ينبغي عليك أنْ تفعل كذا

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن محمد بودرع مشاهدة المشاركة
اسمحوا أيها الإخوة الباحثونَ المحترَمونَ أن أبديَ ملاحظةً حول ظاهرة لغويّة شاع استعمالُها نطقا وكتابةً، وقد لاحظتُها في هذا الحوارِ الذي يدور حول نون الأفعال الخمسة، وإن لم تكن لها علاقة بنون الأفعال الخمسة، وهي قولُ أحدِهِم:

« ... من الأمور التي ينبغي على كل كاتب أن يكون عارفا بها »
فالذي يبدو لي أنّ الفعل "ينبغي" إنّما يتعدّى بحرف الجرّ اللاّم وليس بـ"على"، فنقول ينبغي لكَ أم تفعلَ، ولا يجوز "ينبغي عليك" ، لأنّ الشّواهدَ وردَت بذلك، نحو قولِه تعالى:

- {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }مريم92
- {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء }الفرقان 18
- {وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ }الشعراء211
- {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40
- {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }يس69
- {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }ص35

و لا يُعقَلُ أن نَقولَ إنّ "على" تتضمّن معنى اللاّم؛ لسبب بسيط وهو أنّه لا داعيَ للعدولِ عن الأصلِ وهو اللام إلى فرع مزعوم وهو التّعديةُ بـ "على"

نعم نستطيع أن نقول: عليكَ أن تفعَلَ
أو نقول : « هذه القضية من الأمور التي على كل كاتب أن يكون عارفا بها »
لأن "على" ههنا متعلّقة بفعل محذوف تقديره "يجب" أو "يتعيّن"

والحقيقة أنّ لكلّ فعل من أفعالِ العربية ، إذا تعدّى بالواسطة، حروفاُ مخصوصةً يتعدّى بها و لا يحيدُ عنها بمجرّد القولِ بالتّضمين؛ لأنّ التّضمين له مواضع مخصوصة لا يخرُج عنها

و لا نقولُ أيضا: هذا من الأمور التي ينبغي التساهُلُ فيها توسعةً على الكاتب، والحقيقة أنّ هذه الدعوى تفتح الباب على مصراعيه للخلط في الأساليب وإخراج الكَلِم عن مواضعها

والله أعلَم
قــراءة في كتاب:
"الأخطاء الشائعة في استخدامات حروف الجرّ"
للدكتور محمود إسماعيل عمّار "بحث نصّيّ"

د. ياسين أبو الهيجاء
جامعة الإسراء

• ينبغي عليك أنْ تفعل كذا:

يقول المؤلّف في ما غُيِّر فيه حرف الجرّ، من الاستعمالات الخاطئة قولهم:"ينبغي عليك الحضور، وينبغي عليك أن تستعدّ للاختبار..، وهذا الفعل تُستعمل معه (اللام)، ولا تستعمل معه على، قال تعالى:"لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر"(يس40) و "وما علّمناه الشعر وما ينبغي له"(يس69) و"وهبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي"(ص35).

وعلى ذلك تقول:"ينبغي لك الحضور" و"ينبغي له أن يستعدّ، ويجوز أن يستخدم بدون اللام، فيقال، ينبغي أنْ يحضر" "وينبغي أنْ يتابع أولياء أمور التلاميذ أبناءهم"، وفي النفي تقول:"ينبغي ألاّ تتأخّر عن الطائرة (1)، وقد خَطّأ زهدي الجارالله التركيب المذكور من قبل (2).

إنّ أول ما يمكن أن يسجّل في الكلام على هذا التعبير قلة استخدامه نسبياً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاجتزاء فيه بالمضارع من الماضي"انبغى"، الذي يستخدم نادراً (3) وبعد تتبّع الفعل "ينبغي" في عشرات المجلدات، عند القدماء والمتأخرين وَجَدتُهُ يُستخدم على خمسة أوجه، أولها وأكثرها وأشيعها أن يلي "ينبغي" المصدرُ المؤوّل؛ "أنْ" والفعل المضارع (4)، وقد يُفصل بينها وبين المصدر المؤول بشبه جملة، مكوّنة من جار هو(اللام) ومجرور، نحو: "ينبغي له أن يفعل كذا (5)، وهو كثير أيضاً، وأقل منه أنْ يكون الجارّ هو(على)، على سبيل الجملة المعترضة، نحو (6) " ينبغي "على هذا"، أو"على ما ذكره"، " أو"على قياسه" أن يكون كذا"، وأندر شيء أن يَلي "ينبغي" حرف الجرّ "الباء" داخلةً على ضمير المخاطب، ولم أقع عليه إلاّ مرة واحدة في تاريخ دمشق، في حديث ابن المقرئ، وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، إذ جاء فيه (7):"يا مقداد هذه بَرَكَة كان ينبغي بك أن تُعلمني حتى تُوقظَ صاحبينا"، وثانيها ذِكْر "ينبغي" دون أن يليها شيء، نحو (8) " الحمد لله الذي خلق كلّ شيء كما ينبغي"، وهو قليل، وثالثها أن يليها الفاعل صريحاً، وقد يليه اسمٌ مقترنٌ باللام نحو (9) " سُبْحَانَ الَّذِي لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاّ لَهُ"، و (10):لا ينبغي هذا للمتقين"، وقد يفصل بينها وبينه شبهُ جملة، نحو،"ولا ينبغي عندي التنازعُ (11)، وهو قليل أيضاً، ورابعها الذي خطّأه المؤلّف، وقد وقعت عليه في نصوص نادرة عند المتأخرين، كالقرطبي(671هـ) (12) "هكذا ينبغي على أئمة الحاجّ فمن دونهم"، والمالقي(ت741هـ) في "مقتل الشهيد عثمان" (13) "فكان ينبغي عليهم أن يقاتلوا عنه وينصروه" والزرعي (ت751هـ)" في "مدارج السالكين" (14) "هذا لو قام بما ينبغي عليه أن يقوم به لسيده من حقوقه".

إنّ معالجة هذا التركيب بعيداً من المعنى، هو جهادٌ في غير ميدان، فـ "ينبغي " في كلّ أنماط تركيبها - المذكور آنفاً - عند القدماء والمتأخرين، باستثناء النمط الرابع الذي خطّأه المؤلّف، يختلف عن معنى "ينبغي عليه"؛ من قِبَلِ أنّ الأوّل محمله إمّا على معنى يَصلُح له، أو "يَحسُن به،" أو"يستحبّ له" (15)، ولا يخرج في الأنماط المذكورة عن أحد هذه المعاني، أمّا تركيب "ينبغي عليه" فيحمل معنى الوجوب والقَسْر، والقدماء لم يعرفوا هذا المعنى لـ"ينبغي"، إلاّ ما وجدناه عند بعض المتأخرين في النصوص المذكورة. وعلى هذا فإن من يستخدم تركيب "ينبغي عليه"، يُضمّن "ينبغي" معنى جديداً هو "يجب"، فهل يجوز هذا التضمين أم لا؟ تلك هي القضية.

لقد أجازَ مجمعُ اللغة في قرار لا يَعدم الجُرأة التضمين (16)، وأصدر في ذلك قراراً، ولم يتنكّب جادّة الصواب، وهذا التعبير تتوافر فيه الشروط الثلاثة التي أقرّها المجمع لجواز التضمين، وهي المناسبة بين الفعلين، ووجود القرينة، وملاءمته للذوق العربي. أمّا سبب تضمين بعض المتأخرين، وجلّ المحدثين "ينبغي" هذا المعنى القسْري بشكل واسع، فلا يَبعد أن يكون قد وصل إليهم من الاستخدامات الكثيرة لـ"ينبغي" مقرونةً بحرف الجرّ "على" على سبيل الجملة المعترضة، المشار إليه، في النمط الأوّل، ثم نُظِر إلى هذا الحرف على أنه لصيقة لهذا الفعل، فساوى عندهم "يجب على"، وقد يكون وراء ذلك الفهم الخطأ لمعنى"ينبغي"؛ ذلك أنّ جلّ السياقات التي ترد فيها، يمكن حملها فيها على معنى الوجوب، خلاصة الأمر وُلد هذا التعبير الجديد؛ عند المتأخرين على استحياء، وعند المحدثين بشكل واسع، والأصوب أن يُقبل، وقد أصبح مستخدماً، ولا يضير ذلك التعبير الفصيح القديم، الذي لم يعد متداولاً، إلاّ في نطاق محدود.

المراجع:

1- الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجرّ:57.
2- الكتابة الصحيحة:49.
3- وممن استخدمه ابن جنّي في "الخصائص":2/185" ومن زعم أن الكاف في ذلك اسم انبغى له أن يقول ذلك نفسك" وابن تيمية في"درْء تعارض العقل والنقل":6/66" وإنما انبغى للعبد أن يفعلها لأنها نسبة شريفة".
4- ينظرعلى سبيل المثال:صحيح البخاري:رقم:3243(المناقب)، سنن الترمذي:899(الجنائز)، 1039(النكاح)، 1571(فضائل الجهاد)، سنن أبي داود:1735(المناسك)، 2300(الجهاد)، 4584(الأدب، مسند أحمد: 2903( (مسند بني هاشم،(موسوعة الحديث الشريف).
5- ينظر على سبيل المثال:صحيح البخاري: رقم:2954(بَدء الخلق)، 5672(الأدب)، 6493(التعبير)، صحيح مسلم:263، 264،(الإيمان)، 3257، اللقطة، 4371(الفضائل)، 4357(فضائل الصحابة)،(موسوعة الحديث الشريف).
6- ينظر: لسان العرب(سلق)، دلائل الإعجاز:218، المثل السائر:191، 353، فصل المقال في شرح كتاب الأمثال:1/186، تفسير القرطبي:3/154، 7/174، 13/185 ،عيون الأنباء:52.
7- تاريخ دمشق:4/378.
8- موطّأ مالك:(الجامع)، (الحج)، (البيوع)، (موسوعة الحديث الشريف).
9- سنن الترمذي:3341(الدعوات)، وينظر: مسند أحمد:11183، 11184(باقي مسند المكثرين من الصحابة)، موطّأ مالك(البيوع)، (موسوعة الحديث الشريف).
10- البخاري:5355(اللباس)، ومسلم:3868(اللباس والزينة)، سنن النسائي:762(القبلة)، مسند أحمد: 16704(مسند الشاميين)، (موسوعة الحديث الشريف).
11- ينظر على سبيل المثال: صحيح البخاري:111(العلم)، 2825(الجهاد والسير)، 2932،(الجزية والموادعة)، 4078(المغازي)، وصحيح مسلم:3089(الوصية)، ومسند أجمد:1834(مسند بني هاشم)، (موسوعة الحديث الشريف).
12- تفسير القرطبي:2/418( 2/93، دار الكتب العلمية، بيروت).
13- التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان:196.
14- مدارج السالكين:3/441.
15- ينظر (بغى): الجمهرة، وتهذيب اللغة، واللسان.
16- مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً:60، الدورة(1) الجلسة(17).

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي