بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

لوحة (30): بين مقاصد الشريعة ومقاصد الناس


أنا أحاور وأذكر أحياناً بالإسم لأنني أريد أن يشعر المحاور الذي يقف أمامي أنني استوعبت تماماً رسالته، وأؤكد قبول طرحه إن كان مقبولاً، أو أشير إليه لماذا من الصعب قبول طرحه، لنبدأ الحوار من جديد.

المعني اللغوي للاستعمار إيجابي، فهو يعني البناء والتطوير. يقول الله تعالى:"هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها". لكن استنزاف الكلمة من خلال سوء استخدام الأوروبيون لها، وإطلاقها على ممارسات تم خلالها إبادة شعوب، وفرض التخلف على شعوب أخرى، جعل منها كلمة سيئة، لا تمت إلى معناها اللغوي. كذلك مفهوم "تحرير المرأة"، ارتبط تاريخ استخدامه بحفنة من الناس، كان كثير يسيء اليه، مثلما حدث في مؤتمر بكين من المطالبة بإقرار الزواج المثلي لدى النساء. يعني ماشاء الله نال نساءنا كل حقوقهن ولم يبقى أمامهن إلا الزواج المثلي؟؟!! وربما كان آخرهن موضة الدكتورة نوال السعداوي، التي تريد أن تربطها بالتطاول على الذات الإلهية. أقول لأختي الكريمة الأستاذة أمل خيري أن مثل هذه الأمور تأخذ قضية عدل وإنصاف المرأة إلى الخلف.

صحيح في مصر ربما كان وضع المرأة أحسن من غيرها، لكن الظلم واقع عليها. لتصحيح هذا يلزم تغيير القناعات والاتجاهات لدى الناس. وهذا الشق صعب، إن لم يكن الصعب. عندما بدأ تعليم المراة وعملها، بدأت النكات تطلق عليها، وبدأت الأفلام تتناول هذا الجانب مثل فيكم زوجتي مدير عام. وعندما نتكلم عن أية حقوق للمرأة، يصدروا لنا د. نوال السعداوي في الواجهة، لماذا لا يصدروا لنا د. بنت الشاطيء؟!

وأوافقك أختي الكريمة على أن الكثير من المبدعات والأديبات محجبات، بل أذهب خطوة أبعد لأقول لك إن رياضيات أخذن بطولات رياضية وهن محجبات، كالتي أخذت بطولة الجري في البحرين الأسبوع الماضي.

نحن نتطلع في حملتنا هذه أن لا نتناول جزئية مبتورة في وضع المرأة، لا بد من إعادة كاملة وشاملة لقراءة النصوص. عندما مرجعية دينية كبرى في بلد ما مثل المفتى يقول إن الولد لأبيه، وأن المرأة مجرد وعاء. بينما يقول العلم إن الأمومة ثلاثية أمومة البويضة وأمومة الرحم وأمومة الرضاعة، أما الأبوة فهي أحادية وهي أبوة الحيمن. لذا كان حق الصحبة للأم ثلاثياً بينما للأب أحادياً، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سأله أحد الصحابة يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ بل أكد الله تعالي في كتابة الكريم أن الأم هي الأساس، ولم يأت حق الأب مستقلاً، بل من خلال الصيرورة (الوالدين) التي أدت إلى قدوم هذا الوليد، وهو مشتق من حق الأم من خلال رعايته لها ولوليدها: "ووصينا الإنسان بوالديه أمه وهناً على وهن" و "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرهاً ووضعته كرها". ثم يأتي بعد ذلك هذا التصور المريض المناقض لشريعتنا السمحاء، يريد أن يفسر النصوص ويطبقها في قوانين. فلك أختي الكريمة أن تتخيلي ما هي التشريعات التي يمكن يقننها من خلال هذا الفهم المعوج والمناقض للشرع نفسه. نحن نريد كما أشارت الأخت الكريمة هالة لولو في مداخلتها مقاصد الشريعة وليس مقاصد البشر التي يحاولوا تغليفها بغلاف الشرع. لا تريد المرأة كرم من أحد، تريد فقط حقها الذي أعطاه الله لها. وأقو لأختي الكريمة أمل خيري، فصلي ما ترينه، فكل شيء سيخضع للتمحيص من خلال عملية شفافة أمام الجميع.

وأود هنا هذه المداخلة أن أشير إلى طبيعة الأشياء الملموسة مقارنة بالمجردة، فالعقلي المجرد بسيط أحادي البعد، لأن الموضوع الذي يدخل إلى عالمه، يتناول العقل التحليلي، حيث يقوم بتحويل العقد إلى مركب والمركب إلى بسيط. عندما تقول ببساطة أن تبعد عن نقطة ما مسافة محددة، فأنت أمام اختيارين على الأقل في حالة أخادية البعد، وأمام اختيار نقطة من دائرة من النقاط إذا كانت الحالة ثنائية البعد، وأمام اختيار نقطة من كرة من النقاط. هذا ناهيك عن قفز اعتبارات إيبلسيلون ويلولتها إلى الصفر وإن كانت لا تساوية.

لذا أقول لأختي الكريمة الأديبة مقبولة بأن حسابات ظرفية التطبيق لا تغيرالمبدأ. فعندما نقول بناء المهارات المهنية، فهي عند التطبيق ليست نفسها للمهندس كما هي للطبيب. ولا يعني أن هذا التباين في نوعية المهارات تغيير في المبدأ أو القيمة. لذا لا بد من استيعاب أهمية المهارات المهنية، وفق هذه المتغيرات الظرفية (الزمان والمكان والشرطية).

وبالله التوفيق،،،