(1)

أجمل الكلمات تلك التي تهرب من قلمي، ترحل الى آفاقها الخاصّة .. من يقدر اليوم على نصب الشباك لسحر الكلام؟
لا شيء يقدر على مقاومة قصور الفكر عن الاندياح فوق الورق الأبيض. أحاول جاهداً استباق الدمع المنحدر من عينيّ، أتساءل في سرّي .. هل البكاء عند انحباس قرص الشمس خطيئة؟
أنا ابن الشرق سيدتي، تنزرع الشمس في بؤبؤ عيني معظم أشهر السنّة. لهذا تجديني أجادل وألعن الغمام السابح دون موعد الى سمائي.
عذراً أيها المطر، انتظرتك طوال قرون الذلَ الطويلة كي أغتسل من الوهن والخوف ورائحة الخيانة. لكنك تأخرت. موعدنا حدود القدس حيث يوشك المسجد الأقصى على السقوط متعباً .. يا لطول الانتظار!.
أجمل الكلمات تلك التي ما زالت أسيرة مخيّلتي، يتناقلني هاجس البحث عن كواكب مسكونة بصدى الأهازيج. الأعراس تكاد لا تنتهي. هنا يقذف البحر بآخر أمواجه وجموحه يتصاعد مع اطلالة كلّ خريف. حلمت الليلة بأن حظر التجوّل على الأحلام قد رُفِعَ أخيراً .. لم يعد هناك ضرورة طلب تصريح سفر لعربدة أحلامي. سأزورك الليلة وكلّ ليلة، أرغب أن أمسّد جدائلك الطويلة. سألتك يوماً – لمن تحتفظين بكلّ هذه الجدائل؟ فأجبت وابتسامة غامضة ترتسم على شفتيك: لكلّ من يُحْسِنَ ارتقاءها والصعود الى سلالمها المتعرّجة. أين اختفى الرجال يا جارة؟ وتصرخين بصوت مبحوح: من يَرْدُمُ كل هذه القبور المفتوحة في بلادي؟ الى متى يطول حديثنا هذا يا حبيبتي، الى متى تردّين على سؤالي بآلاف الأسئلة؟.

أمدّ يديّ الى السمّاء .. أحاول احتضان الشهب الهاربة من وهج الفضاء .. احترقت أطراف روحي، تعهّرت عذارى الحيّ في لحظة لقاء حميمة. لن أقرأ على مسامعك القصائد هذه الليلة، لن ألعب دور العاشق في خضمّ الحزن المتراكم في عينيك. لن أركع على قدميّ طالباً المغفرة، ولن أُلبسك خاتماً من نور. أحاول التخلّص من بقايا الصدأ المتراكم عند المفاصل. أحاول كتابة بضع قصائد رافضة للسجع للقافية. أحاول ملاحقة أجمل الكلمات على حصانٍ من ورق! وأتساءل أين أنت من كلّ هذا الصراع؟ ربّما كنت تغتسلين عند ينبوع القرية الغارقة في ظلمة أحلامها. ربّما كنت قد ضربت موعداً لغريمي في الهوى هذه الليلة .. أترين؟ .. أحاول جاهداً أن أجد لكِ الأعذار كيلا تخجلي .. كيلا تحمرّ وجنتاك من الوجل، والحياء يجعلك أكثر تألقاً. المعذرة .. لقد طالت ثرثرتي لكنّي أخشى فُجْأَة الموت واقتراب اللقاء. المعذرة .. طال انتظاري لرحيق شفتيك وما من بادرة. ربّما جفّت الشفاه واحترقت عضلة اللسان من كثرة الصمت. أنا .. أنا العاشق.

(2)

قمرٌ في قبضة يدي يبتسم والشمس فوق الجبين ساطعة كحارس يهوى مطالعة كتب الهوى ويتقن قراءة الأغاني للأصبهاني.
ألتقي اللحظة المفجوعة ذبحاً عند حافة الزمن .. هاربة من جلاّدها، كانت تتلحّف بذاكرتي، تسحق وجوهاً ألفتها طويلاّ. لم يكفّوا أيديهم عن ملاحقة عنفوان القصيدة، والشاعر مجنون حتى يتبيّن غير هذا .. مسكين أنت يا ظلّ الله في هذي الدنيا، مسكونٌ بسقط الكلام، لا يهدأ لك بالٌ ولا خاطر، ترتدي ما تيسّر من الكلام كلّ ليلة وتمضي تلاحق الأطياف في رحيلها الغامض. أنا لن أراهن على تألقك اليوم يا صديقي. لا مكانة للشعر في دنيا النفط. ابحث لك عن زوجة ثانية وثالثة ورابعة .. إرفع أعمدة الخيام، مخادع النساء كثرت في زمن المهادنة.
قمرٌ في قبضة يدي يحترق شوقاً والشمس فوق الجبين ساطعة .. كموجٍ يحجل بخيلاء عند حافة الشاطئ الذهبيّ. ألتقي اللحظة الهاربة من أنشوطة الزمن. وكأني أراوح نفسي هذا المساء.
ما ثمن الهوى سيدتي حيث مقابر المعلّقات تتّسع كلّ يوم في أوطان العربية.
الأرض بتتكلّم عربي! أؤمن بهذا بلا شرط أو قيد أو مناكدة.
الأرض بتتكلّم عربي .. وربّما اختلطت عليّ الأمور في خضم الحلم يا خنساء!.
المعذرة، هذا ليس نصّاً .. لقد خرجت عن المألوف ولا أدري الآن إن كنت بين قضبان اليقظة؟. أم أنّي أصبت بضربة شمس مبكّرة لحظات قبل المغيب، أخرجت قلمي وحدّدت قمته المتلهفة، ثمّ صوبته نحو فؤاد المحبرة فانتحرت القصيدة قبل الولادة .. مفاعلة مفاعلة - على وزن معاشرة.