في هذه الليلة الدافئة.. جلست أحتسي كوباً من الشاي في غرفتي المطلة على البحر.
كان الباب مفتوحاً قليلاً، وكنت أسمع صوت الموج.. عميقاً متردداً يضرب بقوة ويستكين أمام عناد المرفأ الصغير..
بالأمس القريب كنت أركض خائفاً لأصل إلى الدرج الخشبي المؤدي إلى البيت.. وعندما أصعد أخشى أن يكون تحت الدرجات وحشٌ يصرخ مع صرير الخشب تحت قدميّ. وعندما أصل للباب أخيراً تختلف كل مشاعري وأشعر بهدوءٍ وأمان عندما أرى أخي الأكبر جالساً أمام النافذة كعادته يقرأ الجريدة..
وفي الصباح عندما أذهب للمدرسة أو لأشتري الخبز كنت أسترق النظر للدرجات الخشبية وأحاول أن أرى الوحش الذي كنت أعتقد أنّه ينام إذا طلعت الشمس..
تلك الذكريات من الطفولة تعاودني كلّ ليلة وأنا أجلس في نفس المكان الذي كان فيه أخي.. أحاول أن أتخيل كلّ التفاصيل وأن أعيد تجسيدها، وحتى الشعور بالخوف أحاول استرجاعه لتمر بي من جديد تلك الأحاسيس الحلوة بتجدد الأمان..
مرت سنتان على سفره للعمل وأوصاني كثيرا بدراستي مع أنّه قلما يتكلم..
قال لي: إن مستقبلي لا يهمّه وحده.. ولكنه مهمٌ لأبي وأمي.. فربما.. لا أحد يعلم.. ربما كانا يراقبان.
وقال لي: أنني أصبحت شاباً، وأن أزور أختي وأحضر لأولادها في كلّ مرة بعض الحلوى، لأن الأطفال لا ينسون من يحضر لهم الحلوى..
مرت سنتان وأنا أشعر بالبرد.. بالغربة وأرفض الاعتراف..!
وعندما يتحدث معي بالهاتف عند بيت أختي أكاد أرجوه أن يعود.. وفي آخر مرة منذ شهر كدت أن أبكي عندما سمعت صوته متعباً. ولكنه أقسم أنها فقط نزلة برد..
واليوم.. وهذا المساء أشعر بالخوف القديم يحلّ في أطرافي.. وتمنيت .. تمنيت فقط لو أني لا أسمع خبراً سيئاً.
وبدأ الخوف يزداد.. احساسٌ غريب..
ضربت موجةٌ عاتية مرفأ القرية، واصطكت أشرعة القوارب الصغيرة.. وبدأت أسمع الصوت القديم.. صوت صرير الخشب.. نفس الخوف الذي اعتدت بعده أن أجد الأمان في محيط شخصٍ واحد. كان يعمل طول النهار، وفي الليل وبعد العشاء كان يجلس قرب النافذة يستمع للمذياع ويقرأ الجريدة..
أحتاجك الآن فأنا أشعر بالخوف.. هذه المرة ليست مثل كلّ مرة.. خوفٌ يخترق شيئاً فشيئاً كل شيء.. ويقترب صرير الخشب ليصبح خلف الباب.. وأغمض عينيّ مثل الأطفال.. إنها خطوات.. قد يكون زوج أختي.. أو قد تكون أوهام.. لكنّه دخل إلى الغرفة.. وأسمع كلمتين:
لقد عدت.
من مدونتي http://familymedia.maktoobblog.com
المفضلات