«بعد نقلي بين عشرة سجون خلال السنوات الخمس الماضية، لا يزال السؤال: أين هي الجريمة»؟

يكاد هذا السؤال يختصر قضية الدكتور سامي العريان، المعتقل في الولايات المتحدة منذ شباط 2003، رغم انتهاء محكوميته في نيسان 2007. وهذا السؤال طرحه العريان في رسالة صوتية سُجِّلَت عبر الهاتف قبل أسبوعين، وبُثّت أمس في اللقاء التضامني معه، الذي دعت إليه لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في المنتدى القومي العربي، في رأس بيروت ـ فندق الكومودور. ورغم دخول إضرابه عن الطعام يومه السادس والثلاثين، أوحى صوت العريان برباطة جأش وهو يحيي الشعبين اللبناني والفلسطيني وسجناء الحرية على امتداد العالم. ورأى العريان في كلمته التي افتُتِح بها اللقاء أن قضيته هي «رسالة واضحة لكل من يحاول اختراق المجتمع المدني الأميركي على الصعيدين الرسمي والشعبي»، مؤكداً أنها تتجه نحو النصر الذي «سيكون نصراً لفلسطين».

ففي العشرين من شباط العام 2003 اعتقل الدكتور سامي العريان في الولايات المتحدة الأميركية بتهمة دعم الارهاب في فلسطين، وتمت تبرئته في السادس من كانون الاول من العام ,2005 لكنه ما زال محتجزاً منذ ذلك الحين.

العريان أستاذ هندسة الكومبيوتر في جامعة جنوب فلوريدا في تامبا، وهو ناشط اسلامي وحقوقي في مجال تأسيس المنظمات الطلابية العربية والاسلامية مثل الاتحاد الاسلامي لفلسطين ولجنة فلسطين الاسلامية، وناشط في الدفاع عن حقوق المسلمين في اميركا وتوعيتهم سياسياً، ومؤسس لشبكة علاقات هامة مع رجال الدين المسيحيين بحسب ما تعرف عنه عائلته المؤلفة من زوجته نهلة النجار العريان وشقيقه خالد، اللذين شاركا امس في اللقاء التضامني معه، الذي نظمته لجنة حقوق الانسان والحريات العامة في المنتدى القومي العربي، في فندق البريستول، وحضرته فاعليات سياسية وحقوقية واجتماعية لبنانية وفلسطينية، وناشطون في المجتمع المدني.

يشرح خالد أن شقيقه أوقف في الولايات المتحدة بتهمة دعم الجماعات المسلحة في فلسطين «وهو لم يكن يساعد سوى المنظمات الأهلية في الأرض المحتلة، وخلال محاكمته تم احضار الشهود الاسرائيليين ليتحدثوا عن مشاهداتهم للهجمات الفلسطينية بهدف الضغط على هيئة المحلفين الأميركية، علماً بأن أياً من هؤلاء لا يملك أية أدلة حسية على تورط شقيقي في هذه التهم».

تؤكد العائلة أن العريان ما زال محتجزاً في سجن «وارسو» في ولاية فرجينيا بضغط من اللوبي الصهيوني. اتهم العريان بـ 17 تهمة مختلفة نال البراءة في ثمان منها، أما في القضايا الأخرى فوقع خلاف بين أعضاء هيئة المحلفين «فصار من حق الحكومة الأميركية اعادة عرضها على هيئة محلفين أخرى» كما يشرح خالد. ولما طالت فترة الاعتقال لجأ العريان الى ما يسمى بـ»اتفاق تسوية» deal)) مع الحكومة الأميركية، يعترف بموجبه بتقديم خدمات عامة لاعنفية (خدمات لها علاقة بالهجرة) لأشخاص على علاقة بجماعة الجهاد الاسلامي في فلسطين مقابل السجن ثلاث سنوات والموافقة على قرار الترحيل من الولايات المتحدة (سحبت بطاقة اقامته في وقت سابق)، وهو البند الوحيد الذي وافق عليه من بين 12 أخرى طلبت منه، كما كان سبق له أن امضى فترة السنوات الثلاث «رغم ذلك حكم عليه القضاء بالسجن أربع سنوات انتهت في شهر نيسان، من العام الماضي، وما زال معتقلاً».

يقول خالد: «أدخلونا في شرك جديد عندما طلبوه للمثول أمام المحكمة كشاهد في قضية جديدة غير واضحة المعالم لها علاقة بموضوع مؤسسة اسلامية، وهذه كلها حجج لاستمرار اعتقاله، علماً بأن اتفاق التسوية الموقع والمصادق عليه من قبل وزارة العدل الأميركية ينص على عدم العودة اليه في أي قضية اخرى».

سامي العريان بدأ اضراباً عن الطعام في الثالث من الشهر الماضي (مارس/آذار 2008م)، وتوجه برسالة صوتية مسجلة من سجنه في الولايات المتحدة الى المتضامنين معه في بيروت أكد خلالها على ان قضيته تمثل النضال الفلسطيني العادل ضد التسلط الصهيوني.

تخلل اللقاء الذي أداره د. هاني سليمان كلمات تضامنية لكل من الرئيس سليم الحص، وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي، والنائب مروان فارس، والوزير السابق د. عصام نعمان، والنائب السابق بشارة مرهج، والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب عمر زين، وممثلي منظمات سياسية لبنانية وفلسطينية، وشقيقه خالد وزوجته نهلة، عرضوا خلالها اقتراحات لاطلاق انشطة للعمل على الافراج عنه.

من هو سامي العريان؟

قبل خمس سنوات، وجّهت السلطات الأميركية 17 تهمة لسامي العريان، المولود في الكويت قبل 50 عاماً لأبوين فلسطينيين. وكانت أبرز هذه التهم دعم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. يعيش العريان في الولايات المتحدة منذ عام 1975، حيث أنهى دراسته الجامعية ليبدأ عام 1986 تدريس المعلوماتية في جامعة ساوث فلوريدا.

نشط المهاجر الفلسطيني في الدفاع عن الحقوق المدنية، وشارك بتأسيس عدد من المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وأخرى هادفة إلى توحيد جهود العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، فضلاً عن إنشاء المدرسة الإسلامية في فلوريدا.

نشط العريان بالعمل ضمن قوة ضغط (لوبي) تدعم مرشحين لمناصب حكومية على أساس تأييدها للحقوق العربية والإسلامية والحريات الفردية، وقابل عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس، وشارك في نشاطات أقيمت في البيت الأبيض وفي وزارة العدل. كما كان فاعلاً خلال الحملة الانتخابية عام 2000.

شارك العريان في حملة لمناهضة قانون الأدلة السرية، الذي يسمح للادّعاء العام بعدم كشف أدلّته على التهم الموجّهة للمشتبه فيهم، منعاً لتعريض الأمن القومي للخطر. وقد نجحت الحملة في حشد 130 من أعضاء الكونغرس ضد هذا القانون.
بدأت متاعب العريان مع السلطات الأميركية بالظهور إلى العلن عام 1994، بعدما نشر الصحافي ستيفن ايمرسن معلومات تدّعي أن الأستاذ الجامعي رئيس لهيئة دعم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. في العام التالي، استشهد الأمين العام للحركة فتحي الشقاقي، وعُيّن زميل العريان في الجامعة، الدكتور رمضان عبد الله شلّح، خلفاً للشقاقي. وفي العام ذاته، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الحركة على لائحة المنظمات الإرهابية، قبل أن تبدأ السلطات الفدرالية تحقيقاتها مع سامي العريان.

عام 1996، أوقفت رئيسة جامعة ساوث كارولاينا العريان عن العمل مبقية على حقوقه المالية، قبل عودته إلى التدريس عام 1998 لأن الادّعاء العام لم يتمكن من التوصل إلى أي أدلة ضده.

خلال التحقيق مع العريان، سُجِنَ شقيق زوجته الدكتور مازن النجار بناءً على «أدلة سرية» (رُحِّلَ عام 2000 إلى لبنان ومنه إلى مصر). وبعد أحداث 11 أيلول 2001، قال وزير العدل الأميركي جون أشكروفت إن العريان هو «قائد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في أميركا»، و«أمين مجلس الشورى العالمي للتنظيم». وسمى أشكروفت 7 شركاء له، أبرزهم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلَّح. بعد هذا التصريح، أوقف الدكتور سامي عن التدريس مجدداً بمنحه إجازة مدفوعة الأجر.

القضية لم تنتهِ عند هذا الحد. فبعد التصديق على القانون الوطني (Patriot act) الذي يسمح للأجهزة الأمنية الأميركية بالتجسس على المشتبه فيهم بالصلات مع منظمات إرهابية، أوقفت السلطات العريان يوم 20 شباط 2003 بعدما وجّهت له تهم دعم منظمة إرهابية.

بعد التوقيف، فُصِل الأستاذ الجامعي من وظيفته، ووضع في زنزانة انفرادية بقي فيها أكثر من سنتين حتى بدأت محاكمته. لكن، وبعد ستة أشهر، أعلنت هيئة المحلفين براءة العريان من 8 تهم، على رأسها دعم الإرهاب، ولم تتمكن من الاتفاق على بتّ التهم الأخرى.

ومنتصف عام 2006، حصل اتفاق بين الحكومة الأميركية ووكلاء العريان قضى بإسقاط التهم التسع الباقية عنه، مقابل اعترافه بتهمة واحدة، وهي: تقديم خدمات لأشخاص على علاقة بحركة الجهاد الإسلامي، وكان المقصود بهذه التهمة نسيبه مازن النجار الذي لم تستطع السلطات الأميركية إثبات انتمائه إلى الحركة المقاومة.