Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
باي العربان / الفصل السادس

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: باي العربان / الفصل السادس

  1. #1
    مشرف المنتدى الفرنسي الصورة الرمزية جمال عبد القادر الجلاصي
    تاريخ التسجيل
    09/03/2007
    العمر
    55
    المشاركات
    950
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي باي العربان / الفصل السادس



    باب الأقواس
    (1)
    صفحات من مخطوط الرحّالة الألماني هاينريش فون مالتزان



    (1)
    ظهرت أمامنا في الوسط، ونحن ندير ظهورنا إلى الشمال، من حيث قدمنا مدينة تونس بصوامعها العديدة، مترامية بين هضبتين اعتلى كل منهما حصن يصل بينهما مجرى مياه طويل ورائق المنظر. وأشرف على المدينة سور من الجبال الزرقاء، برز من بينها بالخصوص ثلاثة أطواد منفردة، تميّزت عن سواها بارتفاعها وبتضاريس أشكالها التي تثير الإعجاب لأقصى حدّ. وهي على التوالي "جبل بوقرنين" الواقع خلف المدينة عن قرب، ثم "الجبل الأحمر" أو "الرصاص" ، وأخيرا جبل "زغوان"، وهو أكثرها ارتفاعا وكذلك بعدا ن تونس. ولاحت لنا على البعد بحيرة تونس مترامية الأطراف، تتوسطها جزيرة جميلة المنظر تأوي المحجر الصحي.
    ويمتدّ على طول هذه البحيرة من خلف برّ مستطيل ضيّق، يفصل بينها وبين آثار قرطاج والصومعة التي لفظ فيه "القديس لويس" أنفاسه الأخيرة. وعلى الضفة المقابلة من الخليج المذكور تراءت لنا قرية "رادس" ومعها الرأس البري الذي شهد هزيمة "حنون" على يد القائد "رغلوس". وعلى بعض المسافة ظهرت الترسانة حيث اصطف سرب طويل من السفن، وبجوارها قصر "حلق الوادي". وعلى مقربة من مشرفنا إلي اليمين "باردو" مكان إقامة باي تونس وهي عبارة عن مدينة مصغرة قائمة الذات، يحيط بها سور عال في شكل مربّع، دعمت أركانه الأربعة بالأبراج. وازدان محيط البحيرة ببساتين نضرة عديدة، برز من بينها بالخصوص منتزه "منوبة" حيث يوجد قصر نزهة الباي، بقبابه الكثيرة وأكشاكه وحدائقه مترامية الأطراف. وعند باب المدينة استقبلنا التاجر الأسباني المحترم "غريغوريو دي مونتاس" الذي اكترى لنا في "حارة اليهود" بنهج "زرقون" مقرّ أغلب القنصليات الأوروبية، وخيّرني بين هذا البيت والإقامة في منزله حيث يسود ترف محتشم وأدب رقيق يجعلانه لا يقلّ شأنا عن أي بيت أوروبي في مقامه...

    (2)

    مدينة تونس هي أعجب مدينة اعترضت سبيلي إلى حد الساعة. وما خطر ببالي أنها تتّسم إلى هذا الحد بطابع مغاربي أصيل. وليس للمدينة سوى طريق واحد تتيسّر فيه حركة النقل، كان في الأصل يربط بين المدينة وأرباضها. هذا ويوجد طريق آخر يستعمله الباي للتنقل بين قصره بباردو الواقع خارج المدينة وقصره داخلها. أما بقية الأنهج فإن النشاط التجاري كثيف بصفة أنه يتعذر استعمال وسائل نقل أخرى غير الإبل بالنسبة لأوسعها والحمير فيما دون ذلك أو الحمالين من البشر بالنسبة لأضيقها. ومن هذه الأنهج ما لا يتسع لأكثر من شخص واحد ويصعب المرور إذا تعارض اثنان. وغالبا ما تكون الأنهج مغطاة وقاية من الشمس وذلك إما بسقف مقوس وإما بطبقة من القماش مما يجعلها دائمة الرطوبة وقد رأيتها مضاءة في رابعة النّهار بالعديد من الثريات الدائرة. ولكل طائفة من الحرفيين نهج خاص بها، مثال ذلك الاسكافيون الذين يعرضون بوفرة في واجهات دكاكينهم ذات الأعمدة الملونة بالأحمر والأخضر والأبيض أخفافا مطرزة جميلة المظهر من الجلد الرقيق الملوّن. وكذلك مقطّرات الورد والياسمين التي اشتهرت بها تونس ثم الشواشي الحمراء التي تغطي بها تونس نصف حاجيات الإمبراطورية العثمانية، والتي تكتسب حمرتها الوقادة بفضل ماء عين تنبع في جبل زغوان.
    والسراجون البارعون في صناعة منتجاتهم من أدوات الفروسية الممتازة جدا والموشاة بالفضة الخالصة والجلد المطعّم والنساجون الذين ينتجون منسوجات يدوية من الحرير والصوف، وكذلك المرايا والأقمشة المطرّزة والزرابي أما المتاجر التي تباع فيها المصنوعات فأغلب أصحابها من اليهود، إضافة إلى أعداد غفيرة من الصاغة وصانعي السلاح.
    من أبرز ما نستغربه كأوروبيين في هذه البقاع هم منظر القرى العام عندما نتطلّع إليها من بعد. فهي تلوح لنا شبيهة بالمدن، لا يميّزها شيء سوى صغر حجمها، وإلا فإنها متراصة متلاصقة ولها نفس السطوح المنبسطة ونفس البياض الشامل التي تتجلى بين الخمائل القائمة وكأنها كتل ملتئمة لألاءة.
    وبالفعل فإني لم أشاهد قط في أوروبا زرعا غضا جميلا مثل الذي رأيته. وكذا الحال بالنسبة للزيتون الذي صارت أغصانه سوداء لغزارة ثماره.





    أداء المشير الثاني محمد الصادق باشا باي
    اليمين على احترام عهد الأمان.

    بسم الله الرحمان الرحيم.
    تبارك من جعل الأمان أقوى أسباب العمران، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
    أما بعد فيقول الفقير لربه المشير محمد الصادق باشا باي، وفّقه الله لما يرضاه، وأعانه على ما أولاه، إني أقبل البيعة من الأعيان الحاضرين على مقتضى ما وقع الالتزام به في 20 محرّم 1274 ( 09/09/1857) من المرحوم المقدس أخينا المشير سيدي محمد باشا باي، وهو عهد الأمان، لسائر السكان، على الأعراض والأموال والأبدان، وما حواه من القواعد اللوازم والأركان، وحلفت وأحلف بالله وعهده وميثاقه على مقتضاه، وأن لا أخالفه وأتعداه، وهذا الكلام صدر مني ونقله الناطق به عني، وختمي وخطي فيه أقوى شاهد وأوضح إعلان، لكل من حواه هذا الديوان ولسائر الرعية والسكان، وعلى مقتضاه عليكم السمع والطاعة، ويد الله مع الجماعة.
    حرّر يوم25 صفر 1276. (24/09/1859)





    ... ثم جمع باي العصر رجال مجلسه الخاص وتكلّموا في شأن زيادة دخل الدولة مرارا عديدة، مع الإعراض عن تنقيص المصروف كل الإعراض ومن حام حوله رشقته سهام الاعتراض. حتى قال أمير الأمراء أبو عبد الله حسين رئيس المجلس البلدي بلسان فصيح:" يا سيدي إن هذه المملكة لا قدرة لها على احتمال شيء زائد، وهي من الموجود الآن في خطر، فحالها كحال البقرة إذا حلب ضرعها حتى خرج الدم، فهي الآن ينزّ ضرعها بالدم وولدها بمضيعة، والعطب أقرب إليها من السلامة".
    وكان أن جاوبه بعض الحاضرين بكلام فيه غلظة وإن كان مجانبا للصواب، وذلك تقرّبا للباي.
    ومن أهل المجلس من يرى أن الرعية لاسيما العربان، في ثروة وغنى، لقلة ما يلزمهم من مصاريف الحواضر إلا أن أموالهم مدفونة تحت التراب. ولذلك لا يرى بأسا من التثقيل عليهم ليضطروا إلى إخراج أموالهم من مدافنها، إلى غير ذلك مما لا يقوم على صحّته دليل.
    ومنهم من يرى أن العربان إذا كثر مالهم ساء حالهم، وفي ثقل الجباية كسر لشوكتهم وكبح لهم عن العصيان، وينقل في ذلك مثلا أرسله بعض الأوغاد السفهاء من جهلة الترك، وهو:" العربي خذ ماله واقطع رأسه".
    ومنهم من يرى أن سيدنا يرى بنور الله، فما يظهر له هو السداد والصلاح في نفس الأمر، فهمته العقول أو لم تفهمه، وباطن القائل لا يعتقد ذلك وشواهد الحال تكذبه، إلا أنه يستر قصوره عن إقامة الدليل بهذا الملق البارد.
    حتى نطق رئيس اليهود والقبّاض، نسيم بيشي الذي لا يعلم من أحوال الرعية شيئا ولا يهمّه ما هم فيه من الفقر وسوء الحال:
    "إن الرأي سهل، وهو أن مال الإعانة يزاد إليه مثله، ويكون عامّا في سائر مدن المملكة، من غير استثناء ولا اعتبار لحال الدافع." ولما أتمّ مقاله قابله الباي بالاستحسان، وأن هذا الرأي بمكان من السّداد والصّلاح.
    فاضطرّ الوزير خير الدين إلى أن قال للباي:
    " يا سيّدي، إن أخفيت ما ظهر لي في نصح سيدي وبلادي أكون خائنا لأمانة الاستشارة، أرى أن هذه الزيادة في مال الإعانة تؤدي إلى زوالها بالمرة، أو تلجئ إلى مال أكثر منها لتجهيز الجيوش لغصب الناس، ولا نجد في السنة التي بعدها ما يقارب الإعانة الأولى، هذا باعتبار القدرة على الغصب".
    ولعمري إنها مقالة نصح يجد ثوابها يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا.
    ولقد وقع جميع ما توقّعه وأكثر.
    وقال بعض من باشر العربان في خلاص الجباية حتى حصلت له ملكة في ذلك:" لا بدّ من قوّة شديدة لغصب هؤلاء الناس، ودونها يستحيل خلاص هذا القدر المزاد".
    وقال أبو المسرّة فرحات أمير لواء وعامل الكاف وعربانه: "إن عربان بلدنا لا ستطيعون ذلك، وضعفهم مشاهد بالعيان، وذلك أني بعت في العام الماضي على الضعفاء خيام بيوتهم في الستة والثلاثين، وتركتهم مع صبيانهم تحت أديم السماء للحرّ والقرّ."
    واستبدّ الباي ومن كان على رأيه من أهل مجلسه، وقليل ما هم بهذا الرأي، وصدرت من الباي في ذلك مناشير كانت لقطع العافية والطاعة والعمران أحدّ من المناشير.




    رسالة الباي إلى قيّاد العربان وعماله
    بسائر البلدان بشأن الزيادة في الإعانة


    وبعد، فإن النظر في مصالح الرعايا اقتضى فيما سلف لزوم أداء الإعانة لجميع الرعايا مقابل إسقاط أمور كانت مرتبة عليهم، وبإسقاطها حصلت مصلحة للجميع. وقد اقتضت المصلحة الآن أن تكون الإعانة اثنين وسبعين ريالا في العام، يدفعها كل نفر من الأنفار المقيّدة أسماؤهم بدفتر عملكم. فالعمل أن تعلموا من لنظركم بذلك، وتحرضوهم على المناجزة في الخلاص، وتجتهدوا في ذلك. ومن يخلّص إعانته يأخذ حجّة في الخلاص تكون دليلا على خلاصه. وتحذّروا جميع أهل عملكم من التراخي. والله ولي إعانتكم.

    والسلام.



    ... وفي يوم الجمعة 8 أفريل 1864 ظهر ما كان متوقّعا من عربان المملكة وبلدانها، وهو نتيجة تضعيف الأداء على سائر أهل المملكة دفعة في آن واحد.
    وجاهرت أقاصي العربان بأن هذا القدر المزاد عليهم في الإعانة لا طاقة لهم على حمله. ومن أراد أن يطاع فليأمر بالمستطاع.
    وفشا هذا الخبر في الناس، وآنست العربان من المدن استحسان فعلهم، لاسيما التي استثناها منشور الإعانة الأول كالقيروان، التي عمد بعض أهلها إلى مقام السيد أبي زمعة البلوي صاحب رسول الله، فأطفؤوا مصابيحه وكسروها، ونكسوا أعلام تابوته بعد أن قلبوه، إلى غير ذلك مما رأوه من طرق الاستغاثة والالتجاء والتوسّل.
    وظهر في عرش ماجر رجل من أولاد مساهل، من عامة من ينسب نفسه إلى العلم، اسمه علي بن محمد بن غذاهم، ولم يكن له قدم في إمرة ولا شهرة سوى أنّ أباه كان من أطبّاء العربان ووليَ خطة القضاء في ناجعته. قال هذا الرجل لأحداث قومه:
    " لا خلاص لكم من ثقل هذا الحمل إلاّ إذا جمع الله كلمتكم على الامتناع".
    وظهر في جلاص وعربان القيروان السّبوعي بن محمد السّبوعي من أكبر بيوت جلاص خلفا عن سلف، يقول ما يقوله بن غذاهم وهو مسموع الكلمة في قومه.
    وتآمر العربان في سائر الجهات على ذلك وتوعّدوا من خالفهم أو حلّ ربطهم أو دفع شيئا من هذه الزيادة بالأخذ الوبيل وحرق البيوت.
    وتعاقدت العروش على ما أبرموه من الاتفاق بالكتابة والعهود والأيمان المغلظة والاجتماع على أكل الطعام، وتركوا ما كان بينهم من الضغائن والأحقاد.
    اجتمع علي بن غذاهم بعد صلاة الجمعة بقومه في الجهة الغربية من البلاد وأبرم معهم العقد على أن: "القصد بهذا الاجتماع هو الاستعفاء من هذا الأداء الثقيل الذي لا قدرة عليه، وإذا غُصبنا عليه بالقتال تكون يدنا بالمدافعة على النفس والمال والحرم واحدة. ولا يتعرّض منّا أحد لنهب أموال الناس بالحرابة، ومن تعرّض تكون يدنا عليه واحدة، لأن كلامنا مع الدولة، وإخواننا المسلمون يعذروننا، فإذا تعرضنا لأخذ أموال الناس صرنا حربا لله وللسلطان ولا يعذرنا أحد، بل تتوفر الدواعي على قتالنا والله معهم. ولا ننسى أن السور الذي يقينا أنّا مظلومون".
    وبهذه السياسة كفّ أيدي العامة وكبح أهل الفساد وكاد أن ينزع ما في أدمغة العربان من العدوان والنهب الذي اعتادوه، وانتزاع العادة شديد.
    وردَّ سلب قَفل أتى من الجريد قاصدا تونس، ففقدوا منه حملا من التمر، فقال صاحبه: "سامحتهم فيه لأن الجوع ألجأهم إلى أكله". فقال له بن غذاهم: "لابدّ أن تأخذ منهم ثمن تمرك على سعره بتونس لا بالجريد." فدفعوا له ذلك. وقال لأهل القفل: "إن أهل تونس إخواننا ونعلم أن قلوبهم تعذرنا، لأنهم يعلمون أن عُدْمنا ضرر لهم في تجارتهم وفي صناعتهم."


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    مشرف المنتدى الفرنسي الصورة الرمزية جمال عبد القادر الجلاصي
    تاريخ التسجيل
    09/03/2007
    العمر
    55
    المشاركات
    950
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: باي العربان / الفصل السادس

    أصدقائي

    لا أحد مرّ من هنا

    محبتي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    مشرف المنتدى الفرنسي الصورة الرمزية جمال عبد القادر الجلاصي
    تاريخ التسجيل
    09/03/2007
    العمر
    55
    المشاركات
    950
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: باي العربان / الفصل السادس

    أصدقائي

    لا أحد مرّ من هنا

    محبتي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: باي العربان / الفصل السادس

    الأخ جمال
    لقد قرأت هذه الفصول من قبل ، وأعتقد كانت الرواية باسم علي بن غذاهم .. وعدت إلى قراءتها للمرة الثانية .. ولا تبتئس إن كان المرور قليلا .. فمثل هذا العمل الدسم الرائع في نفس الوقت من الصعب متابعته عبر الشاشة الكترونية ، وهذا هو حظ الرواية ألا تلاقي الإقبال من رواد النت ، الذين يريدون القصص السريعة .
    لكني بالفعل استمتعت جدا بأدبك الراقي جدا ، ومعك في باقي الفصول إن شاء الله .


  5. #5
    كاتبة
    تاريخ التسجيل
    02/03/2008
    المشاركات
    1,180
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: باي العربان / الفصل السادس

    مرور وتحية
    وسأقرؤها الآن

    اللهم صل على النبي محمد

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •