Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
زهرةُ الياسَـمـين

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: زهرةُ الياسَـمـين

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/11/2007
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي زهرةُ الياسَـمـين

    امرأةٌ أربعينية, قصيرة, سمراء, لامعةُ العينين, شديدةُ التوقّدِ, ليس فيها ما يلفتُ النظرَ, ومع ذلك فهى تملأُ السمعَ والبصرَ وكأنَّها جمرة نار فى ليلٍ شديدِ البرودةِ والظُّلمة؛ فهى مبعثٌ للدفءِ والنورِ معاً.
    حكايتُها تعرفها القرية, ولكننى التقيتها فى منزل أختى, فكنتُ أرى وأسمعُ تجسيداً حيّاً لفصولِ قصةٍ غيرِ معتادةٍ.

    فى قريةٍ تلتوى فيها الألسنةُ بعدة لهجاتٍ بدوية وصعيدية وقروية تتحدث هى وحدُها بلهجةٍ قاهريةٍ محببةٍ مختلطة ببعض كلمات بدوية لم تنسَها منذ كانت ذات أربعِ أو خمسِ سنواتٍ. فقد استقرت لدى عائلتِها بالقرية بعد سنواتٍ طويلةٍ جداً من العمل فى القاهرة كمربِّيةٍ لدى عائلةٍ قبطية ثرية تضرب جذورُها فى أعماقِِِ الصعيد. كبُرت بين ربوع البيت الدافىء محاطةً بحب الأب والأم والأبناء الذين اعتبرتهم إخوتَها. حكت لى كيف إنها فُقِدَت وهى صغيرة, وتم العثورُ عليها لدى العائلة القبطية. قالت: "كنتُ أصرخ رافضةً العودة مع أبى؛ فقد بهرتنى حياتُهم. ثم انتقلتُ معهم للعاصمة بعد اتساع نشاطِهم وأعمالهم, وذلك بعد تسويةِ الأمر مع والدى الذى وافق على عملى لديهم ورعايتهم لى فى المقابل. ثم.. هاهى المدنيّة والحضارة وهذا العالم الذى انفتحت أبوابُه على مصاريعِها أمامى: الملابسُ, مصفّفو الشعر, النوادى, المصايف, الأحياءُ الراقية, وحتى نجومُ السينيما, كل ذلك كان جزءاً من حياتى. فى احتفالات رأسِ السنة, كنت أستيقظ من نومى لِأجدَ هدايا بابا نويل- قالتها بلكنةٍ فرنسيةٍ- مخبَّّأة تحت السَّرير. كنت أحضرُ معهم قُدَّاساتِ الأحد والأعيادَ القبطية, ولم أشعر يوماً أننى مختلفةٌ عنهم إلا عندما أهدتنى أمى القبطية سجَّادة صلاة وأوصتنى بالحفاظ عليها.

    ولكنَّنى استيقظت يوما, على طريقة أهل الكهف, لأجد أننى على أعتابِ الأربعين: تذكّرت أمى فى القرية والتى كنتُ أزورُها من وقتٍ لآخر. هى الآن مريضةٌ, وحيدةٌ بعد رحيل أبى عنها واستقلال إخوتى كلٌّ بحياتِه الخاصة. ولكننى لا أكتُمكِ سراً- قالتها وهى لاتُخفى دموعاً قد تحدّرت من عينيها- أشعرُ بحنينٍ للصخَبِ الذى كنتُ أحياه ولا يزالُ ينتظرُنى, ولكن من العدلِ أن أُقاسمَ عائلتى بعض الشقاء وقد استحال عليهم أن يشاركونَنى بعض الترف. سأظل هنا فى القرية حيث السكونُ والعزلةُ والغربةُ.. أمى لا تشعرُ حتى بوجودى؛ فهى صمَّاءُ, وعلى اتِّساع عينيها لا ترى النور, تأخذ طولَ الغرفةِ وعرضَها جيئةً وذهاباً تحبو كالأطفالِ, تنام جُلَّ النهارِ, أسمعها تحدث أشخاصاً لا أحدَ يراهم, ربما يكونون قضَوا نحبَهم".
    انتهى حديثها لى, وبعد أن تناولَتِ الغداءَ, جاءت للجلوس بجانبى أمام التلفاز.. ثم تسلَّل ذراعُها بخفّةٍ ليطوِّقَنى من ظهرى, والتقى ذراعاها فى عناقٍ دافىءٍ لى, و سرت فى أوصالى تلك الحرارةُ المعتادة التى أشعرُ بها كلّما غمرنى أحدُهم بعاطفةٍ صادقةٍ, أحسستُ بسخونتِها فى وجنتَىَّ تم سرت فى جسدى كلِّه, وانتزعتُ من شفتىَّ ابتسامةً على استحياءٍ ولم أنطق بكلمةٍ.

    لا أعرف لماذا تذكرتُ لحظتَها زهرةَ الياسمين نجميّة الشكلِ: لتلك الزهرةِ خمسُ بتلاتٍ ورائحةٌ قوية سريعةُ الانتشار تخترق الحواسَّ وكأنها جزءٌ منها, حتى فى فصل الشتاء وقد نَدُرت وتناثرت على الأغصانِ وتبدَّل لونُها ليتحولَ من الأبيضِ الزاهى للأصفرِ الباهتِ, فإنَّ رائحتَها لا تغادر النطاق الذى وُجِدت فيهِ فتَخالُ أنك فى طريقِك لدخول طوقٍ من مجالٍ مغناطيسىٍّ شديدِ الجاذبيةِ, شديدِ الحُلولِ والاقتحامِ. تلك المرأةُ كانت أيضاً زهرةَ ياسَمين.


  2. #2
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    العزيزة / أمل
    امرأةٌ أربعينية, قصيرة, سمراء, لامعةُ العينين, شديدةُ التوقّدِ, ليس فيها ما يلفتُ النظرَ, ومع ذلك فهى تملأُ السمعَ والبصرَ وكأنَّها جمرة نار فى ليلٍ شديدِ البرودةِ والظُّلمة؛ فهى مبعثٌ للدفءِ والنورِ معاً.كان هذا المقطع هو بداية قصتك .. ولكن ألا ترين أن هناك تناقض شديد بين أنها لا تلفت النظر ، ومع ذلك فهي ملأ السمع والبصر .. أى أنها تلفت النظر ,, فقد لفتت نظر القاصة حتى وصفتها كجمرة النار .
    أسلوبك علي العموم جيد وجزل ، ويمكنك أن تكتبي بتقنية أعلى ، لو قرأت أعمال الآخرين المتميزين بالمنتدي ، وما تناله يدك من قصص قصيرة .
    خالص ودي


  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي

    عزيزتى أمل عبد الله
    فى لغة قوية جاء نصك الأول فيما أظن فلم يسبق أن قرأت أعمالاً لك بهذا المكان ..الأسلوب جيد وانت إجمالاً كاتبة واعدة بالرغم من أن النص يقوم على حكاية مسطحة بعض الشئ ولذلك أميل إلى تصنيفها كخاطرة أو مقال أكثر من تصنيفها كقصة قصيرة لأن الأحداث تمضى فى خط مستقيم بلا إلتواء يدخلها فى زمرة القصص القصيرة ، أضم صوتى لصوت الأخت فايزة فى النصيحة الثمينة التى أهدتها لك ..تقبلى تحياتى.
    دكتور/ محمد فؤاد منصور
    الأسكندرية
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/11/2007
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله
    لم تكن بطلتى بالفعل لافتة للنظر لأول وهلة تقع العين عليها.. لم يكن وصفى لها بأنها "جمرة نار" إلا إرهاصا لما سمعته عن قصتها من أهل القرية, والذى كللته بالفعل نظرة لها اخترقت, ربما, إلى داخلها لتشعر بذلك الدفء الإنسانى ملىء السمع والبصر.. شكرا لمرورك الكريم ونفحة الود التى استقبلت بها أول مشاركاتى.. لك ودى


  5. #5
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/11/2007
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الدكتور محمد فؤاد منصور
    أضاف تعليقكم والأستاذة فايزة شرف الدين إلى خبراتى الضحلة فى مجال كتابة القصة القصيرة.. شكرى الجزيل لنصائح ستكون دوماً بطانة متينة لمشاركاتى القادمة.. لكم تقديرى


  6. #6
    مشرف المنتدى الإسباني الصورة الرمزية صلاح م ع ابوشنب
    تاريخ التسجيل
    28/08/2007
    المشاركات
    1,241
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاخت امل عبد الستار
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحكاية كتبت بأسلوب المقال ، أو الخبر ، ولذلك جاءت كلقطه طبيعيه بلا رتوش ولا مونتاج ، وهكذا فعلت الكاتبه ، ولذلك جاء النص صحافى خبرى اكثر منه روائى قصصى .. فى مفهومى ان عبارة :" ليس فيها ما يلفت النظر ، ومع ذلك فهى تملأ السمع والبصر ـ فانى اعتقد ان الكاتبه ربما أرادت أن تنوه الى انها لا تلفت النظر من الناحية الجماليه كأمرأة - وانما شهرتها كانت بسبب ثقافتها اذا قورنت بثقافه نساء قريبتها ، والكاتبه لم تقل انها كانت مشهورة على مستوى مدينة كالقاهرة مثلا ، وانما قصدت فى ظنى ان شهرتها كانت على مستوى قريتها ، وهذا شىء منطقى جدا . هذا ما فهمته من النص . صلاح ابوشنب


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •