متعة المشاهدة واللقاء

أفكر..
دائما في الصورة، وأسافر مع خيالي في محاولة لتكميل الخطوط الأولية التي أحصل عليها من سطور الوصف في القصص، أو المعلومات المتاحة عن أشخاص الواقع. وعندما أقرأ عن بطل تبهرني صفاته، أتمنى أن أكون معه، وعندما أقرأ لكاتب متميز، يأخذني بعلمه وقدرته.. أتمنى أن أراه، أن أجالسه، أسمعه.. أو حتى أن أستمتع بصمتي معه !!

فكرت في نفسي : لماذا أفكر بهذا الشكل ؟ ألا يكتمل الاستمتاع إلا بالمشاهدة ؟!
امتدت لحظات صمت طويلة، سافرت بأفكاري فيها.فكرت فيمن أتمنى لقاءه وإن في منامي. فكرت بحبيب الله ورسوله، محمد "ص".
وفجأة قمت، ودخلت المكتبة. بحثت عنه في طيات الكتب. وجدته..
ورحت أتخيل.

كان رجلا عظيم الهيبة، حتى أنني ومع الشوق العارم للقائه، صمت رهبة وأنا أتأمله بعين غير مصدقة.
نظرت إلى وجهه. كان وجها أبيض أنور من البدر، مع بعض الحمرة في الخدين، تعلوه بعض حبيبات العرق اللؤلؤية التي يفوح منها طيب أطيب من المسك!
كان يغطي شعره الأسود بعمامة عربية جميلة، تغطي جزءا من جبهته النورانية الواسعة التي تعلو حواجب دقيقة، كثيرة الشعر، شديدة السواد، تقوسها ملحوظ.
أشرقت ابتسامة في عينيه، تلك العينين السوداوين الواسعتين اللتين تشوبهما حمرة مميزة، وتحميهما رموش طويلة كثة، ما أظن أن شاعرا تغزل بالعيون كان قد شاهد أجمل منهما !
نزلت ببصري إلى أنفه المضيء. أنف فيه طول مع احدوداب بسيط في وسطه، وارتفاع في الأرنبة.
تذكرت قول حسان، فاستعرت كلماته وقلت:
فأجمل منك لم تر قط عيني وأكمل منك لن تلد النساء

فزاد تبسمه وانفرج فمه الواسع الجميل عن أسنان مفلوجة مفروقة، شديدة البياض والبريق.
مددت يدي إلى يده. أمسكتها، كانت ضخمة ناعمة كالحرير. قلت له:
يا رسول الله ، هل لي بشربة من يدك الكريمة ؟
يا حبيبي، يا حبيب الله ، هل لي بمجاورتك في الجنة ؟؟

سالت دموعي وأنا أتخيل، فعلمت علم اليقين أن المتعة لا تتم إلا باللقاء والمشاهدة، وأن الظمأ لا يزول إلا بتلك الشربة التي أسأل الله أن أنالها.