طريق الحرير
طريق طويل عريض، يتباهى على من حوله، بجماله وأناقته. أجبر قسراً، على مد جزيرة إسمنتية في وسطه. توازيه طولا، وتصغره عرضا. ليكون هناك جهتين مفصولتين، أحدهما للقادمين للمدينة، والأخرى للمغادرين. لكنها لا تقل عنه جمالا وبهاء، لوجود تلك الأعشاب - والأشجار الخضراء، والورود - والأزهار الضاحكة المتفتحة. ولوجود تلك الأعمدة الشامخة أعناقها، كأنها تحاول أن تفخر على نجوم السماء بأشعة أنوارها، الساقطة على ذلك الشارع وما يحويه.

ذلك الرص والرصف المتناسق العجيب، للإسفلت وما تحته من أحجار ورمال. يجعلك ترغب في ترك سيارتك جانباً، لتمشي على قدميك، ليس منتعلا بل حافياً. تحاول بذلك استشراف ذاك الشعور، للملمس المخملي الذي يغمر ذلك الشارع. وتنساب عربتك معه، انسياب الماء على الصخر الصلد. دون أن تميل يمنة أو يسرة، ودون أن تخرج عن مسارها. كأنما ملائكة الرحمة لا بشر تسيرها.

ترى الناس حوله ولا يتركونه، كأن بينه وبينهم مودة - وعاطفة حميمة. يحوطونه بالحب، ويعطيهم الدفء - والحنان. تراهم لا يغادرونه نهاراً، ولا يفارقونه ليلا. فيومهم معه لا ينتهي بسقوط قرص الشمس، ولا بخروج وجه القمر. كأنهم معه في إجازة طويلة لا تنتهي أبدا.

عندها يأتيك ذلك الإحساس العارم، الذي يغلف روحك قبل قلبك. فتود عندها تقبيل أرجل قبل أيدي من قام بتشييد، ذلك الصرح العظيم – وذلك المنظر البديع. لإدخالهم الفرحة والسرور على أفئدة الناس قبل وجوههم. ويجرفك تيار من الأحاسيس الطيبة، بذلك العمل المضني الذي قاموا به، حتى خرج ذلك الشارع إلى حيز الوجود. لتقول فعلا هذا روضة من رياض الجنة!

تنقطع لمدة ليست بالقليلة عنه، وعن الذهاب إلى المنطقة التي يشرف عليها. فيجذبك الحنين من جديد، ويجرك دون أن تشعر به. وإذا أنت في ذلك المكان، تسترجع تلك الأمسيات التي قضيتها في جنباته. ولكنك تصدم لفقد الكثير مما كنت قد اعتدت إليه، من المناظر الجميلة الجذابة. كأنما حلت عليه صاعقة، وأتاه الموت من كل مكان!

تنقطع الكهرباء ويختفي كل شيء، وتموت تلك المعالم الحضارية, ولا تعد تشم رائحة تلك الورود ولا الأزهار، ولا تشعر بحركة أوراق الأشجار. ويعم المكان خشية ورهبة، بعد الأمن والطمأنينة. تتحسس طريقك بصعوبة، رغم الاستعانة بأنوار مركبتك. مخافة أن تقع في حفرة للمجاري، أو تمديدات للكهرباء، أو مسارب للمياه. أو أن ترتطم بصخرة ناتئة، تصرخ انزعاجاً لإيقاضها من سباتها. تشعر عندها كأنك تهوي إلي وادي سحيق!

فتعود لتسأل نفسك، هل هذا هو شارعنا الذي قضينا حوله تلك الليالي الجميلة؟! نتسامر ونتفاكه، حتى إننا لم نكن نود مفارقته. هل غير؟! هل بدل؟! إنه لم يعد شيئا مذكورا! فتصرخ بكل قوتك فرقاً، يالخسارة تلك الأموال التي صرفت عليه! لقد ضاعت جهود من تعب وكافح على بناءه، هباء منثورا! يالهول الفاجعة التي حلت به!
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية