آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لذاكرة لن تبكي إلا احتراماً

  1. #1
    أديبة الصورة الرمزية سها جلال جودت
    تاريخ التسجيل
    05/03/2007
    المشاركات
    222
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي لذاكرة لن تبكي إلا احتراماً

    لذاكرة لا تبكي إلا احتراماً

    بقلم سها جلال جودت
    أي إنسان ذاك الذي كنت تحمله في قلبك المتعب المريض حين أتيت إلى مكتبك وأتيتك أنا؟!
    أي إنسان ذاك الذي جلس أمامي باسماً يكلله وقار من نوع خاص لوجه فريد ترك بصمته محفورة في جداول الذاكرة التي لا تبكيه إلا احتراماً..

    كان الجو البارد بصقيعه وندف ثلجه يلهب الوجوه، وكانت الشوارع شبه خالية، لكنك أتيت تحمل تعب السنين على كاهلك معانداً فكرة أن يكون المرض حائلاً بينك وبين لقائي..
    كلمة الثلج لا تعني غير البرد، وكلمة المرض لا تعني غير التعب والإجهاد، تجاوزت الحالتين وأتيت..
    كانت فرحتك كبيرة، وكانت فرحتي أكبر حين علمت من الدكتور أحمد زياد محبك أنك اخترت اسمي لتكتب عنه في كتاب أدباء من حلب الجزء الثالث..
    وحملت إليك ما طلبته مني على الهاتف حين خابرتني قائلاً:
    - أريد منك كل ما كُتب عنك وكل ماتمّ نشره وإصداره .
    أية سعادة تلك التي غمرتني حين عرفت أنك تريد الكتابة عني، أديب حلب الأستاذ ميشيل أديب ((ميخائيل أديب)) صاحب مجموعته الشعرية أيتها الريح وأستاذ اللغة العربية في ثانوية المعري سابقاً يريد الكتابة عن تلميذة بدأت مشوارها مع الحرف والكلمة في سن متأخرة..
    ثقتك بي جعلتني أحمل إليك ما طلبت وآتيك على جناح السرعة إلى فرع اتحاد الكتاب العرب حيث كان موعدنا.
    هناك التقينا، تصافحنا، وتحدثنا، فجأة تدخلت السيدة الراقية سليمى محجوب وأعلنت عن طلبها هي الأخرى، سليمى تريد الكتابة عني أيضاً، يا له من أمرٍ جميل أن تسمع بأمّ أذانك طلب المبدعين..
    كعادتك في الامتثال لرغبات الآخرين تنازلت وقد احمر خداك الأبيضان، تنازلت وقرأت في عينيك حالة حزن فهمتها وأنت تسلّم الأشياء إلى سليمى.

    إنه العقل الراجح حين يفلسف الاحترام إلى واقع، لكنك كنت مصراً على الكتابة، لم يجعلك طلب سليمى تتراجع، قلت لي بصوت خافت:
    - سأكتب وسأنشر ما أكتبه في مجلة الموقف الأدبي، لا تحزني ..
    ما أصعب اللحظات التي تواجه فيها موقفاً فرض نفسه عليك، وما أحلى أن تكون دمث الخلق، طيب السريرة، نقي البال.
    كالبرق عُدت إلى منزلي، اتصلت بالدكتور الناقد أحمد زياد محبك وأخبرته بالواقعة، فسألني: - من تريدين ؟
    قلت وبخجل من أن تغضب مني سليمى: الأستاذ ميشيل.

    وهكذا تحقق الحلم والرغبة في آنٍ واحدٍ، تحققا، وفوجئت بهاتفك في أوائل أيام شباط القارس يريدني في مكتبه.

    كنت أسمع من الأدباء أصدقاءك عن شدة مرضك، وكنت أدعو لك بالشفاء، ليس من أجل الكتابة عني فحسب، بل لأن مدينتك الكريمة حلب الشهباء تحبك وتريدك أن تبقى في رحابها العزيزة وعلى منابرها علماً من أعلام الفكر والعطاء..

    وأنا أمامك وكانت السكرتيرة قد أحضرت فنجان قهوة قدمته لي رحت تسألني عن قصة كيس تفاح وسطر غامض لم تفهم قصدية ما ذهبت إليه في حكائيتي، إذ بشابين يدخلان المكتب يسألان عنك بلهفة، ويقول أحدهم بصوت عال:
    - ما الذي جعلك تخرج من بيتك في ذلك اليوم البارد وأنت المريض المجهد ؟!
    رصينة هي ابتسامتك، فواحة بعطر العظمة حين يتواضع العظماء، وبالهدوء الذي عرفناك به، تشير بيدك نحوي وتقول:
    - هذه الصبية من أخرجتني من فراشي.

    الحب من الاحترام والاحترام من الحب وناكر للجميل من لايعترف ببهاء رزانتك وأنت تتحدث عني وعن أدبي.
    أشعر الآن وأنا أكتب هذه الكلمات بحالة من الفرح غريبة، حالة فوق الوصف وفوق المشاعر، حالة تشبه الارتقاء بالسعادة نحو روحك التي ترفرف من حولي، أعيش لحظات غبطتي وأنا أعيد ما حدث بيني وبينك.
    إرادتك على تحدي المرض جعلتني أؤمن أن الإنسان يذيب سلاسل القيود الحديدية حين يشاء ذلك، من يومها أصبحت مضرب المثل للإرادة وحب العطاء في ذاكرتي التي لا تبكيك إلا احتراماً.

    وهاتفتني تريد أن تبث لي نجوى انتشاء حروفك العظيمة في آخر سطور أنهيت بها دراستك قارئاً لي بصوتك الشجي الذي أفتقده وافتقدناه في مدينتك الكريمة حلب الشهباء (.......) متمنياً لي النجاح والتقدم.

    حزينة أنا لهذه الذكرى، لا أقدر على كفكفة دمعي وأنا أذكر هاتفك مساء يوم الجمعة في تمام الساعة الثامنة والنصف قبل وفاتك بيومين، فيوم وفاتك كان صباح الأحد في 22 شباط، هل كنت آخر من أردت الكتابة عنه ؟ هل كانت روحك تؤجل موعدها مع لقاء الخالق حتى تنتهي من الكتابة عني، ما أصعب هذه الذكرى وما أشدها وقعاً على نفس تعيش إحساساً مرهفاً بدقائق الأشياء واللحظات..

    هل يرحل المبدعون ؟
    مقال كتبته بعد وفاتك بأيام قليلة، كتبته لأقول لك يا أستاذي الجليل لا يرحل المبدعون لأنهم يتركون بصماتهم وذكرياتهم لذاكرة المدينة ولذاكرة شخوصها الطيبين، ومما يجعلني أفخر وأتباهى به الآن توثيق كلامي من المصونة الدكتورة رندة ابنتك الجميلة حين أكدت أمام من حضر الندوة من أصدقائك المحبين الأوفياء مأمون الجابري والمأمون قباني ومحمد الزينو السلوم ومحمود أسد وصديقيك خالد الأفندي ومراد رستم وولدك الذي يحمل شيئاً كبيراً من وسامتك، في مكتبك بدار الألسن أن كل ما ذكرته في رسالتي إليك وعنك صادق مئة بالمئة، وإلى روحك الطاهرة أهدي حروفي ودمعي ....
    1/ 4/ 2008


  2. #2
    أديبة الصورة الرمزية سها جلال جودت
    تاريخ التسجيل
    05/03/2007
    المشاركات
    222
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي لذاكرة لن تبكي إلا احتراماً

    لذاكرة لا تبكي إلا احتراماً

    بقلم سها جلال جودت
    أي إنسان ذاك الذي كنت تحمله في قلبك المتعب المريض حين أتيت إلى مكتبك وأتيتك أنا؟!
    أي إنسان ذاك الذي جلس أمامي باسماً يكلله وقار من نوع خاص لوجه فريد ترك بصمته محفورة في جداول الذاكرة التي لا تبكيه إلا احتراماً..

    كان الجو البارد بصقيعه وندف ثلجه يلهب الوجوه، وكانت الشوارع شبه خالية، لكنك أتيت تحمل تعب السنين على كاهلك معانداً فكرة أن يكون المرض حائلاً بينك وبين لقائي..
    كلمة الثلج لا تعني غير البرد، وكلمة المرض لا تعني غير التعب والإجهاد، تجاوزت الحالتين وأتيت..
    كانت فرحتك كبيرة، وكانت فرحتي أكبر حين علمت من الدكتور أحمد زياد محبك أنك اخترت اسمي لتكتب عنه في كتاب أدباء من حلب الجزء الثالث..
    وحملت إليك ما طلبته مني على الهاتف حين خابرتني قائلاً:
    - أريد منك كل ما كُتب عنك وكل ماتمّ نشره وإصداره .
    أية سعادة تلك التي غمرتني حين عرفت أنك تريد الكتابة عني، أديب حلب الأستاذ ميشيل أديب ((ميخائيل أديب)) صاحب مجموعته الشعرية أيتها الريح وأستاذ اللغة العربية في ثانوية المعري سابقاً يريد الكتابة عن تلميذة بدأت مشوارها مع الحرف والكلمة في سن متأخرة..
    ثقتك بي جعلتني أحمل إليك ما طلبت وآتيك على جناح السرعة إلى فرع اتحاد الكتاب العرب حيث كان موعدنا.
    هناك التقينا، تصافحنا، وتحدثنا، فجأة تدخلت السيدة الراقية سليمى محجوب وأعلنت عن طلبها هي الأخرى، سليمى تريد الكتابة عني أيضاً، يا له من أمرٍ جميل أن تسمع بأمّ أذانك طلب المبدعين..
    كعادتك في الامتثال لرغبات الآخرين تنازلت وقد احمر خداك الأبيضان، تنازلت وقرأت في عينيك حالة حزن فهمتها وأنت تسلّم الأشياء إلى سليمى.

    إنه العقل الراجح حين يفلسف الاحترام إلى واقع، لكنك كنت مصراً على الكتابة، لم يجعلك طلب سليمى تتراجع، قلت لي بصوت خافت:
    - سأكتب وسأنشر ما أكتبه في مجلة الموقف الأدبي، لا تحزني ..
    ما أصعب اللحظات التي تواجه فيها موقفاً فرض نفسه عليك، وما أحلى أن تكون دمث الخلق، طيب السريرة، نقي البال.
    كالبرق عُدت إلى منزلي، اتصلت بالدكتور الناقد أحمد زياد محبك وأخبرته بالواقعة، فسألني: - من تريدين ؟
    قلت وبخجل من أن تغضب مني سليمى: الأستاذ ميشيل.

    وهكذا تحقق الحلم والرغبة في آنٍ واحدٍ، تحققا، وفوجئت بهاتفك في أوائل أيام شباط القارس يريدني في مكتبه.

    كنت أسمع من الأدباء أصدقاءك عن شدة مرضك، وكنت أدعو لك بالشفاء، ليس من أجل الكتابة عني فحسب، بل لأن مدينتك الكريمة حلب الشهباء تحبك وتريدك أن تبقى في رحابها العزيزة وعلى منابرها علماً من أعلام الفكر والعطاء..

    وأنا أمامك وكانت السكرتيرة قد أحضرت فنجان قهوة قدمته لي رحت تسألني عن قصة كيس تفاح وسطر غامض لم تفهم قصدية ما ذهبت إليه في حكائيتي، إذ بشابين يدخلان المكتب يسألان عنك بلهفة، ويقول أحدهم بصوت عال:
    - ما الذي جعلك تخرج من بيتك في ذلك اليوم البارد وأنت المريض المجهد ؟!
    رصينة هي ابتسامتك، فواحة بعطر العظمة حين يتواضع العظماء، وبالهدوء الذي عرفناك به، تشير بيدك نحوي وتقول:
    - هذه الصبية من أخرجتني من فراشي.

    الحب من الاحترام والاحترام من الحب وناكر للجميل من لايعترف ببهاء رزانتك وأنت تتحدث عني وعن أدبي.
    أشعر الآن وأنا أكتب هذه الكلمات بحالة من الفرح غريبة، حالة فوق الوصف وفوق المشاعر، حالة تشبه الارتقاء بالسعادة نحو روحك التي ترفرف من حولي، أعيش لحظات غبطتي وأنا أعيد ما حدث بيني وبينك.
    إرادتك على تحدي المرض جعلتني أؤمن أن الإنسان يذيب سلاسل القيود الحديدية حين يشاء ذلك، من يومها أصبحت مضرب المثل للإرادة وحب العطاء في ذاكرتي التي لا تبكيك إلا احتراماً.

    وهاتفتني تريد أن تبث لي نجوى انتشاء حروفك العظيمة في آخر سطور أنهيت بها دراستك قارئاً لي بصوتك الشجي الذي أفتقده وافتقدناه في مدينتك الكريمة حلب الشهباء (.......) متمنياً لي النجاح والتقدم.

    حزينة أنا لهذه الذكرى، لا أقدر على كفكفة دمعي وأنا أذكر هاتفك مساء يوم الجمعة في تمام الساعة الثامنة والنصف قبل وفاتك بيومين، فيوم وفاتك كان صباح الأحد في 22 شباط، هل كنت آخر من أردت الكتابة عنه ؟ هل كانت روحك تؤجل موعدها مع لقاء الخالق حتى تنتهي من الكتابة عني، ما أصعب هذه الذكرى وما أشدها وقعاً على نفس تعيش إحساساً مرهفاً بدقائق الأشياء واللحظات..

    هل يرحل المبدعون ؟
    مقال كتبته بعد وفاتك بأيام قليلة، كتبته لأقول لك يا أستاذي الجليل لا يرحل المبدعون لأنهم يتركون بصماتهم وذكرياتهم لذاكرة المدينة ولذاكرة شخوصها الطيبين، ومما يجعلني أفخر وأتباهى به الآن توثيق كلامي من المصونة الدكتورة رندة ابنتك الجميلة حين أكدت أمام من حضر الندوة من أصدقائك المحبين الأوفياء مأمون الجابري والمأمون قباني ومحمد الزينو السلوم ومحمود أسد وصديقيك خالد الأفندي ومراد رستم وولدك الذي يحمل شيئاً كبيراً من وسامتك، في مكتبك بدار الألسن أن كل ما ذكرته في رسالتي إليك وعنك صادق مئة بالمئة، وإلى روحك الطاهرة أهدي حروفي ودمعي ....
    1/ 4/ 2008


  3. #3
    كاتبة
    تاريخ التسجيل
    02/03/2008
    المشاركات
    1,180
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: لذاكرة لن تبكي إلا احتراماً

    لا يرحل المبدعون
    بل هم باقون ما بقيت حروفهم تحكي قصة أديب ومبدع مرّ على صفحة الأدب الخالدة
    كلنا نسير على هذا الطريق
    فقيد الأدب ميشيل أديب
    له الرحمة ولكِ لأهله العزاء

    اللهم صل على النبي محمد

  4. #4
    كاتبة
    تاريخ التسجيل
    02/03/2008
    المشاركات
    1,180
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: لذاكرة لن تبكي إلا احتراماً

    لا يرحل المبدعون
    بل هم باقون ما بقيت حروفهم تحكي قصة أديب ومبدع مرّ على صفحة الأدب الخالدة
    كلنا نسير على هذا الطريق
    فقيد الأدب ميشيل أديب
    له الرحمة ولكِ لأهله العزاء

    اللهم صل على النبي محمد

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •