العري السياسي في أزمة البصرة


بقلم: مهند حبيب السماوي

يبتعد عن الصواب بدرجة كبيرة كل من يزعم أن الأحداث الأخيرة في البصرة وتداعياتها في بقية محافظات العراق يمكن أن تمر هكذا بسهولة من غير أن تمارس هذه الأحداث التعرية والكشف للكثير من المواقف الحقيقية للأحزاب والشخصيات السياسية في العراق. فالموقف السياسي يمكن أن يتوارى في ظل الظروف الاعتيادية لبلد ما، لكنه بلا ريب سوف يظهر على حقيقته ويكشف عن نفسه - شاء أم أبى صاحبه - حينما يعيش السياسي في ظروف استثنائية تتطلب موقفاً صريحاً واضحاً لا لبس فيه يخلو من النفاق واللعب على العواطف وتبني شعارات ومماحكات لا تغني ولا تسمن .

في الأزمة التي اندلعت بين ميليشيات جيش المهدي وقوات الأمن العراقية في البصرة وفي بقية أنحاء العراق بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حملته العسكرية، ظهرت عدة مواقف من هذه العملية وما حصل فيها من قتال بين أطراف عراقية، وسأحاول في هذه المقال أن استقري على نحو تبسيطي وبسيط هذه المواقف التي اتخذتها الكتل والشخصيات السياسية، وقد انقسمت هذه المواقف الى ثلاثة موقف رسمية مثّلت خلاصة الرؤى السياسية المتخذة والمستخلصة مما جرى .

الموقف الأول تمثل في الكتل السياسية التي وقفت مع الحكومة في عمليتها العسكرية ضد ميليشيات جيش المهدي وهي كتلة الائتلاف العراقي الموحد وكتلة التحالف الكردستاني وبعض من التوافق، وهو تأييد ودعم كامل دون أي تحفظ ولا شروط على الرغم من ان الجميع يملك ميليشيات مسلحة أيضا ولا نعلم ماذا سوف يكون موقفها لو أن القوات الحكومية دخلت في اشتباكات او معارك معها وهو أمر وارد في ظل الوضع الحالي في العراق الذي أتوقع انا شخصيا فيه كل شيء مادامت الفوضى هي التي تضرب أطنابها في مؤسسات العراق .

الموقف الثاني تمثل في رفض العملية الحكومية بصورة كاملة والوقوف مع الطرف الأخر المتمثل بالمليشيات التابعة لجيش المهدي وهو في الواقع موقف التيار الصدري في البرلمان العراقي وبعض من السياسيين الذين غازلوه بشكل فج مكشوف، اذا رفض هؤلاء العملية ودافعوا عن الطرف الذي يقاتل الحكومة العراقية وقواتها الأمنية - وهذه من محاسن الديمقراطية العراقية الجديدة - بل أن اعضاء البرلمان الذين ينتمون لهذا التيار واغلبهم يتسم بالضحالة السياسية لم يدينوا قصف المناطق المدنية من قبل بعض عناصر جيش المهدي ولا قتل رجال الشرطة او قوى الأمن ولا الكثير من الانتهاكات التي حدثت في المعارك على الرغم من أنني أعتقد بأن الانتهاكات لم تحدث من قبل طرف واحد فقط بل ان القوات الحكومية ايضا قد ارتكبت العديد من الأخطاء بحق الكثير من الناس ممن ينتمون الى التيار الصدري في جنوب العراق والتي عليها الاعتراف بها ومحاسبة من قام بذلك شأنه شأن اي خارج عن القانون .

الموقف الثالث هو الموقف الذي مسك العصا من الوسط وتمثل في موقف طارق الهاشمي الذي وقف مع الحكومة وقواتها الأمنية ضد المليشيات واعتبر ذلك من الثوابت الوطنية مادامت الحكومة تسعى لبسط سيطرتها الأمنية ومحاربة كل من يخرج عن القانون مهما كانت طائفته وانتماءه، الا أنه مع ذلك قد أوضح ان الحل العسكري لوحده لا يكفي لعلاج مثل هذه المشكلات، حيث يجب أن يكون الحل في مشروع وطني متكامل يضم حزمة واحدة تتألف من جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وخدمية، أذ أن الفقر وتردي الخدمات والبطالة والبؤس الاجتماعي يمكن أن تؤدي بجميعها الى الفوضى والخراب والتذمر مما يدفع هؤلاء الشباب الى الارتماء في احضان الجماعات المسلحة والمليشيات .

طبعا هنالك مواقف أخرى غريبة ومستهجنة قال بها بعض السياسيين العراقيين من اجل المساومة والانتهازية وعلى حساب مشاعر الذين ذهبوا ضحية هذه المعارك، وهذه المواقف لا داعي لذكرها فالجميع قد كشفها وعرّاها وهي قد قيلت في سياق الاستهلاك الأعلامي الرخيص الذي ما توقعنا ان يقع فيه مثل هؤلاء الذي ابتلانا الله بهم في هذا الزمن العراقي اللامعقول .

الرجاء من السياسيين العراقيين أن يعرفوا أن الذين سقطوا بعد أحداث البصرة هم من الشباب العراقي الفقير والمسكين سواء كانوا من القوات الحكومية او من ميليشيات جيش المهدي ولذلك فالمساومة على دمائهم واتخاذ مواقف دعائية أمر مخجل ومعيب ويدعو للاشمئزاز والقرف إذا كان منْ أتخذ مثل هذه المواقف الدعائية الرخيصة يعرف معنى الخجل والحياء!