مشهد الساحة الدينية في الولايات المتحدة يتميز بالتنوع والتغيير

(الهجرة تسهم في تغير حجم الجماعات والطوائف الدينية وتركيبتها)


لعل أفضل وصف للانتماء الديني عند سكان الولايات المتحدة هو أنه "متنوع وشديد التميع" (أي غير مستقر) وذلك طبقا لاستطلاع أجراه مؤخرا بيو فورام (منتدى بيو) حول الدين والحياة العامة.

واستفتت دراسة المجتمع الديني في الولايات المتحدة أكثر من 35,500 شخص من الراشدين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما فما فوق، ويعيشون في الولايات المتحدة. وقد أجري الاستطلاع هاتفيا في العام 2007 وتم توجيه الأسئلة باللغتين الإنجليزية والإسبانية.

وكان الهدف من الاستطلاع هو معرفة التكوين والتركيبة الدينية للمجتمع الأميركي، لا من حيث حجم الجماعات والطوائف الدينية المختلفة، بما فيها أصغرها حجما وحسب، وإنما لمعرفة الخصائص الديموغرافية السكانية والاجتماعية والقيم السياسية والممارسات الدينية وتغيّر الانتماءات الدينية.

وأضاف مدير منتدى بيو، لويس لوغو، أن الدراسة التي نشرت نتائجها في شباط/فبراير، 2008، تسهم في إحراز "فهم أفضل للدور الهام جدا الذي يلعبه الدين في الحياة الخاصة والشخصية، وكذلك في الحياة العامة لمعظم الأميركيين."

وقد اعتبر أكثر من ثلاثة أرباع الذين جرى استطلاعهم أنفسهم مسيحيين، وأعلن 5 بالمئة انتماءهم لديانات أخرى بينما لم يحدد 16 بالمئة انتماءهم لديانات معينة.

وتبين أن المنتمين إلى الكنائس البروتستانتية الإنجيلية يشكلون أكبر طائفة دينية في الولايات المتحدة (26 بالمئة من مجموع السكان) يتبعهم الكاثوليك (24 بالمئة) ثم طائفة البروتستانت الرئيسية الأساسية (18 بالمئة).

* التنقل بين الأديان

أظهرت الدراسة أنه بتخلي 28 بالمئة من الأميركيين الراشدين عن معتقدات طفولتهم الدينية واتباع دين آخر أو عدم الانتماء لأي دين، يظهر أن هناك "حركة تنقل ملحوظة" جارية.

وتظهر حركة التنقل هذه أكثر ما تظهر في مجتمع الطائفة البروتستانتية. فقد صنف واحد وخمسون بالمئة من الأميركيين الراشدين الذين جرى استطلاعهم أنفسهم بأنهم بروتستانت، مما يشكل انخفاضا كبيرا في نسبتهم التي كانت 65 بالمئة قبل عقدين من الزمن، وذلك طبقا لما ورد في الدراسات الاجتماعية العامة التي أجراها مركز أبحاث الآراء في جامعة شيكاغو.

والنتيجة التي استخلصها منتدى بيو هي أن البروتستانت على وشك أن يصبحوا أقلية بين الجماعات الدينية الأخرى في الولايات المتحدة.

أما حجم الطائفة الكاثوليكية فقد ظل ثابتا خلال العقدين الماضيين، غير أن تلك الإحصائية تخفي تحولا جوهريا أيضا. إذ يظهر من الدراسة أن الكنيسة "الكاثوليكية فقدت من رعاياها الذين تحولوا إلى ديانات أخرى أو إلى غير ديانة بالمرة، أكثر مما فقدت أي طائفة دينية أخرى منفردة." غير أنه تم تعويض تلك الخسارة بأعداد من المهاجرين الكاثوليك الذين قدموا إلى الولايات المتحدة.

أما باقي الجماعات الدينية (التي تشكل 3 بالمئة من عدد السكان) فتشمل المورمون وشهود يهوه والأرثوذكس (وهي موزعة بالتساوي بين الأرثوذكس اليونان والروس) وغيرهم.

* تأثير المهاجرين

تشير دراسة مشهد المجتمع الديني إلى أن الهجرة "تسهم بشكل رئيسي في التغيرات التي تطرأ على المشهد الديني الأميركي." إذ يشكل القادمون من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ونصفهم من المكسيك فقط، 61 بالمئة من مجموع المهاجرين. وينتمي ثلاثة أرباع المهاجرين المكسيكيين تقريبا ونصف المهاجرين الآخرين من أميركا اللاتينية إلى الطائفة الكاثوليكية. وهذا يفسر السبب في أن ربع كاثوليك الولايات المتحدة مولود في الخارج.

ويجلب القادمون الجدد معهم تقاليد دينية أخرى إلى الولايات المتحدة. وتبين من الدراسة أن المهاجرين "لا يتمثلون بشكل متناسب بالنسبة لعدد من الأديان العالمية الكبرى في الولايات المتحدة بما في ذلك الإسلام والهندوكية والبوذية."

فلا يشكل المسلمون الذين يتألف ثلاثة أرباعهم من المهاجرين إلا نحو 0,6 بالمئة من عدد الأميركيين الراشدين. وتضيف الدراسة أن الهندوس يشكلون 0,4 بالمئة من السكان بينما يشكل الهندوس المولودون في الخارج 86 بالمئة منهم. (وعلى النقيض من ذلك، فإن ثلاثة أرباع البوذيين مولودون في أميركا، وكثيرون منهم تحولوا إلى البوذية من ديانات أخرى. وهم يشكلون 0,7 بالمئة من السكان).

ووجدت الدراسة أن طوائف الهندوس والمسلمين والمسيحيين الأرثوذكس تتألف في معظمها من المهاجرين.

* التنوع ضمن الجماعات الدينية

ثمة أيضا تنوع كبير ضمن التقاليد الدينية ذاتها. فعند البروتستانت هناك نحو نصفهم إنجيلي وثلثهم ينتمي إلى الكنائس الرئيسية الأساسية (المنهجية واللوثرية وغيرهما) بينما دأب 13 بالمئة على الانتماء تاريخيا إلى كنائس السود.

وتظهر الدراسة أن 1,7 بالمئة ممن يعتبرون أنفسهم يهودا ينتمي العدد الأكبر منهم إلى حركة الإصلاح اليهودية يتبعهم المنتمون إلى اليهودية المحافظة والأرثوذكسية التقليدية.

أما بالنسبة للمسلمين الأميركيين فيشكل السّنّة نصف مجموعهم بينما يكوّن الشيعة وغيرهم ممن لا يحددون انتماءهم الطائفي النصف الآخر.

البوذيون أيضا تظهر بينهم طوائف متعددة منها البوذيون الزّن والتيرافادا والتبت وغيرها.

وهناك عوامل أخرى لها تأثير أيضا على تركيبة المشهد الديني مثل العمر والعرق والعامل الجغرافي. فبروتستانت الكنيسة الرئيسية واليهود هم غالبا أكبر سنا، بينما يتبين أن الذين لا ينتمون إلى أي دين معين هم من جيل أصغر. وفي حين أن أغلبية المهاجرين تكون في الغالب من الكاثوليك فإن المولودين في أميركا يكونون على الأغلب من البروتستانت.

السود هم الذين يرجح أن يعلنوا أكثر من غيرهم انتماءهم الديني. ويشكل أتباع البروتستانتية أكثر من ثلثي جماعات السود.

وتزيد نسبة البروتستانت البيض (53 بالمئة ) قليلا عن البيض من أصل لاتيني، بينما يشكل الكاثوليك أغلبية اللاتين (58 بالمئة). أما الأسيويون فهم أكثر انقساما وتنوعا، إذ يشكل البروتستانت 27 بالمئة والكاثوليك 17 بالمئة وينتمي 53 بالمئة إلى أديان أخرى أو لا ينتمون بالمرة.

أما من منظور جغرافي فإن جنوب الولايات المتحدة يضم أكبر نسبة من البروتستانت وخاصة الإنجيليين، بينما يضم الشمال الشرقي أكبر نسبة من اليهود والكاثوليك والهندوس والمسلمين. ويضم الغرب أكبر نسبة من البوذيين.

* لا انتماءات دينية

من الأمور المثيرة للاهتمام التي تمخضت عنها دراسة المشهد الديني الزيادة الطارئة على أعداد الأميركيين الراشدين (16 بالمئة) الذين لا ينتمµن إلى جماعات أو طوائف دينية معينة. ولم تكن هذه المجموعة تشكل في الثمانينات من القرن الماضي سوى 5 أو 8 بالمئة من عدد السكان.

وتقول الدراسة إن هذه الجماعة غير المنتمية "متنوعة كثيرا" و"ليس من الدقة بمكان وصفها بأن المجموعة كلها لا دينية." فربع هذه الجماعة تعتبر نفسها ملحدة أو لا أدرية (أي 4 بالمئة من مجموع السكان الراشدين). وتصف البقية نفسها بأنها "لا دين لها بحد ذاته" (وهي 12 بالمئة من عدد السكان الراشدين). وفي حين يقول نصف هؤلاء الذين تم استطلاعهم إن الدين "ليس مهما" في حياتهم، يقول آخرون إنه "مهم نوعا ما" أو "مهم جدا" وذلك على الرغم من عدم انتمائهم إلى أي جماعة دينية.

وينوي منتدى بيو (بيو فورام) إصدار تقرير آخر استنادا إلى دراسة المشهد الديني يتناول المعتقدات والممارسات الدينية بالإضافة إلى السلوك الاجتماعي والسياسي عند المتدينين والعلمانيين أواللادينيين.
المصادر: امريكا دوت غوف : ملودي ميرين