آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: من "الرُّقَيْم " الطّيني إلى الـ" بِتْ " الإلكتروني (*) د.شاكر مطلق

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الدكتور شاكر مطلق
    تاريخ التسجيل
    01/04/2007
    العمر
    86
    المشاركات
    259
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي من "الرُّقَيْم " الطّيني إلى الـ" بِتْ " الإلكتروني (*) د.شاكر مطلق

    مِن " الرُّقَيْم " الطّيني ، إلى الـ" بِتْ الإلكتروني " (*)
    د. شاكر مطلق
    منذ أنْ أمسكَ الإنسانُ القديمُ في أرض دجلة والفرات ، قبل أكثر من خمسة آلاف عام من التاريخ الميلادي المعاصر ، قصبةً مُدبّبةً أو ما يشبه ذلك ، ليخطَّ بها أشكالاً غريبةً على الطّين الطّريّ ، الذي جفَّفته الشمسُ أو النارُ وحفِظـته لنا حتى اليوم، على شكل مئات الآلاف من الألواح الطّينيّة المسمّاة بـ" الرُّقُـم " .
    ومنذ أنْ أمسكَ الإنسانُ القديمُ على ضفاف " النّـيل " بالإزميل ، لينقشَ به أشكالاً سمّيت ، لاحقاً ، بـ
    " الهيروغليفية " - الكتابةُ المقدّسة - ويَنقُلَ بواسطتها أيضاً ، كأخيه في أرض الشام والفرات ومابين النّهرين ، أفكارَه المجرّدة إلى شيءٍ ماديّ مُجسَّدٍ ... منذ ذلك الوقت ، دخلت البشريةُ مرحلةَ التاريخ والتأريخ ، مرحلةَ العلم والتّـعلّم ونَقلِ خبْرات الأجيال السابقة إلى اللاحقة ، التي عملت ، خلال قرون عديدة ،على تطويرها وتجريدها من الشكل الواقعي إلى الحرف والرّمز المجرّد .
    من هنا ، من هذه الأرض انطلقت شعلةُ المعرفة على شكل حروف أبجدية في كل جهات الأرض ، من مدن سواحل بلادنا المتوسطيّة المتمَدّنةِ المُتحَضّرةِ، في " أجاريت " – أوغاريت – و" صور " ، التي انطلق منها ابنُ ملِكها ( قدْموسُ ) نحو الغرب للبحث عن أخته ( أوروبا ) ، التي خطَفها كبير الآلهة الإغريقيّة زِيودْ – تْسويْسْ – متخفّـياً بشكل ثور أبيض ، إلى هناك انطلق أيضاً حاملاً معه الحرفَ والمعرفةَ ، وبنى لهم مدينة ( طيبة ) وعلّمهم الأبجديةَ وأعطاهم خبزَ العقل .، وليته لم يفعل ، فهم يردون لنا الحرف اليوم – للأسف – خراباً ودماراً وصواريخ ( ذكيّة ) .
    ومنذ أن أبحَر الفينيقيّون من شواطئ بلادنا أيضاً ، حاملين- عبر الأبيض المتوسّط – لبلدانه ودوله الأقمشةَ المصبوغة بلون الأُرْجُوان المستَخرَج من نوعِ محاراتٍ بحريّة صغيرة ، وحاملين معهم الحرف َ، حتى إلى عقر دار الإغريق القدامى ، الذين يسمونهم بآباء الحضارة والمعرفة ، متناسين مَنْ كان قبلَهم وربما مَن جاء بعدهم ، ومن أمدّهم ، من منطقتنا ، بالكثير من المعرفة المرتبطة بالحرف وبالتالي بالمخطوط اليدوي وبالتّدوين والقراءة...
    منذ كلّ هذا ، وغيره الكثير ، تحرّر الفكرُ البشريّ من قُـمقُـم جمجمته وانطلق كالنور في كل الجهات ، ناشراً المعرفةَ ، داحِراً الجهلَ والظلامَ .
    صحيحٌ أنّ فنّ الطباعة بالحروف المتحرّكة ،قد أدّى إلى ظهور الكتاب المطبوع بأعداد كبيرة ، لاحقاً ، وسهّل من إمكانية الحصول عليه وبأسعار معقولة ووصوله إلى أعداد أكبر بكثير مما كتبه الرُّهبان والعلماء والمختصين والنَّسّاخين والورّاقينَ ، هذا الفنّ ،كان قد تمَّ على يد الألماني " غوِتـنْبِِرغْ – Gutenberg "- ( 1400 –1468 )م .-
    وكان " كوستر " قد طبع أيضاً في هولندة عام1470 بأحرف خشبية - ولكن الصحيح أيضاً أنّ هذه العملية ، عملية الطّباعة ، كانت قد تمتْ قبل ذلك في بعض بلدان الشرق الأقصى ، وهناك شواهدُ مادية على ذلك ، ولكن وكالعادة تُسلَّطُ الأضواءُ على شخوص المركز فقط ، عندما يكون المركزُ قوياً مسيطراً على كل شيء ، وحتى على التاريخ ، وتهمَل الجذورُ الأقدم لأنها تقع ، من وجهة نظرهم ، في الأطراف – Peripherie.
    في مرحلةٍ ما من التاريخ ، تاريخنا ، كان يعمل في ( بيت الحكمة ) : بدار السلام" آلافٌُ من النّسََاخينَ- الوَرّاقين ، ومثلهم من العلماءِ في قِبلة العلم والحضارة _ بغداد _ التي تصارع الموت اليوم ، على أيدي وحوش التقنيّة المدمِّرة _ أقزامِ الحضارة الحقيقية ، مصّاصي دماء وحضارة الشعوب بأنياب عوْلَمة ساحقة طاغيةٍ ، أقول في إحدى مراحل تاريخنا عرَفنا بيوتاً ومراكزَ للتّرجمة وتدريس الحكمة والمعرفة ، في مختلف حواضر العالم العربي ، حيث وصلتْ مرحلة التّطور هذه أوجَها يوم كان الحاكم والعالم والأقلّ معرفةً ومكانةً يقرأ ويبذُل المالَ ، وإنْ قلّ لديه ، من أجل شراء ( المَخطوط ) - الكتاب حسب مصطلح اليوم - ، وبما أنّ التطورَ يسير على نسَق ويشمل كافةَ مرافق الحياة ، فكذلك التأخّر والتّخلُّف – للأسف - يسيران على نفس المِنوال أيضاً.
    القراءةُ التي كانت عندنا ، حتّى أيام جيلنا منذ نصف قرن وأقلّ ، ( شرطٌ لابدّ منه ) _ كما تقول الرومان – للإنسان المتحَضّر المثقّف لأن يكون فعلاً متحضّراً ، أمستْ أمراً ثانوياً تماماً ، ليس أخيراً بسبب التّـغيراتِ في وعلى نمَط الحياة المعاصر تقَنياً المتخلّف معرفياً ، الذي أوحى لأبنائنا من الجيل الشبابي ، أنّ الحضارة تكمُن في تقليد كلّ ما هو غربي ،في الزِّيِّ والمأكل والمشرب وحتى في الغناء والفن بعامة ، إلاَّ في القراءة ، لأن الغرب يقرأ ويقرأ ويترجم أيضاً - ، ولا نجد له في هذه النقطة للأسف تقليداً ومحاكاةً في هذا الأمر .
    في ألمانيا وفرنسا ، على سبيل المثال ، تشكّل نسبةُ الكتب المترجمة إلى لغتهم والصادرة بها حوالي 15% بينما تشكل في الولايات المتحدة الأمريكية 3 % فقط ، ولا أدري كم تشكّل في العالم العربي .
    أعلَمني ابن عمٍّ لي ، يحيا منذ حوالي نصف قرن في بلد أوروبيٍّ صغير هو " النّرويج " ، حيث يستمر اليوم في شماله لستة أشهر وكذلك الليل ، أنهم صعقوا عندما تراجع عددُ المبيعات من الكتب في فترة الأعياد فقط (!!) من مليون كتابٍ ونصف إلى أقلَّ بقليلٍ ، متراجعاً بضع عشرات الآلاف فقط عما هو معهود لديهم ، وذلك عند شعب لا يصِـلُ عددُه إلى الخمسة ملايين من البشر القارئين كباراً وصغاراً وأطفالاً أيضاً ، ويصدر لنا الإبل! .
    من خلال دراستي وإقامتي الطويلة في ألمانيا (غ) عايشتُ ورأيتُ ، فيما يتعلق بموضوع الكتاب والقراءة ، الشيءَ الكثيرَ الكثيرَ ، والحديث في هذا الموضوع وعنه يطول .
    المهمّ – الآنَ – أنْ نعرفَ ماذا جرى لنا ؟! ولماذا لا نقرأ ؟ ولماذا يقتصر عددُ القرّاء عندنا على جماعة صغيرة ، ربما كانت في طريق الانقراض قريباً ؟
    هَلْ هو سعر الكتاب ( المرتفِع ) – كما يقال ؟ هل هي هَجْمة ( المسلّيات ) البصرية من سينما وتلفاز ٍ بفضائياته العديدة وبرامجه المثيرة ؟ هل هي ( شبكة العنكبوت ) التي أمسكتْ بذُبابة عقول البعض وقصَرتْ اهتمامهم فيها على زيارة مواقع معينة فقط ، فيما هي كنز معرفي حقيقي يقدِّم للجميع المعلومةَ المفيدة والعِلم بأشكاله وأنواعه ، وما يلزم من كتب على شكل ( بِتات الكترونية ) قابلة للقراءة – الكتاب الإلكترونيّ - والعمل على نصوصها أيضاً ، مع العلم أن الإحصائيات الحديثة تشير إلى وجود أميَّةٍ إلكترونية إلى جانب الأمية الأبجدية في العالم العربي بنسب متفاوتة ، حيث تبلغ نسبة المتعاملين مع الشبكة العنكبوتية أقل من( 4 % ) من مجموع السكان ، ماعدا دول الخليج والسّعوديّة فالوضع هناك أفضل نسبيّاً .
    طبعتْ لي وزارة الثقافة بدمشق كتاباً مترجماً لشاعر ألمانيّ معاصر وهام ، طُبعت من كتبه في أكثر من عشرين لغة وحتى السّنْسِكريتيـّة منها ، ملايينُ النسخ ، وقد عملتُ عليه حوالي خمسة أعوام ، وأصدرته الوزارة في سِلسِلة ( آفاق ثقافية العدد 29 أيلول 2005 ) وجاء في نحو ( 311 ) صفحة من القطع الوسط وبإخراج وورق جيدين ، ويباع بسعر
    ( 50 ) ل س فقط ما يعادل أقلّ من دولار أمريكيّ واحدٍ فقط... لقد بيع الكتابُ ، ولكن هل يعقلُ أن يُطبع منه عندنا 1500 نسخة فقط لعشرين مليون مواطن ، ناهيك عن عدد سكان الوطن الكبير ؟ .
    صحيحٌ أن الكتابَ أمسى صناعة تحتاج إلى تقنيّات ومعرفة اقتصادية وإلى توزيع جيد ، وأمسى سلعة كذلك ، ولكن الصحيحَ أيضاً أن الكتب الأكثر رواجاً في أسوقنا العربية ، هي كتب الطبخ والسّحر والشّعوَذة و الخرافـةِ ، وأيضاً الكتب الدّينية و التراثية التي تُصوَّرُ غالباً ، تصويراً عن طبعات قديمة بدائية من دون تحقيق ولا شروحات أو فهارس ، وتباع جيداً طالما أنها تُغلّف برداء قَشيب عليه بعض ماء الذهب .
    من الصحيح أيضاً أنّ هناك إشكالات عديدة بين المؤلف والناشر ، تُختَزل بعبارة واحدة : عدم الثقة ، فالناشرُ لا يعطي ما لقيصر لقيصر ولا يعطي ما هو حقُّ المؤلِّف للمؤلِّف ، وإنما يريد أن يبتلع ، أحياناً ، كلَّ شيء ... لا يصدُقه بالدّفع ، ولا بعدد النسخ المطبوعة ولا بنفاذها ، إنْ نفذتْ... إلخ . هذا الأمر يحتاج إلى حل قانوني جذريٍّ ومحْكَمٍ ، ربما على شكل استمارة موحّدة واضحة تماماً ، ناهيك عن أعمال السّرِقة والسّطو على المُنتِج الفكري والمُنتِجِ ، برغم قانون حماية المؤلف والأعمال الإبداعية الأخرى .... ولكن من يحاسب من ؟ وأين ؟ وكيف ؟ ومتى؟
    أمّا بشأن توزيعُ الكتاب ، وهو المِحَكُّ الأساس ، في إيصال الكتاب المطبوع إلى القارئ في الوطن وخارجه ، ولا أتحدث هنا إلاّ ضمن العالم العربي ، فالآخر يبدو أمامَنا منغلقاً ومغلّقاً لأسباب عديدة ، لا مكان لمناقشتها هنا والآن ، هذا التوزيعُ هو ، في كثير من الأحيان مَـعطوبٌ وقاصرٌ ، وبخاصة عندما يكون الكتاب صادراً عن جهة رسميّة ما ، حيث تنعدم الرغبةُ وينعدم الحافز ( الماديّ ) عند الموظف للعمل من أجل توزيعه بشكل جيد وفعال .
    أما دور النّـشر الخاصة ، وبخاصة تلك التي تعمل بنشاط فعليّ على نقل الكتب ، وبمعاناة حقيقية متعددة الجوانب ، لأن الكتاب مُنتَج خطِر لا يَخترق الحدودَ ببساطة ، لأسباب تختلف من مكان إلى آخر ومن عين رقيب واسعة الأفق إلى عين آخرَ زجاجيّة مُبرمجة على كلمات معينة وربما على أسماء بعينها ، هذه الدور التي تلهث من معرض في شرق المتوسط إلى آخرَ في أقصى الخليج وما بينهما من حواضر أو مدن تقع في الرمال أو النسيان ، هذه الدور تحقق فعلاً ، هنا وهناك ، بعضَ النجاح (!) الذي هو في المُحصّلة ، ليس بأكثر من ( قطرات على حجر ساخن ) – كما يقول الألمان – أي أنّ الأرقامَ المتداوَلة لجميع هذه الدور في عموم الوطن العربي – لا تقارب أرقامَ توزيع دار نشر أوروبية متواضعة ، إنْ لم نقل من نوع الـ ( ميني ) – الصغيرة - .
    ما العمل إذن ؟ وهل يمكن لنا أن نقدم ما يسهم فعلاً في حل أزمة الكتاب وبخاصة توزيعه ، وفي إيقاظ همّة القراءة لدى الناس وبخاصة الشباب منهم من خلال إجراءات عديدة تتعلق أولاً بنوعية ومادة الكتاب – إخراجه – سعره المَدروس ، ولا أقول المدعوم – تسهيل حركته المحلية والبينيّة – الحدّ من الرقابة الضيقة المغلّقة ... الخ
    أقول ، حتى إشعار آخر وبصدق تام : لا ، لن يغيّر هذا شيئاً يذكر ...
    أقول كناشر – وصاحب امتياز " دار الذاكرة – حمص / سورية " وكمبدع أيضاً ، يعرف كيف تسير الأمور على أرض الواقع ، حاول أن يقدم للقارئ العربي كتاباً جيداً بسعر الكلفة تقريبا ، وأرجو أن تصدّقوا ذلك ، فخسر عدة ملايين، لأنك توزع بالأمانة !!! ولا أمانة مع الذئاب المحترفين .
    الجهل يسير أيضاً على نسق ويشمل كلَّ نشاطات الحياة ، وعندما يتغير هذا الواقع الشّاذ ربما يتغير الجواب ، جوابي... ونحن ننتظر عودة ( قدموس ) منذ أكثر من ألفي عام ، فإلى متى ننتظر ؟...
    =================================================
    حمص _ سورية 29/3/2006 E-Mail:mutlak@scs-net.org
    (*)ألقيت في الندوة الفكرية التي أقامها فرع اتحاد الكتاب في حمص تحت عنوان " مشكلات الكتاب وواقع القراءة " بتاريخ 24/4/2006 .

    حمص – سورية / Homs-Syria
    بغطاسية – شارع ابن زريق 3
    هـ : عيادة (Prax.) 2222655 31 963 +
    ص.ب.( 1484) P.O.B.
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الدكتور شاكر مطلق
    تاريخ التسجيل
    01/04/2007
    العمر
    86
    المشاركات
    259
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي من "الرُّقَيْم " الطّيني إلى الـ" بِتْ " الإلكتروني (*) د.شاكر مطلق

    مِن " الرُّقَيْم " الطّيني ، إلى الـ" بِتْ الإلكتروني " (*)
    د. شاكر مطلق
    منذ أنْ أمسكَ الإنسانُ القديمُ في أرض دجلة والفرات ، قبل أكثر من خمسة آلاف عام من التاريخ الميلادي المعاصر ، قصبةً مُدبّبةً أو ما يشبه ذلك ، ليخطَّ بها أشكالاً غريبةً على الطّين الطّريّ ، الذي جفَّفته الشمسُ أو النارُ وحفِظـته لنا حتى اليوم، على شكل مئات الآلاف من الألواح الطّينيّة المسمّاة بـ" الرُّقُـم " .
    ومنذ أنْ أمسكَ الإنسانُ القديمُ على ضفاف " النّـيل " بالإزميل ، لينقشَ به أشكالاً سمّيت ، لاحقاً ، بـ
    " الهيروغليفية " - الكتابةُ المقدّسة - ويَنقُلَ بواسطتها أيضاً ، كأخيه في أرض الشام والفرات ومابين النّهرين ، أفكارَه المجرّدة إلى شيءٍ ماديّ مُجسَّدٍ ... منذ ذلك الوقت ، دخلت البشريةُ مرحلةَ التاريخ والتأريخ ، مرحلةَ العلم والتّـعلّم ونَقلِ خبْرات الأجيال السابقة إلى اللاحقة ، التي عملت ، خلال قرون عديدة ،على تطويرها وتجريدها من الشكل الواقعي إلى الحرف والرّمز المجرّد .
    من هنا ، من هذه الأرض انطلقت شعلةُ المعرفة على شكل حروف أبجدية في كل جهات الأرض ، من مدن سواحل بلادنا المتوسطيّة المتمَدّنةِ المُتحَضّرةِ، في " أجاريت " – أوغاريت – و" صور " ، التي انطلق منها ابنُ ملِكها ( قدْموسُ ) نحو الغرب للبحث عن أخته ( أوروبا ) ، التي خطَفها كبير الآلهة الإغريقيّة زِيودْ – تْسويْسْ – متخفّـياً بشكل ثور أبيض ، إلى هناك انطلق أيضاً حاملاً معه الحرفَ والمعرفةَ ، وبنى لهم مدينة ( طيبة ) وعلّمهم الأبجديةَ وأعطاهم خبزَ العقل .، وليته لم يفعل ، فهم يردون لنا الحرف اليوم – للأسف – خراباً ودماراً وصواريخ ( ذكيّة ) .
    ومنذ أن أبحَر الفينيقيّون من شواطئ بلادنا أيضاً ، حاملين- عبر الأبيض المتوسّط – لبلدانه ودوله الأقمشةَ المصبوغة بلون الأُرْجُوان المستَخرَج من نوعِ محاراتٍ بحريّة صغيرة ، وحاملين معهم الحرف َ، حتى إلى عقر دار الإغريق القدامى ، الذين يسمونهم بآباء الحضارة والمعرفة ، متناسين مَنْ كان قبلَهم وربما مَن جاء بعدهم ، ومن أمدّهم ، من منطقتنا ، بالكثير من المعرفة المرتبطة بالحرف وبالتالي بالمخطوط اليدوي وبالتّدوين والقراءة...
    منذ كلّ هذا ، وغيره الكثير ، تحرّر الفكرُ البشريّ من قُـمقُـم جمجمته وانطلق كالنور في كل الجهات ، ناشراً المعرفةَ ، داحِراً الجهلَ والظلامَ .
    صحيحٌ أنّ فنّ الطباعة بالحروف المتحرّكة ،قد أدّى إلى ظهور الكتاب المطبوع بأعداد كبيرة ، لاحقاً ، وسهّل من إمكانية الحصول عليه وبأسعار معقولة ووصوله إلى أعداد أكبر بكثير مما كتبه الرُّهبان والعلماء والمختصين والنَّسّاخين والورّاقينَ ، هذا الفنّ ،كان قد تمَّ على يد الألماني " غوِتـنْبِِرغْ – Gutenberg "- ( 1400 –1468 )م .-
    وكان " كوستر " قد طبع أيضاً في هولندة عام1470 بأحرف خشبية - ولكن الصحيح أيضاً أنّ هذه العملية ، عملية الطّباعة ، كانت قد تمتْ قبل ذلك في بعض بلدان الشرق الأقصى ، وهناك شواهدُ مادية على ذلك ، ولكن وكالعادة تُسلَّطُ الأضواءُ على شخوص المركز فقط ، عندما يكون المركزُ قوياً مسيطراً على كل شيء ، وحتى على التاريخ ، وتهمَل الجذورُ الأقدم لأنها تقع ، من وجهة نظرهم ، في الأطراف – Peripherie.
    في مرحلةٍ ما من التاريخ ، تاريخنا ، كان يعمل في ( بيت الحكمة ) : بدار السلام" آلافٌُ من النّسََاخينَ- الوَرّاقين ، ومثلهم من العلماءِ في قِبلة العلم والحضارة _ بغداد _ التي تصارع الموت اليوم ، على أيدي وحوش التقنيّة المدمِّرة _ أقزامِ الحضارة الحقيقية ، مصّاصي دماء وحضارة الشعوب بأنياب عوْلَمة ساحقة طاغيةٍ ، أقول في إحدى مراحل تاريخنا عرَفنا بيوتاً ومراكزَ للتّرجمة وتدريس الحكمة والمعرفة ، في مختلف حواضر العالم العربي ، حيث وصلتْ مرحلة التّطور هذه أوجَها يوم كان الحاكم والعالم والأقلّ معرفةً ومكانةً يقرأ ويبذُل المالَ ، وإنْ قلّ لديه ، من أجل شراء ( المَخطوط ) - الكتاب حسب مصطلح اليوم - ، وبما أنّ التطورَ يسير على نسَق ويشمل كافةَ مرافق الحياة ، فكذلك التأخّر والتّخلُّف – للأسف - يسيران على نفس المِنوال أيضاً.
    القراءةُ التي كانت عندنا ، حتّى أيام جيلنا منذ نصف قرن وأقلّ ، ( شرطٌ لابدّ منه ) _ كما تقول الرومان – للإنسان المتحَضّر المثقّف لأن يكون فعلاً متحضّراً ، أمستْ أمراً ثانوياً تماماً ، ليس أخيراً بسبب التّـغيراتِ في وعلى نمَط الحياة المعاصر تقَنياً المتخلّف معرفياً ، الذي أوحى لأبنائنا من الجيل الشبابي ، أنّ الحضارة تكمُن في تقليد كلّ ما هو غربي ،في الزِّيِّ والمأكل والمشرب وحتى في الغناء والفن بعامة ، إلاَّ في القراءة ، لأن الغرب يقرأ ويقرأ ويترجم أيضاً - ، ولا نجد له في هذه النقطة للأسف تقليداً ومحاكاةً في هذا الأمر .
    في ألمانيا وفرنسا ، على سبيل المثال ، تشكّل نسبةُ الكتب المترجمة إلى لغتهم والصادرة بها حوالي 15% بينما تشكل في الولايات المتحدة الأمريكية 3 % فقط ، ولا أدري كم تشكّل في العالم العربي .
    أعلَمني ابن عمٍّ لي ، يحيا منذ حوالي نصف قرن في بلد أوروبيٍّ صغير هو " النّرويج " ، حيث يستمر اليوم في شماله لستة أشهر وكذلك الليل ، أنهم صعقوا عندما تراجع عددُ المبيعات من الكتب في فترة الأعياد فقط (!!) من مليون كتابٍ ونصف إلى أقلَّ بقليلٍ ، متراجعاً بضع عشرات الآلاف فقط عما هو معهود لديهم ، وذلك عند شعب لا يصِـلُ عددُه إلى الخمسة ملايين من البشر القارئين كباراً وصغاراً وأطفالاً أيضاً ، ويصدر لنا الإبل! .
    من خلال دراستي وإقامتي الطويلة في ألمانيا (غ) عايشتُ ورأيتُ ، فيما يتعلق بموضوع الكتاب والقراءة ، الشيءَ الكثيرَ الكثيرَ ، والحديث في هذا الموضوع وعنه يطول .
    المهمّ – الآنَ – أنْ نعرفَ ماذا جرى لنا ؟! ولماذا لا نقرأ ؟ ولماذا يقتصر عددُ القرّاء عندنا على جماعة صغيرة ، ربما كانت في طريق الانقراض قريباً ؟
    هَلْ هو سعر الكتاب ( المرتفِع ) – كما يقال ؟ هل هي هَجْمة ( المسلّيات ) البصرية من سينما وتلفاز ٍ بفضائياته العديدة وبرامجه المثيرة ؟ هل هي ( شبكة العنكبوت ) التي أمسكتْ بذُبابة عقول البعض وقصَرتْ اهتمامهم فيها على زيارة مواقع معينة فقط ، فيما هي كنز معرفي حقيقي يقدِّم للجميع المعلومةَ المفيدة والعِلم بأشكاله وأنواعه ، وما يلزم من كتب على شكل ( بِتات الكترونية ) قابلة للقراءة – الكتاب الإلكترونيّ - والعمل على نصوصها أيضاً ، مع العلم أن الإحصائيات الحديثة تشير إلى وجود أميَّةٍ إلكترونية إلى جانب الأمية الأبجدية في العالم العربي بنسب متفاوتة ، حيث تبلغ نسبة المتعاملين مع الشبكة العنكبوتية أقل من( 4 % ) من مجموع السكان ، ماعدا دول الخليج والسّعوديّة فالوضع هناك أفضل نسبيّاً .
    طبعتْ لي وزارة الثقافة بدمشق كتاباً مترجماً لشاعر ألمانيّ معاصر وهام ، طُبعت من كتبه في أكثر من عشرين لغة وحتى السّنْسِكريتيـّة منها ، ملايينُ النسخ ، وقد عملتُ عليه حوالي خمسة أعوام ، وأصدرته الوزارة في سِلسِلة ( آفاق ثقافية العدد 29 أيلول 2005 ) وجاء في نحو ( 311 ) صفحة من القطع الوسط وبإخراج وورق جيدين ، ويباع بسعر
    ( 50 ) ل س فقط ما يعادل أقلّ من دولار أمريكيّ واحدٍ فقط... لقد بيع الكتابُ ، ولكن هل يعقلُ أن يُطبع منه عندنا 1500 نسخة فقط لعشرين مليون مواطن ، ناهيك عن عدد سكان الوطن الكبير ؟ .
    صحيحٌ أن الكتابَ أمسى صناعة تحتاج إلى تقنيّات ومعرفة اقتصادية وإلى توزيع جيد ، وأمسى سلعة كذلك ، ولكن الصحيحَ أيضاً أن الكتب الأكثر رواجاً في أسوقنا العربية ، هي كتب الطبخ والسّحر والشّعوَذة و الخرافـةِ ، وأيضاً الكتب الدّينية و التراثية التي تُصوَّرُ غالباً ، تصويراً عن طبعات قديمة بدائية من دون تحقيق ولا شروحات أو فهارس ، وتباع جيداً طالما أنها تُغلّف برداء قَشيب عليه بعض ماء الذهب .
    من الصحيح أيضاً أنّ هناك إشكالات عديدة بين المؤلف والناشر ، تُختَزل بعبارة واحدة : عدم الثقة ، فالناشرُ لا يعطي ما لقيصر لقيصر ولا يعطي ما هو حقُّ المؤلِّف للمؤلِّف ، وإنما يريد أن يبتلع ، أحياناً ، كلَّ شيء ... لا يصدُقه بالدّفع ، ولا بعدد النسخ المطبوعة ولا بنفاذها ، إنْ نفذتْ... إلخ . هذا الأمر يحتاج إلى حل قانوني جذريٍّ ومحْكَمٍ ، ربما على شكل استمارة موحّدة واضحة تماماً ، ناهيك عن أعمال السّرِقة والسّطو على المُنتِج الفكري والمُنتِجِ ، برغم قانون حماية المؤلف والأعمال الإبداعية الأخرى .... ولكن من يحاسب من ؟ وأين ؟ وكيف ؟ ومتى؟
    أمّا بشأن توزيعُ الكتاب ، وهو المِحَكُّ الأساس ، في إيصال الكتاب المطبوع إلى القارئ في الوطن وخارجه ، ولا أتحدث هنا إلاّ ضمن العالم العربي ، فالآخر يبدو أمامَنا منغلقاً ومغلّقاً لأسباب عديدة ، لا مكان لمناقشتها هنا والآن ، هذا التوزيعُ هو ، في كثير من الأحيان مَـعطوبٌ وقاصرٌ ، وبخاصة عندما يكون الكتاب صادراً عن جهة رسميّة ما ، حيث تنعدم الرغبةُ وينعدم الحافز ( الماديّ ) عند الموظف للعمل من أجل توزيعه بشكل جيد وفعال .
    أما دور النّـشر الخاصة ، وبخاصة تلك التي تعمل بنشاط فعليّ على نقل الكتب ، وبمعاناة حقيقية متعددة الجوانب ، لأن الكتاب مُنتَج خطِر لا يَخترق الحدودَ ببساطة ، لأسباب تختلف من مكان إلى آخر ومن عين رقيب واسعة الأفق إلى عين آخرَ زجاجيّة مُبرمجة على كلمات معينة وربما على أسماء بعينها ، هذه الدور التي تلهث من معرض في شرق المتوسط إلى آخرَ في أقصى الخليج وما بينهما من حواضر أو مدن تقع في الرمال أو النسيان ، هذه الدور تحقق فعلاً ، هنا وهناك ، بعضَ النجاح (!) الذي هو في المُحصّلة ، ليس بأكثر من ( قطرات على حجر ساخن ) – كما يقول الألمان – أي أنّ الأرقامَ المتداوَلة لجميع هذه الدور في عموم الوطن العربي – لا تقارب أرقامَ توزيع دار نشر أوروبية متواضعة ، إنْ لم نقل من نوع الـ ( ميني ) – الصغيرة - .
    ما العمل إذن ؟ وهل يمكن لنا أن نقدم ما يسهم فعلاً في حل أزمة الكتاب وبخاصة توزيعه ، وفي إيقاظ همّة القراءة لدى الناس وبخاصة الشباب منهم من خلال إجراءات عديدة تتعلق أولاً بنوعية ومادة الكتاب – إخراجه – سعره المَدروس ، ولا أقول المدعوم – تسهيل حركته المحلية والبينيّة – الحدّ من الرقابة الضيقة المغلّقة ... الخ
    أقول ، حتى إشعار آخر وبصدق تام : لا ، لن يغيّر هذا شيئاً يذكر ...
    أقول كناشر – وصاحب امتياز " دار الذاكرة – حمص / سورية " وكمبدع أيضاً ، يعرف كيف تسير الأمور على أرض الواقع ، حاول أن يقدم للقارئ العربي كتاباً جيداً بسعر الكلفة تقريبا ، وأرجو أن تصدّقوا ذلك ، فخسر عدة ملايين، لأنك توزع بالأمانة !!! ولا أمانة مع الذئاب المحترفين .
    الجهل يسير أيضاً على نسق ويشمل كلَّ نشاطات الحياة ، وعندما يتغير هذا الواقع الشّاذ ربما يتغير الجواب ، جوابي... ونحن ننتظر عودة ( قدموس ) منذ أكثر من ألفي عام ، فإلى متى ننتظر ؟...
    =================================================
    حمص _ سورية 29/3/2006 E-Mail:mutlak@scs-net.org
    (*)ألقيت في الندوة الفكرية التي أقامها فرع اتحاد الكتاب في حمص تحت عنوان " مشكلات الكتاب وواقع القراءة " بتاريخ 24/4/2006 .

    حمص – سورية / Homs-Syria
    بغطاسية – شارع ابن زريق 3
    هـ : عيادة (Prax.) 2222655 31 963 +
    ص.ب.( 1484) P.O.B.
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

  3. #3
    أخصائي نفسي الصورة الرمزية أشرف دسوقي علي
    تاريخ التسجيل
    31/03/2008
    العمر
    55
    المشاركات
    200
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    ان ازماتنا الحقيقية تكمن هنا , العقل العربي , ولقد حاولت التأمل والتفلسف والبحث في الاسبا ب الحقيقية لهذا التدهور , لم اقع علي سبب بعينه , ورغم كل مايقال وتحميل جهات عديدة سبب هذا التخلف فان الانسان _ الفرد _ مسئول عن تخلفه ومسئول عن هذه الوضع المتردي وذلك للاسباب الاتيه:
    لا يوجد مانع حقيقي من ممارسة القراءة الا عدم رغبة الشخص نفسه
    رغم كل المعوقات و الوضع الاقتصادي المتردي فان البلاد ملاي بالمكتبات المجانيه
    وفرت النت الاف الصعوبات و بسعر زهيد
    ورغم انشغال المرأ ( باكل العيش )الا ان القراءة, ولو صفحة واحدة يوميا, سوف تمنح الفرد ثقافة غزيرة علي مدار العام
    نحن نعشق الشكوي والاتكال دون حركة حقيقية , ولاشك ان معظمنا لا يستخدم سوي خمس قدراته علي الاكثر..... نعم الحياةشديدة الصعوبة ولكن , نحن نزيدها صعوبة علي انفسنا ,, أمة اقرأ ..لا تقرأ!


  4. #4
    أخصائي نفسي الصورة الرمزية أشرف دسوقي علي
    تاريخ التسجيل
    31/03/2008
    العمر
    55
    المشاركات
    200
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    ان ازماتنا الحقيقية تكمن هنا , العقل العربي , ولقد حاولت التأمل والتفلسف والبحث في الاسبا ب الحقيقية لهذا التدهور , لم اقع علي سبب بعينه , ورغم كل مايقال وتحميل جهات عديدة سبب هذا التخلف فان الانسان _ الفرد _ مسئول عن تخلفه ومسئول عن هذه الوضع المتردي وذلك للاسباب الاتيه:
    لا يوجد مانع حقيقي من ممارسة القراءة الا عدم رغبة الشخص نفسه
    رغم كل المعوقات و الوضع الاقتصادي المتردي فان البلاد ملاي بالمكتبات المجانيه
    وفرت النت الاف الصعوبات و بسعر زهيد
    ورغم انشغال المرأ ( باكل العيش )الا ان القراءة, ولو صفحة واحدة يوميا, سوف تمنح الفرد ثقافة غزيرة علي مدار العام
    نحن نعشق الشكوي والاتكال دون حركة حقيقية , ولاشك ان معظمنا لا يستخدم سوي خمس قدراته علي الاكثر..... نعم الحياةشديدة الصعوبة ولكن , نحن نزيدها صعوبة علي انفسنا ,, أمة اقرأ ..لا تقرأ!


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •