بمناسبة ذكرى ميلاد أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم


حسن خُلُقه عليه الصلاة والسلام


إن أعظم احتفال بهذه الذكرى العطرة، هو الاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أخلاقه.
ذلك أن الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها، فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخلق؛ وهو الاعتدال في قوى النفس وأوصافها، والتوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها؛ فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الانتهاء في كمالها، والاعتدال إلى غايتها، حتى أثنى الله تعالى عليه بذلك فقال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم: 4.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن، يرضى برضاه، ويسخط بسخطه.

وقال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا. (البخاري: 6203).

وقد حكى أهل السير أن آمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولد حين ولد باسطا يديه إلى الأرض، رافعا رأسه إلى السماء.

وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم: (لما نشأت بُغِّضت إليّ الأوثانُ، فعصمني الله منها، ثم لم أعد).

وأخلاقه المحمودة عليه السلام وخصاله الجميلة كثيرة، سأذكر بعضا، وأترك لكم أبنائي الأعزاء ذكر البعض الآخر.


أولا: حلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم


أما الحلم: فهو حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات. والاحتمال: حبس النفس عند الآلام والمؤذيات. ومثلها الصبر، ومعانيها متقاربة. وأما العفو: فهو ترك المؤاخذة.
وهذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) سورة الأعراف : 199.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عليه السلام عن تأويلها، فقال له: حتى أسأل العالم.
ثم ذهب فأتاه، فقال: "يا محمد، إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك".

وقال له: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) سورة لقمان: 17.
وقال تعالى: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) سورة الأحقاف: 35.
وقال: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) سورة النور: 22.
وقال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) سورة الشورى: 43.

ولا خفاء بما يؤثر من حلمه واحتماله، وأن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.

وللحديث بقية..