التآمر على العراق
لقد بدأ التآمر على العراق كما هو معروف للجميع منذ عام 1988 وحتى عام 1990، نعم، ربما لو لم يدخل الجيش العراقي إلى الكويت ما كانت الأحداث حصلت كما حصلت بعد ذلك، ولكن هل كانت المنازلة ستتوقف؟ كلا بل كانت ستتخذ شكلاً لآخر، وما كانت ستستبعد لأنهم قرروا ضربنا، هم اتخذوا قراراً بذلك ونحن عندنا علم بأنهم اتخذوا قراراً نهائياً بذلك وكان آخر شيء في حزيران عام 1990، وحتى حزيران من عام 1990 وأنا أقولها بصدق للجميع، أن العراق لم يكن يفكر بمسألة الكويت، ولكن في حزيران 1990 بعد أن اتخذوا القرار النهائي بعد القمة التي عقدت في بغداد، لأنه في قمة بغداد تحدث الرئيس صدام حسين مع حكام الخليج بوضوح وقال لهم "تصرفكم في السياسة البترولية هو حرب على العراق، والذي لا ينوي أن يخوض الحرب ضد العراق فليتراجع"، طلعوا من المؤتمر وواصلوا نفس السياسة، إذاً قرار الحرب كان متخذ، وكان من الممكن أن تأخذ الحرب شكلاً آخراً، ولكن المشكلة هل هي في الشكل أو في الجوهر؟ مثلما حدث في مصر عام 1967 تماماً، لماذا ضربت مصر آنذاك؟ لأنها خرجت عن الهط الأحمر المقبول من الغرب ومن الكيان الصهيوني، خرجت مصر عن الخط الأحمر في الصناعة وفي التسليح، وخرجت في الخطاب السياسي، والعراق خاصة بعد انتصاره على إيران في الحرب عام 1988 وفي الأعوام التالية حتى عام تسعين خرج عن الخطوط الحمراء في الصناعة وفي التسليح وفي الخطاب السياسي، إذاً كان لازم أن يُضرَب، ساحة المعركة صارت الكويت، كان ممكن أن تكون هناك ساحة أخرى ولكن النتائج قد تكون واحدة خاصة إذا ما تجمّع عليها كل هذا التجمّع.
من الناحية العملية نحن نتحدث عن العدوان الثلاثيني، لأنه فعلاً هو عدوان ثلاثيني وشاركت فيه ثلاثين دولة، أي واحد حتى من الذين أيد تأييد سياسي يعتبر مشاركاً، أو حتى الذي أرسل جندياً واحداً هو مشارك ضدنا في هذه الحرب، ولكن حقيقة نحن الذين حاربنا أمريكا، يعني باستثناء مشاركة بريطانية وفرنسية محدودة في الحرب نحن حاربنا أمريكا، وكان من الممكن أن تقع الحرب مع أمريكا بالكويت أو بغير الكويت لأن أمريكا مقررة أن تستولي على منابع النفط لتغطية بعض العجز المتدهور في الموازنة الأمريكية، وهذا ما تنبأ به الرئيس صدام حسين في عمان في خطابه حيث قال "إن الاتحاد السوفياتي ها هو يتراجع وأوروبا الشرقية انهارت، فهل معقول أن تترك أمريكا النفط لنا"،! وأنه كان علينا نحن كعرب أن نسيطر عليه، وكيف نسيطر عليه؟ الثورة الإيرانية هزمت في الحرب وهزمت في شعاراتها وفي برنامجها، لم تهزم عسكرياً فقط، وبقي العدو الذي هو العراق، ولنفترض بأننا نحن لم ندخل الكويت وجاءت أمريكا وفرضت سيطرتها على منابع النفط كما سيطرت الآن باتفاقيات تعقدها مع الشيوخ وكانوا مستعدين أن يوقعوها سابقاً هم أنفسهم هؤلاء الشيوخ، فهل كان من الممكن أن نسكت، بالطبع ما كنا لنسكت، وكنا سنصطدم بهم صدام سياسي ممكن أن يتطور إلى صدام عسكري ومن ثم يحاربونا، الشيء الوحيد السلبي في كل الظرف الدولي الراهن، هو هيمنة أمريكا على مجلس الأمن وعلى مؤسسة الأمم المتحدة، وهذه الهيمنة الآن واضحة جداً في تعاملها مع العراق، ولكن الذي يتابع على وجه دقيق ما يجري في مجلس الأمن الآن سيكتشف أن ما يجري في مجلس الأمن لا يستهدف فقط العراق وإنما يستهدف مناطق أخرى.
في بعض القرارات التي وضعوها على العراق و(مشّوها)، هذه القرارات ستستخدم كسوابق للتعامل مع حالات أخرى في العالم، ما دام "الفيتو" السوفياتي تعطّل و"الفيتو" الصيني مجمّد بسبب الوضع الصيني، فداخلياً وضعها شيء ولكن سياستها الخارجية في السنوات العشر الأخيرة ما عادت الصين التي نعرفها وكانت قبل ذلك تقف موقفاً مسانداً وحقيقي وفعّال لأي برنامج معاد للإمبريالية، ولم يعد عندها أي إسهام في ذلك، ونحن نعرف ذلك تماماً بلمس اليد، وممكن أن تسأل الفلسطينيين وتسألهم أسئلة مباشرة محددة عن الصين وهم يخبرونك عن ذلك، "الفيتو" الصيني صار "بزنس"، يعني هي تريد من أمريكا حاجة ما والأميركان لا يريدون إعطاء هذه الحاجة للصين، يلوّح الصينيين بهذا "الفيتو" ولكن لا يستخدمونه، فإذاً عندما ألغي "الفيتو" الصيني والسوفياتي أصبح مجلس الأمن في كل الأحوال في غالبيته يعني عندما تحسب الأعداد رغم وجود كوبا ورغم وجود الجزائر والآن موجود فيه كوبا واليمن وزمبابوي لكن الأغلبية تسع أصوات عندما تريد أمريكا والغرب وليس أمريكا لوحدها وإنما الغرب يستطيعوا الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن لصالحهم، وإذا "فيتو" واحد لم يصدر يعني ذلك أن القرار أصبح نافذ المفعول، فإذاً أن الحرب كانت محتومة، وأعتقد أن الصراع بيننا وبين أميركا وبين الكيان الصهيوني كان وما يزال وسيبقى محتوماً حتى يحسم نهائياً، ونحن لا نعتبر أن الصراع قد حسم نهائياً ضدنا، لكنه قد يحسم في مرحلة ما لصالحنا ولصالح الأمة العربية إن شاء الله.
دور بريماكوف وكتابه "الأبيض" والموقف من القضية الفلسطينية والانسحاب من الكويت
أما بالنسبة لبريماكوف فهو قد كتب كتاباً وأنا لم أرد عليه، وأنه من السابق لأوانه أن نصدر "كتاب أبيض" نرد فيه عليه لأن دورنا في المعركة كبير جداً ومن غير الممكن أن نلخص في كتاب من مئة أو من مئة وخمسين صفحة أو من مائتي صفحة ونضع فيه بعض الوثائق، لأن العملية كبيرة جداً وظرفنا السياسي الآن قد لا يسمح بأن نقول كل شيء، فأنا لم أرد على بريماكوف لسبب سياسي صرف لأنني لا أريد أن تتعقد علاقاتنا أكثر مع الاتحاد السوفياتي، لأن الاتحاد السوفياتي سياسته سيئة جداً بالنسبة لنا وهو يختلق الذرائع شأنه شأن الأميركان لإيذائنا، فقلنا نهدّيها ونتركها للتاريخ ربما نبقى أحياء ونستطيع أن نوضح كل ذلك.
وكل ما يمكنني أن أقوله حول ذلك الآن هو أن بريماكوف كذب ليبرر هزال زعيمه، والذي حصل هو أن بريماكوف جاء إلى بغداد وعرض على الرئيس صدام حسين بعض الأفكار فيما يخص الانسحاب من الكويت، وقد التقى معنا كلنا في الاجتماع ومن ثم طلب عقد لقاء منفرد مع السيد الرئيس وحضر إلى جانب السيد الرئيس السيد النائب الأستاذ عزة ابراهيم وبعد اللقاء ذهب بريماكوف إلى السفارة، وأبلغنا السيد الرئيس بأن بريماكوف طرح بعض الأفكار وأن غورباتشوف مستعد إذا ما العراق أبدى مرونة في موضوع الانسحاب من الكويت هو مستعد أن يوقف العدوان الأميركي ويرفع العقوبات، فدرسنا هذا الموقف وقررنا فعلاً أن نأخذ موقفاً مرناً، وأن نواصل متابعة هذا الموضوع والبحث فيع مع القيادة السوفياتية ومع غورباتشوف شخصياً، لأن الذي طرحه بريماكوف هو فقط مجرد تأشيرات وليس مخططاً كاملاً، يعني واحد اثنين ثلاثة.. الخ، هذا يحصل مقابل هذا، وهذا يحصل مقابل هذا، وهكذا، بريماكوف جاء مثل ما يمكن أن يقال ليستكشف نوايا أو تفكير القيادة العراقية، فالقيادة العراقية أبدت استعداداً من جانبها لمزيد من الاستكشاف، والسيد الرئيس قال لبريماكوف بأننا سنرسل لكم طارق عزيز قريباً لمتابعة هذا الموضوع معك، فأنا ذهبت إلى موسكو وكانت مهمتي الأولى هي استكشاف أيضاً مثل مهمته التي جاء بها، لأنه لا يوجد وزير خارجية يذهب بمهمة استكشافية ويحمل معه قرارات في جيبه، لا طارق عزيز ولا غير طارق عزيز لأن ذلك هو طبيعة السلطة في العالم، ولا يوجد وزير خارجية هو يقرر متى يمكن أن تقف الحرب أو متى سيحدث سلام، اجلب لي بمثل ذلك في كل التاريخ المعاصر والقديم يدل على أن وزير خارجية دولة ما ذهب في مهمة وعندما يقتنع هو بأن الحرب يجب أن تقف فتقف الحرب، فأين دور رئيس الجمهورية أو الملك وكل الجهاز الحكومي، يعني صحيحاً أن زير الخارجية له موقع متميز في الحكومة، ولكن يبقى هو وزير وليس صاحب قرار السلطة.. بريماكوف لعب هذه اللعبة السخيفة وقال أن وزير الخارجية العراقي طارق عزيز جاء "As a messenger"، وهو أيضاً جاء As a messenger من رئيسه، وقد ذهبت إلى موسكو والتقيت مع غورباتشوف وقال لي: "أنتم أصدرتم بياناً وضعتم فيه أمور تتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن كل موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية غير وارد ولا نقدر أن نحققه لكم، إذا أنتم حليتم مشكاة الكويت، نحن سنسعى إلى عقد مؤتمر دولي من أجل القضية الفلسطينية، أنا أتعهد لك بذلك، وأن الاتحاد السوفياتي سيضع ثقله كاملاً هو وآخرين فرنسيين وغيرهم سيبذلوا المجهود لعقد المؤتمر الدولي بعد حل مسألة الكويت".
المفضلات