهين «حرب العراق».
    بعد كل ما تقدَّم ما الذي ننتظره من الولايات المتحدة؟
    الجواب - الذي ننتظره لن يخرج عن صميم إدارتها الاستعمارية، التي قتلت وأبادت الهنود الحمر أصحاب الأرض الحقيقيين؟ إنَّ الولايات المتحدة أسيرة الضغط الصهيوني، وهي لا تستطيع أن تتخلى عن مسؤولياتها في نصرة حركات التمرد التي تحمل سمات مذهبها المتصهين من مورثتها بريطانيا التي خلقت ثم عقدت مشكلة الجنوب.


  20. #60
    كاتبة وصحفية
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الفصل الرابع
    نهاية النهاية


    بعد السرد الموجز لمشكلة جنوب السودان ثم تحليل أبعادها دعونا نقرأ ونحلل التبدل الذي طرأ على /إيجاد/ الحل السلمي الذي منحته حكومة الإنقاذ للمتمردين.
    لم يسبق لكافة الحكومات التي تعاقبت على السودان من ديكتاتورية إلى ديمقراطية أنْ أقرت بمبدأ حق تقرير المصير بشأن الجنوب؟!
    صحيح أن وضعاً جدياً نشأ وتم الاتفاق عليه بين الطرفين [ الحكومة السودانية والمتمردين ] فهل اختيار حق تقرير المصير هو انفصال الجنوب عن الشمال وقيام دولة جديدة؟
    ولابد من قراءة هادئة للنقاط الأساسية لما سمي باتفاق مشاكوس؟ علماً بأن الذي حصل لم يحصل في تاريخ السودان نهائياً...
    1 - من القراءة المعمقة لبنود الاتفاقية نرى أنَّ هناك تبايناً كبيراً يصل إلى حد الخلاف حول حدود الجنوب، هل هي حدود عام 1956 الموضحة في الخرائط المتداولة أم هنالك تغير طرأ عليها بظل الاتفاقية الجديدة أو بنتيجة الحرب أو الهجرة المستمرة؟ علماً أنَّ المديريات الجنوبية الثلاث هي:
    1 - الاستوائية.
    2 - بحر الغزال.
    3 - أعالي النيل.
    هذه هي المديريات الموضحة في اتفاقية الاستقلال عام 1956 هنا برز الخلاف الذي أثاره قادة التمرد والذين أصروا على إضافة ثلاث مناطق أخرى للاستفتاء على حق تقرير المصير، وهذه المناطق هي:
    1 - إيبي - تعتبر منطقة إيبي موطن قبيلة (الدينكا) كما أنَّها كانت مثال التعايش السلمي لكل السودانيين، كما ينتمي إليها السياسي الدكتور (فرانسيس دنيق) وكان والده السلطان (دنيق ماجوك) هو زعيم قبيلة (الدينكا) إلاَّ أنه بعد انهيار اتفاقية أديس أبابا، طالب أهل المنطقة بانضمامهم إلى الجنوب وكان على رأس المطالبين الدكتور (فرانسيس دنيق) ولقد كان من دعاة التعايش السلمي مع كافة قوميات السودان، وكان (دنيق) مقرباً من الرئيس (جعفر النميري).
    ومنطقة إيبي لها ظروف خاصة، ومن هذه الظروف موقف البريطانيين الذين خيَّروا هذه القبيلة بين الانضمام إلى مديريات الجنوب الثلاث أو البقاء في الجانب الشمالي، إلاَّ أن أهل المنطقة قد اختاروا البقاء في الجانب الشمالي وكان ذلك على لسان (دنيق مجدك)، وبالرغم من إبداء الرغبة في ذلك قام البريطانيون ومنحوا سكان هذه المنطقة حق إجراء استفتاء شعبي يتم خلال سنوات بعد الاستقلال يقررون فيه البقاء ضمن الإطار الشمالي أو الانضمام إلى المحافظات الجنوبية، ولكن لم يُجرَ الاستفتاء بسبب الإنقلاب الذي قام به الفريق (إبراهيم عبود) عام 1958 حيث تم التوجه السياسي لسودان واحد حينها؟
    2 - منطقة جبال النوبة: تقع جبال النوبة في جنوب إقليم /كردفان/ وفيها الكثير من الاضطرابات، ويوجد عدد لا بأس به من أهالي هذه المنطقة منخرطين في صفوف الحركة الشعبية منذ وقت طويل، ومن ثم فإنَّ تكتيك الحركة الشعبية لا يسمح لها بالتخلي عن هؤلاء المقاتلين، وبالإضافة إلى أنَّ أهالي منطقة النوبة من الممكن أن يتراجعوا عن مطالبهم إذا ما تحسنت ظروفهم الحياتية، وتوفرت لهم مطالبهم في التنمية والمساواة.
    3 - منطقة جبال الإنقستا: تقع منطقة جبال الإنقستا جنوب ولاية النيل الأزرق وهنالك عدد من مقاتليها في صفوف الحركة الشعبية، وما ينطبق على أهالي منطقة جبال النوبة ينطبق على أهالي جبال الإنقستا.
    التوصل إلى تفاهم مسبق:
    1 - إنَّ التفاهم الذي تم بين كلٍّ من /الحكومة السودانية/ وبين /الولايات المتحدة/ وسكرتارية مبادرة /الإيجاد/ تم قبل مفاوضات ضاحية مشاكوس التي تمَّ فيها توقيع الاتفاقية، وينص هذا التفاهم على ما يلي:
    «تتنازل الحركة الشعبية لتحرير السودان عن مبدأ حق تقرير المصير للجنوب مقابل تنازل الحكومة السودانية عن قوانين الشريعة».
    هذا الأمر عدلت عنه الحكومة السودانية، بل زادت تمسكها بقوانين الشريعة ولكنَّها مع ذلك وافقت على مبدأ حق تقرير المصير للجنوب!
    بعد هذا صدرت من /مصر/ تحفّظات حادة بشأن حق تقرير المصير للجنوب، فجاء على لسانها: «إنَّ مبدأ حق تقرير المصير يُعتَبر تفريطاً بوحدة السودان لا مبرر لـه، وأنه من الممكن الحفاظ على حقوق الجنوبيين السياسية والدينية والثقافية وكذلك توفير تنمية عادلة لهم وذلك دون اللجوء أو الاضطرار إلى تهديد وحدة السودان، ودون وضع هذه الوحدة تحتَ رحمة التدخلات والمخططات الدولية، الأمر الذي سيؤثر، إنْ تحقق، على تشكيل منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وبالتالي ستكون لـه آثاره الاستراتيجية الخطيرة على أمن البحر الأحمر والأمن القومي المصري.
    إنَّ الأجواء المبلبلة التي رافقت إعلان الإتفاق تعود في الأساس إلى أنَّ الاستفتاء في الجنوب سيؤدي إلى الانفصال، ومن الممكن تقدير تداعيات الانفصال بالآتي:
    أ - إنَّ الدولة الجنوبية المفترضة وقبل قيامها أي أثناء الفترة الانفصالية موجودة؟ ثم إن المدة - طالت أم قصرت - ستحتفظ بتنظيمها السياسي والعسكري وسوف تكون لحكومة الجنوب صلاحيات واسعة مثل عقد الصفقات التجارية والاقتصادية مع أي دولة خارجية تشاء بما فيها /إسرائيل/ وبذلك تكون قد انفردت بمقومات الدولة الكاملة، وبذلك تكون قد استغنت عن الشمال.
    ب - لا يمكن اعتبار الفترة الانتقالية فترة كافية لأنَّ القضية تتعلق بقضايا تاريخية واجتماعية وثقافية لها آثارها العميقة في قلب وضمير الإنسان الشمالي والجنوبي.
    جـ – إنَّ الشمال سيقع رهينة في أيدي أبناء الجنوب والقوى الإقليمية والدولية فضلاً عن /إسرائيل/ ولأنَّه لا يتمتع بدعم عربي قوي فعال هذا أولاً، وثانياً: كما ليس لـه أي تأثير على نتائج الاستفتاء، وبالتالي سيكون الخيار الوحيد أمامه هو الرضوخ والاستجابة لكافة الضغوط الإقليمية والدولية وأيضاً العربية؟ وهذا ما دفع الحكومة السودانية إلى انسحابها من المفاوضات في الجولة الثانية وعللّت ذلك بانحياز الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة /الوسطاء/ إلى الحركة الشعبية، وبما في ذلك التغاضي عن تحرّك المتمردين العسكري في الجنوب واستيلائهم على مدينة /توريت/ الاستراتيجية.
    كما أنَّ القرار النهائي بيد الولايات المتحدة، وهذا ما يعلمه الجنوبيون والحكومة السودانية، وإنَّ هدفها النهائي هو قيام دولة جنوبية معادية وربما للعرب.
    د - الصراعات الجنوبية الحادة: إنَّ منطقة الجنوب مليئة بالصراعات الداخلية الحادة والعنيفة، إضافة إلى وجود قوى تمرد انفصالية شديدة الخطورة ولا يستهان بها وهي التي تدفع الوضع باتجاه الانفصال وقيام دولة جنوبية، وحيث أنَّ الانفصال بنظر المتمرد الجنوبي سيؤدي إلى حدٍّ ما إلى خلق توازن داخلي وجنوبي - جنوبي باعتبار أنَّ قيام دولة جنوبية سيوفر الكثير من المناصب والوزارات والشعارات والتي يمكن من خلالها توزيع الغنائم بما يرضي هذه القبائل المتطاحنة.


موضوع مغلق
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •