عناصر التاثير في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي

الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري


تمهيد
تعتبر عملية اتخاذ القرار المرحلة النهائية لمراحل عدة تسبقها ، تتمثل في تبني موقف معين من قضية ما ، ثم عملية دراسة تتضمن مشاورات عديدة مع سياسيين أو مهنيين ، وهي مرحلة إعداد القرار ثم مرحلة صنع القرار والتي يتم فيها التشاور مع سياسيين وحزبيين ووضع مشروع القرار في صورته القانونية ، ثم بعد ذلك المرحلة النهائية ، وهي التي يتخذ فيها القرار من السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة كما في النظم البرلمانية ، أو الرئيس كما في النظام الرئاسي ، أي أن القرار السياسي هو نتيجة لمجموعة من التفاعلات المستمرة التي تحدث بين القوى السياسية والبيئة .. وتكشف عملية اتخاذ القرار عن أهمية البيئة المحلية والإقليمية والدولية للقرار وعن آلية عمل النظام السياسي لأية دولة وعن مجموع القوى الحزبية والسياسية ، وغير الحزبية ومدى قدرتها في التأثير على الحكومة ، وخاصة عند اتخاذ قرارات تتعلق بمصير الدولة ..
ويعتبر النموذج الإسرائيلي في عملية اتخاذ القرار من النماذج الصعبة، بغض النظر عن الأطر النظرية لعملية صنع القرار، وذلك لتعدد العوامل والمتغيرات التي تتعلق بعملية اتخاذ القرار السياسي في المجتمع الإسرائيلي، بسبب تعدد أشكال التركيبة المجتمعية وتعدد ثقافاتها وانعكاسها على التركيبة العسكرية والأمنية والحزبية والسياسية ، واتجاهاتها الأيديولوجية المتعددة ..
سمات السياسة الإسرائيلية وأثرها في صنع القرار السياسي
من جانب آخر فان صنع القرار السياسي في إسرائيل أمر يرتبط بوجودها غير الشرعي على الأرض الفلسطينية وكذلك يرتبط بادراك العوامل المحركة والرابطة للأحداث والتطورات الداخلية والخارجية بغية الوصول إلى تحديد واضح للسلوك الاسرائيلى تجاه (أزمة ما) والباحث في السياسة الإسرائيلية يجد أنها تتسم بثلاث سمات رئيسة هي:
1. الثقافة السياسية ، التي تعبر عن مجموعة العقائد والأفكار التي يعتنقها صانعو القرارات ..
2. اصطباغ السياسة بالصيغة الاجتماعية أو ما يسمى التفاعل الاجتماعي للسياسة ..
3. خصائص البنيان السياسي ذاته ..
ومن دراسة هذه السمات وتطبيقاتها الميدانية، منذ تأسيس الكيان الاسرائيلى عام 1948 وحتى الوقت الحاضر ، نجد أن هذا الكيان هو كيان قائم على صناعة الحرب وإنتاج العنف بحكم طبيعته وتكوينه البنيوى وتشكله التاريخي ، ولا يمكن لهذا الكيان أن يتخلى عن هذا الأمر حتى لو أراد ذلك لان المجتمع الاسرائيلى متشبع بمباديء الحركة الصهيونية ، القائمة على العنصرية والعدوانية واستلاب حقوق الآخرين ..
فحسب هذا المفهوم فإن القوى الفاعلة والضاغطة في إسرائيل، والتي تتحكم في مسارات السياسة الإسرائيلية، هي الأحزاب السياسية والجماعات الضاغطة وتلك التي لها مصالح خاصة والتي تلعب دورا فاعلا في التأثير على شكل القرار وطبيعته ومحتواه ، ومن تصنيفات هذه الجماعات تبرز المؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخبارية والأمنية الإسرائيلية و يهود الشتات واتحاد العمال اليهود (الهستدروت ) ، وبعض هذه الجماعات قليلة التأثير وسريعة الزوال ، لكن البعض الآخر يتصف بالتركيب الحيوي المستمر ومن ذوى الأهمية خاصة تجاه قضايا مصيرية بالنسبة لإسرائيل ومن ذلك الموقف من الحرب والسلام والمقاومة الفلسطينية وتصفية قياداتها إلى أخره ...

الأحزاب السياسية الإسرائيلية والجماعات الضاغطة

الأحزاب السياسية الرئيسة في إسرائيل هي التي تشكل أساس نظام الحكم فيها وهي التي تكون الحكومة كسلطة تنفيذية والبرلمان ( الكنيست ) كسلطة تشريعية ..

الكنيست

هو الجهاز الأكثر قوة من أي جهاز حكومي أخر في إسرائيل و يضمن القانون الإسرائيلي حرية الترشيح لانتخابات الكنيست بشرط أن لا يقل سن المتقدم عن 21 عاما يوم تقديم أوراق ترشيحه و حسب القانون الإسرائيلي يذهب المواطنون إلى لجان الانتخابات كل حسب موقع سكنه ولابد للناخب من صورة شخصية له أثناء إدلاؤه بصوته .. ويدلي الناخب بصوته لصالح قوائم من المرشحين تضعها الأحزاب و ليس لصالح مرشح واحد وتحصل الأحزاب على تمويل لحملاتها الانتخابية من الدولة بحسب قوتها في الكنيست السابق ويشرف على الانتخابات لجنه يرأسها أحد أعضاء محكمة العدل العليا و تتألف من مندوبي الأحزاب بحسب قوتها في الكنيست السابق..
ويوجد على الساحة السياسية عدد كبير من الأحزاب تتنافس وبكل قوتها للوصول إلى سدة الحكم في إسرائيل وتنقسم الأحزاب في إسرائيل إلى أحزاب عربية وهى قليلة جدا والى أحزاب يهودية تنقسم إلى ثلاثة معسكرات أبرزها :

معسكر اليسار

1 . حزب العمل : إسرائيل واحدة ، وهو حزب اشتراكي ديموقراطي صهيوني تأسس عام 1968 … ويعتبر حزب العمل امتدادا لحزب الماباي الذي أسسه بن غوريون وغولدا مئير ..

2 . مابام : وهو حزب اشتراكي صهيوني تأسس 1948 وقد حدث فيه كثير من الانشقاقات بسب تباين أراء قادته بشأن العمليات الإرهابية ضد العرب .

3 . راتس : وهو حزب صهيوني تأسس عام 1973 على يد مجوعة من أعضاء حزب العمل كانوا قد انشقوا عنه . .

4 . شينوي : هو حزب صهيوني ليبرالي تأسس عام 1974 ، ويذكر أن الأحزاب الثلاثة الأخيرة ( مابام ، راتس ، شينوى) قد أقامت تكتلا فيما بينها عام 1992 عرف باسم ( كتلة ميرتس) ثم تحولت إلى يا حد ..
معسكر اليمين

1 . الليكود : وهو حزب يميني شديد التطرف تأسس سنة 1973 على يد مجرم الحرب أرئيل شارون .. ووصل حزب الليكود لسدة الحكم لأول مره في تاريخه عام 1977 وكان ذلك عن طريق التحالف مع الأحزاب الدينية وقد تأسس الليكود نتيجة اتحاد قام بين أحزاب أربعة هي :

أ . حيروت : حزب يميني قومي شديد التطرف أسسه مناحم بيجن القائد العام لمنظمة إيتسل الإرهابية ورئيس الوزراء الصهيوني الأسبق عام 1948 . .
ب . الأحرار : تأسس عام 1961 من اتحاد حزب اتحاد الصهيونيين العموميين و الحزب التقدمي ...
ج . المركز الحر: حزب يميني متطرف تأسس عام1967 على يد مجموعة من أعضاء حزب حيروت وكانوا قد انشقوا عليه ...
د . القائمة الرئيسة : أسستها مجموعة من أعضاء حزب رافي بعد أن انشقت على حزبها وكان هذا في عام 1968 ..
2 . هتحيا : هو حزب شديد التطرف قوميا وقد أسسته القوة المعارضة لاتفاقية كامب ديفيد حيث اعتبروا هذه الاتفاقية خيانة للأهداف الصهيونية وكان هذا في أواخر عام 1979 ..
3 . تسومت : حزب شديد التطرف أسسه رئيس الأركان السابق رفائيل إيتان وكان هذا عام 1983..
4 . يعودا : حزب يميني شديد التطرف تأسس في فبراير 1994 على يد مجموعة من أعضاء حزب تسومت الذين كانوا قد انشقوا عنه ..
5 . موليدت : حزب قومي شديد التطرف تأسس عام 1988 ويدعو هذا الحزب إلى إنشاء وكالة متخصصة تشجع هجرة الفلسطينيين للخارج وتمنع العمال العرب من الدخول لإسرائيل وإغلاق الجامعات والمعاهد العربية ولهذا يضطر العمال والطلاب العرب احيانا السفر من فلسطين إلى الدول العربية للدراسة أو العمل ، ومن ثم تلحق بهم عوائلهم وبهذه يتم استبعاد الفلسطينيين تباعا من ارض آبائهم واجداهم .. .
6 . كاخ :- هو حزب يميني عنصري أسسه الحاخام المتطرف مائير كاهانا سنة 1973 وهذا الحزب شديد التطرف دينيا وقوميا ..
7 . يسرائيل بعلياه : حزب المهاجرين الروس الجدد ..
المعسكر الديني
1 . الحزب الديني القومي ( المفدال ) : هو حزب دينى صهيوني تأسس عام 1956 من اندماج حزبيـــــــــــن هما ( همزراحي ) و( هبوعيل همزراحي ) وهذا الحزب يسيطر على الحاخامية العليا في إسرائيل ..
2. أغودات يسرائيل: حزب سياسي ديني معاد للصهيونية وقد تأسس في بولندا عام 1912 وهذا الحزب يعتبر أن الصهيونية ستخرب بعلمانيتها الأسس الروحية التي تعيش عليها الطوائف اليهودية..
3 . ديغل هتواراه : حزب متعصب دينيا ولكنه أقل تطرفا في الجانب السياسي حيث يطالب بإقامة دولة فلسطينية ولكن منزوعة السلاح وقد أسس الحزب مع حزب أغودات يسرائيل وموريا كتلة برلمانية تدعى يهدوت هتوراه وكان هذا في عام 1992 ..
4 . شاس: حراس الثورة الشرقيين ، وهو حزب شديد التطرف والعنصرية تأسس عام 1984 بتشجيع من الحاخام عوفاديا يوسف الذي وصف العرب بأنهم أفاعي وله الكثير من التصريحات العنصرية ضد العرب ..
5 . حزب يسرائيل بتينيو أو بيتنا: أسس الحزب أفيجدور ليبرمان عام 1999 بالائتلاف مع حزب الوحدة الوطنية بقيادة بنيامين بيغن ابن مناحم بيغن.‏ ..
الأحزاب العربية
1 . راكح حداش : تأسس عام 1919 وهو يؤيد مطالب عرب فلسطين في الاستقلال وعودة اللاجئين ويطالب بانسحاب إسرائيل حتى حدود 4 يونيو 1967 ..
2 . القائمة التقدمية للسلام : حزب تأسس عام 1984 وأسسته قيادات عربية ويهودية ويطالب هذا الحزب بالتساوي التام بين العرب واليهود في إسرائيل والانسحاب من الأراضي المحتلة حتى حدود عام 1967 . .
3 . الحزب الديمقراطي العربي : وهو أحدث حزب عربي في الدولة العبرية ويختلف عن غيره في أنه هو الحزب الوحيد القائم علي أساس عربي دون وجود أي عنصر يهودي .. وقد أسسه عبد الوهاب الدراوشة عام 1988 ..
4 . حزب شعب واحد: أسسه أمير بيريز رئيس الهستدروت وأحد أعضاء حزب العمل في الكنيست لعام 1996 ومثله في الكنيست السابق نائبان والكنيست الحالي نائبان أيضاً ..
الحكومة
حسب القانون الإسرائيلي تعتبر الحكومة هي الســلطة التنفيذية للدولة ويكون مقرها الدائم في القدس .. وهي التي تدير أعمال الدولة وتصوغ سياستها .. ولابد لرئيس الحكومة أن يكون عضوا منتخبا في الكنيست وهذا الأمر الذي لا ينطبق على بقية الوزراء ، ويحق لكل وزير أن يمتلك أكثر من حقيبة وزارية ولكنه في العادة يمتلك حقيبة وزارية واحدة .. والحكومة الإسرائيلية تظل باقية في الحكم مادامت تحظى بثقة الكنيست وبالنسبة للوزارات فهي تعقد اجتماعا أسبوعيا برئاسة رئيس الحكومة أو من ينوب عنه في غيابه ويوجد في إسرائيل حوالي 22 وزارة غير أن أهم هذه الوزارات هي :

1 . وزارة الدفاع : مقرها في تل أبيب وهي الوزارة المسئولة عن العسكريين وجرحى الحرب والمصابين وفيها دائرة الجدناع ( كتائب الشباب ) التي توفر تدريبات عسكرية للشباب الاسرائيلي الذين يتراوح سنهم بين ( 14 – 18 ) سنة ..
2 . وزارة الخارجية : وهي مسئولة عن السياسة الخارجية الإسرائيلية عن طريق سفاراتها و قنصلياتها بالخارج ..
3 . وزارة الداخلية : وهي التي تدير شؤون الحكم المحلي وتشرف على الانتخابات العامة والمحلية ..
4 . وزارة الشرطة :- وهي المسئولة عن نشاط الشرطة وإدارة السجون ..
رئيس الدولة
تعتبر رئاسة الدولة في إسرائيل منصب شرفي فقط إلا أن رئيس الدولة له عدة صلاحيات هي :
1 . اختيار عضو الكنيست المكلف بتأليف الوزارة الجديدة ..
2 . إصدار العفو عن بعض السجناء ..
3 . المصادقة على تعيين الدبلوماسيين في الخارج وتلقي أوراق اعتماد الدبلوماسيين الأجانب ..
وتكون فترة ولاية الرئيس خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط .
المؤسسة العسكرية
أما المؤسسة العسكرية فتمثل مركز الصدارة لاعتبارات قوية جعلت منها احد ابرز العناصر التي منها وبها يتشكل القرار السياسي الإسرائيلي على أساس أن الأمن، حسب الأدبيات الإسرائيلية، هو الإطار الذي يتحكم في العمل السياسي ببعديه الداخلي والخارجي ..
وجدير بالذكر أن دور العسكريين في الحياة السياسية الإسرائيلية يعتمد بشكل كبير على دور رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان العامة بشكل خاص ..
ويمكن تلمس ذلك في الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها اولمرت حاليا، والذي يتمكن من اتخاذ قرارات مهمة وشاملة وخطيرة مثل إعلان حالة الطواريء وتعبية الاحتياط لمواجهة الظروف الطارئة التي تواجهها إسرائيل ..

الأجهزة الأمنية

أما التصنيف الثاني الذي يلعب دورا أساسيا في صنع القرار السياسي خاصة ما يتعلق بالعنف والتصفية الجسدية هي الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية التي تحتل موقعا مهما في بنية الكيان الإسرائيلي، لذلك تعد من أهم أدوات الاستراتيجية والحرب الإسرائيلية وتعتمد عليها القيادة الإسرائيلية في عملية صنع القرارات السياسية وفى توجيه سياستها الداخلية والخارجية والعسكرية وذلك استنادا لمهامها وتنظيمها وخصائصها .. وللاستخبارات الإسرائيلية خاصية تختلف عن باقي أجهزة الاستخبارات في العالم كونها تشكل العمود الفقري لنظرية الأمن الإسرائيلي، وهذه الأخيرة تمثل جوهر العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وعليها يتوقف بقاء (الدولة) واستقرارها في كيانها الحالي .
من هذا يتبين أن هذه الأجهزة تحظى أيضا باهتمام وعناية من الدرجة الأولى مقارنة بالمؤسسات الإسرائيلية الاخري التي تشارك في صنع القرار السياسي ..
فالقرارات السياسية الخطيرة والمصيرية في إسرائيل تبنى على ما تقدمه أجهزتها الاستخبارية من معلومات وتقديرات وإنذارات عن ( العدو ) و( العدو المحتمل ) وتتمثل مساهمة هذه الأجهزة في رسم السياسة الإسرائيلية في صورتين هما:
1. تقديرات وتوقعات بشان موضوع محدد ومبلور، الهدف منها مساعدة صانع القرار في عملية اتخاذ القرار أو مجموعة القرارات ..
2. تقديرات جارية ومستنفذة تشمل مجالات اهتمام صانعى القرارات ويكون الهدف منها في هذه الحالة إطلاع المستوى القيادى على التطورات المستجدة وشحذ إدراكهم ويقظتهم تجاه المعضلات والتحديات الأكثر خطرا وأهمية بالنسبة لإسرائيل.
في الصورة الأولى: تقديرات تمهيدية لاتخاذ القرار السياسي الاستراتيجي، وهنا تكون الاستخبارات إحدى الهيئات الرئيسة التي تســاعد في توضيح الاحتمالات التي تواجه القادة السيـــــاسيين على اتخاذ القرار، فمثلا : مساهمة هذه الأجهزة في تقديم المساعدة لصانعي القرار بشأن موضوع الانتفاضة والثورة الشعبية الفلسطينية ، وتتحدد هذه المساهمة بشكل خاص على جمع المعلومات الدقيقة عن أماكن تواجد الفدائيين والإبلاغ المسبق عن استعدادهم للقيام بعملية فدائية في إحدى المناطق الفلسطينية المحتلة، وعندما ينجح الفدائيون في تنفيذ عمليتهم الفدائية ضد أهداف إسرائيلية يعمل الموساد والاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام على تزويد صانعى القرارات بالمعلومات لتحديد هوية منفذي العملية وقواعدهم ومن ثم تقديم المعلومات والمشورة ودراسة الاحتمالات للعمل المضاد وهنا تشارك الاستخبارات العسكرية ( امان ) بثقل في هذه المرحلة كونها تتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية معينة ..
إن هذه المعلومات الوضعية تشكل مساهمة ذات أهمية كبيرة ، وحاسمة أحيانا ، في عملية اتخاذ قرار الرد على العملية الفدائية ..
في الصورة الثانية: الموجهة لإثراء معلومات ومعرفة ويقظة صانعي القرار بشكل أوسع تبرز هناك معضلات تواجه الاستخبارات سواء في مجال الأطر العامة للموضوعات قيد البحث أو في مجال التعمق في عرضها. .
فالإنذار الاستخبارى الفوري هو الذي يفرض إلى درجة كبيرة مدى وافق هذه الموضوعات ، في حين أن النظرة للمسائل الأساسية في السياسة الخارجية ، هي بشكل عام تتجاوز أفق النظرة الانذارية الفورية ..
وهنا قد يحصل تقاطع بين تقييم ومشورة أجهزة الاستخبارات وبين تقييم الجانب السياسي للموضوع وهذه الحالة هي من افرازات الفشل الاستخبارى الاسرائيلى الذي تكرر أكثر من مرة، ولذلك اتخذت الحكومة الإسرائيلية جملة من الإجراءات لاحتواء هذه الحالة -لا مجال لذكرها هنا ، ولكن الأمر ظل بين مد وجزر ومناقشات مطولة ولم يحسم بشكل نهائي كونه يتعلق بنظرة وفهم واجتهادات شخصية لكل من قادة الأجهزة الاستخبارية والقادة السياسيين وهذا يفسر سبب حصول تغييرات بين القادة الاستخباريين والسياسيين والعسكريين بين الحين والأخر ..
إن مدراء ورؤساء الأجهزة الأمنية والاستخبارية يساهمون في عملية المناقشة مع القادة السياسيين والعسكريين حول المواقف والأحداث والقرارات من خلال اللجان السياسية والعسكرية والتي هم أعضاء فيها أو يستدعون إليها عند الحاجة .. وهذه اللجان هي :
هيئة الأركان العامة في الجيش، اللجنة الوزارية لشؤون الأمن، لجنة الخارجية و الأمن في الكنيست...الخ ، لذلك فهم يساهمون شخصيا ببناء ووضع القرارات إلى جانب المعلومات والإنذارات والتقديرات التي تقدمها أجهزتهم للقيادة الإسرائيلية. ومن الأمثلة على ذلك المشورة التي قدمتها أجهزة الاستخبارات لرئيس الوزراء شارون منتصف شهر أيلول عام 2002 بعدم تصفية أو إبعاد الرئيس الراحل ياسر عرفات من رام الله ، والاستمرار بمحاصرته ومضايقته لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية ونفسية محددة ..
من جانب آخر، فان صاحب القرار السياسي الذي يعتمد على معلومات الاستخبارات في صنع قراراته السياسية يتأثر دائما بقدرات وحدود التقدير والتحليل الاستخبارى لهذه الأجهزة، وهذه مسالة ذات أهمية حيوية بالنسبة لصانعي السياسة، لذلك نجد أن نظرية الاستخبارات الإسرائيلية ترتبط في مجال تقديم التقديرات الاستخبارية لصانع القرار السياسي بمواقف ثلاثة كل موقف له شروطه الخاصة وهي:
1. قيام الاستخبارات بقراءة القرارات المتخذة من قبل الجانب الســـياسي بصورة صحيحة وفى الوقت المناسب ..
2. تولى الاستخبارات تحديد ردود الفعل المحتملة والممكنة تجاه موقف معين و اى من هذه الردود هو الأكثر احتمالا ..
3 . ينبغي على الاستخبارات تحديد بداية أي عملية وان تراقب عن كثب تطورها وان تعرف في وقت مبكر لحظة القرار ..

نموذج لصنع قرار سياسي

لنأخذ مثالا على دور الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في صنع القرار السياسي هو الاغتيال أو التصفية الجسدية ، ففي مثل هذه الحالة تقوم الأجهزة الأمنية بإعداد ملفات المعلومات الخاصة بالهدف المطلوب مع خطط العمل المقترحة للتنفيذ والمقترحات التي تساعد في صياغة القرارات الخاصة بالعملية الإرهابية والاغتيال ضد أبناء الشعب الفلسطيني وقياداته وممتلكاته
هنا تتولى لجنة رؤساء الأجهزة الامنية المعروفة باسم ( فعادات) (وهي الهيئة التي تنسق بين عمليات وأنشطة أجهزة الأمن والاستخبارات والتي يشرف عليها رئيس الوزراء شخصيا أو ينوب عنه مدير الموساد عند غيابه ) إدارة الاجتماعات الخاصة باتخاذ مثل هذا القرار , وهذه الاجتماعات يحضرها وزير الدفاع أو أي مسئول أخر تتطلب عملية الاغتيال حضوره في مقر جهاز الموساد في ضواحي تل أبيب أو في مدرسة الاستخبارات العسكرية شمالي تل أبيب على الطريق المؤدية إلى مطار ( سديه دوف) أو في غيرها من المقرات الأمنية ..
وخلال هذه الاجتماعات يتم تبادل وتنسيق المعلومات والخبرات والآراء التي تساعد في بلورة قرارات هذه العملية السرية وطرق تنفيذها ضد الهدف .. وتشير بعض المصادر المتخصصة بالاستخبارات الإسرائيلية أن واحدا من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هو الذي يتولى افتتاح هذا الملف الأساسي ثم توزيعه على ممثلي الأجهزة الأمنية ذات العلاقة وهي الموساد( المخابرات ) والأمان( الاستخبارات العسكرية ) والشاباخ ( جهاز الأمن العام ) وكل واحد من هذه الأجهزة يقوم برسم خطته وتحديد وسائل العلاج والمتابعة الخاصة به بناء على حدود صلاحياته ونطاق مسؤولياته ..
بعد ذلك تقوم الأجهزة الثلاثة المذكورة بجمع المعلومات عن الهدف المطلوب , وكل حسب وسائل تجسسه الخاصة من المصادر البشرية والالكترونية , ثم ترسل هذه المعلومات إلى ( بنك معلومات ) مشترك , مهمته الإشراف على تحليلها وتقييمها بطرق مختلفة , بناء على درجة الاهتمــــام الموجودة لدى كل جهاز لذلك الهدف .. وجدير بالذكر أن قسم جمع المعلومات في الاستخبارات العسكرية ( أمان ) هو الذي يتولى مسؤولية الإشراف على إدارة مهام ذلك ( البنك المشترك ) ..
بعد عملية جمع المعلومات عن الهدف وإجراء التحليل الاستخباري والأمني لها والتوصل إلى استنتاج مشترك مفاده أن الهدف يشكل خطرا على إسرائيل وانه ينوي القيام بعمل مباشر ضدها يباشر فورا بوضع الخطط المقترحة للاغتيال أو للقيام بالعمل العسكري المطلوب ضد هذا الهدف ..
تقوم بعد ذلك لجنة ( فعادات ) بدراسة الخطط المقترحة من كافة جوانبها لحين القرار على خطة واحدة , ويتركز جانب مهم من مراحل إعداد عملية التنفيذ على كل الاحتمالات بما في ذلك إعداد خطط بديلة وطرق فرار وانسحاب مختلفة وكل ذلك يتم وفقا لتطور الأوضاع على الأرض ..
خلاصة القول إن عملية التصفية الجسدية مسالة استخبارية عسكرية ميدانية إرهابية يشارك فيها عادة عشرات العناصر الأمنية عدا القوى العسكرية الساندة , وبسبب التكتم الشديد عليها لا يسمح إلا بإطلاع عدد محدود جدا من المسئولين على تفاصيل الخطة النهائية للعملية بعد أن يصادق عليها المجلس الوزاري الأمني , وإذا كانت العملية تختص بجهاز واحد فقط فان هذا الجهاز غير ملزم بكشف تفاصيلها أو وصف آلية العمل , لكنه ملزم بتحديد وقت العملية ومكان تنفيذها لعدم حصول تقاطعات في العمل أو تضارب في مصالح الأجهزة الأخرى التي تعمل في نفس الوقت وفي نفس المنطقة أو تمس بعملية جمع معلومات يقوم بها جهاز آخر .. إلا أن الكثير من عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية التي نفذت كانت باشتراك جهازين على الأغلب وبدعم وإسناد القوات البرية والجوية الإسرائيلية والقوات الخاصة ووسائل الحرب الالكترونية والتشويش وأحيانا تشارك فيها أيضا القوات البحرية إذا كانت منطقة العمل تقع قريبة من مناطق تواجدها . .