تمترس العرب وراء الانقسام الفلسطيني

أ.د. محمد اسحق الريفي

الانقسام كارثة حلَّت بالفلسطينيين، ليس فقط بسبب استغلال العدو الصهيوني لهذا الانقسام في تحقيق أهدافه وإنجاز مخططاته، وإنما كذلك بسبب تمترس العرب على المستويين الشعبي والرسمي وراء الانقسام الفلسطيني للتنصل من مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية.

وفي الحقيقة أن الأنظمة الرسمية العربية المنصاعة للإدارة الأمريكية تشعر بارتياح كبير من تفاقم الانقسام الفلسطيني، بل تعمل هذه الأنظمة بطريقة سافرة على تكريس الانقسام الفلسطيني وتعميقه، وإن كانت تزعم أنها تسعى لإنهاء حالة الانقسام ورأب الصدع الفلسطيني، لأنها تتخذ من هذا الانقسام ذريعة لتساوقها مع الأمريكيين في سياستهم العدوانية الهادفة لإنهاء المقاومة الفلسطينية عامة وتقويض حركة المقاومة الإسلامية حماس تحديداً.

فأنظمة دول ما يسمى "محور الاعتدال العربي" تدعم الطرف الذي تقف وراءه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والعدو الصهيوني، وتدعمه سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتستخدمه في حربها الإجرامية ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية. وفي المقابل، تشارك تلك الأنظمة في عزل حركة حماس وإسقاط الحكومة الشرعية التي تتولاها وإنهاء المقاومة الفلسطينية، رغم كل ما تحظى به حركة حماس من شرعية سياسية وتأييد شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي.

كما أن بعض تلك الأنظمة تساهم بطريقة أو بأخرى في حصار غزة وتجويع أهلها، تساوقاً مع السياسة الأمريكية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، ووفاء للالتزامات التاريخية والسياسية لتلك الأنظمة العربية تجاه الكيان الصهيوني، وهي التزامات تنم عن خيانة كبيرة للأمة العربية والإسلامية يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة.

وبعبارة أخرى فإن الأنظمة الرسمية العربية التي تتمحور حول السياسة الأمريكية تنحاز بشكل سافر إلى الصف المعادي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولا شك أن هذا الانحياز يؤدي إلى تغذية الانقسام الفلسطيني وتعميقه والحؤول دون إنهائه. فالانقسام الفلسطيني هو نتيجة حتمية لتدخل القوى الخارجية في الشأن الفلسطيني، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. والانقسام نتيجة حتمية لدعم أنظمة دول محور الاعتدال لسلطة عباس – فياض وتدريب عصاباتهما ودعمها بالسلاح والعتاد.

وهناك مناسبات عديدة استخدمت فيها الأنظمة المنصاعة للإدارة الأمريكية الانقسام الفلسطيني طوق نجاة لها من عواقب سياساتها الخائنة للأمة وللشعب الفلسطيني، ومن مساءلة الشعوب العربية التي تئن تحت وطأة قمع تلك الأنظمة واستبدادها، وإن كانت هذه المساءلة غير فاعلة وغير مجدية، بسبب غياب الحرية السياسية وعدم وجود آليات محاسبة النظام الحاكم وتغييره عند الضرورة.

وأحد الأمثلة على تلك المناسبات "مسرحية المصالحة اليمنية" التي سبقت عقد القمة العربية العشرين في دمشق، حيث كان الهدف من هذه المسرحية إعفاء المؤتمرين من اتخاذ قرارات تلزم العرب بكسر حصار غزة. والذريعة التي تذرع بها المؤتمرون هي أن عباس يرفض الحوار مع حركة حماس، لأن عودة الأجهزة الأمنية التي كان يقودها دايتون غير قابلة للنقاش من وجهة نظر عباس، بينما يؤمن عباس بأن حق العودة قابل للتفاوض والمساومة مع العدو الصهيوني.

لقد نجح المؤتمرون في التنصل من مسؤولياتهم تجاه أهل غزة المحاصرين والشعب الفلسطيني الذي يتعرض للجرائم الصهيونية المتواصلة منذ عشرات السنين، ونجحوا في إلقاء اللوم على الفلسطينيين الذي فشلوا في إنهاء الانقسام. وهذا هو ديدن ودين النظام الرسمي العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، فهو يضع الشعب الفلسطيني أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الانصياع للإملاءات والشروط الأمريكية والاستسلام للعدو الصهيوني، وإما تحمل نتائج عدم الاستسلام!!

ويعني ذلك أن الأنظمة المنصاعة للإدارة الأمريكية تسعى دائماً لإخراج القضية الفلسطينية من سياقها العربي والإسلامي إلى سياقها المحلي، ليفعل بعد ذلك الفلسطينيون بقضيتهم ما يشاءون، مثلما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية عندما وقعت اتفاقيات أوسلو المشئومة مع العدو الصهيوني، ورتبت على الشعب الفلسطيني استحقاقات صهيونية أدت إلى شرعنة الاحتلال والإجرام الصهيوني الدموي إلى يومنا هذا.

وقد تحقق ما تسعى له تلك الأنظمة العربية إلى حد كبير من خلال اختزال القضية الفلسطينية في صراع داخلي بين القوى السياسية الفلسطينية تشارك فيه تلك الأنظمة بطرق مباشرة وغير مباشرة، لتضمن بقاء الشعوب العربية والإسلامية بعيدة عن الصراع مع الصهاينة والأمريكيين، ولتنال رضا الولايات المتحدة الأمريكية، ما يضمن لتلك الأنظمة الاستمرار في الهيمنة على الحكم والسلطة.

ولا تقتصر عملية التمترس وراء الانقسام الفلسطيني في التنصل من المسؤولية وحماية الكيان الصهيوني على الأنظمة الرسمية العربية، فالقوى الشعبية العربية والإسلامية تتمترس أيضاً وراء الانقسام الفلسطيني للتلكؤ عن نصرة الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني. فهذه القوى الشعبية تبرر عدم وقوفها "الفاعل" مع الفلسطينيين في مقاومتهم للاحتلال باستمرار الانقسام، ولكن المسألة الأهم من ذلك هي كيفية إنهاء حالة الانقسام!!

إن إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني لا تتم إلا بعزل الفئة الباغية التي يدعمها الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون وتشارك العدو الصهيوني في مخطط القضاء على حركة حماس وإنهاء المقاومة الفلسطينية، وهذا أمر تعجز عنه أنظمة دول محور الخنوع والاستسلام العربي، لأنها ببساطة متآمرة على الشعب الفلسطيني وتخشى من انتصار المقاومة الإسلامية ونجاح حركة حماس.

وإذا كانت القوى الشعبية العربية والإسلامية جادة في نصرتها للشعب الفلسطيني، فعليها أولاً أن تتبنى موقفاً مؤيداً لحركة حماس، التي تحمل لواء المقاومة الفلسطينية وترعاها ضد المخططات الصهيوأمريكية، ثم عليها ثانياً أن تضغط على الأنظمة المتواطئة والمتآمرة على الشعب الفلسطيني وتنتفض عليها، ثم عليها ثالثاً أن تخوض حرب مقاومة ضد الهيمنة الصهيوأمريكية.

17/04/2008م