تصادم الحضارات أم تعايشها والكيان الصهيوني
ا.د.سعيد النشائي- أستاذ كرسي هندسة التنمية المستدامة
جامعة ولاية بنسلفانيا- الولايات المتحدة الأمريكية
e-mail: sse10@psu.edu
كان لكتاب: " صدام الحضارات وملاحظة النظام العالمي" للكاتب صمؤيل هانتجتون صدى عالمياً كبيراً خصوصاً وأنه قد أتى في وقت انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي من جانب وصعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بقيادة بوش الابن وشيني ورامسفيلد وباقي المجموعة اليمينية من جانب أخر. وقد وصلت هذه المجموعة إلى السلطة ببوش الابن كرئيس للجمهورية وشيني نائباً للرئيس ورامسفيلد وزيراً للدفاع وباقي أعضاء المجموعة في مواقع مختلفة من هذه السلطة التي تعتبر جديدة إلى حدٍ ما مقارنة بسلطة كلينتون السابقة لها. وإذا كان كولين باول الذي لا ينتمي إلى هذه المجموعة قد احتل موقع وزير الخارجية في البداية فإن ذلك لم يطول فسرعان ما ذهب وحلت محله كوندليسا التي هي من قلب هذه المجموعة. والملفت للنظر أن هذه المجموعة, رغم دعم الاحتكارات الكبيرة ,وخصوصاً احتكارات السلاح, لها, كادت أن تخسر انتخابات عام 2000 لولا استخدام أساليب العالم الثالث في تزوير الانتخابات خصوصاً في فلوريدا. وهكذا خسر , نتيجة هذا التزوير, آل جور الحاصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام سباق الرئاسة لصالح بوش الذي سوف يحصل إن آجلاً أو عاجلاً على شهادة مجرم الحرب رقم واحد في العصر الحديث. وإذا كان كثيراً من كبار أعضاء المجموعة قد ترك كراسي الحكم في السنوات التالية وعلى رأسهم رامسفيلد فذلك لم يكن إلا لتحميلهم وزر جزء من أكوام الأخطاء والجرائم التي ارتكبتها وترتكبها هذه المجموعة أو نتيجة لفضائح الفساد المفزعة خصوصاً لمعظم مساعدى ومستشاري سيادة الرئيس . ورغم الفشل والكذب والفساد لهذه المجموعة وعلى رأسها بوش الابن فقد فازت بالانتخابات التالية في 2004 واستمرت في سياساتها الرديئة والضارة.
وقد استغلت هذه المجموعة شديدة الرجعية والعنصرية والفساد أحداث 11سبتمبر أسوء استغلال لتمرير سياساتها الإجرامية.
مع العلم أن كثير من المفكرين والمحليين الأمريكيين والأوروبيين غير اليساريين وغير المسلمين يشكون بشدة في حقيقة هذه الأحداث, ولهذا حديث آخر.
وعلى المستوى الفكري فإنه يبدو أن مفهوم صدام الحضارات قد أتى على هوى هذه المجموعة لدرجة أن السيد بوش الابن شبه التدخل الاجرامى في الشرق الأوسط بالحروب الصليبية. وإن كان قد تراجع عن ذلك لفظياً, نتيجة تحذير مستشاريه له عن خطورة ذلك على عملاءه في المنطقة, فهو لا يعدو أن يكون تراجعاً لفظياً لا أكثر ولا أقل. إن الطابع شديد اليمينية والعنصرية لهذه السلطة القائمة على هذه المجموعة قد تفاعل مع طبيعة المجتمع الأمريكي, الذي قام في معظم الأحيان على الاستغلال والعنف, ومع واقع خلو الساحة نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الإشتراكى وصعود نظم يمينيه إلى الحكم في بعض دول أوروبا ليجعل سياساتها داخلياً أكثر رجعيه وخارجياً أكثر عدوانيه وصولا إلى العودة إلى أساليب الاستعمار القديم في شكل الاحتلال المباشر لدولتين كبيرتين في الشرق الأوسط والتهديد باحتلال دول أخرى في المنطقة بحجج واهية وازدياد المبالغة في دعم الكيان الصهيوني بشكل أكثر تطرفاً مما هو عليه بالفعل منذ عدة عقود. وانطلقت الولايات المتحدة "تجعجع" ضد ما تسميه الإرهاب بينما هذا النظام اليميني العنصري هو المصدر الحقيقي والأساسي للإرهاب, إرهاب الدولة القوية المدججة بترسانة ضخمة من أحدث الأسلحة الفتاكة وميزانيات عسكرية لممارسة إرهاب الدولة هذا بمئات البلايين من الدولارات.
وإذا كانت نظرية صدام الحضارات تمثل أرضيه فكريه مناسبة لفاشستية بوش الابن وجماعته فإن كلاهما يواجه الهزائم المتتالية. وإذا كانت هزائم السيد بوش الابن غنية عن التعريف, فهي عبارة عن سلسلة متتالية من الإخفاقات يتوقع لها أن تستمر وتتزايد خصوصاً مع الإخفاق الواسع في العراق وأفغانستان. وآخر هذه الإخفاقات, وإن لم يكن أشدها, هو تقرير المخابرات الأمريكية المتناقض تماماً مع أكاذيب السيد بوش وأتباعه من أمثال كونداليسا رسولة "الفوضى الخلاقة" الإجرامية. كما أن بعض الأنظمة العربية الرئيسية مثل مصر والسعودية قد بدأت تعارض السياسة الأمريكية في المنطقة. كما نقرأ يومياً عن خلافات بوش مع عملائه في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها وهزائمه المتتالية في أمريكا اللاتينية وحديثاَ في باكستان. وهزائمه الداخلية كبيره حيث انخفضت شعبيته إلى أدنى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة وأكثر من 80% من شعبه يعارض حربي العراق وأفغانستان وانطلقت المظاهرات وانتشرت أغاني البوب ضد هذه الحروب الإجرامية. فربما كانت هزائم نظرية صدام الحضارات تستحق بعض التعريف, فلقد تصدت لها بالتفنيد العديد من الأقلام الشريفة لمفكرين بارزين شرفاء من معظم الإتجهات الفكرية والسياسية ليس فقط من الأتجهات اليسارية الماركسية وغير الماركسية بل أيضاً من معظم الاتجاهات غير اليسارية. من أبرز هذه الكتابات كتاب: "الهوية والعنف. وهم المصير" للكاتب البريطاني من أصل هندي الأستاذ بجامعتي كمبريدج وهارفارد الدكتور أمارتيا شين الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998( وهو حاصل على الجائزة فعلاً مثل د.أحمد زويل ونجيب محفوظ وغيرهم وليس مثل المدعيين في بلادنا الذين يرشحون أنفسهم إلى الأبد). ويقوم د.شين في كتابه برفض وتفنيد فكرة تقسيم العالم على أساس الحضارات أو على أساس الأديان أو الطوائف, ويؤكد مستخدماً أمثله تاريخيه وحاضره قويه جداً على أنه لا يمكن تعريف الإنسان ببعد واحد بل أن الإنسان متعدد الأبعاد بطبيعته وطبيعة حياته أياً كان موقعه على سطح الكره الأرضية وأياً كان موقعه الطبقي داخل مجتمعه,رغم الأهمية الكبيرة جداً للوضع الطبقي بالمقارنة بالوضع الديني أو الطائفي. وهذه الحقيقة تنطبق أكثر على المجتمعات والدول, وفى ذلك ما يوحد الناس ويدفعهم للعيش سوياً مع اختلافاتهم التي تصبح إغناءً وتقوية للمجتمع بل ولمجمل البشرية. بينما تقسيم العالم إلى حضارات أو طوائف أو أديان فإنه إلى جانب أنه يؤدى إلى صراع ضار فإنه أيضاً غير صحيح علمياً ومبنياً على أساس خاطئ بأن الإنسان أحادى البعد بينما الإنسان متعدد الأبعاد وهذا التعدد ينطبق بشكل أوسع على المجتمعات والدول. ويؤكد د.شين على أن كل محاولات اختزال الإنسان أو المجتمعات أو الدول إلى بعد واحد قد آلت كلها إلى شكل أو آخر من أشكال العنصرية والفاشستيه وفى النهاية إلى الفشل بعد أن دفعت البشرية ثمناً ضخماً لهذا الجهل وهذه الفاشستية وأقرب مثال على ذلك هي ألمانيا الهتلرية.
والآن أين يقع الكيان الصهيوني من هذه الخريطة؟ إنه ورم سرطاني واستعمار إستيطانى فاشل قائم على أساس عنصري بحت وعلى حرمان أصحاب الأرض الحقيقيين من كل حقوقهم ويرفض أي شكل من أشكال التعايش حتى لو أقدم أصحاب الأرض الحقيقيين على تقديم أي تنازلات. وبعد أن أبدت مجموعة محمود عباس الفلسطينية استعدادها لتقديم مزيد من التنازلات تقدم بمطلبه الأكثر عنصرية الجديد وهو الاعتراف به ككيان يهودي صرف. قمة العنصرية وطمع الاستعمار الإستيطانى الذي يحاول التخلص من فلسطيني 1948 الذين لازالوا داخل الكيان العنصري على أرضهم الفلسطينية لم يغادروها ويتعرضون لكل أنواع الاضطهاد, ومحاولة إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تقره كل المواثيق الدولية وتؤيده الحكومات العربية لأسباب معروفه. إنه كيان طفيلي قائم على حمايته للمصالح الاستعمارية في المنطقة وحماية القوى الاستعمارية له. لذلك فمكانه الوحيد , مهما طال الزمن , هو مذبلة التاريخ وعودة الأرض إلى أصحابها الحقيقيين مع حق أياً من سكان الكيان الصهيوني الحاليين الذين يرغبون البقاء في فلسطين أن يبقوا كمواطنين كاملي الحقوق في دولة ديمقراطية متعددة الأديان , وتساهم جدياً نحو إقامة ولايات عربيه متحدة ديمقراطيه لكل الأديان والأجناس التي تعيش في المنطقة وتقيم علاقات سلام وتعاون مع كل دول العالم غير العنصرية وغير العدوانية.
ولكن هل يعنى هذا التخلي عن فكرة تعدد الأبعاد عندما نصل لمناقشة الكيان الصهيوني؟ والأجابه لا فهو كيان متعدد الأبعاد مثل أي كيان آخر ولكنها, للأسف , جميعها أبعاد عنصريه وفاشستيه رديئة. هل يعنى ذلك أننا نحمل سكان هذا الكيان من الصهاينة اليوم وزر أجداهم وجرائم النشئه؟ والأجابه لا فجرائمهم وعنصريتهم وأطماعهم غير المشروعة تتزايد يومياً حتى يومنا هذا ولا يتوقع لها أن تقل. هل تؤدى هذه الرؤية إلى الكيان الصهيوني إلى التمهيد إلى مجازر عنصريه ضد سكانه من جانب أي قوى عنصريه في الجانب العربي عندما تتغير, أن آجلاً أو عاجلاً ,موازيين القوى ضد مصلحته وتطر القوى الإستعماريه للتخلي عنه؟ والأجابه , للأسف ,نعم ولكنها رؤية حقيقة يدفع ثمنها يومياً الشعب الفلسطيني والمسؤل عن هذه الحقيقة البشعة لهذا الكيان هو الكيان نفسه خصوصاً مثقفيه ومفكريه وسياسيه وبالطبع كل من يدعم أو حتى يهادن هذا الكيان. هل من أمل ضد هذا؟ هنالك احتمالين, الأول ضعيف جداً وهو أن يغير هذا الكيان من سياساته تغير جذري ويتخلى عن صهيونيته وعنصريته وفاشستيته ودوره الخادم للاستعمار في المنطقة وأن يقدم على القبول بدوله ديمقراطيه متعددة الأديان على كامل التراب الفلسطيني. الأمل الثاني الأقل ضعفاً هو أن تصل قوى التحرر العربي أثناء نضالها ضد الاستعمار والصهيونية إلى مواقف فكريه وسياسيه وعمليه متقدمه وراقيه تحميها من الوقوع في أي منزلقات عنصريه متخلفة سواء ضد سكان هذا الكيان أو ضد بعضهم البعض. ومما يقوى من هذا الاحتمال هي الحقائق التاريخية التي تؤكد أن اليهود قد اضطهدوا في كل مكان وجدوا فيه تقريباً , خصوصاً في أوروبا على أيدي النازيين الألمان وأعوانهم, إلا في العالم الأسلامى . ويشير د. شين في كتابه إلى الحقيقة المعروفة عن الوضع الممتاز الذي أحتله اليهود في الأندلس إبان الحكم الإسلامي الراقي الذي أستمر قرابة خمسمائة عاماً, وبعد هزيمة المسلمين وخروجهم من الأندلس على أيدي الصليبين بدء اضطهاد اليهود وهروبهم إلى العالم العربي حيث عاشوا في سلام ووئام مع العرب مسلمين ومسيحيين دون أي اضطهاد ودون أي صراع حتى قيام هذا الكيان الأستعمارى العنصري على أيدي الاستعماريين والصهاينة. ربما كان هذا التعايش الإنساني الراقي ممكناً مرة أخرى عند خروج الصهاينة وأصدقائهم الاستعماريين من المعادلة.
ابشر ... اليهود راحلون باذن الله
رد مع اقتباس
المفضلات