آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الشاعر الألماني "يؤاخيم رِنغِل ناتس"-دراسة وترجمة - د. شاكر مطلـق

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الدكتور شاكر مطلق
    تاريخ التسجيل
    01/04/2007
    العمر
    86
    المشاركات
    259
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي الشاعر الألماني "يؤاخيم رِنغِل ناتس"-دراسة وترجمة - د. شاكر مطلـق

    الشاعر الألماني
    " يؤاخيم رِنغـِل ناتْس "
    ( 1883- 1934 )
    دراسة وترجمة: د.شاكر مطـلق

    إن المكانة التي شغلها " رِنْـغِـل ناتس " الشاعر – الرسام – الممثل الغنائي ، على الكثير من مسارح ألمانيا – سويسرا - فيينا – براغ ، هي مكانة من الصعب تحديدها إذا ما التزمنا معايير أدبية كلاسيكية لذلك ، حيث لا يمكن – حسب رأينا – تقييمها بشكل صحيح دون فهم للظروف الحياتية الاجتماعية التي عاشها الشاعر شخصياً والتي عاشتها ألمانيا بشكل عام في مطلع القرن العشرين ، ودون إظهار البعد الإنساني العميق للشعر في قصائده التي قدمها لنا بقالب غير مألوف ، قالب ساخر مغرق في النقد والتهكم المكشوف والمبطن ، متلاعباً بالألفاظ كما يتلاعب الممثل في السيرك بكراته : قاذفاً إياها في الهواء ببراعة وهدوء ، محوطاً بجو من الموسيقى الصاخبة ، غير الجدية ، مثيراً الدهشة عند المتفرجين ولو لفترة قصيرة حتى يبدأ عرض المشهد الذي قد يطير بالمتفرج
    ( القارئ هنا ) بعيداً كل البعد عن المشهد الأول وينقله فجأة من انفعال معين إلى آخر ، كأن تعرض مثلاً مشاهد للدب القطبي المروَّض ، وفجأة من أفريقيا البعيدة تعرض مشاهد للفيلة أو الليوث ، وتغادر السيرك وتبقى الانطباعات عن تلك المشاهد عندك تتراوح بين العجب والدهشة واللامبالاة دون أن يخطر ببالك الجهد والمعاناة والتمارين الشاقة التي لزم القيام بها حتى تمكن الممثل من أن يقدم لكَ تلك المشاهد القصيرة التي تبدو سهلة ظاهرياً وهي صعبة عملياً ( السهل الممتنع ) .
    هذا هو حال الشاعر " يؤاخيم رنغل ناتس " في قصائده الجميلة ‘ التي تبدو سطحية – مسلية – ساخرة – لكن فيها نقد ذاتي كثير وعميق بحيث تبدو وليدة نزوة عاطفية عابرة ، وإن كانت غالباً ، بل وفي معظم الأحيان ، وليدة معاناة إنسانية عميقة وحزناً ساخراً واحتقاراً لمجتمع القشور والمظاهر ، وهي عند الشاعر رحلة الاغتراب في الذات – رحلة الاغتراب في المجتمع وفي الحياة .
    يظهر " رنغل ناتس " بلباس رسمي وقبعة سوداء ، ثمِلاً بعض الشيء ، في إحدى حفلات ما يسمى بالمجتمع الراقي ، ويسبّب ظهوره المفاجئ هذا حرَجاً لسيدة البيت الثرية ، لأنه شاعر العامة – شاعر الشعب – شاعر الحانات الرخيصة والتعابـير القاسية بل البذيئة أحياناُ ، فتتقدم سيدة البيت نحوه وتأخذ به جانباً وتقول له : " لا أذكر يا سيدي بأنني قمت بدعوتك لهذا الحفل "
    فيجيبها " رنغل ناتس " بدعابته الساخرة المعروفة:
    " سيدتي إنك ليس فقط لم تقومي بدعوتي ، ولكنني طبعاً قمت برفض تلبية دعوتك " .
    هذا هو " رنغل ناتس " يعجب به الكثيرون ولكن في ظهوره إحراج لا يليق بمجتمع متزمت ،كمن يقرأ مجلة "بلاي بوي " من المثقفين أو ممن يدعون كونهم كذلك ، ويتظاهرون أنهم اشتروها ، ليس لرؤية صور الأجساد العارية الجميلة تتمدد على صفحاتها الصقيلة ، وإنما لقراءة مقابلة للفيلسوف هربرت ماركوزه مثلاً أو لقراءة تحقيق عن حياة طبيب الغابات – كما يسمى - " ألبرت شفَـيْتسَر " الذي وهب حياته لعلاج مرضى الجُذام في أفريقيا .
    المهم أن تجري عملية التمتع بشعره الساخر النقدي في الخفاء ، كأن توضع أشعاره بين طيات كتاب يحمل اسم " غوته " أو " هاينرش هاينه " أو " آيشندورف " وللتمويه فقط .
    هذا المدخل – حسب رأيي - ضروري لفهم شعر وإبعاد هذا الشاعر الرائع ، والروعة هنا حكم غير علمي ، فأنا لا أقول عن عمد :
    " الشاعر العبقري واسع الأفق والشاعر الخالد ليس لعدم اعتقادي الشخصي بوجود ملامح لهذه الصفات عنده ، ولكن لأن هذا سيكون ضد رغبة الإنسان فيه كما يريد له أن يكون .
    ابتدأ الشاعر حياته كصبي يعمل على سفينة ، وأصبح ما بين 1914 – 1918- أي خلال الحرب الكونية الأولى - بحاراً ثم قائداً لمركب كاسحٍ للألغام .
    في عام 1921 حقق نجاحاً باهراً على مسرح برلين الناقد المسمى " صدى ودخان " من خلال عرضه مسرحية " هانس فون وولتسوغنس " ، وتتالت عروضه المسرحية الناجحة وأعماه الشعرية التي وصلت ذروتها في قصائده شديدة السخرية ، لاذعة النقد المسماة " قصائد التمارين – السويدية " ، وكذلك في الشخصية التي ابتدعها لبحار ما أسماه " كوتّل دادِّل دو " ، هذا الاسم الغريب حتى على الأذن الألمانية ، كان قريباً من مشاعر ملايين العمال وبخاصة البحارة منهم وأولئك الذين يرون صورة أنفسهم تخرج من بين شفاه هذه الشخصية ، وهي تتجول في طول البلاد وعرضها : في احتفاله بأعياد الميلاد على طريقته الخاصة ، في تجواله بالميناء ، في عجزه عن الابتعاد عن السفينة وعن عالم الميناء لدخول أرض بدون أمواج وركوب القطار أو الحافلة ، في حنانه وعطفه على الأطفال الكبار ، وفي قصه الأساطيرَ المبتدَعة منه عليهم ، وعلى طريقته الخاصة :

    يحيُّونه بمختلَفِ اللغاتِ
    لأنهم من مختلف أصقاع الأرض والشّعوبِ
    فهو البحار دائمُ التّنقـّلِ
    ( الذي )يضع يديه في جيبهِ
    ليخرجَ لهم هديةً ما
    يحملها دوماً معه
    زجاجةً من الويسكي ، مسدّساً
    ويعطي كلاً منهم دولارينِ
    ويعطيهم ما جمعه في أسفارهِ :
    " أنيابَ الفـيلة من " الكَمرون "
    دجاجةً من " المَلايا "
    مطبوخة بالكونياكِ
    من " التّيبيت "( يعطيهم ) قصةً من
    " كارل ماي "
    رباطَ عنق ( يعطي )لأحدٍ
    ( من شعب ) " الإسكِمو "
    مصنوعاً من شَعر زرافةٍ
    وقطعةً متحجّرة من جمَلٍ ما .
    يعلّمهم :
    " كيف يرقصونَ
    كيف يصنعونَ السفنَ ، ويمضغون التُنباكَ
    وأحياناً ، بغياب نسائهم عنهم ،
    يَشم لهم مِرساةً
    وطيباً على أيديهم وأرجلهمِ
    ويتابع حكاية الأساطيرِ
    التي يختلِقُها بمرح لهمُ
    ويشرب الخَمرةَ بكثرةٍ .

    وتمر الساعات ( ... )
    الأطفال يبكونَ
    الفتيات يثقُـل كلامهّنَّ
    الأمُّ ، منذ فترة ، تحت الطاولةِ ( من شدّة السَّـكَر )
    وكان هو ( قبْلَها ) قد تقّيأ مرتينِ
    وحتى لا يزعج هذا الهدوء أكثر من ذلكَ
    يترك المرأةَ وأولادَها
    وينسَلُّ بهدوءٍ
    ويبقى يفكر ّ
    لساعات بعد اجتياز ( سفينته ) "صيقيليّةَ "
    بـ ( تلك )الساعات الحزينة الآسرةِ ...
    =============
    كما رأينا في هذه الصورة الحزينة ، فالشاعر هنا شديد الارتباط بأولئك الذين لهم مشاكل حياتية تشابه مشاكله هو ، وهم غالباً من الضائعين والبؤساء الذين يعيشون على هامش الحياة الاجتماعية ولكنه يعتبرهم أسرةً له .
    أقدم الآن أنموذجات من شعره الذي يصعب عليّ جداً – أحياناً- ترجمته بدقة لسببين- حسب رأيي -:
    1- خاصية اللغة التي يستعملها والتي يصعب حتى على الكثيرين من الألمان فهمَها بشكل دقيق ، فهي رموز تخفي وراءها عوالم كاملة وقد تعبر فعلاً كلمة واحدة فيها عن حالة إنسانية يتطلب شرحها الصفحات العديدة .
    2- إن الشخصيات التي يحركها " رنغل ناتس " على مرايا قصائده ، والتي تعبر في النهاية عن مشاعره وأفكاره أيضاً ، هي أنماط بشرية حية تعيش حياتها الخاصة على مسرح الحياة ، ولكن ليس من السهل على من لم يتعرّفْها عن قربٍ ، أن يفهمَ كلماتها وتصرفاتها المتناقضة الغريبة .
    رغم ذلك ،وبعد أن قضيت أعواماً عديدة – ستة أعوام - من حياتي في نفس الأماكن التي عاش فيها الشاعر وتعرفت نفس الحانات التي كان يلجأ إليها في ميناء " هامبورغ " على نهر الإلبه شمال ألمانيا ، وهي لا تبعد غالباً عن السفينة الراسية إلا مسافة قليلة ، وتعرفت هناك وجوه العمال ، بناةِ السفن ، والبحارةِ والأفَّاقين العاملين في تلك الأماكن التي يلفها ضباب " هامبورغ " في الليالي الباردة الحزينة – السعيدة .

    سأحاول - إذن - القيامَ بهذه المهمة الممتعة الشاقة :

    مختارات من شعر :
    " يؤاخيم رِنْغـِلْ ناتْس "

    " طابعٌ بريديٌٌّ مذَكَّرٌ "

    طابع بريدي مذكرٌ
    عاش شيئاً جميلاً قبل أن يلتصقَ
    لقد لحَسته أميرةٌ جميلةٌ
    فأيقظت بذلك فيه الحبَّ .
    لقد شاء أن يقبّلها مرة أخرى
    ولكن كان عليه أن يسافرَ
    وهكذا أحبها عبثاً
    هذه هي مأساةُ الحياة ِ.
    ===========
    كما نرى الصورة هنا بسيطةٌ جداً ، قد تبدو ساذَجةً :
    فتاة تلصق طابعاً بريدياً على رسالة ما ، ولكن " رنغل ناتس " يخلق من هذا حدثاً ، يعرضه علينا بشكل طريف وجميل ، يختزل الشاعر فيه حالة معقّدة : صدفة اللقاء-تأجج مشاعر الحب- الفراق القَسري - المأساة الوجودية .
    الآن نقدم قصةَ حب غريبة عبثية ، وهي صورة أخرى من نفس الأنموذج السابق:

    " علبة نُشوق - ( سُعوط ) "

    كانت هناك علبةٌ للنُّشوقِ
    حفرها ( القيصرُ ) فريدريشُ الأكبرُ
    من خشب شجرة جَوْزٍ
    وكانت - طبعاً - فخورةً بذلك
    فجاءت ، زاحفةً ، دودةُ الخشب إليها
    واشتمّت رائحةَ خشب الجَوْزِ
    فحدثتها العلبةُ بإسهاب عن " فريدريش الأكبر "
    وعن عصرهِ
    حدّثتها عن كرَمهِ
    فأصبحت الدودةُ عصبيةً وقالت :
    - فيما ابتدأت بحَفْرِ العلبةِ - :
    ماذا يعنيني "فريدريش الأكبر" ؟ .

    النّملُ
    لكي نفهمَ هذه القصيدة ، يجب الإشارة إلى أن اسمَ " ألتُنا " ، الوارد في النص ، هو اسمٌ لإحدى ضواحي مدينة " هامبورغ " التي يصلها بالمدينة شارعٌ طويلٌ جداً يسمونه ( شوسيه ) .
    " في هامبورغ عاشت نَملتانِ
    أرادَتا السفرَ إلى أستراليا
    في " ألتنا " على الشارع الطويلِ
    آلمتهُما أرجلهُما
    فاستغنَتا – حكمةً منهما –
    عن الجزء الأخير الباقي من الرّحلةِ .

    الروعة في هذه القصيدة تكمن في عنصر المفاجأة والسخرية فيها : أي في القرار الحكيم منهما بإلغاء الجزء الأخير المتبقي من رحلة تبعد آلاف الكيلو مترات منهما ، بعد أن سارا بضعة أمتار فقط .
    بنفس هذه الروح الساخرة يتحدث الشاعر في قصيدة صغيرة أخرى عن " البوميرانغ " ، وهي آلة للصيد عند سكان أستراليا الأصليين _ " أبوريجِينيس " - تُصنع من الخشب ، مقوسة قليلاً ،تعود من حيث قذفتها اليد إليها إذا لم تصطدم بالطريدة وتصرعها .
    لنستمع إلى ما يقوله لنا عنها بأسلوبه المعروف:



    " بوميرانغ "
    كان هناك " بوميرانغ "
    كان طويلاً بعض الشيءِ
    طار مسافةً قصيرةً
    لكنه لم يرجعْ ( إلى يد قاذفه ) .

    الجمهورُ – ساعات بعد ذلك –
    ما زال ينتظر عودةَ " البوميرانغ " .

    لننتقل الآن إلى صورة أخرى يصور فيها امرأة عجوزاً تبحث في القمامة عن أشياءَ للجمع .
    نقتطف الجزء الأخير من القصيدة حيث يقول :

    " ماذا كانت حياةُ هذه الساحرةُ ( الشّمطاءُ ) ؟
    ربما كانت قد تكلّمت باللاتينيةَ ،
    ربما قامت وصيفةٌ ( لها )
    بطلاء أظافرها ( في يوم ما )
    ربما زحَفت – منذ ألاف السنين َ
    كدودة الأسكاريس ( حية البطنِ )
    في أمعاء أحد سكان المرّيخ ...

    أما ذروة قصائده فيمكن لنا أن نبحث عنها – حسب رأيي - في أشعاره حول المرأة ، وهو البحار الثَّمل الذي يسير بحثاً عن إنسان يشاركه أحزانه ، ومن ترى يكون هذا غير المرأة ؟.
    هذا ما نجده في قصيدته الرائعة التي يمكن ترجمة عنوانها بحرية - مع الحفاظ على المضمون -كما يلي .

    غريب يشاكِسُ امرأةً متبّرجةً
    ( مومَسٌ )

    مساء الخير أيتها الجميلةُ المجهولةُ
    إنها التاسعة والنصف ليلاً
    هل تتفـضّلين ، لطفاً منك ،
    بمرافقتي ، لننام معاً ؟
    - من أنا ؟؟
    تقصدين ماذا أسمّى ؟
    يا طفلتي الحبيبةُ
    سوف أكذب عليكِ
    لأنني سوف أهديك ثلاثةَ جنيهاتٍ .
    أنني لا أقبـّّل أبداً على الفمِ
    وأنني منا كلينا ، الأدهى
    غير أنه بإمكانكِ
    مقابل ثلاثة جنيهات أخرى
    أنْ تخدعيني
    صدّقيني يا طفلتي الحبيبةُ
    مَنْ كان في " زنجبار " و "تيروليا "
    ومن كان في سجون " كالكوتّا " مرةً
    يشعر عندئذ ، بأنه لا يعرفُ
    ما أشدّ غرابةَ الناسِ .

    شرفُـكِ مثلاً
    أنه ليس كما عند " بطرس الأكبر "
    وبالمناسبة لقد كنتُ
    - اِهدِني هذا الشريطَ الأصفرَ -
    في " ألتُنا " على ( نهر )الإلبهْ
    أزيّنُ واجهاتِ المتاجرَ .

    هل سمعتِ الصّفيرَ
    إنه لشركة " وِلْسون " البحريةِ
    - نعم ؟؟
    إنني سكرانٌ قليلاً ؟؟
    أوه ، لا – لا –
    إنني ثمِلٌ إلى أبعد الحدودِ
    وإنني مجنون خطير كالكلابِ
    ولكن ستةُ جنيهاتٍ تستحق المخاطرةَ،
    اُنظري
    فسوف أهديكِ أشياءَ غريبةً ومسلّيةً
    أنا أعرفُ ، سوف تضحكينَ
    أنا أعرف ، إنها ستجعلكِ أيضاً حزينةً
    بالرغم من أنكِ لا تفهمين منها شيئاً
    وأنا كذلكَ
    سوف تعطيني ثقتكِ فيما بعدُ
    وأنت بالثياب الداخليةِ
    الفتيات أمثالك يثقن بيَ دوماً
    إنني مبنيٌّ بشيءٍ من الاعوجاج في هذه الحياة
    حيث كلّ شيء غامضٌ وغريب عليَّ
    هناك تسكن أمي – هُراءٌ
    أرجوك أن ترفعي صوتكِ .

    إنني خزانةٌ ( كومودة ) قديمةٌ
    غالباً ما انصب عليها الحبرُ والنّبيذُ
    أحياناً تغلقُ برفسةٍ من القدمِ
    كمْ سيتمتّع مبتسماً ذاك الذي
    سيكتشف بعد موتي َ
    المخبأ السريّ فيها ؟
    آه أيتها الطفلةُ ، لو أنك تعرفينَ
    كم هي لذيذة شطيرة البيض " كونِغْز بورغر "
    إنّ هذه ليست بمزحةٍ حقاً
    وأنني غير سعيد حقاً
    وأنه لا قلبَ حقيقيَّ لي
    إنني مهرّج صغير وبذيءٌ
    إن قلبيَ الحقيقي في مكان آخرَ
    في مكان ما
    من الصّدَف المتكلّس ...
    ==============
    هذه أبرز صورة للمعاناة التي عاشها هذا الشاعر طوال حياته : يضحك ويسخر ألماً ، يعيش لذاته كما تأتي ، فيما قلبه الحقيقيّ بعيد يذوي بين الأصداف المتكلسة فهو لا يفهم الحياة ، وربما لا يريد أن يفهم عبثيّة الوجود وصورَ التناقض التي تفرضها على الإنسان فيقول :

    ماذا يهمّكم إنْ كان أحدٌ يحبّكمُ
    تقطّعون أنفسَكم دوماً
    تسبقونَ ذاتكم هرباً
    هل أنتم مندفعون – ككلّ مندفع–
    ( لـ ) يبقى نقياً ؟

    الفكرة الفلسفية هنا معقدة جداً وقد تعمدت وضع حرف اللام في العبارة الأخيرة ( يبقى نقياً ) ليكون الجسر الذي نستطيع منه العبور إلى أعماق هذه الغابة متشعبة الدروب التي تبرز فجأة أمامنا وبشكل مكثف ، معبرة عن متاهات النفس الإنسانية :
    اللامبالاة – التدمير – القوى الخفية الدافعة للإنسان – الهروب الفردي والجماعي – النقاء فيما بعد ( الخلاص ؟ ) ...
    أوَليست هذه إحدى صور ملحمة " جلجامش " السومرية " حيث سيدُ " أوروك - الوَركاء " يبحث فيها عن " إثنو بتشيم " الخالد – القصي – الذي يحيى عند مصب الأنهار ... ليعرّفه سر الخلود والنقاء والطريق إلى عشبة البئر - عشبة الخلود - التي تعيد له الشباب ، ولكن الأفعى سرقتها منه .
    قصيدة :
    في الحديقة العامة

    غزالٌ صغيرٌ ، كان واقفاً تحت شجرةٍ صغيرةٍ ،
    يحلُمُ بهدوءٍ
    كانت ( الساعة ) دقيقتانِ بعد الحاديةَ عشرةَ ليلاً .
    وعندما رجعتُ ، في الرابعة صباحاً ، إلى هناكَ
    كان ( الغزال ) ما يزال يحلُم .

    بهدوء اقتربتُ منه
    بلا نفَسٍ ، وبعكس الريحِ
    ودفعته برفقٍ :
    فكان من الجِصِّ ...

    هذه القصيدة تذكرنا بـ ( السيمفونية ذات قرعة الطبل ) للموسيقار " هايدن " ، التي تنتزعك فجأة من أحلامك إلى عالم الواقع ، بل تذكّر بإحدى قصائد الشاعر الألماني الكبير " هاينرش هاينه " وهو يسخر من الرومنطيقية ويقول لفتاة مأخوذة بمنظر الغروب :
    يا آنستي ...
    استيقِـظي ...
    إنه حدَث قديمٌ
    هنا في الأمام ، تهبط إلى الأسفـلِ
    وهناك في الخلف ، ترتفع إلى الأعلى .
    --------
    الآن أقدّم شيئاً من انطباعاته ووصفه لبعض المدن الألمانية ، وهذه مقاطع من قصيدة يتحدث فيها الشاعر عن حياته في تلك المدينة ، التي يرسم الميناء أفقَـها ومناخَها، الذي يصعب لمن لم يتعرفه شخصياً أن يفهم أجواءه النفسية ودلالاته المَعيشة – كما ذكرت أعلاه - :
    " هامبورغ "

    آلام الميناء – مجوهرات " الألستَر "(*)
    هذه الأشياء ، عندي
    مفاهيمٌ جاهزةٌ .
    هنا أشرب الجِعةَ صباحاً
    والمِعدةُ ما زالت خاويةً
    أكوّمُ اللحمَ المقدّدَ
    على الخبز الأسود الخشنِ
    وأشعر بنفسي قوياً على كل المعْضلاتِ
    عليّ أن أخجل من نفسي
    إنْ أنا شَكَوْتُ في هذا المكانِ .
    -----------
    *) المقصود هنا الأضواء المتلألئة على ضفاف بحيرة الألستر الاصـطناعية الواقعة في وسط هامبورغ .
    من قصيدة :
    بلدة " مانهايم "
    أبعِدْ هذا الشّرِطيَّ عني
    إنه يقوم بمهمةٍ ضدي
    مع إنني لا أبغي إلاّ أن أصرُخَ
    أصرخ بأعلى صوتي
    وهو يصرخ :
    لا ، لا ، هذا ممنوعٌ.
    ماذا يضير صراخي
    وأنا اليوم نشوانٌ ؟؟
    هذا ما لا تتّسعهُ
    عقول الشّرِطـةِ.
    اُرقبوا أيها الناسُ ماذا سأفعلُ
    لن أقوم بأي سوءٍ
    لو جريتُ الآنَ
    لجرى ، حاملُ السيف هذا
    كالمتوحّش خلفي
    ولكنني أسرع منهُ
    وسوف أصرخ عندها
    بكل طاقتي
    ماذا تفهم الشّرِطة من حالة النشوة هذه ؟

    في القطب الجنوبي
    يحق لكل ليث بحر أن يصرخَ
    بأي ارتفاع يشاءُ
    حسناً ... إنني صامتٌ .

    كما نرى في هذه القصيدة البسيطة - العميقة ،فكل ما يريده هذا الإنسان النشوان هو أن يصرخ من الفرح أو الحزن - سِـيّان -بأعلى صوته ، غير أن قوانينَ المجتمع تحدّ من حريتكَ ، مهما كانت رغبتك مسالمةً ، إنْ كانت مخالفةً للعرف أو القانون الوَضعي .
    أقدّم مقاطع من قصيدة أخرى كتبها عن برلين في - تشرين الأول من عام 1923 - تصور ضياع الإنسان في عالم المدينة الكبيرة :
    برلين

    صباح الخير يا حبيبتي .
    في الأمسِ أراد شقيٌّ أنْ يسطو عليّ
    أراد أن يقتلني وصاحَ :
    ( إليَّ بالنقود ) وأطلقَ النارَ
    وقد أعطيته ( بدَلاً عنها )
    خمسةً على جمجمتهِ
    وقام بذلك ( العمل ) مفتاحُ البيتِ .

    اليومَ توفي في المشفى
    ماذا تراه قد فكر – في الأخيرِ –
    وهو على فراش الموتِ ؟؟
    ماذا عليّ أنا أن أفكرَ ؟
    أيةُ قوى تحرّك المقذوفاتِ
    الحاجةُ – والخطأُ – الدفاع عن النفس والأسفِ ؟
    إن كنتُ أضحكُ ، فإنني سعيدٌ طبعاً
    لأن هذا الشقيّ قد صوَّب خطـأً
    أنا الفقير ، يظنّني من الأغنياءِ ( ! ) .
    ==========
    من برلين أيضاً حيث توجد المقاعد المنتشرة على أكتاف القنوات التي تخترق المدينة . أقدم مقاطع من قصيدة :


    على الأقنية في برلينَ
    على مقاعد الأقنيةِ
    يجلس أناسٌ
    ليخلصوا من عذاباتهم
    أضواءٌ تعبر بسرعةٍ
    آلافُ الوجوه ، تلمَع عابرةً :
    برلينُ
    على سطح المياهِ
    ضبابٌ من " البنزين ِ"
    تحته يكون الأمر أفضلَ
    خلْف الجسرِ
    تطير بعوضةٌ في ثقب الأنفِ
    ثقبُ أنفي
    أُعطسْ إذن
    في هذا الشارع الهادئ
    في الحافلة ، في طابقه العلوي
    ترتجّ عظامي
    تستيقظ كلماتٌ حسنةٌ ( يقصد شتائم )
    تبقى مكتومةً .
    آهٍ ...
    لقد تذكرتُ تلك المرأة ، موزّعة الجرائد
    " فانبلِكس" أو " بلاكس "
    ( كان ) اسمها ( ؟ )
    لها رجفة غريبة في رجلها
    حتى لتعضها الكلابُ .
    على القنواتِ
    على المقاعدِ المظلماتِ
    يجلسُ الناسُ
    الذين سينتحرون غرقاً في الصباح .
    ===========
    يومٌ مُكفَـهِرٌ
    عويلُ النساءِ في البيتِ :
    الطفلُ الميتُ يبدو كالثلجِ
    ذهبتُ مع أخي إلى البحرِ فقط
    اصطدنا الكثيرَ من الدموعَ
    والشبكةُ كانت فارغةً .
    ============
    مقطع من قصيدة تتحدث عن ذبابة عجوز في مدينة " لايبزغ " حرَمته لذة النوم حتى أنه أراد : ( ولو برفق شديد ، أن أقتلها بعض الشيء )
    يقول في النهاية بسخرية :
    أخذتْ مني كلَّ اللذةِ
    إنني لست مستيقظاً ولا نائماً
    كما لو أنّ الرعدَ سيأتي
    هل يصعقُ البرقُ يا تَرى الذبابةَ أيضاً ؟.
    ===========
    من قصيدة :
    بعضٌ من طفولتي
    الأبُ السعيدُ ، حِضنُ الأمِّ
    غرفةُ الأطفالِ ، البيتُ المألوفُ
    قدَمُ خنزيرٍ محمَّرةٍ
    عمتي " روزشِنْ "
    حَلوى طعمها كغراءِ الذبابِ
    عندما أتقيأ في الغرفـة
    يضحكُ أخي كالخنزيرِ
    عندما يضحكُ ، تصفعه أختي
    عندما تصفعُه ، تبكي أمي
    عندما تبكي يصرخُ الأبُ لاعناً
    عندما يلعنُ تشربُ عمّتي النبيذَ
    تهديني قطعةً من الحَلوى
    عندما أتناول الحَلوى
    عليّ أن أتقيأ .
    ==========
    من قصيدة :
    إنه يستحقُّ ذلك فعلاً

    إنه يستحق ذلك فعلاً
    أن نكون لطَـفاءَ بعض الشّيءِ
    وأنْ نضعَ الأمورَ في المستوى البسيطِ
    وليس من الكرَم أن تعذَرَ
    بأن يكونَ للآخرين رأيٌ مخالفٌ
    فعلاً إن الحماسَ طبيعةٌ
    في خير الأمور وشرّها
    ولكنّ عقدةً في شريط الحذاءِ
    لا يمكن حلُّها بدون لطفٍ وهدوءٍ .

    ما دمنا نتحدث الآن عن عقدة شريط الحذاء ، تعالوْا -إذن - نستمع إلى ما قاله " رنغل ناتس " في حذائه بقصيدته اللطيفةِ:
    نعلُ حذائي

    لقد كان قريباً مني دوماً
    نعلُ حذائي
    مع أنني لمْ أنظر إليه إلاّ نادراً .
    لقد حفِظَ سطحَ قدَمي
    عليه التصَقَ عدَمُ الهدوءِ
    والأقذارُ والدّمُ
    وربما بعضٌ من الذّهبِ
    لقد اضمحَـلّ من أجلي
    ولمْ يرَ النورَ إلاّ نادراً
    مَـنْ لا يحبُّ نعلَ حذائـهِ
    لا يستطيعُ أنْ يحبَّ الأرواحَ .

    إنّ قلبي ثقيلٌ منذ أيامٍ
    عليَّ أن أحملَ حذائي إلى الإسكافيِّ
    وإلاّ فلن يستطيعَ حمليَ بعد الآنَ .
    ===========
    من قصيدة :
    هلْ تعلَمُ ؟

    ماذا لو أنجبَ منْ له تسعُ عيونٍ
    وألفُ قدَمٍ ، أطفالاً ؟
    كيف تَرى سيمشونَ ؟
    كيف تَرى سيسيرونَ ؟
    أنا لا أعلَمُ ، أتعلَمُ ؟
    هل تعرف أنْ ظلَّ طائرةٍ
    ماراً فوق البيوتِ – الأشجارِ – الوسائدِ-
    الناسِ- الحيواناتِ – الماءِ
    لا يقاومه شيء ٌواحدٌ؟
    كلنا يعرف لماذا في الأغصان الجميلةِ
    عناكبُ جميلةٌ ، تصنع شِباكاً جميلةً
    ولكنْ هل تعلَم ُ
    ماذا يعني صمتُ إنسان آخرَ ؟
    الآن فيما مضى وفيما بعدُ .
    ===========
    من قصيدة :


    بحارٌ سابقٌ

    آهٍ …
    كمْ أودّ أن أعودَ مرة أخرى
    بحاراً لأجوب الأطلسيّ
    وأعطسَ من أنفي
    - في الطقس العاصفِ -
    قلبي وأغنياتي …
    ===========
    من قصيدة :
    حالةُ كآبةٍ

    السّّكرةُ تذهبُ
    الماءُ يجري
    الوقتُ ينتهي
    وقتٌ جديد يبتدي
    لماذا ، ما الغايةُ ؟

    أتصوّرك ِ، بدون لحمٍ ، فأجدكِ
    هيكلاً عظميّاً ناحلاً وحزيناً
    يا أجملَ الفتيات أنتِ !
    مَن بعثَ هذه التساؤلاتِ ؟
    أهوَ ضيفُنا
    مَنْ لم يسأل يَمُت
    هل هناك إحالة بريدية ( نقود من عمته غالباً )
    " تلغرافٌ "، رسالةٌ جيدةٌ ؟
    عندها تنفّسَ بعمقٍ
    مثل "الأكورديون " .
    =============
    من قصيدة :
    متعَبٌ في برلين

    عندما تهرب الأفكار مذعورةً منكَ
    حتى أنّ ساقاً جميلةً لا تفرحكَ
    ورطوبةٌ عكِرةٌ تنتشر فوقكَ
    تحتَ النجومِ
    فإلى أينَ أنت ذاهب في مثل هذا الوقت ؟
    جميل مثلاً الذهاب إلى حانة "بلْتَسر "
    ولكن المتعبونَ جاحدونَ
    اِذهبْ إلى بيتك واستلق للراحةِ
    فإنك لن تجدَ الكلماتِ
    إذا حادثك أحدٌ ما بلطفٍ
    لأنك أنتَ ، أنتَ
    ولا تستطيع الهروبَ من ذاتكَ
    ضعْ نفسَك بين يديكَ
    عندها تزبُد "برلينُ " المتلألئةُ
    على جدرانكَ الرزينةِ
    سفينتكَ سوف ترحل في البعيد .
    ===========
    من قصيدة :
    المغامر

    ( أيها المغامر إلى أين أنتَ ذاهبٌ ؟ )
    مجتازاً المخاطرَ
    حيث كنتَ منذ آلاف السنينِ
    في الحلُم .
    سأترك نفسي تنساقُ
    في عوالمَ لا يراها إلاّ غريبٌ
    أريد أن أصارع لأنالَ
    أنْ أمسكَ ، أنْ أحيا
    ما يحصل في غير مكانٍ
    الحظّ لا وصولَ إليه أبداً
    يجذبُني مكانٌ بعيدٌ
    تجذبني عتمةٌ خشِنةٌ
    ربما إلى حيثُ اللاوضوحَ الضبابيَّ
    ما كنت قد ملَكتُ
    ما كنت قد عرَفتُ
    أريد أن أضيعَه – أنساهُ .
    سأسافر خلال صدري .

    أقدم الآن قصيدةً رائعةً ، برغم بساطتها الظاهرة للوهلة الأولى ، إلاّ أنها - في رأيي - من أجمل كتاباتة الشعرية الساخرة الحزينة :
    زاويةُ حائطٍ قديمٍ

    أيها الجدارُ القديمُ
    الذي كثيراً ما أبول عليهِ
    لأنه في مكان عاتمٍ .

    بريق سماويٌّ
    ينبعث من شُحوبكَ .
    الرطوبةُ والطحالبُ
    وتقلّبُ الأزمانِ
    أعطتْ لجلدكَ تلك الوجوه المتجعّدة ِ
    التي لا يراها إلاّ شاعرٌ
    أو فنانٌ
    أو أحد ما فقطْ .

    " هل نستطيع حمايةَ أنفسِنا ؟ "
    ينبعثُ منكَ برفق السؤالُ
    آهٍ …
    لا كتابٌ ولا لوحةٌ
    يستطيع هكذا أن يعلّمني .
    ما شاهدتُه عليكَ
    سيبقى بعضٌ منه ( عليّ ) إلى الأبدِ .

    أيها الجدارُ الذي لم يألفْني أبداً
    إنني أحبكَ
    لأنك لا تعطي المَواعظَ
    لأنك لا تُـنهي الأمورَ
    ولأنك لا ترغب أن تكونَ أيَّ شيءٍ
    ولأن البقَعَ عليكَ
    توقظُ عندي الظنونَ
    أنت شعاعٌ للظلِّ .

    لا يعرفون عن ذلك شيئاً
    أولئك الذين يبولون هنا
    ولكنك تومئُ إليّ تعالَ
    ومنذ أنْ عرفتكَ ، يثير عندي لثوانٍ
    قضاءُ الحاجة ، مشاعرَ معينةٍ .
    ==============
    قصيدة أخرى:
    أحبّكِ كثيراً
    أحبكِ كثيراً
    كمْ بودّي لو أهديتكِ ، دون ترددٍ ،
    طوبةً مِن مَوْقدي
    إنني لم أقدّم لكِ شيئاً
    والآن أنا حزينٌ .

    على السفوح المائلاتِ لخطوط القاطراتِ
    تلمع الورود البرية ( غِنْسر ْ )بشكل جميلٍ .
    عبيرٌ طوَته السنونُ
    ولن يُنسى أبداً .
    إنني راحلٌ
    كلُ ما هو طويل البقاءِ
    يتّسم بالهدوءِ .
    الزمنُ يشوه كل الكائناتِ الحَيّةِ .
    كلبٌ يَعوي
    لا يستطيع القراءةَ
    لا يستطيع الكتابةَ
    لا يستطيع البقاءَ .
    إنني أضحكُ .
    إن أهمّ ما في المِصفاة هي الثقوبُ
    إنني أحبكِ كثيراً .
    ==========
    هذه القصيدة الحزينة تعالج مسألةً جدية هي مسألة الموت والفناء ، ولكن الشاعر يقدمها لنا بقالبه الساخر حيث يقول : " إن الثقوب هي أهم ما في المصفاة " ، أي العدم – اللاشيء – الفناء ... وما أروع تعبيره القائل : " إن الزمان يشوه كافة الكائنات الحَيّة " .

    والآن قصيدته الرائعة بامتياز ٍ:
    حصانُ البحرِ
    عندما كنتُ لم أزلْ حصانَ بحرٍ
    في الحياة السابقـةِ
    كمْ كان ذلك رائعاً
    أنْ أتأرجحَ تحت الماءِ
    في الأمواج الحالماتِ
    يتموج كالسنابل شعرُكِ
    يا أحسنَ أفراس البحرِ
    التي هي حبيبتي .

    نغوص ونطفو بهدوءٍ
    نرقص بإيقاع متناسق حول بعضنا بعضاً
    دون أيدٍ ، دون أرجُلٍ ، دون أكُفٍّ ،
    كما تتداخل الغيومُ بعضُها ببعضٍ
    تتهرّب بغُنجٍ ودلالٍ لأمسكها
    حتى ألحقَ بها وأمسكها .

    وضعَتْ لي مرة إبانَ احتضانِها
    بيضةً في جيبي
    نظرتُ بحزنٍ وتظاهرتُ بالفرحِ
    وانقّضتْ على برغوثِ ماءٍ
    وتمسكتْ ، ملتويةً على ساقِ عودٍ ، وقالت هكذا :
    إنني أحبُّكَ
    إنك لا تصهلُ ، لا تُلقي تفّاحاً ( براز الخيول )
    إنكَ ترتدي ثوبا محرْشَفاً بلا ألوانٍ
    ولكَ وجهٌ حزينٌ مجعّدٌ
    كما لو أنكَ تشعرُ
    باقترابِ مأساةٍ ما .

    فريْسةُ البحرِ يا صغيرتي
    " رنغل ناتس "
    متى كان ذلك ؟
    ومنْ سيحزنُ فيما بعدُ على بقايا عظامي ؟
    إنه لأمرٌ يقربني من البكاءِ .
    ( لولو ) حطمتْ ذلك الحصانَ
    المتيبّسَ ، المنكمشَ ألماً ...
    =========================

    (*)الدراسة المفصلة حول هذا الشاعر الجميل ، التي كنت قد نشرتها في مجلة " الآداب الأجنبية "- في دمشق – آب من عام 1981 – العدد 28 – الصفحة 5-36 .
    ----------
    Dr.med.Sh.MUTLAK
    Homs-Syrien
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

    حمص – سورية / Homs-Syria
    بغطاسية – شارع ابن زريق 3
    هـ : عيادة (Prax.) 2222655 31 963 +
    ص.ب.( 1484) P.O.B.
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

  2. #2
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    عرض نماذج من أدب الغرب أمر حسن رغم بعد الشقة بيننا و بينه مسافة و تراثا و قربها من نفوسنا كبشر خلقوا من نفس واحدة.
    عندما يتكلم الشاعر عن الأشياء إذ يمنحها صفات روحه و نفسه تماما كما عكس عنترة أهوال الحرب في شكوى حصانه بعبرة و تحمحم, أو في لوحة (جيرنيكا) - الحرب لبيكاسو على وجه الحصان.
    لقد أصبح العالم اليوم قرية كونية صغيرة رغم أن ذلك الغرب الظالم ما يزال يمانع في فهم نفسية الشرق رغم استشراقه, لأن حضارته المبنية على الأشياء و المنافع لا تفسح له المجال لفهم حضارة النفوس و الأرواح.
    نحن نستطيع فهم خوالج نفس الشخص الغربي تماما رغم استهجاننا لبعض نوازع نفسه الحيوانية, لكننا نتساءل لماذا لا يستطيع الغربي فهم ما تعج به نفوسنا من سمو و ترفع عن الأشياء. حبذا لو تعاطف ذلك الغربي مع مآسي الشعب الفاسطيني أكثر من تعاطفه مع نعل الحذاء الذي يرتديه!!!


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •