المخططات الإسرائيلية لاستغلال نهري دجلة والفرات

بقلم الباحث: عبدالوهاب الجبوري(*)

يقول هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية (إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه ، فعليهم يتوقف كل شيء) وفي ضوء هذا الادعاء والنوايا التوسعية ربطت المنظمة الصهيونية منذ تأسيسها الرسمي في العام 1897 بين موضوع المياه وتأسيس كيان غاصب على ارض فلسطين قابل للتمدد ليشمل أراض عربية أخرى . وهذا يعني أن لهذا الكيان في المخططات الصهيونية مرحلتين :الأولى : بدأت أهدافها تتحقق منذ العام 1948م وتجسدت ب(دولة إسرائيل الصغرى) التي أقيمت على ارض فلسطين . وفي هذه المرحلة شملت الأطماع المائية الصهيونية انهار الأردن وبانياس والحصباني والليطاني واليرموك وروافدها في الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين إضافة إلى مصادر المياه الجوفية في الأراضي العربية المحتلة ، أما في المرحلة الثانية ، أي مرحلة تحقيق الحلم الصهيوني أو ما يسمى (إسرائيل الكبرى( فالأطماع المائية الصهيونية تتوسع لتشمل انهار دجلة والفرات والنيل ضمن أقطار العراق وسوريا ومصر وذلك استنادا إلى نص توراتي دونه لأغراض سياسية محدودة حاخامات اليهود الذين كتبوا التوراة - التي بين أيدينا - ورد في الآية(18) الإصحاح (15) من سفر التكوين يقول:(في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات).. من هنا ترفع إسرائيل شعارها سيء الصيت على صدر قاعة الكنيست (من الفرات إلى النيل .. أرضك يا إسرائيل)وتتضح هذه الأطماع أيضا في تصميم العلم الإسرائيلي وشكله إذ يتكون من خطين أزرقين أفقيين بينهما نجمة سداسية سميت ( تضليلا ) نجمة داؤد ويمثل الخط العلوي نهر الفرات بينما يمثل الخط السفلي نهر النيل . وهكذا يتضح أن هذه الأطماع ما زالت تشكل المحرك الأساسي للسلوك الإسرائيلي نحو المياه العربية ، وهي الأطماع التي تتخذ أشكالا وأغطية متعددة يأتي في مقدمتها استخدام القوة العسكرية مما يدفع إلى الاعتقاد بان أي حرب عربية إسرائيلية قادمة لن يكون الحافز لها عامل الأرض فقط بل المياه أيضا . .

لقد برزت مسالة المياه ببعدها الإستراتيجي منذ عقد الثمانينات كإحدى مفردات الصراع العربي الإسرائيلي وإحدى مفردات الأزمات مع دول الجوار الجغرافي للوطن العربي .. ومن البديهي أن يكون هذا الموضوع وتطوراته متداخلا مع العناصر الأساسية للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة والتي تم بلورتها وصياغتها منذ أواخر القرن العشرين عبر مشاريع استراتيجية كمشروع (تزويد إسرائيل بمياه النيل) ومشروعي (جنوب شرق الأناضول) و(أنابيب السلام) في تركيا ، المقامين على نهري دجلة والفرات واللذين تقف وراءهما إسرائيل وتدعمهما الولايات المتحدة في محاولة لدمج إسرائيل في المنطقة من خلال مشاريع مائية مشتركة واستغلال إمكانيات تركيا المائية وتعزيز دورها في إطار استراتيجية أمريكية شاملة عرفت بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد ..
ففي حين يخضع مشروع(جنوب شرق الأناضول) لخطة طويلة الأمد لتغيير معالم المنطقة على حساب العراق وسوريا ، فأن المشروع الثاني يعتمد على استغلال مياه النهرين المذكورين ، وعلى حساب العراق وسوريا أيضا ، وبيعها لدول أخرى في المنطقة ومنها إسرائيل وذلك في إطار مسعى أمريكي إسرائيلي لربط هذه المشاريع بعملية التسوية المتوقفة حاليا ..
إن مشروع تنمية الأناضول (الكاب) يعتمد على 80% من مياه نهر الفرات و 20% من مياه نهر دجلة وسيتسبب هذا المشروع ، في حالة عدم وجود اتفاقية مائية بين تركيا والعراق وسوريا تراعي مصالح البلدان الثلاثة واحتياجات كل منها للنسب المائية المطلوبة ، في انخفاض كميات المياه الداخلة إلى العراق وسوريا بشكل كبير مما سيضر باوضاعهما الاقتصادية والزراعية والصناعية وسيزيد من نسبة الملوحة في مياه النهرين الخالدين لدرجة يتعذر معها زيادة المساحات المزروعة أو استغلال أية ارض جديدة ..
ومما لا شك فيه أن هذا الموقف التركي قد يعني من بين أمور أخرى أن إسرائيل تتعمد الابتعاد عن خط المواجهة المباشرة مع العرب فيما يتعلق بالأمن المائي وتعمل على (استغلال) دول الجوار في تحقيق أهدافها وتقوم بتوظيف الهاجس المائي للضغط على الأقطار العربية كي تتفاوض معها وتستخدم المساعدات الفنية والخبرات التقنية لضخ المياه من أحواض الأنهار العربية لمصلحتها .. إلى جانب ذلك تتعامل إسرائيل مع المشاريع المائية التركية لضمان استمرار حصولها على (250-440) مليون متر مكعب من هذه المياه .. ولوضع هذه الإستراتيجية موضوع التنفيذ قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل فريق عمل مؤلف من(45) خبيرا من وزارتي الدفاع والزراعة والقوة الجوية الإسرائيلية ومركز الاستشعار عن بعد لإعداد دراسة لمنابع الأنهار العربية ومصادر المياه الجوفية في الوطن العربي بالاستفادة من صور الأقمار الصناعية وخرائط المياه الجوفية التي أعدتها وسائل التجسس الأمريكية ..
على صعيد آخر فان اللقاءات الإسرائيلية التركية التي تجري باستمرار في مجال التعاون المائي تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية :
1.ممارسة المزيد من الضغط على العرب واستغلال الظروف التي يمر بها العراق حاليا لامرار مشاريع تسوية القضية الفلسطينية حسب المواصفات والشروط الإسرائيلية ..
2.إظهار تركيا وإسرائيل على أنهما متمسكتان بمشروع(أنابيب السلام) رغم اعتراض بعض الأطراف العربية وذلك كحل وحيد لازمة المياه القادمة في المنطقة والتي يحتمل تفاقمها مستقبلا ..
3.إظهار تركيا وكأنها طرف شريك في عملية التسوية والترويج لفكرة(أن السلام لا يعيش دون المياه) و(أن المياه لدى تركيا) ..خلاصة القول أن تركيا وإسرائيل ستحصلان على مواقع متقدمة في المشاريع الشرق أوسطية التي بوشر بتطبيقها في المنطقة منذ الفترة التي سبقت الحرب على العراق وما زالت تطبخ على نار هادئة والتي يمكن تلخيصها بعبارة(تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية مع المياه التركية باستخدام العمالة المصرية واستثمار الأموال الخليجية )..وفي ضوء ما تقدم فات التوقعات المحتملة تشير إلى سعي الدول الكبرى والإقليمية إلى إدخال العراق ضمن هذه المشاريع كونه البلد العربي الوحيد الذي يجمع بين الثروات الإستراتيجية الثلاث : القوة البشرية والمياه والنفط ...

**************
(*) باحث واكاديمي عراقي