جرب و خب وخب ثم جرب ، ان تصب او لا تصب لا عليك فلا حسيب ولا رقيب ولا من يعاقب ، في بلد التجربة والخيبة ثم الخيبة والتجربة والجبل على الفشل تلو الفشل ، الفشل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والصحي وفي كل المجالات بدون استثناء . ترى لو كان صناع القرار في مراكزهم زراعيين لكان بلدنا مصنفا ضمن خانات البلدان الزراعية ، ولو كانوا صناعيين لكان بلدنا مصنفا ضمن البلدان الصناعية ،ولو كانوا تجاريين لكان بلدنا مصنفا ضمن البلدان التجارية ، ولما كانوا أميين ليس الأمية بمفهومها الأبجدي ، ومجرد أغنياء من اغتنو من خزينة الدولة واثرياء اثرو من ممتلكاتها وعلى حساب شعبها ، فها هو بلدنا نتيجة ذلك يشهد ويعيش صراعات طبقية قلما ستنتهي بنصر او انهزام . ولن تنتهي ما لم ينته هؤلاء الطبقيون المتجذرون المتربعون على عروش الطبقات ، وعساهم يكتفون فينزلون رحمة بهذا الوطن الذي سيضم رفاتهم ويحتضن جلودهم بعد ان تفنى أعمارهم وتدك عظامهم

الم يكف الزمان كل هذه العشوائية والارتجالية في انتقاء التجارب الفاشلة على مدى السنين والعقود والأجيال .؟ الم يسع قومنا ان يكتفوا مع قليل من القناعة ويتسموا بنوع من نكران الذات وترك شيء من الأنانية فيبادرون الى الاعتراف بعجزهم والإقرار بفشلهم . فالاعتراف بالذنب كمن لا ذنب له والإقرار بالفشل فضيلة فيدفعون بزمام الأمر لأولي الأمر، أيمانا منهم بان هذا البلد لم يكن عقيما ولم ينزل من رحمه سواهم ابدا ، حتى ولو كان ضبا ب الفشل يعم كل أجوائهم ويسد كل أفاقهم ويشهد على ضعفهم ، وهل كانوا يعقلون ان الخير لا يرجى ممن لا خير فيهم ، فكيف يرضون بتغيير جلودهم وهم في العمق لا يبغون ، والا كيف سيقبل أي نحات ان يكتب على الورق بأزميله ، فيقبل ذلك كاتب ليحفر على الحجر بقلمه . ثم كيف سيقبل طبيب حرث الأرض بمبضعه ، فيقبل ذلك فلاح فيفلح الأجساد بمعوله ، لستم الكل في الكل ايها الزعماء الاثرياء ، ولا انتم كل شيئ في هذه الدنيا ايها العظماء الاقوياء ، اتركوا الفرصة لخدامكم المناضلين ولو مرة ، وامنحوها لضعفائكم المضطهدين اخرى ، واسمحوا ايها الصقور الجارحة واخلوا الجو للعصافيرحتى تغرد وتصفر وتعبر فان لم تطربكم تفرج قليلا من الهم عن صدورها .علما انكم لم تخلقوا في هذا الكون وحدكم ليكون ملكا لكم ، ولن تستطيعوا الحياة فيه دون غيركم وعساكم تعقلون ، واما ان تعلموا فانكم لجاهلون . وان كان كل ما في كونكم يبدو متحركا ، فانه لم يكن يتحرك بعشوائية او تلقائية او بلا محرك . لست ميكانيكيا ولا لي خبرة بالميكانيكا لكني لا اعذر بجهلي إياها اذا كنت املك سيارة اعتمد عليها في سفري فتعطلت في أي طريق وقد عجزت عن إصلاح عطبها فبت عرضة لكل الأخطار المحتملة ، في هذه الحالة اني لا أجد عيبا في الإقرار بعجزي وضعفي وفشلي وأميتي وجهلي ، ومن الحكمة البالغة ان ا سلم المقود لمن يقوم بذلك عني بكل روح رياضية وقناعة ديمقراطية . هل يكون من الحكمة والشجاعة ان يتراجع القائد الى الوراء اذا كان يرى قوته ليست في مستوى قوى العدو ، ام يكون الاندفاع بتهور ومغامرة الى ساحة معركة قلما ينجو احد من الموت والأسر كمنتهى الشجاعة والإقدام .

ولما كان محرك هذا الوطن مختلا وقطع الغيار فيه مرقعة وغير متجانسة قلما سيتحرك هذا المحرك حتى في مكانه وبالا حرى ان يتزحزح عنه قدر أنملة ، الا اذا أحكمت واستحكمت آلياته في انسجام تام . وما ينبغي القيام به قبل كل شيئ هو ضبط الارقام لما اصبحت الارقام تشكل السلطان النافذ وظل الزمان بمثابة الجسر الرابط بين اقطار السموات والارض التي ينفذ منها واليها بنو البشر. باعتبارهما من الاليات التي تعتمد عليها الأمم والشعوب في حياتها والرهانات التي تستند اليها البلدان والأوطان في نهضتها . حتى كانت تضع الساعات نصب اعينها في كل اتجاهاتها وواجهاتها وفي طرقها ومحطاتها وعلى هواتفها وأقلامها وفي مقرات عملها وغرف نومها .

ليس بغرض العبث او لمجرد التسلية وما كانت ساعة " بكبن " في لندن ترن على رأس كل ستين دقيقة لمجرد رنين قد يطرب الأسماع ويبعث في الفضاء نوعا من الموسيقى الروحية على غرارالنواقيس الموضوعة على كنائسهم والاذان المرفوع فوق صوامعنا ، فان كان الوقت لديهم من ذهب فلا ينبغي ان يكون عندنا من تراب. فهل كنا مدركين قيمة الوقت التي أوصلت الأمم الموقوتة الى ما وصلت اليه وعادت بنا الى غابر الأزمان ، ام كنا ومازلنا غير مبالين بصيرورة الحياة وإفناء العمر في المتاهات ولانعلم قيمة الارقام الا لتكديس الأموال واللهث وراء تراكم الثروات ..؟ فلوجمعنا بين قيمة الوقت والارقام وفرضنا جدلا ان عدد العمال في أي معمل الذي هو المغرب يقدرون بمليون عامل فقط في القطاع العام ، فيتأخر كل واحد عن عمله ساعة واحدة في السنة من اجل مشاهدة مبارة في كرة القدم ، سيكون الوقت الضائع بعدد الساعات يساوي مليون ساعة او125000يوم عمل ، او أكثر من 4150 شهرا ، وحوالي350 سنة عمل بتكلفة قد تتجاوز13 مليون درهما في الحد الأدنى للأجور. وعادت بوطننا الى مسافة350 سنة الى الوراء . فما بالنا بالساعات في اليوم وبالايام في الشهر وبالشهور في السنة . انها ساعة واحدة فقط في ظرف سنة من كان لها كل هذا الأثر على الاقتصاد الوطني . فهل تكون هذه الارقام قد كشفت لنا عن قيمة الوقت الذي لايقدر بثمن ، ام مازالت لغة الارقام ابعد ما تكون عنا وعن فهمنا للحياة ..؟

ثم يجلس صناع الفشل في مراكز القرار وراء ألابواب المغلقة طوال يومهم على كراسيهم الوثيرة المائلة المتمايلة كا لامهدة ، ينظرون الى الشاشات ويتصيدون الفضائيات ويبرمون الصفقات بواسطة الهواتف الادارية غير مبالين بالزمن كمجوعة دقائق فيحاسبون أنفسهم عن نتائج ساعات عملهم بقدر ما يحسبون مقابلها المبالغ فيه ، والذي قد يتجاوز ألفين وخمسمائة درهم يوميا في الحد الادنى واكثر من 300 درهم في الساعة تقتطع من حساب الفقراء والمساكين والمرضى والعجزة البالغين والقاصرين وكل من يدب على هذه الارض من دواب . دون ان يسالوا ولو مرة عما قدموا و أعطوا مقابله او كانوا يرددون في ضمائرهم ولو مرة قولة القائل المؤمن بعسر السؤال " لو عثرت بغلة فى العراق لسألني الله يوم القيامة لماذا لم تصلح لها الطريق يا مسئول " ولا فكروا ساعة في مريض لم يعالج وعاطل لم يشتغل وامي لم يتعلم وشارد لم يسكن الا وقد سرقت اموالهم وهضمت حقوقهم فمن ذا الذي سيبرئ ذممهم لو كانوا يعلمون . ترى فهل يكون في قلوبهم مثقال ذرة من الإيمان فيحاسبون أنفسهم ويعاقبون ضمائرهم ويراقبون الله في أعمالهم..؟ ام كانوا عن كل هذا معرضين

ـ لقد فشل نظام التعليم منذ بداية العمل في إصلاحه وعندما كانت لجن مؤلفة من عشرات الرجال ممن لا علاقة لهم بالقطاع أصلا يستقلون الطائرة كل يوم على نفقة الشعب الى دول اروبية من اجل استيراد البرامج والأفكار، فاذا بوارداتهم عبارة عن متلاشيات وقطع غيار متآكلة لا تفيد ماضيا ولا تنفع مستقبلا ولا تجدي حاضرا ، وهم يتجاهلون بل يجهلون ان بلدهم كان دون مستوى ما يطلبون ، وانه لم يكن صناعيا فيستفيد مما يستوردون من برامج طالما واكبت ومازالت تواكب سير التنمية في بلدانها الصناعية . كما كانوا أيضا يجهلون وهم الجاهلون بالطبع ان جسد بلدهم لم يكن معدا ولا مستعدا لتقبل زراعة أي عضو من هذه الأعضاء المستوردة . فاذا كان أي تلميذ قد يفشل مرة او اكثر في الامتحان ويعزل نفسه قبل ان يعزل ، فان اصحابنا على النقيض عندما ظلوا متشبثين بانانيتهم ملتصقين بمراكزهم رغم فشلهم وعجزهم بل وضعفهم وقصر نظرهم .

الى ما بعد عقد من الزمان ليس بالقليل تبين ان هذه البرامج المستوردة غير مجدية ، ولم يتبين ان مستورديها لم يكونوا في مستوى الخبرة ، وما زادت الطين الا بلة حينما اصبح بلدنا يحتل المرتبة الاخرة بين المتسابقين من بلدان المغرب العربي وبعد موريتانيا في مجال التعليم . لست ادري ان كان بعد هذا الخجل خجل او كان اكثر من هذا الفشل فشل . وسنعيد الكرة ونعاود التجربة مرة اخرى ولمدة قد لاتقل عن السابقة وسنبقى على الحال الى ان تفنى الاجيال وتبقى جامعاتنا سائرة في نهج سياسة تفريخ هذه الجيوش من العاطلين الدكاترة والمجازين المتخصصين في علوم المعري والفرزدق وامرؤ القيس وغيرهم من السابقين الذين اكل عليهم الدهر وشرب ، وقد قامت قيامتهم فاقامت على قبورهم قرى ومدنا وحضارات لم يبق لنا منها و منهم سوى بعض الا شعارالحماسية التي تثير النعرات احيانا والغرامية التي تثري السهرات وتزين الاصوات وتطبع الايقاعات وتطفئ لواعج العشاق وتحيي مجالس الانس والليالي الحلمية

ـ وعلى غراره فشل قطاع الصحة كذلك حينما تردد على وزارته شخصيات مريضة وهي لا تعلم حتى أسباب مرضها ولا تدري طرق وقايتها وعلاجها ، وبالاحرى ان توجه الأطباء وتغيث المرضى وتعد المصحات وتقتني الأجهزة والآليات ، وتصنع خريطة التخصصات ، هيهات ثم هيهات . لقد فشل القطاع يوم غاب المخاطب اللبيب والخبير بشؤون الصحة وقيمتها ، العالم بمهام رجالها ونسائها الواعون برسالتهم ومسئوليتهم تجاه من تلويهم الاوجاع وينهشهم المرض . ولما ضعفت مناعة صحتنا واختل توازنها وخرت قواها عزموا على دعمها بجرعات من دماء المواطنين وبما يسمى التغطية التي فاحت رائحة خيبتها منذ زمن بدايتها . واما المصابون فلا سبيل لهم الا سبيل الرقيا والتداوي بالاعشاب . وقد حق في حقهم قول القائل " مت يا بعير وانفقي يا شاة لقد انهمك في اللهو الرعاة "

ـ وكما فشل القطاعان سيفشل قطاع التشغيل أيضا عندما ارتفعت نسبة البطالة خلال السنة الماضية الى 9.8 بالمائة حينما كان نظام التعليم لا يواكب ركب التنمية في شيئ ، وبعد ان بيعت كل مفاتيح الدولة بالمزاد العلني باسم الخوصصة ، وبعد ان أفرغت خزينتها من مدخراتها باسم المغادرة الطوعية ،وبعد ان خرج بعض المغادرين المحظوظين من بابها غانمين ، وقد دخلوا مرة أخرى من نافذتها مطمئنين .ولا نذكر الناهبين لثروات المغلوبين والمسحوقين ، ولا نتحدث عن عودة الفارين منهم الى أحظان الوطن الغفور الرحيم سالمين ، فكتبوا على صفحات التاريخ من ضمن الأوفياء والمخلصين ،وقد كرموا ونمقت صدورهم بالميداليات والنياشين . والله انها لمن مهازل القرن الواحد بعد العشرين ، وانه لاستنزاف حقيقي ونهب مبين ، لثروات هذا الوطن الغفور ولطاقات هذا الشعب الصبور. وانه لفشل ما بعده فشل وخيبة تليها خيبة ولله عاقبة الأمور. سؤال يتبعه ألف سؤال وسيبقى الجواب عنها في حافظة التاريخ خبرا وعبرا للأجيال