أعزائي شعراء وكتاب واتا حمداً لله على سلامة هلالكم وعودته لبيته واتا.
فيما يلي أحب أن أورد بعض قصائد كبار الشعراء السودانيين وذلك للتعريف بهم وبقصائدهم ونبدأ بالشاعر : محمد المكي إبراهيم:

قطار الغرب
شعر: محمد المكي إبراهيم

عفوًا عفوًا يا أجدادي شُعراءَ الشعب
يا من نظموا عقد الكلماتِ بشكة سهم
أنا أعلمُ أنَ الشعرَ يواتيكم عفو الخاطر
عفو الخاطر...
وسبقتوني فى هذا الفن : وداع الأحباب
خُضتم أنهار الدمع وراء أحبتكم
باركتم بالدعوات مسار أحبتكم
من أسكلة الخرطوم ألى الجبلين إلى الرجاف
قاسيتم، وأنا يا أشياخي قاسيت
كل السودان يقاسي يا شعراء الشعب
فدعونى أسمعكم شجوي
شجوي أدعوه قطار الغرب
*****************
اللافتة البيضاء عليها الإسم
باللون الأبيضِ باللغتين عليها الإسم
هذا بلدى والناسُ لهم ريحٌ طيب
بسماتٌ وتحايا ووداعٌ مُتلهِب
كل الركابِ لهم أحباب
هذى إمرأةٌ تبكى
هذا رجلٌ يمسحُ دمع العينين بأكمام الجلباب
"سلم للأهل ولا تقطع منا الجوَاب"
وارتج قطارُ الغربِ، تَمطَى فى القُضبان
ووصايا لاهثةٌ تأتى وإشارات ودخان
وزغاريد فهناك عريس فى الركبان
********************
ها نحن تركنا عاصمة الإقليم
دخلنا وادى الصبر
كل الأشياء هنا لا لمعة تعلوها
كل الأشياء لها ألوان القبر
الصبر الصبر الصبر
الكوخ المائل لا يهوى
والشجر الذاوى ليس يموت
والناس لهم أعمار الحوت
أحياء لأن أبا ضاجع أما
أولدها فأسا يشدخ قلب الأرض
يحتاز كنوز الأرض ويبصقها دما
لتظل البورصة حاشدة والسوق يقام
وقطار الغرب يدمدم فى إرزام
تتساقط أغشية الصبر المترهل حين يجئ
ألوان الجِدة فى وديان الصبر تضئ
والريح الناشط فى القيعان يمر
يا ويل الألويةِ الرخوة
يا ويل الصبر
***************
ساعاتُ الأكلِ تعارفنا
الصمت الجاثمُ فى الحجراتِ انزاح
وتبادلنا تسآل فضوليين
تحدثنا فى ساس يسوس
وتحذلقنا عن جهد الإنسان الضائع
فغرسنا كل الأنحاء مزارع
جئنا بالجرارات حرثناها
هذى الأرض الممتدة كالتاريخ
حبلى بالشبع وبالخصب المُخْضَل
والناس هنا خيرات الأرض تناديهم
لا أذنَ تُصيخ...
دعنا منهم ...وتدارسنا تحديد النسل
وتجولنا عبر الدرجات
عربات شائخة تتأرجح بالركاب
ومقاصير للنوم بها أغراب
الأولى خشخش فيها الصمت
والرابعة العجفاء بها إعياء
ضاعت تذكرةُ المرأةِ ذاتَ محط
ورجالٌ يكتتبون ورجرجةٌ وضجيج
ومآذن فى الأفق المدخون تضيع
كوستى وأناس ينصرفون بلا توديع
وأناس يشتجرون على الكنبات
******************
ها نحن دخلنا ما بين النهرين
الناس هنا جنس آخر
فقراء وثرثارون ولهجتهم فى لين القطن
والباعة ملحاحون وحلاقون
ولهم آذان تسمع رنة قرش فى المريخ
هذا نوع فى كل نواحى القطر تراه
جنس رحال منذ بدايات التاريخ
أرض الذهب البيضاء بهم ضاقت
رغم الخزان المارد والذهب المندوف بهم ضاقت
فانبثوا فى كل متاهات السودان
الشئ المفرح أن لهم آذان
وعيونا تعرف لون اللص الرابض للقطعان
وسواعد حين يجد الجد تطيح
*********************
هذه ليست إحدى مدن السودان
من أين لها هذى الألوان؟
من أين لها هذا الطول التياه؟
لا شك قطار الغرب الشائخ تاه!
وسألنا قيل لنا الخرطوم...
هذى عاصمة القطر على ضفات النيل تقوم
عرباتٌ
أضواءٌ
وعِمارات
وحياةُ الناسِ سباقٌ تحت السوط
هذا يبدو كحياة الناس....
خيرٌ من نومٍ فى الأريافِ يُحاكى الموت
ما أتعسها هذى الأرياف
ما أتعس رأسًا مشلول الأقدام
ما أتعس رأسًا لا تعنيه تباريح الإقدام
***********************
ونزلنا فى الخرطوم بلا استقبال
فتذكرتُ الحشدَ الُمتدافع فى إحدى السندات
برتينتهم وقفوا فى وجه الريح
وأطل من الشباك فتى القرية
قد عاد أفنديا إبن القرية
وانهالت بالأحضان تهانيهم
وأنا لا حضن سوى الشارع
يتلقفنى، يتلقف أجدادى الشعراء
هم فى الطرقات وفي المذياعِ بُكاء
خلفَ المحبوبِ من الجبلين الى الرجاف
ما أحلى أياما لا تحمل إلا هم الحب
ها نحن الآن تشبعنا بهموم الأرض
وتخلخلنا وتعاركنا بقطار الغرب
************************
إنى يا أجدادى لست حزينا مهما كان
فلقد أبصرت رؤس النبت تصارع تحت الترب
حتما حتما ستطل بنور الخصب ونور الحب
حتما حتما يا أجدادى شعراء الشعب
والبقية تأتي.