الأيام تمضي وعجلة الزمان تدور، والتاريخ لا يرحم لأنه كالآلة التي تسجل كل صغيرة أو كبيرة، وإذا تتبعنا حركة التاريخ هنا وهناك لوجدنا أن سكان المعمورة في حالة صراع مستمر، مع أنفسهم ومع غيرهم من الأمم الأخرى. ونجد الشعوب ظالمة باغية تارة، وتارة أخرى مظلومة مقهورة. ونجد دائماً فئة من هذه أو تلك تعمل بنشاط في الاتجاه الذي يلائم مصالحها ويحقق أهدافها سواء كانت تلك الأهداف قريبة سهلة أو بعيدة تتطلب المثابرة والاجتهاد.
إن تاريخ أمة الصومال لا يختلف كثيراً عن تاريخ بقية الأمم، وحركته هي جزء ليس بالقليل من حركة تاريخ العالم، إلا أن الفارق أن الصراع في الصومال هو صراع على مسائل مصيرية.
والصراع في الصومال ليس وليد اليوم، ولم يبدأ – كما يظن البعض – بعد الانقلاب على "سياد بري"، لكننا نعلم أن الصومال كانت مرتعاً للحروب والاضطرابات لسنين طويلة يفصل بينها فاصل زمني قصير من الهدوء والأمن والاستقرار.
ونعلم أيضاً أن أوجه الشبه بين الصومال وبين العراق وأفغانستان كبير من حيث التكوين العشائري والصراع الداخلي مع التدخل الأجنبي، فلم تعش الصومال فترة هدوء منذ زمن طويل، والشعب الصومالي اعتاد الحروب وسماع دوي الرصاص والمدافع، وأغلب الشعب مسلح تسليحاً ضرورياً.
ولكن وإن كان الصراع في الصومال ليس صراع أفكار، فهو بالتأكيد صراع على السلطة، وهذا ما يصعب الأمور فيها، وقد حان الوقت لتعرف الاستقرار.
إن هذه الصراعات دائماً ما ينتج عنها تشريد عدد كبير من الأفارقة واضطرارهم للنزوح من بلادهم واللجوء إلى أراض ودول مجاورة قد لا تستطيع توفير القوت الضروري لهم.. ومن هنا تتدخل بعض منظمات الإغاثة الإنسانية تحت شعار رعاية اللاجئين وتعمل على اغتيال وتغيير عقيدتهم.. وكم من الانتهاكات ارتكبت في معسكرات اللجوء.
وعلى أية حال، سنلاحظ سوياً بعد أن ننتهي من قراءة هذا الكتاب أن الأزمة الصومالية ما تزال أبعد من أن نستخلص منها نتائج، خاصة وأن الرصاص لا يزال يتكلم ودوي المدافع يصم الآذان والأزمة لا تزال تتعقد.
ولقد تناول البعض أزمة الأمة الصومالية بالدراسة، وتمتلئ قوائم المصادر والمراجع في نهاية الكتب بالمؤلفات التي عملت جاهدة على توضيح الأزمة وتعريتها، ومحاولة إزاحة الستار عن بعض أسرارها، ولكن لم يستطع أياً من هؤلاء الكتاب الاستمرار في تتبع الأزمة أكثر من بداية التسعينيات مع قيام منظمات الإغاثة الإنسانية بإرسال الدعم العسكري والإنساني للصومال متصورين أن الأزمة سوف تجد الحل. ولكن الأمر كان أخطر من أن يتصوره عقل، وكلما ظهرت بادرة أمل على الساحة يأتي ما يعكرها. ومن هنا سحبت العديد من المنظمات والهيئات أيديها من تلك الأزمة لأنها – بتصوراتهم - من النوع الذي لا حل له.
ومما لا شك فيه أن السبيل الأمثل في هذا المجال. هو العمل المستمر لتعرية أهداف أعداء الأمة العربية، والعمل من أجل دعم استقرار المجتمعات الأفريقية المسلمة وغير المسلمة. ومع أن البلدان العربية مستمرة في محاولة إيجاد حل قاطع للأزمة هناك، إلا أن المجتمع الدولي يتهم البعض منها بدعم الإرهاب في الصومال، ويتوجه هذا الاتهام بصفة خاصة بصورة مستمرة ودائمة إلى الجمهورية السورية ومصر ودولة الإمارات العربية وليبيا واليمن.
إن الأمة الصومالية مهزومة ذاتياً، ولا تستطيع رؤية جوانب القوة الكامنة فيها مع حساب احتمالات الانتصار في مواقف مختلفة. يجب أن يشعر الصومالي بأنه يعيش على أرضه بغض النظر على أي انتماءات عشائرية. يجب أن يشعر بأنه يستحق أن يعيش في بلد حر موحد، بلد يختار بنفسه نظام حكمه الذي لا يمكن معه أن يقوم أي صراع على السلطة. يجب أن يتفوق الانتماء إلى الوطن على الانتماء إلى قبيلة أو فصيلة عسكرية، خاصة وأن العيون تتربص بالصومال حالياً أكثر من أي وقت مضى لأن أهمية الصومال الاستراتيجية تتزايد باستمرار مع ظروف الحرب الأمريكية في الشرق العربي، وبالتالي فإن الأزمة الصومالية تمثل الخطر المزدوج، فهي خطر على القوات الأجنبية في الشرق العربي وخطر على الشعب الصومالي إذا ما قررت تلك القوات تأمين وجودها بتوجيه ضربة وقائية إلى الصومال، وفي الحالتين سوف يدفع الشعب الصومالي الثمن غالياً.
وفي النهاية، أشكر كل مصري وعربي غيور على مصالح بلاده وعروبته، التي تلتقي الآن ومئات الأفكار الهدامة، كان الله في عوننا، وعون حكوماتنا العربية، وليساعدنا الله جميعاً في محاولاتنا لصدها ومواجهتها.


وائل إبراهيم الدسوقي يوسف
مؤلف كتاب (الصومال.. قصة التحرر من الاستعمار والحرب على الإرهاب)
لكم مني كل الحب والامتنان
waileldesoky@yahoo.com