Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
الدولة الفلسطينية .. التعريف وتحديد المعالم : د / لطفي زغلول

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الدولة الفلسطينية .. التعريف وتحديد المعالم : د / لطفي زغلول

  1. #1
    شاعر وكاتب / أستاذ بارز الصورة الرمزية لطفي زغلول
    تاريخ التسجيل
    22/12/2006
    العمر
    85
    المشاركات
    515
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي الدولة الفلسطينية .. التعريف وتحديد المعالم : د / لطفي زغلول




    الدولة الفلسطينية ..
    التعريف وتحديد المعالم

    د / لطفي زغلول


    في آخر تصريح أدلى به حول رؤيته عن الدولة الفلسطينية التي وصفها بأنها تأتي على رأس أولوياته ، قال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ، إنه يأمل أن لا تنتهي ولايته في نهاية العام 2008 ، إلا وقد تم استصدار تعريف لهذه الدولة ، وتحديد لمعالمها ، وإنه سيعمل بكل قوة للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .
    وحقيقة الأمر إن ما صرح به الرئيس الأميركي ، لم يكن مفاجئا للشعب الفلسطيني ، وليس فيه جديد لا من حيث الشكل ولا المضمون ، ولا حتى استخدامه مصطلحي تعريف الدولة ، وتحديد معالمها . لقد بات الفلسطينيون صغيرهم قبل كبيرهم يدركون أن هناك عدم جدية أو مصداقية في طرح الموضوع ، فلطالما تحدث عنه الأميركيون في كل مناسبة ، وعلى كل منبر سياسي . وصدق المثل القائل نسمع قرقعة ولا نرى طحنا .
    لا أحد ينكر أن الرئيس الأميركي الحالي هو أول من " بشر " الفلسطينيين بالدولة ، ووعدهم بها غداة أحداث الحادي عشر من إيلول / سبتمبر 2001 . إلا أن هذه الدولة منذ ذلك التاريخ حتى اللحظة الراهنة ما زالت نطفة في رحم الغيب السياسي ، رغم مرور سبع سنين عجاف عليها ، ظلت خلالها حبيسة في قمقمها الذي أعد لها مسبقا .
    والشعب الفلسطيني من الذكاء بحيث أدرك في حينه أن هناك " دوافع " تقف وراء إجبار الرئيس الأميركي على طرح مثل هذه الرؤية متمثلة في كسب ود العرب والمسلمين في السعي لإنشاء تحالف لمحاربة ما تسميه أميركا إرهابا دوليا بدءا بأفغانستان . ولم يكن يخطر في بال أحد أن فلسطين أرضا وشعبا ستكون هي النموذج المصغر المحتذى لهذه الحرب من قبل إسرائيل . أو أنها بعبارة أخرى المرحلة الثانية لها .
    في هذه السنين السبع العجاف ، ومثالا لا حصرا ، رسمت على شرف هذه الدولة الوهمية خارطة الطريق ، وأنشئت اللجنة الرباعية الدولية ، وعقد العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية " أنابوليس " والإقليمية ، وتمت الزيارات المكوكية والرسمية ، والتأمت الإجتماعات الثنائية والثلاثية ، وأدلي بالتصريحات . إلا أن الأغرب من هذا كله أن هذه الدولة لم تحظ حتى الآن بتعريف لها ، ولا بتحديد لمعالمها .
    وانطلاقا من هذه الحال التي ما زالت تقف عندها رؤية هذه الدولة ، فإن المنظور الأميركي لها ، إذا ما كتب لها أن تقوم ، فإنه دون أدنى شك لا ينطلق من حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 . وهي دون أدنى شك أيضا تستثني حق العودة ، وتخرج القدس من معادلتها . وبمعنى آخر وأدق ستكون منقوصة السيادة برا وبحرا وجوا . وعلى الأرجح فإنها تجسد فكرة اللجوء إلى ما يسمى الدولة المؤقتة التي هي أشبه ما تكون بالكنتونات المقطعة الأوصال التي يرفضها الشعب الفلسطيني قلبا وقالبا .
    إن ما يدور في فكر الرئيس الأميركي يأتي مطابقا وترجمة فعلية لما يحدث على أرض الواقع الفلسطيني . إن المشروعات الإستيطانية لم تتوقف لحظة واحدة ، سواء قبل أنابوليس ، أو في أثنائها ، ولا حتى في أي من اللحظات الراهنة .
    والسؤال العريض المتعدد الأبعاد الذي يفرض نفسه هنا : وماذا تبقى من الأرض الفلسطينية لإقامة أي شكل من أشكال الدول عليها ، وقد صبغت بالمستوطنات بطولها وعرضها ؟ . وهل هي دولة للمستوطنين ؟ . وكيف تكون دولة حقيقية ، وهي مقطعة الأوصال ، محاصرة من كل جهاتها بمد إستيطاني ، ومئات الحواجز العسكرية ، والسواتر الترابية ، وكافة أشكال الإغلاقات ؟ . وهذا غيض من فيض .
    إن الشعب الفلسطيني يعتبر أن إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة على أراضيه هو بمثابة تصحيح لخطأ تاريخي ، وخطيئة إنسانية وأخلاقية ارتكبت بحقهم يوم اقتلعوا من وطنهم التاريخي ، وشتتوا في المنافي المختلفة ، فتقطعت أوصالهم السياسية والإجتماعية والثقافية . وأما من بقي منهم على أرض الوطن ، فقد سامهم آخر احتلال بقي على وجه الأرض كافة أشكال الخسف والعسف والظلم والقمع والقهر والعذاب .
    والشعب الفلسطيني أيضا ينظر إلى الدولة على أنها حق لا منة من أحد ، ويأبى أن تدخل في مزادات سياسات الآخرين ، أو أن تكون مجرد كيان ما يحمل مسمى دولة أو مصطلحه . فالشعب الفلسطيني الذي كانت مأساته جغرافية وديموغرافية يدرك أن هدفه لا ينحصر في مجرد مسمى جغرافي أيا كان . إن الدولة من منظوره ذات ثلاثة أبعاد لا تنفصل عن بعضها البعض ويكمل الواحد منها الآخر .
    البعد الأول يخص الدولة والعناصر المفترض أن تكونها . وهي في علم الجغرافيا السياسية الأرض ما فوقها وما تحتها وما عليها ، والسماء والماء والهواء والحدود والمعابر بكافة أشكالها ، مضافا إلى كل ذلك العاصمة وهي قدس التاريخ والعقيدة . وأما البعد الثاني فيخص السيادة المطلقة من قبل أصحابها عليها .
    وإذا كان هذان البعدان هما الأساس في قيام أية دولة على وجه البسيطة ، فثمة بعد ثالث هو جزء لا يتجزء من البعدين المذكورين . فهناك منظومة من الإستحقاقات والحقوق الشرعية تخص فلسطينيي الشتات . وإذا كان خيار السلام العربي ، قد قبل بتقاسم الأرض مع الإسرائيليين في فلسطين ، فلا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن تتقاسم الدول العربية المضيفة للفلسطينيين المهجرين من وطنهم أراضيها معهم . فبلاد الفلسطينيين أولى بهم ، وهي أحق .
    إن الحديث عن إنهاء فوري لاحتلال الأراضي الفلسطينية ، ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني جراء ممارساته التعسفية من خلال الإجتياحات المتكررة لمدنه وقراه ومخيماته ، وانتهاك أبسط حقوقه الإنسانية ، مضافا إلى كل ذلك ضمان دولي بعدم تكرار هذه السيناريوهات الإحتلالية بكل مشاهدها الملونة بلون الدم والدمار والخراب ، إن الحديث عن هذا وذاك ، ينبغي وحد ان يكون فصل المقدمة من كتاب الدولة الفلسطينية حتى تكون الفصول التالية مبنية على أسس عقلانية ونوايا طيبة جادة بعيدة كل البعد عن أجواء الإلهاء والمماطلة والخداع واللف والدوران .
    على الصعيد الوطني والقومي معا ، فإن الفلسطينيين ومعهم أشقاؤهم العرب ، يعون دروس التاريخ جيدا ، ولا يزالون يتذكرون الوعود المكالة لهم من قبل بريطانيا في مطلع القرن العشرين المنصرم ، تشجيعا لهم لمحاربة الدولة العثمانية . والنتيجة كانت اتفاقية سايكس - بيكو التي أسفرت عن تقسيم بلاد الشام ثم استعمارها ، إضافة إلى وعد بلفور الذي أفرز القضية الفلسطينية بكل أبعادها المأساوية . وهم أيضا يتذكرون وعد الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن للجنرال شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه بإخراج حق العودة ، واستثناء الكتل الإستيطانية الست الكبرى في الضفة ، والقدس من أي تسوية مع الفلسطينيين .
    كلمة أخيرة نقولها للرئيس الأميركي قبل مغادرته البيت الأبيض . إن تعريف الدولة الفلسطينية ، إذا ما خلصت النوايا ، بسيط للغاية . إنها دولة كبقية الدول السيادية في العالم ، لها حدود دولية معترف بها . وهي مستقلة ذات سيادة . لها علمها وعاصمتها " القدس " وشعبها ولها أرضها وسماؤها وهواؤها وماؤها . تبسط سيادتها على كل معابرها البرية والبحرية والجوية .
    وإذا كان الرئيس الأميركي بعد سبع سنين من رؤيته ، لم يتوصل إلى تصور تعريف لهذه الدولة ، فلكونه وإدارته منحازين قلبا وقالبا إلى إسرائيل . ولكونهما لا يريان إلا ما تراه إسرائيل . ولكونهما غير جادين في أي طرح يخص دولة الفلسطينيين . ولكونهما يراهنان على إضاعة الوقت والتسويف والمماطلة .
    أما الشعب الفلسطيني ، وهو يستعد لإحياء الذكرى السنوية الستين لنكبته التاريخية التي حلت بأرضه وشعبه ، ما يزال متمسكا بحقه المشروع ، وثوابته الوطنية ، لا يفرط بأي منها رغم كل التحديات والصعاب والمحن . وهو قادر على الصمود حتى تحين ساعة خلاصه وتحرره . وإن غدا لناظره قريب .





    [align=center]
    الشاعر والكاتب الفلسطيني
    لطفي زغلول
    نابلس / فلسطين
    عضو الهيئة الإستشارية لاتحاد كتاب فلسطين
    www.lutfi-zaghlul.com
    lutfizaghlul8838.ektob.com
    www.maktoobblog.com/lutfi-zaghlul

    lutfi_zag@hotmail.com
    lutfi_zag@yahoo.com
    [/align]

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. محمد اسحق الريفي
    تاريخ التسجيل
    05/06/2007
    المشاركات
    5,279
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    أخي الكريم الدكتور لطفي زغلول،

    بداية أشكرك جزيلا على هذا التحليل الرائع للرؤية الأمريكية حول الدولة الفلسطينية، وهو تحليل يؤيده الواقع وتدعمه الحقائق، وأرجو أن تسمح لي بإضافة مقالة كتبتها قبل سنتين حول ذات الموضوع، ولك مني خالص التحية:

    الرؤية الأمريكية والصهيونية للدولة الفلسطينية

    أ.د. محمد اسحق الريفي

    قد يضلل هذا العنوان القارئ نوعا ما إذ أنه ربما يوحي بأن هناك موافقة أمريكية وصهيونية على قيام دولة فلسطينية ولو على جزء يسير من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فما تعرضه إدارة بوش على الشعب الفلسطيني لحل قضيته وما تقبله دولة الاحتلال بهذا الخصوص لا يزيد عن حكم ذاتي محدود لفلسطينيين يعيشون على أرض ممزقة جغرافيا في كيان لا يتمتع بالسيادة على الحدود والمعابر والأرض والماء والأجواء ولا يملك الحد الأدنى من مقومات الدولة المستقلة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، ولا يمكن أن يرقى إلى وصف الدولة المستقلة بحسب القوانين والمعايير الدولية.

    والوعود الحالية للإدارة الأمريكية بإقامة دولة فلسطينية بجانب دولة الاحتلال الصهيوني لا تعبر عن أي تغيير في المواقف الجائرة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، فلا تهدف تلك الوعود السرابية إلا إلى إجهاض جهاد الشعب الفلسطيني وتهدئة الشعوب العربية والإسلامية؛ لكي تتفرغ الولايات المتحدة الأمريكية لمشروعها الكبير في منطقتنا، فالرؤية الأمريكية، المتفقة تماما مع الرؤية الصهيونية، للدولة الفلسطينية تقتضي تصفية القضية الفلسطينية وتغيير شكل الاحتلال بدلا من إزالته واتخاذ الشعب الفلسطيني جسرا للنفاذ إلى أعماق العالم العربي لإنجاز بنود الأجندة الصهيونية الأمريكية للشرق الأوسط.

    والمتأمل في ممارسات إدارة بوش إزاء القضية الفلسطينية يجد أن الوعود الأمريكية، بإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع كيان الاحتلال الصهيوني، هي كذبة كبرى تحول دون تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على تراب وطنه وتقرير مصيره، فالسياق التاريخي لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والممارسات الأمريكية تجاهها تثبت أن تلك الوعود لا مصداقية لها إطلاقا، فقد كانت هناك وعود أمريكية بإقامة دولة فلسطينية وتعهدات لرؤساء أمريكيين سابقين بعدم الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن الخطاب السياسي الأمريكي يتناقض تماما مع صمت الولايات المتحدة الأمريكية على الهجرة غير الشرعية لليهود إلى فلسطين والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات اليهودية عليها ..

    ففي عام 1919م، وبناء على تقرير "لجنة كنج" الأمريكية، اعترفت الحكومة الأمريكية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في أرضه الفلسطينية، وفي عام 1946م طالب الأمريكيون بإقامة دولة "ديمقراطية" يعيش فيها العرب واليهود وطالبوا بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وفي عام 1947م نكثت الولايات المتحدة الأمريكية بوعودها وتعهداتها ووافقت على قرار التقسيم ووضع منطقة القدس تحت الإشراف الدولي، وقد طالب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت "جيوسوب" بإقامة دولة فلسطينية وفقا لقرار التقسيم؛ كما وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على عودة الفلسطينيين إلى أرضهم التي شُرِّدوا عنها في حرب عام 1948م.

    وفي عام 1949م بعث الرئيس الأمريكي روزفلت برسالة إلى الملك عبد العزيز بن سعود يطمئنه فيها بعدم تغيير الحكومة الأمريكية موقفها تجاه الشعب الفلسطيني إلا بعد التشاور مع الزعماء العرب وأنها لن تقدم على أي أعمال عدائية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن الممارسات الأمريكية كانت تناقض مواقفها السياسية المعلنة التي كانت تهدف في حينها إلى إلهاء الدول العربية وإحباط محاولات الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال وإخماد مسيرته الجهادية.

    وبعد الحرب العالمية الأولى تغيرت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة العربية وتمثلت في السعي إلى الهيمنة عليها لتحقيق مصالحها في الحصول على النفط، لذا شهدت العقود الخمسة الماضية تنكرا أمريكيا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولم ينقطع الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال لحظة واحدة، بل إن المتابع للأحداث يدرك أن الدعم الأمريكي يتعاظم كلما ازداد جهاد الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه وكلما تعرض كيان الاحتلال لمآزق اقتصادية وعسكرية وسياسية ودبلوماسية، فمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط هي التي ترسم سياساتها الاستراتيجية تجاه القضية الفلسطينية وتحدد حلفاءها الاستراتيجيين، وحيث أن دولة الاحتلال لا تمثل سوى قاعدة عسكرية أمريكية في قلب العالم العربي لخدمة المصالح الأمريكية كان هناك توافق شبه تام بين الرؤية الأمريكية والصهيونية لإنهاء القضية الفلسطينية.

    لقد أدرك الأمريكيون أن استمرار مسيرة النضال الفلسطيني يؤدي إلى إعاقة المشروع الأمريكي الهادف إلى إعادة صياغة الشرق الأوسط بما ينسجم مع المصالح الأمريكية، فلا يمكن إنجاز بنود الأجندة الأمريكية في ظل تزايد مشاعر العداء والكراهية للسياسات الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية وتعرض المصالح الأمريكية للخطر، فكان لا بد للأمريكيين من طرح مبادرات سلام سرابية تهدف إلى التخلص من المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها وتفكيك بنية فصائلها ثم الانطلاق إلى التطبيع مع الدول والشعوب العربية لإنجاح مشروع القرن الأمريكي، وفي ذات الوقت، تعليق كل المسائل الجوهرية المتعلقة بالحدود وعودة اللاجئين والقدس والأسرى إلى المرحلة النهائية في محاولة واضحة لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية وتخفيف حدة العداء للأمريكيين.

    لقد أثبتت الأيام أن الوعود الأمريكية والحلول المطروحة تهدف إلى إلهاء العرب والشعب الفلسطيني بمفاوضات تستمر لعشرات السنين بينما يقوم الاحتلال، مستغلا للوقت والظروف الإقليمية والدولية، بإجراءات إجرامية على الأرض كالتهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي التي يعيش عليها الفلسطينيون وتقويض المسجد الأقصى المبارك .. وكذلك التطبيع والهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين المحتلة وتهجير الفلسطينيين بالقوة والإرهاب والتغلغل في العالم الإسلامي وتمكين الأمريكيين من تنفيذ مخططاتهم للهيمنة على بلادنا بذريعة الإصلاح ونشر الديمقراطية والقضاء على الأنظمة المستبدة ..

    لذلك فإن اقتراح إقامة دولتين جنبا إلى جنب لا معنى له من الناحية العملية حيث أن كيان الاحتلال غير، ولا يزال يغير، كل معالم الأرض والسكان على أرض فلسطين وبدأ برسم حدوده كما يشاء وأخذ بإقامة مناطق أمنية شريطية لعزل الأراضي الفلسطينية عن حدود البلاد العربية المجاورة .. كما يعمل كيان الاحتلال على عزل المدن والقرى الفلسطينية في محاولة للتخلص من المشكلة الديموغرافية التي يسببها التزايد المضطرد للفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى أن الحلول المطروحة تتفق مع مصلحة الجانب القوي المحتل على حساب الجانب الضعيف صاحب الحق الشرعي كما هو واقع الحال في اتفاقيات أوسلو.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف العربي الرسمي اتسم بالضعف والنفاق والتفريط بالحقوق الفلسطينية ولم يكن له أي فاعلية على المستوى الدولي، فقد تزاحمت في الفضاء العربي الرسمي مبادرات سلام عديدة تقوم على أساس انسحاب الكيان الصهيوني إلى حدود عام 1967م وإقامة دولة فلسطينية على جزء يسير من أرض فلسطين في مقابل التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال، والقاسم المشترك بين كل المبادرات العربية للسلام هو المرونة الكبيرة في التعامل مع قضية القدس وعودة اللاجئين والحدود النهائية إلى درجة التنازل عن عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها بقوة الإرهاب الصهيوني والدعم الغربي.

    وبخصوص مبادرة الأمير عبد الله للسلام فهي تخلو من أي ذكر للقرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ما جعلها فارغة من أي مضمون حقيقي بل جاءت تلك المبادرة استجابة للضغوط الأمريكية على السعودية في أعقاب هجوم أبراج نيويورك وتبين أن عدد من السعوديين قد شاركوا فيه، وبهذه المناسبة فقد صرح الصحفي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان، الذي نشر مبادرة الأمير عبد الله في أعقاب لقاء بينهما، أن المطلوب من العرب "التطبيع الكامل" مع دولة الاحتلال الصهيوني وليس السلام الكامل. وبمجرد إطلاق مبادرة الأمير عبد الله أجرى بوش اتصالا به ليحثه على تدعيم مبادرته لإنهاء العنف، بحسب تعبير بوش، ولكن بوش لم يتحدث عن التزام الاحتلال بالقرارين 242 و 338 المتعلقين بانسحاب الاحتلال إلى حدود عام 1967م، ورغم كل هذه التنازلات فقد رفضت حكومة الاحتلال تلك المبادرة.

    واتسمت المواقف الصهيونية إزاء تلك المبادرات بالرفض ليس بسبب الشك أو الريبة وإنما بسبب اعتقاد اليهود الصهاينة أن السلام يهدد وجود الكيان الصهيوني ولا يمكِّن له؛ كما علق زعيم حزب العمل الصهيوني، حينذاك، حاييم وايزمان بخصوص مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للسلام قائلاً: "هذا السلام لن يمكِّن (إسرائيل) من الوجود وفقًا للحجم والروح والكيفية التي تمثلها الآن"، وهذا يدل على أن كيان الاحتلال يعتمد في وجوده على قوته وضعف العرب وليس على أساس السلام أو ما يسمى بالشرعية الدولية، وفي نفس السياق علق الكاتب الصهيوني موسى إيلون على مبادرة السادات قائلاً: "إن السادات قد سبَّب رعباً بين القيادة السياسية (الإسرائيلية) عندما أعلن عن استعداده لقبول اتفاقية سلام مع (إسرائيل)، واحترام سيادتها واستقلالها داخل حدود آمنة ومعترف بها".

    وينسجم هذا تماما مع الأيديولوجية الصهيونية التي تنكر وجود الشعب الفلسطيني وتعتبر فلسطين وطنا قوميا لليهود وتسعى إلى قيام كيان محتل توسعي يهيمن على مناطق شاسعة من العالم العربي لتكوين الدولة العبرية الكبرى، وقديما عبر بن جوريون عن الموقف الصهيوني الرافض لمشاريع السلام حينما قال: "إن من يحاول بحث المشكلة الصهيونية من جانب أخلاقي فليس صهيونياً" وهذا يدل على أن الأيديولوجية الصهيونية لا تسعى حقيقة إلى السلام، وحديثا وصف شيمون بيريز خطة الملك فهد لعام 1981م بأنها "تهدد الوجود (الإسرائيلي) ذاته". لذلك اعتادت حكومات كيان الاحتلال أن تصعد من عملياتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني أو تحتل مزيدا من الأراضي الفلسطينية أو تستقدم أعدادا جديدة من المهاجرين اليهود أو تبني كتلا استيطانية جديدة كرد فعل عملي على كل المبادرات العربية.

    إن الرؤية الصهيونية للدولة الفلسطينية لم تتجاوز حكما ذاتيا محدودا على 22% من الأراضي الفلسطينية المحتلة يؤدي إلى تكريس الاحتلال وإعادة صياغته بطريقة تغني الاحتلال عن عناء الاحتكاك المباشر مع الشعب الفلسطيني وتعفيه من الظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر المحتل لأرض فلسطين والمخالف للقانون الدولي والمنتهك لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما شهدناه في السنوات الماضية بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو مع حكومة الاحتلال، فلم يتغير من الاحتلال وممارساته الهمجية والإجرامية شيء سوى المظهر مع أبقاء إدارة الاحتلال من اختصاص سلطة أوسلو في مقابل مساعدات مالية أمريكية وأوروبية ضلت طريقها.

    وحتى على المستوى الفلسطيني وجدنا أنه في كل مرة تتعهد فيها سلطة أوسلو بإنهاء عسكرة الانتفاضة والانقضاض على المقاومة الفلسطينية ونزع السلاح من المجاهدين والتنسيق الأمني مع الاحتلال كانت تقابل حكومات الاحتلال هذه المبادرات والإجراءات الفلسطينية بتصعيد جرائمها وتوسيع اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، لقد كانت المفاوضات بالنسبة للصهاينة والأمريكيين هي مجرد إملاءات على السلطة الفلسطينية دون أن يقوم الاحتلال بأي بادرة لحسن النية ودون أن يفي الاحتلال بأي التزام تجاه الفلسطينيين.

    إن الذي يحرك الحكومات الصهيونية نحو المفاوضات مع الفلسطينيين والعرب هو الهدف الأمني الذي يحقق جوا مواتيا لتقدم المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، ولهذا فإن كل المزاعم التي تنادي بقيام دولة فلسطينية لا تأتي إلا في سياق المراوغة وتوظيف الضعف العربي من أجل فرض الرؤية الصهيونية للدولة الفلسطينية المعدومة السيادة. ومن أجل إحباط أي محاولة لقيام دولة فلسطينية مستقلة يعمل الاحتلال، باستمرار، على تحويل القضية الفلسطينية إلى معاناة إضافية للشعب الفلسطيني متمثلة في الاغتيال والاعتقال وإقامة الحواجز العسكرية وإغلاق المعابر التي تمر خلالها البضائع والمواد التموينية والغذاء والمحروقات ومنع التنقل بين الضفة والقطاع ..

    إذاً فالدولة الفلسطينية المطروحة صهيونيا هي مجرد حكم ذاتي محدود وإعادة انتشار لقوات الاحتلال وإعادة توزيع المستوطنات على الأرض الفلسطينية دون أن يحصل الفلسطينيون على أي سيادة حقيقية على الأرض والجو والبحر والمعابر والحدود .. فالاحتلال يهدف من وراء الحكم الذاتي إلى التخلص من المشكلة الديموغرافية وتضليل الرأي العام العالمي والتطبيع مع الدول العربية والإسلامية والتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في مقاومة الاحتلال .. وهذه هي فكرة الدولة المؤقتة التي ينادي بها الصهاينة والأمريكيون.

    من هنا ندرك سبب إصرار الحكومات الصهيونية المتعاقبة على رفض التقيد بجداول زمنية لإقامة الدولة الفلسطينية أو حتى تحديد أي جدول زمني للانتهاء من التفاوض على مواصفات تلك الدولة المؤقتة وحدودها ، وندرك أيضا سبب ربط الاحتلال لأي تقدم في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بقدرتها على وقف المقاومة وإنهائها .. وكذلك رفض وضع أي حدود نهائية تعترف بها دولة الاحتلال للدولة الفلسطينية المؤقتة ورفض إدخال الأمم المتحدة في موضوع المراقبة وحفظ الحدود وإنهاء اعتداءات الاحتلال المتمثلة بالاحتلال والتوغل والاجتياح ..

    وما يجب علينا أن ندركه هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها الأنظمة العربية والمجتمع الدولي، لا تتحرك في اتجاه حل للمشكلة الفلسطينية ولا تتحدث عن قيام دولة فلسطينية وهمية إلا لوأد مشروع التحرر الفلسطيني وإخماد الانتفاضة الفلسطينية وإحباط مسيرة الجهاد والمقاومة كلما اقتربت من أن تؤتي ثمارها وتسبب خسائر فادحة للاحتلال والدول التي تدعمه.

    16/04/2006م


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    .
    .

    إنما الأعمال بالنيات

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •