محرقة الأطفال في غزة
أرواح بريئة أزهقت وسط صمت عالمي
فاطمة يوسف/ غزة
في انتهاك واضح لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، وفي ظل صمت عربي ودولي، أجهزت قوات الاحتلال على عدد من الأطفال المحاصرين في غزة والمحرومين من مقومات الحياة، لتكمل عدوانها المستمر عليهم في عمليتها التي سمّتها «الشتاء الساخن».. فقضى عدد منهم دون ذنب اقترفوه سوى كونهم «فلسطينيين».
«العودة» التقت بعائلتي ثلاثة من الأطفال قضوا إثر استهدافهم بالرصاص داخل بيوتهم.. فكان التقرير التالي.
صفا نزفت حتى الموت
والدة الشهيدة صفا أبو سيف (12عاماً) قالت لـ«العودة» بحسرة: «كانت صفا ذكية تحب الضحك واللعب ومطيعة لي وتنفذ ما أطلبه منها بسرعة».
عن استشهادها تقول: «كان عمها في الطابق العلوي، وخافت عليه فذهبت إليه لتطلب منه النزول إلى الأسفل.. وكنا قد أقفلنا الشباك المقابل للدرج، لكن قذيفة أطلقتها قوات الاحتلال -أحدثت صوتاً عالياً- فتحته مجدداً فخافت صفا إثر ذلك وركضت ناحية الباب فقام قناص إسرائيلي باستهدافها».
أضافت: «صرخت صفا آخ يمّا الحقيني يمّا»، اعتقدنا أن ابن شقيق زوجي استشهد فصعد والد صفا مسرعاً إلى الأعلى ليستطلع حقيقة الأمر، وعاد يحملها بين يديه وهي تنزف..».
وتابعت: «حاولنا إسعافها ولكن النزف لم يتوقف لمدة ساعتين كاملتين رغم أننا استخدمنا كل السبل الممكنة، فكنّا نضغط على جرحها لوقف النزف لكن دون جدوى.. وعندها قالت لنا صفا: «اتركوني.. إذا تركتوني رح أعيش» وبمجرد أن فعلنا ذلك أسلمت الروح لبارئها».
لم تنقطع دموع والدتها وهي تقول: «لقد قمنا بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي لإخراج جثتها، فطلب منا أن نخرج للجيش ونحن نحملها، فخرجت أنا وجدّتها أحمل ابنتي وراية بيضاء.. ورغم ذلك قاموا بإطلاق النار علينا فأسرعنا بالعودة إلى المنزل.. فسقطت صفا مني على الأرض، فعاودت حملها بإمساكها من قدميها.. وعاودت السير، ولكنها سقطت مني مرة أخرى.. فأخذت أنادي على زوجي وأنا خائفة أن يقوموا بإطلاق النار عليه».
أردفت بالقول: «عندما وصلت إلى المنزل قمنا بوضعها على السرير حيث ظلت هناك ست عشرة ساعة كاملة، إلى أن تم التنسيق مع قوات الاحتلال لإخراجها، فجاء إسعاف لنقلها فتبعته دبابة احتلالية ومنعت أي أحد من الخروج معها سوى والدها».
«صعبة» قالت أمها عن ساعات مكوثها في المنزل وهي ميتة «كان إخوتها يمرون عليها ويسألون لماذا تنام صفا لوحدها، إنها تشعر بالبرد غطوها.. لا تتركوها تنام وحدها أحضروها لتنام بجانبنا.. لقد كانت ساعات صعبة جداً، فكنا نزعم أمام إخوتها وأطفال العائلة الآخرين أنها مريضة ونائمة».
تصف الأم حال أطفال العائلة الذين عايشوا هذا الموقف الصعب بأنهم «خائفون منذ تلك اللحظة، وهم عند حلول الليل يرتعدون من الخوف إذ يتذكرون ما حدث لصفا».
أضافت: «ما زاد من حسرتنا وآلمنا أننا لم نستطع توديعها. دُفنت دون أن نراها. كانت تدّخر الأموال لتشتري هدايا لي ولجدتها ولعماتها في عيد الأم القادم، لكنهم قتلوها بلا ذنب اقترفته».
لا أتمناه لأحد!
أما والد الطفلة رعد أبو سيف الذي أعياه الشعور بالعجز عن حماية ابنته، فقال: «لقد كانت لحظات في غاية الصعوبة، لقد كانت تموت أمامنا تدريجياً دون أن أستطيع أن أفعل لها شيئاً.. لقد أصيبت أمها بالصدمة وصارت تتحدث معها وهي ميتة.. لم تستطع استيعاب ما حصل».
وأضاف: «لا أتمنى لأحد أن يمرّ بما حصل لي..».
كشف أبو سيف أن الجنود المتمركزين فوق بيت جاره هم من قنصوا ابنته. أخبره جاره أن الجنود عندما رأوا صفا قال أحدهما للآخر: «طفلة صغيرة كشفتنا»، فرد عليه زميله: «اقتلها!»، فقال له الأول: «إنها صغيرة»، وكرر ذلك مرتين فأعاد زميله الإجابة ذاتها: «اقتلها!».. فما كان منه إلا أن أطلق عليها النار.
إياد وجاكلين.. شقيقا الحياة والموت!
في مكان غير بعيد عن بيت الطفلة صفا في المنطقة الممتلئة ببيوت العزاء.. كان للطفلين جاكلين (17عاماً) وإياد (16عاماً) قصة مماثلة، فتمّ قنصهما من بيت مجاور لهما كانت تعتليه قوات الاحتلال. والدهما محمد أبو شباك –الذي كان في رام الله عندما استشهدا- يقول: «لقد فقدت أولادي أغلى ما عندي حيث استشهدت جاكلين في الثالثة صباحاً ثم تبعها إياد في السادسة صباحاً.. لقد تلقيت خبر إياد وأنا في المستشفى الذي نقلت إليه على إثر صدمتي بخبر استشهاد جاكلين فكانت الصدمة مضاعفة».
ويضيف: «كنت على تواصل مع جاكلين قبل استشهادها بنصف ساعة، وكانت خائفة على أخيها الصغير لأن تحركاته في البيت كثيرة والقناصة منتشرون في البيوت المجاورة، فطلبت منهم أن يطفئوا الأنوار ويجلسوا بالصالة وأن لا يتحركوا كثيراً».
وتابع: «لقد اتصلت بي أكثر من مرة في ذلك اليوم، وكانت خائفة ومشتاقة لي، قلت لها: «ديروا بالكو عحالكو وسأكلمك غداً على الماسنجر».. أما إياد فلم أحدثه يومها.. بعد ذلك كنت أسهر على التلفزيون، ووقتها رأيت ابني وابنتي بالمشفى مع عمهم، ولكني لم أتعرف إليهم.. رأيت بعدها مشهداً لأم تبكي ابنتها فتأثرت به كثيراً وأغلقت التلفاز ولم أدرِ أن ابنيّ قد فارقا الحياة أيضاً».
أخرجناهما بصعوبة!
أوضح أبو شباك أنه علم بخبر استشهادهما قبل أمهما التي كانت تعقد أنهما ما زالا على قيد الحياة عندما تم نقلهما إلى المشفى.. وبعد أن عرفت لم تستطع الخروج لوداعهما حيث كان المنزل محاصراً.. فلقد تم إخراجهما من البيت بعد أن أجرى والدهما اتصالات على أعلى مستوى تدخل فيها أربعة نواب عرب من الكنيست لدى مكتب وزير الحرب الإسرائيلي.. إلى أن تم إرسال سيارة إسعاف من الصليب الأحمر لنقلهما إلى المشفى بعد عدة ساعات من إصابتهما!
وأفاد أبو شباك بأن عائلته عاشت وضعاً نفسياً صعباً، كان بيتهم محاصراً ولم يكن عندهم طعام أو شراب وإطلاق النيران حولهم من كل الاتجاهات إضافة إلى إصابة جاكلين وإياد داخل المنزل ثم استشهادهما دون أن يتمكنوا من وداعهما.
عن كيفية استشهادهما يقول والدهما: «نهض إياد للذهاب إلى الحمام، فما إن وقف على رجليه حتى عاجلته رصاصة قناص على البيت المواجه لنا فسقط على الأرض مصاباً، فهرعت جاكلين لإنقاذه فعاجلها القناصة الموجودون على نفس المنزل لتسقط بجانب أخيها».
وأضاف: «قام أهل المنزل بالصراخ على من في الشارع فهرع أحد المقاومين لإنقاذهما، ولما اقترب منهما عاجلته رصاصات قوات الاحتلال فارتقي شهيداً، بعدها خاطر عمّهما –الذي يسكن في البيت المجاور– للوصول إليهما ورافقهما في سيارة الإسعاف التي نقلتهما إلى المشفى حيث استشهدا، بينما انطلق بقية أعمامهما وجدهما وجدتهما للمشفى –رغم كون المنطقة محاصرة– دون وعي غير آبهين بما يمكن أن يصيبهم».
صفا وإياد وجاكلين.. ثلاثة أطفال استهدفتهم قوات الاحتلال بقنصهم داخل منازلهم التي ظنوا أنها ستحميهم من الموت الذي نشرته هذه القوات في كل مكان ولكن خاب أملهم!
محرقة الطفولة في غزة مستمرة إذا لم يتحرك ضمير العالم لإنقاذ هؤلاء الأطفال الذين حرمتهم ظروف الحياة الصعبة من التمتع بطفولتهم.. لتمزق أجسادهم الغضة صواريخ الاحتلال.. ويبقى السؤال مفتوحاً: إلى متى؟ ♦
شهداء وإصابات العدوان الغادر على قطاع غزة منذ 27/2 وحتى 3/3
الحالة
العدد
الشهداء
الشهداء
116
منهم أطفال
39
منهم سيدات
10
الإصابات
الإصابات
350
منهم أطفال
92
منهم سيدات
42
منقول عن مجلة العودة
المفضلات