السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوتي واخواتي في واتا انقل لكم هذا المقال الرائع من جريدة الرأي الاردنية من عددها الصادر هذا اليوم وهو للكاتب المبدع احمد حسن الزعبي .
ارجو بأن نكون قادرين على ترجمة هذا النص ليس من العربية الى اي لغة اخرى ولاكن من اللغة العربية الى قلب كل عربي ومسلم.
(رائحة القرفة)
قبل يومين خرجت من وطن الرحم.. تلقّت شهادة العمر القصير من نافذتها.. ثم دخلت في رحم الوطن..
تلك الرضيعة ''الغزّية''..التي غافلها الموت كما النعاس فأثقل جفنيها الرقيقين.. مسح بكفّه الأحمر قبلاً قليلة لامست وجنتيها الورديتين..ثم تركها تنزف لباءً أبيض وألماً اسود كليل المدينة...تلك الرضيعة''الغزّية'' التي حضرت من غير اسم وغادرت من غير اسم.. بفمها ''لهّاية الرصاص''وبعنقها خيط دم..رحلت دون أن تكمل رضعتها الخامسة لتصبح اخت''غزّة'' بالرضاعة والرصاصة والحصار والدمار والدم المخثّر قرب القبور..
تلك الرضيعة الغزيّة ..المحمولة بيد واحدة ''كهدية'' ،ملمومة الأعضاء كما لو انها في الرحم نائمة... كبرعم ورد يطل دمها الزاهي من كفنها الأخضر..كم أوجعتنا ؟! كم قزّمتنا ؟! كمّ أزّمتنا؟! يا لندى العينين الدامعتين..كيف اغتيلتا؟؟..
قبل يومين كان في بيتهم طقوس ولادة، عُلّقت قناديل الفرح بين العيون، انتشرت رائحة القرفة المغلية هناك، وأورقت ضحكات الأمهات في سماء الدار، ليلة واحدة تهجّت الصغيرة صدر أمها ..قرأته بفمها كما تفعل كل الزنابق ثم رحلت.. ليلة واحدة مسحت الأم عرق حبيبتها المطيّب بالدعاء والامنيات الكبيرة ثم رحلت.. ملابس القطن..قمصان''الزهر'' ..أساور الخرز.. قبعات الشتاء ..بقيت في الأدراج نائمة حتى تستيقظ دمية الزهر.. فراشها الممهّد فوق رأس الأم بحجم الوسادة وغطاؤها الصوفي الجديد لم يضم الجسد الشفاف سوى ليلة واحدة .. ثم طوي بالحزن ورائحة الطفولة كمساءات غزّة..
رحلت الصغيرة ولم ترحل رائحة القرفة بعد ، هكذا دائماً يموت الورد ويبقى ريحه ، ينتهي العيد وتبقى أراجيحه..
في البيت ،في الحي، في غزة ، في فلسطين ، في الدنيا ..رائحة القرفة لم ترحل بعد..أتعرفون لماذا ؟ غزّة تولد من جديد...
ahmedalzoubi@hotmail.com
بقلم: أحمد حسن الزعبي
المفضلات