آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: استفهامية أول صورة: سيرورة الأفكار

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    23/03/2007
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي استفهامية أول صورة: سيرورة الأفكار

    استفهامية أول صورة: سيرورة الأفكار
    عبدالكريم يحيى الزيباري
    (لاحظ برنارد لويس ذات يوم أنَّه حين يتحقق الناس من أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ فإنَّهم يسألون أحد سؤالين: الأول: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ والثاني: من فَعَلَ هذا بنا؟ السؤال الثاني يقود إلى نظريات المؤامرة والبارانويا(مشاعر العظمة) قرينة الاضطهاد ويفضي السؤال الأول إلى مسار آخر مغاير في التفكير) . أين الخطأ = كيف نصحح الوضع؟
    اختارت كوريا الجنوبية وألمانيا واليابان والصين الاستفهامية بحسب العقل، وتساءلوا: كيف لنا أن نصحح الوضع؟ واستفهامية: كيف نصحِّحُ الوضع؟ من الخطورة بمكان، بحيث قد تؤدي إلى انهيار تام كما حدث في البيروسترويكا، والخوف من هذا الانهيار دفعَ البلدان العربية وأمريكا اللاتينية والعالم الثالث لاختيار السؤال الثاني بحسب مشاعر البارانويا، مما منحها تماسكاً فكرياً للتأكيد الذاتي كأول صورة للتخلف، فقوة نمو الشمال ترتبط مباشرةً بفقر وتخلُّف الجنوب، ولفكَّ الارتباط علينا الاقتراب من المبتدأ لتحاشيه في انطلاقة جديدة بالنزول صعوداً، نحو مسيرة الإنسانية، من البورتريه إلى اللاند سكايب ، تاريخ البشرية، من ذكريات الإنسان، إلى الذاكرة الجمعية، الحياة كلها، مجموعة صور، ولهذه المجموعة صورة كلية واحدة، انعكاس لمسيرة حافلة بالصور، كصورة تحقيق النمور الأربعة(هونغ كونغ، تايوان، سنغافورة، كوريا الجنوبية) أعلى نسبة نمو 9،3%، وصورة(صنع في الصين)التي تغزو العالم، وأساسهم السؤال الأول، (ففي حين كان دخل 20% من سكان كوريا الجنوبية المنتمين للطبقات العليا يعادل 15 مرة دخل الطبقات الدنيا عام 1952، وفي عام 1980 هبطت النسبة إلى 4 مرات). هذه الصورة مُحَفِّزَة ومستنفرة لاستفهامية: كيف فعلوا هذا؟ ولماذا نجحوا وفشلنا؟
    وكل صورة هي وسيلة لربط متلقيها ببيئته وبالمحيط الذي يعيش فيه. فهل من الممكن أنْ يتحرر الإنسان من التشيؤ بحسب الصور التي يسوِّدُها ذهنه؟ وهذا التسييد نابع من خصوصية ثقافة الخير والشر، فما يعدُّ شرّاً محضاً عند شعبٍ ما، لا يعتبر كذلك عند شعبٍ آخر، وإذا كانت السيرورة هي الفكرة التي لا أول لها ولا آخر، فما هي الفكرة؟ إذا كانت السيرورة تقوم أساساً على نفي الغائية(السببية/ النسقية/ التاريخانية)، والغائية أهم أحد أقسام الميتافيزيقا، وترى أنَّ العالم مرتبط بعضه ببعض ارتباط علة بغاية، وبحسب أرسطو الغائية أساس الطبيعة، ويرى كانط أن الغائية أمر داخلي يرجع إلى طبيعة الشيء، والغائية تكشف قوانين الظاهرة التي تسير بها مسبقاً لتحقيق غايةٍ ثاوية فيها، فما هي الغاية الكامنة في أعماق الإنسان؟ ربما علينا الرجوع إلى أول وجود، وهو كخيال مُحْدَثٍ منصوب عندما سأل تعالى(ألست بربكم قالوا بلى) أول صورة للإنسان في أول وجود علاقة بصورة ثانية تثبِّتُّ الفِطْرَة بسؤال، فلم يبق للإنسان إلا أن يكون صورة مُبْتَدأة متعلقة بصورة شهود الربوبية التي تقبض عليه بصورة إذلال وصَغَار منحته الصفاء النقي والاعتراف "بلى"، كالصدى في غاية الصفاء، وفي الوجود الثاني لمَّا برزت صور العالم الآني المتغير، ضُيِّعَتْ الصورة الأولى وغُيِّبَتْ خلفَ ستارة سميكة من العِزَّة المُخادعة تسندها ملايين الصور المتحركة ناطقة تنبعث من الظلمة فإذا انقضى زمانها عادت إلى الظلمة من جديد.
    إنَّ نظرية الفينومينولوجيا(الظاهراتية) غير كافية ولا صالحة لاستفهام أول صورة، ليس لأنَّهما تستبعدان سيرورة الصورة فحسب، بل لأنهما تقومان على شكوكية فلسفية لا يمكن البرهنة على صحتها وبالتالي لا يمكن دحضها، ولأنَّها تدرس الظواهر كنقطة بداية، أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية كمبتدأ، وتستبعد أول صورة من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة كأساس معرفتنا بها، أمَّا نظرية المعلم الهندي يوجنندا (إدراك الذات) self Realization أو (الوعي باللاوعي) فهي أقرب للصورة الأولى وهي تتألف من كلمتين: إدراك + ذات.
    الذات = لا وعي. الإدراك = الوعي. فهو يقصد إذن الوعي باللاوعي.
    ويقصد بأنَّ جميع الصور التي يراها الإنسان منذ ولادته إلي لحظة وفاته، هي موجودة أصلاً في لا وعيه، قد تظهر في عالم الأحلام أو اليقظة، ومنشأ اللاوعي عند فرويد من مكبوتات الإنسان التي تحمله على إشباع رغباته بطريقة وهمية تتبدي أحلاماً وأخطاء وزلقات لسان، أي أنَّ اللاوعي نشأ من الوعي، بينما يؤكد يونغ علي أنَّ الوعي قد نشأ من اللاوعي، وما لا نبصر أكثر ملايين المرات مما نبصر، ولهذا أقسم تعالى بما نبصر ومالا نبصر، والمسألة قد تخرج من إطار الطبيعة والمنطق لتدخل إلي الميتافيزيقيا، من خلال: كلُّ شيء موجود يجب أن تكون له صورة، لكنَّ العقل، البرد، الموت، الحياة، الكهرباء (ليس لها صور فهي غير موجودة) وهي نتيجة خاطئة، لأنَّ الوجود نوعان: حقيقي مادي في الطبيعة، وخيالي كاذب في الذهن، والفيلسوف أبو نصر الفارابي في ترتيبه للمبادئ التي بها قوام الأجسام والأعراض، وضعَ الصورة في المرتبة الخامسة بعد السبب الأول والأسباب الثواني والعقل الفعال والنفس، والعقل والنفس مصطلحين مطلقين لم يتفق إلي اليوم علي تحديد يحصرهما في تعريف معين، وللعقل صورة من حيث حجمه كبير وصغير، فعال وغير فعال، العقل الجمعي للمجتمع والعقل الفردي للإنسان، وصورته من حيث اقترابه من درجة الجنون، وكذلك للنفس صور عديدة، النفس المبصرة، العمياء، الخبيثة، اللوامة، المطمئنة، المضطربة، المخادعة، الذاكرة والغافلة الناسية، الظالمة والمظلومة، الضالة...الخ، وليس للمثقف صورة محددة أيضاً، رغم أنَّ إدوارد سعيد حاول في برامج البي بي سي إعطاء بعض صور المثقف، لكنَّه بالتأكيد عاجز عن تحديد صورة بالمعنى الظاهري للصورة، من حيث أنَّ الصورة هي في الجوهر مثل شكل السرير في السرير، تتألف من مادة كالخشب وفعل صيَّرَّ الخشب سريراً، ثم حطاماً ثم فحماً، فالصورة الجوهر هي مادة وفعل، ونحن لا زلنا نجهل جوهر المادة الأولى ونجهل الفعل الأول الذي لم نشهده، فكيف نعلم الصورة ونحن لمَّا نفهم مادتها ولا فعلها؟
    وهكذا وبعد آلاف السنين نعود لننطلق من حيث بدأ أجدادنا، بأمسِّ الحاجة إلى الصورة الأولى التي مكَّنَتْهُم من زمام الحضارة الإنسانية.
    فالإنسان يصور في رحم أمِّهِ، قبل أن يخرج إلى الدنيا، ولكن قبل أن يستقر في الرحم ألم تكن له صورة؟ بالطبع كانت له صورة لها علائق بصورٍ أخرى يستدعيها النسق العام لنظام الخلق البديع، إنَّ البحث عن الصورة الأولى هي نسق مُضْمَرْ لقاريء فرنسي في كتاب ياباني مع جهله التام باللغة اليابانية.يقول الإمام علي رضيَ الله عنه(داؤك منك وما تبصرُ/ ودواؤك فيك وما تشعرُ/ وتحسبُ نفسكَ جرماً صغيراً/ وفيكَ انطوي العالم الأكبر).
    الإنسان يبصر بعينه أشياء عديدة، وأكدَّت بعض الأبحاث أنَّ العين تستقبل 100 صورة في الثانية الواحدة، لكنه يهمل التي لا يرغبها (وأعيننا تستقبل المعلومات بمعدل يبلغ نحو ميغابايت واحد كل ثانية، إلا أن وعينا يبدو وكأنَّهُ يتجاهل كل هذا فيما عدا قدراً ضئيلاً منها، ويوحي هذا التفاوت الهائل بأنَّ الدماغ يعالج كمية ضخمة من المدخلات الحسية بلا وعي ويرشحها قبل أن ندركها) .
    يحكي ابن خلدون في آخر فصلٍ من مقدمته عن سلطانٍ سجنَ وزيره لفترة طويلة ربَّى فيها ابنه في محبسه، فلما أدرك وعقل سألَ أباه عن اللحم الذي كان يتغذى به، فقال أبوه: هذا لحم غنم يا ولدي، فسأل وما الغنم؟ فوصفها له الأب بنعوتها وصفاتها، فقال الولد تراها مثل الفأر، فينكر أبوه عليه، ويعود ليشرح، فيقول الولد: هي إذن أكبر من الفأر، وهكذا فإنَّ أداة القياس لدى الولد الذي لم يرَ حيواناً غير الفأر، صورته الأولى الفأر، كيف نُوَرِّدُّ الصور ونصدِّرها ونراقبها دون استثارة إغواءات كثيرة تتنافسنا؟ أسرى ثقافة الصورة، إذا تجاوزوا واحدة استمكنتهم أخرى، إذا كان ابن الوزير أسير صورة الفأر، فأولادنا أسرى صورة جيري الذي ينتصرُ على توم، ويختزلُ لا وعيهم(لو غالب لو مغلوب)وإذا ما شبُّوا فأبداً لن يستوعبوا الدرس من حكمة الإمام علي(الغالب بالشرِّ مغلوب).


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    23/03/2007
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي استفهامية أول صورة: سيرورة الأفكار

    استفهامية أول صورة: سيرورة الأفكار
    عبدالكريم يحيى الزيباري
    (لاحظ برنارد لويس ذات يوم أنَّه حين يتحقق الناس من أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ فإنَّهم يسألون أحد سؤالين: الأول: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ والثاني: من فَعَلَ هذا بنا؟ السؤال الثاني يقود إلى نظريات المؤامرة والبارانويا(مشاعر العظمة) قرينة الاضطهاد ويفضي السؤال الأول إلى مسار آخر مغاير في التفكير) . أين الخطأ = كيف نصحح الوضع؟
    اختارت كوريا الجنوبية وألمانيا واليابان والصين الاستفهامية بحسب العقل، وتساءلوا: كيف لنا أن نصحح الوضع؟ واستفهامية: كيف نصحِّحُ الوضع؟ من الخطورة بمكان، بحيث قد تؤدي إلى انهيار تام كما حدث في البيروسترويكا، والخوف من هذا الانهيار دفعَ البلدان العربية وأمريكا اللاتينية والعالم الثالث لاختيار السؤال الثاني بحسب مشاعر البارانويا، مما منحها تماسكاً فكرياً للتأكيد الذاتي كأول صورة للتخلف، فقوة نمو الشمال ترتبط مباشرةً بفقر وتخلُّف الجنوب، ولفكَّ الارتباط علينا الاقتراب من المبتدأ لتحاشيه في انطلاقة جديدة بالنزول صعوداً، نحو مسيرة الإنسانية، من البورتريه إلى اللاند سكايب ، تاريخ البشرية، من ذكريات الإنسان، إلى الذاكرة الجمعية، الحياة كلها، مجموعة صور، ولهذه المجموعة صورة كلية واحدة، انعكاس لمسيرة حافلة بالصور، كصورة تحقيق النمور الأربعة(هونغ كونغ، تايوان، سنغافورة، كوريا الجنوبية) أعلى نسبة نمو 9،3%، وصورة(صنع في الصين)التي تغزو العالم، وأساسهم السؤال الأول، (ففي حين كان دخل 20% من سكان كوريا الجنوبية المنتمين للطبقات العليا يعادل 15 مرة دخل الطبقات الدنيا عام 1952، وفي عام 1980 هبطت النسبة إلى 4 مرات). هذه الصورة مُحَفِّزَة ومستنفرة لاستفهامية: كيف فعلوا هذا؟ ولماذا نجحوا وفشلنا؟
    وكل صورة هي وسيلة لربط متلقيها ببيئته وبالمحيط الذي يعيش فيه. فهل من الممكن أنْ يتحرر الإنسان من التشيؤ بحسب الصور التي يسوِّدُها ذهنه؟ وهذا التسييد نابع من خصوصية ثقافة الخير والشر، فما يعدُّ شرّاً محضاً عند شعبٍ ما، لا يعتبر كذلك عند شعبٍ آخر، وإذا كانت السيرورة هي الفكرة التي لا أول لها ولا آخر، فما هي الفكرة؟ إذا كانت السيرورة تقوم أساساً على نفي الغائية(السببية/ النسقية/ التاريخانية)، والغائية أهم أحد أقسام الميتافيزيقا، وترى أنَّ العالم مرتبط بعضه ببعض ارتباط علة بغاية، وبحسب أرسطو الغائية أساس الطبيعة، ويرى كانط أن الغائية أمر داخلي يرجع إلى طبيعة الشيء، والغائية تكشف قوانين الظاهرة التي تسير بها مسبقاً لتحقيق غايةٍ ثاوية فيها، فما هي الغاية الكامنة في أعماق الإنسان؟ ربما علينا الرجوع إلى أول وجود، وهو كخيال مُحْدَثٍ منصوب عندما سأل تعالى(ألست بربكم قالوا بلى) أول صورة للإنسان في أول وجود علاقة بصورة ثانية تثبِّتُّ الفِطْرَة بسؤال، فلم يبق للإنسان إلا أن يكون صورة مُبْتَدأة متعلقة بصورة شهود الربوبية التي تقبض عليه بصورة إذلال وصَغَار منحته الصفاء النقي والاعتراف "بلى"، كالصدى في غاية الصفاء، وفي الوجود الثاني لمَّا برزت صور العالم الآني المتغير، ضُيِّعَتْ الصورة الأولى وغُيِّبَتْ خلفَ ستارة سميكة من العِزَّة المُخادعة تسندها ملايين الصور المتحركة ناطقة تنبعث من الظلمة فإذا انقضى زمانها عادت إلى الظلمة من جديد.
    إنَّ نظرية الفينومينولوجيا(الظاهراتية) غير كافية ولا صالحة لاستفهام أول صورة، ليس لأنَّهما تستبعدان سيرورة الصورة فحسب، بل لأنهما تقومان على شكوكية فلسفية لا يمكن البرهنة على صحتها وبالتالي لا يمكن دحضها، ولأنَّها تدرس الظواهر كنقطة بداية، أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية كمبتدأ، وتستبعد أول صورة من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة كأساس معرفتنا بها، أمَّا نظرية المعلم الهندي يوجنندا (إدراك الذات) self Realization أو (الوعي باللاوعي) فهي أقرب للصورة الأولى وهي تتألف من كلمتين: إدراك + ذات.
    الذات = لا وعي. الإدراك = الوعي. فهو يقصد إذن الوعي باللاوعي.
    ويقصد بأنَّ جميع الصور التي يراها الإنسان منذ ولادته إلي لحظة وفاته، هي موجودة أصلاً في لا وعيه، قد تظهر في عالم الأحلام أو اليقظة، ومنشأ اللاوعي عند فرويد من مكبوتات الإنسان التي تحمله على إشباع رغباته بطريقة وهمية تتبدي أحلاماً وأخطاء وزلقات لسان، أي أنَّ اللاوعي نشأ من الوعي، بينما يؤكد يونغ علي أنَّ الوعي قد نشأ من اللاوعي، وما لا نبصر أكثر ملايين المرات مما نبصر، ولهذا أقسم تعالى بما نبصر ومالا نبصر، والمسألة قد تخرج من إطار الطبيعة والمنطق لتدخل إلي الميتافيزيقيا، من خلال: كلُّ شيء موجود يجب أن تكون له صورة، لكنَّ العقل، البرد، الموت، الحياة، الكهرباء (ليس لها صور فهي غير موجودة) وهي نتيجة خاطئة، لأنَّ الوجود نوعان: حقيقي مادي في الطبيعة، وخيالي كاذب في الذهن، والفيلسوف أبو نصر الفارابي في ترتيبه للمبادئ التي بها قوام الأجسام والأعراض، وضعَ الصورة في المرتبة الخامسة بعد السبب الأول والأسباب الثواني والعقل الفعال والنفس، والعقل والنفس مصطلحين مطلقين لم يتفق إلي اليوم علي تحديد يحصرهما في تعريف معين، وللعقل صورة من حيث حجمه كبير وصغير، فعال وغير فعال، العقل الجمعي للمجتمع والعقل الفردي للإنسان، وصورته من حيث اقترابه من درجة الجنون، وكذلك للنفس صور عديدة، النفس المبصرة، العمياء، الخبيثة، اللوامة، المطمئنة، المضطربة، المخادعة، الذاكرة والغافلة الناسية، الظالمة والمظلومة، الضالة...الخ، وليس للمثقف صورة محددة أيضاً، رغم أنَّ إدوارد سعيد حاول في برامج البي بي سي إعطاء بعض صور المثقف، لكنَّه بالتأكيد عاجز عن تحديد صورة بالمعنى الظاهري للصورة، من حيث أنَّ الصورة هي في الجوهر مثل شكل السرير في السرير، تتألف من مادة كالخشب وفعل صيَّرَّ الخشب سريراً، ثم حطاماً ثم فحماً، فالصورة الجوهر هي مادة وفعل، ونحن لا زلنا نجهل جوهر المادة الأولى ونجهل الفعل الأول الذي لم نشهده، فكيف نعلم الصورة ونحن لمَّا نفهم مادتها ولا فعلها؟
    وهكذا وبعد آلاف السنين نعود لننطلق من حيث بدأ أجدادنا، بأمسِّ الحاجة إلى الصورة الأولى التي مكَّنَتْهُم من زمام الحضارة الإنسانية.
    فالإنسان يصور في رحم أمِّهِ، قبل أن يخرج إلى الدنيا، ولكن قبل أن يستقر في الرحم ألم تكن له صورة؟ بالطبع كانت له صورة لها علائق بصورٍ أخرى يستدعيها النسق العام لنظام الخلق البديع، إنَّ البحث عن الصورة الأولى هي نسق مُضْمَرْ لقاريء فرنسي في كتاب ياباني مع جهله التام باللغة اليابانية.يقول الإمام علي رضيَ الله عنه(داؤك منك وما تبصرُ/ ودواؤك فيك وما تشعرُ/ وتحسبُ نفسكَ جرماً صغيراً/ وفيكَ انطوي العالم الأكبر).
    الإنسان يبصر بعينه أشياء عديدة، وأكدَّت بعض الأبحاث أنَّ العين تستقبل 100 صورة في الثانية الواحدة، لكنه يهمل التي لا يرغبها (وأعيننا تستقبل المعلومات بمعدل يبلغ نحو ميغابايت واحد كل ثانية، إلا أن وعينا يبدو وكأنَّهُ يتجاهل كل هذا فيما عدا قدراً ضئيلاً منها، ويوحي هذا التفاوت الهائل بأنَّ الدماغ يعالج كمية ضخمة من المدخلات الحسية بلا وعي ويرشحها قبل أن ندركها) .
    يحكي ابن خلدون في آخر فصلٍ من مقدمته عن سلطانٍ سجنَ وزيره لفترة طويلة ربَّى فيها ابنه في محبسه، فلما أدرك وعقل سألَ أباه عن اللحم الذي كان يتغذى به، فقال أبوه: هذا لحم غنم يا ولدي، فسأل وما الغنم؟ فوصفها له الأب بنعوتها وصفاتها، فقال الولد تراها مثل الفأر، فينكر أبوه عليه، ويعود ليشرح، فيقول الولد: هي إذن أكبر من الفأر، وهكذا فإنَّ أداة القياس لدى الولد الذي لم يرَ حيواناً غير الفأر، صورته الأولى الفأر، كيف نُوَرِّدُّ الصور ونصدِّرها ونراقبها دون استثارة إغواءات كثيرة تتنافسنا؟ أسرى ثقافة الصورة، إذا تجاوزوا واحدة استمكنتهم أخرى، إذا كان ابن الوزير أسير صورة الفأر، فأولادنا أسرى صورة جيري الذي ينتصرُ على توم، ويختزلُ لا وعيهم(لو غالب لو مغلوب)وإذا ما شبُّوا فأبداً لن يستوعبوا الدرس من حكمة الإمام علي(الغالب بالشرِّ مغلوب).


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •