كان اسم القسام كافياً لكي يتناسى كثير من الأردنيين والأردنيات برودة الجو وملهيات الحياة وغلاء الأسعار والركض وراء لقمة العيش ، ففي ظل حالة الإحباط الشعبي من التخاذل العربي والإسلامي الرسمي والسياسي لنصرة فلسطين وغزة المحاصرة ، يزداد المرء حاجة لمعاينة نماذج واقعية للمقاومة والتحدي. كنا بحاجة لرؤية النساء الغزيات يكسرن أوهام الخوف والضعف والصور النمطية للأانوثة ليفعلن ما لم يستطع الرجال فعله ، كنا بحاجة في الأردن خط الدفاع الأول عن فلسطين والقدس لنسمع من حفيدة القسام الدكتورة ابتهال كيف أن فكرة القسام الجهادية تجاوزت شخصه وعمله لتصبح مدرسة جهادية اسلامية تتعالى على الإقليميات الضيقة ينتسب إليها كل من سلك مسلك المجاهدين ، مدرسة يبيع قائدها السوري الأصل داره مقابل مجموعة بنادق للثورة الفلسطينية ، مدرسة تقول حفيدة قائدها أن النسبة لمؤسسها وفكرة الجهاد ليست نسبة الدم وصلة القرابة وإنما العمل والإتباع ، مدرسة تخاطب من خلالها حفيدة القسام المجاهدين في فلسطين على اختلاف فصائلهم قائلة :"ليتني أكون ذرة من التراب الذي تطؤنه بأقدامكم وتروّنه بدمائكم لأزهر انتصاراً وحرية قرب قبر جدي في فلسطين".

في اليوم الذي حضرت فيه حفيدة القسام إلى الأردن الحشد والرباط ومحضن الأحرار والأمجاد ، كانت احدى الجرائد اليومية تطالعنا بتقرير عن ظاهرة تعلق الفتيات بالموضة والتدخين والأرجيلة والأنماط الاستهلاكية بعيداً عن رقابة الأهل ، وبين الصورتين كان ترسيخ للسنة الكونية أن ظاهرة التدافع بين الحق والباطل قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأن مقابل الزبد والخبث ونفخ الكير والفاحشة في المجتمع سيبقى هناك اناس يبتغون منفعة الناس بالكلمة و الفعل و القدوة الحسنة لتبقى الأيام مداولة بين الفريقين حتى يصطفي الله الحق ويظهره.

وحفيدة القسام تحاضر عن دور الأباء والأمهات في صياغة جيل التحرير ، يرى المرء فيها نفسها تجلياً لهذا الكلمات وكيف أن الله سبحانه وتعالى يمن على من نذروا أنفسهم له أن يحفظ أولادهم وذرياتهم {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (الطور آية:21) ، ونستذكر كيف كانت الأجيال سابقاً تربى على قصص الكرامة والشهداء ، كيف كانت قصص الأطفال ورسومهم ترسيخاً لهذه الرموز النضالية من أول قصة "صائم في سجن عكا" التي احتفت بالشيخ فرحان السعدي الذي أعدم وهو صائم عن سن يناهز الثمانين عاماً ، فربطت قصته بين حاضر التضحية وماضي الإستشهاد في قصة الخليفة عثمان بن عفان الذي استشهد وهو صائم فجاءه في منامه في الليلة السابقة أنه يفطر عند ربه ، وقصة "شهيد في أحراش يعبد" التي خلدت جهاد القسام واخوانه ، قصص استبدلها الأباء والأمهات بقنوات الأطفال المتعددة التي تغذي في أولادهم العنف والجهل وتحيي رموزاً وثنية غريبة عن ديننا وعاداتنا.

وحفيدة القسام تحاضر في الرجال عن الثورة والجهاد وسيرة جدها يعود إلى الذهن أن المرأة كانت سباقة إلى ميادين التأثير والخلود في الصفوف المتقدمة لا في مؤخرة الجيش ، أعادت حفيدة القسام إلى الحاضر قصة زوجة القائد حبيب الفهري الذي بعثه الخليفة عثمان بن عفان في جيش لتأديب الروم وكانت زوجته جندية ضمن الجيش فسألته أين أجدك إذا حمي الوطيس؟ قال: تجدني في خيمة أمير الروم أو الجنة ، فلما حمي الوطيس وانتصر المسلمون توجه القائد إلى خيمة أمير الروم لينتظر زوجته فوجدها قد سبقته إلى الخيمة.

نعم بحاجة نحن للنماذج المشرقة في عتمة الإحباط والتخاذل ، بحاجة لبارقة أمل وضربة معول تبشرنا ونحن نعاين حصار الشعب وخوف المتحصنين في الخندق ، ضربة معول تبشرنا بالفتح والإنتصار وأسوار كسرى وقيصر وفراعنة العصر ، بحاجة نحن إلى نساء يهدمن الحواجز وشعب يضع على بطنه الحجر تلو الحجر تلو الحجر يتحمل الجوع والموت ولا يرضى بموت الدين والفكرة والمبدأ ، شعب يعيش قول الحسن البصري: "دينك ، دينك فإنه هو لحمك ودمك ، ان يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك".

شعب يذكر وينتظر تحقق بشرى قائد المجاهدين والصابرين: "ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار...ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب..ألا إنه سيكون عليكم أمراء ، يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم..إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم ، قالوا يا رسول الله : كيف نصنع؟ قال: (كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليه السلام ، نشروا بالمناشير ، وحملوا على الخشب. موت في طاعة الله خير من حياة في معصية).
http://www.alhaqaeq.net/?rqid=200&secid=8&art=83404