شموع
ماذا يكون الإجرام إن لم يكن هذا الحصار؟!
مثل مشهد في فيلم رعب عن انطفاء الشمس، وعودة الإنسان إلي الكهوف، كان مشهد حاملي الشموع في غزة.
محاولة لترويض الخوف والظلام ليس إلا، الظلام في معناه المادي فقط، فلا أحد هناك ليستمع إلي النبر الرهيف للاحتجاج بالشموع، وقد ذكرني المشهد بمظاهرة الشموع عند ضريح سعد زغلول بالقاهرة احتجاجاً علي التحرش بالمتظاهرات في حزيران (يونيو) 2005 .
الذعر فقط، وغصة لن تبرح الحلق بسهولة ما يخلفه المشهد؛ فلا يمكن لأحد أن يتصور أن ضوء الشموع ـ الذي لم ينجح في ترويض قوي الاحتلال الوطني ـ يمكن أن ينجح في ترويض قوي الاحتلال الصهيوني، أو إحراجها في هذا العالم قليل الحياء.
ہ ہ ہ
سلمتْها
الأم الشابة بجوار سرير طفلتها في المستشفي بغزة، تحاول أن تشرح لمراسلة الجزيرة الدولية، مأساة ابنتها وأمثالها إذا ما نفد مازوت المولدات الكهربائية بمستشفي حشر مرضاه في طابق واحد توفيراً للطاقة.
الأم الشابة، مثل كل أهلنا الطيبين، تجد من واجبها أن تبتسم للكاميرا حتي في هذه الظروف؛ أن ترتفع علي آلامها، وأن تهش كما يهش مستقبلو العزاء الطيبون في وجوه مقدميه. والمراسلة الأجنبية بدورها، وجدت أن من واجبها أن تقدم مواساة للأم المتعثرة في أفعال الإنجليزية، فقالت لها في نهاية التقرير بعربية أكثر عرجاً: سلمتْها، أي سلامتها.
سلامة الطفلة، وسلامة أهل غزة، وسلامة اللغتين، سلامة لغات البشر التي ستكف عن توصيل المعني وسط طوفان الكذب الذي تغرق به إسرائيل وأمريكا العالم، فكل هذا الحصار الوحشي يأتي رداً علي إطلاق صاروخ، إسرائيل دائما ترد، فقط ترد، وليس أمامها إلا السير في الطريق الذي رسمته لها حماس، لكن أحداً لا يقول لنا من الذي رسم الطريق لحماس في البداية؟!
ہ ہ ہ
في مقال الغريبة
كثيراً ما أجدني مضطراً للخروج علي ثنائية صراع الحدود وصراع الوجود بيننا وبين الصهاينة إلي تصور أكثر جذرية للصراع، بوصفه صراعاً علي المنطق.
في صفحة صحف عبرية بـ القدس العربي الثلاثاء الماضي أقرأ مقال ارئيله رنغل هوفمان المترجم عن يديعوت بعنوان إسرائيل وامتحانات نصر الله تتذمر فيه من كون كيانها العنصري محكوماً بالتفاوض مع نصر الله: كم هو مثقل وباعث علي اليأس ادراك اننا نحتاج مع هذا الرجل، حسن نصرالله، تاجر الدماء، وسمسار الجثث الابدي، لا فقط الي ادارة التفاوض القريب في إعادة الاسري، ولا في بحث إعادة اجزاء الجثث لتدفن في اسرائيل فحسب، بل ان نستمر في محادثته في الغد وبعد غدٍ واشهر وسنين تأتي بعد ذلك ايضاً. وانه في كل مرة عندما ندفع الي ما يحدث عند الحدود الشمالية عند حدود اسرائيل ولو كان ذلك علي نحو غير مباشر ـ سنجده بإزائنا .
لم أقرأ منذ مدة طويلة فقرة تضرب المعني بالحذاء، وتهين أشلاء المنطق كما تفعل هذه الفقرة من مقال رنغل، فمن تصفه بسمسار الموت الأبدي، لم يتخط السادسة والأربعين، وربما كان لديه ما يفعله بشبابه أجدي من الحرب لو لم توجد إسرائيل.
ولو لم يفرض الغرباء وجودهم عنوة علي هذه الأرض ما كانت يدا حسن نصر الله لتصلا إلا أشلائهم، ما كان وجود الأشلاء ضرورياً في المشهد لو لم يأت الهمج إلي هنا، ثم ان الغزاة يندفعون إلي شمال فلسطين ولا يدفعهم أحد، ثم إن الكيان العنصري لا حدود له، شمالاً أو جنوباً، ليس سوي البحر. ونحن من فقد أرضه وبحره وفرصه في العيش وترف الحياة الذي نستحقه كغيرنا من الشعوب التي نجت من فبركة وعد إلهي أحال حياتنا إلي جحيم أبدي.
ونحن من يجب أن يتأسي لأننا اليوم، وفي الغد، وبعد غد، وأشهر وسنين محكومون بوجود هذا الكيان الدموي، إلا أن يتجلي رب الجنود مرة أخري ويسحب وعده لشعبه المحبوب.
ہ ہ ہ
من الماء إلي الماء
شوارع غزة باتت بحيرات من مياه الصرف، بكل ما فيها من تهديد بالأوبئة.
بالتوازي كانت شوارع القاهرة بركاً من مياه الأمطار. ولم يكن هذا تضامناً من قلب العروبة الساكت مع المدينة المنكوبة، فهناك أشكال أخري من التضامن أجدي وأنفع.
الأمر لم يتعد المصادفة؛ إذ التقي نفاد مخزون الحياء لدي الاحتلال العنصري مع افتقاد الحياء لدي الفساد الوطني الذي لا يوفر فرصة لتبديد القوي!
في سنوات اختفت بالوعات تصريف الأمطار مع اختفاء مواصفات الجودة في تنفيذ المشروعات الحكومية، وكل مرة تدمع فيها السماء، يسقط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح في حرب الوحل التي تخوضها المركبات المتعثرة.
ولأن السماء لا تمطر فوق القاهرة، فقط تدمع تضامناً مع أهلها؛ فالأمر لم يصل إلي التهديد بالأوبئة. هناك فقط احتمالات موت مجاني لم يعد يخافه المصـــــريون، وإن كان يؤلمهـــــم لأنه بلا بطولة.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...ي&storytitlec=