عمليات اغتيال القادة هل تنهي قوى المقاومة؟
سياسة الاغتيالات التي تنفذها «إسرائيل» مع قيادات وكوادر المقاومة ليست حديثة العهد بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشروع الصهيوني في فلسطين، وهي تستهدف حتى كل من تتعارض أفكاره مع أهداف هذا المشروع، كما في حالة الوسيط الدولي السويدي الجنسية الكونت برنادوت الذي تم اغتياله في الأربعينيات من القرن الماضي حيث قتل على يد منظمة «ليتحي» – «مقاتلو الحرية» الصهيونية.
وتستند سياسة الاغتيالات إلى أسس فكرية ترى في غير الصهاينة «كلاباً وأفاعي يجب قتلها»، وآخر من تطرق إلى هذا الأمر الحاخام عوفاديا يوسف خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كما تستند هذه السياسة إلى تشريعات مستقاة من نصوص تلمودية حيث ورد في قوانين الحرب التي سنها الحاخام أفيدان: « في حالة احتكاك قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال مطاردة حامية أو غارة، إذا لم يتوافر دليل بعدم إلحاقهم الأذى بقواتنا، هناك إمكانية لقتلهم، أو حتى ضرورة للقيام بذلك حسب الهالاكاه، حيث تحث الهالاكاه على قتل المدنيين الطيبين الذين يتظاهرون بذلك.»، لذلك ليس غريباً أن يقول قائد طائرة أف 16 التي قصفت حي البريج في غزة وقُتل خلالها العديد من الأطفال: «لقد ذهبت في تلك الليلة ونمت نوماً هانئاً، فقد كنت مرتاحاً لأنني نفذت المهمة.»
سياسة الاغتيالات بشكل عام، وما أعلنته حكومة أولمرت مؤخراً عن بدء عمليات استهداف وتصفية قادة المقاومة في غزة بشكل خاص، تهدف إلى تحقيق هدف محوري وهو إنهاء قوى المقاومة العربية، وجعل الساحة العربية مستباحة أمام الهيمنة الصهيونية دون ممانعة من أي طرف كان.
السؤال الذي نعيد طرحه: هل بمقدور عمليات اغتيال القادة إنهاء قوى المقاومة؟
لا شك أن هناك الكثير من التجارب التي يمكن الاستناد إليها في الإجابة على هذا السؤال، لكن التجربة الأبرز والأوضح هي تجربة حركة حماس مع الاغتيالات الإسرائيلية، فهذه الحركة تعرضت خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية لأشرس حملة اغتيال طالت قيادتها الأولى والصف الثاني، وبنيتها القاعدية، ما جعل الكثير من المراقبين يخشون على مستقبل هذه الحركة بسبب قوة الضربات التي وجهت إليها، لكن هل أدت هذه الحملة إلى إنهاء قدرات حركة حماس؟
من المهم في سياق الإجابة عن هذا السؤال استعراض أهم عمليات الاغتيال التي طالت عدداً كبيراً من قياداتها:
- في 23 كانون الأول من عام 2001 اغتيل في نابلس القيادي الخبير في صناعة المتفجرات محمود أبو هنود بعد قصف سيارته.
- في 23 آذار من عام 2003 اغتيل القيادي العسكري إبراهيم المقادمة إثر قصف سيارته في غزة.
- في 23 تموز من عام 2003 اغتيل مؤسس الجهاز العسكري للحركة بعد قصف الحي الذي يقطنه بصواريخ زنتها طن أسقطتها طائرة أف 16.
- في 21 أب من عام 2003 اغتيل أحد أبرز مؤسسي حماس إسماعيل أبو شنب إثر قصف سيارته في غزة.
- فجر 22 آذار 2004 اغتيل الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة حماس بصاروخ طائرة إثر خروجه من المسجد.
- في 17 نيسان 2004 اغتيل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي خلف الشهيد الشيخ أحمد ياسين في زعامة الحركة.
الاغتيالات هذه، التي أدت في فترة زمنية قصيرة إلى خسارة الحركة الفلسطينية العديد من قياداتها، كانت مسبوقة باغتيال الكثير من قياداتها في الضفة الغربية وغزة والشتات كما في المحاولة الفاشلة التي تعرض لها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في عمان في 25 أيلول من عام 1997، واغتيال المهندس يحيى عياش في عام 1996 عبر تفجير جهازه الخليوي.
عمليات الاغتيال التي استهدفت حركة حماس كانت موجعة، لكن كيف تعاملت معها الحركة؟. هل تركت فراغاً في المستوى القيادي الأول؟ وهل أثرت في قدراتها؟
نترك الإجابة عن تلك الأسئلة للشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي التي جاءت في مقابلة معه قبيل استشهاده فها هو يقول: بعد اغتيال أي قائد يأتي قادة جدد أقوى من القائد الذي استشهد لأنهم يأخذون من خبرة القائد الشهيد، ويضيفون اليها من إبداعاتهم، ويتمتعون بحرية أكبر لأنهم يكونون غالباً غير معروفين، ومن هنا أثبت الجهاز العسكري لحماس أنه يقوى بالضربات ولا يضعف.
وما يجعل تجربة حماس مميزة التوازي بين حملة اغتيالات القادة واغتيالات طالت البنية القاعدية للحركة عدا المطاردات المستمرة، وقد ذكر مسؤول في الحركة أن نسبة 70% من بنية حماس في الضفة الغربية قد تضررت نتيجة حملة السور الواقي التي قادها شارون على الفلسطينيين في عام2002.
الواقع اليوم يقول إن حركة حماس ازدادت قوة، وتضاعفت إمكانياتها، وما تزال تكسب تأييد الجماهير الفلسطينية عبر التزامها نهج المقاومة، وهو ما بدد حسابات العدو، وجعل حكومة أولمرت تعيد التهديد والوعيد باستهداف القادة السياسيين لحماس.
تجربة الصمود في مواجهة الاغتيالات الإسرائيلية تجربة طويلة أطرافها كثيرون من قوى المقاومة العربية، لكنها تجربة أكدت أن اغتيال القادة لن ينهي المقاومة فكراً ونهجاً، لأن هؤلاء القادة يبقون أحياء في قلوب وعقول رفاقهم يضيئون لهم الطريق لمواصلة مقاومة الاحتلال والتصدي لمشروعاته التي تطول الأمة كلها.
http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=28475
رد مع اقتباس
المفضلات