مسمار جحا الأوربي

بقلم: محمــــــد النجــار

في رواية عن شخصية الطرائف العربية جحا، أنه احتاج للمال ذات يوم، واضطر إلى عرض داره للبيع. وعند البيع راوده المشتري كثيرا وارهقه، وتحصل منه على ثمن بخس. غير أن جحا فاز منه بشرط عجيب، وهو أن يبيعه كل الدار بما فيه من أثاث إلا شيئا واحداً، وهو مسمار كبير كان يعلق عليه عباءته. فهو قد ورثه عن أبيه عن جده عن جد جده، ولا يتصور أن يقتلعه فينكسر (نظرا لقدمه)، أو أن يبيع الشىء الوحيد الذي يذكره بالماضي الجميل. ورضي المشتري وهو يغمغم " يا له من رجل احمق، يبيع داره بثمن بخس ويبقي على مسمار يعلوه الصدأ يشترط زيارته حين يشاء".
وفي اليوم التالي جاء جحا ليزور مسمار الأجداد، وتصادف وقت الغذاء فتناول غذاءه مع الرجل ثم انصرف. وتكرر الموقف ذاته كل يوم تقريباً، وجحا يأكل وينصرف، حتى ادرك الرجل الخدعة التي خدعه جحا إياها، وعبثاً حاول أن يتخلص من ضيفه الثقيل. واضطر أخيراً إلى إعادة الدار لجحا بأقل من عشر الثمن الذي دفعه فيها. وصار مسمار جحا مضرب المثل.
وتمر القرون، ويتوصل جهابذة التدخل الأجنبي الأوربيون إلى صيغة حديثة لمسمار جحا، ويرجع الذنب على من ترجم لهم قصة جحا ليستفيدوا منها. وتتوالى عمليات التدخل الأجنبي الأوربي في الشئون الداخلية لدول عريقة شاء الله أن تدخل في مرحلة عصيبة من مراحل تاريخها. واستأسدت أوربا وغرها الغرور، وأخذ قادتها يذرعون غرفاتهم جيئة وذهاباً ويضربون أقفيتهم بأكفهم، حتى تمكن شيطانهم أن يهديهم إلى حيلة جديدة. حقوق الإنسان، مسمار جحا الأوربي.
أوربا التي لم ترتفع بناية فيها بغير انتهاك لحقوق الإنسان، ولم تتحول إلى المدنية بغير نهش لأكباد أطفال إفريقيا، واختطافهم من أهلهم وذويهم واستعبادهم ومعاملتهم معاملة يتقزز منها الحيوان. أوربا التي ما عرفها التاريخ إلا بالإعتداءات والإحتلال وسفك الدماء وتاريخ أسود يندى له جبين البشرية جمعاء. أوربا التي تقاسمت الرض بظلمها وطغيانها تتحدث عن حقوق الإنسان. أوربا التي تفتح سجوناً سرية لأعداء الصهيونية العالمية، يعامل فيها البشر معاملة خسيسة تتبرأ منها كل الأعراف الإنسانية، ويخرج منها الإنسان فاقداً لآدميته، لا لشيئ إلا لأنه أهان آلهتهم الجديدة التي صنعتها لهم الصهيونية الغاشمة، ووضعتها لهم في كنائسهم يتعبدون إليها من دون الله. أوربا التي ارتكبت جرائم قتل المدنيين في الجزائر وليبيا ومصر والسودان والهند ولم تعتذر حتى عن جرائمها التي لا تغتفر. أوربا مسرح عمليات محاكم التفتيش والحرب العالمية الأولى والثانية، تتحدث عن حقوق الإنسان؟ أوربا الصليبية المعتدية قاتلة حجاج بيت الله الحرام وسكان فلسطين حتى تخضبت الأرض بدماء الأبرياء من سكان بيت المقدس زاعمين نصرة المسيح رسول السلام!!! يتحدثون الآن عن حقوق الإنسان؟
إنها ليست كذبة أبريل المبتدعة، ولا عنوانا يجذب جمهور القراء، بل هي حقيقة مضحكة من أشر البلايا وأكثرها إضحاكاً. أوربا تحمل أغصان الزيتون الخضراء الوارفة وتلبس ثوباً ابيض ناصع البياض وتنادي بحقوق الإنسان، وتتهم من؟ الإسلام. المحكمة اوربية تتهم تركيا بانتهاك حقوق الإنسان بتعليمها الإسلام الصحيح السني الذي عرفه العالم بالعلم والدراسة والتمحيص وقرآن محفوظ بإرادة إلاهية قديرة. يتهمون تركيا بتدريس الإسلام السني وإهمال الإسلام العلوي؟ وما هو الإسلام العلوي؟ إنه الإسلام الذي ليس فيه الصلوات الخمس، ولا يشترط الحج ولا الزكاة. هل هذا إسلام أصلاً، ومتى كان الأوربيون حريصون على عقيدة وحرية المسلمين؟ إنه مسمار جحا، ولا ندري أين مغرسه.

لقد دخل الإسلام مصر والأوربيون بمسيحيتهم المحرفة يضطهدون الأقباط المصريين بمسيحيتهم المختلفة، فاين كانت حقوق الإسلام؟ وهل تم تعويض هؤلاء الأقباط من قبل المحتل الروماني الأوربي الذي أزاحه الإسلام عن عاتق المصريين وطهر منهم مصر؟ وهل حلت أوربا مشكلة الحروب الضلالية بين مناهج مسيحيتها المحرفة سواء كانت كاثوليكية ام بروستانتية أم مارونية أم منهجية Methodologistأم هوائية Free Thinkers أم ماذا؟ دعكم من هذا يا أذناب الصهيونية وسيانيمها، ودعكم من النيل من سيرة خير الأنام، فهو ليس كسائر البشر، لن تجدوا عنده جنون هتلر ولا غرور شارل المطرقة ولا فسوق راسبوتين ولا حماقة بوش، ولا قسوة ستالين ولا همجية جانكيز خان وهولاكو، ولا تفاهة ملوككم الصوريين الذين لا يعنيهم سوى البروتوكولات والرسميات والملابس المضحكة. ولكنه سيد من عند الله فوق أسيادكم، وعظيم يُحتقر إليه أعظمكم، وهو سيد الأنبياء والمرسلين، لا نبي بعده، لا ينطق عن الهوى، ولا تغريه دنياكم. وإن أقلامكم التي تتناوله بالإثم لطائشة سهامها، وإنكم بعد ذلك لنادمون. وأما حقوق الإنسان، فابحثوا لأنفسكم عن مسمار غيرها، فلن تجدوا لمسماركم الردئ هذا من مكان في جدار قلعة الإسلام المتينة. وإن غدا لناظره لقريب.