قصة قصيرة
" آبه "
بقلم : نهاد عبد الستار رشيد
كانت الشمس قد تكبدت السماء حين خرجت من محطة قطار روما الطرفية ، منهك القوى . نزلت في بنسيون روزيتا القريب من المحطة ، وسرعان ما استسلمت لأغفاءة خفيفة ، ثم افقت على ضجيج صوت التلفاز .
نهضت وقررت الخروج .
لاحظت في المدخل فتاة جالسة على اريكة وتراقب فلما على الشاشة الصغيرة . حييتها ، وجلست على مقربة منها ,
ران الصمت لحظات ، ثم سألتني من دون ان ترفع نظرها عن الشاشة :
__ نزيل جديد ؟
نعم .
صيني ؟
كلا ، ياباني . ادرس في جامعة ميلانو مع شقيقي " آبه " .
لماذا انقطعت عن الدراسة ؟
لم انقطع . جئت لأبحث عن شقيقي " آبة " .
لم افهم قصدك .
جاء شقيقي الى روما قبل اسبوعين لمراجعة السفارة اليابانية ، ولم يعد حتى الآن .
هل ابلغت مراكز الشرطة او ادارات المستشفيات ؟
سأتصل غدا بالسفارة واتحقق من الأمر ... هل انت ابنة " روزيتا " صاحبة البنسيون ؟
كلا . انا " انتونيلا " . قدمت من نابولي لأبحث عن عمل .
اترافقيني في الخروج ؟
بكل سرور .
كانت سماء روما حينئذ قد اصطبغت بذهب الأصيل . تناولنا العشاء في ناد ليلي . رقصنا معا على الحان السامبا والفالس . وفجأة ، قرأت انتونيلا قائمة الحساب ، واعادتها على المائدة مع بعض الأوراق النقدية . همست في اذني بصوت مرتجف :
__ هناك من يترصدنا .
اسرعنا في مغادرة المكان .ركبنا سيارة اجرة وانطلقت بنا باتجاه شارع بربريني ، بناء على طلب " انتونيلا " التي انشأت تراقب حركة السير عبر زجاجة السيارة الخلفية .
اجتزنا ساحة " فينيتسيا " ، وكورسو اومبرتو ، قبل التوقف في شارع بربريني ... اقتادتني في زقاق ضيق ، كانت ارضيته مرصوفة بالآجر ، ويفضي الى شارع عريض محفوف بالأشجار .
وقفت ثمة شابتان جميلتان امام واجهة احدى المعارض المغلقة . توقفنا على مقربة منهما .شرعت " انتونيلا " تتهامس مع احداهما ، الا انها سرعان ما تركتها ، واندفعت ممسكة يد احد الزبائن ، باتجاه فندق " النصف ساعة " ، وهي تغني " انيما ميا " .
شعرت انتونيلا بالأطمئنان لنجاحها في تضليل المعقبين . ابلغتني برغبتها في زيارة صديقة لها من نابولي .
ارتقينا في سلالم مبنى قديم الى الطابق الثاني . دخلنا شقة " مولي " وكانت معها صبية من صقلية ، ترتدي ثوبا قرنفليا جميلا .
وهي تشير باصبعها نحوي ، قالت " انتونيلا " ، موجهة كلامها الى السيدة " مولي " :
--- انه صديق ياباني ، يدرس في ايطاليا .
__" هل ستمضيان هذه الليلة هنا ؟ " سألت"مولي " وهي تبتسم .
__" بالتأكيد ، " اجابت " انتونيلا " ، واخفت ضحكتها بيدها .
امرت " مولي " الصبية " ريتا " لمرافقتي الى غرفة في الداخل .
بينما كانت" ريتا " تمهد الفراش رحت اتأمل قوامها الغض بشغف ، وادقق النظر في كل حركة من حركاتها المغرية .
" ارجو ان لا اكون قد نزلت في غرفتك . " قلت ، وقد تهدج صوتي .
__ كلا أبدا . سوف انام على اريكة سريرية في المدخل ، وتنام " انتونيلا " ، كعهدها في السابق ، بجوار السيدة مولي .
ابتسمت ، وتمنت لي قضاء ليلة سعيدة .
حالما اضطجعت في الفراش ، غلبني الكرى على امري ، فاستسلمت للرقاد ، لكن مشاهد تلك الليلة الرهيبة ، لاحقتني في احلامي .
افقت بعد هجعة ، في سكون الليل . خرجت بحثا عن الحمام ، فانشأت اجيل الطرف قي ما حولي ، فوجدت " ريتا " تغط في نومها . اخذت طريقي متباطئا الى غرفة السيدة " مولي " ، وبقلب خافق ، رحت اختلس النظر من ثقب المفتاح الى سرير السيدة " مولي " ، فالفيتها نائمة بجوار " انتونيلا " ، الواحدة قبالة الأخرى .
عدت ، باطمئنان ، الى " ريتا " . دنوت منها . كانت الى جوارها منضدة ، وضعت عليها ثوبها القرنفلي وملابسها التحتية .
شعرت بلذة تسري في عروقي ، وانا اتأمل شعرها الكستنائي الناعم ، ووجهها الغض المستدير ، وانفها المدبب وعينيها المغمضتين . ولما لم يكن بوسعي الأصطبار اكثر من ذلك ، رفعت عنها الغطاء قليلا ، فتكشفت لي انوثتها الآخذة في النضوج . قلت في نفسي : " ها هي ذي قد اوشمت ، وبدأ ثديها ينتأ ، ويكتسب شكلا مستديرا . "
مددت يدي ، وراحت اصابعي المرتعدة تداعب حلمتها بلطف . ارتعش بدني ، وخارت قواي ، وسقط الغطاء من يدي ، فاجفلت " ريتا " ، وفتحت عينيها الناعستين ، فاوجس قلبي فزعا ، لكنها ما ان فطنت للأرتعاش الذي سرى في اوصالي حتى تشبثت يدها بيدي ، واستسلمت امام عنف عواطفي المكبوتة ، وهمست في اذني قائلة :
__ ليس ثمة ما يدعو الى الذعر !
اثلجت بكلماتها صدري ، وتلاشى اضطرابي ، لكني واصلت الأذعان لرغبتي المستعرة ، التي لم يكن بمقدوري كبح جماحها ، فثارت كوامن عاطفتي. وما كادت تمضي نصف ساعة حتى بدأ بركاني الناشط يقذف حممه ، وفاضت نزوتي الطائشة نشوة ، وشعرت بلذة غريبة تسري في كياني .
افقت من نومي فزعا على اصوات عجلات الترام، تقعقع عند المنعطفات ، وكان الضحى قد ارتفع ، وثمة ساعتان اثنتان تفصلانني عن انتهاء الدوام في السفارة . كنت على وشك ان اغادر الشقة قبل ان تلحق بي " انتونيلا " وتطلب مني ان ارافقها الى البنسيون .
انطلقنا بسرعة الى الشارع . ركبنا سيارة اجرة اقلتنا الى البنسيون .
ما ان ترجلنا من السيارة ، حتى كان بانتظارنا ثلاثة من رجال الشرطة . وضعوا الأصفاد في ايدينا ، واقتادونا الى مركز للشرطة .
اعترفت " انتونيلا " بانتمائها الى شبكة لتهريب المخدرات ، وتم اخلاء سبيلي .
قبل المغادرة ، شاهدت شقيقي " آبه " محتجزا بالتهمة ذاتها .
نهاد عبد الستار رشيد
روما / ايطاليا
e-mail : rnihad2006@yahoo.it
المفضلات