آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 34

الموضوع: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

  1. #1
    ناشر وشاعر الصورة الرمزية محمد حسين بزي
    تاريخ التسجيل
    12/03/2007
    المشاركات
    578
    معدل تقييم المستوى
    18

    Ajel ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    ثقافة المقاومة
    بين العودة إلى الذات "منظومتي مالك بن نبي وعلي شريعتي" ونموذج الوعد الصادق



    بقلم: محمد حسين بزي
    مدير عام / دار الأمير للثقافة والعلوم ش.م.م
    رئيس / هيئة بنت جبيل الخيرية الثقافية
    بيروت - لبنان



    بسم الله الرحمن الرحيم
    ملخص:
    يناقش هذا البحث أهمية تطوير ثقافة للمقاومة تعي التحديات التي تواجهها الأمة وتبني رؤية متماسكة ومتطورة لفكر المقاومة يصب في فعل المقاومة ويستقي من الفعل دروس وأفكار تشحذ الفكر من جديد في تكاملية مثمرة بين الرؤية والتطبيق، والتصور والواقع.ويقارن-ربما لأول مرة- بين فكر مالك بن نبي وفكر علي شريعتي ، ثم يربطهما بنموذج "الوعد الصادق" لنصر حزب الله في لبنان في حرب تموز 2006، ويبني على ذلك بعض النتائج.
    خاصة؛ وأن المقاومة وثقافتها تتعرض هذه الأيام بالتحديد لأشرس حملة؛ داخلية وخارجية وعلى كافة المستويات والصعد للنيل منها ومن انجازاتها المُعمدة بالدماء والتضحيات الجسام، ليكون هذا البحث فرصة سانحة للنقاش البنَّاء على صفحات هذا الموقع الحضاري، وإليكم سادتي هذا الملخص (للبحث) الذي قدمته ضمن أعمال:

    مؤتمر القاهرة الدولي الخامس
    الحملة الدولية ضد الإحتلال الأمريكي الصهيوني
    الذي عُقد في نقابة الصحفيين بالقاهرة من 29 مارس إلى 1 أبريل 2007


    ******

    أولاً:
    العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار في المنظومة الإفكارية لمالك بن نبي

    بناء الذات ومقاومة خطط الاستعمار تشكّلان الركيزتين الأساسيتين لمشروع مالك بن نبي الحضاري، أو ما سُمّيَ بمشكلات الحضارة وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية.
    ولو كان ممكناً أن نُلخص مشروع مالك بن نبي التنويري ـ بمعزل عن منهجه في قراءة التاريخ الإسلامي ـ لقلنا أن المشروع المبثوث في كتاباته يتلخص في خمس نقاط أو "رافعات" محورية:

    1- إن غنى المجتمع لا يُقاس بما يملكه من أشياء بل يُقاس بما يملكه من أفكار.
    2- الاستعمار ـ من دون تمييز بين استعمار أو آخر ـ يملك مُعامِليْن: معامِل "المعمِّر" أي المستعمِر نفسه، ومُعامِل "القابلية للاستعمار" لدى الشعب المُستعمَر..ويسمّيه "مالك" في دراسات أخرى بـ "مركَّب التبعيّة" .
    3 ـ معادلة صنع الحضارة: إنسان + تراب + زمن (من دون إغفال الدين الذي يشكّل منظومة القيم) = حضارة.

    4 ـ تراكم التجارب وحركيّتها في المجتمع من أجل التطوير والتحديث نحو الأفضل والأحسن.. وهو ما يراه بن نبي الفرق الجوهري بين المجتمع الطبيعي أو البدائي.
    5 ـ مفهومَيْ "الصحة" و"الصلاحية"والتفريق بينهما..فالصلاحية هي مقياس أخذنا للنصوص والأفكار العامة، أما مدى "صحة" هذا النص فشأن العلماء، بل ننظر نحن إلى صلاحية النص لمجتمعنا وأفراده فإن كان صالحاً أخذنا به، وإن لم يكن صالحاً تركناه لغيرنا كي يختبر صلاحيته، فمالك بن نبي يدعو إلى عدم رد النصوص والحكم عليها بالخطأ لمجرد عدم صلاحيتها، وإنما يدعو إلى تركها مرحلياً وإلى الأخذ بما هو صالح في الوقت نفسه..وتفعيله.

    وبالخلاصة يرتكز مشروع مالك بن نبي في بناء الحضارة على مفصليْن ارتكازيين هما:

    1 ـ العودة إلى الذات من خلال التفاعل بين عالم الأشخاص وعالم الأفكار وعالم الأشياء، وطبقاً للمعادلة الثلاثية التي تفيد أن ناتج الحضارة يتكوّن من (إنسان + تراب + زمن "محدّد، مع إضافة منظومة قِيَميّة متمثلة بالدين"، ومن ثم الأخذ بكل ما له صلاحية للأمة من نصوص التراث مع عدم رد ما لا يصلُح.
    وهذه العودة أيضاً تتحقّق بأن تدرك الأمة الفارق بين (الحضور) و(الوجود)، وقد حدّد مالك بن نبي رحمه الله أننا أمةٌ موجودةٌ ولكن غير حاضرة، فـ وجودنا يعني وجود مجتمعٍ وثقافةٍ وعلاقاتٍ وإنتاج.. لكن حضورنا يستلزم - طبقاً لمفهوم الحضارة - شروطاً من أهمّها أن نكون أمةً تستطيع أن تحقق مفهوم الشهادة على العالمين، والشهادة تستلزم أن نصيغ نموذجاً بشرياً يجعل جميع مَن يراه يوقنُ أنه النموذج الأمثل، وأنَّ تركَ ذلك النموذج بشكلٍ متعمدٍ فيه خسارة للإنسانية.. وبهذا المعنى نقول أننا لسنا إلى هذه اللحظة في هذا الطور لأننا أمة موجودةٌ وجوداً مادياً ولكنها غير حاضرة لأنها غير شاهدة.

    2 ـ مقاومة المستعمِر من خلال ثقافة مقاوِمة تتلخص بنبذ "القابلية للإستعمار" سواء كانت تلك القابلية ذاتية ناشئة عن العجز، أو كانت مفروضة من قِبل المستِعمر نفسه، ويتم ذلك من خلال عملية التغيير التي أسسها مالك على قاعدة الآية القرآنية التي تربط التغيير الخارجي للمجتمع بتغيير ما في النفس أي بتغيير حزمة الشروط في المجتمع.
    وأيضاً بعدم الوهن الذي ورد في الحديث الشريف وذلك من خلال بذل الحياة الفردية في سبيل التقدّم (وهو عكس: كراهية الموت)، ومن خلال نبذ التعلّق بالحياة القائمة على البذخ والاستهلاك وسيادة السلعة (أي: نبذ حب الدنيا).



    ثانياً:
    العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار أو الاستثمار أو الاستحمار في المنظومة الإفكارية لعلي شريعتي

    تتجسد مشكلتنا الراهنة في أننا نعيش في عصر تطرح فيه قضايا العولمة والعالمية، وتنميط البشر، والغزو العسكري المباشر وغير المباشر، ومسخ الهوية، خصوصاً هوية الُمقدّس، ليتماهى مع الرؤية الأوروبية المادية.
    وأوجز شريعتي بعقله الفاحص ومنطقه المتماسك وبيانه الرفيع، الصورة المادية لعقل الغرب المستعمِر، الذي سعى ويسعى إلى تنميط الصورة التي يصوغها هو وفرضها على بقية الشعوب.
    وعلي شريعتي هو أحد المفكرين البارزين الذين أصّلوا نظرياً ومارسوا واقعياً تلك المواضيع التي تتعلق بالهوية وضرورة العودة إلى الذات والمقاومة الثورية لمشاريع الاستعمار في محاولة جادة وصادقة منه لتوصيف حقيقة المآزق التي تعيشها الأمة وطرح الحلول لها.
    وكل قاريء لمشروع علي شريعتي الحضاري يتلمس بعمق أنه صاحب ذمّة عالية في عالم الفكر والسياسة والاجتماع والدِّين، ولأنه مفكّر موسوعي غزير الانتاج يصبح من الصعب على الفرد منّا أن يحيط بمفاصل مشروعه الثقافي العام من دون اللجوء إلى دراسات موسعة تستغرق الكثير من الوقت.
    وجرياً على الأسلوب الذي اتبعتُه في تلخيص مشروع مالك بن نبي الحضاري الذي يتقاطع مفصليّاً مع الكثير من طروحات علي شريعتي، فإنني ألخص مشروع شريعتي في ثلاث نقاط (رافعات) ، مع الإشارة إلى أوجه التقاطع بينه وبين مالك بن نبي.

    1 ـ العودة إلى الذات..
    وهذا المفهوم من المفاهيم التعميرية المرموقة في منظومة على شريعتي الإفكارية إن لم يكن هو الأبرز والأهم والأشمل، فحرث فيه شريعتي طويلاً واعتبره المصدر الينبوعي لكل المفاهيم الفرعية الأخرى.
    ومعنى العودة إلى الذات عند شريعتي هو "العودة إلى الثقافة والأيديولوجية الإسلامية، وإلى الإسلام، لكن لا كتقليد أو وراثة أو كنظام عقيدة موجودة بالفعل في المجتمع بل إلى الإسلام كأيديولوجية وإيمان..".
    وانتقد شريعتي "الذات الممسوخة"، ودعا إلى "إخلاء الذات" من التقاليد الالتقاطية، واعتبر أن مفهوم إخلاء الذات من المفاهيم المعاوِنة لمفهوم العودة إلى الذات، حيث يمكن للمجتمعات العربية والإسلامية أن تتغير عن طريق وعيها ومعرفتها بأنها ممسوخة ومقلِّدة أولاً، ثم تمارس عملية التخلية من هذا المسخ والفساد ثانياً، ثم تُعيد بناء نفسها عن طريق عودتها لذاتها الناصعة ووعيها المستقل ثالثاً.
    إذا تحقّقت العودة إلى الذات في المجتمع، أصبحت تلك الذات ذاتاً ثورية بتعبيره، وذاتاً مقاوِمة بتعبيرنا، فتتسلّح بالوعي المستقلّ والإيمان، وتبدأ بممارسة نهضتها من خلال مقاومتها لـ "الاستحمار = الاستعمار = الاستثمار" المباشر وغير المباشر، سواء كان استحماراً قديماً أي بأساليب قديمة كإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والنزاعات الدينية من أجل تمرير مشاريع الاستعمار والنهب، أو استحماراً جديداً أي بأساليب مبتكرة وجديدة.
    وصف شريعتي الدين الإسلامي بأنه دين الوعي الثوري الاحتجاجي ذو الإيديولوجية الكفاحية، ووصف الذات الثورية التي عادت إليه بأنها ذات مناضلة اجتماعياً تستند إلى "النباهة" أولاً، و "العمل" ثانياً، و "العبادة" ثالثاً، وبذلك تكون قد استعادت "فعاليتَها الاجتماعية" بصورة ركيزيّة، وتكون أيضاً قد استيقظت من "قرون النوم" الطويلة بحسب وصف مالك بن نبي لتمارس دورها الرائد في الحياة الحضارية.
    مفهوم العودة إلى الذات عند شريعتي ـ من خلال منهجية بناء الذات الثورية المناضلة ضد المسخ والفساد من الداخل ومقاومة الاستحمار من الخارج ـ تقاطع مع السياق الحضاري لمالك بن نبي في نظريته المتمركزة على التفاعل بين عالم الأفكار والأشخاص والأشياء.

    2 ـ جغرافية الكلمة
    شكّل هذا المفهوم قاعدة موضوعية في مكتوبات شريعتي، وفسّره بقوله: "أقصد بجغرافية الكلمة أنه يمكن معرفة صحة قضية فلسفية أو علمية أو أدبية أو بطلانها بمعايير المنطق والإستدلال والتجربة.
    لكن بالنسبة للقضية الإجتماعية ينبغي أن تكون لدينا معلومات عن زمانها ومكانها ثم نقرّر في شأنها، لأنه في العلوم تكون القضايا إما صحيحة أو غير صحيحة، لكن في المجتمع والسياسة ليس الأمر بهذه البساطة، لأن كل القضايا الاجتماعية ذات ارتباط وثيق بالمعايير الخارجية، والقضايا الالتزامية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم عليها لأنه أحياناً تكون قضية ما صحيحة في حدِّ ذاتها، ومنطقية ومعقولة وذات قيمة، ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضاً وانحرافاً وفساداً وكارثة.
    وعلى العكس تكون قضية ما خرافة في حدِّ ذاتها ولا منطق لها وغير صحيحة من وجهة نظر الواقع الفلسفي والعلمي أو الفني والأدبي بل وتكون أيضاً قبيحة ومبتذلة، بينما قد تكون هي ذاتها في أرضية معينة وفي زمن معين عاملاً ايجابياً بنّاءً."
    ويقول شريعتي: "إن غفلتنا عمّا أسمّيه جغرافية الكلمة تركَ ميدان المجتمع خالياً ودون عقبات أمام الإستعمار المحتال الخبير في الغرب، لكي يستطيع بطرح ما هو قابل للرد من الناحية الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية أن يحول دون ما ينبغي طرحه بالفعل."
    نظرية جغرافية الكلمة عند شريعتي تقاطعت بامتياز مع مفهومي (الصحة والصلاحية) عند مالك بن نبي، وقد تمّ توظيف النظريتين بإحكام كقاعدتين لتنظيم أسلوب التفكير والسلوك في المجتمع المسلم.

    3-أصالة الإنسان في الإسلام والوحدة التاريخية..
    الإنسان هو محور الدين، ومحور التشريعات والرسالات السماوية، والدين بنظر شريعتي إنما له اتجاه واحد من السماء إلى الأرض، أي إلى الإنسان، وليس الدين من الأرض إلى السماء، أي ليس هناك دين لأجل الدين.
    والوحدة التاريخية بنظر شريعتي مصطلح علمي له أصله الفلسفي والعقائدي في الإسلام.. فالحوادث المتفرقة التي تقع في مقاطع زمانية ومكانية مختلفة إنما تسير باتجاه واحد وترتبط فيما بينها ارتباطاً منطقياً وفق قوانين العليّة، وتشكل كل واحدة منها حلقة في سلسلة متصلة منذ بداية التاريخ البشري "آدم" إلى نهاية نظام التناقض والنزاع في التاريخ، وهذا ما يُطلق عليه اسم "التسلسل المنطقي والحتمية التاريخية".
    وهذا يعني أن شريعتي يؤمن بالحتمية التاريخية ولكن لا على أساس الصراع الجدلي الأعمى الذي يكون فيه الإنسان مجرد ألعوبة لا إرادة له، وإنما على أساس القوانين المنطقية التي تجعل الإنسان مختاراً في أن يفرض إرادته على إرادة التاريخ. قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ".
    ومع ذلك فإن شريعتي لا يقلّل من أهمية التاريخ بل أنه يعترف بسلطة التقاليد والأعراف ولكن في الإطار الصحيح لا غير، وليس: "التاريخ عبارة عن أكاذيب وابتداعات يصدقها الجميع" كما يدّعي (نابليون) ، وليس التاريخ "علم صيرورة الإنسان" كما يقول البروفسور (أوت شاندل) ، ولكن يجب أن يكون ذلك تابعاً لإرادة الإنسان واختياره وليس العكس وقد صرّح القرآن بذلك مراراً.
    هذا يعني أن للأعراف والتقاليد دورها الكبير في سلوك الأفراد ولكن قد يكون التاريخ مشوهاً نتيجة الجهل والعصبية والأطماع والسلطة.. عندئذ يأتي دور الأنبياء والرسل والمصلحين كي يصحّحوا مسيرة الإنسانية.

    فمثلاً إن حركة الإمام الحسين سبط رسول الله "ص" ليست حركة مبتورة ولم يخرج الحسين لأجل مقاومة يزيد فقط، بل كانت حركة الإمام الحسين امتداداً لحركة واحدة تجري في تيار الزمن وتنتقل من آن إلى آن، هي عبارة عن حركة رسالتها التاريخية إنقاذ الناس وتكامل الإنسان. في مقابل هذه الحركة الإسلامية تقف القوى الأخرى المحادّة لله والمحاربة للناس وهي أيضاًً تتوارث تاريخها الملطخ بدماء المستضعفين جيلاًً بعد جيل، ولهذا فالحرب قائمة دائماً وفي كل مكان بين محورين (الله وإبليس) (هابيل وقابيل) (إبراهيم والنمرود) (موسى وفرعون) (يحيى وهيرودس) (عيسى وقيصر) (محمد وقريش) الخ..
    والسبب من وجهة نظر شريعتي هو: "ثلاثي التاريخ المشؤوم" (السلطة، الاقتصاد، الدين المنحرف) مثلّث قاعدته المال، وضلعاه السلطة والتديّن المنحرف.

    يتقاطع علي شريعتي هنا بقوة مع مالك بن نبي، في تأصيل الإنسان من ناحية، وفي شروط التغيير الاجتماعي النابعة من مسؤولية الفرد المسلم واختياره، وفي مقاومة الظروف الداخلية التي تستغل الإنسان وتشدّه نحو الأسفل، وكذا مقاومة الظروف الخارجية الناتجة عن استغلال الاستعمار، وبالتالي فإن الخيط الناظم الذي يجمع بين المنظومتين الإفكاريتين لكلا العملاقين هو: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة.


    ثالثاً: نموذج الوعد الصادق بين منظومتيْ: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة

    لو طُلب مني أن ألخّص منظومَتَيْ ابن نبي وشريعتي بثلاث كلماتٍ فقط لقلتُ من دون إبطاء أو زحزحة: الحرث، والانغراس، والتعمير..

    ولو طُلب منّي أن أوصّف نموذج الوعد الصادق من خلال العلاقة التفاعلية بين أداء رجال المقاومة وخلفيّتهم الفكرية والثقافية لقلتُ: حرثوا وغرسوا وعمّروا..
    وبعبارة أسْطَع وأضْحَى: المقاوِم هو ذات منغرسة اجتماعياً في علائقيّة تعميرية متراحمة، وجذور تثميرية راسخة، ومستقبليّات واعِدة.
    المقاوِم خرج من فرديّته ليتحوّل إلى مواطن صالح داخل الدار العالمية للثقافة والفكر والأخلاق والعمل والعبادة.
    ولكي ندخل إلى التلافيف الجوهرية الرابطة بين المفهوم النظري للعودة إلى الذات والمقصد العملي لثقافة المقاومة، لا بد لنا من الدخول إلى الثلاثيات المفقودة التي جذّرها المقاومون من خلال نموذج الوعد الصادق..

    ثلاثية الانتصار:
    ما هو النصر؟
    كلّ فردٍ جعل لنفسه هدفاً أو مجموعة أهداف ثم عمل على تحقيقها وأتمها، فهذا الفرد يكون قد انتصر.
    وكل جماعة وضعت نصب عينيها هدفاً أو مجموعة أهداف وعملت على إنجازها وتحقيقها، وحققتها، فهذه الجماعة تكون منتصرة.
    وكل فردٍ أو جماعة، واجهت عدواً، ومنعته من تحقيق أهدافه، فإن هذا الفرد وتلك الجماعة، تكون منتصرة.
    فالانتصار له وجهان: إما أن تحقق الجماعة أهدافها.. وإما أن تمنع الجماعة عدوّها من تحقيق أهدافه.
    فإذا حققت الجماعة أهدافها، وفي الوقت نفسه منعت العدو من تحقيق أهدافه، فالنصر يتحول إلى "نصْرَين".
    وهناك نصر ثالث في البين.. وهو شخصية القائد.
    فالقائد الجامع للصفات القيادية الحاسمة، من الوعي والإيمان والمسؤولية والنزاهة والإطلاع على دقائق الأمور ومتابعة شؤون الناس باهتمام، يلعب دوراً مهماً في إيصال الجماعة إلى أهدافها.
    إن قلتْ: أن هناك الكثير من القادة الذين جمعوا هذه الصفات أو المواصفات بل أكثر منها، لم ينجحوا في إيصال الجماعة إلى أهدافها، فكيف تصف شخصية القائد بأنها "نصر"؟
    قلتْ: إن شخصية القائد المنصوص عليها هنا، جمعت عنصراً آخر لم يتوفّر للكثير من القادة الصالحين عبر التاريخ، ألا وهي ثقة شعب العدو وبعض قادة ذلك العدو من المدنيين ـ إن صحّ التعبير ـ والعسكريين بهذا القائد وصدقه وشفافيته وأخلاقه..! وهذا عامل حاسم في اعتبار شخصية القائد بحدّ ذاتها "نصر".
    جذّرت مسلكية المقاومة في مواجهة الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على لبنان "نموذجاً" لهذه الثلاثية الرائدة، التي قلّما جمعتها أمة في تاريخها، حيث استطاعت أن تحقق أهدافها، وأن تمنع العدو على حدٍّ سواء من تحقيق أهدافه باعتراف العدو الصريح والواضح، وأن تمتلك في الوقت عينه شخصية القائد التي تختزن النصر والتي حملت اسم "نصر الله".
    النصر ليس نصراً واحداً، بل هو ثلاثة انتصارات..

    ثلاثية "الخلفية الإيمانية، والإعداد، والقيادة الحكيمة.

    الخلفية الإيمانية:
    شكّلت الخلفية الإيمانية بكافة تشعّباتها أرضية خصبة للمقاومين، درجوا عليها منذ نشأتهم، ورضعوها في طفولتهم، واشتدّت لحمتها في بيئتهم التي تُعتبر مدرسة حقيقة لتخريج الثائرين على الظلم، الرافضين للفساد، المتعطشين للعدل والحرية، الذين يرفضون الذلّ والهوان، ويتمسكون بالكرامة والعزّة، ولا حياة لأفراد هذه البيئة خارج هذه التوصيفات.
    إنها مدرسة متكاملة للمسؤولية الدقيقة أمام الله تعالى، ومن هنا نفهم كيف يثبت هؤلاء المقاومون أمام الأهوال، ويُخاطَبون بـ "تزول الجبال ولا تزول أقدامكم".. هذه الحقيقة، أنتجتها خلفية المقاوِم الإيمانية.

    الإعداد والأخذ بالأسباب:
    لم يترك المقاومون شؤونهم للمصادفات، ولم يركنوا للظروف على علاّتها، بل استمدوا من قرآنهم ضرورة الإعداد ما استطاعوا من عناصر القوة لمواجهة عدوّهم، فأخذوا بقوله تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ".. فأعدّوا ما استطاعوا بالفعل، وبذلوا جهداً كبيراً في عملية الإعداد.
    ولم يكتفِ المقاومون بما حقّقوه من انتصارات خلال فترة مقاومتهم الطويلة لأعداء الأنبياء والإنسان، كما لم يكتفوا بالإعداد الجيّد بل أضافوا إلى هذه العناصر عنصراً جديداً، استلهموه أيضاً من قرآنهم ألا وهو عملية الأخذ بالأسباب العِلمية والعملية، وهذه الأسباب تشمل التدريب العملي على ما في أيديهم، وتشمل أيضاً تطوير ما في أيديهم من وسائل ومعدات، وقد نجحوا في هذا الأمر نجاحاً كبيراً، شهد به العدو قبل الصديق. وهذا الأمر ذكره الله تعالى في قصة ذي القرنيْن، فبعد أن أعطاه الله الأسباب "أَتْبَعَ سَبَباً".. فلم يجلس مكتوف الأيدي ليستمتع بالأسباب التي أسبغها الله عليه، بل نهض للأخذ بالأسباب وللتفتيش عن المستضعفين والمظلومين أينما كانوا من الأرض ابتغاء نصرهم وإعزازهم.

    القيادة الحكيمة:
    عرّفنا القيادة فيما سبق من القول، وقلنا أن القيادة تلعب دوراً هاماً في صنع النصر بل تكون هي بحدّ ذاتها "نصراً"..
    إلا أن القيادة الحكيمة لا تأتي أولاً، وإنما تأتي ثالثاً في ترتيب الأولويات. لأن القائد الحكيم بالغاً ما بلغ لا تنتفع الأمة منه في تحقيق النصر ما لم يكن لديه من الأتباع ثلّة مؤمنة مدربة واعية! فكم من قائد حكيم مرّ في تاريخنا وهو يتحسّر على مجموعة رسالية تنهض معه لتحقيق المباديء ونشر الخير والفضيلة فلم يجد.. ولو أردت أن أورد أمثلة لذلك لطال بنا المقام ولخرجنا بمجلد كامل إن لم نقل بمجلدات.
    ثلاثية الخلفية الإيمانية والإعداد والقيادة الحكيمة، جلّاها مجاهدو المقاومة الإسلامية بأسطع تجلياتها في معركتهم الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان.

    ثلاثية المقاوم "المقاوم المجاهد، المقاوم الصامد، المقاوم الرَّافد":

    المقاوم المجاهد:
    المقاوم المجاهد هو المقاوم الذي امتشق سلاحاً في مواجهة العدو، أو هو المقاوم الذي يقوم بأي دور تسنده إليه القيادة العسكرية في الميدان.
    هذا المقاوم، هو الذي يصنع النصر في الدرجة الأولى، وهو الذي يتحمل مسؤولية مواجهة العدو، وعليه تتوقف "بوصلة" المعركة، فإن انهزم! انهزمت الجبهة.. وإن ثبت وصير! انتصرت الجبهة، فهو "ميزان" المعركة وعليه تتوقف نتائجها.
    هذا المقاوم، عرفته الأمة في المواجهات الأخيرة إن لم نقل عرفه العالم أجمع.

    المقاوم الصامد:
    المقاوم الصامد، هو المواطن الذي ثبت في مكانه وصمد في أرضه، وكان مكانه من الأرض يقع ضمن الدائرة التي يستهدفها العدو بنيرانه.
    نموذج هؤلاء المقاومين شهدناه بكثرة، ومن بين هؤلاء كان العدد الأكبر من شهداء الوطن، بل إن الهجمة الشرسة للعدو تركّزت على هذه الفئة من المقاومين بعد اليوم الخامس تقريباً من بداية العدوان، وكل مَن تابع شريط الأحداث الميدانية على الشاشات المرئية يتيقّن من أن ثلثيْ هجمات العدو الجوية والصاروخية استهدفت عائلات هؤلاء المقاومين الصامدين ومن كل الفئات والأعمار.

    المقاوم الرافد:
    وهو الشخص أو الهيئة أو الجماعة أو المؤسسة التي ترفد المقاومين الصامدين والمجاهدين بأي نوع من أنواع الرِّفادة.
    والمقاومون الرَّافدون ليسوا بالضرورة من المواطنين اللبنانيين حصراً بل قد يكونوا على امتداد العالم أجمع.
    وأنواع الخدمات التي قدمها المقاومون الرافدون كانت كثيرة ومتنوعة، سواء على مستوى الكلمة المعبِّرة في الإعلام أو في التجمعات المناصرة للمقاومة، أو في التظاهرات الحاشدة، أو في المساعدات الطبيّة أو العينية أو المادية، أو أي شكل من أشكال الدعم، هؤلاء بحق هم من المقاومون الذين رفدوا المقاومة بقسميها: المجاهد والصامد.
    هذه الثلاثية المباركة للمقاومين: المجاهدين والصامدين والرافدين تجلّت ناصعة بأبهى صورها في مواجهة العدوان الارهابي الصهيوني الأمريكي الأخير على لبنان.
    هاتان الثلاثيتان عايشناهما ميدانياً، ومنهما نتوصل إلى السياقات الحضارية الدافعة المتضمنة ثلاثية علي شريعتي "المنهج، الإيمان، التضحية" التي يساوقها ثلاثية مالك بن نبي التفاعلية "عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء".
    ويرمز شريعتي بكلمة "المنهج" إلى كل أبواب المعرفة التي يستطيع الإنسان أن يراكمها خلال مشوار حياته، وخصوصاً تلك الأبواب من المعرفة التي تساعد الفرد على خدمة الإنسان في مجتمعه قبل الانتقال إلى خدمة الإنسانية في المجتمع الكبير.

    ويؤكّد شريعتي على أن "المنهج" يجب أن يكون موضوعياً وجريئاً بحيث يمكّن الإنسان من اكتشاف الحقائق، ويحمل هذا المنهج في طيّاته على الدوام ملامح الإسلام الأولى بكل عناصرها الإنسانية لناحية تأصيل العلاقات الاجتماعية القائمة على الأخوة والمحبة والتعاضد.
    أما "الإيمان" فإنما يكون من وجهة نظر شريعتي "أمام كعبة الله"، أي في تقديس كل ما له ارتباط بالذات الإلهية، سواء على مستوى العقيدة، أو على مستوى فهم التعاليم واحترامها، أو لناحية تثميرها، والالتزام بها.
    وأما "التضحية" فتكون أمام "بيوت الناس". ورمز شريعتي بذلك إلى أن تحقيق المباديء على مستوى المنهج وعلى مستوى الإيمان؛ بحاجة للدماء من أجل تحقيق العدل والحرية والعيش الكريم لعامة الناس.
    فالقرآن يرمز بفرعون إلى السلطة الحاكمة الظالمة الغاشمة.. ويرمز بقارون: إلى السلطة الاقتصادية الشرهة.. وببلعم بن باعوراء: إلى السلطة الدينية الرسمية، أو ما اصطلح على تسميته بوعاظ السلاطين.

    ثلاثية في مقابل ثلاثية...
    لا نستطيع أن نحصي عدد المؤسسات العاملة التي أسستها المقاومة في لبنان لخدمة الناس، ولا الخدمات المتنوعة التي يقدمها أفرادها لعامة الناس من كل الألوان والأطياف، ولكننا نستطيع أن نقول إن خير ما يعبّر عن منهج المقاومة في إطار الخدمات ما جاء على لسان سيد شهدائها الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي مخاطباً المواطنين "سنخدمكم بأشفار عيوننا". وكفى بها من كلمة معبِّرة.
    "المنهج الإيماني" في شرع المقاومين يتمحور على إيصال النفع للناس وخدمتهم حتى ولو كلفهم ذلك "التضحية" بأنفسهم وبذل دمائهم.
    فالمقاوم عندما يدافع عن الأرض التي هي أرض الناس، وعن أرزاق الناس، وعن أعراض الناس، ويسقط شهيداً مضرجاً بدمائه في سبيل ذلك، فهل يعني ذلك غير أنه ضحّى أمام "أبواب الناس"!.. نعم، لقد ضحّى أمام أبواب الناس.

    إن قلتْ: المقاوم يعمل في سبيل الله ويجاهد في سبيل الله ويستشهد في سبيل الله، فكيف تقول بأنه يعمل ويجاهد ويستشهد في سبيل الناس!؟
    قلتْ: النتيجة واحدة، سبيل الله هو سبيل الناس.. فالله في صف الناس، في صف الفقراء، في صف المستضعفين، وليس في صف فرعون وقارون وبلعم بن باعوراء ومَن والاهم.
    بل بقليل من التأمل نجد أن ما نسبه الله تعالى في القرآن لنفسه على المستوى الاقتصادي والمادي والاجتماعي هو للناس بلا منازع.. قال تعالى: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ"، والحال أن الله تعالى غني عن العالمين، والقرض يكون لعباد الله الفقراء والمحتاجين.
    وضمن هذا السياق اكتنز شريعتي مفهوماً ابتكارياً حيث قرّر أن القرآن الكريم قد ابتدأ بكلمة (الله) واختتم بكلمة (الناس) بل إن السورة الأخيرة من القرآن الكريم قد سُميت بسورة الناس، وبمجرد أن نفتح القرآن ونلقي نظرة عادية على أوله وآخره نلتفت إلى أن الإسلام يعتمد أساساً على كلمة "الله"، وكلمة "الناس"، دون أي التفات للَّون والعنصر والشكل والطبقة، فالحركة القرآنية بين المُفتتح والمُختتم في الكتاب العزيز هي حركة تبادلية بين الله والناس.
    والآيات والنصوص التي تشهد على ارتباط رضا الله تبارك وتعالى بخدمة الناس أكثر من أن تُحصى في هذه العجالة.
    لقد سطّر المقاومون ثلاثية "المنهج الإيماني المُضحّي" جليّة واضحة أمام أعيننا كأروع ما تكون التضحية في مواجهتهم للعدوان الأمريكي الإسرائيلي الغاشم على لبنان.
    هذه الثلاثيات هي ترجمة حيّة وناطقة للبناء الفكري والعقائدي والعملي لكل مقاوم وشريف في أرجاء الأرض، وهي تعكس نقاط التقاطع التي تكلمنا عنها في إفكاريتَيْ شريعتي وابن نبي ترجمها المقاومون في لبنان ماضياً وحاضراً، بل يستطيع المُنصف أن يتأمل ما تقدّم بعناية ويقايسه بما شاهده وسمعه وقرأه عن المقاومين خلال الحرب وقبلها، ليتأكد من جديّة هؤلاء المقاومين الأسطورة في أقوالهم وأفكارهم وأعمالهم وقلوبهم وإيمانهم وتضحياتهم.

    والحمد لله رب العالمين.
    محمد حسين بَزِّي
    لمطالعة البحث كاملاً؛ وإحالاته المرجعية يرجى زيارة الموقع الأكاديمي لإسلام أون لاين الرابط التالي:
    http://www.biblioislam.net/Elibrary/...?tID=3&id=5105


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد المنصور الشقحاء
    تاريخ التسجيل
    23/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    309
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    تأتي ثقافة المقاومة من الانتصار على النفس الأمرة بالسوء0 كما تأتي من مشروع ثقافي انساني قائم على حب الوطن والشعور بالمواطنة التي معها تتشكل وسائل البناء لا الهدم0
    اذا نحن حيال استعارة لم تعد قائمة اذا اخذنا لبنان كمثال اذ نعرف انه دولة مستقلة لها علم ولها حدود ولها حكومتها0
    وقد استعرض الفكر الانساني خصائص ومواصفات المجتمع الفاضل اهمية الأمن الوطني للأخلاق0
    اذا نظرنا للقائم اليوم في ثلاث حالات:
    1 ــ فلسطين
    2 ــ العراق
    3 ـ لبنان
    ونضيف اليها الصومال والسودان نعرف ان فلسطين مزقتها الشرعية الدولية الى دولتين يهودية قامت ومازالت قائمة وعربية فلسطينية نتحاور حتى اليوم على كيف تكون وبعد ان فقدنا في المد القومي ما تبقى من ارض فلسطين والتقدميين يقاتلون الرجعيين من العرب حتى احتلت اسرائيل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة0
    وفي العراق نعرف ان هناك محتل امريكي بشرعية دولية نتقاتل كعرب داخل العراق وخارجه حتى يبقى هذا المحتل0
    وفي لبنان في عام 2006 جاء النصر الالهي على حساب لبنان الأرض والشعب 0 وتواصل اليوم الى قيام عسكر المعارضة بملاحقة عسكر الموالاة في عصيان ميلاشوي لتولي السلطه وخطاب سياسي كاذب متلون بين وقت واخر ينز دما وقيح وصفات بذيئة0
    لبنان وفق العيش المشترك واتفاق الطائف له سلطات ثلاث طائفية:
    1 ــ رئيس الجمهورية / مسيحي
    2 ــ رئيس مجلس النواب / مسلم شيعي
    3 ــ رئيس مجلس الوزراء / مسلم سني
    هذه التركيبة المتوافق عليها والتي يعتمدها الخطاب السياسي اليوم كتقيه لتولي السلطة حلقت في فضاء لبنان الذي اكتشف الجميع ان ديمقراطيته مزيفة وان سياسية ورجال الدين ومثقفيه مجرد ادوات ودمى0
    اما السودان فالحرب الداخلية كما هي صراع سلطه افقدت السودان اثره الاقتصادي والصومال وما يحدث فيه تصور كامل لما يشكله الفكر العربي من اتباعية0
    نحن ننقل ولكن لم نستفد من تجارب الأخر الذي استفاد من تجاربنا العلمية والفكرية فخلق دولته
    اذا هنا نحن اداة وان فكرنا ونحن اداة وان قيمنا ونحن اداة وان شكل الآخر من اجل مصالحه دولتنا00

    للجميع تحياتي


  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد المنصور الشقحاء
    تاريخ التسجيل
    23/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    309
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    تأتي ثقافة المقاومة من الانتصار على النفس الأمرة بالسوء0 كما تأتي من مشروع ثقافي انساني قائم على حب الوطن والشعور بالمواطنة التي معها تتشكل وسائل البناء لا الهدم0
    اذا نحن حيال استعارة لم تعد قائمة اذا اخذنا لبنان كمثال اذ نعرف انه دولة مستقلة لها علم ولها حدود ولها حكومتها0
    وقد استعرض الفكر الانساني خصائص ومواصفات المجتمع الفاضل اهمية الأمن الوطني للأخلاق0
    اذا نظرنا للقائم اليوم في ثلاث حالات:
    1 ــ فلسطين
    2 ــ العراق
    3 ـ لبنان
    ونضيف اليها الصومال والسودان نعرف ان فلسطين مزقتها الشرعية الدولية الى دولتين يهودية قامت ومازالت قائمة وعربية فلسطينية نتحاور حتى اليوم على كيف تكون وبعد ان فقدنا في المد القومي ما تبقى من ارض فلسطين والتقدميين يقاتلون الرجعيين من العرب حتى احتلت اسرائيل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة0
    وفي العراق نعرف ان هناك محتل امريكي بشرعية دولية نتقاتل كعرب داخل العراق وخارجه حتى يبقى هذا المحتل0
    وفي لبنان في عام 2006 جاء النصر الالهي على حساب لبنان الأرض والشعب 0 وتواصل اليوم الى قيام عسكر المعارضة بملاحقة عسكر الموالاة في عصيان ميلاشوي لتولي السلطه وخطاب سياسي كاذب متلون بين وقت واخر ينز دما وقيح وصفات بذيئة0
    لبنان وفق العيش المشترك واتفاق الطائف له سلطات ثلاث طائفية:
    1 ــ رئيس الجمهورية / مسيحي
    2 ــ رئيس مجلس النواب / مسلم شيعي
    3 ــ رئيس مجلس الوزراء / مسلم سني
    هذه التركيبة المتوافق عليها والتي يعتمدها الخطاب السياسي اليوم كتقيه لتولي السلطة حلقت في فضاء لبنان الذي اكتشف الجميع ان ديمقراطيته مزيفة وان سياسية ورجال الدين ومثقفيه مجرد ادوات ودمى0
    اما السودان فالحرب الداخلية كما هي صراع سلطه افقدت السودان اثره الاقتصادي والصومال وما يحدث فيه تصور كامل لما يشكله الفكر العربي من اتباعية0
    نحن ننقل ولكن لم نستفد من تجارب الأخر الذي استفاد من تجاربنا العلمية والفكرية فخلق دولته
    اذا هنا نحن اداة وان فكرنا ونحن اداة وان قيمنا ونحن اداة وان شكل الآخر من اجل مصالحه دولتنا00

    للجميع تحياتي


  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (01): محاذير بحاجة إلى انتباه وفطنة


    أود أن أقول لأخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزي خيراً فعلت، بعرض هذه الأفكار أمام عقول واتا. وفي الحقيقة فإن وجود نخبة متعلمة خلف تخدم القيادة Leadership، هو أمر ضروري لا غني عنه لفعالية القيادة. لأن القيادة بالمعني الكلاسيكي هي أحد وظائف الإدارة. فكما هو معروف فإن الإدارة لها أربع وظائف اساسية وهي التخطيط (Planning) والتنظيم (Organizing) والتوجيه (Directing) والرقابة (Controlling). ومن وجهة النظر العلمية فإن مركز ثقل القائد يقع في التوجيه (Directing) حيث تلعب شخصية القائد في توجيه الأحداث.وإذا لم يكن خلف القائد أدمغة، فيبقى التخطيط إرتجالياً، والتنظيم مهلهلاً، والرقابة غير محكمة أو مفككة. لذا فنجاح مشروع مثل هذا المشروع لا بد من تلازم القائد مع الطبقة النخبوية المتعلمة هذاالتلاحم يصنع المعجزات. لا أريد أن أستطرد في طبيعة العلاقة، فهي خارج الموضوع المطروح على هذا المسار. وعلى القائد حقن الأنشطة والآليات التي يعايشها كظاهرة فردية (مبنية على شخص القائد الكاريزمية) إلى عمل مؤسسي، مما يعطي ديمومة أكبر في التأثير عبر الأجيال. عبد الرحمن الداخل أو صقر قريش كما سماه أعداؤه، كان شخصية مميزة، هرب بمفرده واستطاع أن يؤسس دوله في الأندلس. لكن بعد موته تشرذمت الدولة وتلاشت، لأنه لم يستطع تأسيس الأنشطة المبنية على شخصيته القيادية في مؤسسات ليستمر عطاؤها بعد رحيله. أعتقد أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق سماحة السيد في هذا المجال.

    المعقول هو مجرد والمجرد بسيط ، لذا فالأفكار المجردة تبقى بسيطة، ويمكننا رسم لوحة متكاملة متناسقة رائعة منها، دون أن يعني ذلك أنها ستعمل في العالم المحسوس، يعني في الواقع.

    المقولة إذا خرجت فيه لم تعد ملك قائلها، مفهوم الصحة والصلاحية لدى مالك مفهوم خطير في ظل عدم وجود تعريف واضح لمفهوم النصوص. وهذه قد تؤدي إلى التلاعب بالشرع. خذ مثلاً أمر من الله: لا تخرجوهن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. هذا الأمر لا يتم تطبيقه في أي من الدول الإسلامية على علمي، فهل عدم تطبيقه يرجع إلى عدم صلاحيته؟ هذه المقوله دون تعاريف وضوابط تفتح بوابة للتهرب من تطبيق الشرع. لذا لا يمكن قبولها كما هي دون تأهيل.

    كلا دعوتي الأستاذ مالك بن نبي والأستاذ على شريعيتي وهما بناء الذات أو العودة إلى الذات، تفترض مفهوم الذات The Self، بالألمانية Das Ich، وهذا يعني أن هذا المفهوم هو مفهوم قاعدي Fundamental Concept أو ما يسمى بالألمانية Grundbegriff لممارسة المنظومتين، وبدون تعريف واضح للذات لا يمكن أن نعرف الآخر The Other، أو بالألمانية Das Nicht-Ich. كما أنه لا يمكن افتراض بداهة هذا التعريف.

    عندما تم طرح مفهوم الذات في الخمسينات كرديف للأمة العربية، قام الأكراد وقالوا نحن لسنا عرب، مع أن الأكراد في الوجدان العربي هم جزء من الأمة، لكن تم تفسيرها عرقياً. وحيث لم يتم الاشتغال على المفهوم، ظل هذا اللبس موجوداً.

    ماذا تعني العودة إلى الإسلام كأيديولوجية وإيمان؟ اليوم الإسلام :امر واقع الإسلام ايديولوجيات وليس أيديولوجية واحدة، فهل يعني هذا أن نرجع إلى نقطة في التاريخ قبل تفرع الإيديولوجيات، لنبدا البناء من جديد؟

    نحن في الإسلام لنا ينبوع صافي بمعالم واضحة. الحدود الأمامية لهذ النبع هي إقرأ، والحدود النهائية لهذاالنبع هو موت الرسول عليه الصلاة والسلام وانتقاله عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى. ما بعد هذا النبع هو شبكة توزيع لهذا النبع. فإذا اهترأت شبكة النبع هذه، علينا تأسيس شبكة جديدة، مستفيدين من الشبكات السابقة بإخضاعها إلى الدراسة العلمية الجادة.

    هذا البناء لا بد وأن يعتمد على العقل طبقاً لقاعدة الضرورة العقلية Necessity أو بالألمانية Notwendigkeit، والبدء من هناك بتمحيص القضايا وفق قانون الضرورة العقلية، سيعطي الشبكة متانة، كما سيحصل هناك إجماع في القضايا. إذا أن قانون العقل البشري واحد.

    ما يطرحة مالك بن نبي يفتقر إلى النمذجة Modeling، وهي تعني بناء علاقة فراغية Spatial بين عناصر الظاهرة. ويستلزم بناء نموذج بلورة الافتراضات Underlying Assumptions، وتعريفات المفاهيم، وتحديد العلاقات بين عناصر الظاهرة. فالدين هو منظومة إنسانية، أي مرتبطة بالإنسان فسلوك الحيوان على سبيل المثال موجه غريزي Instinctive أو بالألمانية Instinktgesteuert، فالحيوان ليس بحاجة إلى معرفة قيمة واجبه للسلوك، والدين مرتبط بهذه القيمة الواجبة للسلوك أو ما يسمى بالأخلاق. هذه الأشياء يحددها النموذج.

    وبالله التوفيق،،،


  5. #5
    ناشر وشاعر الصورة الرمزية محمد حسين بزي
    تاريخ التسجيل
    12/03/2007
    المشاركات
    578
    معدل تقييم المستوى
    18

    Ajel النص الكامل لبحث: ثقافة المقاومة ، مع محبتي وعرفاني للجميع

    سيداتي سادتي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سعدت جداً بتعليق الاستاذ محمد المنصور الشقحاء، وبتعليق Dr. Schaker S. Schubaer الذي استفدت منه كثيراً، ولهذا أرى نفسي مضطراً أن أنشر النص الكامل للبحث (مع احالاته المرجعية)، عله يحمل في طياته الجواب على بعض ما طُرح من الأستاذين الكريمين.

    وللجميع مودتي.



    ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق
    " النص الكامل "



    أ ـ العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار في المنظومة الإفكارية لمالك بن نبي

    قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (سورة الرعد: من الآية 11)..([1])
    وقال النبي (ص): (يُوشك أن تَدَاعى عليكم الأمم كما تداعى الأكِلَة إلى قصعتها ' فقال قائل:' أوَ مِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله ؟!! ' قال:' بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنَّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن ' قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟' قال:' حب الدنيا وكراهية الموت)([2]).
    من خلال هذه الآية القرآنية وهذا الحديث الشريف، لخّص المفكر الإسلامي مالك بن نبي داء الأمة ودواءها.
    وكأني بمالك بن نبي باستشهاده بهذه الآية وبذلك الحديث قد أصّل المتجدّد وجدّد المتأصّل في حياة هذه الأمة.
    وكأني به وببساطة متناهية قد ردّ بأسلوب غير مباشر على مشروع 'استحالة التأصيل' الذي احتل مساحة لا يستهان بها في المشهد الثقافي لعصرنا الراهن.
    بناء الذات ومقاومة خطط الاستعمار تشكّلان الركيزتين الأساسيتين لمشروع مالك بن نبي الحضاري، أو ما سُمّيَ بمشكلات الحضارة وبناء شبكة العلاقات الاجتماعية.
    كقاريء قرأ تراث مالك بن نبي كاملاً أو على الأقل ما نُشر منه حتى الآن ـ وإن كنا لا نوافقه في قراءاته لبعض المناحي التاريخية ـ لو طُلب مني أن أُلخص مشروعه التنويري ـ بمعزل عن منهجه في قراءة التاريخ الإسلامي ـ خلال دقائق معدودة، لقلت من دون تردّد أو توقّف، أن مشروع مالك المبثوث على صفحات الورق يتلخص في خمس نقاط أو 'رافعات' محورية:

    1 ـ رافعة: إن غنى المجتمع لا يُقاس بما يملكه من أشياء بل يُقاس بما يملكه من أفكار([3]).. لأن التفاعل الحضاري عند 'مالك' إنما يتم بالتفاعل بين ثلاثة عوالم: 'عالم الأشياء، وعالم الأفكار، وعالم الأشخاص'([4])..
    واستشهد مالك لذلك بالحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار هائل لألمانيا وكذلك لروسيا([5]).. فـ 'عالم الأشياء' تمّ تدميره تدميراً شبه كليّ، ومع ذلك استعادت ألمانيا عافيتها الاقتصادية بمدّة وجيزة من خلال الخطة الخمسية للدكتور 'شاخت'([6])، وذلك بسبب شبكة 'عالم الأفكار' الحيّة([7]) في 'عالم الأشخاص' لأمة تبغي الحياة.
    وبالمقابل لم تنجح خطة 'شاخت' الاقتصادية في أكبر بلد مسلم وهو أندونيسيا([8])، بسبب عدم توافر شبكة الأفكار اللازمة أي 'عالم الأفكار'([9])، في بنية 'عالم الأشخاص' لذلك المجتمع المسلم.

    2 ـ رافعة: الاستعمار ـ من دون تمييز بين استعمار أو آخر ـ يملك مُعامِليْن: معامِل 'المعمِّر' أي المستعمِر نفسه، ومُعامِل 'القابلية للاستعمار'([10]) لدى الشعب المُستعمَر..
    والقابلية للإستعمار مفهوم مُبتَكَر، ابتكره هذا المفكّر العملاق، وأراد به أن أي شعب من الشعوب أو أمة من الأمم لم تكن لديه أو لديها مُعامِل القابلية للإستعمار([11]) فلا يمكن للمعامِل الآخر أي المستعمِر أن يُحكم قبضته على ذلك الشعب، مهما تكن قدرات ذلك المعامِل الآخر.
    وبالمقابل إن كان معامِل القابلية للإستعمار – ويسمّيه 'مالك' في دراسات أخرى بـ 'مركَّب التبعيّة'([12]) - موجوداً في أمة ما، تكون نصف الطريق قد تعبّدت أمام المعامِل المستعمِر، فتسقط تلك الأمة صريعة تحت بيْدق الذل والاستهانة وامتهان الكرامة، لأن المستعمِر يسعى إلى تحطيم إرادة الشعوب المستعمَرة([13])، كما يسعى إلى إبراز تفوّقه على تلك الشعوب حتى ولو لم يكن متفوقاً بالفعل، لذا يرى مالك بن نبي أن فرنسا بعد هزيمتها المنكرة عام 1870م أحست بأنها لم يعد لها هيبة و “بدلاً من أن يدفعها شعورها بالنقص إلى الرفع من قيمة شعبها، فإنها _ رغبة منها في إقرار التوازن بين المعمِّرين والمستعمَرين _ عمدت إلى الانتقاص من قيمة هؤلاء الآخرين، وتحطيم القوة الكامنة فيهم، فمنذ ذلك الحين بدأ الحط من قيمة الأهالي يُنفّذ بطُرق فنية، كأنه معامِل جبري وُضع أمام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الاجتماعية”([14]).
    وفي المقابل نقول إن معنى انعدام وجود 'معامِل القابلية للإستعمار' كما هو في مفهوم مالك بن نبي، معناه 'ثقافة المقاومة'، وهو المصطلح الذي تستخدمه النُّخب الشعبويّة الواعية في الوقت الراهن. فلا يوجد فرق بين المعنيين.

    3 ـ رافعة: معادلة صنع الحضارة: إنسان + تراب([15]) + زمن (من دون إغفال الدين الذي يشكّل منظومة القيم) = حضارة([16]).
    وضع 'مالك' رحمه الله هذه المعادلة الهندسية للتدليل على أن الإنسان هو محور الوجود أولاً وأخيراً([17])، وعلى أن قيمة الإنسان تتحدّد بعمله، وأن لهذا العمل برمجة تخطيطية مرتبطة بزمن محدّد لأن الزمن غير مفتوح إلى ما لا نهاية بسبب محدودية الأعمار وقانون الموت الفردي، وأن عمل الإنسان المزمَّن يكون من أجل تراب الوطن أو على تراب الوطن من ناحية، أو أن التراب هو 'عالم الأشياء' أو عالم المواد الأوليّة التي تتشكّل منها عناصر العمل الذي يساهم في بناء حضارة المجتمع العمراني والخدماتي من ناحية ثانية. كل ذلك يترافق مع منظومة قيميّة يحدّدها الدّين، فبدونها قد تتحوّل الحضارة إلى وحش ضارٍ يهدّد المجتمعات الأخرى وتحمل تلك الحضارة المتوحشة في رحمها في الوقت عينه عواملَ فنائها. ولا ننسَ أبداً أن مالك بن نبي شدّد على نبذ الاختلاف بين المؤمنين في المجتمع الحضاري وأكّد على التعاون التام بين أفراد المجتمع من خلال استشهاده بالحديث الشريف 'المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا'([18]).

    4 ـ رافعة: تراكم التجارب وحركيّتها في المجتمع من أجل التطوير والتحديث نحو الأفضل والأحسن..
    يستعرض مالك بن نبي الفرق الجوهري بين المجتمع الطبيعي أو البدائي([19]) الذي لم يعدّل بطريقة محسوسة المعالم التي تشكّل شخصيته منذ وجوده وممارسته للحياة، وبين المجتمع التاريخي الذي وُلد في ظروف أوليّة معينة لكنه عدّل فيما بعد صفاته الجذرية وفقاً لنظام التطوّر وقانونه المحكوم بالسّنن الإلهية العاملة في الكون.
    ويضرب مالك أمثلة للمجتمعات الساكنة أو البدائية أو الطبيعية، فيمثّل بالمجتمع الموجود في مستعمرة النمل أو مستعمرة النحل للتدليل على المجتمع الطبيعي ذي المعالم الثابتة، كما يضرب أمثلة للمجتمعات الساكنة والبدائية ذات المعالم الثابتة فيمثّل بالقبيلة الأفريقية في عصر ما قبل الاستعمار والقبيلة العربية في العصر الجاهلي.
    هذه المجتمعات لم تطوِّر حركيتها الظاهرية باتجاه التغيير نحو الأفضل بواسطة تراكم التجارب، بل بقيت تمارس حياتها غرائزياً من دون تعديل أو تجديد، فلم تتقدّم أو تتطوّر، فحياتها هي هي على وتيرة واحدة منذ نشوئها وممارستها للحياة.
    وبالتالي فإن أي مجتمع يسعى إلى الحضارة يجب عليه أن يستفيد من تجاربه ويتحرّك باتجاه تطوير حياته من خلال قانون 'التدافع والتعارف' بتعبيرنا، أو الأيديولوجية التي تحكم السنن التاريخية([20]) وتغيير شبكة العلاقات الاجتماعية بتعبير مالك بن نبي، ومن دون ذلك ستبقى القابلية للإستعمار والتخلف وامتهان إنسانية الإنسان عنواناً للمجتمعات التي لا تأخذ بهذه الأيديولوجية أو لم تأخذ بقانون 'التعارف والتدافع' في سبيل تطوير المجتمع وصناعة الحضارة.
    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) (سورة الحجرات: من الآية 13)
    ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) (سورة البقرة: من الآية 251)


    5 ـ رافعة: مفهومَيْ 'الصحة' و'الصلاحية'([21]) والتفريق بينهما..
    وهذه نظرية تُضاف إلى ابتكارات مالك بن نبي المُبدعة، وهي من المفاهيم الثنائية المحورية التي برع فيها مالك بن نبي، وهي في نفس الوقت نظرية قابلة للتعميم بقوة، وكأن 'مالك' يشير ـ في وجه من الوجوه الكثيرة لهذه النظرية ـ إلى أن الصلاحية هي مقياس أخذنا للنصوص والأفكار العامة، أما مدى 'صحة' هذا النص فهي ليست من وظيفتنا وإنما هي وظيفة طبقة خاصة من المحققين، بل ننظر نحن إلى صلاحية النص لمجتمعنا وأفراده فإن كان صالحاً أخذنا به، وإن لم يكن صالحاً تركناه لغيرنا كي يختبر صلاحيته، فمالك بن نبي يدعو إلى عدم رد النصوص والحكم عليها بالخطأ لمجرد عدم صلاحيتها، وإنما يدعو إلى تركها مرحلياً وإلى الأخذ بما هو صالح في الوقت نفسه..
    ولله درّه كم وفّر بهذه النظرية على الأمة من خلافات هامشية وكلامية، فهذه النظرية قد تكون في المدى القريب أو البعيد ركيزة أساسية لقلع جذور الخلاف والتنافر بين جملة المذاهب الإسلامية من جهة، وإلى ردع الداعين إلى مشروع القطيعة المعرفية أو 'القطيعة الابستمولوجية' الذين أحكموا مجلوباتهم وتنظيراتهم في نقد الإسلام من خلال استشهادهم بعدم صلاحية بعض النصوص الإسلامية في بناء الأمة في الوقت الحالي أو على المدى البعيد من جهة ثانية.

    وبالخلاصة يرتكز مشروع مالك بن نبي في بناء الحضارة على مفصليْن ارتكازيين هما:

    1 ـ العودة إلى الذات من خلال التفاعل بين عالم الأشخاص([22]) وعالم الأفكار وعالم الأشياء([23])، وطبقاً للمعادلة الثلاثية التي تفيد أن ناتج الحضارة يتكوّن من (إنسان + تراب + زمن 'محدّد، مع إضافة منظومة قِيَميّة متمثلة بالدين')([24])، ومن ثم الأخذ بكل ما له صلاحية للأمة من نصوص التراث مع عدم رد ما لا يصلُح.
    وهذه العودة أيضاً تتحقّق بأن تدرك الأمة الفارق بين (الحضور) و(الوجود)، وقد حدّد مالك بن نبي رحمه الله أننا أمةٌ موجودةٌ ولكن غير حاضرة، فـ وجودنا يعني وجود مجتمعٍ وثقافةٍ وعلاقاتٍ وإنتاج.. لكن حضورنا يستلزم - طبقاً لمفهوم الحضارة - شروطاً من أهمّها أن نكون أمةً تستطيع أن تحقق مفهوم الشهادة على العالمين، والشهادة تستلزم أن نصيغ نموذجاً بشرياً يجعل جميع مَن يراه يوقنُ أنه النموذج الأمثل، وأنَّ تركَ ذلك النموذج بشكلٍ متعمدٍ فيه خسارة للإنسانية.. ومن ثمّ نكون شهوداً على العالمين - ليس فقط في يوم القيامة – وإنما في الدنيا من خلال تقديم نموذجٍ حضاري يحدّد طبيعة علاقات الإنسان مع الله، وعلاقاته مع الإنسان، ومع الطبيعة. وبهذا المعنى نقول أننا لسنا إلى هذه اللحظة في هذا الطور لأننا أمة موجودةٌ وجوداً مادياً ولكنها غير حاضرة لأنها غير شاهدة.

    2 ـ مقاومة المستعمِر من خلال ثقافة مقاوِمة تتلخص بنبذ 'القابلية للإستعمار' سواء كانت تلك القابلية ذاتية ناشئة عن العجز، أو كانت مفروضة من قِبل المستِعمر نفسه، ويتم ذلك من خلال عملية التغيير التي أسسها مالك على قاعدة الآية القرآنية التي تربط التغيير الخارجي للمجتمع بتغيير ما في النفس أي بتغيير حزمة الشروط في المجتمع.
    وأيضاً بعدم الوهن الذي ورد في الحديث الشريف وذلك من خلال بذل الحياة الفردية في سبيل التقدّم (وهو عكس: كراهية الموت)، ومن خلال نبذ التعلّق بالحياة القائمة على البذخ والاستهلاك وسيادة السلعة (أي: نبذ حب الدنيا).



    ب ـ العودة إلى الذات ومقاومة الاستعمار أو الاستثمار أو الاستحمار في المنظومة الإفكارية لعلي شريعتي


    تتجسد مشكلتنا الراهنة في أننا نعيش في عصر تطرح فيه قضايا العولمة والعالمية، وتنميط البشر، والغزو العسكري المباشر وغير المباشر، ومسخ الهوية، خصوصاً هوية الُمقدّس، ليتماهى مع الرؤية الأوروبية المادية، التي لم يسلم منها حتى المسيح حيث أن مظهر المسيح في أوروبا كما يقول شريعتي 'أضحى مظهراً للعقل الجماعي الغربي، ليس له علاقة بالمسيح أبداً، فالعقل الأوروبي يظهر بصورة المسيحية'. أي صورة المادية البحتة.
    ويتساءل شريعتي ' من أين فهمنا هذا؟ منه، من سيّدته مريم، من سيّده عيسى. إن مريم امرأة فلسطينية يهودية. انظروا أنتم إلى مريم الغرب: شقراء، عيونها شهلاء، وهندامها يشبه السيدة الفرنسية. امراة فلسطينية إذاً كيف أصبحت الآن فرنسية؟. وعيسى نفسه من العنصر الإسرائيلي حسناً، الشكل الإسرائيلي معلوم كيف هو، والآن نرى أن شكل عيسى ـ الذي هو إله الغرب ـ من حيث العنصر يكون أوروبياً، عيناه خضراوان، شعر أشقر، وهيكله وشكله أبيض البشرة، وأنه 'ألن ديلون' تماماً.
    لماذا يتغيّر عنصر المسيح؟ لأن المسيحية لا ترتبط بعدُ بفلسطين، لا ترتبط بعيسى'([25]).
    هكذا أوجز شريعتي بعقله الفاحص ومنطقه المتماسك وبيانه الرفيع، الصورة المادية لعقل الغرب المستعمِر، الذي سعى ويسعى إلى تنميط تلك الصورة وفرضها على بقية الشعوب. فما دام الغرب قد مسخ هوية إلهه وهوية والدة ذلك الإله، فهو لا يتورّع عن مسخ أي هوية أخرى.
    وعلي شريعتي هو أحد المفكرين البارزين الذين أصّلوا نظرياً ومارسوا واقعياً تلك المواضيع التي تتعلق بالهوية وضرورة العودة إلى الذات والمقاومة الثورية لمشاريع الاستعمار في محاولة جادة وصادقة منه لتوصيف حقيقة المآزق التي تعيشها الأمة وطرح الحلول لها.
    وكل قاريء لمشروع علي شريعتي الحضاري يتلمس بعمق أنه صاحب ذمّة عالية في عالم الفكر والسياسة والاجتماع والدِّين، ولأنه مفكّر موسوعي غزير الانتاج يصبح من الصعب على الفرد منّا أن يحيط بمفاصل مشروعه الثقافي العام من دون اللجوء إلى دراسات موسعة تستغرق الكثير من الوقت.
    وجرياً على الأسلوب الذي اتبعتُه في تلخيص مشروع مالك بن نبي الحضاري الذي يتقاطع مفصليّاً مع الكثير من طروحات علي شريعتي، فإنني ألخص مشروع شريعتي في ثلاث نقاط (رافعات) اختصاراً للوقت، مع الإشارة إلى أوجه التقاطع بينه وبين مالك بن نبي.

    1 ـ رافعة: العودة إلى الذات..
    وهذا المفهوم من المفاهيم التعميرية المرموقة في منظومة على شريعتي الإفكارية إن لم يكن هو الأبرز والأهم والأشمل، فحرث فيه شريعتي طويلاً واعتبره المصدر الينبوعي لكل المفاهيم الفرعية الأخرى.
    ومعنى العودة إلى الذات عند شريعتي هو 'العودة إلى الثقافة والأيديولوجية([26]) الإسلامية، وإلى الإسلام، لكن لا كتقليد أو وراثة أو كنظام عقيدة موجودة بالفعل في المجتمع بل إلى الإسلام كأيديولوجية وإيمان..'.([27])
    'وفي هذا المجال هناك سورة مستقلة في القرآن الكريم، وفي هذه السورة يُصوَّر كل إنسان – وهو في نظر القرآن يساوي الإنسانية جمعاء – بأنه بذرة. ورسالة الإنسان في مواجهتها من الطبيعي أن تكون رسالة الفلاّح. فإذا أحسن الفلاّح العمل، فإن البذرة تنمو من جنين التراب والطين، وتتفتّح، وتتهيّأ كل العوامل المادية والعلمية من أجل إنمائها على خير وجه، حتى تورق ويحين أكلها. وعلى هذا النسق يجني الفلاح ثمرةً من بذرته. وهذا على عكس الفلاح الغافل الجاهل المتساهل المهمل، أو الخائن الذي ينسى بذرته، وبالتالي تضيع هذه البذرة تحت التراب، وتختفي وتتحلّل في زوايا النسيان، وحينذاك يبقى الفلاح خائباً خالي الوفاض. وفي هذه التربية لا يستند القرآن الكريم حقيقة إلى مسائل ذهنية أو مثالية أو ميتافيزيقية، لكنه يستند في كل الظواهر والمظاهر إلى عواملَ الطبيعة:
    وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا {1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا {2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا {4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا {5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا {6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7}، هذه هي العوامل المقدّسة التي ينبغي أن تستخدم في بناء النفس، وفي إنبات هذه البذرة المدفونة داخل طبائعنا، وداخل الجبر الوراثي والتاريخ والنظام الاجتماعي لنا. وهنا: أنت المسؤول، أنت فلاح بذرتك: 'قد أفلح من زكّاها' أي تعهّد تلك البذرة بالرعاية، 'وقد خاب مَن دسّاها' أي أخفاها في باطن التراب'([28]).
    وانتقد شريعتي 'الذات الممسوخة'([29])، ودعا إلى 'إخلاء الذات' من التقاليد الالتقاطية([30])، واعتبر أن مفهوم إخلاء الذات من المفاهيم المعاوِنة لمفهوم العودة إلى الذات، حيث يمكن للمجتمعات العربية والإسلامية أن تتغير عن طريق وعيها ومعرفتها بأنها ممسوخة ومقلِّدة أولاً، ثم تمارس عملية التخلية من هذا المسخ والفساد ثانياً، ثم تُعيد بناء نفسها عن طريق عودتها لذاتها الناصعة ووعيها المستقل ثالثاً.
    إذا تحقّقت العودة إلى الذات في المجتمع، أصبحت تلك الذات ذاتاً ثورية بتعبيره([31])، وذاتاً مقاوِمة بتعبيرنا، فتتسلّح بالوعي المستقلّ والإيمان([32])، وتبدأ بممارسة نهضتها من خلال مقاومتها لـ 'الاستحمار = الاستعمار = الاستثمار' المباشر وغير المباشر، سواء كان استحماراً قديماً أي بأساليب قديمة كإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والنزاعات الدينية من أجل تمرير مشاريع الاستعمار والنهب، أو استحماراً جديداً أي بأساليب مبتكرة وجديدة.
    وصف شريعتي الدين الإسلامي بأنه دين الوعي الثوري الاحتجاجي ذو الإيديولوجية الكفاحية([33])، ووصف الذات الثورية التي عادت إليه بأنها ذات مناضلة اجتماعياً تستند إلى 'النباهة' أولاً، و 'العمل'([34]) ثانياً، و 'العبادة'([35]) ثالثاً، وبذلك تكون قد استعادت 'فعاليتَها الاجتماعية' بصورة ركيزيّة، وتكون أيضاً قد استيقظت من 'قرون النوم' الطويلة بحسب وصف مالك بن نبي لتمارس دورها الرائد في الحياة الحضارية.
    ولعلّه من غير المُمِل أن ندرج هنا فقرة قصيرة لعلي شريعتي يحدّد فيها طبيعة 'الذات الثورية' المُسلمة في تعاطيها مع الآخر. وهذه الفقرة من وجهة نظرنا تساهم اليوم في رَجْرَجَة الصورة الإعلامية التي أشاعها الاستعمار عن الذات الثورية الحقيقية من أنها ذات إرهابية عنيفة تحقد على الآخر ولا تقبل الرأي أو العقيدة المخالِفة. كما تساهم هذه الفقرة في الرد على مَن أساء إلى الإسلام مؤخراً من خلال إلصاق تهمة التغلّب بالسيف على الأمم الأخرى به. يقول شريعتي: 'وبالرغم من أن الإسلام يعتبر نفسه ديناً إلهياً، ويرى أن رسوله مرسَل من السماء، ومن قِبَل الله ومن أجل هداية الناس إلى الطريق القويم، مع كل هذا يُعلن أنه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )(البقرة: من الآية256). وإن كل سعينا من أجل تنبيه الناس إلى التمييز بين طريق الغي وطريق الرّشد، وبعد ذلك فالخيار في يدهم، الخيار الحُر. ويكتب 'علي' لواليه: (أشعِر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكوننّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أُكُلَهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق...)([36]). وشاعر متشائم كفيف شكّاك ووحيد في ريف المعَرَّة، يستطيع مع عزلته وضعفه أن يجهر باعتراضه على إيمان الحاكم وإسلام الحاكم، وحتى على الله والدين، ويبقى آمناً. في وقت كانت سلطة الإسلام قد اجتاحت الشرق والغرب، وجعلت الأمبراطوريات الكبرى في العالم تجثو على ركبتيها. وحتى في ظل نظام بني العباس، كان هناك علماء مثل (ابن أبي العوجاء) أو (ابن الكواء)، وكانا من ماديّي ومُلحدي عصرهما، يستطيعان بحرية وطمأنينة فكرية القيام بالسخرية من الحج، وهو من أكثر أركان الإسلام قداسة عند المسلمين. وليس ذلك في خلوة فكرية أو بين جمعٍ من الصِّحاب، بل في مكة وأمام الجميع.'([37]).
    مفهوم العودة إلى الذات عند شريعتي ـ من خلال منهجية بناء الذات الثورية المناضلة ضد المسخ والفساد من الداخل ومقاومة الاستحمار من الخارج ـ تقاطع مع السياق الحضاري لمالك بن نبي في نظريته المتمركزة على التفاعل بين عالم الأفكار والأشخاص والأشياء.

    2 ـ رافعة: جغرافية الكلمة([38])..
    شكّل هذا المفهوم قاعدة موضوعية في مكتوبات شريعتي، واعتنى بغرسه في حقل الجماعة والنحنُ وفي حقل الشخصية الاسهاميّة، وفسّره بقوله: 'أقصد بجغرافية الكلمة أنه يمكن معرفة صحة قضية فلسفية أو علمية أو أدبية أو بطلانها بمعايير المنطق والإستدلال والتجربة.
    لكن بالنسبة للقضية الإجتماعية ينبغي أن تكون لدينا معلومات عن زمانها ومكانها ثم نقرّر في شأنها، لأنه في العلوم تكون القضايا إما صحيحة أو غير صحيحة، لكن في المجتمع والسياسة ليس الأمر بهذه البساطة، لأن كل القضايا الاجتماعية ذات ارتباط وثيق بالمعايير الخارجية، والقضايا الالتزامية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم عليها لأنه أحياناً تكون قضية ما صحيحة في حدِّ ذاتها، ومنطقية ومعقولة وذات قيمة، ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضاً وانحرافاً وفساداً وكارثة.
    وعلى العكس تكون قضية ما خرافة في حدِّ ذاتها ولا منطق لها وغير صحيحة من وجهة نظر الواقع الفلسفي والعلمي أو الفني والأدبي بل وتكون أيضاً قبيحة ومبتذلة، بينما قد تكون هي ذاتها في أرضية معينة وفي زمن معين عاملاً ايجابياً بنّاءً.'([39])
    ويقول شريعتي: 'إن غفلتنا عمّا أسمّيه جغرافية الكلمة تركَ ميدان المجتمع خالياً ودون عقبات أمام الإستعمار المحتال الخبير في الغرب، لكي يستطيع بطرح ما هو قابل للرد من الناحية الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية أن يحول دون ما ينبغي طرحه بالفعل.'([40])
    وبسبب أننا فقط لم نكن واعين بالقضية القائلة لكل مقامٍ مَقال ولكل موضوعٍ مَقام، يؤكد شريعتي، على أنه لا ينبغي أن تخدعنا الكلمات والألفاظ كالحرية، الشعب، حكم الجماهير، أصوات كل أفراد الأمة، الانتخاب الديمقراطي.. وكلمات من هذا القبيل ينبغي فقط أن تُعطى معانٍ في ظرفها الزماني والمكاني، لأن هذه الكلمات في ظروف أخرى لا يمكن أن تُعطي أي معنى، وهذه الكلمات تأخذ الشكل والإحساس والاتجاه في المجتمع من خلال الظروف العينية والواقعية لذلك المجتمع، وهي في كل جغرافيا سياسية واجتماعية ذات معاني خاصة وتأثير خاص، إنها غير مفاهيم من قبيل كروية الأرض ومركزية الشمس والدورة الدموية وهذا القبيل من المصطلحات العلمية التي هي في كل مكان وفي كل وقت ذات معاني ثابتة ومحدودة. ومن هنا فإن ما يثمر نتائج عظيمة جداً وراقية في مجتمع ما، قد لا يحمل في ثناياه بالنسبة لمجتمع آخر، إلا الخراب والضعف، وتكون نتيجته شؤماً وضرراً على هذا المجتمع.
    لا نستطيع أن نتوسّع أكثر في نظرية جغرافية الكلمة عند شريعتي، فالنظرية مديدة وعميقة الجذور في الأصالة وعلم الاجتماع، لكن شريعتي أعطاها بُعداً حركيّاً في مشروعه الحضاري المقاوِم، فسدّ الباب على المستعمِر الوافد بسياساته القامعة إلى المجتمع المسلم، داعياً إلى عدم الاقتباس عنه، مشدداً على تمحيص نظرياته ومقايستها بما ينسجم مع الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحمل المصلحة للأمة.
    نظرية جغرافية الكلمة عند شريعتي تقاطعت بامتياز مع مفهومي (الصحة والصلاحية) عند مالك بن نبي، وقد تمّ توظيف النظريتين بإحكام كقاعدتين لتنظيم أسلوب التفكير والسلوك في المجتمع المسلم.

    رافعة: أصالة الإنسان في الإسلام والوحدة التاريخية..
    الإنسان هو محور الدين، ومحور التشريعات والرسالات السماوية، والدين بنظر شريعتي إنما له اتجاه واحد من السماء إلى الأرض، أي إلى الإنسان، وليس الدين من الأرض إلى السماء، أي ليس هناك دين لأجل الدين.
    والوحدة التاريخية بنظر شريعتي مصطلح علمي له أصله الفلسفي والعقائدي في الإسلام.. فالحوادث المتفرقة التي تقع في مقاطع زمانية ومكانية مختلفة إنما تسير باتجاه واحد وترتبط فيما بينها ارتباطاً منطقياً وفق قوانين العليّة، وتشكل كل واحدة منها حلقة في سلسلة متصلة منذ بداية التاريخ البشري 'آدم' إلى نهاية نظام التناقض والنزاع في التاريخ، وهذا ما يُطلق عليه اسم 'التسلسل المنطقي والحتمية التاريخية'.
    وهذا يعني أن شريعتي يؤمن بالحتمية التاريخية ولكن لا على أساس الصراع الجدلي الأعمى الذي يكون فيه الإنسان مجرد ألعوبة لا إرادة له، وإنما على أساس القوانين المنطقية التي تجعل الإنسان مختاراً في أن يفرض إرادته على إرادة التاريخ. قال تعالى: 'إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ '.
    ومع ذلك فإن شريعتي لا يقلّل من أهمية التاريخ بل أنه يعترف بسلطة التقاليد والأعراف ولكن في الإطار الصحيح لا غير، وليس: 'التاريخ عبارة عن أكاذيب وابتداعات يصدقها الجميع' كما يدّعي (نابليون)([41])، وليس التاريخ 'علم صيرورة الإنسان' كما يقول البروفسور (أوت شاندل)([42])، ولكن يجب أن يكون ذلك تابعاً لإرادة الإنسان واختياره وليس العكس وقد صرّح القرآن بذلك مراراً، قال تعالى في ذم الكافرين: 'بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ'.
    هذا يعني أن للأعراف والتقاليد دورها الكبير في سلوك الأفراد ولكن قد يكون التاريخ مشوهاً نتيجة الجهل والعصبية والأطماع والسلطة.. عندئذ يأتي دور الأنبياء والرسل والمصلحين كي يصحّحوا مسيرة الإنسانية.

    فمثلاً إن حركة الإمام الحسين سبط رسول الله (ص) ليست حركة مبتورة ولم يخرج الحسين لأجل يزيد فقط، ولأنه منحرف وشارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة، بل كانت حركة الإمام الحسين امتداداً لحركة واحدة تجري في تيار الزمن وتنتقل من آن إلى آن، هي عبارة عن حركة رسالتها التاريخية إنقاذ الناس وتكامل الإنسان. في مقابل هذه الحركة الإسلامية تقف القوى الأخرى المحادّة لله والمحاربة للناس وهي أيضاًً تتوارث تاريخها الملطخ بدماء المستضعفين جيلاًً بعد جيل، ولهذا فالحرب قائمة دائماً وفي كل مكان بين محورين (الله وإبليس) (هابيل وقابيل) (إبراهيم والنمرود) (موسى وفرعون) (يحيى وهيرودس) (عيسى وقيصر) (محمد وقريش) الخ..
    والسبب من وجهة نظر شريعتي هو: 'ثلاثي التاريخ المشؤوم' (السلطة، الاقتصاد، الدين المنحرف) (فرعون، قارون، بلعم بن باعوراء)([43]).
    مثلّث قاعدته المال، وضلعاه السلطة والتديّن المنحرف.

    يرى شريعتي أن قتْلَ هابيل([44]) الراعي على يد قابيل([45]) مالك الأرض يعني انتهاء مرحلة الشراكة والمساواة ودخول التاريخ إلى مرحلة الزراعة والملكية([46])، فتُسيطر الطبقة الثرية القوية على مصير الطبقة الفقيرة الضعيفة، ويحكم النظام القابيلي على تاريخ الإنسان([47]). وفي الحقيقة إن حفظ هذا النظام لا يتيسر كما يقول' ميكافيلي' فقط عندما يكون الإنسان ذئباً بل لا بد من أن يكون ثعلباً، فكونه ذئباً يعتمد على السيف والمال، وكونه ثعلباً يعني أنه يستند إلى الدين . (فرعون يصعد على رقاب الفقراء، وقارون يفرغ جيوبهم، وبلعم بن باعوراء([48]) يقول: (أنتم لستم مسؤولين لأن كل ما يحصل هو حاصل بإرادة الله ومشيئته) (لا تشْكوا من الحرمان ولا تتألموا فإنكم ستجزَوْن في مكانٍ آخر) (اصبروا على كل شيء لكي يضاعف الله لكم الأجر)([49]).

    يتقاطع علي شريعتي هنا بقوة مع مالك بن نبي، في تأصيل الإنسان من ناحية، وفي شروط التغيير الاجتماعي النابعة من مسؤولية الفرد المسلم واختياره، وفي مقاومة الظروف الداخلية التي تستغل الإنسان وتشدّه نحو الأسفل، وكذا مقاومة الظروف الخارجية الناتجة عن استغلال الاستعمار، وبالتالي فإن الخيط الناظم الذي يجمع بين المنظومتين الإفكاريتين لكلا العملاقين هو: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة




    ج ـ نموذج الوعد الصادق بين منظومتيْ: العودة إلى الذات وثقافة المقاومة

    لو طُلب مني أن ألخّص منظومَتَيْ ابن نبي وشريعتي بثلاث كلماتٍ فقط لقلتُ من دون إبطاء أو زحزحة: الحرث، والانغراس، والتعمير..

    ولو طُلب منّي أن أوصّف نموذج الوعد الصادق من خلال العلاقة التفاعلية بين أداء رجال المقاومة وخلفيّتهم الفكرية والثقافية لقلتُ: حرثوا وغرسوا وعمّروا..
    وبعبارة أسْطَع وأضْحَى: المقاوِم هو ذات منغرسة اجتماعياً في علائقيّة تعميرية متراحمة، وجذور تثميرية راسخة، ومستقبليّات واعِدة.
    المقاوِم خرج من فرديّته ليتحوّل إلى مواطن صالح داخل الدار العالمية للثقافة والفكر والأخلاق والعمل والعبادة.
    ولكي ندخل إلى التلافيف الجوهرية الرابطة بين المفهوم النظري للعودة إلى الذات والمقصد العملي لثقافة المقاومة، لا بد لنا من الدخول إلى الثلاثيات المفقودة التي جذّرها المقاومون من خلال نموذج الوعد الصادق([50])..




    ثلاثية الانتصار:

    ما هو النصر؟
    كلّ فردٍ جعل لنفسه هدفاً أو مجموعة أهداف ثم عمل على تحقيقها وأتمها، فهذا الفرد يكون قد انتصر.
    وكل جماعة وضعت نصب عينيها هدفاً أو مجموعة أهداف وعملت على إنجازها وتحقيقها، وحققتها، فهذه الجماعة تكون منتصرة.
    وكل فردٍ أو جماعة، واجهت عدواً، ومنعته من تحقيق أهدافه، فإن هذا الفرد وتلك الجماعة، تكون منتصرة.
    فالانتصار له وجهان: إما أن تحقق الجماعة أهدافها.. وإما أن تمنع الجماعة عدوّها من تحقيق أهدافه.
    فإذا حققت الجماعة أهدافها، وفي الوقت نفسه منعت العدو من تحقيق أهدافه، فالنصر يتحول إلى 'نصْرَين'.
    وهناك نصر ثالث في البين.. وهو شخصية القائد.
    فالقائد الجامع للصفات القيادية الحاسمة، من الوعي والإيمان والمسؤولية والنزاهة والإطلاع على دقائق الأمور ومتابعة شؤون الناس باهتمام، يلعب دوراً مهماً في إيصال الجماعة إلى أهدافها.
    إن قلتْ: أن هناك الكثير من القادة الذين جمعوا هذه الصفات أو المواصفات بل أكثر منها، لم ينجحوا في إيصال الجماعة إلى أهدافها، فكيف تصف شخصية القائد بأنها 'نصر'؟
    قلتْ: إن شخصية القائد المنصوص عليها هنا، جمعت عنصراً آخر لم يتوفّر للكثير من القادة الصالحين عبر التاريخ، ألا وهي ثقة شعب العدو وبعض قادة ذلك العدو من المدنيين ـ إن صحّ التعبير ـ والعسكريين بهذا القائد وصدقه وشفافيته وأخلاقه..! وهذا عامل حاسم في اعتبار شخصية القائد بحدّ ذاتها 'نصر'.
    جذّرت مسلكية المقاومة في مواجهة الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على لبنان 'نموذجاً' لهذه الثلاثية الرائدة، التي قلّما جمعتها أمة في تاريخها، حيث استطاعت أن تحقق أهدافها، وأن تمنع العدو على حدٍّ سواء من تحقيق أهدافه باعتراف العدو الصريح والواضح، وأن تمتلك في الوقت عينه شخصية القائد التي تختزن النصر والتي حملت اسم 'نصر الله'.
    النصر ليس نصراً واحداً، بل هو ثلاثة انتصارات.. فعلاً إنها ثلاثية رائعة.





    ثلاثية 'الخلفية الإيمانية، والإعداد، والقيادة الحكيمة':

    الخلفية الإيمانية:
    شكّلت الخلفية الإيمانية بكافة تشعّباتها أرضية خصبة للمقاومين، درجوا عليها منذ نشأتهم، ورضعوها في طفولتهم، واشتدّت لحمتها في بيئتهم التي تُعتبر مدرسة حقيقة لتخريج الثائرين على الظلم، الرافضين للفساد، المتعطشين للعدل والحرية، الذين يرفضون الذلّ والهوان، ويتمسكون بالكرامة والعزّة، ولا حياة لأفراد هذه البيئة خارج هذه التوصيفات.

    كانت المجالس الحسينية (وهي عزاء الحسين) مدرسة متنقلة يتعلمون فيها، تعاليم دينهم، وينهلون منها دروس تفسير القرآن العظيم والمفاهيم الإسلامية، والفقه، والتاريخ الناصع للإسلام وأئمة المسلمين، وسيرة نبيّهم الكريم صلى الله عليه وآله، وأخلاقه العظيمة 'وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ'.
    هذه الخلفية الإيمانية شكّلت الحلقة الأولى من تكوين شخصية المقاوم الرسالية، وهي العنصر الرئيس الذي يحتّم على الفرد المقاوم أن يكون مسؤولاً أمام ربّه أولاً، وأمام نفسه ثانياً، وأمام بقية الناس ثالثاً.. فالمقاوم يعلم تمام العِلم أن ما يقدّمه من خير فلنفسه وإن أساء فعليها، وهذه التقدير نابع من إيمانه بربّه وبقرآنه ' فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ''وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ'.
    إنها مدرسة متكاملة للمسؤولية الدقيقة أمام الله تعالى، ومن هنا نفهم كيف يثبت هؤلاء المقاومون أمام الأهوال، ويُخاطَبون بـ 'تزول الجبال ولا تزول أقدامكم'.. هذه الحقيقة، أنتجتها خلفية المقاوِم الإيمانية.

    الإعداد والأخذ بالأسباب:
    لم يترك المقاومون شؤونهم للمصادفات، ولم يركنوا للظروف على علاّتها، بل استمدوا من قرآنهم ضرورة الإعداد ما استطاعوا من عناصر القوة لمواجهة عدوّهم، فأخذوا بقوله تعالى 'وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ'.. فأعدّوا ما استطاعوا بالفعل، وبذلوا جهداً كبيراً في عملية الإعداد.
    ولم يكتفِ المقاومون بما حقّقوه من انتصارات خلال فترة مقاومتهم الطويلة لأعداء الأنبياء والإنسان، كما لم يكتفوا بالإعداد الجيّد بل أضافوا إلى هذه العناصر عنصراً جديداً، استلهموه أيضاً من قرآنهم ألا وهو عملية الأخذ بالأسباب العِلمية والعملية، وهذه الأسباب تشمل التدريب العملي على ما في أيديهم، وتشمل أيضاً تطوير ما في أيديهم من وسائل ومعدات، وقد نجحوا في هذا الأمر نجاحاً كبيراً، شهد به العدو قبل الصديق. وهذا الأمر ذكره الله تعالى في قصة ذي القرنيْن، فبعد أن أعطاه الله الأسباب 'أَتْبَعَ سَبَباً'.. فلم يجلس مكتوف الأيدي ليستمتع بالأسباب التي أسبغها الله عليه، بل نهض للأخذ بالأسباب وللتفتيش عن المستضعفين والمظلومين أينما كانوا من الأرض ابتغاء نصرهم وإعزازهم.


    القيادة الحكيمة:

    عرّفنا القيادة فيما سبق من القول، وقلنا أن القيادة تلعب دوراً هاماً في صنع النصر بل تكون هي بحدّ ذاتها 'نصراً'..
    إلا أن القيادة الحكيمة لا تأتي أولاً، وإنما تأتي ثالثاً في ترتيب الأولويات. لأن القائد الحكيم بالغاً ما بلغ لا تنتفع الأمة منه في تحقيق النصر ما لم يكن لديه من الأتباع ثلّة مؤمنة مدربة واعية! فكم من قائد حكيم مرّ في تاريخنا وهو يتحسّر على مجموعة رسالية تنهض معه لتحقيق المباديء ونشر الخير والفضيلة فلم يجد.. ولو أردت أن أورد أمثلة لذلك لطال بنا المقام ولخرجنا بمجلد كامل إن لم نقل بمجلدات.
    ثلاثية الخلفية الإيمانية والإعداد والقيادة الحكيمة، جلّاها مجاهدو المقاومة الإسلامية بأسطع تجلياتها في معركتهم الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان.

    ثلاثية المقاوم 'المقاوم المجاهد، المقاوم الصامد، المقاوم الرَّافد':

    المقاوم المجاهد:
    المقاوم المجاهد هو المقاوم الذي امتشق سلاحاً في مواجهة العدو، أو هو المقاوم الذي يقوم بأي دور تسنده إليه القيادة العسكرية في الميدان.
    هذا المقاوم، هو الذي يصنع النصر في الدرجة الأولى، وهو الذي يتحمل مسؤولية مواجهة العدو، وعليه تتوقف 'بوصلة' المعركة، فإن انهزم! انهزمت الجبهة.. وإن ثبت وصير! انتصرت الجبهة، فهو 'ميزان' المعركة وعليه تتوقف نتائجها.
    هذا المقاوم، عرفته الأمة في المواجهات الأخيرة إن لم نقل عرفه العالم أجمع.

    المقاوم الصامد:
    المقاوم الصامد، هو المواطن الذي ثبت في مكانه وصمد في أرضه، وكان مكانه من الأرض يقع ضمن الدائرة التي يستهدفها العدو بنيرانه.
    نموذج هؤلاء المقاومين شهدناه بكثرة، ومن بين هؤلاء كان العدد الأكبر من شهداء الوطن، بل إن الهجمة الشرسة للعدو تركّزت على هذه الفئة من المقاومين بعد اليوم الخامس تقريباً من بداية العدوان، وكل مَن تابع شريط الأحداث الميدانية على الشاشات المرئية يتيقّن من أن ثلثيْ هجمات العدو الجوية والصاروخية استهدفت عائلات هؤلاء المقاومين الصامدين ومن كل الفئات والأعمار.

    المقاوم الرافد:
    وهو الشخص أو الهيئة أو الجماعة أو المؤسسة التي ترفد المقاومين الصامدين والمجاهدين بأي نوع من أنواع الرِّفادة.
    والمقاومون الرَّافدون ليسوا بالضرورة من المواطنين اللبنانيين حصراً بل قد يكونوا على امتداد العالم أجمع.
    وأنواع الخدمات التي قدمها المقاومون الرافدون كانت كثيرة ومتنوعة، سواء على مستوى الكلمة المعبِّرة في الإعلام أو في التجمعات المناصرة للمقاومة، أو في التظاهرات الحاشدة، أو في المساعدات الطبيّة أو العينية أو المادية، أو أي شكل من أشكال الدعم، هؤلاء بحق هم من المقاومون الذين رفدوا المقاومة بقسميها: المجاهد والصامد.
    هذه الثلاثية المباركة للمقاومين: المجاهدين والصامدين والرافدين تجلّت ناصعة بأبهى صورها في مواجهة العدوان الارهابي الصهيوني الأمريكي الأخير على لبنان.
    هاتان الثلاثيتان عايشناهما ميدانياً، ومنهما نتوصل إلى السياقات الحضارية الدافعة المتضمنة ثلاثية علي شريعتي 'المنهج، الإيمان، التضحية' التي يساوقها ثلاثية مالك بن نبي التفاعلية 'عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء'.
    ويرمز شريعتي بكلمة 'المنهج' إلى كل أبواب المعرفة التي يستطيع الإنسان أن يراكمها خلال مشوار حياته، وخصوصاً تلك الأبواب من المعرفة التي تساعد الفرد على خدمة الإنسان في مجتمعه قبل الانتقال إلى خدمة الإنسانية في المجتمع الكبير.

    ويؤكّد شريعتي على أن 'المنهج' يجب أن يكون موضوعياً وجريئاً بحيث يمكّن الإنسان من اكتشاف الحقائق، ويحمل هذا المنهج في طيّاته على الدوام ملامح الإسلام الأولى بكل عناصرها الإنسانية لناحية تأصيل العلاقات الاجتماعية القائمة على الأخوة والمحبة والتعاضد.
    أما 'الإيمان' فإنما يكون من وجهة نظر شريعتي 'أمام كعبة الله'، أي في تقديس كل ما له ارتباط بالذات الإلهية، سواء على مستوى العقيدة، أو على مستوى فهم التعاليم واحترامها، أو لناحية تثميرها، والالتزام بها.
    وأما 'التضحية' فتكون أمام 'بيوت الناس'. ورمز شريعتي بذلك إلى أن تحقيق المباديء على مستوى المنهج وعلى مستوى الإيمان؛ بحاجة للدماء من أجل تحقيق العدل والحرية والعيش الكريم لعامة الناس.
    هذه الثلاثية وضعها علي شريعتي في مواجهة الثلاثية المعاكسة لها وهي 'فرعون، وقارون، وبلعم بن باعوراء'.
    فالقرآن يرمز بفرعون إلى السلطة الحاكمة الظالمة الغاشمة.. ويرمز بقارون: إلى السلطة الاقتصادية الشرهة.. وببلعم بن باعوراء: إلى السلطة الدينية الرسمية، أو ما اصطلح على تسميته بوعاظ السلاطين.

    ثلاثية في مقابل ثلاثية...لا نستطيع أن نحصي عدد المؤسسات العاملة التي أسستها المقاومة في لبنان لخدمة الناس، ولا الخدمات المتنوعة التي يقدمها أفرادها لعامة الناس من كل الألوان والأطياف، ولكننا نستطيع أن نقول إن خير ما يعبّر عن منهج المقاومة في إطار الخدمات ما جاء على لسان سيد شهدائها الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي مخاطباً المواطنين 'سنخدمكم بأشفار عيوننا'. وكفى بها من كلمة معبِّرة([51]).
    'المنهج الإيماني' في شرع المقاومين يتمحور على إيصال النفع للناس وخدمتهم حتى ولو كلفهم ذلك 'التضحية' بأنفسهم وبذل دمائهم.
    فالمقاوم عندما يدافع عن الأرض التي هي أرض الناس، وعن أرزاق الناس، وعن أعراض الناس، ويسقط شهيداً مضرجاً بدمائه في سبيل ذلك، فهل يعني ذلك غير أنه ضحّى أمام 'أبواب الناس'!.. نعم، لقد ضحّى أمام أبواب الناس.

    إن قلتْ: المقاوم يعمل في سبيل الله ويجاهد في سبيل الله ويستشهد في سبيل الله، فكيف تقول بأنه يعمل ويجاهد ويستشهد في سبيل الناس!؟
    قلتْ: النتيجة واحدة، سبيل الله هو سبيل الناس.. فالله في صف الناس، في صف الفقراء، في صف المستضعفين، وليس في صف فرعون وقارون وبلعم بن باعوراء ومَن والاهم.
    بل بقليل من التأمل نجد أن ما نسبه الله تعالى في القرآن لنفسه على المستوى الاقتصادي والمادي والاجتماعي هو للناس بلا منازع.. قال تعالى: 'مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ'، والحال أن الله تعالى غني عن العالمين، والقرض يكون لعباد الله الفقراء والمحتاجين([52]).
    وقال تعالى: 'إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ'، والحال أن هذا البيت هو بيت الله تعالى
    يروى أن الإمام جعفر بن محمد الصادق كان إذا تصدّق على فقير، قبّل يده مباشرة، فقيل له في ذلك، فقال: في يد الله وقعت!.. أي الصدقة وقعت في يد الله، والحال أن الصدقة وقعت في يد الفقير.. وهذا إن دل فإنما يدل على مدى الترابط الوثيق بين تقديم العون والنفع للناس وبين رضا الله تعالى، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه..
    وضمن هذا السياق اكتنز شريعتي مفهوماً ابتكارياً حيث قرّر أن القرآن الكريم قد ابتدأ بكلمة (الله) واختتم بكلمة (الناس) بل إن السورة الأخيرة من القرآن الكريم قد سُميت بسورة الناس، وبمجرد أن نفتح القرآن ونلقي نظرة عادية على أوله وآخره نلتفت إلى أن الإسلام يعتمد أساساً على كلمة 'الله'، وكلمة 'الناس'، دون أي التفات للَّون والعنصر والشكل والطبقة، فالحركة القرآنية بين المُفتتح والمُختتم في الكتاب العزيز هي حركة تبادلية بين الله والناس([53]).
    والآيات والنصوص التي تشهد على ارتباط رضا الله تبارك وتعالى بخدمة الناس أكثر من أن تُحصى في هذه العجالة.
    لقد سطّر المقاومون ثلاثية 'المنهج الإيماني المُضحّي' جليّة واضحة أمام أعيننا كأروع ما تكون التضحية في مواجهتهم للعدوان الأمريكي الإسرائيلي الغاشم على لبنان.
    هذه الثلاثيات هي ترجمة حيّة وناطقة للبناء الفكري والعقائدي والعملي لكل مقاوم وشريف في أرجاء الأرض، وهي تعكس نقاط التقاطع التي تكلمنا عنها في إفكاريتَيْ شريعتي وابن نبي ترجمها المقاومون في لبنان ماضياً وحاضراً، بل يستطيع المُنصف أن يتأمل ما تقدّم بعناية ويقايسه بما شاهده وسمعه وقرأه عن المقاومين خلال الحرب وقبلها، ليتأكد من جديّة هؤلاء المقاومين الأسطورة في أقوالهم وأفكارهم وأعمالهم وقلوبهم وإيمانهم وتضحياتهم.

    ولا يسعني في نهاية هذا البحث إلاّ أن أتقدم بخالص شكري ووافر عرفاني من الصديق العزيز سماحة الشيخ منذر آل فقيه على مساندته ورعايته؛ لإتمام هذا البحث، وانجازه بهذه الصيغة.

    والحمد لله رب العالمين.




    ________________________________________
    [1] : مواطن الاستشهاد بالآية المباركة: بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 79 – 80 ، دار الفكر - دمشق، ط3، 1986م، إعادة: 2002م : 'وهكذا نرى أن كل ما يغيّر النفس، يغيّر المجتمع، ومن المعلوم أن أعظم التغييرات وأعمقها في النفس قد وقعت في مراحل التاريخ مع ازدهار فكرة دينية'.. أيضاً، را: بن نبي، مالك، المسلم في عالم الاقتصاد، ص: 61. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين، ص: 57. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، تأملات، ص: 79. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، وجهة العالم الإسلامي، ص: 47. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 25 - 31.
    [2] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 29 - 42، مصدر سابق... (المرض الاجتماعي).
    [3] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 37 ، مصدر سابق. 'لا يُقاس غنى المجتمع بكميّة ما يملك من (أشياء)، بل بمقدار ما فيه من أفكار'.
    [4] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 31 – 33 – 37 – 38 46 – 47، مصدر سابق. أيضاً، را: بن نبي، مالك، تأملات، ص: 22، وص: 26 '.. فإذا ما أدركنا حقيقة هذا الفرد ومشاكله والصعوبات التي تنتج منه، أدركنا المشاكل التي تنتج من عالم الأشخاص، والصعوبات التي تقوم فيه'.
    [5] : بن نبي، مالك، تأملات، ص: 59، دار الفكر، دمشق، ط1، 1979م، إعادة 2002م.
    [6] : بن نبي، مالك، المسلم في عالم الاقتصاد، ص: 56 ، دار الفكر بدمشق، ط1، 1979 . 'ألمانيا لا تستعيد مركزها الاقتصادي فحسب، بل تضيف إليه مكتسبات جديدة، تجعلها من الدول الرائدة اقتصادياً، وتضع عملتها في مصف العملات الصعبة التي ينتظر منها أحياناً نجدة الدولار عندما يفقد النَّفَس في السوق العالمية'.
    [7] : 'الأفكار الحية' هو مصطلح وضعناه في مقابل: 'الأفكار القاتلة' و 'الأفكار الميتة'، وهما مصطلحان ابتكرهما مالك بن نبي، والأول عنى به: تلك الأفكار التي نستعيرها من الغرب، والثاني عنى به: ما يجول بأنفسنا من أفكار قد فقدت الحياة.. را: بن نبي، مالك، في مهب المعركة، ص: 129.
    [8] : بن نبي، مالك، المسلم في عالم الاقتصاد، ص: 56 ، مصدر سابق. 'تخرج أندونيسيا من تجربتها في تطبيق مخطط شاخت، ليس فحسب من دون أي حصيلة في الميدان الاقتصادي، بل متورطة نفسياً في الشعور بالهزيمة أمام واقع مرير'. أيضاً، را: بن نبي، مالك، تأملات، ص: 54 – 57 – 58.
    [9] : بن نبي، مالك، مشكلة الثقافة، ص: 45، دار الفكر، دمشق، ط4، 1984م، إعادة 2002م ..'وبذلك تكون المقدرة الخلاقة هي قوة (الأفكار) إذ أن الحرب لم تستطع أن تهدّها، بل أتاحت لألمانيا أن تنهض مرة أخرى بعد اندحار الهتلرية، فها نحن أولاً نرى العجلة تتوقف دون أن تتوقف الحركة'.
    [10] : بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 143، دار الفكر بدمشق، تصوير 1986م. وقد بسط ابن نبي رحمه الله الكلام في هذه الموضوع في الفصل الأخير من كتاب شروط النهضة، تحت عنوان (الاستعمار والشعوب المستعمرة).
    [11] : بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 31، مصدر سابق. 'ولا يذهب كابوسه (أي الاستعمار) عن الشعب – كما يتصور البعض – بكلمات أدبية أو خطابية، وإنما بتحوّل نفسي، يصبح معه الفرد شيئاً فشيئاً قادراً على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديراً بأن تُحترم كرامته، وحينئذ يرتفع عنه طابع 'القابلية للاستعمار'، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية تنهب ماله، وتمتص دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غيّر وضعَ حاكميه تلقائياً إلى الوضع الذي يرتضيه'.
    [12] : بن نبي، مالك، في مهب المعركة، ص: 22 – 23، دار الفكر، دمشق، ط3، 1981، إعادة 2002م. 'مركب تبعيّة: المركّب الذي ينزع من الطفل الفكرة والرغبة في تكوين إرادة وسلطة شخصيتين، حيث لا يرى فيهما جدوى، بل يراهما مستحيلتين'. وص: 30 – 31.
    [13] : بن نبي، مالك، وجهة العالم الإسلامي، ص: 92، دار الفكر، دمشق، ط1، 1986، إعادة 2002م. 'والحق أن سهم الاستعمار ماحق، إذ هو يسحق بصورة منهجية كل فكرة وكل جهد عقلي أو محاولة للبعث الأخلاقي أو الاقتصادي؛ أعني: كل ما من شأنه أن يتيح لحياة أبناء المستعمرات مخرجاً أياً كان'.
    [14] : بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 146، مصدر سابق.
    [15] : 'تجنبنا قصداً أن نستخدم في هذه المعادلة مصطلح (مادة) وفضلنا عليه مصطلح (تراب) والغرض من هذا الاختيار هو تحاشي اللبس في كلمة (مادة): حيث أنها تعني في باب الأخلاق مفهوماً مقابلاً لكلمة (روح)'. بن نبي، مالك، شروط النهضة، حاشية ص: 44 – 45، مصدر سابق.
    [16] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 29، مصدر سابق. أيضاً، را: بن نبي، مالك، تأملات، ص: 171 'حضارة = رجل + تراب + وقت. فأنا إذن حينما أحاول التخطيط لحضارة فليس عليّ أن أفكر في منتجاتها، وإنما في أشياء ثلاثة: في الإنسان والتراب والوقت. فحينما أحل هذه المشاكل الثلاثة حلاً علمياً، بأن أبني الإنسان بناءً متكاملاً، وأعتني بالتراب والزمن فإنني حينئذ قد كوّنت المجتمع الأفضل، كوّنت الحضارة التي هي الإطار الذي فيه تتم للفرد سعادته، لأنه يقدّم له الضمانات الكافية الاجتماعية'. وص: 199. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 44 – 45، مصدر سابق.
    [17] : بن نبي، مالك، تأملات، ص: 77 - 78، مصدر سابق. 'أما الإسلام فإنه يمنح الإنسان قيمة تفوق كل قيمة سياسية أو اجتماعية، لأنها القيمة التي يمنحها له الله في القرآن في قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )(الإسراء: من الآية70)، فهذا التكريم يكون – أكثر من الحقوق والضمانات – الشرط الأساسي للتعبير اللازم في نفس الفرد، طبقاً للشعور الديمقراطي سواء بالنسبة للأنا أو بالنسبة للآخرين، والآية التي تنص على هذا التكريم تبدو وكأنها نزلت لتصدير دستور ديمقراطي يمتاز عن كل النماذج الديمقراطية الأخرى'.
    [18] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 39، مصدر سابق. 'وعليه فإذا ما بلغ المجتمع ذروة نموّه فإن شبكته الاجتماعية تكون: ل1 = ن (ن - أ)، أعني الحد الأقصى. وهذه هي الحالة التي يشير إليها حديث رسول الله (ص): المؤمن للمؤمن.......'. راجع أيضاً ص: 12، وص: 57، المصدر نفسه.
    [19] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 9 – 10، مصدر سابق.
    [20] :بن نبي، مالك، شروط النهضة، ص: 48 – 49، مصدر سابق.'..بل يجب التأمل في سنن التاريخ التي لا تغيير لها، كما أشار إليها القرآن الكريم (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الفتح:23)
    [21] : بن نبي، مالك، دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين، ص: 60 – 61، دار الفكر، دمشق، ط1، 1978، إعادة 2002م. 'كل فكرة لها جانبان: جانب الصحة، وجانب الصلاحية. قد تكون فكرة ما صالحة وليست صحيحة وقد تكون فكرة صحيحة وفقدت في الطريق صلاحيتها لأية أسباب'.
    [22] : بن نبي، مالك، القضايا الكبرى، ص: 56، دار الفكر، دمشق، ط1، 1991، إعادة 2002م. 'ومجموع الأشخاص ليس إلا: (الإنسان) باعتباره كائناً اجتماعياً'.
    [23] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 27، مصدر سابق.. '.. هذه العوالم الثلاثة لا تعمل متفرقة، بل تتوافق في عمل مشترك تأتي صورته طبقاً لنماذج أيديولوجية من (عالم الأفكار)، يتم تنفيذها بوسائل من (عالم الأشياء)، من أجل غاية يحددها (عالم الأشخاص). أيضاً، را: بن نبي، مالك، تأملات، ص: 22. وأيضاً، را: بن نبي، مالك، مشكلة الثقافة، ص: 48 .
    [24] : بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ص: 29 ، مصدر سابق. ' (فالشخص) في ذاته ليس مجرد فرد يكوّن النوع، وإنما هو الكائن المعقّد الذي ينتج حضارة. وهذا الكائن هو في ذاته نتاج الحضارة، إذ هو يدين لها بكل ما يملك من أفكار وأشياء. وبعبارة أخرى كل من العوالم الاجتماعية الثلاثة يتفق مع الصيغة التحليلية التالية: ناتج حضارة = إنسان + تراب + وقت'.
    [25] : شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 275، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006م.
    [26] : '.. إن الفلاسفة لم يكونوا ممَن يصنعون الأيديولوجية، الناس هم الذين يوجدون الإيديولوجية، ولهذا فإن أبرز قادة الأيديولوجية وصانعيها ومخططيها وحاملي رسالتها، هم الأنبياء، الذين نهضوا ـ بنص القرآن وتأييد التاريخ ـ من بين الجماهير. وفي اعتقادي، أن صفة (الأُمي) لنبي الإسلام هي بهذا المعنى، هو شخص من (الأُمة) من (الأُميّين)، لا من الحكماء العلماء والشعراء والأمراء و.......'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 269، مصدر سابق.
    [27] :شريعتي، علي، العودة إلى الذات، ص: 27، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006 م.
    [28] : شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 21 – 22، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2005م.
    [29] : '.. هذا الوعي هو عبادة الله الذي جرّه رجال الدين إلى الابتذال، وهو الاشتراكية التي بدّلها الشيوعيون إلى اقتصادية حتمية عمياء مادية، وهو الحرية التي جعلتا الرأسمالية نقاباً للنفاق والخداع. والثورة الفكرية هدفها معرفة هذا المَسخ الذي يُعد أعظم مسخ في زماننا. وفي نفس الوقت الوصول إلى لياقة ذهنية تستطيع أن تحقق الوحدة بين مفاهيم العبادة والعمل والنضال الاجتماعي'. شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 66 – 67، مصدر سابق.
    [30] : 'كانت إحدى زميلاتي اللائي تلفين دراستهن في أمريكا تقول: (أثناء عودتي من أمريكا، رأيت النساء الأوروبيات أكثر أناقة من الأمريكيات، ثم أتيت إلى طهران فرأيت النساء الطهرانيات أكثر أناقة من النساء الأوروبيات، ثم ذهبت إلى محافظتي فرأيت الأقلية العصرية من نساء تلك المحافظة أكثر أناقة من الطهرانيات) وقلت لها: (لو كنتِ قد واصلتِ المسير وذهبتِ إلى المحافظات الأصغر بل إلى بعض القرى، لرأيتِ أن اللائي أتينَ إلى طهران لدّة أيام واشتغلنَ خادمات أو طاهيات أكثر عصريةً من الأمريكيات. هذه قاعدة عامة، لماذا؟ هو نوع من الصراع النفسي، عندما يحس أحد بمركّب نقص تجاه آخر، فإذا رد الفعل الطبيعي عنده أن يعوّض هذا النقص أن يقلّده، ويصل بنفسه إلى مستواه'. شريعتي، علي، مسؤولية المثقف، ص: 101 – 102، مصدر لاحق. أيضاً، را: ص 121 – 122 من نفس المصدر. وأيضاً، را: شريعتي، علي، تاريخ الحضارة، ص: 516 – 518، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006م.
    [31] : 'إعداد الذات ثورياً في صورة أصل وأصالة وهدف، أي أن يوهب الجوهر الوجودي للذات تكامله'. شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 16 – 17، مصدر سابق.
    [32] : 'الإيمان يحطّم السلطات دائماً، حتى وإن كان في قلب شخصٍ ضعيف، وكانت السلطات مجهّزة بأحدث القدرات. هذا تزامن جبري. وعلى حد قول القرآن (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً )(البقرة: من الآية249). هذا قانون جبر إلهي أو جبر التاريخ – لا فرق -، ولهذا يشير القرآن: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) بأية سلطة؟ هل يريد أن يقوم بمعجز نحيبي؟ كلا، هل يريد أن يقدّم السلاح؟ كلا، إنه الإيمان. لازم ذلك واقتضاؤه هو الإيمان الواعي، أي الأيديولوجية'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 303 – 304، مصدر سابق.
    [33] : 'ولهذا نرى في التاريخ أن العلم لم يُثِر صراعاً أبداً، وكذلك الفلسفة لم توجد الصراع أبداً، وإن كان الاختلاف ما بين العلم والفلسفة كثيراً ولا يزال، ولكن الأيديولوجيين هم فقط الذين أوجدوا الحروب، التضحيات، وكذلك الجهاد العظيم في تاريخ البشرية. هذه هي طبيعة الأيديولوجية واقتضاؤها: الإيمان، المسؤولية، الصراع، والتضحية'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 268، مصدر سابق.
    [34] : 'والعمل الصالح في الإسلام على خلاف التصوّر الديني الذي فهم به هذا المصطلح اليوم، فهو ليس العمل الديني فحسب، بل هو في نفس الوقت العمل المادي والعمل الإنتاجي'. شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 51 – 52، مصدر سابق.
    [35] : شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 42 وما بعدها، مصدر سابق. 'والمقصود من العبادة هو الاتصال الوجودي المستمر بين الإنسان والله. الإله الذي هو منبع الروح والجمال والهدف والإيمان وكل قيمنا الإنسانية، وبدونه يغوص كل شيء في مستنقع العبث واللامعنى والابتذال' : ص: 45.
    [36] : نهج البلاغة، ص: 53، شرح الشيخ محمد عبده.
    [37] : شريعتي، علي، بناء الذات الثورية، ص: 65، مصدر سابق.
    [38] : شريعتي، علي، مسؤولية المثقف، ص: 80 – 81، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2005م.
    [39] : شريعتي، علي، العودة إلى الذات، ص: 365-366، مصدر سابق.
    [40] : شريعتي، علي، العودة إلى الذات، ص: 366، مصدر سابق.

    [41] : شريعتي، علي، الإنسان والتاريخ، ص: 18، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006م.
    [42] : شريعتي، علي، الإنسان والتاريخ، ص: 18، مصدر سابق.
    [43] : 'تؤكد لنا القَصَص الواردة في التوراة والكتب المرتبطة بها وكذلك قصص القرآن والروايات أن أعتى قوة جابهت رسالة النبي موسى وألحقت بها أشد الضربات هي حركة (السامري) و(بلعم بن باعوراء)'. شريعتي، علي، دين ضد الدين، ص: 35، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2003م.
    [44] : 'هابيل يمثّل مرحلة من مراحل التاريخ البشري، المرحلة التي كانت فيها حياة الإنسان تقوم على أساس الطبيعة والصيد وتدجين الحيوانات، أي أن الطبيعة كانت هي مصدر الإنتاج'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 59 . أيضاً، را: شريعتي، علي، تاريخ الحضارة، ص: 205 – 217، مصدر سابق.
    [45] : 'قابيل يمثّل دوراً من أدوار تاريخ الإنسان، بحيث يكون فيه مصدر الإنتاج انحصارياً، وتوجد فيه المُلكيّة الفردية والشخصيّة الانحصارية'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 59، مصدر سابق.
    [46] : 'قابيل كان يمثّل مرحلة، بحيث يحدّد قطعة من أرض الله، ويثبت اسمه على مصدر الإنتاج هذا، ثم يستثمر الآخرين ويستعبدهم، ويجبرهم على العمل له في مصدر إنتاجه واقتصاده، مقابل حصولهم على لقمة الخبز'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص:60، مصدر سابق.
    [47] : '.. يسود قابيل والروح القابيلية على فلسفة تاريخ الإنسان.. مَن هو قابيل؟ رأينا مَن هو: قابيل ديِّن، لم يُنكر الله، ولم يقُل: ما هو الله، وليس له وجود، وهذه الأقوال تافهة، لأنه يذهب ويُقدِّم قرباناً. قابيل يُدين بدِين آدم، وكذلك هابيل. ولكن هذا الدِّين يكون لدى الشخصين دينيْن متضادّين، أحدهما يبرّر دوافع قابيل، والآخر يكون سبباً في تحقّق الحقائق وفضيلة هابيل، وهذان الدّينان يتحاربان على طول التاريخ'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 61، مصدر سابق.
    [48] '..هناك أكثرية جماهيرية اسمها (الناس)؛ وهناك قطب ضد هؤلاء الناس... هو القطب القابيلي الذي له ثلاثة وجوه: وجه اقتصادي، ووجه سياسي، ووجه ديني، المال والقوة والدّين.. ثلاثة ماهر موجودة في القرآن وتتكرّر دائماً، وهي موجودة في التوراة أيضاً: أحدها فرعون باعتباره نموذج السلطة، والثاني قارون باعتباره نموذج الثروة والرأسمال الاقتصادي، والثالث بلعم بن باعورا، الروحاني الذي بيده الدين، هؤلاء الثلاثة هم نماذج الطبقة القابيلية'. شريعتي، علي، الإنسان والإسلام، ص: 62 – 63، مصدر سابق. أيضاً، را: شريعتي، علي، الإنسان والتاريخ، ص: 35 – 43، مصدر سابق.
    [49] : شريعتي، علي، دين ضد الدين، ص: 71، مصدر سابق.
    [50] : آل فقيه، منذر، 'مقال': الوعد الصادق 'تجذير الثلاثيّات المفقودة'، كتاب الوعد الصادق، ص: 41 – 47، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006 م.
    [51] :'وينبغي على المثقف أن يدرك وأن يعلم أن القوى الرجعية المنحرفة – التي كانت دائماً معادية للبشر تمتطي كواهلهم وتسيطر على= =مصائرهم – استخدمت الدين كسلاح بتّار لخداع الناس وصرف أحاسيسهم عن مصائرهم الحالية، وحصرهم فيما يتعلّق بالماضي، وتبديل المشاكل الحقيقية الراهنة عندهم إلى مشاكل ذهنية، وجذب اهتمامهم باسم الدين من مرحلة ما قبل الموت إلى مرحلة ما بعد الموت، وذلك لكي تحول بين المسلمين وبين مزاولة حياة حرّة كريمة فوق الأرض، وتنقل مُثُلهم التي يتوقون إلى تحقيقها في هذه الحياة إلى الحياة الآخرة، ونتيجة لذلك فهم يصوّرون الذين – وهو من أعظم الطاقات المعنوية التي تدفع الناس إلى الكفاح في حياتهم الدنيا – في صورة تجلب الأنظار والأسماع والقلوب من الحياة الدنيا إلى الآخرة، واعتبروا التفكير في الحياة الدنيا نوعاً من الفساد والانحطاط باسم الدين، ونشروا في المجتمع نوعاً منحرفاً من الزهد والميل إلى الآخرة'. شريعتي، علي، مسؤولية المثقف، ص: 139، مصدر سابق.
    [52] : را: شريعتي، علي، دين ضد الدين، ص:53 – 54، مصدر سابق.
    [53] : شريعتي، علي، دين ضد الدين، ص: 61 – 62، مصدر سابق. أيضاً، را: شريعتي، علي، الأمة والإمامة، ص: 31 – 36، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1، 2006م.

    إلهي علمني كيف أحيا..؟
    لأتعلم كيف أموت.





    محمد حسين بَزِّي

  6. #6
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (02): تحية لاختطاط هذا الخط في تفعيل العقل في حركة المجتمع


    أود في البداية أن أعتذر من أخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزى لتأخري في الرد عليه، لعدة أسباب؛ بعضها لا ترجع لي مثل إغلاق الموقع، وجزء منها يرجع لي فقد كان علينا تسليم مواد في مشروع (حيث أنني مدير المشروع) لإنشاء مجمع كليات (جامعة)، ووكان لا بد من الإلتزام بالمواعيد Deadlines، وعندما أتناول مشروعاَ تعليمياً (مثل تأسيس جامعة)، أتناوله من باب التحول الحضاري والمشروع الحضاري للأمة. لقد كان في ألمانيا العديد من الجامعات مثل يينا Jena ولايبتسج Leipzigوهايدلبرج Heidelberg، وقد تقرر إنشاء جامعة برلين، وتم إيكال الأمر إلى كريستيان فولف Christian Wolf، الذي أخذها من زاوية بلورة الأمة والتحول الحضاري. فكانت جامعة برلين نقطة تحول في تاريخ الأمة الألمانية. قبلها كانت الكتابات باللاتيتنية مثل ياكوبس Jacobs، ولايبنتس Leibniz، وبعدها بالألمانية كنت Kant فيشته Fichte شيلينج Scheling هيجل Hegel جوته Goethe والعلوم. فالجامعات ليست مجرد مدارس عالية تمنح الشهادات لتقابل سوق العمل كما نسمع هذه النغمة من المشترطون Conditioned لدينا وإن توهموا أنهم متعلمون Educated، فحولوا الجامعات إلى مدارس مهنية Vocational Schools دون أن يشعروا.

    كما أود من البداية أن أحيي أخي الكريم الأستاذ محمد البزي على هذا الاتجاه الذي يستهدف حقن الفكر في عروق الأمة وحركتها. إنه تفعيل حركة العقل داخل نشاط المنظومة المجتمعية. لقد تعود أساتذة الفكر والفلسفة المعاصرين لدينا أن يختاروا فيلسوفاً من الدرجة الثانية أو الثالثة، وربما مهمل الذكر في محيطة الفكري، ليقوم بعمل بحث عنه، تستهدف أولاً وأخيراً الحصول على الترقية الأكاديمية، فانشغلوا بالأشخاص عن الأفكار. أنظر إلى أبحاث الإخوة في المغرب العربي، إنشغلوا بمفكري الدرجة الثانية والثالثة الفرنسيين، وانشغل الإخوة في مصر بمثل هذا فركزوا على البرجماتية مرة وعلى الوجودية أخرى، وبصورة مبتورة عن تاريخنا الفكري وحركة الأمة الفكرية. كل هذا يعكس في رأيي الشعور بالدونية التي يحياها هؤلاء الأساتذة تجاه أي فكر قادم من الغرب. لذا فتأتي محاولة بناء نسق منهجي من المقولات العقلية على بيانات حقلية معطاة، هي محاولة لتأصيل فكرنا المعاصر حتى لا نكون مجرد انعكاسات متفرقة لكينونات خارجية.

    الرسول عليه الصلاة والسلام يقول من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر. أقول لك أخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزي مأجور إن شاء الله على هذاالنهج وهذه السنة الحسنة التي تختطها، كما أدعو الله الأجر لإخواني المفكرين الكبيرين الأستاذ مالك بن نبي والدكتور على شريعتي رحمهما الله رحمة واسعة. مداخلاتي قسمتها إلى لوحات وسأرسلها تباعاً. وأرحب بأي نقد أو اتجاه مغاير، فهي فرصة لتناول الأمر لمصلحة هذه الأمة العزيزة علينا.

    وبالله التوفيق،،،


  7. #7
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (02): تحية لاختطاط هذا الخط في تفعيل العقل في حركة المجتمع


    أود في البداية أن أعتذر من أخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزى لتأخري في الرد عليه، لعدة أسباب؛ بعضها لا ترجع لي مثل إغلاق الموقع، وجزء منها يرجع لي فقد كان علينا تسليم مواد في مشروع (حيث أنني مدير المشروع) لإنشاء مجمع كليات (جامعة)، ووكان لا بد من الإلتزام بالمواعيد Deadlines، وعندما أتناول مشروعاَ تعليمياً (مثل تأسيس جامعة)، أتناوله من باب التحول الحضاري والمشروع الحضاري للأمة. لقد كان في ألمانيا العديد من الجامعات مثل يينا Jena ولايبتسج Leipzigوهايدلبرج Heidelberg، وقد تقرر إنشاء جامعة برلين، وتم إيكال الأمر إلى كريستيان فولف Christian Wolf، الذي أخذها من زاوية بلورة الأمة والتحول الحضاري. فكانت جامعة برلين نقطة تحول في تاريخ الأمة الألمانية. قبلها كانت الكتابات باللاتيتنية مثل ياكوبس Jacobs، ولايبنتس Leibniz، وبعدها بالألمانية كنت Kant فيشته Fichte شيلينج Scheling هيجل Hegel جوته Goethe والعلوم. فالجامعات ليست مجرد مدارس عالية تمنح الشهادات لتقابل سوق العمل كما نسمع هذه النغمة من المشترطون Conditioned لدينا وإن توهموا أنهم متعلمون Educated، فحولوا الجامعات إلى مدارس مهنية Vocational Schools دون أن يشعروا.

    كما أود من البداية أن أحيي أخي الكريم الأستاذ محمد البزي على هذا الاتجاه الذي يستهدف حقن الفكر في عروق الأمة وحركتها. إنه تفعيل حركة العقل داخل نشاط المنظومة المجتمعية. لقد تعود أساتذة الفكر والفلسفة المعاصرين لدينا أن يختاروا فيلسوفاً من الدرجة الثانية أو الثالثة، وربما مهمل الذكر في محيطة الفكري، ليقوم بعمل بحث عنه، تستهدف أولاً وأخيراً الحصول على الترقية الأكاديمية، فانشغلوا بالأشخاص عن الأفكار. أنظر إلى أبحاث الإخوة في المغرب العربي، إنشغلوا بمفكري الدرجة الثانية والثالثة الفرنسيين، وانشغل الإخوة في مصر بمثل هذا فركزوا على البرجماتية مرة وعلى الوجودية أخرى، وبصورة مبتورة عن تاريخنا الفكري وحركة الأمة الفكرية. كل هذا يعكس في رأيي الشعور بالدونية التي يحياها هؤلاء الأساتذة تجاه أي فكر قادم من الغرب. لذا فتأتي محاولة بناء نسق منهجي من المقولات العقلية على بيانات حقلية معطاة، هي محاولة لتأصيل فكرنا المعاصر حتى لا نكون مجرد انعكاسات متفرقة لكينونات خارجية.

    الرسول عليه الصلاة والسلام يقول من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر. أقول لك أخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزي مأجور إن شاء الله على هذاالنهج وهذه السنة الحسنة التي تختطها، كما أدعو الله الأجر لإخواني المفكرين الكبيرين الأستاذ مالك بن نبي والدكتور على شريعتي رحمهما الله رحمة واسعة. مداخلاتي قسمتها إلى لوحات وسأرسلها تباعاً. وأرحب بأي نقد أو اتجاه مغاير، فهي فرصة لتناول الأمر لمصلحة هذه الأمة العزيزة علينا.

    وبالله التوفيق،،،


  8. #8
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (03): بين المحسوس والمعقول


    المعقول مجرد والمجرد بسيط ، لذا فالأفكار المجردة تبقى بسيطة، ويمكننا رسم لوحة متكاملة متناسقة رائعة من الأفكار المجردة، دون أن يعني ذلك أنها ستعمل أو يمكن أن تعمل في العالم المحسوس، يعني في الواقع. ربما أفكار أفلاطون وفلسفته هي أشهر مثل على النسق المجرد. ويتم تناول نقطتين من الفروق بين المحسوس والمعقول، لهما تبعات التعامل والحركة بين المعقول والمحسوس.

    النقطة الأولى: المعقول بسيط أحادي، فهو مبداً مجرد Abstract، المحسوس مركب أكثر تعقيداً، عديد الأبعاد Multidimensional . إذا قلت أريدك أن تبعد عن نقطة ما مسافة (ف)، فتجد كل نقاط سطح الكرة التي نصف قطرها (ف)، ومركزها النقطة المعطاة، تلبي هذا المتطلب، وإن قلت على الأرض واختصرت الأمر إلى بعدين بدل ثلاثة أبعاد، فهناك كل نقاط الدائرة التي نصف قطرها (ف) تلبي هذا المتطلب.

    عندما قال موسى عليه السلام لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين". إذن تأكدوا من سيدنا موسى أن الأمر جد، وليس مزاحاً. إنه مبدأ بسيط، وهو ذبح البقرة. فلو ذبحوا أيه بقرة لانتهى الأمر، لكنهم لا يريدون ذبح بقرة، فبدأ السؤال عن مواصفات الانتقال للمحسوس:
    قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي؟
    قال: إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك. فنصحهم سيدنا موسى "فافعلوا ما تؤمرون"، أي لا تكثروا السؤال. فلو ذبحوا اية بقرة بها هذه المواصفات، ولو كانت حمراء اللون أو سوداء اللون، لقضي الأمر. لكنهم،
    قالوا: أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟
    قال: إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
    الآن البقرة الحمراء والسوداء لا تفيد، بناء على المواصفة الجديدة التي طلبها سيدنا موسى عليه السلام. وبدلاً من أن يفعلوا،
    قالواأدع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون.
    قال إنه يقول إنها بقرة لاذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها.
    قالوا الآن جئت بالحق، فذبحوها، وماكادوا يفعلون.

    هذه نسميها نحن (لكلكة)، أي لا يريد أن يفعل ويريد أن يُتَوِّه الذي أمامه في النقلة من المبدأ أي من المعقول إلى الواقع وهو المحسوس. وهذه طريقة العقلية الإسرائيلية النمطية على تاريخها في التهرب من الاستحقاقات. لذلك لا فائدة من عمل أي اتفاق مبادئ مع اليهود، لا بد أن يكون الاتفاق على نقاط في العالم المحسوس أي إجرائياً.

    في 1995 زارني المسؤول عن معبر رفح وهو من القرى الشرقية التابعة لمحافظة خان يونس (بني سهيلا وأخواتها)، وكانت الأمور بعد إتفاق المبادئ (أوسلو) مباشرة. سألته ماذا تعملون في المعبر؟ وكيف تم تنظيمه؟ وبعد أن شرح لي ما يجرى، قلت له:

    أنا أرى أن تعمل إجرائيات ثابتة، مع تصنيف الحالات، وتترك المسؤول الإسرائيلي يوقع بالعلم. الهدف من هذا أن أقوم بالتحول من المعقول إلى المحسوس، قبل أن يتناول الجانب الإسرائيلي هذه القضية. وهو ما يغنيني مستقبلاً عن اشكاليات تحول المعقول إلى محسوس، بأن أثبت الأمور في العالم المحسوس، فلا هروب من الاستحقاقات.

    النقطة الثانية: المعقول واضح Precise، مؤطر Categorized، بينما المحسوس ليس واضحاً إلا إذا كان تباين كمي واضح. لا بد لي من أدوات حتى أستطيع أن أفرز المعقول داخل العالم المحسوس. لذا أوجدنا مفاهيم مثل الخطأ المعياري وخطأ أداة القياس. وعند أي نقطة أقول إن هذا التغير الحاصل أي القراءة له دلالة في التفسير العقلي، أم أنه مجرد خطأ في أداة القياس.

    إذا أردت قياس أطوال أضلاع مثلث قائم الزاوية، فستكون هناك إنحرافات في المقياس العملي عن القياس العقلي الرياضي الذي أعطاه لنا فيثاغورث. وهذا يعود إلى سمك الخط الذي رسمناه في العالم المحسوس، فالخط عند إقليدس له بعد واحد وهو الطول، أما السمك فهو عارض لا علاقة له بالرياضيات كمقولات عقلية.

    هنا ليسمح لي الرياضيين باستعارة مفهوم (ى أو أيبسيلون النهايات)، حيث ى أكبر من صفر، لكنها من حيث التأثير تؤول إلى صفر. هناك خطأ في تلسكوب هابل أعتقد أنه بقدر ميكرونين، وقد تعطل هابيل وظيفياً عن العمل بسبب هذا الخطأ، أي أن الإنحراف ى ما آل إلى الصفر من حيث التأثير. وهي الشرط الثاني في التسامح لإنحراف المحسوس عن المعقول. لذا لم يعمل وتم تعديله.

    هذه الفروق بين المحسوس والمعقول لا بد أن تكون في وعينا عن إخراج أي مقولة. فلا يمكن جب مفهوم (ى)، أو باعتبارها مساوية للصفر. في هذا الحالة يكون لدينا ظاهر عدم التسامح وما يستتبعها. الياء (ى) هذه بمثابة معاونات السيارة (Shock Absorbers)، فسيارة مهما كانت فخامتها، لا تستطيع السير بها دون معاونات، ففي أي مطب صغير سيضرب رأس الركاب في السقف، ولن يتحمل الركاب البقاء في تلك السيارة، لأنه لن يكون في مأمن.

    الانتقال من الأنا (الجمعية) The Collective Self كمقولة عقلية Reasoned (Als Gedachtes) وبالتالي مجردة Abstract (Abstrakt) إلى الأنا كمدرك حسي (الأمة كتواجد قائم بذاته) Empirical Existence (Empirisches Vorhandensein)، يقع تحت العنوان هذه اللوحة.

    وبالله التوفيق،،،


  9. #9
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (03): بين المحسوس والمعقول


    المعقول مجرد والمجرد بسيط ، لذا فالأفكار المجردة تبقى بسيطة، ويمكننا رسم لوحة متكاملة متناسقة رائعة من الأفكار المجردة، دون أن يعني ذلك أنها ستعمل أو يمكن أن تعمل في العالم المحسوس، يعني في الواقع. ربما أفكار أفلاطون وفلسفته هي أشهر مثل على النسق المجرد. ويتم تناول نقطتين من الفروق بين المحسوس والمعقول، لهما تبعات التعامل والحركة بين المعقول والمحسوس.

    النقطة الأولى: المعقول بسيط أحادي، فهو مبداً مجرد Abstract، المحسوس مركب أكثر تعقيداً، عديد الأبعاد Multidimensional . إذا قلت أريدك أن تبعد عن نقطة ما مسافة (ف)، فتجد كل نقاط سطح الكرة التي نصف قطرها (ف)، ومركزها النقطة المعطاة، تلبي هذا المتطلب، وإن قلت على الأرض واختصرت الأمر إلى بعدين بدل ثلاثة أبعاد، فهناك كل نقاط الدائرة التي نصف قطرها (ف) تلبي هذا المتطلب.

    عندما قال موسى عليه السلام لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين". إذن تأكدوا من سيدنا موسى أن الأمر جد، وليس مزاحاً. إنه مبدأ بسيط، وهو ذبح البقرة. فلو ذبحوا أيه بقرة لانتهى الأمر، لكنهم لا يريدون ذبح بقرة، فبدأ السؤال عن مواصفات الانتقال للمحسوس:
    قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي؟
    قال: إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك. فنصحهم سيدنا موسى "فافعلوا ما تؤمرون"، أي لا تكثروا السؤال. فلو ذبحوا اية بقرة بها هذه المواصفات، ولو كانت حمراء اللون أو سوداء اللون، لقضي الأمر. لكنهم،
    قالوا: أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟
    قال: إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
    الآن البقرة الحمراء والسوداء لا تفيد، بناء على المواصفة الجديدة التي طلبها سيدنا موسى عليه السلام. وبدلاً من أن يفعلوا،
    قالواأدع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون.
    قال إنه يقول إنها بقرة لاذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها.
    قالوا الآن جئت بالحق، فذبحوها، وماكادوا يفعلون.

    هذه نسميها نحن (لكلكة)، أي لا يريد أن يفعل ويريد أن يُتَوِّه الذي أمامه في النقلة من المبدأ أي من المعقول إلى الواقع وهو المحسوس. وهذه طريقة العقلية الإسرائيلية النمطية على تاريخها في التهرب من الاستحقاقات. لذلك لا فائدة من عمل أي اتفاق مبادئ مع اليهود، لا بد أن يكون الاتفاق على نقاط في العالم المحسوس أي إجرائياً.

    في 1995 زارني المسؤول عن معبر رفح وهو من القرى الشرقية التابعة لمحافظة خان يونس (بني سهيلا وأخواتها)، وكانت الأمور بعد إتفاق المبادئ (أوسلو) مباشرة. سألته ماذا تعملون في المعبر؟ وكيف تم تنظيمه؟ وبعد أن شرح لي ما يجرى، قلت له:

    أنا أرى أن تعمل إجرائيات ثابتة، مع تصنيف الحالات، وتترك المسؤول الإسرائيلي يوقع بالعلم. الهدف من هذا أن أقوم بالتحول من المعقول إلى المحسوس، قبل أن يتناول الجانب الإسرائيلي هذه القضية. وهو ما يغنيني مستقبلاً عن اشكاليات تحول المعقول إلى محسوس، بأن أثبت الأمور في العالم المحسوس، فلا هروب من الاستحقاقات.

    النقطة الثانية: المعقول واضح Precise، مؤطر Categorized، بينما المحسوس ليس واضحاً إلا إذا كان تباين كمي واضح. لا بد لي من أدوات حتى أستطيع أن أفرز المعقول داخل العالم المحسوس. لذا أوجدنا مفاهيم مثل الخطأ المعياري وخطأ أداة القياس. وعند أي نقطة أقول إن هذا التغير الحاصل أي القراءة له دلالة في التفسير العقلي، أم أنه مجرد خطأ في أداة القياس.

    إذا أردت قياس أطوال أضلاع مثلث قائم الزاوية، فستكون هناك إنحرافات في المقياس العملي عن القياس العقلي الرياضي الذي أعطاه لنا فيثاغورث. وهذا يعود إلى سمك الخط الذي رسمناه في العالم المحسوس، فالخط عند إقليدس له بعد واحد وهو الطول، أما السمك فهو عارض لا علاقة له بالرياضيات كمقولات عقلية.

    هنا ليسمح لي الرياضيين باستعارة مفهوم (ى أو أيبسيلون النهايات)، حيث ى أكبر من صفر، لكنها من حيث التأثير تؤول إلى صفر. هناك خطأ في تلسكوب هابل أعتقد أنه بقدر ميكرونين، وقد تعطل هابيل وظيفياً عن العمل بسبب هذا الخطأ، أي أن الإنحراف ى ما آل إلى الصفر من حيث التأثير. وهي الشرط الثاني في التسامح لإنحراف المحسوس عن المعقول. لذا لم يعمل وتم تعديله.

    هذه الفروق بين المحسوس والمعقول لا بد أن تكون في وعينا عن إخراج أي مقولة. فلا يمكن جب مفهوم (ى)، أو باعتبارها مساوية للصفر. في هذا الحالة يكون لدينا ظاهر عدم التسامح وما يستتبعها. الياء (ى) هذه بمثابة معاونات السيارة (Shock Absorbers)، فسيارة مهما كانت فخامتها، لا تستطيع السير بها دون معاونات، ففي أي مطب صغير سيضرب رأس الركاب في السقف، ولن يتحمل الركاب البقاء في تلك السيارة، لأنه لن يكون في مأمن.

    الانتقال من الأنا (الجمعية) The Collective Self كمقولة عقلية Reasoned (Als Gedachtes) وبالتالي مجردة Abstract (Abstrakt) إلى الأنا كمدرك حسي (الأمة كتواجد قائم بذاته) Empirical Existence (Empirisches Vorhandensein)، يقع تحت العنوان هذه اللوحة.

    وبالله التوفيق،،،


  10. #10
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (04): وحدة العقل الإنساني


    سؤال هام: لماذا مهما اختلف البشر في الملل والنحل، لا يختلفون على مصداقية البراهين الرياضية والمنطقية، بينما يختلفون على نتائج علم الاجتماع؟ قانون العقل يفرض نفسه، وهو عندما يتناول القضايا التي بالمراجعة فما يقوم به هو بمثابة تمحيص لإنتاجه وفق شروطه. وهو من البداية لا يحيد عن مبدا الضرورة العقلية أما البديهيات فهي واضحة له بذاتها أي لا ترتكن إلى حقيقة خارجها، ولذاتها أي بغض النظر عن استخداماتها وكيفية تلك الاستخدامات. ونقصيها خطأ. بينما في علم الاجتماع استخدمنا وسيلة (وهي النموذج الإحصائي) وهي من طبيعتها أن تعطي أحكاماً احتمالية، ونريد أن نقفز منها إلى احكام توكيدية، دون تأهيل لهذا الانتقال!

    لقد اختزلت كافة الرياضيات البحتة على مايسمى ببديهيات بيانو Peano Axioms، وكل قضايا الرياضيات، أمكن اشتقاقها منها.

    مادامت هذه هي الحقيقة فالسؤال: لماذا لا نؤسس البناء في مشروع الأمة الحضارى على الضرورة العقلية؟ لماذا أستعجل البناء دون تمحيص، فيسقط البناء على رأسي؟

    دعونا نبدأ حيث إجماع العقل البشري، وفي شأن الأمة دعونا نبدأ حيث إجماع الأمة، ولو كان ذلك في قضايا لا تزيد عن بديهيات بيانو.

    وبالله التوفيق،،،


  11. #11
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (04): وحدة العقل الإنساني


    سؤال هام: لماذا مهما اختلف البشر في الملل والنحل، لا يختلفون على مصداقية البراهين الرياضية والمنطقية، بينما يختلفون على نتائج علم الاجتماع؟ قانون العقل يفرض نفسه، وهو عندما يتناول القضايا التي بالمراجعة فما يقوم به هو بمثابة تمحيص لإنتاجه وفق شروطه. وهو من البداية لا يحيد عن مبدا الضرورة العقلية أما البديهيات فهي واضحة له بذاتها أي لا ترتكن إلى حقيقة خارجها، ولذاتها أي بغض النظر عن استخداماتها وكيفية تلك الاستخدامات. ونقصيها خطأ. بينما في علم الاجتماع استخدمنا وسيلة (وهي النموذج الإحصائي) وهي من طبيعتها أن تعطي أحكاماً احتمالية، ونريد أن نقفز منها إلى احكام توكيدية، دون تأهيل لهذا الانتقال!

    لقد اختزلت كافة الرياضيات البحتة على مايسمى ببديهيات بيانو Peano Axioms، وكل قضايا الرياضيات، أمكن اشتقاقها منها.

    مادامت هذه هي الحقيقة فالسؤال: لماذا لا نؤسس البناء في مشروع الأمة الحضارى على الضرورة العقلية؟ لماذا أستعجل البناء دون تمحيص، فيسقط البناء على رأسي؟

    دعونا نبدأ حيث إجماع العقل البشري، وفي شأن الأمة دعونا نبدأ حيث إجماع الأمة، ولو كان ذلك في قضايا لا تزيد عن بديهيات بيانو.

    وبالله التوفيق،،،


  12. #12
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (05): الإطار الطبيعي لأنشطة المنظومة الإجتماعية للأمة


    خلال عملية النمذجة Modeling وأود أن أشير لها بالألمانية Formentwicklung، يجب أن لا تخرجني حدة ظرف ما عن وضع الأشياء في إطارها الطبيعي، في هذه الحالة يكون من السهل أن تتجاذبني المشتتات اللحظية والموضعية عن الرؤية الاستراتيجية للأمة. المنظومة الإجتماعية للأمة، كالمنظومة البيولوجية للفرد، لها أنشطة أيضية Metabolic Activities، وهي على نوعين:

    - نشاط أيضي بنائي Anabolic Activities،
    - نشاط أيضي انتقاضي Catabolic Activities.

    النشاط البناء هو مشروع الأمة الحضاري .. النشاط البناء هو الأصل، ويأتي النشاط الانتقاضي للمحافظه على هذا البناء، فهو يشمل حرق المواد لتوليد الطاقة اللازمة لعملية البناء. والمناعة التي تعني قدرة منظومة الأمة على المقاومة، فالمنظومة إن فقدت المناعة، يكون الكلام عن مرض نقص المناعة والممانعة Immuno-deficiency Syndrome سواء للفرد أو للأمة وهذا المرض يعني عدم قدرة المنظومة على مواجهة الأمراض الغازية لجسمه، وفي هذا الحالة حتى الكائنات الرمية (لقطاء الأرض) تتحول إلى كائنات مرضية لمثل هذا الجسم، أي قادرة على إنهاك حالة الجسم والقضاء عليه. وفي الجسم الميت تساوي المناعة عدماً (صفراً). وفي الأمة نقص المناعة والممانعة يعني عدم قدرة الأمة على مواجهة الغزاة، وبالتالي، فقدان الأمة القدرة على البناء الحضاري الذاتي.

    لقد نجحت سيريلانكا في مقاومة الاستعمار، ونالت الإستقلال، لكن دون رؤية لمشروع حضاري عند المقاومة السيريلانكية، فهل كافح السيريلانكيون من أجل الاستقلال ليكسروا قيود تصدير خادمات إلى الخارج؟؟!! ربما لو بقي الاستعمار عندهم لكان أفضل لهم، فربما شغلهم خدم على أرض وطنهم دون الحاجة إلى غربة!

    لقد كان هذا التصور أساسي لدى حماس حتى دون أن تعلنه، فقد تبنت مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي، والمؤسسات الاجتماعية، وتطوير العلم والتكنولوجيا. وما كانت إسرائيل لتستطيع أن تقف أمام الفلسطينيين لولا خيانة الرئيس المصري مبارك للأمة، ومشاركته الفاعلة فيزيائياً في الحصار المضروب على الفلسطينيين. ولا شك أن إنجاز حزب الله لمنظومة متكاملة من الكلمة واللحن والإعلام والتحرك الاجتماعي هو أمر مذهل بكل المعايير، لذا فالتنظير دون وضعه في هذا الإطار الطبيعي، أي دون وضع الأمور في نصابها بالشكل الطبيعي، هو انتقال غير دقيق من المحسوس إلى المعقول.

    لذا لا بد أن يكون النموذج الأساس هو البناء أي المشروع الحضاري للأمة، وهدف المقاومة هو المحافظة على هذا المشروع الحضاري، وهما نشاطان متداخلان Interwoven عبر عملية التطور للمنظومات البشرية.

    وبالله التوفيق،،،


  13. #13
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة رقم (05): الإطار الطبيعي لأنشطة المنظومة الإجتماعية للأمة


    خلال عملية النمذجة Modeling وأود أن أشير لها بالألمانية Formentwicklung، يجب أن لا تخرجني حدة ظرف ما عن وضع الأشياء في إطارها الطبيعي، في هذه الحالة يكون من السهل أن تتجاذبني المشتتات اللحظية والموضعية عن الرؤية الاستراتيجية للأمة. المنظومة الإجتماعية للأمة، كالمنظومة البيولوجية للفرد، لها أنشطة أيضية Metabolic Activities، وهي على نوعين:

    - نشاط أيضي بنائي Anabolic Activities،
    - نشاط أيضي انتقاضي Catabolic Activities.

    النشاط البناء هو مشروع الأمة الحضاري .. النشاط البناء هو الأصل، ويأتي النشاط الانتقاضي للمحافظه على هذا البناء، فهو يشمل حرق المواد لتوليد الطاقة اللازمة لعملية البناء. والمناعة التي تعني قدرة منظومة الأمة على المقاومة، فالمنظومة إن فقدت المناعة، يكون الكلام عن مرض نقص المناعة والممانعة Immuno-deficiency Syndrome سواء للفرد أو للأمة وهذا المرض يعني عدم قدرة المنظومة على مواجهة الأمراض الغازية لجسمه، وفي هذا الحالة حتى الكائنات الرمية (لقطاء الأرض) تتحول إلى كائنات مرضية لمثل هذا الجسم، أي قادرة على إنهاك حالة الجسم والقضاء عليه. وفي الجسم الميت تساوي المناعة عدماً (صفراً). وفي الأمة نقص المناعة والممانعة يعني عدم قدرة الأمة على مواجهة الغزاة، وبالتالي، فقدان الأمة القدرة على البناء الحضاري الذاتي.

    لقد نجحت سيريلانكا في مقاومة الاستعمار، ونالت الإستقلال، لكن دون رؤية لمشروع حضاري عند المقاومة السيريلانكية، فهل كافح السيريلانكيون من أجل الاستقلال ليكسروا قيود تصدير خادمات إلى الخارج؟؟!! ربما لو بقي الاستعمار عندهم لكان أفضل لهم، فربما شغلهم خدم على أرض وطنهم دون الحاجة إلى غربة!

    لقد كان هذا التصور أساسي لدى حماس حتى دون أن تعلنه، فقد تبنت مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي، والمؤسسات الاجتماعية، وتطوير العلم والتكنولوجيا. وما كانت إسرائيل لتستطيع أن تقف أمام الفلسطينيين لولا خيانة الرئيس المصري مبارك للأمة، ومشاركته الفاعلة فيزيائياً في الحصار المضروب على الفلسطينيين. ولا شك أن إنجاز حزب الله لمنظومة متكاملة من الكلمة واللحن والإعلام والتحرك الاجتماعي هو أمر مذهل بكل المعايير، لذا فالتنظير دون وضعه في هذا الإطار الطبيعي، أي دون وضع الأمور في نصابها بالشكل الطبيعي، هو انتقال غير دقيق من المحسوس إلى المعقول.

    لذا لا بد أن يكون النموذج الأساس هو البناء أي المشروع الحضاري للأمة، وهدف المقاومة هو المحافظة على هذا المشروع الحضاري، وهما نشاطان متداخلان Interwoven عبر عملية التطور للمنظومات البشرية.

    وبالله التوفيق،،،


  14. #14
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاةوالسلام على رسوله الأمين

    لوحة (06): مفاهيم مالك بن نبي رحمه الله


    لا شك أن مالك بن نبي مفكر إسلامي كبير ذو رؤية أدت به إلى اقتراح مشروع. على أية حال لي 3 نقاط على فكره:

    1. طروحاته في عالم المعقول، وتحتاج إلى مرساة Anchoring في عالم المحسوس.
    2. عدم دقة Inacuracy أو بالألمانية Ungenauigkeit في مطابقة النموذج للظاهرةأي عدم دقة في حركة الانتقال من الحمسوس إلى المعقول.
    3. حلوله المطروحة أحياناًً لا تسويغ لها إلا عمليتها، وإن كانت صادقة أو صحيحة. التسويغ هو الذي يمنح الطرح القوة الأخلاقية.

    وفي هذه اللوحة سأتناول مفاهيمه الأساسية:

    الثلاثية الأولى: للأستاذ مالك بن نبي وهي مثلث الأفكار والأشياء والشخصيات،

    هذه فكرة مجردة وتفاعلاتها ليست خطية. أي ليس كلما زاد حجم المتغير (أفكار) كلما كان أفضل بشكل مطلق أو كدالة خطية، لأن هناك تفاعل بين القدرة الكلامية والمستوى الفكري للأمة، ويصبح الزبد ماءً، وهنا في هذه المرحلة يكون التيه إن لم يتوفر للأمة رؤية واضحة وبمصداقية تقودها أو على الأقل قيادة واعية برؤية. وفي هذا المجال توحل الأمم ولا تستطيع المواصلة في بناءها الحضاري. ولا بد من الوصول إلى مستوى معين من الأفكار يتجاوز تلك المنطقة يمكن أن نطلق عليه مستوى الحد الأدنى من الأفكار وهو الحد من الأفكار اللازم لبلورة رؤية موضوعية، وما تحتها يكون مجرد كلام. (زبد)، وهي ما تسمى بمرحلة وصول أفكار الأمة إلى مرحلة الوعي Consciousness، أو ما يسمى بالألماني Selbstbewusstsein، الذي يصل بها إلى أعلى المراحل وهي مرحلة الوعي الذاتي Selbstbewusstsein، أو Self-consciousness. فهي تصدر الأحكام الموضوعية، تضع مرجعية شاملة لأي موضوع تحت الدراسة. عند وصول الأمة إلى هذه الدرجة هي التي تحدد قياداتها عن وعي.، فلا يستطيع القائد إلا المشي في مصلحة الأمة، لأن الأمة لا تلهيها المشتتات علن الرؤية الشمولية.

    في السبعينات كانت الحركات اليسارية في أوروبا على أشدها، وكانت إحداها الألوية الحمراء RAF (Rote Armee Fraktion) المعروفة في ألمانيا بمجموعة بادر ميانهوف Baader-Meinhof Gruppe. واقترح التجمع المسيحي الديمقراطي/الإشتراكي CDU/CSU Coalition، مجموعة إجراءات لا تعادل ربع إجراءات الرئيس بوش، وقف كل الشعب الألماني بمنظماتة المدنية يرفض ذلك ويقول نتعايش مع الإرهاب، ولا نريد ن نفقد حريتنا. ولم يستطيعوا تمرير تلك الإجراءات.

    عندما مرر الرئيس بوش الإجراءات البوليسية الاستثنائية، وقام بغزو العراق وأفغانستان، لم يكن الشعب الأمريكي واعياً بدرجة كافية بتركه الرئيس بوش يتلاعب في حقوقه كإنسان. وماذا كانت النتيجة:

    فقدت أمريكا مكانتها كراعية لحقوق الإنسان؟ أصبح استقبال الناس لكلامها عن حقوق الإنسان كاستقبالهم لممتهنة الرذيلة عن الأخلاق! لقد أفقدها الاحترام الأخلاقي.
    وبغزوه العراق، كسر الرئيس بوش هيبة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد وصل التمرد ضد الولايات المتحدة أمريكا الجنوبية التي كانت تعد مزرعة الولايات المتحدة.
    هل شعب الولايات المتحدة اليوم أكثر أماناً أم أقل أماناً؟ إذا عرضنا فقط حقيقة أن روسيا اليوم وقد تعافت بفضل إرتفاع أسعار النفط، تستطيع أن تفكك الولايات المتحدة دون حرب، وسيكون تفكك الولايات المتحدة الأكثر دموية والأكثر شراسة في تاريخ البشرية!
    عندما استلم بوش الحكم، كان برميل النفط حول العشرين دولاراً، واليوم كسر حاجز المائة وثلاثين دولاراً، هل يعي المواطن الأمريكي أنه والعالم كله يدفع فاتورة حماقة أعمال الرئيس بوش؟
    كان يمكن للرئيس بوش بشيء من الحكمة والتعقل أن يترك الآخر يهرول خلف الحذاء الأمريكي وهو راض ويطلب الرضا، كما هو حاصل مع بعض دول أوروبا الشرقية مثل وبولندا ودول من الإتحاد السوفيتي مثل جورجيا في علاقتهم مع الولايات المتحدة.

    للوصول إلى مرحلة الوعي الذاتي يتطلب نظرة متأنية وفاحصة إلى التعليم، حتى لا تصبح عملية التعليم مجرد خلق اشتراطيات Conditioning، لتخريج أناس مشترطون وليسوا متعلمينConditioned rather than Educated . وهو جزء من نشاط البناء عندما فرقنا بين نوعي الأنشطة المجتمعية. وأية زعامة لا بد لها من النخبة العلمية لتدعمها. وإذا لم تتواجد الطبقة العلمية لمساندة الزعامة، فالزعامة مصيرها إلى الأفول.

    من هنا أرى أن على المقاومة أن تتبنى العملية التعليمية فهو العمود الفقري لمشروع أمتها الحضاري الذي تدافع عنه، للتأكد من أن مخرجاتها ستصل إلى مرحلة الوعي الذاتي، وهذا يصب في زيادة مناعة الأمة للمضي في مشروعها الحضاري.

    النقطة الثانية: وهي ما سماه معامل المعمر مقابل معامل القابلية للاستعمار، يعني: Imperialistic Index vs. Vulnerability Index

    وحيث اننا هنا أما ظاهرة من العالم المحسوس، فلا بد من تحديد هذه المفاهيم من خلال تشريح الظاهرة نفسها، ولا نكتفي بالتمعن في الشبكة العامة للمعني اللغوية وتمحيصها.

    ومن الناحية العلمية لا نستطيع القفز فوق مفهوم المعامل (Index) من الناحية العلمية، فالمعامل كمفهوم هو منحى في سولمة مواصفة عقلية لظاهرة حسية. مثل معامل الذكاء. والمعاملات في العادة تأخذ قيماً من (0-1)، إلا إذا استخدمنا النموذج الإحصائي (بمقاييس النزعة المركزية والتشتت) عندما قد يعمد الباحث إلى أرقام أتفاقاً Arbitrary، أي دون مسوغ خاضع للضرورة العقلية. وفي العادة عندما تكون قيم المعامل (0-1)، يتم ضرب المعامل في 100، فتكون قيمة المعامل هي بين (0-100). وهناك العديد من الطريق لقياس المعامل. معامل صدق المحتوى Content Validity Index، قد يتم قياسه من خلال النسبة المئوية، بينما معامل الصدق المرتبط بالمحكات Criterion Related Validity Index، يتم قياسم من خلال معامل الارتباط الإحصائي.

    ولننتقل الآن إلى طرفي التفاعل Interaction:

    1. الطرف الأول وهو المُسْتَعْمَر (حيث يقبع مفهوم المفكر الكبير مالك بن نبي معامل القابلية للاستعمار).
    1-1. مفهوم القابلية Vulnerability لدى المنظومة يعني مدى قدرة الغازي (منظومة المُسْتَعْمِر)على تأسيس علافة الاستعمارية مع هذا المُسْتَعْمَر.
    1-2. التقنين الكمي لهذا المفهوم يتم من خلال ما يسمى بالمعامل أو معامل القابلية Vulnerability Index: وهدف هذا التقنين الكمي لقياس المواصفة، ومن ثم دراسة كيفية التأثير فيها.
    1-3. عندما يكون معامل القابلية=0، فهذا يعني أنه لا قابلية لأي جسم غازي تأسيس العلاقة الاستعمارية مع هذه المنظومة. أما إذا كان معامل القابلية=1، وهذا يحدث في المنظومات المتهالكة الميتة أو شبه الميته، فحتى المنظومات الرمية تستطيع أن تنشأ علاقة استعمارية مع هذه المنظومة.
    1-4. المناعة هي نقيض القابلية، فمعامل المناعة=1 يعني أن معامل القابلية=0. والعكس بالعكس. فالوضع الكيفي لهذه القراءة الكمية أن الأمة منيعة أمام هذا الاستعمار. كما أن معامل المناعة=صفر فهذا يعني أن معامل القابلية=1.
    1-5. المقاومة هي أي نشاط ينتج عنه زيادة مناعة الأمة.
    1-6. بهذا يكون قد تم ربط المفاهيم الثلاثة من جانب، وهي مفاهيم المناعة والمقاومة والقابلية. وكلها لها علاقة بطرف في عملية الاستعمار.

    2. أما الطرف الثاني وهو المستعمر الغازي The Invader، وهو كينونة قائمة بذاتها. وهي تشير إلى الإستعمار (وهنا يقبع معامل المعمر أو معامل المستعمر كما في مصطلحات المفكر الكبير الأستاذ مالك بن نبي):
    2-1. قدرة منظومة ما إلى إنشاء علاقة استعمارية على حساب منظومة أخرى. نطلق عليه بالفوعة Virulence، فإذا كانت المنظومة عالية الفوعة، وهو يعني القدرة على الإنتشار والتاسيس للعلاقة الاستعمارية، فإذا كانت المنظومة على درجة عالية من الفوعة، فهذا يعني أن معامل المستعمر لدى تلك المنظومة عالي. وإذا كانت غير فواعة Non-virulent، فهذا يعني أن معامل المستعمر منخفض.

    3. القدرة على تأسيس الظاهرة الاستعمارية تتوقف على نتيجة التفاعل (المعركة) بين مناعة المنظومة أي قدرتها على المقاومة وفوعة الثانية. فإذا:
    3-1. تغلبت المقاومة على فوعة المنظومة الاستعمارية، فهذا يعني أن لا تأسيس لظاهرة استعمارية.
    3-2. أما إذا تغلبت فوعة المستعمر على مقاومة الجسم، فيتم تأسيس للظاهرة الاستعمارية.
    3-3. وأود أن أذهب بدرجة أعمق إلى المحسوس، فأن تغلب في معركة، وأنت تلعب بندية، فتعيد صف أوراقك، وأنت خسرت جولة ولم تخسر المعركة. أما أن تتشرب داخلك الهزيمة Internalization، فهو اعتقادك أن هذا هو مصيرك الذي لا فكاك منه. في الأول أنت ترفض الهزيمة، وتعتبرها مهينة لكرامتك، فتنهض لتستردها. أما في الثانية، فيتولد لديك الشعور بالعجز Learning Helpless. وبالتالي يبدأ هنا بظهور ما أسماه مالك بن نبي "مركب التبعية"، وتأسيس الظاهرة الاستعمارية.

    النقطة الثالثة:عناصر صنع الحضارة عند مالك بن نبي هي: إنسان +تراب+زمن.
    1. ثم يستدرك الأستاذ مالك بن نبي، ليشير (دون إغفال الدين)، والدين عنده يشكل منظومة القيم. فتصبح إضافة الدين هي إضافة زائدة أي حل توفيق أو ترقيعي للسؤال المحوري: أين يقع الدين في هذه المنظومة التي اقترحها؟
    2. وإذا أخرج الأستاذ مالك بن نبي منظومة القيم من الإنسان، فماذا يتبقى؟ فالإنسان هو قيم، وعملية تقدير الحضارة Appreciation of Civilization هي إحدى قيم البدء المشروع Project Initiation، فلولا تقويم الحضارة بشكل إيجابي لتوقف مشروع بن نبي الحضاري قبل أن يبدأ. وينبغي أن تصل إلى هذه القيمة حتى تستطيع أن تقرر الشروع في مشروعك الحضاري.
    3. يرى مالك بن نبي أن الدين يشكل منظومة القيم، فإن أراد أن يقول إن الدين يمثل أو هو نفسه منظومة القيم، فهذا غير دقيق Inacurate، إذ أن علم الأخلاق Morality، هو الذي يؤسس للقيم، وهي نتيجة تطبيق مبدأ الضرورة العقلية على المقولات العقلية المؤسسة للسلوك البشري. أما الدين فهو يمثل مرجعية لها Frame of Reference أي مرجعية لعلم الأخلاق. فالأخلاق هي جزء من التركيبة الإنسانية أي الفطرة كما خلقها الله، ويمثل الوحي مرجعية لها كالبوصلة لتحديد الاتجاهات. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولم يقل لينشأ مكارم الأخلاق. فالعدل والرحمة والحب هي قيم في الفطرة البشرية، وقد تفسد هذه الفطرة بيئياً، أي في بيئة ما معطاة. لذا يبقى الوحي بوصلتها ومرجعية لها.
    4. ونحن نرى في المجتمعات غير المسلمة، كيف يكون التناقض في القيم على أشده، حيث لا توجد مرجعية لها. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا. وكلما مررت على هذه النقطة، أتذكر تساؤل أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟!
    5. وإذا شدد على نبذ الاختلاف كقيمة، فأنا أتطلع إليها كنتيجة منطقية لمنحى منهجي في تناول الأفكار والمواضيع. وفي هذا أنطلق من المنهج الذي يقبل به الناس مهما اختلفت اتجاهاتهم، وأعني بها نتائج الرياضيات والمنطق، لأنها تخضع لمبدأ الضرورة العقلية.

    القضية الرابعة: تراكمية الخبرات هي خاصية بشرية، فيتميز الإنسان عن أي كائن آخر بالقدرة على تراكم الخبرات عبر الأجيال، مما أدى إلى تكوين مخزون للخبرات البشرية عبر مسيرتها. الكائنات الأخرى قد تمتد أصول خبرتها إلى الأسلاف المباشرين لجيل أو جيلين على الأكثر، بينما في الإنسان تتراكم المعرفة لآلاف السنين وعبر كافة المجتمعات البشرية. فما يطلق عليه اليوم زوراً بالحضارة الغربية هي الحضارة الإنسانية عبر مسيرتها من مصر وفينيقيا إلى بابل والهند والفرس إلى الإغريق والرومان إلى المسلمين إلى الغرب اليوم.

    وأعتقد أن ما يعنيه من إطلاق حريتها في المجتمع هو مبدأ تأسيس الممارسات الحياتية في حياة الفرد والمجتمع على أسس علمية. وهذا أمر مفروغ منه ولا مناص من تبنيه. من القيم الثابتة في الإسلام طلب العلم، وتقديم العلماء، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

    القضية الخامسة: وهي التفريق بين مفهومي الصحة والصلاحية:
    1. وأعتقد أن هذه القضية هي الأضعف عند مالك بن نبي، حيث أنها تأتي لعدم تحديده مفهوم "النص" التجريدي في عالم المحسوس: ما هو النص؟ ومن أين يستمد حصانته التي سترفعة عن التمحيص؟
    2. فإذا ما رجعنا إلى النبع الإسلامي، فهو إما وحي وهو القرآن، وفيه لا يعمل هذا المفهومان.
    2-1. وإذا كان النص يمنح أداة، فلها شرطيتها، وليس على إطلاقها. عدم استخدام القاعدة لا يجبها. لنقل في لعبة الشطرنج الوزير يتحرك بطريقة ما، استراتيجيتي التي ألعب بها الآن لا تتضمن استخدام هذه الأداة (الوزير)، لأنني لن أذهب إلى خلق ظرفيتها، لكن هذا لا يجب توفر هذه القاعدة للاستخدام.
    2-2. أما إذا نظرنا إلى ما عدا ذلك، فهو علوم من صنع العقل البشري الذي يطورها. لذا فقول الأمامين أبي حنيفة والشافعي واضح لا لبس فيه: الحديث إن صح فهو مذهبي. وفي هذه النقطة بالذات أود أن أعطي المثال بالتفصيل:
    2-2-1. وضع الإمام البخاري والإمام مسلم شروطاً في الإسناد للحكم بصحة الحديث. فجزاهما الله خيراً عن أمة محمد. لكن يجب أن لا ننسى أن هذا نشاط علمي للعقل البشري، هذا ليس وحياً، الحجة هي المحك. لذا نقول إن الحديث صحيح على شروط الشيخين. لكن قد يأتي محدث جديد وقد استغل التكنولوجيا الموجودة والتطور العلمي ليعدل من الشروط وفق المنهج العلمي، وهذا ليس نظرياً بل حصل. فالمحدث الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني قد ضعف بعض الأحاديث الصحيحة وفق شروط الشيخين.
    2-2-2. هناك حديث مشهور للرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيه: كنا جلوسا مع رسول الله فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله مثل، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولاهجر، ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار: يطلع الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعلم كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟، قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لاتطاق.
    2-2-3. سأل الأستاذ أبو طارق (إحسان العتيبي الشيخ الألباني: لماذا يكذب الصحابي؟ وهو ليس بحاجة إلى ذلك، فلو قال له أجرني أو استضيفني، فلن يمانع. وكانت إجابة الشيخ الألباني رحمه الله بأن الحديث صحيح على شروط الشيخين، أن الكذب لم يحرم لما فيه من حروف " الكاف " و " الذال " و " الباء " لكن لما يؤدي إليه من القطيعة وأكل حقوق الآخرين وما شابه ذلك . وهنا لا مفسدة من قول الصحابي .......... . وهي إجابة غير مقنعة. وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف الترغيب والترهيب.
    2-2-4. أنا أرى أن الحديث صحيح وإن دخلت له في قصة تمفصل دخول الصحابي عبد الله بن عمرو إلى حياة الرجل. لقد استنبط الصحابة رضوان الله عليهم من الحديث أن الرجل مبشر بالجنة. والحديث كما أرى لا يعني ذلك، بل يعني أن الرجل لديه مواصفات أهل الجنة، وهذه المعرفة ببواطن هذا الرجل هي من دلائل النبوة. فالرجل منزوع من صدره الغل، فلا يستطيع أن يحقد أو يكرة أو يحسد. ألم تر أن الله تعالى يقول عن أهل الجنة: "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار" و "إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين".
    2-2-5. وعندما ذهب إليه عبدالله بن عمرو وجد أي تحقق من انطباق صفات أهل الجنة على الرجل، وهو يعني تحقق نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجل. وهي من نوع نبوءة المسيح عليه السلام عندما قال:"وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم". هي فقط أحد الرواة روى الحديث وتراءى له الربط، فلم يكن دقيقاً في نقل الربط بين الحدثين، وهما ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وما خبره عبدالله بن عمرو.
    2-2-6. في هذا المجال من المحسوس (المدركات الحسية) تصح مقولة الأستاذ مالك بن نبي.

    وبالله التوفيق،،،


  15. #15
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاةوالسلام على رسوله الأمين

    لوحة (06): مفاهيم مالك بن نبي رحمه الله


    لا شك أن مالك بن نبي مفكر إسلامي كبير ذو رؤية أدت به إلى اقتراح مشروع. على أية حال لي 3 نقاط على فكره:

    1. طروحاته في عالم المعقول، وتحتاج إلى مرساة Anchoring في عالم المحسوس.
    2. عدم دقة Inacuracy أو بالألمانية Ungenauigkeit في مطابقة النموذج للظاهرةأي عدم دقة في حركة الانتقال من الحمسوس إلى المعقول.
    3. حلوله المطروحة أحياناًً لا تسويغ لها إلا عمليتها، وإن كانت صادقة أو صحيحة. التسويغ هو الذي يمنح الطرح القوة الأخلاقية.

    وفي هذه اللوحة سأتناول مفاهيمه الأساسية:

    الثلاثية الأولى: للأستاذ مالك بن نبي وهي مثلث الأفكار والأشياء والشخصيات،

    هذه فكرة مجردة وتفاعلاتها ليست خطية. أي ليس كلما زاد حجم المتغير (أفكار) كلما كان أفضل بشكل مطلق أو كدالة خطية، لأن هناك تفاعل بين القدرة الكلامية والمستوى الفكري للأمة، ويصبح الزبد ماءً، وهنا في هذه المرحلة يكون التيه إن لم يتوفر للأمة رؤية واضحة وبمصداقية تقودها أو على الأقل قيادة واعية برؤية. وفي هذا المجال توحل الأمم ولا تستطيع المواصلة في بناءها الحضاري. ولا بد من الوصول إلى مستوى معين من الأفكار يتجاوز تلك المنطقة يمكن أن نطلق عليه مستوى الحد الأدنى من الأفكار وهو الحد من الأفكار اللازم لبلورة رؤية موضوعية، وما تحتها يكون مجرد كلام. (زبد)، وهي ما تسمى بمرحلة وصول أفكار الأمة إلى مرحلة الوعي Consciousness، أو ما يسمى بالألماني Selbstbewusstsein، الذي يصل بها إلى أعلى المراحل وهي مرحلة الوعي الذاتي Selbstbewusstsein، أو Self-consciousness. فهي تصدر الأحكام الموضوعية، تضع مرجعية شاملة لأي موضوع تحت الدراسة. عند وصول الأمة إلى هذه الدرجة هي التي تحدد قياداتها عن وعي.، فلا يستطيع القائد إلا المشي في مصلحة الأمة، لأن الأمة لا تلهيها المشتتات علن الرؤية الشمولية.

    في السبعينات كانت الحركات اليسارية في أوروبا على أشدها، وكانت إحداها الألوية الحمراء RAF (Rote Armee Fraktion) المعروفة في ألمانيا بمجموعة بادر ميانهوف Baader-Meinhof Gruppe. واقترح التجمع المسيحي الديمقراطي/الإشتراكي CDU/CSU Coalition، مجموعة إجراءات لا تعادل ربع إجراءات الرئيس بوش، وقف كل الشعب الألماني بمنظماتة المدنية يرفض ذلك ويقول نتعايش مع الإرهاب، ولا نريد ن نفقد حريتنا. ولم يستطيعوا تمرير تلك الإجراءات.

    عندما مرر الرئيس بوش الإجراءات البوليسية الاستثنائية، وقام بغزو العراق وأفغانستان، لم يكن الشعب الأمريكي واعياً بدرجة كافية بتركه الرئيس بوش يتلاعب في حقوقه كإنسان. وماذا كانت النتيجة:

    فقدت أمريكا مكانتها كراعية لحقوق الإنسان؟ أصبح استقبال الناس لكلامها عن حقوق الإنسان كاستقبالهم لممتهنة الرذيلة عن الأخلاق! لقد أفقدها الاحترام الأخلاقي.
    وبغزوه العراق، كسر الرئيس بوش هيبة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد وصل التمرد ضد الولايات المتحدة أمريكا الجنوبية التي كانت تعد مزرعة الولايات المتحدة.
    هل شعب الولايات المتحدة اليوم أكثر أماناً أم أقل أماناً؟ إذا عرضنا فقط حقيقة أن روسيا اليوم وقد تعافت بفضل إرتفاع أسعار النفط، تستطيع أن تفكك الولايات المتحدة دون حرب، وسيكون تفكك الولايات المتحدة الأكثر دموية والأكثر شراسة في تاريخ البشرية!
    عندما استلم بوش الحكم، كان برميل النفط حول العشرين دولاراً، واليوم كسر حاجز المائة وثلاثين دولاراً، هل يعي المواطن الأمريكي أنه والعالم كله يدفع فاتورة حماقة أعمال الرئيس بوش؟
    كان يمكن للرئيس بوش بشيء من الحكمة والتعقل أن يترك الآخر يهرول خلف الحذاء الأمريكي وهو راض ويطلب الرضا، كما هو حاصل مع بعض دول أوروبا الشرقية مثل وبولندا ودول من الإتحاد السوفيتي مثل جورجيا في علاقتهم مع الولايات المتحدة.

    للوصول إلى مرحلة الوعي الذاتي يتطلب نظرة متأنية وفاحصة إلى التعليم، حتى لا تصبح عملية التعليم مجرد خلق اشتراطيات Conditioning، لتخريج أناس مشترطون وليسوا متعلمينConditioned rather than Educated . وهو جزء من نشاط البناء عندما فرقنا بين نوعي الأنشطة المجتمعية. وأية زعامة لا بد لها من النخبة العلمية لتدعمها. وإذا لم تتواجد الطبقة العلمية لمساندة الزعامة، فالزعامة مصيرها إلى الأفول.

    من هنا أرى أن على المقاومة أن تتبنى العملية التعليمية فهو العمود الفقري لمشروع أمتها الحضاري الذي تدافع عنه، للتأكد من أن مخرجاتها ستصل إلى مرحلة الوعي الذاتي، وهذا يصب في زيادة مناعة الأمة للمضي في مشروعها الحضاري.

    النقطة الثانية: وهي ما سماه معامل المعمر مقابل معامل القابلية للاستعمار، يعني: Imperialistic Index vs. Vulnerability Index

    وحيث اننا هنا أما ظاهرة من العالم المحسوس، فلا بد من تحديد هذه المفاهيم من خلال تشريح الظاهرة نفسها، ولا نكتفي بالتمعن في الشبكة العامة للمعني اللغوية وتمحيصها.

    ومن الناحية العلمية لا نستطيع القفز فوق مفهوم المعامل (Index) من الناحية العلمية، فالمعامل كمفهوم هو منحى في سولمة مواصفة عقلية لظاهرة حسية. مثل معامل الذكاء. والمعاملات في العادة تأخذ قيماً من (0-1)، إلا إذا استخدمنا النموذج الإحصائي (بمقاييس النزعة المركزية والتشتت) عندما قد يعمد الباحث إلى أرقام أتفاقاً Arbitrary، أي دون مسوغ خاضع للضرورة العقلية. وفي العادة عندما تكون قيم المعامل (0-1)، يتم ضرب المعامل في 100، فتكون قيمة المعامل هي بين (0-100). وهناك العديد من الطريق لقياس المعامل. معامل صدق المحتوى Content Validity Index، قد يتم قياسه من خلال النسبة المئوية، بينما معامل الصدق المرتبط بالمحكات Criterion Related Validity Index، يتم قياسم من خلال معامل الارتباط الإحصائي.

    ولننتقل الآن إلى طرفي التفاعل Interaction:

    1. الطرف الأول وهو المُسْتَعْمَر (حيث يقبع مفهوم المفكر الكبير مالك بن نبي معامل القابلية للاستعمار).
    1-1. مفهوم القابلية Vulnerability لدى المنظومة يعني مدى قدرة الغازي (منظومة المُسْتَعْمِر)على تأسيس علافة الاستعمارية مع هذا المُسْتَعْمَر.
    1-2. التقنين الكمي لهذا المفهوم يتم من خلال ما يسمى بالمعامل أو معامل القابلية Vulnerability Index: وهدف هذا التقنين الكمي لقياس المواصفة، ومن ثم دراسة كيفية التأثير فيها.
    1-3. عندما يكون معامل القابلية=0، فهذا يعني أنه لا قابلية لأي جسم غازي تأسيس العلاقة الاستعمارية مع هذه المنظومة. أما إذا كان معامل القابلية=1، وهذا يحدث في المنظومات المتهالكة الميتة أو شبه الميته، فحتى المنظومات الرمية تستطيع أن تنشأ علاقة استعمارية مع هذه المنظومة.
    1-4. المناعة هي نقيض القابلية، فمعامل المناعة=1 يعني أن معامل القابلية=0. والعكس بالعكس. فالوضع الكيفي لهذه القراءة الكمية أن الأمة منيعة أمام هذا الاستعمار. كما أن معامل المناعة=صفر فهذا يعني أن معامل القابلية=1.
    1-5. المقاومة هي أي نشاط ينتج عنه زيادة مناعة الأمة.
    1-6. بهذا يكون قد تم ربط المفاهيم الثلاثة من جانب، وهي مفاهيم المناعة والمقاومة والقابلية. وكلها لها علاقة بطرف في عملية الاستعمار.

    2. أما الطرف الثاني وهو المستعمر الغازي The Invader، وهو كينونة قائمة بذاتها. وهي تشير إلى الإستعمار (وهنا يقبع معامل المعمر أو معامل المستعمر كما في مصطلحات المفكر الكبير الأستاذ مالك بن نبي):
    2-1. قدرة منظومة ما إلى إنشاء علاقة استعمارية على حساب منظومة أخرى. نطلق عليه بالفوعة Virulence، فإذا كانت المنظومة عالية الفوعة، وهو يعني القدرة على الإنتشار والتاسيس للعلاقة الاستعمارية، فإذا كانت المنظومة على درجة عالية من الفوعة، فهذا يعني أن معامل المستعمر لدى تلك المنظومة عالي. وإذا كانت غير فواعة Non-virulent، فهذا يعني أن معامل المستعمر منخفض.

    3. القدرة على تأسيس الظاهرة الاستعمارية تتوقف على نتيجة التفاعل (المعركة) بين مناعة المنظومة أي قدرتها على المقاومة وفوعة الثانية. فإذا:
    3-1. تغلبت المقاومة على فوعة المنظومة الاستعمارية، فهذا يعني أن لا تأسيس لظاهرة استعمارية.
    3-2. أما إذا تغلبت فوعة المستعمر على مقاومة الجسم، فيتم تأسيس للظاهرة الاستعمارية.
    3-3. وأود أن أذهب بدرجة أعمق إلى المحسوس، فأن تغلب في معركة، وأنت تلعب بندية، فتعيد صف أوراقك، وأنت خسرت جولة ولم تخسر المعركة. أما أن تتشرب داخلك الهزيمة Internalization، فهو اعتقادك أن هذا هو مصيرك الذي لا فكاك منه. في الأول أنت ترفض الهزيمة، وتعتبرها مهينة لكرامتك، فتنهض لتستردها. أما في الثانية، فيتولد لديك الشعور بالعجز Learning Helpless. وبالتالي يبدأ هنا بظهور ما أسماه مالك بن نبي "مركب التبعية"، وتأسيس الظاهرة الاستعمارية.

    النقطة الثالثة:عناصر صنع الحضارة عند مالك بن نبي هي: إنسان +تراب+زمن.
    1. ثم يستدرك الأستاذ مالك بن نبي، ليشير (دون إغفال الدين)، والدين عنده يشكل منظومة القيم. فتصبح إضافة الدين هي إضافة زائدة أي حل توفيق أو ترقيعي للسؤال المحوري: أين يقع الدين في هذه المنظومة التي اقترحها؟
    2. وإذا أخرج الأستاذ مالك بن نبي منظومة القيم من الإنسان، فماذا يتبقى؟ فالإنسان هو قيم، وعملية تقدير الحضارة Appreciation of Civilization هي إحدى قيم البدء المشروع Project Initiation، فلولا تقويم الحضارة بشكل إيجابي لتوقف مشروع بن نبي الحضاري قبل أن يبدأ. وينبغي أن تصل إلى هذه القيمة حتى تستطيع أن تقرر الشروع في مشروعك الحضاري.
    3. يرى مالك بن نبي أن الدين يشكل منظومة القيم، فإن أراد أن يقول إن الدين يمثل أو هو نفسه منظومة القيم، فهذا غير دقيق Inacurate، إذ أن علم الأخلاق Morality، هو الذي يؤسس للقيم، وهي نتيجة تطبيق مبدأ الضرورة العقلية على المقولات العقلية المؤسسة للسلوك البشري. أما الدين فهو يمثل مرجعية لها Frame of Reference أي مرجعية لعلم الأخلاق. فالأخلاق هي جزء من التركيبة الإنسانية أي الفطرة كما خلقها الله، ويمثل الوحي مرجعية لها كالبوصلة لتحديد الاتجاهات. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولم يقل لينشأ مكارم الأخلاق. فالعدل والرحمة والحب هي قيم في الفطرة البشرية، وقد تفسد هذه الفطرة بيئياً، أي في بيئة ما معطاة. لذا يبقى الوحي بوصلتها ومرجعية لها.
    4. ونحن نرى في المجتمعات غير المسلمة، كيف يكون التناقض في القيم على أشده، حيث لا توجد مرجعية لها. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا. وكلما مررت على هذه النقطة، أتذكر تساؤل أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟!
    5. وإذا شدد على نبذ الاختلاف كقيمة، فأنا أتطلع إليها كنتيجة منطقية لمنحى منهجي في تناول الأفكار والمواضيع. وفي هذا أنطلق من المنهج الذي يقبل به الناس مهما اختلفت اتجاهاتهم، وأعني بها نتائج الرياضيات والمنطق، لأنها تخضع لمبدأ الضرورة العقلية.

    القضية الرابعة: تراكمية الخبرات هي خاصية بشرية، فيتميز الإنسان عن أي كائن آخر بالقدرة على تراكم الخبرات عبر الأجيال، مما أدى إلى تكوين مخزون للخبرات البشرية عبر مسيرتها. الكائنات الأخرى قد تمتد أصول خبرتها إلى الأسلاف المباشرين لجيل أو جيلين على الأكثر، بينما في الإنسان تتراكم المعرفة لآلاف السنين وعبر كافة المجتمعات البشرية. فما يطلق عليه اليوم زوراً بالحضارة الغربية هي الحضارة الإنسانية عبر مسيرتها من مصر وفينيقيا إلى بابل والهند والفرس إلى الإغريق والرومان إلى المسلمين إلى الغرب اليوم.

    وأعتقد أن ما يعنيه من إطلاق حريتها في المجتمع هو مبدأ تأسيس الممارسات الحياتية في حياة الفرد والمجتمع على أسس علمية. وهذا أمر مفروغ منه ولا مناص من تبنيه. من القيم الثابتة في الإسلام طلب العلم، وتقديم العلماء، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

    القضية الخامسة: وهي التفريق بين مفهومي الصحة والصلاحية:
    1. وأعتقد أن هذه القضية هي الأضعف عند مالك بن نبي، حيث أنها تأتي لعدم تحديده مفهوم "النص" التجريدي في عالم المحسوس: ما هو النص؟ ومن أين يستمد حصانته التي سترفعة عن التمحيص؟
    2. فإذا ما رجعنا إلى النبع الإسلامي، فهو إما وحي وهو القرآن، وفيه لا يعمل هذا المفهومان.
    2-1. وإذا كان النص يمنح أداة، فلها شرطيتها، وليس على إطلاقها. عدم استخدام القاعدة لا يجبها. لنقل في لعبة الشطرنج الوزير يتحرك بطريقة ما، استراتيجيتي التي ألعب بها الآن لا تتضمن استخدام هذه الأداة (الوزير)، لأنني لن أذهب إلى خلق ظرفيتها، لكن هذا لا يجب توفر هذه القاعدة للاستخدام.
    2-2. أما إذا نظرنا إلى ما عدا ذلك، فهو علوم من صنع العقل البشري الذي يطورها. لذا فقول الأمامين أبي حنيفة والشافعي واضح لا لبس فيه: الحديث إن صح فهو مذهبي. وفي هذه النقطة بالذات أود أن أعطي المثال بالتفصيل:
    2-2-1. وضع الإمام البخاري والإمام مسلم شروطاً في الإسناد للحكم بصحة الحديث. فجزاهما الله خيراً عن أمة محمد. لكن يجب أن لا ننسى أن هذا نشاط علمي للعقل البشري، هذا ليس وحياً، الحجة هي المحك. لذا نقول إن الحديث صحيح على شروط الشيخين. لكن قد يأتي محدث جديد وقد استغل التكنولوجيا الموجودة والتطور العلمي ليعدل من الشروط وفق المنهج العلمي، وهذا ليس نظرياً بل حصل. فالمحدث الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني قد ضعف بعض الأحاديث الصحيحة وفق شروط الشيخين.
    2-2-2. هناك حديث مشهور للرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيه: كنا جلوسا مع رسول الله فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله مثل، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولاهجر، ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار: يطلع الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعلم كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟، قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لاتطاق.
    2-2-3. سأل الأستاذ أبو طارق (إحسان العتيبي الشيخ الألباني: لماذا يكذب الصحابي؟ وهو ليس بحاجة إلى ذلك، فلو قال له أجرني أو استضيفني، فلن يمانع. وكانت إجابة الشيخ الألباني رحمه الله بأن الحديث صحيح على شروط الشيخين، أن الكذب لم يحرم لما فيه من حروف " الكاف " و " الذال " و " الباء " لكن لما يؤدي إليه من القطيعة وأكل حقوق الآخرين وما شابه ذلك . وهنا لا مفسدة من قول الصحابي .......... . وهي إجابة غير مقنعة. وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف الترغيب والترهيب.
    2-2-4. أنا أرى أن الحديث صحيح وإن دخلت له في قصة تمفصل دخول الصحابي عبد الله بن عمرو إلى حياة الرجل. لقد استنبط الصحابة رضوان الله عليهم من الحديث أن الرجل مبشر بالجنة. والحديث كما أرى لا يعني ذلك، بل يعني أن الرجل لديه مواصفات أهل الجنة، وهذه المعرفة ببواطن هذا الرجل هي من دلائل النبوة. فالرجل منزوع من صدره الغل، فلا يستطيع أن يحقد أو يكرة أو يحسد. ألم تر أن الله تعالى يقول عن أهل الجنة: "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار" و "إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين".
    2-2-5. وعندما ذهب إليه عبدالله بن عمرو وجد أي تحقق من انطباق صفات أهل الجنة على الرجل، وهو يعني تحقق نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجل. وهي من نوع نبوءة المسيح عليه السلام عندما قال:"وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم". هي فقط أحد الرواة روى الحديث وتراءى له الربط، فلم يكن دقيقاً في نقل الربط بين الحدثين، وهما ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وما خبره عبدالله بن عمرو.
    2-2-6. في هذا المجال من المحسوس (المدركات الحسية) تصح مقولة الأستاذ مالك بن نبي.

    وبالله التوفيق،،،


  16. #16
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة (07): مرتكزات مشروع مالك بن نبي


    أول مرتكز في مشروع مالك بن نبي رحمه الله هو العودة غير المشروطة إلى الذات، ويبقى تعريف الذات أو تحديد الذات هو الخطوة الأولى التي ستنعكس إجرائياً على كل ما يليها من خطوات. الكلام هنا عن الأنا الجمعية The Collective Self. أو بالألمانية Das zusammengefasste Ich، فالمشروع مشروعها. لذا فهذا المفهوم يجب أن يكون واضحاً ليس كمعقول بل كمحسوس، من البداية وصولاً إلى مرحلة الوعي بالأمة، ثم الوعي الذاتي للأمة. هذه الكتلة للأنا سيحث فيها التغاير الوظيفي Functional Differentiation، والتكامل الوظيفي بين الأعضاء التي سيفرزها التغاير الوظيفي.

    وليد جنبلاط يرى الأنا في طائفة الدروز، وهو مستعد لذبح الأمة الإسلامية في سبيل أن يظفر بإمارة تعيسة للدروز على مساحة كيلو متر مربع في الشوف أو الجبل. بالنسبة لإسرائيل، فهي ترى اليهودية هي الأنا؛ لذا فمهما عمل غير اليهودي ومهما ضحى من أجل إسرائيل، لا مكان له إلا بشكل مؤقت Temporary. لنا في العميل لحد وجيشه مثال، رموهم كالكلاب على الحدود بعد أن انتهى دورهم. وأعطوا أفراداً منهم جنسية إسرائيلية ناقصة الصلاحيات، ذراً للرماد في العيون. كثير من المجازر ضد الفلسطينيين قام بها سلاح الحدود الإسرائيلي (مجزرة خان يونس واحدة منها)، وهو مكون بصورة شبه كاملة من الدروز، ومع ذلك وجودهم في إسرائيل، حسب تعريف اليهود للأنا، يؤثر على نقاوة الأنا الإسرائيلية، لذا فيمنحونهم الجنسية الإسرائيلية من الدرجة الثانية. قارن بين هذا وبين قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام سلمان من آل البيت. أما إبن نوح فقال الله تعالى: إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح. وهذا يعيدنا إلى سؤال الأستاذ أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟!

    وفي تفاعل يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه بعد انتهاء نزول الوحي، فليس لللبشرية سوى العقل هادياً. العقل يستخدم مرجعيته التي سبق وأن تم تناولها. وأما النصوص فلا بد من وضع اعتبار لما سبق الكلام عنه في اللوحة السابقة.

    الحضور يتطلب إرادة، الإرادة شرط ضروري لكنه ليس كافياً، لكنه مازال شرطاً. لننظر إلى باكستان الدولة النووية، ما حضورها على المسرح الدولي؟ ماوزنها في السياسة الدولية؟ أي من الدول الإسكندنافية الثلاث (السويد النوريج وفنلندا)، حضورها في المسرح الدولي أوضح، ووزنها في السياسة الدولية أكثر ثقلاًً! إن تراجع الحضور الإسلامي على المسرح العالمي هو خسارة، ليس للمسلمين فحسب، بل للبشرية جمعاء، إنه منارتها.

    العودة إلى الذات يعني بالبدء بالقيام بعمليات أو أنشطة بناء للمشروع الحضاري بصورة منهجية. هذا البناء بحاجة إلى حماية، إلى حرق طاقة لمسارعة عملية البناء، من هنا يأتي أهمية المقاومة. وهنا لا بد أن يكون واضحاً أن مفهوم المقاومة هو مفهوم شامل وظيفته تصب في زيادة مناعة الأمة.

    ويمكن تصنيف المقاومة حسب إتجاهها إلى:
    1. مقاومة داخلية، داخل الأنا،
    2. ومقاومة خارجية لنقيض الأنا.

    الشق الداخلي للمقاومة متجه نحو داخل الأنا: مقاومة تواجه الكسل والوهن. يقول الله تعالى: ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل". وقال الرسول عليه الصلاة والسلام "يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ، وَلَيَنْزِ عَنّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنّ الله في قُلُوبِكُم الَوَهْنَ، فقالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله وَمَا الْوَهْنُ؟ قالَ: حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ". وبالتالي تؤدي المقاومة الداخلية إلى زيادة مناعة الأنا في مواجهة فوعة المستعمر. أي تقلل من قابليتنا للاستعمار.

    الشق الخارجي للمقاومة متجه نحو مقاومة العدو الخارجي بما فيه المستعمر والمحتل. وهنا يبرز لدينا مفهوم الثغور، ويمكن تعريف الثغر بأنه أي نقطة تماس يقف فيها المسلم مع العدو في مواجهة. وكل مسلم يقف علي ثغر من ثغور الإسلام ... فلا يؤتين الإسلام من قبله. خطوط التماس تشمل الفكر أيضاً، هناك أيضاً ثغر بخطوط تماس.

    وبالله التوفيق،،،


  17. #17
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة (07): مرتكزات مشروع مالك بن نبي


    أول مرتكز في مشروع مالك بن نبي رحمه الله هو العودة غير المشروطة إلى الذات، ويبقى تعريف الذات أو تحديد الذات هو الخطوة الأولى التي ستنعكس إجرائياً على كل ما يليها من خطوات. الكلام هنا عن الأنا الجمعية The Collective Self. أو بالألمانية Das zusammengefasste Ich، فالمشروع مشروعها. لذا فهذا المفهوم يجب أن يكون واضحاً ليس كمعقول بل كمحسوس، من البداية وصولاً إلى مرحلة الوعي بالأمة، ثم الوعي الذاتي للأمة. هذه الكتلة للأنا سيحث فيها التغاير الوظيفي Functional Differentiation، والتكامل الوظيفي بين الأعضاء التي سيفرزها التغاير الوظيفي.

    وليد جنبلاط يرى الأنا في طائفة الدروز، وهو مستعد لذبح الأمة الإسلامية في سبيل أن يظفر بإمارة تعيسة للدروز على مساحة كيلو متر مربع في الشوف أو الجبل. بالنسبة لإسرائيل، فهي ترى اليهودية هي الأنا؛ لذا فمهما عمل غير اليهودي ومهما ضحى من أجل إسرائيل، لا مكان له إلا بشكل مؤقت Temporary. لنا في العميل لحد وجيشه مثال، رموهم كالكلاب على الحدود بعد أن انتهى دورهم. وأعطوا أفراداً منهم جنسية إسرائيلية ناقصة الصلاحيات، ذراً للرماد في العيون. كثير من المجازر ضد الفلسطينيين قام بها سلاح الحدود الإسرائيلي (مجزرة خان يونس واحدة منها)، وهو مكون بصورة شبه كاملة من الدروز، ومع ذلك وجودهم في إسرائيل، حسب تعريف اليهود للأنا، يؤثر على نقاوة الأنا الإسرائيلية، لذا فيمنحونهم الجنسية الإسرائيلية من الدرجة الثانية. قارن بين هذا وبين قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام سلمان من آل البيت. أما إبن نوح فقال الله تعالى: إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح. وهذا يعيدنا إلى سؤال الأستاذ أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟!

    وفي تفاعل يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه بعد انتهاء نزول الوحي، فليس لللبشرية سوى العقل هادياً. العقل يستخدم مرجعيته التي سبق وأن تم تناولها. وأما النصوص فلا بد من وضع اعتبار لما سبق الكلام عنه في اللوحة السابقة.

    الحضور يتطلب إرادة، الإرادة شرط ضروري لكنه ليس كافياً، لكنه مازال شرطاً. لننظر إلى باكستان الدولة النووية، ما حضورها على المسرح الدولي؟ ماوزنها في السياسة الدولية؟ أي من الدول الإسكندنافية الثلاث (السويد النوريج وفنلندا)، حضورها في المسرح الدولي أوضح، ووزنها في السياسة الدولية أكثر ثقلاًً! إن تراجع الحضور الإسلامي على المسرح العالمي هو خسارة، ليس للمسلمين فحسب، بل للبشرية جمعاء، إنه منارتها.

    العودة إلى الذات يعني بالبدء بالقيام بعمليات أو أنشطة بناء للمشروع الحضاري بصورة منهجية. هذا البناء بحاجة إلى حماية، إلى حرق طاقة لمسارعة عملية البناء، من هنا يأتي أهمية المقاومة. وهنا لا بد أن يكون واضحاً أن مفهوم المقاومة هو مفهوم شامل وظيفته تصب في زيادة مناعة الأمة.

    ويمكن تصنيف المقاومة حسب إتجاهها إلى:
    1. مقاومة داخلية، داخل الأنا،
    2. ومقاومة خارجية لنقيض الأنا.

    الشق الداخلي للمقاومة متجه نحو داخل الأنا: مقاومة تواجه الكسل والوهن. يقول الله تعالى: ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل". وقال الرسول عليه الصلاة والسلام "يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ، وَلَيَنْزِ عَنّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنّ الله في قُلُوبِكُم الَوَهْنَ، فقالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله وَمَا الْوَهْنُ؟ قالَ: حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ". وبالتالي تؤدي المقاومة الداخلية إلى زيادة مناعة الأنا في مواجهة فوعة المستعمر. أي تقلل من قابليتنا للاستعمار.

    الشق الخارجي للمقاومة متجه نحو مقاومة العدو الخارجي بما فيه المستعمر والمحتل. وهنا يبرز لدينا مفهوم الثغور، ويمكن تعريف الثغر بأنه أي نقطة تماس يقف فيها المسلم مع العدو في مواجهة. وكل مسلم يقف علي ثغر من ثغور الإسلام ... فلا يؤتين الإسلام من قبله. خطوط التماس تشمل الفكر أيضاً، هناك أيضاً ثغر بخطوط تماس.

    وبالله التوفيق،،،


  18. #18
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة (08): مفاهيم مشروع الدكتور علي شريعتي


    القضية الأولى لدى الدكتور على شريعتي عن مرض "الذات الممسوخة" وهي بسبب "التقاليد الالتقاطية". وهو بهذا يرجعنا إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: " :"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه".

    عودة الوعي إلى الأمة من خلال تشخيص المرض والتعرف عليه ومعرفة طبيعته، والتعرف على التقاليد الالتقاطية التي أدت إليه، وتنظيف جسم الأمة منه. استرداد الوعي يحول Transform الأمة إلى فطرتها التي خلقاها الله عليها، وبالتالي طبيعتها الرافضة للظلم والغبن والمهانة. وعندها لا يمكن تمرير سياسة فرق تسد على هذه الأمة الواعية. ونتيجة التحول تتكون الذات الثورية (فهي ذات أيديولوجية كفاحية)، بمرتكزات ثلاث: النباهة .. والعمل .. والعبادة. وتتوقف لدي شريعتي مسؤولية المسلم في عملية التبليغ، لأن الإيمان نفسه هو خيار متروك للفرد اتخاذ القرار فيه، (لا إكراه في الدين). وهو في هذا يعبر عن موقف الإسلام.

    القضية الثانية: مفهوم جغرافيا الكلمة:

    عندما نتناول المجموعة ك بالدراسة، حيث تشير ك إلى مجموعة الكسور الحقيقية، بمعنى أن ك=(0 ، 1)، فلا نتوقع أن نرى العدد 2 داخلاً دون أن نشعر. لذا فمتغيرات الدراسة بالكامل تحت منظارنا. فإذا تم استخراج مواصفة للمجموعة ك استقراءًاً، فهي في كل الظروف واحدة. بمعني إذا قلت: لأي عنصر في المجموعة ك، فإن مربع العنصر أصغر من العنصر نفسه. فما على الباحث إلا أن يطبق ليتحقق مذ صدق الاستقراء. أما في الظاهرة الاجتماعية أو النفسية، فإن أي مواصفة أستخرجها لا بد من ربطها بظرفية ما، وأحياناً هذه المواصفة قد تمت بسبب ظرفية لم تكن من أي من العوامل الظرفية تحت الدراسة. لذا ففي الظاهرة الاجتماعية يصعب التحكم في المتغيرات. وللتعرف على العوامل أو المتغيرات المتواجدة في موقف ما أو مشهد ما، نقوم بعمل تقنيات لفرز هذه المتغيرات، مثل التحليل العاملي Factor Analysis أو السولمة عديد الأبعاد Multidimensional Scaling لفرز أكبر عدد من العوامل لوضعها في بؤرة التمحيص. وهناك مفاهيم في علم الاجتماع وعلم النفس مثل الموثوقية Reliability والمصداقية Validity، لا معنى لها في الرياضيات والفيزياء. عندما نتكلم عن مفهوم ضبط العوامل أو ما يطلق عليها متغيرات الخلفية Contextual Variables، فهو في الرياضيات مفهوم لا معنى له، وفي الفيزياء تتكلم عن تثبيت ظروف التجربة، لكن الأمر يختلف في علم الاجتماع فالباحث يتكلم عن استراتيجية موجهة لمحاولة السيطرة على العوامل أو المتغيرات الكائنة.

    هذه المفاهيم العلمية عندما أنقلها إلى الشارع، فلا بد من المحافظة على دلالتها العلمية بقدر الإمكان، وتجنب لَيّ عنق المفهوم. شحن أي مفهوم علمي بمضمون عقائدي أو أيديولوجي، قد يلوي عنق الدلالة العلمية، بل ويذهب إلى تسطيح هذا المفهوم. فجزء من علم الاجتماع أو علم النفس يتضمن تأثير اختلاف قيم معايير الخلفية Contextual Parameters بمتغيراتها على قضية ما. وهذا هو الأساس في تطوير ما يسمى بالخطط المشروطة Contingency Plans.

    خذ مثلاً: التوعية الصحية الجنسية كموضوع، وهو كموضوع هام في التربية الصحية كما في التربية الإسلامية. لا بد من التبكير في البدء بتدريس هذا الموضوع قبل سن الثالثة عشر. قبلها أي في سن تسع أو عشر أو ثلاثة عشرة، ففائدته أكبر من ضرره، لكن بعد سن الثالثة عشر تبدأ سن المراهقة، من الخطورة بمكان البدء في مثل هذا البرنامج. بل وأذهب خطوة أبعد من ذلك، توقيت البلوغ والمراهقة يختلف حسب البيئة الجغرافية، فالبنات في الهند يبلغن أحياناً على ثماني سنوات، بينما في أيسلندا على أربعة عشر عاماً. عند وضع برامج دراسية تتناول هذه المواضيع لا بد من مراعاة هذه الفروق. الالتزام بالنهج العلمي والمهني التخصصي هو الإجابة العلمية على طرح مفهوم جغرافيا الكلمة عند الدكتور على شريعتي، يَجُبّث الحاجة إلى بلورة مفهوم جغرافيا الكلمة كمفهوم ايديولوجي مستقل.

    إن إساءة استخدام قوى في الغرب للمفاهيم الأخلاقية الإنسانية، سهل اكتشافها من الإنسان الواعي، وإن كان التصريح بها بحاجة إلى قوة وجرأة، أي لا يكونوا في وضع ما يسمى "بالهلع". إن القوانين الاستثنائيةالتي أدخلتها إدارة بوش وممارساتها في جوانتينامو قد جبت القوة الأخلاقية والمصداقية التي كانت تتمتع بها الإدارة الأمريكية عند تناولها موضوع حقوق الإنسان. أمريكا تضخ مفاهيم خدمة لسياسات معينة، ودون تسويغ علمي. وهي بحاجة فقط ‘لى مهنيين محترفين كي يروا بطلانها.

    ثم نقطة أخرى لم يميز الدكتور على شريعتي بين منظومة المعرفة العلمية ومنظومة المعرفة التقنية (التكنولوجية). فعلم الإجتماع هو علم ، بينما علم السياسة هو تقنية. من الصعب من البيانات المعطاة الجزم بالأمر لكني في الحقيقة أخشى أن يكون مفهوم جغرافية الكلمة بمثابة إعادة ولادة لمفهوم نسبية المعرفة لدى السفسطائيين في مرحلة ما قبل سقراط.

    القضية الثالثة التي طرحها الدكتور على شريعتي وهي في مسألة أصالة الإنسان في الإسلام. صحيح أن الإنسان هو محور الأديان، فالمخلوقات الأخرى موجهة غريزياً Instinct driven Behavior بالألمانية (Instiktgesteuert Verhalten) في سلوكها، فهي ليست بحاجة إلى مرجعية لسلوكها Frame of Reference، لكن الدين ليس أحادي الاتجاه، إنما هو ثنائي الاتجاه Bidirectional في حركته:
    1. الإتجاه الصاعد Ascending، وهو من الأرض إلى السماء،
    2. والإتجاه النازل Descending، وهو من السماء إلى الأرض.

    الاتجاه الصاعد يحمل معه التوكل والرجاء والدعاء إلى الله. إنها حركة من الفرد إلى ربه، وهي حركة تحمل الأمل والرجاء للمسلم، وهي تشد من عزم المسلم ويذكره الله تعالى بها عندما يقول (إن تكونوا تألمون، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون)، فكان تضرع الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يناجي ربه: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض .. اللهم هذه قريش قد جاءت بعودها ومطافيلها ...." ويلح " اللهم نصرك الذي وعدتني، ويسقط ردائه صلى الله عليه وسلم عن منكبيه ، فيقول له أبو بكر : " يا رسول الله ، إن الله منجز ما وعدك ".
    وتأتي الحركة في الاتجاه النازل من السماء إلى الإنسان: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

    لذا فقول الدكتور علي شريعتي بأن الدين ليس من الأرض إلى السماء، ليس دقيقاً، وتعوزه المصداقية. وهو –والله أعلم_ تبني موقف ما يسمى بالربوبية الخارجية Deistic Believe (Deistische Glaube) مثل الاعتقاد الأوروبي الذي مثله جان جاك روسو، وهو الذي يقول إن الله خلق الكون ولا يتدخل فيه.

    ولنطرح مفهوم التاريخ، فالتعامل مع مفهوم التاريخ ينبغي أن يؤسس على التعريف العلمي لمفهوم "التاريخ"، بعدها نمحص موقفنا وموقع القضايا التي نطرحها من مفهوم التاريخ الذي تم تحديده علمياً، وكذلك نمذجة التأريخ.

    التاريخ في أبسط تعريف له هو توثيق الأحداث Events (Ereignisse) على مسار ما عبر البعد الزماني، والمسار يعني التتبع الزمني لكينونة ما، سواء كانت فيزيائية أو إعتبارية. الأحداث التاريخية هي بمثابة المدركات الحسية التي من المفروض أن يتم استقراء المقولات العقلية عليها، وبالتالي التأسيس لعلم التاريخ. ماذا لو تم تغيير هذه البيانات وفقاً للهوى، وليس وفقاً لما حدث في حقيقة الأمر؟

    في معهد ماكس بلانك للأبحاث البيولوجية في توبنجن بألمانيا، قام في السبعينات عالم بريطاني بتزييف البيانات التي جمعها لتطابق نتائج هو يتوقعها، فماذا كانت النتيجة؟ فضيحة في الأوساط العلمية، وتم إنهاء مهمته.

    لماذا لم تنشأ فضائح عن كل هذا التزييف في تاريخنا المعاصر؟ وهو يعني تزييف البيانات الحقلية لتاريخ الأمة. بل وممنوع البحث فيه.
    أليس من حق المؤرخ لدينا أن يبحث في هذاالتاريخ؟
    وقد كان آخرها خلع قدسية على هذا التاريخ، تماماً كما تم خلع قدسية على المحرقة، فلا يجوز البحث فيها؟!
    هل المحرقة هي وحى لا يناقش، أم أنها حقيقة تاريخية تخضع للقوانين العلمية؟
    وإذا كانت كذلك، فلماذا محرم على عالم التاريخ أن ينبش في تلك الحقائق التاريخية؟
    أليست حرية البحث هي أساس الحرية الفكرية وأساس التقدم العلمي؟
    أم أن أساس الحرية الفكرية هو شتم الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

    أعمى وكسيح حصلوا على دراجة، فالعقل يقول أن يمسك الكسيح المِقْوَد، وأن يقوم الأعمى بالتبديل. أليس كذلك؟
    ماذا لو أصر الأعمى على مسك المقود، والكسيح على إدارة البدالة؟!
    هذه هو سلوك الحضارة الغربية اليوم. الحرية لديها إغلاق باب البحث العلمي الحر وفتح باب الردح والشتائم!!

    عند المسلمين عكس هذا: البحث العملي واجب: والله لا يستحي من الحق، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون، الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي جنده لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا إمرأة أو طفلاً، بينما اليهود في فلسطين يجرفون الأراضي، ويقتلون الأطفال والنساء أمام الكاميرات، ويسمى دفاعاً عن النفس والشتائم في الإسلام ممنوعة: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدواً بغير علم".

    عندما أرى هذاالواقع أتذكر سؤال أبي الحسن الندوى الكبير: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟! لقد فقدت البشرية المرجعية، فقدت البوصلة، فقدت النور. وما يستوي الأعمي والبصير ولا الظلمات ولا النور .. هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور .. ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً .. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور".

    هل التاريخ يؤثر في الناس والإنسان مجرد ألعوبة لا حول له ولا قوة في التأثير عليه؟ أم أن الإنسان يفرض إرادته على التاريخ، وهو الذي يحدد مسار التاريخ القائم؟ كيف نتعقل الأمر ونفرز مفاهيمه هو أمر هام للوصل إلى قضايا وتراكيب ذات مصداقية. وهي عملية تصورية عامة غير محصورة على مجال التاريخ. هناك منعطفات في أي مسار للتاريخ، سواء كان المنعطف سلبياً أم إيجابياً.

    إذا نظرنا إلى العلاقة الأفراد والتاريخ، فنجد أن العلاقة تبادلية:
    1. تأثير الأفراد على التاريخ ويتحدد من خلال معامل تأثير الأفراد على التاريخ (ف) وهي يأخذ قيمة بين صفر وواحد.
    2. تأثير الحتمية (الكينونة) التاريخية على الأفراد، وتتحدد من خلال معامل تأثير التاريخ على الأفراد (ت)، وهي كمعامل بالطبع تأخذ قيمة بين صفر وواحد.
    3. مجموع (ف+ت)= 1.

    أمثلة لندرس الحالات التالية:

    1. الحالة الأولى حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تقترب من الصفر، وبالتالي ت تقترب من الواحد (حالة أهل الكهف):
    1-1. حملة شرسة على المؤمنين، تحت عنوان الإرهاب أو أي عنوان آخر،
    1-2. المؤمنون مستضعفون في الأرض،
    1-3. لا يوجد حزب لله لينتصر للمؤمنين المستضعفين في الأرض،
    1-4. الحل:
    1-4-1-1. المقاومة في صورة الصبر.
    1-4-1-2. حافظ على دينك،
    1-4-1-3. ولا تمشي في الباطل،
    1-4-1-4. مع البدء في الحركة الصاعدة؛ الالتجاء إلى الله (إذ أوى الفتية إلى الكهف، فقالوا بنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، لتأتي الحركة النازلة: (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض، لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا).
    1-4-1-5. الاعتزال: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من أمركم رحمته، ويهيء لكم من أمركم مرفقا).

    2. الحالة الثانية: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تزداد قيم ت لكنها تبقى أقل من (0.5)، وبالتالي تقل ت في القيمة لكنها تبقى أكبر من (0.5) (حالة لوط):
    2-1. الجماعة المؤمنة متماسكة، لكنها لا تستطيع التغلب على الفئة الباغية.
    2-2. تبقى الجماعة المؤمنة تدافع عن قيمها، داخل حدود الجماعة.
    2-3. لا تشارك الفئة الباغية في غيها أي في انحرافاتها، ولا تقبل هذه الإنحرافات، حتى ظاهرياً.
    2-4. تبقى هكذا حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا.

    3. الحالة الثالثة: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث تزداد قيم ف لتتعدى (0.5)، وبالتالي تقل ت في القيمة لتتخطى (0.5) نزولاً (حالة موسى):
    3-1. الجماعة المؤمنة متماسكة في مواجهة الفئة الباغية.
    3-2. الجماعة المؤمنة تواجه الفئة الباغية في عقر دارها.
    3-3. الفئة المؤمنة تقرر مصيرها، لكن تفاعلها مع شريكها في الإنسانية محدود.

    4. الحالة الرابعة: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تزداد قيم ف لتقترب من (1)، وبالتالي تقل ت في القيمة لتقترب من (0) (حالة الرسول عليه الصلاة والسلام):

    4-1. الجماعة المؤمنة متماسكة،
    4-2. الجماعة المؤمنة قادرة على مواجهة الفئة الباغية.
    4-3. الجماعة المؤمنة قادرة على تقرير مصير الذات، وتدافع عن تقرير المصير لشركائها في الإنسانية.
    4-4. الجماعة المؤمنة قادرة على تغيير التاريخ.

    ويجب علينا عند هذه النقطة ملاحظة الآتي:

    ‌أ. يجب أن لا ننسى أن هذه الحالات مأخوذة من سلسلة متصلة (Continuum) من المحسوس، قمنا بتأطيرها من خلال نشاط المعقول. يعني في العالم المحسوس لدينا (ف،ت) بقيم لا نهائية نذكر على سبيل المثال (1،0) إلى (0،1).
    ‌ب. ثم هذه السولمة Scaling حالة عامة لدراسة ما يمكن تسميته التفاعل التاريخي في ظل السلسلة المتصلة بين النقطتين الفراغيتين(1،0) و (0،1)، فالإسكندر المقدوني يقع بين الحالة الثالثة والرابعة، ماوتسي تونج يقع في الحالة الثالثة. حزب الله في وضعه الحالي قد تجاوز الفئة الثالثة بقليل باتجاه الفئة الرابعة. وتبقى دراسة مجال التفاعل التاريخي جزءاً من علم التاريخ.
    ‌ج. عندما يقول الله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله تعالى يشير إلى شرطية مواصفات للتحول من فئة (قائمة) إلى فئة أخرى (مستهدفة).

    وتتبلور في التاريخ علامات فارقة دعنا نسميها علامات طريق Road marks وأود أن أسميها بالألمانية Fahrtzeichen، قد تتحول بعضها إلى منعطفات تاريخية:
    1. مقتل الفاروق رضي الله عنه، هو منعطف في تاريخ هذه الأمة. وهذا حكم علمي وليس موقف ايديولوجي؛ فعمر رضي الله عنه هو رجل دولة من الطراز الأول، وعند موته لم يكن قد أكمل بناء مؤسسية الدولة الذي بدأه، فكانت الانتكاسات اللاحقة التي أصابت الأمة.
    2. استشهاد الحسين رضي الله عنه: فلا شك أن مأساءة كربلاء تهز ضمائرنا جميعاً كمسلمين، وعندما تكتشفها يوم ما، تهز ضميرك، "أيعقل أن الذي من أجل أن لا يقطع عليه متعته باللعب، يظل الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً إلى أن ينزل عليه، يأتي رجل من المسلمين ليقتله؟ ياإلهي!! إنها شحنة عاطفية هائلة، لكن بدلاً من حرقها بالشكل المهدور الذي نرى، نضع لها إطار (يمثل آلة الإحتراق الداخلي)، فتتحول هذه الطاقة إلى قوة دفع للأمة بدل أن تذهب هدراً، كما كان الحال مع الغاز الذي يخرج من آبار البترول. من جديد بددأنا نسيله، فيزيد من رصيدنا في الطاقة.

    بالطبع عندما يعمل العقل لتصميم هذه الآلة، فله مرجعية :
    1. الوحي
    ،
    2. ونموذج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام
    .

    لنقل إن المال والسلطة هي بيئة إغوائية للفرد عليه بمواجهتها، بمزيد من الحركة الصاعدة، في الترقب إلى الله، في العبادة مثل قيام الليل.ولا أرى ضرورة أن نحشر التاريخ من خلال مفاهيم محددة، فهذا تسطيح لحركة التاريخ. في هذا المجال أرى أن الدكتور على شريعتي يفتقر إلى شمولية النظرة. وهو بلا شك لديه الشعور الديني، لكن ليس على دراية كافية بمبادئ الإسلام.

    وبالله التوفيق،،،


  19. #19
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة (08): مفاهيم مشروع الدكتور علي شريعتي


    القضية الأولى لدى الدكتور على شريعتي عن مرض "الذات الممسوخة" وهي بسبب "التقاليد الالتقاطية". وهو بهذا يرجعنا إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: " :"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه".

    عودة الوعي إلى الأمة من خلال تشخيص المرض والتعرف عليه ومعرفة طبيعته، والتعرف على التقاليد الالتقاطية التي أدت إليه، وتنظيف جسم الأمة منه. استرداد الوعي يحول Transform الأمة إلى فطرتها التي خلقاها الله عليها، وبالتالي طبيعتها الرافضة للظلم والغبن والمهانة. وعندها لا يمكن تمرير سياسة فرق تسد على هذه الأمة الواعية. ونتيجة التحول تتكون الذات الثورية (فهي ذات أيديولوجية كفاحية)، بمرتكزات ثلاث: النباهة .. والعمل .. والعبادة. وتتوقف لدي شريعتي مسؤولية المسلم في عملية التبليغ، لأن الإيمان نفسه هو خيار متروك للفرد اتخاذ القرار فيه، (لا إكراه في الدين). وهو في هذا يعبر عن موقف الإسلام.

    القضية الثانية: مفهوم جغرافيا الكلمة:

    عندما نتناول المجموعة ك بالدراسة، حيث تشير ك إلى مجموعة الكسور الحقيقية، بمعنى أن ك=(0 ، 1)، فلا نتوقع أن نرى العدد 2 داخلاً دون أن نشعر. لذا فمتغيرات الدراسة بالكامل تحت منظارنا. فإذا تم استخراج مواصفة للمجموعة ك استقراءًاً، فهي في كل الظروف واحدة. بمعني إذا قلت: لأي عنصر في المجموعة ك، فإن مربع العنصر أصغر من العنصر نفسه. فما على الباحث إلا أن يطبق ليتحقق مذ صدق الاستقراء. أما في الظاهرة الاجتماعية أو النفسية، فإن أي مواصفة أستخرجها لا بد من ربطها بظرفية ما، وأحياناً هذه المواصفة قد تمت بسبب ظرفية لم تكن من أي من العوامل الظرفية تحت الدراسة. لذا ففي الظاهرة الاجتماعية يصعب التحكم في المتغيرات. وللتعرف على العوامل أو المتغيرات المتواجدة في موقف ما أو مشهد ما، نقوم بعمل تقنيات لفرز هذه المتغيرات، مثل التحليل العاملي Factor Analysis أو السولمة عديد الأبعاد Multidimensional Scaling لفرز أكبر عدد من العوامل لوضعها في بؤرة التمحيص. وهناك مفاهيم في علم الاجتماع وعلم النفس مثل الموثوقية Reliability والمصداقية Validity، لا معنى لها في الرياضيات والفيزياء. عندما نتكلم عن مفهوم ضبط العوامل أو ما يطلق عليها متغيرات الخلفية Contextual Variables، فهو في الرياضيات مفهوم لا معنى له، وفي الفيزياء تتكلم عن تثبيت ظروف التجربة، لكن الأمر يختلف في علم الاجتماع فالباحث يتكلم عن استراتيجية موجهة لمحاولة السيطرة على العوامل أو المتغيرات الكائنة.

    هذه المفاهيم العلمية عندما أنقلها إلى الشارع، فلا بد من المحافظة على دلالتها العلمية بقدر الإمكان، وتجنب لَيّ عنق المفهوم. شحن أي مفهوم علمي بمضمون عقائدي أو أيديولوجي، قد يلوي عنق الدلالة العلمية، بل ويذهب إلى تسطيح هذا المفهوم. فجزء من علم الاجتماع أو علم النفس يتضمن تأثير اختلاف قيم معايير الخلفية Contextual Parameters بمتغيراتها على قضية ما. وهذا هو الأساس في تطوير ما يسمى بالخطط المشروطة Contingency Plans.

    خذ مثلاً: التوعية الصحية الجنسية كموضوع، وهو كموضوع هام في التربية الصحية كما في التربية الإسلامية. لا بد من التبكير في البدء بتدريس هذا الموضوع قبل سن الثالثة عشر. قبلها أي في سن تسع أو عشر أو ثلاثة عشرة، ففائدته أكبر من ضرره، لكن بعد سن الثالثة عشر تبدأ سن المراهقة، من الخطورة بمكان البدء في مثل هذا البرنامج. بل وأذهب خطوة أبعد من ذلك، توقيت البلوغ والمراهقة يختلف حسب البيئة الجغرافية، فالبنات في الهند يبلغن أحياناً على ثماني سنوات، بينما في أيسلندا على أربعة عشر عاماً. عند وضع برامج دراسية تتناول هذه المواضيع لا بد من مراعاة هذه الفروق. الالتزام بالنهج العلمي والمهني التخصصي هو الإجابة العلمية على طرح مفهوم جغرافيا الكلمة عند الدكتور على شريعتي، يَجُبّث الحاجة إلى بلورة مفهوم جغرافيا الكلمة كمفهوم ايديولوجي مستقل.

    إن إساءة استخدام قوى في الغرب للمفاهيم الأخلاقية الإنسانية، سهل اكتشافها من الإنسان الواعي، وإن كان التصريح بها بحاجة إلى قوة وجرأة، أي لا يكونوا في وضع ما يسمى "بالهلع". إن القوانين الاستثنائيةالتي أدخلتها إدارة بوش وممارساتها في جوانتينامو قد جبت القوة الأخلاقية والمصداقية التي كانت تتمتع بها الإدارة الأمريكية عند تناولها موضوع حقوق الإنسان. أمريكا تضخ مفاهيم خدمة لسياسات معينة، ودون تسويغ علمي. وهي بحاجة فقط ‘لى مهنيين محترفين كي يروا بطلانها.

    ثم نقطة أخرى لم يميز الدكتور على شريعتي بين منظومة المعرفة العلمية ومنظومة المعرفة التقنية (التكنولوجية). فعلم الإجتماع هو علم ، بينما علم السياسة هو تقنية. من الصعب من البيانات المعطاة الجزم بالأمر لكني في الحقيقة أخشى أن يكون مفهوم جغرافية الكلمة بمثابة إعادة ولادة لمفهوم نسبية المعرفة لدى السفسطائيين في مرحلة ما قبل سقراط.

    القضية الثالثة التي طرحها الدكتور على شريعتي وهي في مسألة أصالة الإنسان في الإسلام. صحيح أن الإنسان هو محور الأديان، فالمخلوقات الأخرى موجهة غريزياً Instinct driven Behavior بالألمانية (Instiktgesteuert Verhalten) في سلوكها، فهي ليست بحاجة إلى مرجعية لسلوكها Frame of Reference، لكن الدين ليس أحادي الاتجاه، إنما هو ثنائي الاتجاه Bidirectional في حركته:
    1. الإتجاه الصاعد Ascending، وهو من الأرض إلى السماء،
    2. والإتجاه النازل Descending، وهو من السماء إلى الأرض.

    الاتجاه الصاعد يحمل معه التوكل والرجاء والدعاء إلى الله. إنها حركة من الفرد إلى ربه، وهي حركة تحمل الأمل والرجاء للمسلم، وهي تشد من عزم المسلم ويذكره الله تعالى بها عندما يقول (إن تكونوا تألمون، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون)، فكان تضرع الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يناجي ربه: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض .. اللهم هذه قريش قد جاءت بعودها ومطافيلها ...." ويلح " اللهم نصرك الذي وعدتني، ويسقط ردائه صلى الله عليه وسلم عن منكبيه ، فيقول له أبو بكر : " يا رسول الله ، إن الله منجز ما وعدك ".
    وتأتي الحركة في الاتجاه النازل من السماء إلى الإنسان: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

    لذا فقول الدكتور علي شريعتي بأن الدين ليس من الأرض إلى السماء، ليس دقيقاً، وتعوزه المصداقية. وهو –والله أعلم_ تبني موقف ما يسمى بالربوبية الخارجية Deistic Believe (Deistische Glaube) مثل الاعتقاد الأوروبي الذي مثله جان جاك روسو، وهو الذي يقول إن الله خلق الكون ولا يتدخل فيه.

    ولنطرح مفهوم التاريخ، فالتعامل مع مفهوم التاريخ ينبغي أن يؤسس على التعريف العلمي لمفهوم "التاريخ"، بعدها نمحص موقفنا وموقع القضايا التي نطرحها من مفهوم التاريخ الذي تم تحديده علمياً، وكذلك نمذجة التأريخ.

    التاريخ في أبسط تعريف له هو توثيق الأحداث Events (Ereignisse) على مسار ما عبر البعد الزماني، والمسار يعني التتبع الزمني لكينونة ما، سواء كانت فيزيائية أو إعتبارية. الأحداث التاريخية هي بمثابة المدركات الحسية التي من المفروض أن يتم استقراء المقولات العقلية عليها، وبالتالي التأسيس لعلم التاريخ. ماذا لو تم تغيير هذه البيانات وفقاً للهوى، وليس وفقاً لما حدث في حقيقة الأمر؟

    في معهد ماكس بلانك للأبحاث البيولوجية في توبنجن بألمانيا، قام في السبعينات عالم بريطاني بتزييف البيانات التي جمعها لتطابق نتائج هو يتوقعها، فماذا كانت النتيجة؟ فضيحة في الأوساط العلمية، وتم إنهاء مهمته.

    لماذا لم تنشأ فضائح عن كل هذا التزييف في تاريخنا المعاصر؟ وهو يعني تزييف البيانات الحقلية لتاريخ الأمة. بل وممنوع البحث فيه.
    أليس من حق المؤرخ لدينا أن يبحث في هذاالتاريخ؟
    وقد كان آخرها خلع قدسية على هذا التاريخ، تماماً كما تم خلع قدسية على المحرقة، فلا يجوز البحث فيها؟!
    هل المحرقة هي وحى لا يناقش، أم أنها حقيقة تاريخية تخضع للقوانين العلمية؟
    وإذا كانت كذلك، فلماذا محرم على عالم التاريخ أن ينبش في تلك الحقائق التاريخية؟
    أليست حرية البحث هي أساس الحرية الفكرية وأساس التقدم العلمي؟
    أم أن أساس الحرية الفكرية هو شتم الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

    أعمى وكسيح حصلوا على دراجة، فالعقل يقول أن يمسك الكسيح المِقْوَد، وأن يقوم الأعمى بالتبديل. أليس كذلك؟
    ماذا لو أصر الأعمى على مسك المقود، والكسيح على إدارة البدالة؟!
    هذه هو سلوك الحضارة الغربية اليوم. الحرية لديها إغلاق باب البحث العلمي الحر وفتح باب الردح والشتائم!!

    عند المسلمين عكس هذا: البحث العملي واجب: والله لا يستحي من الحق، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون، الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي جنده لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا إمرأة أو طفلاً، بينما اليهود في فلسطين يجرفون الأراضي، ويقتلون الأطفال والنساء أمام الكاميرات، ويسمى دفاعاً عن النفس والشتائم في الإسلام ممنوعة: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدواً بغير علم".

    عندما أرى هذاالواقع أتذكر سؤال أبي الحسن الندوى الكبير: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟! لقد فقدت البشرية المرجعية، فقدت البوصلة، فقدت النور. وما يستوي الأعمي والبصير ولا الظلمات ولا النور .. هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور .. ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً .. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور".

    هل التاريخ يؤثر في الناس والإنسان مجرد ألعوبة لا حول له ولا قوة في التأثير عليه؟ أم أن الإنسان يفرض إرادته على التاريخ، وهو الذي يحدد مسار التاريخ القائم؟ كيف نتعقل الأمر ونفرز مفاهيمه هو أمر هام للوصل إلى قضايا وتراكيب ذات مصداقية. وهي عملية تصورية عامة غير محصورة على مجال التاريخ. هناك منعطفات في أي مسار للتاريخ، سواء كان المنعطف سلبياً أم إيجابياً.

    إذا نظرنا إلى العلاقة الأفراد والتاريخ، فنجد أن العلاقة تبادلية:
    1. تأثير الأفراد على التاريخ ويتحدد من خلال معامل تأثير الأفراد على التاريخ (ف) وهي يأخذ قيمة بين صفر وواحد.
    2. تأثير الحتمية (الكينونة) التاريخية على الأفراد، وتتحدد من خلال معامل تأثير التاريخ على الأفراد (ت)، وهي كمعامل بالطبع تأخذ قيمة بين صفر وواحد.
    3. مجموع (ف+ت)= 1.

    أمثلة لندرس الحالات التالية:

    1. الحالة الأولى حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تقترب من الصفر، وبالتالي ت تقترب من الواحد (حالة أهل الكهف):
    1-1. حملة شرسة على المؤمنين، تحت عنوان الإرهاب أو أي عنوان آخر،
    1-2. المؤمنون مستضعفون في الأرض،
    1-3. لا يوجد حزب لله لينتصر للمؤمنين المستضعفين في الأرض،
    1-4. الحل:
    1-4-1-1. المقاومة في صورة الصبر.
    1-4-1-2. حافظ على دينك،
    1-4-1-3. ولا تمشي في الباطل،
    1-4-1-4. مع البدء في الحركة الصاعدة؛ الالتجاء إلى الله (إذ أوى الفتية إلى الكهف، فقالوا بنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، لتأتي الحركة النازلة: (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض، لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا).
    1-4-1-5. الاعتزال: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من أمركم رحمته، ويهيء لكم من أمركم مرفقا).

    2. الحالة الثانية: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تزداد قيم ت لكنها تبقى أقل من (0.5)، وبالتالي تقل ت في القيمة لكنها تبقى أكبر من (0.5) (حالة لوط):
    2-1. الجماعة المؤمنة متماسكة، لكنها لا تستطيع التغلب على الفئة الباغية.
    2-2. تبقى الجماعة المؤمنة تدافع عن قيمها، داخل حدود الجماعة.
    2-3. لا تشارك الفئة الباغية في غيها أي في انحرافاتها، ولا تقبل هذه الإنحرافات، حتى ظاهرياً.
    2-4. تبقى هكذا حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا.

    3. الحالة الثالثة: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث تزداد قيم ف لتتعدى (0.5)، وبالتالي تقل ت في القيمة لتتخطى (0.5) نزولاً (حالة موسى):
    3-1. الجماعة المؤمنة متماسكة في مواجهة الفئة الباغية.
    3-2. الجماعة المؤمنة تواجه الفئة الباغية في عقر دارها.
    3-3. الفئة المؤمنة تقرر مصيرها، لكن تفاعلها مع شريكها في الإنسانية محدود.

    4. الحالة الرابعة: حيث الحقبة التاريخية بالمواصفات التالية:
    حيث ف تزداد قيم ف لتقترب من (1)، وبالتالي تقل ت في القيمة لتقترب من (0) (حالة الرسول عليه الصلاة والسلام):

    4-1. الجماعة المؤمنة متماسكة،
    4-2. الجماعة المؤمنة قادرة على مواجهة الفئة الباغية.
    4-3. الجماعة المؤمنة قادرة على تقرير مصير الذات، وتدافع عن تقرير المصير لشركائها في الإنسانية.
    4-4. الجماعة المؤمنة قادرة على تغيير التاريخ.

    ويجب علينا عند هذه النقطة ملاحظة الآتي:

    ‌أ. يجب أن لا ننسى أن هذه الحالات مأخوذة من سلسلة متصلة (Continuum) من المحسوس، قمنا بتأطيرها من خلال نشاط المعقول. يعني في العالم المحسوس لدينا (ف،ت) بقيم لا نهائية نذكر على سبيل المثال (1،0) إلى (0،1).
    ‌ب. ثم هذه السولمة Scaling حالة عامة لدراسة ما يمكن تسميته التفاعل التاريخي في ظل السلسلة المتصلة بين النقطتين الفراغيتين(1،0) و (0،1)، فالإسكندر المقدوني يقع بين الحالة الثالثة والرابعة، ماوتسي تونج يقع في الحالة الثالثة. حزب الله في وضعه الحالي قد تجاوز الفئة الثالثة بقليل باتجاه الفئة الرابعة. وتبقى دراسة مجال التفاعل التاريخي جزءاً من علم التاريخ.
    ‌ج. عندما يقول الله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله تعالى يشير إلى شرطية مواصفات للتحول من فئة (قائمة) إلى فئة أخرى (مستهدفة).

    وتتبلور في التاريخ علامات فارقة دعنا نسميها علامات طريق Road marks وأود أن أسميها بالألمانية Fahrtzeichen، قد تتحول بعضها إلى منعطفات تاريخية:
    1. مقتل الفاروق رضي الله عنه، هو منعطف في تاريخ هذه الأمة. وهذا حكم علمي وليس موقف ايديولوجي؛ فعمر رضي الله عنه هو رجل دولة من الطراز الأول، وعند موته لم يكن قد أكمل بناء مؤسسية الدولة الذي بدأه، فكانت الانتكاسات اللاحقة التي أصابت الأمة.
    2. استشهاد الحسين رضي الله عنه: فلا شك أن مأساءة كربلاء تهز ضمائرنا جميعاً كمسلمين، وعندما تكتشفها يوم ما، تهز ضميرك، "أيعقل أن الذي من أجل أن لا يقطع عليه متعته باللعب، يظل الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً إلى أن ينزل عليه، يأتي رجل من المسلمين ليقتله؟ ياإلهي!! إنها شحنة عاطفية هائلة، لكن بدلاً من حرقها بالشكل المهدور الذي نرى، نضع لها إطار (يمثل آلة الإحتراق الداخلي)، فتتحول هذه الطاقة إلى قوة دفع للأمة بدل أن تذهب هدراً، كما كان الحال مع الغاز الذي يخرج من آبار البترول. من جديد بددأنا نسيله، فيزيد من رصيدنا في الطاقة.

    بالطبع عندما يعمل العقل لتصميم هذه الآلة، فله مرجعية :
    1. الوحي
    ،
    2. ونموذج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام
    .

    لنقل إن المال والسلطة هي بيئة إغوائية للفرد عليه بمواجهتها، بمزيد من الحركة الصاعدة، في الترقب إلى الله، في العبادة مثل قيام الليل.ولا أرى ضرورة أن نحشر التاريخ من خلال مفاهيم محددة، فهذا تسطيح لحركة التاريخ. في هذا المجال أرى أن الدكتور على شريعتي يفتقر إلى شمولية النظرة. وهو بلا شك لديه الشعور الديني، لكن ليس على دراية كافية بمبادئ الإسلام.

    وبالله التوفيق،،،


  20. #20
    أستاذ بارز الصورة الرمزية Dr. Schaker S. Schubaer
    تاريخ التسجيل
    20/02/2007
    المشاركات
    2,209
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: ثقافة المقاومة بين العودة إلى الذات ونموذج الوعد الصادق

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

    لوحة (09): اللوحات القادمة


    سأنتظر تغذية راجعة على هذه اللوحات،
    بعدها سأناقش في لوحات قادمة:

    1. نموذج الوعد الصادق، وهو مناقشة للنموذج الذي طوره أخي الكريم الأستاذ محمد حسين بزى.
    2.بين الفصيل الحاكم والفصيل المعارض داخل الدولة الواحدة (الأمة الواحدة)
    3. موقع المقاومةعلى المسار التاريخي للأمة.

    وبالله التوفيق،،،


+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •