القرآن الكريم أساس النحو وأساس القواعد
لا تفصلوا (ما-أين-من) عن المستفهم عنه
الاخوة الاعزاء،
عندما سمع الوليد بن المغيرة وهو أحد رجالات قريش القرآن الكريم قال: (والله إن له لحلاوة. وإن عليه لطلاوة. وإن أعلاه لمثمر. وإن أسفله لمغدق. وإنه ليعلو ولا يعلى عليه. وإنه ليحطم ما تحته. وما يقول هذا بشر). وهذه عينة من رأي فصحاء قريش في القرآن الكريم، ويأتي اليوم من يسفهنا ويحاججنا عليه!
لقد كُتِب القرآن بلسان قريش، وقٌعِد للنحو في القرن الثاني الهجري، فلا يجوز الاحتجاج على القرآن بقاعدةٍ اتخذته دليلاً، بل على العكس من ذلك يجب أن نرى قصورًا في القاعدة إذا خالفته، ولنتذكر هنا بأن الخليل حين قعد لعروض الشعر أضطر لاستبعاد ما لم يتفق مع قواعده، فالإبداع هنا سبق التنظير له، وهو الحال في القرآن، فلا يُعقل أن محمدًا أتى بما تستغربه قريش في كلامها، ولم تظهر هذه المشكلة إلا بعد التقعيد الذي ربما لم يع كل الحالات التي كانت تستخدمها قريش رغبةً في جعل القاعدة تتفق مع منطقٍ ما.
قال تعالى: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة : 1 ـ 3 ].
وقال تعالى: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة : 1 ـ 3 ].
وقال تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) البقرة - 69
وقال تعالى: (يقول الإنسان يومئذ أين المفر) القيامة [10]
وقال تعالى: (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) الأنعام [22]
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ...) الرعد 16
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) المؤمنون 86
الصواب أن نقول (من أول شهيد) والخطأ أن نقول (من هو أول شهيد)، لأن القرآن الكريم هو الأساس، وهو القاعدة التي ينبغي اتباعها، ولا يجوز القياس بوجود القاعدة، ولا يجوز الاحتجاج على القرآن بالقواعد التي اتخذته دليلاً، ووضعت بعده بقرنين، بل على العكس من ذلك يجب أن نرى قصورًا في القاعدة إذا خالفت القرآن، ومع أن القرآن معجز إلا أنه لم يأت بما تستغربه قريش في كلامها.
وبناء على ذلك فإن إقحام أو استخدام حروف التوكيد أو الضمائر أو ضمائر الفصل (هو أو هي أو غير ذلك) خلافا للقاعدة القرآنية المذكورة، وخاصة في العبارات والجمل الاستفهامية التي تبدأ بـ (ما – أين – من) ليس صوابا، ويعد نشازا، وهو غير جائز، وغير مستساغ، ولا مبرر ولا مسوغ بلاغي له في اللغة العربية.
وأما سبب استخدام هذا الأسلوب الخاطئ في الاستفهام فيعود إلى المترجمين الأوائل الذين عمدوا إلى صياغة عباراتهم بشكل حرفي، والتزموا بالأساليب اللغوية الأجنبية، فكانوا إذا أرادوا ترجمة (is) مثلا أقحموا ضمائر الفصل (هو أو هي). وذلك أن المترجم الحرفي حين يترجم عبارة (The boy is tall) فإنه يقول (الولد هو طويل)، بينما الصواب أن يقول (الولد طويل) طبقا لقواعد اللغة العربية الفصيحة الصحيحة.
فأدوات الاستفهام (ما – أين – من) في بداية الجمل الاستفهامية ينبغي أن يتبعها المستفهم عنه مباشرة، وأن لا يفصل بينها وبين المستفهم عنه أي شيء كحرف توكيد أو ضمير فصل أو أي ضمير من أي نوع أو غير ذلك، سواء لهدف التوكيد أو لغيره طبقا للقاعدة القرآنية، والآيات الكريمة المثبتة لها.
وذلك لأن العرب إذا أرادت السؤال عن شيء جعلته مسبوقا مباشرة بإحدى أدوات الاستفهام (ما – أين – من) وقالت: ما الحج؟ ومن الحاج؟ وأين الطريق؟ إذ هكذا يستفهم عن الشيء الواحد، أما إذا أريد الاستفهام عن شيئين فينبغي أن يفصل بينهما حرف عطف. يمكنك أن تقول من هو؟ للاستفهام عن أحدهم، ويمكنك أن تقول: من أحمد؟، لكن ليس من المنطقي ولا يصح ولا يجوز ولا ينبغي لك أن تقول: من هو أحمد؟ إذ ما الحكمة في السؤال عن هو، بينما نريد السؤال عن أحمد؟ فإما أن تقول: من هو؟ وإما أن تقول: من أحمد؟
إذ لو جاز لنا أن نستفهم عن الغائب بقولنا: من هو أحمد؟
لجاز لنا أن نستفهم عن المخاطب بقولنا: من أنت هلال؟
ولجاز لنا أن نستفهم عن المتكلم بقولنا: من أنا منذر؟
فتأملوا في ركاكة العبارات بأعلاه والحالة هذه،
وتأملوا في مدى سخفها وضعفها.
الصواب هو أن نستفهم بقولنا:
عن الغائب: من هو؟ أو من أحمد؟
وعن المخاطب: من أنت؟ أو من هلال؟
وعن المتكلم: من أنا؟ أو من منذر؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
منذر أبو هواش
المفضلات