Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية راوية سامي
    تاريخ التسجيل
    27/09/2006
    العمر
    46
    المشاركات
    506
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية



    مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية
    دعوة لعموم الفلسطينيين والعرب


    الأساتذة والأخوة الأكارم،
    السلام عليكم ورحمة الله
    خلال حوار دار بيني وبين الأستاذ عامر قبل دقائق، خطر لي فكرة وهي إطلاق موقع على الإنترنت خاص بالتأريخ للنكبة الفلسطينية وآثارها على كافة الأصعدة.

    يهدف الموقع إلى جمع وتوثيق كل ما يتعلق بالنكبة من نتاج على اختلافه من صور وفيديو وتقارير ووثائق وأفلام تسجيلية ومقالات وقرارات ودراسات وأبحاث وقصص وملف خاص بالمسجد الأقصى وما يتعرض له وأدب وشعر وتراث وكتب وتأريخ شفوي ومكتوب لمخيمات الشتات والتشريد وكل ما يتعلق بالفلسطينيين الذين عانوا ما عانوه من جراء هذه النكبة سواء كانوا في الداخل أو في الخارج وواقعهم الحالي والنظرة إلى مستقبلهم.

    وتفعيلا لهذه الفكرة التي أيدني فيها الأستاذ عامر العظم كعادته مشكورا فقد حجزت النطاق على الإنترنت وشرعت في البحث عن مصمم ومطور مواقع ليقوم بتنفيذ المشروع وسأتحمل تكلفته شخصيا.



    أتطلع لأن يكون هذا المشروع مرجعية ومصدرا منظما وموثوقا وموثقا لكل ما يتعلق بالنكبة بعيدا عن أي حزبية أو نظرة ضيقة. وهو ليس منتديات للحوار بل سيكون حسب تصوري بتصميم مشابه لوكالة واتا للأنباء لتيسير النشر، وأتطلع لأن يكون بلغات مختلفة مع الوقت ليصل للقارئ الغربي ويعرض هذه القضية على حقيقتها.

    هذا مشروع يخص كل عربي وفلسطيني ولن يقوم إلا بالإثراء والمشاركة من الجميع وهو تأريخ هام للأجيال الحالية والقادمة. لذا أرجو ممن يحبون التعاون في العمل على هذا المشروع التعبير عن رغبتهم ومقترحاتهم هنا، وأرحب باقتراح أبواب يتضمنها الموقع، والراغبين بالتطوع بالإشراف على أبواب معينة، أو إدارة المشروع.

    مع الشكر لكل من يساهم وجزاكم الله خيرا فهذه قضية كل العرب والمسلمين،

    أختكم،
    راوية سامي

    ونظل نحلم باليمام..فوق غمام أيامنا يحلق
    ونظل نحلم بالمطر..خلف نوافذنا الحزينة يطقطق
    ويأتي أيلول....

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. محمد اسحق الريفي
    تاريخ التسجيل
    05/06/2007
    المشاركات
    5,279
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    أختي الفاضلة الأستاذة راوية سامي،

    في البداية لا بد من كلمة شكر لك على هذه الفكرة الرائعة والعمل الرائع، فنحن الفلسطينيين نعاني من مشكلة ضعف التوثيق، تصوري سيدتي الفاضلة أننا عاجزون حتى عن توثيق معاناتنا في هذه اللحجات التي يصعد فيها الاحتلال من جرائمه الدموية البشعة!!

    على أي حال، هذا عمل رائع بالفعل، وأرجو أن تنجحوا في استقطاب مئات المثقفين الغيورين على فلسطين وشعبها وقضيتها.

    هذا رابط لموقع مشابه بعدة لغات، لكنه لا يرقى إلى مستوى الأرشيف الكامل والشامل للنكبة:

    http://www.alnakba.org/

    مع خاص التحية


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    .
    .

    إنما الأعمال بالنيات

  3. #3
    عربي الصورة الرمزية حسان محمد السيد
    تاريخ التسجيل
    03/02/2007
    المشاركات
    480
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي عمل ضروري ووجه مشرق من وجوه المقاومة

    الاخت الفاضلة الاستاذة راوية سامي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    انه عمل ضروري وهام,وهو بلا شك وجه مشرق من وجوه المقاومة.لقد قمت باحصاء بسيط بين الجالية,او الأصح,بين بعض ابناء الجالية العربية في البرازيل,وسألتهم عن نظرتهم ومعلوماتهم عن النكبة,وكانت الاجوبة تدمي القلب وتدمع العين,فاما معلومات سطحية غير دقيقة,واما فكرة بسيطة دون تعمق ودلائل,ثم سألت ان كان احدا منهم يحوز على وثائقي عن الحدث,وكان الجواب اجماعا سلبا.

    كيف لنا ان نشرح قضية في غاية الدقة والحساسية ونحن انفسنا نجهلها,كيف لابناء المغتربين ان يعرفوا الحقيقة وان يشعروا بانتمائهم لهذه الامة وان يكونوا سندا لها بما يملكونه من قدرات في مختلف النواحي,طالما انهم يجهلون التاريخ,واننا العرب لم نقم على الاقل بايصال الصورة كما هي الى اجيالنا,ان لم نقل للعالم وهو اضعف الايمان.

    اختي الكريمة

    يوم قرأت للدكتور الريفي مقاله عن الاقصى وتقاعس الامة عن حمايته,ارسلت الى (واتا) اقتراحات لنصرة المسجد المبارك,وبما انك تفضلتي باتاحة الفرصة لنا بابداء الرأي والمشاركة,أود اعادة طرح تلك الافكار مجددا على هذه الصفحة,تماما كما ارسلتها للموقع الكريم وهي....

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (وَقُلِ اعۡمَلُوا۟ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُ وَالۡمُؤۡمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الۡغَيۡبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).صدق الله العظيم


    والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين


    السادة الكرام في مجموعة واتا

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قرأت مقال الدكتور العزيز محمد اسحق الريفي حول مأساة المسجد الأقصى المبارك,مشاطرا اياه الحزن والأسى والدهشة حيال الموقف الشعبي المؤلم بركوده وخنوعه وعدم اكتراثه لأهمية الحدث, الذي ليس بالحديث ولا المستجد,دون تعليق اية أمال على الموقف الرسمي,ولا على رجال الدين من أهل النفوذ,لانشغالهم بارضاع الكبير واستهبال الصغير واللطم والندب والتطبير.


    أتصور بضعة نقاط لمناصرة المسجد الاقصى المبارك ,بتعميم الحملة على أبناء أمتنا أولا, وعلى الشعوب في العالم ثانيا,معتمدين على الله عز وجل وعلى أنفسنا,طالما ان الحكومات العربية والاسلامية وجبت عليها صلاة الغائب,هذا ان صحت الصلاة عليهم.فوجئت بعد استطلاع متواضع,ان غالبية الشباب لا يعرفون موقع المسجد الأقصى عمليا,فهم يعتقدون ان مسجد قبة الصخرة هو المسجد الأقصى والعكس أحيانا,نتيجة لسياسات رسمية لسنا في صدد تفنيدها الساعة.لذلك,وجدت ضروريا البدء بالعمل من داخل البيت حتى نستطيع التوسع خارجه,ونصقل المعلومات ونوثقها ترسيخا في ذاكرة النشء,ليتسنى بعونه جل وعلا التعميم على الاخرين بما اوتينا من قوة .

    أول ما أراه وأقترحه هو

    1- وضع دراسة تاريخية عن المسجد الأقصى,منذ بنائه الى اليوم,وتحديد موقعه ليعرف غير المطلع مكانته ومكانه وعلاقته النخاعية بالاسلام والمسلمين,مع اظهار واضح لمسجد قبة الصخرة ونفاسته وارتباطه بالأقصى,ومن المستحسن ان يعرض ذلك عبر برامج بشكل- فلاشات- مرئية بما يسهل للقارئ المتابعة ويشوقه الى المزيد,مرفقا بالصور المعبرة,بلغات ثلاث مبدئيا,العربية,الانكليزية والفرنسية.

    2- سرد قصة الفتحين العمري والصلاحي وابراز ما بهما من العدل والرقي والتعامل الحضاري مع غير المسلمين,وحفاظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كنائس النصارى وقصته مع الكنيسة وترفعه عن ادء الصلاة داخلها حفاظا وحرصا عليها من مفاهيم او تفسيرات الأجيال المقبلة ,كذلك العهدة الصلاحية التي قطعت العهد ووفت بالحفاظ على المقدسات والصوامع والناس وعاملتهم بعدل الاسلام ونهجه الانساني العملاق.

    3- استحضار نفحات من تاريخنا النظيف والطاهر,عبر أمثلة واقعية تاريخية مع اليهود,وحماية الاسلام لهم ولمعتقداتهم بدءا من الرسول الكريم صلوات الله عليه,مرورا بعهد الخلافة الاسلامية.

    4- تثبيت العلاقة الوطيدة للمسجد الاقصى بالتوحيد,ودحض الدعاية الصهيونية المزيفة الفاجرة حول معبد أو هيكل سليمان عليه السلام,واظهار مكانة سليمان عليه السلام في العقيدة الاسلامية,بل وكل الأنبياء اذا وجد الأمر مناسبا.

    5- تذكير الناس ان الخلافة الاسلامية طيلة عهدها عبر أكثر من ثماني قرون,حافظت على اثار الأمم السابقة واحترمت حضاراتها ولم تلغ تراثها,ضاربين الأمثال العديدة,كالأهرام والمعابد البوذية في اسيا والكنائس في أوروبا تحديدا في الأندلس,اخذين ايضا نماذجا من تاريخنا المعاصر عن حياة اليهود بيننا وحرياتهم التي لم تصادر اطلاقا رغم الهجمة الاستعمارية التي ظهرت للعلن سنة 1948.


    6- اعلام وتسجيل القوانين الدولية الضامنة لحقوق الأديان والأماكن المقدسة وواجب المحتل والغاصب على حمايتها وعدم الاقدام على تدميرها ووضعها بين أيدي الناس,لنستطيع التكلم معهم حسب عقولهم كما أوصانا محمد بن عبد الله رسول الرحمن وخير خلقه عليه الصلاة والسلام,طالما ان العامة في الغرب ما زالوا يؤمنون بميثاق الأمم المتحدة أو ما يسموه الشرعية الدولية.

    7- في حال انجاز الموضوع,يقوم كل فرد على توزيعه ونشره على اكبر مساحة يستطيعها,من اصدقاء الى صحفيين الى رجال دين الى جامعات الخ...,اضافة الى ايصالها الى المراكز السياسية,الدينية والاعلامية في العالم.على كل,ان مسألة النشر والابلاغ واسعة وتحتاج الى دراسة اعمق واساليب فعالة ومتعددة.

    على اي حال,تبقى الأفكار قضية قابلة للتطوير والتعديل والتجديد او حتى الاستبدال,واضعا ما في ذهني بين أيديكم,ولاتعني الأفكار او الرأي المطروح السبيل الوحيد لنصرة المسجد الأقصى,فمن أجل ذلك اتوجه اليكم بصفتكم العلمية والفكرية الكبيرة والخيرة,للمساعدة في حقل المعلومات والتاريخ والقوانين,بالاضافة للدعم الفني والتقني بما تروه مناسبا ومعقولا,مشددا على انتاج اية أفكار على شكل – فلاشات – كما اوردت انفا,لما يحوي على فعالية ونفاذ في عالمنا المعاصر.


    واسلموا رعاكم الله عز وجل,والسلام عليكم ورحمته وبركاته

    أخوكم

    حسان محمد السيد

    مواطن عربي من لبنان مقيم في البرازيل.

    14/03/2008


    هذا ما كنت ارسله ساعتها,واحببت تكراره اليوم بعد اقتراحكم المحق,فالحاجة الماسة اليوم ليست فقط لشرح القضية للغربيين,بل لابنائنا انفسهم,بعدما تلاشت روح الانتماء والواجب والجهاد والمصير المشترك,واضمحلت في اذهاننا مفهوم الامة,فوجب اليوم قبل غد على المثقفين,اعادة هذه الروح غبر ما يرونه مناسبا ,مخاطبين كل جيل على عقله,كما امرنا صاحب الخلق العظيم محمد صلى الله عليه وسلم,وتثبيت صورة ووثائق الحق المغتصب في الضمائر.

    سدد الله خطاكم,ووفقكم لما فيه خير هذه الامة.


  4. #4
    كاتبة
    تاريخ التسجيل
    02/03/2008
    المشاركات
    1,180
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    العزيزة راوية سامي
    فكرة جميلة ورائعة تخدم قضية الوطن العادلة
    ويصدر هذا الاقتراح من إنسانة وطنية يقلقها هم الوطن والمسجد الأقصى
    أنا معك في هذا المشروع الهام والضروري في هذه المرحلة
    التي تنتقل بها المعلومات بسرعة خلال النت
    وقد فكرت بذلك مع مجموعة رائعة من مختلف التخصصات في الرياض
    وسيقام أولاً معرض تعريفي بجميع مدن فلسطين
    بعدها نلتفت لموضوع إنشاء موقع تعريفي بالوطن المحتل ويهتم بالمعاناة اليومية
    لشعبنا. وها قد بدأت أنت بما عرف عنك من حمل هم الوطن والعمل بصمت لخيره
    أحيي وطنيتك وأفكارك النيرة وعملك الهادف الدؤوب
    وأشد على يديكِ الكريمتين وفقك الله وسدد خطاكِ

    اللهم صل على النبي محمد

  5. #5
    شاعرة
    نائب المدير العام
    الصورة الرمزية مقبوله عبد الحليم
    تاريخ التسجيل
    06/07/2007
    العمر
    64
    المشاركات
    5,481
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    السامقة دائما
    أستاذتي راوية سامي

    ما أروع ما اقترحت وما أعوزنا إلى مثل هذا الموقع
    اتعرفين يا سيدتي اننا العرب هنا بالداخل "ومؤكد بالخارج ايضا" تنقصنا الكثير من المعلومات عن المسجد الأقصى
    صحيح أننا لا نتركه وصحيح أننا نهب للصلاة فيه كلما اشتقنا لترابه لكن هنالك الكثير من المعلومات عنه وعن معالمه وعن أسواره وعن بواباته وعن تاريخه نجهلها وهنا يمكن للمختصين أن يوثقوا لنا تاريخه ومعالمه منذ قيامه وحتى اليوم .." معلومة فقط اليهود يعرفون كل حجر من أين أتى ويعلمون أولادهم "
    وأيضا هنالك الكثيرين الذين لا يعرفون أسماء القرى المهجرة التي كانت قبل ان يحولها المحتل الى أسماء عبرية
    هنالك الكثير استاذتي يمكن ان تقوم فيه مثل هذا الموقع فليتكم تبدؤون منذ الآن
    فوالله إن شبابنا بأمس الحاجة لمن يوجههم ويأخذ بيدهم للتشبث بالأرض وبالحق والوطن
    تصوري معي أنني كنت حاضرة في محاضرة بكلية اعداد المعلمين وكان قريب يوم النكبه تكلمت عنها قليلا فسألتني احدى الطالبات وبلغة عامية " شو يعني النكبة " فتصوري أي وقت نحن فيه
    أشد على يدك وأضيف جهدي مع جهدك وجهود المخلصين من ابناء الأمة إن كان هناك ما يمكنني عمله
    وفقك الله وسدد على الدرب خطاك وبالله التوفيق

    مقبولة

    دع عنك لومي " كي أكون كما أنا = إني كمثل الورد في البستان
    لا تعتقد أن السنين عدوتي = إن السنين تزفني من ثانِ
    كيما أكون على النساء أميرة = ويفوح عطر الورد من شرياني

  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية راوية سامي
    تاريخ التسجيل
    27/09/2006
    العمر
    46
    المشاركات
    506
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأساتذة الأكارم والأخوات العزيزات،
    أشكر لكم اهتمامكم وتفاعلكم الطيب. هذا المشروع ليس شخصيا بقدر أهميته للقضية الفلسطينية التي طالها على ما يبدو الإهمال على الرغم من تكرار ذكرها على مدى ستين عاما، لكن الحقائق والمجازر الحقيقية ظهر بعض منها مؤخرا بينما بقي الكثير مختفيا أو محفوظا في ذاكرة من عاشوا هذه الأحداث ونخشى أن تضيع.

    ما أود لو يتكرم به الزملاء الأفاضل هو تحديد الدور الذي يودون توليه في هذا المشروع، والمساعدة في وضع تصور لأبواب الموقع بشكل مبدئي حتى نسير بخطوات عملية ونتقدم في المشروع.

    - المسألة كما تفضل الدكتور الريفي الأخوة الأكارم مسألة ضعف توثيق لدينا نحن العرب، وضعف إعلام، وضعف متابعة لقضايانا.

    - للأخ الكريم الأستاذ حسان محمد السيد أقول أن مقترحات حضرتك هامة جدا وحبذا لو تتكرم بوضع اسم لباب معين وتصورك لمحتوياته المبدئية، نحن وأبناؤنا (الذين ولدنا نحن وهم في الشتات) أولى الناس بمعرفة تفاصيل هذه القضية وكل ما هو متعلق بها، جزاك الله خيرا.

    - وأختي العزيزة ناهد، أشكرك على غيرتك وحماسك، وأفكارك النيرة، وأتمنى منك مشاركة فاعلة في هذا المشروع.

    - الأخت الحبيبة مقبولة، أشكرك على حماسك، الأقصى في قلوبنا، لكن ما ننظر إليه عملية توثيق، لنا أولا، ولغيرنا ثانيا، الجهل بالقضية كبير جدا، نحن أولى الناس بالتعريف بها. أنتظر أن تكوني جزءا أساسيا في هذه المشروع، الذي أرى أنه سيرى الضوء قريبا بفضل حماسكم وغيرتكم.

    لكم الشكر الجزيل على دعمكم وحماسكم وغيرتكم،
    أختكم،
    راوية

    ونظل نحلم باليمام..فوق غمام أيامنا يحلق
    ونظل نحلم بالمطر..خلف نوافذنا الحزينة يطقطق
    ويأتي أيلول....

  7. #7
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي


    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    60 عاما على النكبة ( 1 )

    ستون عاماً انقضت على نكبة فلسطين. ستون صفحة طواها كتاب الذاكرة لدى بعضنا، ودفتر النسيان لدى بعضنا الآخر. ستون عاماً في رزنامة الورق المبعثر على جدران الأمل.. لكنها ستة ملايين سؤال ومثلها أصداء في وادي النسيان العربي السحيق: متى أعود؟ ستون عاماً وملايين الحناجر تردد مع محمود درويش: أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفى، وعادوا مرة أخرى سبايا. لكن لاجئة غسان كنفاني "أم سعد" حسمت الأمر وقضت بأن الخيمة ليست للجوء فحسب وقطعت بأن "خيمة عن خيمة تفرق".

    "أم سعد" هي ملايين اللاجئين الذين صهرهم بعض فرسان الكلام في مرجل الروتين وتجارة الشعارات ومسودات الحلول مدفوعة الثمن من بنوك ممولي النكبة. ملايين أريد لهم أن يظلوا للأبد متسولين على أعتاب وكالة الغوث، أو مواطنين معززين مكرمين خارج وطنهم، شريطة أن ينسوه أو يبيعوه للصوص وقطاع الطرق وشذاذ الآفاق.
    ستون عاماً وهذه ال "إسرائيل" لم تنجح إلا في البقاء عضواً غريباً في جسد لم ولن يألفها.. ومهما طال زمانها الأسود، لن تسمع من أحرار وشرفاء الأمة سوى الوجع المعبأ في جعب من الحقد المقدس ونشيد الأمل على إيقاع درويش الذي أنشد: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. على هذه الأرض.. أم البدايات.. أم النهايات.. كانت تسمى فلسطين.. صارت تسمى فلسطين.

    "الخليج" تفتح كتاب النكبة على مصراعيه، تجول في ثنايا المخيمات وفي الذاكرة الفلسطينية من كهولها وتقرأ فيها الأمل والرجاء والعزم والاصرار على التمسك بالأرض والحق فمفاتيح المنازل مخبأة في القلوب، وسنوات التيه والتشرد لم تمسح عنها زهر البرتقال وشميم الأرض. والذاكرة الفلسطينية لا تزال حية ومتوقدة في روح من عاصروا النكبة ومن عاشوا سنوات جمرها على امتداد الوطن العربي، يقرأوون منها دروس الحاضر والمستقبل.

    يافا وحيفا والقدس وسعسع شواهد على وطن حي فينا

    سحلوا الصبايا وبقروا بطون الحوامل وعلقوا أجنتها على الحراب


    حضرت فلسطين بكامل ألقها وزهوها وذكريات محفورة في القلب والعينين وكأنها لم تغب لحظة، لم تغادرهم أو يغادروها ولم تدسها عجلات الزمن. لم تزدهم سنوات التشرد والوجع والترحال المريرة والطويلة إلا حنيناً وعشقاً والتصاقاً بوطن سكن الشرايين كما الدم منها يتنفسونه أملا ورجاء وحرية لا بد آتية.

    تلتمع العيون بالحنين، حين تشتعل الذاكرة بالوجوه والأحداث والصور في عودة سريعة إلى حضن الوطن "الذي نشتاقه ونفتقده بشدة والذي نرفض أن نتخلى عنه أو ننساه مهما طال الزمن وطالت الغيبة" كما قال جميع من التقيناهم من فلسطينيي النكبة والذين استحضروا أحداثاً ومواقف وصوراً ومحطات حميمة نابضة بالحياة من فلسطين الوطن.

    يافا... عروس الشاطئ

    د. بسام حربي الأيوبي المولود في يافا سنة 1928 اختصاص أمراض داخلية جهاز هضمي، يقبض على أرشيف الصور والرسائل القديمة كما يقبض على التاريخ رافضاً ان تسقط من ذاكرته ولو بعض الأسطر من حكاية يافا التي كما يقول إنها أكثر مدينة في فلسطين جسدت التعايش بين الطوائف. ويضيف: "لا أذكر أننا في يافا فكرنا مرة أن نسأل أحداً عن ديانته أو طائفته، عشنا مسلمين ومسيحيين معاً وبلا تمييز. تعلمنا في المدرسة ذاتها وولدنا بالحي ذاته وكبرنا سوياً. لم يعترض والدي على صداقتي لمسيحي يوماً أو يستغرب حضوره لبيتنا ومشاركتنا طعامنا او لهونا. هكذا تربينا في فلسطين وفي يافا تحديداً بعيداً عن المذهبية القبيحة أو الطائفية البغيضة".

    ويتطرق د. بسام إلى أهم مدرستين خاصتين في يافا إلى جانب المدارس الحكومية وهما مدرسة الفرير ومدرسة السان جورج التابعة للروم الأرثوذكس. "لم نشعر يوماً بأننا غير مرحب بنا في مدارس الفرير بل بالعكس وربما في هذه الحكاية التي أتذكرها الآن أكثر من دلالة. حين كنت في الثانية عشرة من عمري أرسلت رسالة إلى صديق من بيت فاخوري في لبنان والذي لم يكن حاضراً حينها ليتسلمها باليد، فأرسل لي رداً عليها مع د. إيلي فنيال الذي أصبح طبيب أسنان اليوم وكان حينها قد حضر إلى فلسطين لمتابعة دراسته فيها. كتب صديقي في رسالته "اعتذر لأني لم استطع مقابلة صديقك الذي أحضر لي رسالتك"، وحين قرأت أجهزة الرقابة البريطانية الرسالة ألقوا القبض على حاملها من دون أن يعرفوا كم عمري أو ماذا أدرس. فحضر البوليس الإنجليزي إلى بيتنا وسأل أُمي عنا فأجابتهم أنني بالمدرسة. فذهبوا إلى المدرسة لإلقاء القبض عليّ وحينها رفض مدير المدرسة تسليمي لهم وقال بحزم "أنا ما بسلّم ولا ولد من عندي"، وأغلق أبواب المدرسة بوجه البوليس الإنجليزي وقال "بتعرفوا بيته روحوا خذوه من بيته". ولم يكتف بذلك، فقد أرسل معي أحد الرهبان ليرافقني حتى البيت، ربما يعطي هذا المشهد فكرة عن الانفتاح الذي عاشته يافا تحديداً وعن واقعها السياسي تحت الانتداب". ويضيف د. بسام أنه واصل دراسته في يافا حتى السنة الثانوية ما قبل الأخيرة ليكمل دراسته في بيروت لاحقاً ويدرس الطب في الجامعة "اليسوعية" فيها.

    العدالة البريطانية

    ما هي أبرز الأحداث التي عايشتها في يافا؟

    يجيب د. بسام: قبل ثورة سنة 1936 كان أعضاء ورئيس بلدية يافا وكاتب مدينة البلدية ينتخبون انتخاباً ولكن بعد هذا التاريخ أصبح يتم تعيينهم من قبل الانتداب، الأمر الذي أحدث انشقاقات وخلافات ما بين المؤيدين للانتخابات وما بين "جماعة" الإنجليز المؤيدين للتعيينات، ورغم انني كنت صغيراً آنذاك إلاّ أنني أذكر جيداً أن أصدقاء للعائلة كان والدهم قد تم تعيينه رئيساً للبلدية وهو ما انعكس على علاقتنا بهم ولم تعد صداقتنا كما السابق، كذلك أصبحوا يعيشون نوعاً من العزلة الاجتماعية والمقاطعة. يضيف د. بسام وقد التمعت عيناه "أذكر جيداً البلدة القديمة في يافا وبيت جدي فيها وقد أصبح سكانها قلائل. إنها تشبه تماماً صيدا القديمة وطرابلس القديمة. بيوتها المشيدة من حجارة مرصوصة وميناؤها المطل على البحر". ويستدرك د. بسام موضحاً "ميناء يافا كان للبواخر الصغيرة والآتية بمعظمها من قبرص واليونان محملة بالجبن. وبدل أن يطور الإنجليز ميناء يافا ويوسعوه عمدوا إلى تطوير ميناء تل أبيب"، ويستذكر ميناء يافا بسلاسته وبحّارته اليونانيين والقبارصة الذين أنشأوا علاقات ودّ وصداقة مع أهل يافا يقضون أوقاتهم في مقاهيها وباستضافة أهلها في بيوتهم. ويضيف بمرارة وحزن أن الانتداب كان يفرض قوانينه وسلطته على العرب فقط بينما يفعل اليهود ما يريدون.

    ماذا عن والدك؟ هل تذكر شيئاً عن نشاطه في يافا خاصة وأنه كان عضواً في حزب الاستقلال وقد تعرض للملاحقة والسجن؟

    كان أبي كاتب مدينة يافا وهو الموقع الذي يتحمل مسؤولية العمل في البلدية كاملاً. وقد تعرض فعلاً لرقابة صارمة وملاحقة من قبل الانتداب في أكثر من محاولة للإيقاع به باعتباره من الثوار. ومن تلك المحاولات أن أرسلوا ذات ليلة أحد الملثمين إلى البيت ولم يفتح له أحد وبعد أن طرق الباب مرات عديدة قال له جارنا في الطابق الأرضي: لا أحد في البيت غير النساء. لا تتعب نفسك رجل البيت غير موجود. وكان أن شاهد ملامح ذلك الرجل ووصفها لأبي.

    كان مكتب أبي في البلدية يطل على ساحة يافا الجديدة فاستشبه أبي بأحد الشباب يقف على زاوية من زوايا الساحة فطلب إلى رجاله ان يمسكوا به وحين سأله أبي اعترف انه مكلف من قبل الإنجليز الذي يريدون ان يثبتوا تعامله مع الثورة. وهكذا كان فحين عاد أبي بعد الظهر إلى البيت تمّ اعتقاله وسجن. كان هذا في أواخر سنة 1937 ليبقى أبي سجيناً حتى سنة 1940 ومن تاريخ سجنه لم تحدث انتخابات بلدية.

    ويأخذه الحنين مجدداً إلى شوارع يافا وأحيائها والى نادي اللاتين فيها على أول طريق العجمي والذي كان يديره خوري ايطالي. يبتسم د. بسام ويعلّق "صحيح أنه نادي اللاتين لكنه كان لجميع الطوائف ويستقبل العائلات اليافاوية بلا استثناء. كنا نجتمع في النادي لنمارس الرياضة ولنتسلى أيضاً".

    ويتابع: "تركت يافا سنة 1937 لمتابعة دراستي في مدرسة سوق الغرب أنا واخواتي لأن والدي لم يشأ أن يلحقنا بمدارس انجليزية. وعدت إلى يافا سنة 1939 لأبقى فيها حتى آخر سنة 1943 وكان أبي حينها لا يزال معتقلاً. وحين وقعت الحرب أجرى أبي ترتيبات لحماية أخواتي اللواتي تركهن مع السيدة وداد قرطاس ببرمانا. أما أنا وكنت حينها أدرس الطب في اليسوعية فأعتبر أن بامكاني كشاب أن أتدبر أمري. عاد أبي من بيروت إلى يافا عبر باخرة صغيرة تحمل الجبن القبرصي وبقي في عرض البحر خمسة أيام بسبب العواصف وكان قد شاهد البواخر التي ترحّل الفلسطينيين خارج الوطن فطلب أن يخرج الأطفال والنساء فقط ليبقى الرجال لكن أحداً لم يصغ وحين وصل بيتنا فوجئ به مغلقاً ليكتشف لاحقاً أن أمي وخالتي وبناتها تركوا في نفس ذلك اليوم بعد أن قام البعض بنقل رسالة لهم ادعوا فيها على لسانه بأنه ينتظرهم في بيروت. لقد أرادوا ترحيل العائلة ولو لم يدّعوا تلك الكذبة لما وافقت العائلة على الخروج. وقد حاول أبي أن يطلبهم إلى يافا بواسطة الصليب الأحمر فهو لم يخطر له ولا لمرة واحدة بأن يترك يافا ويرحل. فأبي حين عمّر بيتنا كتب على واجهة المدخل وقد وضع علَميْن عربيين "باسم العرب نحيا وباسم العرب نموت" والعادة المتبعة أن يكتب الناس مثلاً "هذا من فضل ربي" أو "الملك لله" وحين لامَهُ أصدقاؤه قال هذا هو ايماني وقناعتي. وربما لهذا الموقف دلالته وهو الذي ترك الجيش التركي لينضمّ للثورة وكان أول من آمن وعمل للقضية العربية وبقي متمسكاً بها حتى آخر يوم في حياته".

    يغمض د. بسام عينيه ويجيب "نعم أحنّ إلى يافا وأحلم بالعودة اليها، إلى يافا فقط ولا أقبل ببديل عنها ولو طلبوا مني أن أعود إلى غزة أو رام الله فلن أعود. فأنا بالنسبة لي لا فرق بين غزة وبيروت. أنا بلدي يافا وأريد العودة اليها اليوم قبل غدٍ ولن أتردد لحظة واحدة.. يافا مدينة الحضارة والثقافة والتعدد.. أجمل المدن في عيني ولا بديل لها في قلبي".

    حنين إلى يافا

    جاكلين جورج خياط، رئيسة جمعية انعاش المخيم الفلسطيني وعضو هيئة ادارية في الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني. ابنة يافا أيضاً تتحدث عن مدينتها بحنين جارف خاصة عن شارع بيتهم في النزهة قرب مستشفى الدجاني مقابل مدرسة المعارف للصبيان واسمها مدرسة "العامرية" وقد تخرج فيها شفيق الحوت وفاروق القدومي. تقول جاكلين "كان والدي وكيل شركة "خيطان كوتس" وأمي بيروتية اسمها فيوليت طاسو. أحنّ إلى يافا كلها وليس لبيتنا وحيّنا فقط. أحلم بشارع النزهة الذي كنت أعبره يومياً إلى شارع الفيصل ومن ثم إلى مدرسة "تابيثا مشن سكول"، المدرسة الاسكتلندية التي كانت تسمى أيضاً على اسم مديرتها "مس بين" والتي كانت مقابل المستشفى الفرنسي بيافا. كان بيتنا يقع في شارع جديد وكنا قبل ذلك نقيم في حي العجمي الحي القديم في يافا والقريب من البحر. لم تكن البنايات في يافا لتتجاوز الطابقين وإن حدث فثلاثة طوابق وهذا أمر نادر. احياء يافا خليطة من المسلمين والمسيحيين الذين يتعايشون كأسرة واحدة. أتذكر خلف بيتنا تترامى بيارات الليمون ورائحته التي تنعش القلوب ومازلت أذكر شارع الملك جورج الذي يقود إلى فندق كونتننتال ومنه إلى سوق بسترس الذي كان أصحابه لبنانيين وهو سوق ضخم يحتوي على كل ما يحتاجه المرء من ملابس وكماليات وأحذية وأقمشة وفوبيجو وغيرها".

    هل تذكرين كيف غادرتم يافا؟

    لقد تركنا فلسطين يوم الخميس في 22 ابريل/ نيسان ،1948 كنا نعاني من الرعب بسبب ما شهدناه وما سمعنا به من مجازر ومذابح ترتكبها عصابات الصهاينة، ففي التاسع من نيسان ارتكبوا مجزرة دير ياسين تلك المجزرة الوحشية التي تقشعر لها الأبدان لمجرد ذكر تفاصيلها أو وقائعها. ولأشهر طويلة كنا نسمع أصوات التفجيرات والاعتداءات كون يافا قريبة من تل أبيب. حتى كان صباح ذلك الأحد حيث هاجمت العصابات الصهيونية المدينة واقتادوا أهلها إلى الميناء لترحيلهم.

    أما عن ذكرياتها حول اضراب سنة 1936 أو ما سمي باضراب الستة أشهر فتقول "كان اضراباً شاملاً نفذته فلسطين كلها وليس يافا فقط. لقد أغلقت المتاجر وتوقفت الحركة ما دفع بأمّي إلى السفر هي واخوتي إلى بيروت بينما بقي أبي في يافا. تلك المرحلة التي تضج بالنضال لا تزال عالقة بذاكرتي، منها ان معظم الشباب والرجال كان يرتدي الكوفية والعقال حتى أولئك الذين لم يحلموا بعمرهم ان يضعوها، فقد أصبحت الكوفية كما العقال رمزاً للثورة والجميع يضعها تيمناً بها". وتوضح جاكلين بأن أنصار النشاشيبي في القدس كانوا يعتمرون الطرابيش بينما أنصار الحسيني ونسيبه يعتمرون الكوفية والعقال ومعظمهم في يافا. وبعد أن ساءت الأحوال لم يعد بامكاننا البقاء فقرر الأهل الخروج بنا والسفر إلى بيروت. كان ذلك نهار الخميس في 22 نيسان سنة 1948 ولم نتمكن من ايجاد سيارة لتقلّنا كما هي العادة وحين وصلنا مطار اللد استقلّينا آخر طائرة أقلعت حينها من هذا المطار. كانت طائرتنا هي آخر طائرة تقلع من مطار اللد إلى بيروت. والمفارقة هنا اننا ونحن عائلة تتجاوز الثمانية أشخاص لم نحمل معنا سوى حقيبتي ملابس فقط لأننا كما قيل لنا آنذاك ان غيابنا لن يدوم لأكثر من أسبوع أو أسبوعين. خرجت بنا أمي لكن أبي بقي، وربما أرادت أمي أن توجد في ذلك الوقت مع أهلها الذين كانوا يحتفلون بزفاف خالي ما دفع أبي لاحقاً للومها باستمرار رغم اننا لم نحضر في الحقيقة حفل الزفاف. بعد ثلاثة أيام من مغادرتنا هجم الصهاينة على يافا وكان ما كان. "لقد صدّقنا الحكومات العربية، قالوا لنا كلها أيام وسنربح الحرب وتعودون لبلادكم والأيام امتدت حتى أصبحت ستين عاماً ومن يدري ما سيحدث غداً".

    وتضيف "صدقيني انني ما زلت أحفظ رقم تلفون بيتنا 640 وبيت عمي الفريد 1365".

    د. قسطنطين انكليزس (زوج جاكلين) مهندس مدني فلسطيني يوناني الأصل من مواليد وسط القدس شارع ماميلا وهي كما يقول منطقة وسط ما بين اليهود والعرب. انتقلت عائلته لاحقاً إلى منطقة البقعة الفوقا وهي حيّ عربي يقع في القدس الغربية. يقول قسطنطين "من يتحدث اليوم عن القدس الغربية كبلد عربي؟ لا أحد يقول ان هناك قدس غربية عربية رغم أنها عربية فعلاً فقد كان فيها البقعة الفوقا على طريق بيت لحم الخليل والبقعة التحتا والأطمون والطالبية وغيرها وهي جميعها أحياء عربية في القدس الغربية. كان اليهود يهجّرون الناس ليأتوا بعصاباتهم ومهاجريهم ليقيموا مكان العرب". ويضيف: "نحن لم نهاجر رأساً وانما غادرنا البقعة الفوقا لنقيم في البلدة القديمة أي داخل السور فقد بقي قسم عربي من القدس ولم يسقط حي الشيخ جراح الا سنة 1967. ويتابع "كوستي" ذكرياته "لقد درست في مدرسة السان جورج والتي كانت تسمى مدرسة المطران وهي تقع على أطراف حيّ الشيخ جراح قرب بيتنا. أنا ولدت ونشأت وترعرعت في القدس الغربية أحلى المدن وكان أبي يعمل في البلدية.
    القدس جميلة جداً بشوارعها وساحاتها الخضراء وبيوتها الحجرية والتي تشيّد من الحجارة المدقوقة حيث يحضرون نقّاشي الحجارة وهم "المعلمون" في هذا المجال، يحضرونهم من القرى المجاورة خاصة من بيت صفافا. لم تكن البيوت كما هي هنا من الباطون وطوابق متراصة. فالمبنى لا يزيد على طابقين والحجارة تدق وترص بعناية.
    لقد عشنا الحرب في القدس وأحسسنا بها ربما أكثر من غيرنا كونها كانت مركز المندوب السامي وفيها تجمع الجيش الأجنبي في الحرب العالمية الأولى وأنا عشت إضراب 1936 بكل صعوباته وتحدياته وقد فقدت المواد الغذائية والتموينية من الأسواق ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ومن بعدها قرار هيئة الأمم سنة 1947. ويتحدث كوستي عن الإرهاب الصهيوني في القدس كانفجار فندق الملك داوود والذي كان من أهدافه توجيه رسالة للبريطانيين بانتهاء مهمتهم. كان هذا الفندق قد خصص قسماً كبيراً منه لدائرة السكرتاريا في حكومة الانتداب فنسفته عصابة بيغن وقضى فيه أكثر من تسعين عاملاً وعاملة من السكرتاريا ومعظمهم فلسطينيون، حتى أنه لم يبق بيت في القدس لم يرتد أهله السواد. كان هذا سنة 1946 وكان اليهود يهدفون لإخراج البريطانيين تمهيداً لنقل القضية إلى هيئة الأمم المتحدة لتمرير التقسيم وإعلان الدولة. ويتحدث أيضاً عن الإرهاب الذي مارسته العصابات الصهيونية سنة 1936 في نابلس والخليل والذي عرفت منه مذبحة الخليل المشهورة. وقد تصاعد الإرهاب الصهيوني منذ 1945 واستمر حتى قرار التقسيم. ومن عمليات الإرهاب التي يذكرها نسف وتدمير أحد الفنادق في حي القطمون قرب البقعة الفوقا في القدس وتفجير سيارة مفخخة في باب العامود ايضاً في القدس راح ضحيتها العشرات، وكان الهدف من التصعيد بعد قرار التقسيم ترهيب الفلسطينيين ودفعهم للهرب خاصة من منطقة القطمون.
    ويستعيد خريطة القدس الغربية التي عمدت العصابات الصهيونية لتفريغها من سكانها العرب. ويقول "كان بالقرب من البقعة الفوقا مستعمرة تلفيوت وفي المقابل مستعمرة نكر حاييم ولكن داخل البقعة الفوقا جميع السكان عرب، وبالتالي تكررت هجمات المستوطنين وعمليات التفجير والترهيب لإفراغ المدينة، ولم يحل كل هذا الإرهاب من تصدي الشعب الفلسطيني ومقاومته عبر الاضرابات والتظاهرات احتجاجاً على الاستيطان والتهويد وعلى ضلوع الانتداب في دعم هذه العصابات. ففي سنة 1936 اضربت يافا عن بيع البرتقال وكان هناك الاضراب الشامل ولستة اشهر أيضاً نوعاً من الاحتجاج على ما يجري. ويلخص قسطنطين مشاريع التقسيم التي اقترحتها حكومة الانتداب لفلسطين بثلاثة، المشروع الأول وضع سنة 1927 والثاني سنة 1936 وكان الاضراب بهدف اسقاطه كونه أعطى أراضي عربية واسعة لليهود. ثم المشروع الثالث سنة 1947 وهو التقسيم الذي اعتمدته الأمم المتحدة ويشبه نوعاً ما مشروع تقسيم سنة ،1936 وبعد ذلك اعلنت بريطانيا انها ستنسحب في 15 مايو/ أيار، ولكنها بدأت الانسحاب من بعض المناطق قبل ذلك التاريخ إذ انسحبت من حيفا في 22 أبريل/ نيسان لتسقط المدينة نهار الأحد في 25 أبريل/ نيسان، أما اللد والرملة فقد بقيتا عربيتين ولم تسقطا بيد العدو إلا بعد الهدنة. تلك الهدنة التي أتاحت للعدو إعادة نشر قواته وتزويدها بالسلاح، ففي سنة 1948 وكما أذكر كانت الأحياء اليهودية في القدس الغربية على وشك الاستسلام حيث كانت محاصرة تماماً وقد قُطعت عنها المياه والإمدادات إلى أن جاءت النجدة لليهود عبر موافقة العرب على هدنة الشهرين التي سهلت للعدو ترتيب وتعزيز مواقعه بعد أن كان باب العامود مغلقاً تماماً. ويتحدث كوستي عن أبشع أنواع الإرهاب التي تعرضت لها مدينتا اللد والرملة حيث تم نسف المنازل على رؤوس اصحابها، كما يتذكر أنه وبسبب الحرب لم يستطع إنهاء دراسته في السان جورج لأن المدرسة تقع على الخط الأخضر "جرين لاين" في الشيخ جراح وقد تم إغلاقها ما دفعني لمتابعة دراستي في "الفرنت سكول" في رام الله لأقطع يومياً مسافة عشرين كيلو متراً في الباص ذهاباً وإياباً، لكن أحن للقدس الغربية، ولبيتنا ولحيّنا في البقعة الفوقا الذي كان حياً هادئاً وجميلاً. لقد غادرنا بيتنا دون أن نأخذ شيئاً.. حتى الصور تركناها على الجدران. كان هناك خطر على حياة أبي من اليهود، فرغم أصوله اليونانية إلاّ أنه من مواليد القدس وحبها يجري في دمه كما العروبة أيضاً.
    بقروا بطون الحوامل
    نجية محمد حسين أو "أم عفيف" كما تحب أن تناديها، من مواليد "القبّاعة" قضاء صفد ومن سكان مخيم برج البراجنة حالياً، جدّة ولها أحفاد لا تتوقف يوماً عن تذكيرهم بفلسطين. تبتسم أم عفيف وتشرق عيناها لحظة تسترد طفولتها في قرية "القبّاعة" تقول "انا أعرف فلسطين جيداً فهوايتي منذ الطفولة أن أُرافق أهلي في تنقلاتهم داخل فلسطين.. كنت صغيرة حين التقطت أذناي الكثير من الحكايات التي كان يبثها العدو لنشر الذعر بين السكان الفلسطينيين ودفعهم للهرب. كانت بعضها تروي كيف يأتي اليهودي ويطعن العربي في قلبه ويستخرجه من صدره ويأكله وفي الحقيقة أنهم فعلوا أكثر من هذا خاصة أولئك "أصحاب الجدائل والطواقي"، وكنت أُصادفهم يحملون كتباً ويتقدمون مجموعات من الصبية اليهود ليقفوا في أماكن محددة يضعون عليها بالعبرية شارات وأسماء يهودية. كانوا يشحنون هؤلاء الصبية بالحقد ضد الفلسطينيين ويوهمونهم أنها أرضهم. كنت أخاف من هذا المشهد خاصة مع ما اسمعه يومياً عن عمليات نسف البيوت على رؤوس أصحابها فكانت مجازر حطين ودير ياسين والصفصاف لا تزال حيّة في ذاكرتي. كنت أرى الذعر في عيون الناس الذين هربوا أو نجوا من هذه المذابح. ففي دير ياسين بقروا بطون النساء وعلّقوا اجنتّها على رؤوس الحراب. كانت لديهم طائرات تقصف وتدمر وأبشع ما فعلوه سحل البنات إذ عمدوا إلى ربط إحدى ساقي الصبية بسيارة جيب والساق الأخرى بسيارة أخرى لتأخذ كل سيارة طريقاً مغايرة ويتم شق الصبية إلى قسمين. كان أبي يعمل بالتجارة وبيتنا كان واسعاً جداً تحيط به أرض واسعة نزرعها بكل أنواع الخضار اضافة إلى ذلك الاسطبل الكبير للأبقار والذي كنا نسميه "بايكة". من قريتنا يتفرع شارع واحد يؤدي إلى مدينتي صفد وحيفا وعلى هذا الخط كانت تقع مستعمرة "نجمة الصبح" وعلى مقربة من بيتنا كان سوق الخالصة والزبيديات حيث تنصب خيام واسعة لعرض البضائع من أقمشة ودواجن وخراف وكل ما يمكن ان يحتاجه المرء. كنت أرافق أبي إلى السوق وأجلس قرب البضاعة التي يشتريها، وفي أحد الأيام اشترى غنماً ووضعها في شاحنة بيك آب ورغم أنني جلست قربه إلى جانب السائق الا ان رائحة الغنم ضايقتني فرحت أبكي طوال الطريق وأطلب اليه ان يستقل سيارة ليس فيها مواش. ما زلت أذكر حمامات طبريا والتي كانت نساء بلدتنا بعد الولادة تذهب إلى هذه الحمامات لاجراء مغاطس وحمامات تليّن الجسم بعد تيبّس الولادة. كنت أشاهد النسوة كيف يخلعن ملابسهن ويرمين بأنفسهن في الماء الغالي وحين أرادت أمي ان أنزل إلى الماء رحت أبكي وأصرخ ذعراً باعتبار أنه ماء يغلي وقد يسلخ جلدي ولكنها شرحت لي فوائده وحقيقته. وتتوقف أم عفيف لتخرج من صندوقها القديم مفتاحاً أكله الصدأ. قبضت عليه بحب وهي تقول انه مفتاح بيتنا في القباعة. بلدنا حلو كتير وغني بكروم العنب والزيتون والرمان والصبار والتين. أهله لا يجوعون أبداً.. كنا نأخذ فواكهنا هذه لطبريا ونحضر منها البرتقال، لقد هربنا تحت الرصاص حفاة وما زلت أسمع أزيز الرصاص وهو يشلّخ الحجارة..

    أريد العودة إلى كروم التين

    محمد حسن أبوحسان لاجئ فلسطيني من بلدة سعسع المشهورة قضاء صفد، ومن سكان مخيم برج البراجنة. يقول محمد إنه درس في سعسع حتى الصف الرابع الابتدائي لأنه بعد هذه المرحلة كان لا بد من متابعة الدراسة في عكا أو صفد.
    وفي قريته كان المهم هو تعليم المرحلة الابتدائية لحفظ القرآن وقراءة قصص الزير سالم وعنترة. لم يكن للوظيفة قيمتها ولم تكن مطلوبة في قريته كون أهلها جميعهم مزارعين وليسوا بحاجة للوظيفة. كان محمد يقرأ لجده في جلسات المساء وسط أصدقاء الجد وجيرانه قصص الزير سالم وبني هلال ولا يزال يذكرها حتى اليوم. ويذكر ان أستاذ اللغة العربية طلب رؤية وليّ أمره صبحي عوض بلعوس وهو حينها كان مختار العائلة لأن لكل عائلة في قريته زعيمها أو مختارها. وقال له إن خطية محمد برقبتك ان لم تكمل له تعليمه فهو صبي ذكي وينتظره مستقبل كبير. فكان جواب الزعيم "عنده ما يكفيه من كروم العنب والتين وأراض تطعم مئات العائلات وليست عائلته فقط". ويتطرق محمد إلى تعرّض بلدته للنسف ،1948 فيقول ان العصابات الصهيونية جاءت من مستعمرة عين زيتن على بعد 15 كلم من قريتنا قرب صفد وسميت عين زيتن على اسم البلد العربي الذي وجدت فيه وهي عين الزيتون.

    كان ذلك التاريخ في فبراير/ شباط 1948 وفي الحادية عشرة ليلاً والناس تغط في النوم مطمئنة وفجأة بدا وكأنه اعصار أو زلزال مخيف دوّت انفجارات وتساقطت البيوت على رؤوس ساكنيها وقتل الأطفال والنساء تحت الردم عدا الشباب والرجال. ويقسم محمد أن في أحد هذه البيوت التي تجاوزت خمسة عشر بيتاً كان هناك عريس وعروس في ليلة الزفاف ودفنا تحت الردم. كما هدمت الاسطبلات وقتلت المواشي وهذا عشته أنا ولم يحدثني أحد عنه أو أسمع به. في تلك الليلة أشعَل الأهالي المشاعل لأنه لم يكن هناك كهرباء وحاولوا انقاذ ما يمكن انقاذه من ضحايا التفجيرات وبعضهم راح يتتبع الأثر باتجاه الشرق والغرب وشاهدوا آثار دم وبندقية انجليزية كانت قد سقطت في الجل. وتابعوا الأثر حتى وصلوا أرض عيون الرخم في سعسع ليفاجأوا بوجود آثار بغال كانت مربوطة في المنطقة وكذلك شوكولا وزجاجات كونياك فارغة وأدركوا ان العصابة جاءت من الشرق من مستعمرة عين زيتن وعلى البغال ولأن الطقس بارد شربوا الكونياك وأكلوا الشوكولا. لقد حضرت جميع القرى المحيطة بسعسع لتشاركها مصابها آنذاك. كانت عملية وحشية تقشعر لها الأبدان آنذاك. ويتحدث محمد عن طقوس الأفراح في فلسطين وكيف تتشارك القرية جميعها بتقديم الذبائح والأطعمة والحلوى واحياء ليالي الأفراح لأسبوع متواصل حيث تسمى تلك السهرات ب "التعاليل" وفيها يجري سباق الخيل والمهرة والرقص والدبكات في ساحات القرية قبل أن يحضروا العروسين كل منهما على فرس في زفّة تقيمها النساء للعروس وأخرى يقيمها الرجال للعريس. أما كيف تمّ خروجه من سعسع، فيقول انها في الأساس بريطانيا ووعدها المشؤوم وانتدابها الذي سهّل دخول العصابات الصهيونية إلى فلسطين كما سهّل تسليح هذه العصابات وتدريبها اضافة إلى تخاذل الأنظمة العربية ان لم نقل وتآمرها.
    ويتطرق إلى جيش الانقاذ الذي تم تشكيله وعلى رأسه فوزي القاوقجي من طرابلس وأديب بيك الشيشكلي من سوريا وساري بيك من العراق وكيف أن هذا الجيش طلب من الشعب ان يرتاح لأنه هو سيحرر فلسطين وهو الذي دعا الناس للخروج على أساس انه سيعيدهم بعد التحرير. ويقسم محمد ان عدد اليهود آنذاك لم يكن يتجاوز 5% وان يهود فلسطين كانوا كما مسيحييها في تعايش وتواصل ولا فرق بين الطوائف حتى بدأت العصابات تتشكل كما هجرة اليهود إلى فلسطين. ويشير إلى الطريقة التي اتبعها العدو في احتلاله لفلسطين عبر المذابح والتدمير واحتلاله لأكثر من ثلاثين أو أربعين قرية يعلن بعدها الهدنة ليعيد ترتيب أوضاعه ويستأنف هجومه واحتلاله. ويتحدث عن الارهاب الصهيوني في حيفا وقضائها وكيف تمّ اسقاطه وترحيل الناس عبر البواخر. يقول "بقي قسم من قضاء عكا وصفد حوالي ثلاثين قرية ليأتي جيش الانقاذ وتطلب قيادته من الناس اخلاء بيوتها وتعدهم بالعودة بعد أيام ثلاثة ما جعل الناس لا تأخذ سوى المفاتيح وبعض الملابس.. ويردد بأسى.. مين كان عارف قعدتنا رح تطول.. يهز رأسه ويردد حتى لما طلع القرار 194 عن هيئة الأمم المتحدة قتل اليهود صاحب القرار الكونت برنادوت لأنه أقرّ بحق العودة للفلسطينيين.. كل ما بيطلع زعيم بدو الفلسطينيين يرجعوا على فلسطين يقتلوه.

    يُخرج محمد أوراقه الثبوتية من صندوقه الأثير ويقول "لو يعطوني بلاد العالم كلها لا بديل عن بلدي وبيتي وهذه أوراقه الثبوتية لا تزال معي"..
    أريد أن أعود إلى كروم التين والعنب. حياتنا في بلدنا حياة ملوكية كل شيء بطلع من أرضنا الغنية، صحيح أنه مرت ستون سنة ولكن أولادي وأحفادي يعرفون فلسطين مني كما أعرفها لأنني أحدثهم عن بلدهم كل يوم حتى أصبحت في دمهم ويرفضون أي بديل عنها.


    يتبع ..


  8. #8
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا ..
    عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )

    60 عاما على النكبة ( 2)

    لاجئو الاردن.. جراح في مفكرة الارقام وآمال تسندها وثائق الأرض

    [size=6]شهداء، أسرى، جرحى، لاجئون، قرارات دولية، قرارات عربية..
    كلها ارقام بأرقام، هكذا بات حال الشعب الفلسطيني منذ نكبته قبل ستين عاماً.[/
    size]


    فلسطينيو الشتات، لاجئون، نازحون، وفي الاردن التي يقطنها اكثر من 1.7مليون لاجىء، لا يزال من تبقى على قيد الحياة يتذكرون منازلهم الحجرية، قليل ما تبقى منها صامدة كشاهد عيان، واخرى تهاوت امام جرافات عملاقة جلبها الاحتلال ليحرف مسار تاريخ بإنشاء كيان وتهديم وطن.

    شعب توزع على اصقاع الارض وآخر استحضر، بيد أن الخطوات الأولى على ارض قرية العباسية يتذكرها الشيخ عبدالكريم صادق وهو يعتصر الماً قابضاً على مفتاح منزله متوعداً بتسليمه الى اجياله من بعده، الدموع التي انهمرت لدى سؤاله عما يتذكره في قريته كانت مدرارة بيد انها لم تكن كدموع ابي عبدالله الصغير وهو يسلم مفاتيح الاندلس لفرناند وازبيلا. فالإصرار على العودة كان اكبر، ويقول لن اقول كما قال عبدالله الصغير: ابكي مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
    خرج عبدالكريم من يافا الى الضفة الغربية يحمل معاني الهجرة في ظل اعتقاد بأن المدة لن تطول كثيراً فحمل ما خف وزنه، لكنه يستطرد بالقول تسارعت المذابح واتسعت لتشمل مختلف القرى والبلدات والمدن، وروح المقاومة تتعزز، ومع وفاة طفليه بسبب المرض في مخيم عقبة جبر حمل امتعته وعبر الجسر شرقاً، حاملاً معه هذه المرة صفة "نازح" بدلاً من "لاجئ" وهو يتمتع بحق المواطنة الأردنية.
    ومثل صادق يحتفظ الحاج عبدالكريم عمرو (75 عاماً)، أوراق قديمة تعود للعهد العثماني واخرى للانتداب البريطاني تمثل ميراثاً لأرضه في قرية سيرين قرب بيسان كدليل وحيد على حق ملكية في ارض هجرها، ويقول، في داخل كل لاجىء فلسطيني قطعة من الارض، ليست ورقة أو مفتاحاً يحمله ليعود به الى بيته، وانما قطعة زرعت تكبر كل يوم وتنمو تسقى بالدم.
    وتحمل الحاجة فاطمة على كاهلها 67 عاماً، قضت معظمها خارج قريتها الام في اراضي 1948 لتستقر في مخيم جبر للاجئين في الضفة الغربية، وهناك تزوجت وانجبت اطفالها قبل ان تذهب إلى رحلة شتات جديدة هذه المرة لتقطع الجسر شرقاً وتستقر في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين اكبر مخيمات اللاجئين في الاردن، وتقول تحدثوا عن "يومين ونعاود، لحد الآن لا عدنا ولا شفنا حدا من اللي وعدونا". حكايتها لا تختلف كثيراً عن حكايات الالاف من سكان المخيم الذي يصل تعداده وفقاً لإحصاءات غير رسمية الى نحو 80 الفاً، ومن المؤكد ألا يمر الخامس عشر من مايو/أيار الذي يصادف الذكرى الستين للنكبة مروراً عابراً، فاللاجئ الفلسطيني منذ ذلك الحين وهو يعد الارقام في ذاكرته لأنها محطات حياتهم وتركتهم من اكثر شعوب العالم تعلقاً بالآمال، وما يصاحبه من ألم.
    كبار السن في المخيم يحتمون بذاكرتهم لإبقاء شعلة الارتباط بالمكان الوطن الغائب حياً وقائماً في النفوس، فيما تذهب الاجيال الثالثة والرابعة لشؤون حياتهاويبقى الوطن في الاذهان وعقول الاجيال الجديدة.
    استحضار الوطن الغائب داخل العائلات الفلسطينية والاجداد الذين يرقدون في مقابر الوطن الأم هو ما تبقى من جذور التواصل العاطفي مع فلسطين التاريخية.
    النكبة مستمرة وهي مرشحة للاستمرار وسط اجواء تنذر بنكبة مركبة تتجسد فصولها البشعة على الارض باحتلال استعماري إحلالي استوطن وهجّر، حاصر وقتل، بث الفرقة بين ابناء الجلدة الواحدة ومجتمع دولي محكوم بمعايير مزدوجة ودول عربية عاجزة صامتة وثمة من يرى بأنها متواطئة مجردة من الخيارات والبدائل، باستثناء ما اصطلح على تسميته "خيار السلام الاستراتيجي"، ولعل خريطة المواقف والمواقع الفلسطينية والعربية والدولية يعاد انتاجها على الشاكلة التي كانت عليها قبل ايار/مايو 1948.

    عشرات الفلسطينيين من اللاجئين في الاردن الذين سمحت لهم اتفاقية وادي عربة السلمية دخول ارض فلسطين التاريخية، حاولوا التعرف إلى قراهم وبلداتهم، فلم يفلحوا، فالعديد منها اختفى تماماً عن وجه البسيطة.
    ويقول الثمانيني محمود عبدالكريم صالح ذهبت الى اللد حاملاً الأمل والاحزان، مررت على بلدات عربية اشير الى اسمائها بالعبرية، وكان علي قبلها ان اتجاوز ما يسمى بالخط الاخضر لاجد الدمار، وبصعوبة تعرفت إلى قرى وبلدات فلسطينية، ثمة قرية عربية كانت تحمل اسم "دنون" لم اجدها وشارع صلاح الدين في بيسان اصبح اسمه "هرتسل".
    "المفتاح والقوشان" و"كرت المؤن"، تأكيدات للفلسطينيين على حقهم في وطنهم، ف "الكرت" الذي منحته الامم المتحدة لهم حولهم إلى لاجئين فيما قراراتها تؤكد حقهم بالعودة الى وطنهم، لكن "الكارت" صار ايضاً وسيلة للبقاء والعيش، فحامله يسعفه الحصول على مواد غذائية وتلقي العلاج عبر ما يعرف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي الوكالة الاممية التي ما زالت صامتة، فيما محاولات طمسها حثيثة.
    ذكرى النكبة بالنسبة للفلسطينيين ليست ماضياً انتهى، بل هي ماض مستمر، يبقى متواصلاً للمستقبل، واذا كان تعزيز الهويات الفرعية الاقليمية والقطرية حتم على بعضهم من سكان الاردن التلويح بجواز السفر بدلاً من كرت المؤن، فإن ثمة قناعات بانه ليس "وعد الله" هو الذي اعاد اليهود الى فلسطين، بل وعد الاستعمار منطوق بلسان بلفور، ولجان حق العودة في المخيمات تعمل بفاعلية، ترصد التصريحات وتطلق التأكيدات، واذا كانت النكبة وشقيقاتها النكسة والكارثة والهزيمة قد حلت بالأمة، فإن ذلك ليس قدراً محتوماً فالصراع ما زال مفتوحاً باعتباره وجودياً.
    لا يعرف بعد مدى تقبل الفلسطينيين لاقامة دولة على جزء من ارض فلسطين التاريخية، لكن مندوب الاردن الدائم لدى الامم المتحدة والمستشار السياسي السابق في الديوان الملكي عدنان ابو عودة يرى ان قيام الدولة الفلسطينية في حال نشوئها بحدود عام 1967 ستلبي البعد العاطفي لدى الكثيرين ممن استقروا خارج فلسطين وتمكنوا من تحقيق نجاحات في حياتهم العملية.
    ويضيف اللاجئ كفرد له حق في العودة لا يمحوه الزمن، لكن يبدو الآن أن له بعداً سياسياً تتابعه السلطة الفلسطينية والدول المضيفة والثاني فردياً بعيداً عن اية تسوية سياسية وهو حق لا تقرر الدولة نيابة عن الفرد.
    وهنا في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين أجيال تمضي واخرى تتذكر الحكايات مملوءة بأمل العودة الى الارض الحلم.
    شريف حسين (50 عاماً) يقول: لم اكن اتوقع يوماً ان تكون نهاية جدي الذي كانت تجاعيد وجهه تعبر عما بداخله من مرارة والم واصرار، جدي الذي ولد في قرية الجورة غرب مدينة عسقلان، والتي هجر منها العام 1948 على ايدي العصابات "الاسرائيلية" مثله مثل باقي المواطنين في القرى والمدن الفلسطيني، ان يتوفاه الله بعيداً عن وطنه وارضه التي طالما حلم بها كثيراً ولم تفارق صورتها عيناه يوماً واحداً، كان دائماً يجمعنا امام باب بيتنا، انا واخوتي حوله، ويبدأ بحديثه عن قريتي وما بها من خيرات سلبت على ايدي العصابات الصهيونية، وكانت الدمعة تذرف من عيونه كأنه يعلم جيداً انه سيموت بعيداً عنها. لن يعود ولن يرى ارضه مرة اخرى لأنه كان في حينها في الثمانين من عمره.. بهذه الكلمات بدأ حسين حديثه عن حكايات جده الذي قضى ولم تنقض وكأنها لا تزال مثل الناقوس يقرع في الذاكرة الهشة، كي يبقى الامل بالعودة الى الارض الحلم. ويقول: كلماته البسيطة التي كان يقولها لنا كانت تحمل معاني كثيرة وكانت بمثابة التجسيد الحقيقي للانسان الفلسطيني ليزرع في قلوبنا وعقولنا حب الوطن والارض والتمسك بها، وعدم التفريط بأي شبر منها مهما كلفت التضحيات.
    ويتابع، يحضرني في احدى المرات عندما كنت اجلس معه قال لي: "يا بني ذرة تراب من ارضك تسوى كنوز الدنيا وما فيها واوعى تفكر في يوم انك تتخلى عن ارضك".. كانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي الهبت مشاعري وزادتني قوة واصراراً على التمسك بالارض لانه كان يعلم جيداً بأننا ولدنا بعيداً عن ارضنا وكان يراوده الخوف اننا سننسى هذه الارض بعد وفاته.

    ويضيف "مفتاح الدار واوراق الطابو".. كلمات كان يرددها كثيراً في جلساته معنا، كان مفتاحه في يده وقد اعتلاه الصدأ، واوراق قديمة عفا عليها الزمن لا تفارقه، لكنها كل ما يملك، وميراثه الذي سيورثه لنا، هو الارض والتراب والبيت والحق الذي سلب منا، وهما الدليل الوحيد على حقنا وملكيتنا في ارضنا التي هجرنا منها.


    يتبع ..


  9. #9
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا ..
    عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )

    60 عاما على النكبة (3 )

    [size=6]"لكل الناس وطن يعيشون فيه إلا نحن لنا وطن يعيش فينا"[/size

    بقدر بعدها عن عيونهم، هي قريبة من قلوبهم، خرجوا هائمين على وجوهم لا يعلمون للأمان طريقاً إثر تهجيرهم قسراً من منازلهم وأراضيهم في العام 1948. ملايين اللاجئين الفلسطينيين دأبوا يرددون طوال سنوات نكبتهم "لكل الناس وطن يعيشون فيه الا نحن لنا وطن يعيش فينا"، يفكرون هل يمكن لعجلات الزمان أن تعود الى الوراء، ستون عاماً قضوها في غربتهم القسرية، ستون عاماً وأحلام يقظتهم تحملهم كل يوم الى أرضهم وبلداتهم، ستون عاما وشوقهم الى معانقة حبات الرمال واستنشاق عبير أتربة المكان الذي عشقوه هو هاجسهم الأول. ذكرياتهم المتشابكة حول أوقات ممتعة عاشوها كباقي الناس يزرعون ويحصدون، وأخرى تعبر عن معاناتهم ورحلة تشريدهم التي بدأت ولكن لم تكتب لها نهاية بعد.. مشهد البيت الطيني الكبير والبيارة الممتدة على مرمى النظر هي ذاكرتهم التي بقوا طوال هذه السنين متشبثين بها خوفا من يوم اسود يصبحون فيه بلا تاريخ، توجسا من أن يمضوا كشيخ أوغل في العمر وغادرته الذاكرة وبقي جسدا بلا روح، انه وطن يعادل الروح بالنسبة للاجئ الفلسطيني.

    شهادات من زمن النكبة

    الحاج عودة عدوان (93 عاماً) لاجئ من قرية بربرة، هو واحد من الذين عاشوا تفاصيل النكبة وعاصروها، فقد بصره قبل سنوات، الا أن النكبة والهجرة بقيتا محفورتين في أعماقه لم يخدش منهما شيء، يصف ذكرياته من على سرير المرض، فيقول: تسألني هل أتذكر وكأنني نسيت يوما أنني أعيش في ارض غير ارضي ومنزل غير منزلي، لقد دمر اليهود قريتنا بالكامل لكنني لم أيأس يوما من فكرة عودتي، كنت شابا يافعا في ريعان الشباب ومتزوجاً حديثا، وكلي نشاط والحيوية تملأني، كيف لي أن أنسى هذه السنين الطويلة من التشرد والضياع الحقيقي؟ فقصتنا لم تقف عند أشخاص تركوا أرضهم ومنازلهم ولكن النكبات توالت على رؤوسنا وتعاظمت الضغوط وزادت علينا أعباء الحياة وتحملنا بعقولنا البسيطة وقتها وزر أمة ضاعت بين تصارع القوى ودول كبرى أمعنت فينا عذابا، ودول عربية تركتنا فريسة لليهود ينهشون لحمنا. كيف أنسى مشاعر الخوف والحسرة التي تملكتني وأكلت قلبي وأنا أغادر منزلي تاركا ورائي أي حلم بالحياة متجها نحو بلاد لا اعرفها، وقتها عرفت أن أصعب شيء في هذه الحياة السير في طريق تجهل آخره.
    يسند الحاج أبو خلف رأسه بيده وكأنه وصل لتوه من رحلة هجرته ويتابع حديثه: كنا نعيش بأمان قبل النكبة في العام ،1948 ومع وقوع أحداث النكبة والتي بدأت منذ أول العام بدأ شعورنا بالقلق جراء هجرة اليهود غير الشرعية التي كانت تسهلها لهم القوات البريطانية المسيطرة آن ذاك. ويضيف: قريتنا (بربرة) تبعد عن مدينة غزة حوالي 17 كم الى الشمال، وتعتمد على الزراعة بالدرجة الأولى كما هي القرى الأخرى المجاورة، وعدد سكانها قبيل النكبة كان حوالي 3 آلاف نسمة، كانت من القرى المتأخرة في هجرتها حتى بعد اعلان الكيان الغاصب دولته على أرضنا بقينا بعدها لعدة أشهر في منازلنا ولكن في حذر وخوف شديدين.
    يصمت الحاج أبو خلف قليلا ويضيف: كانت أخبار المجازر التي ترتكبها العصابات الصهيونية تتوارد الينا على لسان شهود عيان، أو نقلا عنهم، كان الخوف قد تسلل الى القلوب كبارا وصغارا رجالا ونساء، لم تكن الأحداث تمهلنا فرصة التأكد من حقيقة تلك الروايات التي كنا نسمعها وأصبحت حديث مجالسنا، بدأنا نخلي قريتنا مساء تحسباً لأي هجمات قد تطال القرية خوفا من وقوع الهجوم ليلا، وكنا ننام في الحواكير أو الأجران المجاورة للقرية، ومن ثم نعود في الصباح وكان يساعدنا أن الوقت كان صيفا خلال (نيسان/أيار)، ويستذكر عدوان رحلة الشتات والتشرد: كانت النساء تعد كل يوم اربع وجبات بدلا من ثلاث واحدة للنساء والأطفال، يتناولونها في الصباح والثانية لغداء جميع اهل البيت والثالثة للرجال المسلحين في القرية والرابعة للنساء والأطفال في رحلة الخروج مساء والعودة في الصباح الباكر.

    ويتابع الحاج عودة: كانت مشاهد غريبة من الرحيل اليومي، شيء قد لا يصدقه العقل، كل يوم تساق الحيوانات تحمل ما خف وزنه وارتفع ثمنه، يبكي الزوج على زوجته واطفاله الذين قد لا يراهم ويمضي بقية الليل في الدفاع عن تراب الوطن، متمترسا خلف بندقيته القديمة، واستمر وضعنا على هذه الحال ثلاثة شهور، ويردف قائلا: زاد خوف السكان في القرية بعدما زادت سيطرة العصابات الصهيونية على المدن والقرى التي نزح عنها اهلها بسبب شراسة الهجوم الصهيوني، خصوصاً المدن والقرى التي لم تصلها القوات العربية والمتطوعون مثل يافا وحيفا وقراهما، ويعزو عدوان الأسباب الرئيسة لهجرة السكان وقتها الى الجهل الذي كان متفشيا كالوباء في اوساط الشعب، وانتشار انباء المذابح والشائعات بشكل كبير ومهول، وخصوصا الاعتداءات على الشرف التي كانت تخيف الشارع الفلسطيني كثيرا لما تمثله قضية الشرف من اهميه تصل الى درجة الهلع.
    ويضيف عدوان وهو يحمل أوراق الملكية الخاصة بأرضه ومنزله القديم: لن أنسى ذلك اليوم الذي تجمع فيه كل اهالي القرية في طريق واحد عند ساحة البئر متجهين الى الغرب حيث ساحل البحر، كان الوقت قبل غروب الشمس والشتاء قد طرق الأبواب، أخذنا بالسير ونحن ننظر وراءنا الى القرية نلوح بأيدينا وقلوبنا تبكي رافعين أصواتنا في الوداع، الى اللقاء قريتنا الحبيبة، بكل ما فيها حجارتها نخيلها وأشجارها، الى التراب وداعا الى المنازل التي تحمل رائحة والدتي التي لا تزال كلماتها عالقة في ذاكرتي "اللقا يوم اللقا يا بلدنا".

    النكبة.. مسؤولية جماعية

    ان كان الاسم الشخصي يكفي بعضنا لبداية التعارف مع شخص يراه لأول مرة فالأمر ليس كذلك للحاج محمود ماضي "أبو العبد"، فأول سؤال يخطر بباله بعد معرفته لاسمك هو من أي بلد أنت؟ أبو العبد عاش عمره حاملا أمل العودة، متقصيا عن حكايات النكبة وقصص القرى والمدن التي هاجر أصحابها، ويمكنك أن تعده أرشيفا شفويا خاصة اذا كان الحديث عن النكبة. يبدأ كلامه قائلا: النكبة كلمة لها معان عميقة تعبر عما حدث عام ،1948 فهي تعني الكارثة أو (المصيبة) فلك أن تتخيل وأنت تتحدث عن مصادرة الأراضي وتهجير وطرد (800 ألف فلسطيني) من منازلهم، الى أن أصبح عدد هؤلاء اللاجئين مع تزايد أعدادهم في المهجر من أولاد وأحفاد بعد 60 عاماً من النكبة أكثر من 6 ملايين لاجئ، فأي كلمة ابلغ من نكبة تعني كارثة تدل على مصيبتنا هذه؟ فالنكبة وما ترتب عليها ليست حادثاً عابراً، بقدر ما هي حالة تكبر كل يوم وتتعاظم كلما تقادمت.
    ويضيف أبو العبد الذي اعتمر حطته البيضاء ولم تعد بسطة البيت تحمله لتشققها ليستبدلها بكرسي من البلاستيك: أنا من مواليد 1937 شاهدت النكبة والرحيل طفلا، إلا أن الكثير من الذكريات تعيش داخلي كالهواجس ولن أنساها، فلا أنسى يوم كنا نسير بين البيارات وكروم العنب متجهين شرقا من قريتنا "بيت جرجا"، كان هذا اليوم الأطول في حياتي، تم فصل النساء عن الرجال وكنت أنا من أكبر الأطفال برفقة النساء، غادرنا القرية وعندما حل المساء علمت ان كبار السن بقوا في القرية ليشجعوا الشباب على الدفاع عن القرية على امل العودة قريبا، أخذت النساء والأطفال بالسير وراء بعضهم بعضاً على شكل طابور الجيش كنا في هذا الموكب الحزين بعيون زائغة حفاة القدمين نسير فوق الشوك والصخور.
    يضيف أبو العبد: كانت كل امرأة تحمل طفلا أو أكثر للزيادة في سرعة السير، لم يستطع احد قول أي شي واكتفى الجميع بالهروب وكان يخرق صوت الصمت شهقات بكاء مكتوم، لا تعرف هل سببه مفارقة الزوج والأخ أم مفارقة البيت والأرض، هو حزن لف المكان ورافقتنا سحابته في رحلة السفر الطويلة والصعبة الى يومنا هذا، كنت أنا أسير على قدمي واحمل المياه وبعض أدوات المطبخ مثل "بابور الكاز" موضوعة في كيس من الخيش الخشن على ظهري، سرنا مسافات لا اعلم كم هي، كل ما أعيه هو أن التعب والارهاق نالا من الجميع وما نحمله من ماء وطعام بدأ بالتناقص، ومن الأشياء التي اذكرها جيدا أننا كلما جلسنا للاستراحة وتناول الطعام كان اليهود يلاحقوننا بطائراتهم ويقومون بالقاء القنابل علينا عشوائيا.

    كانت الطائرات كالأرواح الشريرة التي تطالنا أينما هربنا منها وكأنها قدرنا، كنا نلاقي عائلات من بلدان أخرى هاربة في اتجاهات مختلفة، كان الخوف باديا على الوجوه وصوت الأنفاس يتصاعد، كنا نسارع الخطى حتى ابتعد بعض الأفراد من العائلة الواحدة عن بعضهم بعضاً، والكل ينادي بحثا عن بقية الأبناء الذين في الغالب لم يستطيعوا اللحاق بأهلهم، لقد كنا في بداية فصل الشتاء حيث البرد الذي يلفنا مساء وشمس النهار تلهب رؤوسنا، والجميع يخاف من الموت أو من تعرضه الى السرقة والأدهى تعرضه لحادثة شرف قد تمثل له الأهم والأخطر، لقد قطعنا المسافة بين قريتنا وقرية بيت لاهيا على مشارف مدينة غزة سيراً على الأقدام بعد عدة أيام من المشي المتواصل.
    يتابع الحاج محمود حديثة قائلا: كنت اسمع كبار السن يقولون والحسرة تملأ كلامهم "يا ريت ظلينا بأرضنا ومتنا فيها بدل ما نموت هان وتأكلنا الوحوش وما نلاقي حدا يدفنا"، سمعت منهم عبارات كنت اسمعها للمرة الأولى: يقولون الجيوش العربية، الحرب، والمؤامرة، كلمات فهمت معانيها بعد سنوات عندما علمت انه كان معنا وقتها جيوش عربية لم تقاتل، وعرفت أن الانجليز هم من ساعدوا اليهود على استيلائهم على أرضنا، تأكدت بعد هذا العمر أن هذه الحرب المزعومة لم تكن أكثر من مؤامرة وكيف استطاعت مجموعة صغيره من العصابات الصهيونية هزيمة الجيوش العربية، لقد شاركنا في ضياع فلسطين جميعا متخاذلين أو صامتين، وربما متآمرين.
    وحول الاستقرار بعد الرحيل يقول أبو العبد: نحن لم نستقر حتى اليوم فمن قرية بيت لاهيا، التي وصلناها أول الهجرة وبقينا في الخيام الى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، بعدها كان بيت الصفيح الى مخيم خان يونس وبقينا هناك في البيت الطيني ومن ثم "قرميد" وكالة الغوث، الى ما نعيش فيه اليوم من منازل نعلم أننا مفارقوها مرة أخرى، وان بقاءنا فيها مجرد وقت، أقول هذا وأنا ودعت زوجتي في هذا البيت، وفارقني العديد من أصدقائي وأقربائي من أبناء جيلي، لكن أنا في حال حلم دائم بالعودة كي أكحل عيني برؤية قريتي بيت جرجا قبل أن أموت بعدما باعدت بيننا الأيام لكنها لم تغب يوما واحدا عن خاطري.

    زواج قبل النكبة

    لم يكن أكثر المتشائمين بالوضع وقتها يتوقع أن تمتد سلسلة المعاناة كل هذا الوقت، وان التقادم قد يأكل ويشرب على قصص اللجوء، الحاجة آمنة سلطان (72 عاما) واحدة ممن توقعت العودة قريبا لكنها لا تزال تنتظر الى يومنا هذا، تقول حول ذكرياتها القديمة: كانت لدى والدي ارض صغيرة وكنت أنا وأختي التي تكبرني نذهب للعمل فيها لمساعدة والدي في زراعة الأرض والاهتمام بها، كنت صغيرة عندما تقدم لي ابن عمي لخطبتي وتزوجته في عرس حضره كل أهل القرية، وبقيت النساء تغني والرجال في السامر والدبكة الى ساعات الصباح، كنت سعيدة بهذا الزواج رغم أنني الزوجة الثانية، وكنت أنا وضرتي نصطحب الأكل الى زوجنا بالحقل أثناء عمله هناك، وعند الحصاد نجمع المحصول في عربة "كارو" ونرسله الى الجرن لفصل الحبوب من القمح.
    وتتعمق الحاجة سلطان بذكرياتها وتروي تفاصيل النكبة والهجرة والرحيل فتقول: كان في قرية "الجية" القريبة لقريتنا "حمامة" معسكر انجليزي استولى عليه السكان لمدة خمسة شهور بعدما تركته القوات البريطانية، ولكنهم تركوه بعد أن بدأت تتوارد الأخبار عن اليهود وعصاباتهم وأنهم يتخذون من المعسكرات الانجليزية مقرا لإقامتهم، وبدأ رحيل أهل القرى الشرقية والشمالية أولا، وعند وصولهم الى قريتنا هاربين بدأوا بالحديث عما سمعوه أو شاهدوه من قبل تلك العصابات من قتل ونهب وهتك أعراض، ما كان له الوقع الكبير في نفوسنا، اجتمع بعدها رجال القرية ليحددوا مصيرنا خاصة بعدما انسحبت القوات المصرية التي كانت تعسكر بالقرب من بلدتنا وقررنا الرحيل واتخاذ طريق الشاطئ كونه أكثر أمانا وابعد وصولا الى أيدي العصابات الصهيونية، وهناك شاهدنا ما فجع نفوسنا وملأها رعبا فوق رعبها، اقتلعت قلوبنا مشاهد الجنود المصريين مقتولين على شاطئ البحر بعدما غيروا لباسهم العسكري بآخر مدني، الا أنهم لم يسلموا من بطش الصهاينة لقد تعرفنا إليهم من أحذيتهم وهنا توقفنا، كل منا ينظر الى الآخر ما العمل كيف نهرب والى أين هذه المرة؟

    العودة حياً أو ميتاً
    تواصل سلطان شهادتها: هاجرنا في آخر شهر في العام كان البرد شديدا ولبست أنا وباقي النساء اغلب ملابسنا فوق بعضها البعض وحملنا ما استطعنا حمله من فراش البيت، وخبأت الباقي في احدى الغرف وأقفلت عليه بالمفتاح خوفا من أن يقال انني امرأة مهملة في بيتها، قليل منا من كان يعي ما يحدث، وان هذا الذي نحن فيه هو هجرة طويلة قد تمتد واصطحبوا معهم أموالهم ومصاغهم وحجج أراضيهم ومنازلهم، أما نحن فقد تركنا أوراق الملكية هناك بالمنزل مع بقية العفش البسيط.
    وتضيف: رحلت كل أسرة لوحدها تسير خلف الأخرى كالقطار، وكانت أسرتي مكونة من أربع نساء وأربعة رجال وولدي الرضيع الذي لم يكمل شهره الأول بعد، حملنا أغراضنا على بغل وجمل كنا نملكهما والباقي حملناه بأنفسنا، وطوال فترة مشينا كنا نسير تحت دوي الطائرات التي كانت تنادي علينا بالعربية المكسرة "هالو.. هالو..اطلعوا اطلعوا" وضعت طفلي على الأرض وارتميت فوقه لأغطيه على جهل مني بأن الطائرة ممكن أن تسمع صراخه الذي لم ينقطع يومها، ووصل خوف زوجي الى أن طلب مني تركه على جانب الطريق والمتابعة الا أنني رفضت ذلك بشدة، وصلنا الى جنوب مدينة غزة في منطقة تسمى المغراقة بعد أيام من المشي المتواصل محفوفة بالمخاطر والخوف، أقمنا بها أياما بعد أن أنهكنا التعب ووجدنا أناساً من قرى أخرى يقيمون هناك، لكننا سرعان ما تركنا المكان مرة أخرى خوفا من الخطر الذي يهاجمنا بحرا هذه المرة من قبل السفن "الاسرائيلية" التي كنا نراها واضحة قبالتنا في البحر، متجهين جنوبا الى بلدة دير البلح وهناك استقر حالنا في مخيم للاجئين لم نزل نقيم فيه الى يومنا هذا.
    وتشير الحاجة آمنة إلى أنها وبعد ستين عاما قضتها في مخيم دير البلح لا تشعر حتى الآن بأن هذه الأرض أرضها، وقالت: صحيح انها كلها فلسطين لكن أنا مكاني الطبيعي هناك حيث ولدت ونشأت وتزوجت، وبكلمات بسيطة تابعت: "بدنا نرجع لبيوتنا، بدناش تعويضات وبدناش حلول ما الها طعم بس برجعتنا بتحل قضيتنا".
    وقالت: "بعد كل هذا العمر أعيش على أمنية واحدة إن لم تقدر لي العودة الى هناك وأنا على قيد الحياة فاني أتمنى أن يتمكن جسدي من العودة على أكتاف أبنائي وأحفادي الذين جاوزوا العشرين أنجبتهم جميعا في الغربة على ارض الهجرة".

    النكبة..مرتين

    منذ بدأ القلم يكتب اسم فلسطين كان في الجهة المقابلة للصفحة يكتب تاريخا ملؤه نكبات تتوالي وتتعاقب على سكانها رحيلاً وتشرداً وضياعاً وآلاماً قاساها سكان هذه البلاد، وكأنه كتب عليهم أن يكابدوا أوجاعهم لتبقى ذاكرتهم حية ورطبة وحاضرة في كل وقت، أم محمد اليازوري عمرها (69 عاماً) استهلت حديثها قائلة: سنعود يوما الى القدس وحيفا ويافا والى بيت دراس "بلدتها الأصلية"، لقد أورثتني والدتي مسبحة كلما أشاهدها أتذكر أن لي بيتاً هناك في "بيت دراس"، أرى فيها كل أشجار الزيتون والبرتقال في بيارتنا، أرى فيها بيت والدي المختار وديوانه الكبير، عندما رحلنا كنت صغيرة ولكني ما زلت أتذكر اسم المجرم (رئيس وزراء الاحتلال السابق أرييل) شارون حيث كان قائد احدى العصابات الصهيونية التي هاجمتنا في قريتنا، كان اسمه يتردد ويعني لنا القتل والاجرام والتعذيب، عرفناه أكثر مع الأيام ومع الحروب التي تلت سنوات نكبتنا، وبعدها استقرت بنا الحال في مخيم رفح للاجئين جنوب قطاع غزة والمفارقة أن شارون وعندما كان رئيسا لوزراء الاحتلال قام بهدم منزلنا الذي يحاذي الشريط الحدودي مع مصر، ليهجرنا مرة أخرى من منازل لجوئنا.

    وتسأل الحاجة هل يمكن أن يحدث هذا مرتين؟، وتضيف لقد أجبرتنا تلك العصابات على التذكر لمن نسي منا في رسالة مفادها ان "كنتم نسيتم أننا من رحلناكم عن بيوتكم فلكم النكبة الجديدة سنرحلكم مرات ومرات"، الحاجة أم محمد ما زالت على أمل العودة الى بيتها في بيت دراس وليس الى منزلها المهدم في رفح. ولأن حلم العودة إرث تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل وحلما تتناقله السنوات المتعاقبة، فلم تنس أم محمد أن تحدث أحفادها عن ذكريات البلد التي حملت بعضها وسمعت اغلبها، حدثتهم عن بيت جدهم الكبير وكم شجرة كانت تحيط بالمنزل، علمتهم ان سألهم احد أن يقولوا له نحن من "بيت دراس"، جعلت من حكايات النوم مناسبة لتحويل النكبة صوتا وصورة ونكهة بطعم العذاب الممزوج بأمل العودة، رددت على مسامعهم كي لا ينسوا: "هذه أرضنا وسيأتي يوم نطرد فيه اليهود ونعود الى هناك".


    يتبع ..


  10. #10
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    60 عاما على النكبة ( 4 )

    فلسطينيو 48 يخوضون معركة الوعي والهوية
    فلسطينيو مخيم الأمعري يعيشون على الذكرى وأمل العودة


    [

    size=5]تتصاعد فعاليات إحياء الذكرى الستين للنكبة داخل أراضي 48 بأشكال مختلفة في المجالين الثقافي والسياسي وسط حملة تحريض "إسرائيلية" ترى بذلك "نشاطا كيديا ونبشا تحت أركان الدولة".
    وعلاوة على زيارات القرى المهجرة وعقد الندوات والمؤتمرات حول ذكرى النكبة تفرد الصحف العربية في الداخل مساحات واسعة لاستعادة الرواية التاريخية الفلسطينية بهذا الخصوص.
    واتفقت الفعاليات الأهلية والسياسية على أهمية توحيد النشاطات المخطّطة ضمن مجمل العمل الأهلي والجماهيري الفلسطيني ومختلف المؤسسات في الوطن والشتات، وضرورة تأكيد المواقف والثوابت الوطنية من خلال بيان موّحد.
    وتعمل هذه الفعاليات على إصدار مفكّرة تشمل كلّ النشاطات والفعاليات المنظّمة، ضمن فعاليات العام الستين من النكبة الفلسطينية، وتعميمها جماهيرياً وإعلامياً.
    كما أكدت على إطلاق حملة متواصلة خلال العام والإسهام في إطلاق حركة الشعب الفلسطيني للعودة والعمل على إقناع جهات دولية لمقاطعة احتفالات "إسرائيل" بقيامها.
    كما تسعى هذه الفعاليات على مواجهة إملاءات السلطات "الإسرائيلية" ومخططاتها لإلزام الطلاب العرب في إحياء ذكرى "الاستقلال" على حساب رواية النكبة استمرارا لما تقوم به منذ ستة عقود ضمن عمليات تزوير الوعي والتهويد.
    وكانت وزارة الداخلية قد منعت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح من إقامة مهرجان خاص لإحياء ذكرى النكبة في بلدة قانا الجليل ما دفع أهاليها لاتخاذ قرار بإقامته الشهر المقبل رغم المعارضة.
    ومن أبرز نشاطات فلسطينيي الداخل بهذه المناسبة تنظيم مسيرة العودة الحادية عشرة في منتصف مايو/أيار لقرية صفورية المهجرة في قضاء الناصرة وإقامة مهرجان سياسي وفني على أراضيها تحت عنوان "يوم استقلالكم يوم نكبتنا".
    يشار إلى أن فلسطينيي 48 الذين يشكلون اليوم 18 في المائة من مجمل سكان الدولة (1،2 مليون نسمة) من بينهم 250 ألف مهجر داخل وطنهم يواجهون هذه الأيام حملة تحريض عنصرية رسمية وشعبية غير مسبوقة من حيث شراستها.
    وتتجلى هذه الأجواء العنصرية الخطيرة اليوم بما تكشف عنه استطلاعات رأي متتالية تظهر أن ثلاثة أرباع "الإسرائيليين" يؤيدون الترانسفير للعرب بأشكال مختلفة منها ما يغلف ب "التبادل السكاني" مع السلطة الفلسطينية وبصدور فتاوى دينية تحلل قتل العرب.
    ويشير مدير مركز مكافحة العنصرية الناشط بكر أفندي في تصريح ل"الخليج" إلى التحول الخطير في الرأي العام "الإسرائيلي" من ناحية مناصبة العداء والكراهية لفلسطينيي 48. ويوضح أن دعوات الترحيل التي كانت تقال على استحياء من قبل نسبة ضئيلة قبل عقدين على يد غلاة المستوطنين وأنصار الحاخام العنصري مئير كهانا باتت اليوم التيار المركزي داخل المجتمع اليهودي.
    ويشير أفندي إلى أن آفة العنصرية تفاقمت بشكل خاص بدءا من العام 2000 بعد هبة القدس والأقصى حينما خرج فلسطينيو 48 في مظاهرات غاضبة لمساندة شعبهم في الأراضي المحتلة عام 67 مع اندلاع الانتفاضة الثانية.
    وفي ذاك العام فتحت قوات الأمن "الإسرائيلية" النار على المتظاهرين فقتلت 13 شابا وجرحت المئات دون أن يقدم أحد من المجرمين للمحاكمة.
    ورغم إدانة لجنة التحقيق الرسمية بالأحداث (لجنة أور) قوات الأمن بسرعة الضغط على زناد القتل حينما تكون الضحية عربية قرر المستشار القضائي للحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي إغلاق ملف التحقيق بجريرة "عدم توفر الأدلة الكافية".
    وعلى خلفية ذلك قررت اللجنة العليا لمتابعة شؤون فلسطينيي 48 ولجنة ذوي الشهداء تدويل القضية وبدء حملة ملاحقة ل "إسرائيل" في المحاكم الدولية استهلت بزيارة جنوب إفريقيا الأسبوع الماضي للإفادة من تجربة مكافحة الأبرتهايد.
    ويشير الدكتور أسعد غانم المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا إلى أن التحريض الرسمي ضد فلسطينيي 48 بلغ ذروة جديدة في السنوات الأخيرة مشددا على الدور في تعبئة الرأي العام ضد كل ما هو عربي. ويضيف "منذ العام 2000 قتل نحو 30 مواطنا عربيا على يد متطرفين يهود أو من قبل الشرطة لأسباب تافهة كعدم الامتثال لتعليمات أفراد شرطة المرور في الشارع".
    وأوضح غانم في تصريح ل "الخليج" أن التحريض الرسمي انطلق بصوت عال وفظ في مؤتمرات هرتزليا الأخيرة التي اعتبرت المواطنين العرب "خطرا استراتيجيا" على الدولة و"طابورا خامسا" و"سرطانا" داخلها.
    واستذكر غانم قيام رئيس الحكومة السابق ورئيس المعارضة اليوم بنيامين نتنياهو بالتأكيد خلال مؤتمر هرتزليا الخامس على أن العدو الحقيقي للدولة يتمثل بالمواطنين العرب لا بالعدو الخارجي.
    كما فاضل بعض القيمين على مؤتمر هرتزليا الخامس عام 2006 بين خطر فلسطينيي 48 ديموغرافيا وسياسيا وبين القنبلة النووية الإيرانية بالنسبة ل"إسرائيل".
    كذلك انعكست العنصرية المنفلتة في صدور عدد هائل من التشريعات العنصرية داخل الكنيست والتي تحظر لم شمل العائلات الفلسطينية عبر طرفي الخط الأخضر ومنع تسويق قسائم البناء من أراضي الدولة لغير اليهود ومنع كل من يزور دولة معادية من المشاركة في الانتخابات العامة وغيرها.
    هذا علاوة على تكريس التمييز بالميزانيات وبالعمل والتعليم وفي مختلف مناحي الحياة رغم بحر الوعود بالمساواة المدنية وهذا ما يدفع قادة العمل السياسي العربي للتأكيد على أن "إسرائيل" "ديمقراطية" بالنسبة لليهود و"يهودية" بالنسبة للعرب.
    وتشير معطيات دراسات مختلفة أن هناك آلاف الأكاديميين العرب العاطلين عن العمل بعد أن أوصدت أبواب العمل بوجوههم حيث لا تزال الأغلبية الساحقة من الشركات الحكومية تشغل اليهود فقط. ويتهم البروفيسور ماجد الحاج نائب رئيس جامعة حيفا وسائل الإعلام العبرية بتأجيج نار العنصرية وتأسيس نظام أبرتهايد في البلاد من خلال التحريض المنظم على المواطنين العرب ومساعي شيطنتهم والتهويل من خطرهم.
    وقال الحاج ل "الخليج" إن المعركة على وعي المواطنين العرب ما زالت مفتوحة لافتا إلى أن "إسرائيل" تستخدم جهاز التعليم وأذرعها الأخرى منذ العام 48 لتشويه هويتهم من خلال تشكيل شخصية "العربي "الإسرائيلي"" تمهيدا لتدجينهم وضبطهم وسلخهم عن شعبهم وحضارتهم ورواية شعبهم.
    واستعرت نار التحريض على فلسطينيي 48 بعد نشرهم سلسلة وثائق رؤيوية تحدد إحداثيات هويتهم وعلاقتهم بالوطن والمواطنة وبشعبهم وأمتهم على أساس كونهم أقلية وطن أصلية تستحق حقوقا قومية جماعية لا حقوقا مدنية فحسب.
    ورأت أوساط واسعة في الرأي العام "الإسرائيلي" ذلك "إعلان حرب" على الدولة ويهوديتها تجلت بتصريحات وزيرة الخارجية تسيبي ليفني حينما أكدت مطلع العام على الهوية اليهودية للدولة. ورأت ليفني بدولة الجوار الفلسطينية تمثيلاً للتطلعات القومية لكافة الفلسطينيين بما في ذلك فلسطينيو الداخل الذين رأوا بذلك محاولة جديدة لنزع الشرعية عن مواطنتهم وتساوقا مع دعوات ترحيلهم.
    وقبل ذلك كان آفي ديسكين رئيس الشاباك قد أعلن عزمه على إحباط نشاطات سياسية حتى لو كانت قانونية من أجل الحفاظ على يهودية الدولة عملا بما أسماه "الديمقراطية المدافعة عن ذاتها".
    وترى أوساط واسعة من فلسطينيي 48 أن ملاحقة الدكتور عزمي بشارة وحياكة ملف أمني ضده حلقة في المسلسل المذكور وعقابا له على دوره في نشر وتعميق الخطاب القومي لديهم خلال العقد الأخير، إضافة لمساعيه في تفكيك معادلة التعريف للدولة بوصفها "يهودية وديمقراطية" وإثبات استحالتها.
    "كنا نملك العشرات من الفدانات في بلدتنا الاصلية "لفتا"، ولكن بعد 60 عاما اصبحت انا واولادي واحفادي نعيش في مخيم فوق مساحة دونم ونصف الدونم"، بهذه الكلمات عبر الحاج احمد محمود عبد الرحمن خلف (86) عاما، عما ألم به وبعائلته التي كانت تعتبر من العائلات الاقطاعية في بلدة لفتا القريبة من القدس المحتلة، حيث جرى تهجيرهم مع بقية سكانها بقوة السلاح وتدمير اجزاء منها قبل ان يستولي عليها اليهود في اول ايام االنكبة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948.
    ورغم كبر سن الحاج خلف الا ان ذاكرته تمتلء بالقصص التي تروي مشاهدته الحية من زاويتين، الاولى كونه كان جندياً عربياً يخدم في الجيش الانجليزي، والاخرى كمواطن عاد الى قريته ليجد ان جماعات من اليهود قد احكمت الطوق على بلدته بعد ان هجّرت امه وأباه واخوته واقاربه عنها واهالي بلدته منها.
    ويروي الحاج خلف ل "الخليج" التي التقته في منزله في مخيم الأمعري، معايشته لتفاصيل النكبة المؤلمة التي حلت بمئات آلاف الفلسطينيين في ذلك الوقت، الى حد انه يؤكد ان النكبة التي حلت بالفلسطينيين، وقعت بالاساس بسبب تواطؤ بريطاني رسمي مهد الطريق الى نشوء دولة "اسرائيل".
    ويدعم الحاج خلف حديثه بوثيقة انهاء خدمته العسكرية في الجيش الانجليزي التي مازال يحتفظ بها لغاية الآن وتحمل توقيع المفتش "د.فر فاول"، واللافت للنظر في هذه الوثيقة الرسمية التي كتبت باللغتين الانجليزية والعربية وحسب الحاج خلف، انه تسلمها بعد مرور عامين من وقوع النكبة، حيث ارسلت اليه من قبرص وجاء فيها ان سبب انتهاء الخدمة هو انتهاء الانتداب البريطاني. لكن الوثيقة تظهر انها صدرت في القدس بتاريخ 15/5/ 1948 وهو نفس اليوم الذي اعلن فيه عن قيام دولة الاحتلال.
    ويقول الحاج خلف "انا خدمت كأحد عناصر الشرطة في الجيش الانجليزي حيث كان عمري عندما وقعت النكبة قرابة 26 عاما وكنت متزوجا وكان حينها لي ابن واحد اسمه "محمود" وكان حينها يحبو على الارض، وكنت اخدم قبل وقوع النكبة في بلدة ابو غوش في حين كان اهلي يعيشون في قرية لفتا التي كان يبلغ عدد سكانها آنذاك قرابة 12 الف نسمة.
    واشار خلف الذي انتقل للعمل ضمن صفوف قوات الجيش الاردني الذي تولى مسؤولية ادارة الضفة الغربية بعد انتهاء الانتداب البريطاني، الى مجموعة من المشاهدات التي كان يراها وقال "لقد شاهدت نساء واطفالاً يموتون من العطش لأنهم قطعوا مسافات طويلة مشيا على الاقدام"، موضحاً ان الجيش الاردني عمل على نقل المياه لهؤلاء المواطنين الذين تحولوا في ليلة وضحاها الى مشردين يفترشون الارض ويلتحفون السماء بعد تجميعهم في مراكز مدنية.
    واوضح خلف انه وخلال خدمته في الجيش البريطاني كان يشعر ان هناك جملة من المؤشرات التي تؤكد التواطؤ الانجليزي، مشيرا الى ان الضابط المسؤول عنهم حينها قام بنقلهم الى مناطق بعيدة عن بلدتهم "لفتا"، كما انه طلب منهم مغادرة قرية أبو غوش القريبة من القدس، مؤكداً أن تلك كانت اول مؤشرات تهجير السكان الاصليين من قراهم الى قرى شمال غرب القدس "الجيب، بيت دقو، بيت عنان" في حين ان قسماً منهم توجهوا الى رام الله.
    وتابع "ان ذلك الضابط طلب منا كجنود عرب في الجيش البريطاني تسليم اسلحتنا" وقد أثار هذا الطلب الريبة في قلوبنا ما دفعنا إلى رفض الانصياع للاوامر، والاحتفاظ بزينا العسكري واسلحتنا".
    واضاف "كان كل همي في ذلك الوقت معرفة مصير زوجتي وابني محمود ومعرفة مصير اهلي" موضحا انه تمكن من اللحاق بآخر قافلة انجليزية غادرت قرية ابو غوش حيث وجد زوجته في شقته التي استأجرها حيث قام بإخراجها مع ابنه والسفر الى رام الله التي كانت تعيش مع اللاجئين المهجرين من قرى وبلدات داخل الخط الأخضر.
    واشار الى انه واصل الخدمة العسكرية في مركز شرطة رام الله حتى قدوم الجيش الاردني وتسلم تلك المقار من قوات الانتداب البريطاني، موضحاً انه قام باستئجار شقة صغيرة في بلدة البيرة حينها وبقي فيها حتى قام بشراء قطعة ارض صغيرة بالاشتراك مع اخوته.
    وعن فاعلية الثوار في مواجهة ما كانت تتعرض له فلسطين حينها من استباحة، أكد الحاج خلف ان الثوار كان لهم دور كبير في صد العدوان والدفاع عن البلدات والقرى، موضحاً ان كل جهود الثوار كانت متجهة للدفاع عن القدس لكن بسبب الدعم العسكري والاسلحة المتطورة حسمت المعركة لصالح الاحتلال "الاسرائيلي".
    وأشار الحاج خلف وبعد مرور 20 عاما زار قريته لفتا حيث وجد بعض الجماعات اليهودية تحتل العديد من المنازل بما في ذلك منزل عائلته، وقال إنه وقف على مسافة بعيدة من المنزل واخذ يشاهد ما المّ بقريته الأمر الذي أثار الشك والريبة في نفوس الحراس "الاسرائيليين" الذين توجهوا اليه وسألوه عن سبب تواجده في هذا المكان.
    وأضاف: "صعقت من هذا لسؤال ولم اتمالك نفسي فقلت لهم انتم ماذا تفعلون هنا (...) هذا بيتي وشاركت في بنائه واعرف كل زاوية فيه"، وقد صدم هؤلاء الحراس الغرباء عندما عرفوا انهم يقفون مع صاحب المنزل، فطلبوا منه الدخول اليه حيث بدأ يشرح تفاصيل المنزل لهم.
    وقال: "عندما تأكدوا انني من اصحاب المنزل قال احدهم ان هذا المنزل أصبح ليهودي اسمه "بنحاس سفير".
    واشار خلف الى انه تلقى كتاباً رسمياً وصل اليه عبر البريد ويفيد بأن لديه اموالاً بدل ممتلكاته في لفتا، وقد رفض مراجعة الدوائر "الإسرائيلية" المختصة وقال "لو اعطوني كل يملكون فإنها لا تساوي ذرة تراب واحدة في قريتي".
    كان اهالي "لفتا" يعتمدون في حياتهم على زارعة الارض بالقمح والشعير والفول والحمص، وأوضح أن عائلته كانت تملك مساحات شاسعة من الاراضي وخصوصاً في منطقة واد الشيخ القريبة من قرية لفتا.
    وقال: "انها مفارقة عجيبة ان نكون من اصحاب الاراضي الواسعة، لنصبح انا وعائلتي وابنائي واولادهم نعيش فوق قطعة ارض صغيرة جدا اشتريناها بانتظار العودة الى ديارنا".
    وتعكس حالة الحاج خلف واقع حال جزء كبير من الفلسطينيين الذين هجرتهم آلة الحرب "الإسرائيلية" عن قراهم وبلداتهم قبل 60 عاما، ليتحولوا الى لاجئين يعيشون في المخيمات الضيقة وسط اكتظاظ غير مسبوق بعدد السكان بسبب تنامي اعدادهم في انتظار تنفيذ قرارات الشرعية التي تطالب بعودتهم الى ديارهم.
    وبينما كان الحاج خلف يغرق في سرد ذكرياته، جلس ابنه محمود (62 عاما )الذي عايش النكبة منذ ان كان عمره عامين، وهو يتابع حديث والده عن معاناتهم وتدخل قائلا "هذه الارض لا يعيش فيها شعبان، والي بيجرب المجرب عقله مخرب".
    واضاف: "انا عشت النكبة منذ ايامها الاولى واخشى ان تتواصل حتى احفاد احفادي"، مشيرا الى ان ما حل بالفلسطينيين من ظلم وقهر يعكس غياب العدل وسيادة الاحتكام للقوة والمصالح الدولية اكثر من الانحياز للبعد الانساني.
    واشار الى حجم المعاناة التي يكابدها كلاجئ منذ ان سكن مع عائلته في الخيام التي نصبوها منذ سنوات النكبة الاولى وقال "لا يمكنني ان انسى اصوات قطرات الماء وهي تسقط من بين الصفيح الذي يغطي ظهر الخيمة في الصحون التي كانت توزعها امي داخل الخيمة".
    واضاف "تلك الاصوات مازالت تحفر في عقلي وكأنها تذكرني على الدوام بالمسؤولين عن نكبتا وتمنعني من النسيان".
    وأمام الضائقة السكنية في المخيم وتردي الاوضاع الاقتصادية لم يجد محمود خياراً أمامه سوى بناء شقتين صغيرتين فوق منزل والده، لكي يعيش فيها ولداه (ايهاب واحمد) اللذان تزوجا وقال: "الجميع يعرف غلاء المعيشة خارج حدود المخيم لذلك لم يكن امامنا من خيار سوى استغلال المساحة الصغيرة الموجودة لضمان حياة كريمة لاولادي".
    ويؤكد ايهاب وهو في أواخر العشرينات من العمر، انه عندما قرر الزواج كان همه الرئيسي البحث عن شقة يعيش فيها مع زوجته، لذلك بنى شقة فوق منزل جده الحاج احمد خلف.
    ويحرص ايهاب مع صبيحة كل يوم التوجه الى جده احمد خلف وتقبيل يده والجلوس معه للاستماع إلى احاديث وقصص النكبة التي عايشها، ولا يتردد ايهاب في وصف جده ب "ذاكرة التاريخ التي ترفض النسيان"، موضحا ان جده لا يزال يواصل سرد الكثير من القصص والروايات لاولاده واحفاده كي لا ينسوا ما حل بالشعب الفلسطيني من كارثة انسانية امام انظار العالم.
    وقال: "جدي هو النافذة التي أرى من خلالها بلدي "لفتا" التي لم ارها منذ ولادتي".
    ويوجد للحاج خلف 5 ابناء لكل منهم اسرته، يعيشون في ذات المساحة الصغيرة حيث لجأوا الى اضافة غرف جانبية لمنزل ابيهم واضافة طابقين فوقه من اجل التغلب على مشكلة ضائقة السكن خاصة وان اولادهم كبروا وان عدداً منهم تزوج ويعيش معهم ويقدر العدد الاجمالي لعائلة خلف التي تعيش في تلك المساحة 25 شخصا.
    واختتم خلف حديثه بالقول "امضيت كل هذا العمر وانا انتظر العودة وعلى ما يبدو انني لن اعود الى بلدتي وامل أن يعود اولادي الى قريتي لفتا".
    والضائقة السكنية التي تواجهها عائلة خلف التي تعيش في مخيم الأمعري في رام الله، هي واحدة من واقع حال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في واقع مأساوي في 27 مخيماً موزعة في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى مساحات قليلة جدا وسط ازدياد اعدادهم فيها.
    وبينما يحافظ اللاجئون الفلسطينيون على أمل العودة الى أراضيهم رغم طول الانتظار، فإن المساحات التي يعيشون فيها داخل المخيمات تضيق عليهم وعلى اولادهم واحفادهم، في حين يحرص الحاج خلف على الاحتفاظ بمفاتيح منزل أبيه في "لفتا" مع بقية الاوراق الثبوتية التي تثبت ملكيته للارض والمنزل.[/size]

    يتبع ..


  11. #11
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    60 عاما على النكبة ( 5)

    بيسان عروس الأغوار وذكريات حارة لم تطفئها سنوات الغربة


    ستة عقود انقضت جرت خلالها مياه كثيرة في نهر الأردن لكنني حرصت على زيارة ضريح والدتي في مدينة بيسان المهجرة عاما تلو العام. يقول محمد سرحان أبو أحمد(80 عاما) فور انتهائه من تلاوة "الفاتحة" داخل المقبرة الإسلامية خلال مرافقتنا له في زيارة مدينة بيسان التي تصادف ذكرى تهجيرها الستون في الثامن من مايو/أيار في نفس يوم سقوط عروس البحر يافا.
    في طريقنا من مكان إقامته الحالي في قرية الفريديس قضاء حيفا استعاد أبو أحمد بلهجة تقطر حنينا ووجعا ملامح "ضيعة كان اسمها بيسان".
    ويولي الحاج محمد سرحان الكثير من الحب لمدينته المدللة ويقول إنها كانت تمتلك ملامح مدينة رغم قلة عدد سكانها وهم خليط من مدنيين وفلاحين وبدو ومن القبائل المقيمة في محيطها كالغزاوية والصقور والزيناتي والبشاتوة والبواطي وغيرهم.
    ويضيف "كانت بيسان عروس الأغوار الفلسطينية حتى لو غارت أريحا وزعلت طبريا، ففيها المروج الخصبة والينابيع الفياضة وخيرات الله وبركاته وفيها عشنا وكأننا في قطعة من الجنة".
    يستذكر على مسامعنا ومرآنا المعالم العمرانية المتبقية في المدينة التي ولد فيها وترعرع ولم يلبث عامه الثاني في عمله موظفا في وزارة الصحة الفلسطينية يوم ضرب زلزال النكبة عام 1948.
    جال أبو أحمد شوارع مدينته المخطوفة السبية وتوقف قبالة منازل أصدقائه ومعارفه وأهالي بلده وعند كل معلم باق ليروي قصة الضيعة التي حباها الله بكل خير.
    لكن محطته الأولى كانت في المقبرة الإسلامية الواسعة والتي تكاد أضرحتها تنطق لشدة الإهمال والانتهاكات. وفاء لوالدته التي قضت في ريعان شبابها في 31/12/1946 كما يدلل شاهد القبر يزور أبو أحمد "ست الحبايب" يتلو الفاتحة ويذرف دمعة ويمشي.
    في محطة القطار الحجازية غربي المدينة أشار أبو أحمد إلى بيت أبو العز الأرناؤوطي (بوسني) مدير المحطة طيلة فترة الانتداب، وإلى جهة الغرب بيت محمد حسن أبو خليل مفتش المحطة من قرية قومية المهجرة في قضاء بيسان.
    ويشكل القطار بالنسبة لأبي أحمد أكثر من مرفق اقتصادي مهم في بيسان، فهو حامل لذكريات طيبة يوم كان يستخدمه للسفر إلى حيفا وطبريا ودمشق مقابل قرشين ونصف أو قرشين كما يقول، ويضيف "ليس أجمل من السفر في القطار خاصة أيام الربيع حينما كان يتجول في ربوع الوطن المخضر".
    وبفضل ذاكرته العامرة كان أبو أحمد لا يتردد في تسمية أصحاب عشرات المنازل الحجرية البازلتية الباقية في بيسان عدا منزله كونه قد هدم بالكامل. "هذه دار آدم السالم صاحب محطة وقود وشركة باصات بيسان والذي انشأ في الناصرة شركة مواصلات جديدة بعد التهجير، وهذه دار أبو مجيد التهتموني.. دار صغيرة بطابق واحد وقدامها شجرة نخل عالية وبجوارها دار أحمد رشيد أبو علي وهو مباشر في محكمة الصلح الفلسطينية في بيسان حولت اليوم إلى مقر لشركة اقتصادية "إسرائيلية". وإلى الغرب من هذه كانت كنيسة الروم الأرثوذكس قبل ما يهدموها".
    غير أن أكثر حوادث المدينة أثرا وأعمقها في ذاكرته ما يتعلق بطرد سكان بيان العرب البالغ عددهم نحو ستة آلاف في مطلع مايو/أيار بعد قصفها بمدافع المورتر واحتلالها من قبل الحركة الصهيونية.
    ولفت أبو أحمد إلى أنه كان ووالده قد بقيا مع آخر مجموعة تركت بيسان يوم دهمتهم دورية "إسرائيلية" في التاسع من مايو/أيار مشيراً إلى أن ضابطا يهوديا من مستعمرة معوز حاييم المجاورة قد أخذ يصرخ ويسأل عن سبب عدم نزوحهم عن المدينة بعد. وأضاف "قلنا إننا جئنا لنحوز بعض حاجاتنا الأساسية، وخلال الحديث أغارت طيارة عراقية وقصفت المكان فاختبأنا وما لبثوا أن استقدموا لنا سيارة ونقلونا على الناصرة".
    قبل شارع بيسان أريحا- وطبريا بمائة متر من جهة اليمين جنوب الشارع الرئيسي في بيسان التي يسكنها اليوم يهود شرقيون هناك دار البلدية وهي عمارة مهملة مملوءة بأوساخ الحمام والغربان وفي واجهتها بقايا مصابيح كهربائية.
    قبالتها وبعيون مشدوهة استذكر أبو أحمد أن بيسان سبقت مدينة يافا بالارتباط بالتيار الكهربائي، منذ العام 1926. ولفت إلى أن الشارع المحاذي كان يدعى شرحبيل بن حسناء قبل أن يصبح رحافعام زئيفي.
    وفي نهاية الشارع ما زالت ماثلة دار رئيس بلدية بيسان الدكتور رشاد آل درويش هو منزل حجري أبيض اللون واسع ،شبابيكه الخشبية الخضراء على حالها وهو محاط بحديقة غناء.
    ويعدد أبو أحمد رؤساء البلدية السابقين في بيسان: الشيخ مبارك الزعبي من سيرين وبعده محمد سعيد الحلبوني وبعده أحمد أبو علي وبعده رشاد درويش.
    ويلفت إلى أن رشاد درويش كان طبيبا قد استقر في نابلس بعد تهجيره وتوفي هناك فيما تعيش في منزله اليوم عائلة يهودية تضم مهاجراً من أصل مغربي وزوجته مريم وهي مهاجرة من أصل تونسي.
    وكشف أبو أحمد أنه يعرف الدكتور رشاد وقال إنه بنى بيته عام 1945 واستذكر كيف رافقه في زيارة منزله في بيسان قبل 20 عاما.
    وأضاف "كان ساكنا الدار قد استقبلا "الضيف العائد" وشرحا له كيف اشتريا المنزل من يهودي آخر من تل أبيب كان استولى عليه عام ،1948 وأضافا أنهما سمعا وقتها بأن الرجل من تل أبيب وجد داخل البيت ماكنة تصوير طبية "رنتجين"- فباعها واشترى فيها بيتا جديدا في تل أبيب.. وهذا ما صادق عليه صاحب الدار الحقيقي د. رشاد.
    ويستذكر أبو أحمد أنه وحينما وصل البيت برفقة الدكتور رشاد كانت عمته المرافقة تبكي كل الوقت وتقول : هنا كان ينام فلان وهناك نام علان...
    ومن ضمن المواقع التي أشعلت حنين أبو أحمد لمرتع الطفولة والصبا ساحة السرايا وهي مركز الحكم العثماني مقابل مدرج روماني ضخم على شكل قلعة ثبت في واجهتها حجر رخامي كتب عليها اسم السلطان عبد الحميد الثاني ورسمة الطغراء.
    ويستذكر كيف ان معلم الزراعة في المدرسة الابتدائية كان قد بعثه وأترابه إلى جديقة البلدية كي يقدم لهم والده "البستنجي" درسا في غرس الأشجار فوقف تحت شجرة وارفة عملاقة غرسها وزملاؤه عام 1944 غرسة صغيرة جدا.

    شجرة الأحلام

    "كلما أزور بيسان استريح في ظل هذه الشجرة وأشعر بأنها ملك لي حتى اليوم" قال أبو أحمد فيما كانت راحة يده تداعب فروعها بحميمية.
    لكن المفارقة أن الصهاينة جمعوا ما تبقى من سكان بيسان في ساحة دار السرايا بجوار الشجرة قبل طردهم منها في الثالث عشر من مايو/أيار أي بعد خمسة أيام من سقوطها.
    وبكلمات ما زالت ترتجف بين شفتيه استعاد أبو أحمد كيف أحضر الصهاينة عدة حافلات قبالة السرايا وخيروا نحو ألف من سكان المدينة بينهم عدد كبير من المسيحيين ممن اعتكفوا بالكنائس طالبين النجاة للرحيل إلى الناصرة أو جنين أو الأردن.
    ويتابع "خلال وجودنا بالساحة اكتشفنا أن الحقيبة التي أودعت فيها كمية من النقود والذهب قد ظلت بالدار فدعاني والدي للهرب من الطوق واستحضارها خلسة ففعلت ولكن عندما عدت كانت الحافلة قد تحركت فأكملت طريقي مع المهجرين الى الناصرة ولولاها لصرنا شحاذين بالشوارع".

    تغريبة بيسان
    بعد ما طُردت الدفعة الأخيرة من أهالي بيسان استقر الحاج محمد سرحان في الناصرة قبل النزوح لقرية الرينة المجاورة وسكن وأهله لدى خاله محمد عبد الفتاح عثامنة.
    لكنه ما لبث أن ترك عائلته بعد ما سقط الجليل ونزح إلى لبنان خوفا من ملاحقة اليهود الذين كانوا يعتدون على الناس "من جنب وطرف" كما يقول، ويتابع "طلعت مع آلالف الناس، ونمنا في الليلة الأولى في قرية عرابة البطوف وثاني يوم التقيت أصحاب الدار نازحين على مقربة من البقيعة في الجليل الأعلى بدافع الخوف جراء انتشار أنباء المجازر في كل مكان".
    ويوضح أبو أحمد أن ركب النازحين توقف عند قرية الرامة عندما ركعت سيدة وبدأت تنجب فاجتمعت النساء ليساعدنها لكنها اضطرت بعد ساعتين لمواصلة درب الآلام والرحيل معنا حتى قرية مارون الراس في جنوب لبنان.
    وبعد النوم في بيت مختار مارون الراس واصل أبو أحمد ومن معه حتى بنت جبيل حيث أقاموا ثلاثة أيام قبل النزوح إلى بيروت من ثم إلى الشام.
    ويضيف "في بيروت التقيت أهل بيسان وكان اللقاء حارا ومؤثرا جدا. وفي دمشق التقيت بالمحامي السوري عزات الساطي بواسطة أحد أصدقائي فأقمت في داره حتى سنة 1951 وكنت استعد للالتحاق بالجامعة لدراسة الحقوق على نفقته".
    لكن أحلام الدراسة الجامعية توقفت إثر تلقيه رسالة مفاجئة من أولاد خاله في قرية الرينة يبلغونه فيها باستشهاد والده وشقيقه وبقاء شقيقاته وحدهن من دون معيل، فأقفل راجعا بلا تردد، ولكن مفاجأة أخرى كانت في انتظاره في الوطن الذي عاد إليه متسللا "حينما وصلت البلاد لقيت أبوي حيا" وعندها تكشفت اللعبة: "بعثوا لي رسالة كاذبة بغية استدراجي بعدما سمعوا عن نيتي دراسة المحاماة وخافوا أن أبقى خارج الوطن وأظل بالشام".
    لكن الحرمان من التعليم الجامعي ما زال يقض مضاجع أبو أحمد حتى اليوم فلا يتوقف عن الإشارة لعمله في بيسان قبل نكبتها موظفا في وزارة الصحة الفلسطينية مقابل ثلاثة أو خمسة جنيهات بالشهر. ويتابع "كنت ناجحاً بالأرصاد الجوية والعلوم في المدرسة، وكنت طالبا متفوقا وكان عزيز الخوري من الرينة أعز المعلمين على قلبي، ومدير المدرسة الأول كان حسن فرحات من البهائيين قبل استبداله بأحمد موسى من كفر قدوم، وسعيت كل عمري لاستكمال تعليمي العالي لكن هموم الحياة والانشغال بلقمة العيش أبقت ذلك حلما جميلا صعب المنال".


    الحاج أحمد صباح يتذكر نكبة قريته "أم الشوف" وأيام النفي

    عمان - "الخليج":

    يتمسك الحاج احمد صباح "75 عاماً"، بسندات تسجيل لأراضٍ تعود لوالده تابعة لقرية "ام الشوف" في منطقة حيفا، ويؤكد ان تلك الاوراق والمستندات تخفف بين الحين والآخر من احزانه وجراحات النكبة، بيد ان الاحزان تطل من عينيه.
    يوم "ام الشوف" الاسود جاء عندما كان صباح ووالده واخوته يزرعون الحقل بالدخان وجاء مناد من قرية "صبارين" المجاورة يصرخ "اليهود احتلوا البلاد"، وما هي إلا سويعات حتى اندفعت القرية بكل ناسها خارجاً وتوجهوا الى جنين بمساعدة جيش الانقاذ العراقي، فيما حلت عائلته بقرية "برقعة" القريبة على امل العودة.
    ويقول صباح: عدت بعد ايام بطلب من والدي لاحضار اوراق مهمة من المنزل ليبدأ فصل عذاب جديد مع رحلة اعتقال لم تخل من الاهانات والتنكيل، يجهش في البكاء ويداري وجهه بكفيه "اخذونا الى بيوت اهالي يافا اللي طردوهم منها وخلونا ننهب كل اللي فيها ونحمله في شاحنات، كان الموت ارحم من تلك اللحظات، لحظات نهب اهل بيوتنا وناسنا".
    وعبر عملية تبادل للاسرى افرج عن صباح، بعد اعتقال دام ثمانية عشر شهراً، ومن القدس الى طولكرم بحثاً عن اهله ليجدهم في قرية "عتيل". موقف يقول انه لن يمحى من ذاكرته مشاعر اختلطت فيها الفرحة بالحسرة والاسى واللوعة.
    مشوار الرحيل تواصل، فمن "عتيل" الى مخيم "نور الشمس" بالقرب من طولكرم ومنها الى اربد في شمال الاردن، وبعدها الى الرصيفة بضواحي العاصمة عمان فترتعد اوصاله من جديد وهو ينظر بحزن في عيون من حوله، ويقول: "راح اللي راح رجعت الى قريتي في العام ،1977 كانت ممسوحة بالكامل عن الوجود لم اعرف لها حدوداً، بحثت عن منزلنا ومنازل اقاربنا ولم اجد شيئاً، - يستجمع انفاسه بصعوبة - كل ما وجدته شجرة التين التي كانت مزروعة امام البيت".
    ورداً على سؤال للحاج صباح عن قرار الامم المتحدة القاضي بالعودة او التعويض قال: "الموضوع ليس تعويضاً، واذا كان كذلك فعن اي شيء سيتم تعويضي، الاوراق تؤكد بأن نحو 1900 دونم من أراضي المنطقة كانت ملكاً لوالدي واخواني". وفي التفاصيل يقول: "تاريخ الاحتلال 12 مايو/أيار ،1948 لقد دمّر اليهود كل شيء، وانقاض بيوت لا تزال موجودة، وارتكبوا مذبحة ضد سكان البلدة، البالغ تعدادها آنذاك 557 نسمة وعدد البيوت ،128 كانت تضم مسجداً، وعلى حوافها اقيمت في العام 1953 مستعمرة "غفعت نيلي".


  12. #12
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في ست حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    60 عاما على النكبة ( 6)

    فلسطينيون في مخيم البقعة: “عائدون” وصية الأجيال

    [

    size=5]ستون عاما مضت على الترحيل وكل شيء داخل مخيم البقعة الفلسطيني في الأردن يوحي بأن الاقامة بين أروقته - مهما طالت - مجرد رحلة مؤقتة لا يزال أصحابها يتوارثون حلم العودة كما يتناقلون مفاتيح بيوتهم ووثائق أراضيهم في وطنهم حفيدا بعد أب عن جد.

    رقم 194 مكتوب بخط عريض على جدران المدخل الأيمن جهة المساكن تحته كلمة واحدة: “عائدون” تفسر رمزه الى قرار الأمم المتحدة المفترض ضمانه لحق مغتصب، أسماء الأحياء بين الأزقة الضيقة والمحلات على الاطراف: بيسان وبيت لحم وتل الصافي وغيرها، أطفال ما بعد الجيل الثالث للنكبة ينشدون تلقائيا أمام مدرسة ابتدائية في قلب المخيم تزامنا مع ذكرى فاجعة الاحتلال: “راجعون.. راجعون للقدس وحيفا وبلد الزيتون”، وثيقة حملها ناشىء ورثها عن جده مفادها سند تسجيل أرض زراعية للأسرة في بلدة بئر السبع، صور عتيقة وقصاصات رسمية احداها خريطة قديمة تدل بسهم مستقيم على يافا تحتفظ بها سبعينية أملاً بالعودة اليها ثانية، ومفاتيح بيت في الرملة يلوح بسلسلتها الحديدية الصدئة مالكه الأصلي الذي جاء من مخيم الوحدات حيث يقطن منذ عقود داعيا وسط تجاعيد وجهه: “يا رب ما تاخذ روحي قبل ما أفتح باب بيتي بيدي وأموت فيه”!


    المخيم “البقعاوي” الواقع على بعد 27 كيلومترا شمال العاصمة عمان، يمتد على مساحة نحو 1400 دونم وتعداد اللاجئين فيه يقارب ال 160 ألف نازح شرّدوا مرتين، الأولى عام 1948 والثانية من الضفة الغربية عام ،1967 هو الأكبر بين 10 مخيمات أخرى تشرف عليها رسميا وكالة الغوث الدولية (الاونروا) اضافة الى 3 مخيمات تابعة اداريا لجهات محلية تضم في مجملها ما يزيد على مليوني فلسطيني وفلسطينية من مختلف الاجيال، يشكلون النسبة الأوفر من اجمالي تشتتهم في بقاع العالم موزعين داخل الأردن على خمس مناطق هي عمان والزرقاء واربد وجرش والبلقاء أقدمها جميعها مخيم الزرقاء الذي اقيم العام 1949 ثم الحسين عام 1952 يليهما الوحدات الذي يتجاوز تاريخه نصف قرن وقد استوعبت هذه المخيمات ما استطاعت ونقلت ما فاض الى سواها تباعا.

    واحد من أبناء النكبة السبعيني محمد أبو حسن يشدد في بداية حديثه على حقيقتين يؤكد معايشتهما في تفاصيل حياته اليومية هما أن الاقامة في المخيم مهما امتدت سنواتها تظل مجرد محطة وقد تعلم ابناؤه واحفاده قناعة عدم التنازل عن حقوق مثبتة في وطنهم تحت أي غطاء أو مبرر، معقبا بعد ابرازه مفاتيح بيته في الرملة: نحن لن نتخلى عن العودة عاجلا أم آجلا.

    ويسترجع أبو حسن ما وصفها “أسوأ ذكرى” قائلا: خرجنا من ارضنا عام 1950 بقوة السلاح في نهار يوم اسود وكان عمري آنذاك 14 عاما، وأعي ما جرى من حولي فبعد مناوشات بين الجيش “الاسرائيلي” وأهالي منطقة “دير طريف” قضاء الرملة تغلب العدو نتيجة تجهيزاته وعتاده فأجبرونا على المغادرة وسط بكاء الجميع صغارا وكبارا ووصلنا الى حدود منطقة “التجمع 67”.

    والمنظر هناك أقل ما يوصف بأنه كان مفجعاً ومؤلماً بتجمهر الناس واقبالهم على المجهول بعد تركهم بيوتهم وأراضيهم، ومع ذلك توقعنا ان هذا الامر لن يدوم طويلا وانتقلنا بعد ثلاث سنوات من الشتات داخليا الى عمان حيث احتضنتنا مخيمات بسيطة التجهيز وقتها.

    ويطلق أبو حسن تنهيدة عميقة مرددا مواويل شعبية مرتبطه بزرع المحاصيل في أرضه ثم يعقب: مستعد للعيش هناك في خيمة بين أرضي وأهلي، ودائما أتوجه الى الله بالدعاء أن أعود الى بيتي وأموت وأدفن في وطني لكن صرت ادرك ان هذا لن يتحقق في زمن المعاهدات والمؤتمرات الكاذبة. وما يزيد مخاوفنا على مصير الجيل المقبل نزاعات الفصائل والقوى السياسية في الداخل للأسف.

    ويقول محمد عطية (69 عاما): عندما تركنا تل الصافي قضاء الخليل نتيجة القتل والاغتصاب “الاسرائيلي” عام 1968 قمنا بحفظ التين والزيتون والبقوليات في مخزن نطلق عليه “الخوابي” على أمل عودة سريعة طال انتظارها اربعة عقود، لم أتنازل خلالها عن حلم العودة، وتصلني أخبار عن بيتي، فتارة اسمع أنه محتل من مستوطنين، ومرة أنهم هدموا جزءا منه لكن مفتاحه الأصلي معي. ومهما غيروا القفل لن أتركه وما زلت احتفظ ب “طابو” التسجيل وقد سلمته إلى أبنائي وأولادهم للمطالبة بحقنا مهما مرت السنوات.

    الثلاثيني عماد عطا يحمل في محفظته اليدوية قصاصة ورقية يتصدرها تاريخ تفيد خاناته الثلاث الواضحة لجهة اليسار الى آواخر القرن قبل الماضي وضمن بنودها “سند أرض” في بلدة بئر السبع محددة المساحة والأطراف يترك عماد توضيح تفاصليها لابنه.

    يقول عطا (31 عاماً): يخبرني أبي دائما بأن المكان المدون في الورقة موطننا الحقيقي وهي دليلنا واملنا في العودة وكان جدي قبل وفاته يحكي لي واشقائي علاقته بالأرض وزراعة الزيتون والعدس ويشرح صورا قديمة لافراد عائلتنا في بيتنا هناك، ويطلب منا عدم نسيان حقنا في العودة التي ننتظرها.

    واذا كانت وثائق وحكايات الجد جل ما يربط عطا عمليا بموطنه، فإن السبعينية منذرة تخرج من صندوقها القديم في مسكنها البسيط جهة الجنوب من المخيم الذي يحمل اسم “حي القدس” مجموعة مطويات وقصاصات وخريطة بدت بالية تدعم ملكيتها بيتها وأرضها ومحلها الصغير للبقالة، مشيرة إلى أن هذه الوثائق هي أهم ما ورثته من زوجها المتوفى وما تنوي نقله لأحفادها، مرددة كلمات بلهجتها الشعبية مفادها أن التمسك بحق العودة تتوارثه الأجيال.

    وتستفيض منذرة في شرح تجوالها في حارات بلدتها في فلسطين وذهابها مع والدتها الى الغدير لاحضار الماء ويومياتها في بيارات البرتقال وحقول القمح وتفاصيل الفلاحة والحصاد و”المنجل” متمتمة بجملة تكررها: “فلسطين أرضنا وارض اجدادنا حرثت وزرعت فيها وبدي أموت فيها”.

    وينظر محيي الدين قطيط (65 عاما) المبعد عن قريته “بيت محسير” الى زاوية أخرى في ذكرى النكبة بوصفه ما يتداول سياسيا حول القضية بأنه “تمييع”، منتقدا بحدة الاتفاقات والمفاوضات والقمم غير المجدية سيما طرح بديل التعويض المادي الذي قال قطيط إنه مرفوض تماما مضيفا: “لا تسوية في هذا الموضوع ومهما حاولوا طمس هويتنا نحن صامدون وعائدون”.

    ويسرد أحمد قنديل إجبار اسرته على ترك بيت لحم حين كان مولودا جديدا ولهفته من خلال روايات والديه الى حيث غادروا طوال ما فات حتى أصبح جداً، مشتركاً مع ابن جيله محمد عش في عرض ما لديهما من وثائق تقر علاقتهما بمسقط رأسيهما، فيما يشير ناصر السريسي من قرية سريس الى ان اطلاق اسماء لمناطق واحياء فلسطينية على مداخل ومرافق المخيم لا يعني التكيف مع وجودهم بين أرجائه بقدر الارتباط بأصولهم وتواصل الماضي بالحاضر والحنين الى عكا وطبريا ونابلس وسواها.

    أما الثمانيني عادل الصقر فقد جاء من مخيم الوحدات لزيارة رفاقه في “البقعة” كعادته السنوية مع قرب حلول ذكرى النكبة لا يفارقه “كتاب حياته” كما يصفه.. ويقول: دونت كل شيء ولا ازال لان ما حدث “قطعة” من وجودي، فأنا من قرية سلمة قضاء يافا وسميت كذلك نسبة الى الصحابي سلمة بن الهشام وعدد سكانها حين تهجيرنا عام 1948 كان ثمانية الآف نسمة، لي فيها ارض وتوليت امانة صندوقها الرياضي قبل اضطراري للخروج، وأتذكر انني حين هاجرت استأجرت مركبة اقلتني واولادي وأخي الصغير وأختي واولادها واتجهنا بداية صوب بلدة “ المزرعة” قضاء رام الله لنمكث عند اهل زوجة ابي الثانية وبقينا حتى تاريخ العشرين من يناير/كانون الثاني منتصف القرن الماضي، بعدها ذهبنا الى اريحا ومنها نحو عمان.

    الصقر الذي اضطرته الظروف للتوقف عند تعليمه الابتدائي في فلسطين عاد ليكمل دراسته المنزلية حتى المرحلة الجامعية، مشيراً إلى أن اختياره تخصص الحقوق مرتبط بتحمسه فهم القوانين الدولية بالذات على أمل تطبيقها في استرداد حقوقه الوطنية المهدورة ثم لغرس حب الانتماء والهوية الفلسطينية في نفوس اولاده ودعم جهود عدم تفريطهم في يقين العودة مهما طالت رحلة الغربة.

    ويضيف: مع عملي في التجارة لم تفارقني ابدا “بيارات” دار والدي حيث الفاكهة والخضروات وسوق “المزار” و”دكاكين” القماش والحلاقة ومخبز الحارة وديوان البلد تحت الشجرة الوارفة الكبيرة ويوم “الشعبونية” المصادف اول جمعة من شهر شعبان حيث تلتقي امي والنساء في احتفالية دينية في الجامع، وأحتفظ بشهادتي الابتدائية ورخصة القيادة وعقد البيت وسند الارض وكلها أشياء مهمة هي جل وصيتي لأبنائي.

    وتروي زهرة أبو حاشية ما يربطها بمسقط رأسها من خلال ذكريات الطفولة وحكايات والدتها وسجلات والدها جميعها “تركة” اولادها حسب تعبيرها قائلة: حين هاجرنا كان عمري 11 عاما بين سبعة أشقاء وشقيقات، وتخبرني أمي بأنه في “سلمة” ثمة شجرة ضخمة يتبارك بها الناس امضيت طفولتي الاولى ألهو تحتها مع الاطفال واحتفظ بصور لها، أما أبي فعمل فلاحا ومؤذنا للقرية وامتلكنا بساتين مصدر طعامنا ورزقنا ولازلت أستعيد لحظات قطف الورد وتشكيل طوق صغير لي، ومساعدة “الختيارات” في العجين واعداد وجبات للعمال احملها لهم حيث يمارسون مهامهم في أرضنا.

    وتشير أبو حاشية الى مشاركة والدها في مواجهة الاحتلال وأسر عدد من أقاربها بينهم شقيقها، كما تذكر الهجوم على منزل ذويها واضطرارهم للمغادرة وسط صرخات والدتها بالنجدة وما تلاها من رحلة الشتات الى مخيم بلاطة معقبة: لازالت جملة زوج خالتي ترن في أذني حين قال: “أتركوا كل شيء على حاله.. احنا راجعين قريب” وأنا كبرت وتزوجت وأتيت الى عمان أحمل المقولة ذاتها التي ردد زوجي دائما مقطعها الثاني حتى مات، وأكررها من بعده فهي الباقية لأبنائي وأحفادي.
    [/size]


    تنويه لا بد منه :
    مرة أخرى ، لا بد من تحية هذه الصحيفة التي نعرفها عن قرب ، بمواقفها الوطنية ، وتعبيرها عن آلام الأمة وقضاياها ..


  13. #13
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    12/04/2008
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    لكم منى الدعوات الخالصة الى الله تعالى ان يكلل هذا المشروع الكبير بالنجاح وان يحقق الهدف المامول منه.......

    وارى ان التاريخ الشفوى لازال هو عماد توثيق تاريخ الشعب الفلسطينى
    وانه وان كانت المبادرات فى كتابة التاريخ متاخرة الا انها جهود جبارة ومحاولات لا تعرف اليأس يستحق كل شخص ممن يقف خلقها التقدير والاحترام الكبيرين...
    وللتذكير فان مراكز توثيق التاريخ الشفوى الفلسطينى لازالت تشق الطريق الطويل فى هذا الموضوع محققة انجازات لابد من الاستفادة منها

    واستطيع القول ان سكان قطاع غزة الى قارب عددهم على المليون منصف المليون نسمة وان غالبية الجيل الحالى هم من الشباب لهو مؤشر خطير يدفع العاملون على توثيق التاريخ على الاجتهاد نحو المزيد من اغتنام الوقت ...........


  14. #14
    عـضــو الصورة الرمزية خالد الهمشري
    تاريخ التسجيل
    30/12/2006
    العمر
    57
    المشاركات
    10
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    السلام عليكم
    كفلسطيني احيي جهودكم هذه وكن اود الاشارة لكم ان هناك موقع كبير اسمه ذاكرة فلسطين اذ يجب النظر اليه ومراجعة محتوياته والاستفادة منه عموما هناك الكثير من المؤسسات والمنظمات الاهلية هنا في فلسطين عملت لخدمة هذا الموقع منها مجالس بلدية ومنظمات اهلية وطلبة جامعيين ومراكز شتى وانا كدارس للتاريخ وآثاري قد شاركت بتقديم اعون لهذا المشروع.
    ومن الممكنان ذا ما انتهى قراركملاخراج هذا المشروع لحيز الوجود ان نساعدكم في العمل بالموقع كوننا اصخاب شركة تصميم واستضافة فلسطينية (طولكرم نت- فلسطين عربية- لاستضافة وتصميم المواقع)
    اقبلوا الاحترام


  15. #15
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي



    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في 8 حلقات حتى الآن بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    60 عاما على النكبة ( 7)

    آخر تحديث:الأربعاء ,14/05/2008


    آلام وتضحيات ووطن عصي على النسيان

    ستون عاماً والمأساة الفلسطينية تتواصل، ينهض أطفال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين باكراً يحلمون بالعودة إلى ذلك الوطن الذي رضعوا تفاصيله من ذاكرة الأجداد، ذهبت غولدا مائير “وأصبحت عظامها مكاحل يطويها النسيان” على حد وصف المجاهد أبو أحمد حميدي، لكن الجيل الرابع من الفلسطينيين بعد النكبة يزداد تعلقاً بوطن الآباء والأجداد فلسطين . أزقة المخيمات الضيقة التي مرت منها أفواج الفدائيين، وعاد الكثيرون منهم شهداء على الأكتاف ما زالت تغص بصور الشهداء وملصقات ورسوم جدارية تذكر بحق ووطن سليب، ولوحات معدنية كتبت عليها أسماء الحارات التي سميت بأسماء مدن وقرى فلسطين والشهداء الذين قضوا من أجلها .
    يفاجئك رجل تسعيني بنبرة التحدي التي لم تغادره، وكأنه شاب في العشرين، يعود بالذكريات، يسرح بعيداً يستعيد وقع خطواته على تراب أرض بلاده المجبول بعرق ودماء الأجداد والآباء والأخوة ورفاق الصبا والنضال والأحفاد . يقف ممسكاً بمفتاح باب داره في فلسطين، يجذبه حفيده الصغير من طرف ثيابه ويصيح به: “لا تنس يا جدو المفتاح من بعدك سيكون لي”، يضحك الجد ويقول: “ليت أباك كان على قيد الحياة كي يستلم الأمانة . . المفتاح أمانة فهل تقدر على حملها يا جدو؟” يمضي الولد للعب قبل أن يكمل جده الحديث، إنها حكاية وطن وإنسان يأبى أن تذل نفسه الكريمة بشطب هويته الوطنية واغتصاب وطنه السليب . ولمناسبة الذكرى الستين للنكبة جالت “الخليج” على عدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وأجرت عدداً من اللقاءات مع بعض من عايشوا النكبة وذاقوا مرارتها .
    انتزاع الحق
    عبد أحمد أبو حميدي (أبو أحمد حميدي): من مخيم اليرموك دخل هذا العام العقد العاشر من العمر، فهو من مواليد قرية “ترشيحا” قضاء عكا في العام ،1927 بدأ الحديث معنا بسيل من الذكريات عما سجلته ذاكرته القوية عن نضالات الشعب الفلسطيني في حقبة الثلاثينات، وفي هذا يقول أبو أحمد “في العام 1936 كنت في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة ترشيحا، وفي ذلك العام كرس تلاميذ مدرستنا جلَّ جهدهم لنصرة الثوار والمضربين بمظاهرات عارمة ضد سياسات الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية، ورغم أننا كنا صغار السن تعرضنا لملاحقة البوليس البريطاني، واعتقل الكثير من أترابي وتعرضوا للتعذيب والضرب المبرح” . وأضاف: أذكر أن قريتنا التي كانت من أهم محطات الثوار الفلسطينيين في العام ،1936 كانت تعيش برجالها وشيوخها ونسائها وأطفالها على وقع مواجهات الثوار ضد العصابات الصهيونية والاحتلال الإنجليزي، وشارك رجال وشباب قريتنا الذين انتظموا في صفوف الثوار بعدة معارك في منطقة عكا والجليل، منها معارك جدين، التل الأحمر، تبن أبو شريتح . وأذكر من أبرز الثوار في قريتنا عبد الله الشاعر، أحمد علي عواد، أبو عاطف المغربي، أنيس حميدي . ومن المعارك معركة الجرف بين صفد وترشيحا التي استشهد فيها عبد الله الأصبح وعلي الدربي . واستشهد في هذه المعركة ثائر ثالث من عكا على ما أذكر، وتكبدت فيها القوات البريطانية أكثر من سبعة عشر قتيلاً وعدد كبير من الجرحى .
    ويضيف أبو أحمد حميدي: أعتقد جازماً أن الثورة الفلسطينية الكبرى كانت قادرة على تحقيق نتائج كبيرة لولا عاملين اثنين: الأول افتقاد الثورة لقيادة واحدة، وتشظي الثوار إلى فصائل محلية لم يكن التنسيق بينها بالمستوى المطلوب . والسبب الثاني عجز القيادات السياسية الإقطاعية التي كانت تتحكم بالشعب الفلسطيني وتواطؤ بعضها مع الملوك والأمراء العرب آنذاك .
    ومن صفحات النضال المشرقة في تاريخ الشعب الفلسطيني قبل العام 1948 حسب ما يذكر أبو أحمد حميدي تأسيس جمعية العمال العرب في حيفا العام ،1924 في مواجهة الهستدروت اليهودي، ويلفت النظر إلى تسمية الجمعية بالجمعية العربية كدليل على الوعي القومي ووحدة المصير، حيث إن معظم العمال في حيفا كانوا من العمال السوريين والمصريين واللبنانيين ومن جنسيات عربية أخرى وغالبيتهم انخرطوا في النضال ضد الاحتلال البريطاني والمخططات الاستيطانية اليهودية، من مدخل رفض التمييز الذي كانت تمارسه سلطات الانتداب الاستعمارية بحق العمال العرب، حيث كانت تعطي أجوراً للعمال اليهود أكثر بكثير من العمال العرب . ويذكر أبو أحمد حميدي تضحيات المتطوعين العرب في جيش الإنقاذ والمعارك التي خاضوها في مواجهة العصابات الصهيونية وقوات الاحتلال البريطاني، ومنها معركة موتسكن التي اضطر فيها الثوار لتفجير سيارات تنقل الأسلحة والذخيرة من لبنان بعد أن وقعوا في كمين محكم نصبته لهم عصابات الهاغانا والأرغون وشتيرن، واستشهد في هذه المعركة قائد حامية حيفا محمد حمد البحطيطي أردني الجنسية، وسرور برهم، وقتل من العصابات الصهيونية في هذه المعركة أكثر من سبعين .
    ويؤكد أبو أحمد حميدي أن قرية ترشيحا استطاعت أن تصمد لستة أشهر بعد سقوط حيفا لكن قلة الإمكانات ونفاد الذخيرة أعطى الغلبة للعصابات الصهيونية التي استطاعت احتلالها في نهاية العام 1948 .
    ويختم أبو أحمد حميدي حديثة بالتأكيد على أن العودة إلى الأوطان ليست مجرد حلم بل حق سيتم انتزاعه عاجلاً أم آجلاً، ويقول شاركت في جيش الإنقاذ وبعدها كنت من أوائل المنتسبين لحركة القوميين العرب، وكنت حاضراً في كل المعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني وآخر مشاركة لي كانت في الدفاع عن بيروت ،1982 وكنت يومها في الستين من العمر، لكني وأنا أخطو أدخل عامي الواحد والتسعين ما زلت أحلم بأني عدت شاباً يمتشق بندقية .
    لا للتوطين
    الحاج محمد حميد (أبو حسن) قرية “أكراد البقارة” قضاء صفد (مخيم السبينة):
    طوال الفترة التي استغرقها الحوار مع أبو حسن لم تفارق وجهه إشراقة أمل ارتسمت في تجاعيد وجهه، ويشدك أبو حسن الثمانيني، أنه يستذكر كل تفاصيل قريته “أكراد البقارة” وكل القرى المحيطة بها . ويستطيع أن يستعيد كل التفاصيل الصغيرة التي عاشها في ملاعب الصبا هناك . مجسداً حجم المعاناة والألم والحنين الذي يكابده اللاجئون الفلسطينيون بحرمانهم من العودة إلى ديارهم .
    ويقول الحاج محمد حميد مسترجعاً ذكرياته وحكاية عشقه لقريته “أكراد البقارة” . في العام 1948 وقعنا ضحية مؤامرة من القوى البريطانية التي انسحبت من فلسطين وسلمتها إلى العصابات الصهيونية، بعد أن سهلت لها عملية الاستيلاء والسيطرة على المرافق الحيوية والاستراتيجية في فلسطين . كان ذلك اليوم هو الخامس عشر من أيار عام ،1948 فقد هاجم اليهود “الحسينية” وهي قرية بالقرب من “أكراد البقارة”، وتبعد عنها حوالي (5 كم) وحدثت فيها مذبحة فظيعة من أجل إرغام الأهالي على ترك ديارهم . فهب أهالي قريتي “أكراد البقارة” وأكراد “الغنامة” لنجدة أهالي الحسينية، وكانت يومها هبة عفوية بدافع الحس الوطني، نتيجة للمضايقات التي مورست من قبل العصابات اليهودية، واتباع سياسة التنكيل بالأهالي واضطهادهم ما أدى إلى خروجنا إلى بلدة من بلدات الجولان، وهي منطقة جليبنة . ونتيجة للمواجهات التي حصلت بين جيش الإنقاذ والعصابات الصهيونية ثم احتلال المناطق المحاذية للأراضي السورية حتى منطقة نجمة الصبح، التي اعتبرها مجلس الأمن منطقة محرمة ومجردة من السلاح . وأرسل يومها مجلس الأمن بعثة تقصي حقائق في منطقة “شعب”، وتم تخيير الأهالي بالذهاب إلى قريتهم أو البقاء في منطقة شعب، بعض الأهالي اختار العودة إلى قريته رغم صنوف الاضطهاد العرقي والممارسات الهمجية من قبل لجنة يهودية مزيفة . ومنهم من اختار البقاء في منطقة شعب، ومازال مقيماً فيها حتى الآن . وأثناء العدوان الثلاثي على مصر قدمنا إلى سوريا . واليوم نحن في مخيمات اللجوء والتشرد نحيا حياة صعبة بعد مرور ستين عاماً على النكبة، ومازلنا ندفع ثمن الصمت الدولي، الذي يصر على إنكار حق شعبنا في حياة حرة وكريمة في وطنه، أسوة ببقية شعوب الأرض . وهذا الحق بالعودة هو حق مقدس كفلته الشرائع والمواثيق الدولية، فلا يجوز لأحد المساس بهذا الحق التاريخي والأزلي . وأي تنازل أو توقيع من أي كان مرفوض من صفوف شعبنا التواق إلى حريته واستقلاله وعودته القريبة إن شاء الله .
    وعن فترة ما بعد النكبة يقول الحاج أبو حسن “في البدايات كانت الحياة صعبة جداً، ولم يكن من الممكن لأي إنسان أن يقبل تجريده من هويته ووطنه، لأن هذا تجريد من الكرامة، ولم يخف وطأة اللجوء إلا بعد انطلاق الثورة الفلسطينية في العام ،1965 وتعمقت ثقة الفلسطيني بنفسه بفضل جبال التضحيات، لكن ما تعيشه اليوم الأوضاع الداخلية الفلسطينية يدمي القلوب، فالانقسام واستمرار هذا الانقسام لا سمح الله يعني أن الفلسطينيين سينهون قضيتهم بأيديهم، لذلك أناشد كل أولي الأمر من فلسطينيين وعرب أن يسعوا لإعادة توحيد الفلسطينيين، وتوجيه كل البنادق إلى العدو “الإسرائيلي” الغاصب للأرض والحقوق” .
    الحاج إبراهيم حسن عبد الرحيم بلوني من قرية “الصالحية” قضاء صفد (مخيم جرمانا):
    يبدأ الحاج إبراهيم بوني حديثة مذكراً بالأطماع الصهيونية في فلسطين وخاصة المناطق الخصبة منها، والتي كان من ضمنها منطقة سهل الحولة، التي تتألف من ثلاثة أقسام (شمالي وأوسط وجنوبي)، وهو غني بتربته التي تجود فيها كل المزروعات، مثل الحبوب والذرة الصفراء والخضار والفاكهة وتربى في السهل المواشي كالأغنام والأبقار، وفي مياه الحولة ثروة سمكية كبيرة تكفي سكان المنطقة . يضم سهل الحولة 33 قرية قامت العصابات الصهيونية بطرد سكانها عام 1948 وتدميرها، وبناء العديد من المستوطنات مكانها، بعد أن قامت بتجفيف البحيرة .
    وعن قريته بالتحديد يقول الحاج إبراهيم: الصالحية تبعد عن صفد 25 كم، ومساحة الأرض بالدونمات 5607 وعدد سكانها 1520 نسمة وعدد المنازل 257 قبل سنة 1948 . كانت القرية تقع في رقعة مستوية من الأرض في سهل الحولة، بالقرب من تقاطع نهر الأردن مع وادي ترعان الذي كان يصب في بحيرة الحولة، والتي تبعد عنها قرية “الصالحية” 4 كم، والقرى المجاورة لها هي الناعمة والدوارة والمفتخرة وخيام وليد والزوية، وكان يربطها بالقرى المجاورة شبكة من الطرق الفرعية الزراعية الإسفلتية . وبنيت بعض منازل القرية، من الحجر الأبيض وبعضها بالطوب . وسقطت الصالحية بأيدي العصابات الصهيونية في 25 مايو/ أيار ،1948 ونتيجة المقاومة الشرسة التي واجه بها الأهالي العصابات الصهيونية قامت العصابات الصهيونية بمحو القرية تماماً عن الخارطة، ولم يبق منها أي أثر، أما الأراضي المحيطة فيزرعها سكان مستعمرة كفار بلوم .
    وعن أوضاع اللاجئين في مناطق اللجوء يقول الحاج إبراهيم “أنا مقتنع تماماً بأن أولادي وأحفادي سيعودون، ولو توفرت الإرادة العربية لما عاشت “إسرائيل” ستين عاماً” . ويختم حديثه بالقول “الشعب الفلسطيني قدم تضحيات غالية، واستشهد من أجل التحرير خيرة شباب هذا الشعب، ولا يجوز لأي أحد أن يتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس التوطين، فحق العودة حق ثابت لا يقبل التفويض أو الإنابة” .
    الاقتتال الفلسطيني
    الحاج أحمد موسى طه أبو موسى قرية المفتخرة قضاء صفد (مخيم الحسينية):
    يتنهد الحاج أحمد أبو موسى وهو يدير شريط ذكرياته، أذكر كل حارات ومنازل قريتي بالتفصيل وأعرف كل حجر من حجارتها، فقد كانت قرية “المفتخرة” تقوم على رقعة مستوية من الأرض في الجزء الشرقي الأوسط من سهل الحولة، وكانت منازلها المتراصفة مبنية أصلاً بالطوب ومسقوفة بالقصب، لكن المنازل الأحدث عهداً مبنية بالحجارة والأسمنت . وكانت فيها مدرسة صغيرة وكان أهلها يعملون بصورة أساسية في الزراعة منها القمح والذرة والبصل وعلف المواشي، ويستخدمون مياه الري لهذه الغلال من ساقية تجري قريباً من الموقع . وكان نفر منهم يعنى بتربية المواشي وبصيد السمك بينما كان نفر آخر يعنى بالتجارة، وكان كثيرون منهم يذهبون إلى سوق الثلاثاء الأسبوعية، التي كانت تقام في قرية الخالصة المجاورة، لبيع غلالهم .
    ويوم سقطت “المفتخرة” كان لي من العمر عشر سنوات ولم يقدر لي شرف المشاركة في الدفاع عنها، لكني مهما حييت ستبقى مطبوعة في ذاكرتي صور رجال القرية وهم يمتشقون الأسلحة القليلة والقديمة للدفاع عنها في مواجهة جحافل من العصابات الصهيونية المعززة بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة . وأذكر وجوه الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عنها . ورغم أن القرية قد محيت من قبل “إسرائيل” عن الخريطة إلا أنني أتمنى أن أعيد بناء كل ما تهدم، بكل التفاصيل الصغيرة .
    وحول الراهن الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية يرى الحاج أحمد أن الخطر الأكبر هو النزاع بين الأشقاء الفلسطينيين، وهذا أخطر بكثير مما يمكن أن يحدثه الاحتلال “الإسرائيلي”، فالاحتلال “الإسرائيلي” على مدى ستين عاماً من المجازر لم يستطع أن يؤثر في تمسك الفلسطينيين بقضيتهم، لكن الاقتتال الفلسطيني في عام واحد أدمى قلوب الفلسطينيين، والخشية إذا ما استمر هذا أن يحولهم إلى مجموعة قبائل متناحرة . وعن واقعية التمسك بحق العودة يقول مثل هكذا أسئلة لم تكن تطرح قبل عشرين عاماً، ومثل هكذا الأسئلة المشككة انهمرت مثل المطر بعد مؤتمر مدريد، البعض يراهن أنه إذا تنازل عن حق العودة يمكنه أن يأخذ بدلاً منه تنازلات من “إسرائيل”، والوقائع تثبت أن هذا مجرد وهم زائف، ناهيك عن أن أي حل لا يضمن حلاً عادلاً لقضية اللاجئين لا يمكن أن يمر ويعيش .
    ماكو أوامر
    عبدالله الحطاب أبو حسن قرية العبسية قضاء صفد (مخيم جرمانا):
    يتذكر عبد الله الحطاب يوم الرحيل الحزين، ففي 22/5/1948 قامت العصابات الصهيونية باحتلال القرية بوحشية حيث هدمت مجنزراتها البيوت، وأشعلت الحرائق في أراضيها وشردت أهلها البالغ عددهم ما يقارب 1200 نسمة إلى سوريا ولبنان، وسبق ذلك حرب نفسية ضد المدنيين الفلسطينيين بتوجيه إنذارات لهم، وارتكاب مجازر في القرى والبلدات المجاورة، ولم يكن السكان ليغادروا أراضيهم حتى لو وقعت المزيد من المجازر، لولا أنهم وثقوا بأن الجيوش العربية التي دخلت إلى فلسطين سترد الصاع صاعين للعصابات الصهيونية، لكن الجيوش التي دخلت تحت قيادة الجنرال كلوب باشا وقعت ضحية مسرحية محكمة رسمتها بريطانيا وأمريكيا والزعامات العربية في ذلك الوقت، وطعنت هذه الجيوش في ظهورها، فالجيش العراقي أوقف المعارك رغم الانتصارات التي حققها، وكانت حجة الضباط العراقيين في ذلك “ماكو أوامر”، ما يثبت ضلوع نوري السعيد في التآمر مع البريطانيين على تمكين اليهود من اغتصاب فلسطين .
    هجرتان
    الحاج يوسف إسماعيل طبريا (مخيم السيدة زينب):
    يقول الحاج يوسف غادرت طبريا وعمري سبعة عشر عاماً، وهذا ما يعطيني القدرة على تذكرها بشكل جيد وواعٍ . فقد كنت أعمل مع أهلي في الزراعة وصيد الأسماك حسب المواسم، وكان لي شرف المشاركة في الدفاع عن مدينتي في العام ،1948 وأصبت بجروح في ساقي سببت لي إعاقة دائمة . ويومها تأكدنا بأن المعركة غير متكافئة ونتيجتها محسومة سلفاً، لكن رجال وشباب المدينة أبوا أن يسلموها من دون قتال، ولو لم أشارك في المعركة لما كان بإمكاني ان أرفع عيني بعيون زوجتي أو أولادي وأحفادي .
    ويضيف الحاج يوسف: إن ما وقع من ظلم هو مسؤولية الانتداب البريطاني وتآمرهم مع العصابات الصهيونية والزعماء العرب آنذاك . لقد اشترينا نحن أبناء المدينة والقرى المجاورة بضع بنادق لنقاوم بسلاحنا القليل العصابات الصهيونية المسلحة دفاعاً عن الأرض، فحصلت اشتباكات مع المستعمرات المجاورة للمدينة والقرى التابعة لها . كما نظمنا حراسة حول المدينة والقرى، وقام بعض أهالي القرية بتخريب مزارع الأسماك الصهيونية القريبة من المدينة، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الاشتباكات وارتفاع التوتر ما دفعنا لشراء بعض الأسلحة الإضافية . ومع انسحاب القوات البريطانية وقبلها بيومين فقط جاءنا أحد المسؤولين بطلب من القوات العربية ليطلب منا الابتعاد عن مسرح العمليات العسكرية المحتمل، لمدة لا تتجاوز بضعة أيام، كي يتم القضاء على العصابات الصهيونية وكان ذلك في موسم الحصاد من فول وقمح فريك وفستق . فخرج أهالي القرى باتجاه الحدود السورية مع بعض احتياجاتهم . وتوجهنا نحن إلى قرية الدرياشية والبعض وصل إلى القنيطرة والشام وحتى إلى لبنان . ومنها بدأت مسيرة اللجوء، بما تحمله من حرمان وبؤس وفقدان للممتلكات .
    وعن مرحلة ما بعد النكبة يقول الحاج يوسف: عمل والدي في زراعة قطعة أرض اشتراها في منطقة الجولان، إلى أن جاءت حرب ،1967 لتكون هجرتهم الثانية، مشيراً إلى أنه تطوع في الجولان قبل ذلك لمدة تسع سنوات في الحرس الوطني كعامل اتصال . وبهجرته الثانية انتقل إلى منطقة حوران حيث أقام حتى عام ،1975 وبعدها إلى مخيم السيدة زينب، ليعمل في وكالة الغوث حارساً لمدة خمسة عشر عاماً إلى أنه أوقف عن عمله لبلوغه سن الستين .
    أما عن الظروف الاقتصادية والمعيشية فيقول إن وكالة الغوث بدأت توزيع مساعداتها في بداية الخمسينات، وبأن يوم توزيع المعونة كان أشبه بيوم القيامة لتزاحم المحتاجين من اللاجئين للحصول على ما تقدمه من مساعدات عينية أو ملابس مستخدمة (بقج) إضافة إلى ظروف السكن السيئة التي عاشها اللاجئون حيث حشرت أسر في غرفة لا تتجاوز مساحتها (3*3م) وشحة مياه الشرب والمرافق الصحية التي كانت تسبب الكثير من المشاكل . أما عن ظروف الأطفال والطلبة فحدث ولا حرج بدءاً من عدم توفر الملابس وشحة الغذاء، وصولاً لعدم إمكانية توفير المستلزمات من حقائب وسواها، إلا من خلال ما تصنعه الأمهات من بقايا ملابس رثة كحقائب لأولادهن .
    والهاجس الذي نعيشه اليوم كلاجئين فلسطينيين هو المحافظة على حقنا في العودة لأرضنا وبيوتنا التي انتزعت منا . ووصيتي لكل لاجئ ولكل فلسطيني أن يستمر بنضاله من أجل هذا الحق، ومن أجل حق شعبنا في تقرير مصيره .وأنا شخصياً رغم تجاوزي الثمانين من العمر فلن أتنازل عن ذرة تراب واحدة مقابل كل كنوز العالم وما زلت أحافظ على كافة ( الكواشين) التي تثبت حقنا بأرضنا في طبريا .


    يتبع ..


  16. #16
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في 8 حلقات حتى اليوم بعنوان ( 60 عاما على النكبة )

    الخميس ,15/05/2008

    60 عاما على النكبة ... الحلقة الثامنة

    تحرير فلسطين فعل ممارسة للوحدة في كل أرض العرب



    المفكر اللبناني منح الصلح اضاء على المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية انطلاقاً من الخصوصية التي تميزت بها هذه القضية، واين انتهت هذه القضية بعد ستين عاماً من النكبة قال "دلّت التجارب على أهمية استقلالية القضية الفلسطينية ضمن الاقطار العربية والتي كان الحاج أمين الحسيني واعياً لها، ومن بعده نهجت "فتح" واستمرت حارسة وأمينة لهذا النهج. وحتى الآن يشكل الوعي الفلسطيني على المسار الفلسطيني وعلى حرية الارادة الفلسطينية ضوءاً على طريق هذه القضية التي كتب عليها من اليوم الاول ان تستقوي بالوحدة العربية والاستقلالية عنها بمعنى الاّ تذوب خصوصيتها".

    منح الصلح

    بعد ستين عاماً على النكبة اين انتهت القضية الفلسطينية؟ ما واقعها اليوم وكيف تراه؟

    يشكل الصراع بين حماس وفتح ما تسميه الاساطير اليونانية "كعب أخيل" أي المقتل او عكسه النجاة والاستمرار.

    لقد كانت فلسطين منذ ايام الدولة العثمانية وخلال ايام الانتداب كلها وما بعد الانتداب جناحين، جناح القدس وتتبعها يافا وغيرها شمالاً وشرقاً، وجناح غزة ومحيطها كالعريش ورفح وغيرها، واثناء الانتداب البريطاني كان الضعف آتياً من عدم الوحدة بين الجناحين، وبعد الانتداب استمرت هذه الثنائية، فياسر عرفات لم يستطع ان يكون شمولياً الاّ بمد يده للشيخ احمد ياسين فلا القدس ولا يافا ولا رام الله تغني عن غزة والعريش ورفح.

    وماذا عن اشكالية حماس وفتح اليوم؟

    انبثقت حماس من ضرورة جغرافية تاريخية وليس من نزعة انفصالية، واكدت تجذرها في القضية الفلسطينية وفي الشعب الفلسطيني منذ الانتخابات التي أجرتها، واعية كل الوعي لأهمية هذه الانتخابات، فقد استدعت رئيس جامعة رام الله د. حنا ناصر ليشكل فريقاً مراقباً لسلامة العملية الانتخابية وهو الفلسطيني الاول في مقياس النمو المدني والوطني للشعب الفلسطيني. ولم تكن مسيحية حنا ناصر الا صورة من صور الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت دائماً حقيقية وفي مستوى لم يبلغه أي وطن عربي آخر منذ ايام الحاج أمين الحسيني. بل وقبلها كان المسيحيون الفلسطينيون شركاء للمسلمين الفلسطينيين في تجسيد جوهر الارادة الفلسطينية التي قامت لمواجهة اليهودية المتصهينة وامتداداتها داخل عالم الاستعمار. لم يسبق للقضية الفلسطينية ان ارتفعت الى ذلك المستوى من الصفاء والتضامن والبسالة كما التفتت حركة حماس وهي الحركة الاسلامية الى ذلك العرق الجهادي القديم في فلسطين الذي اسمه بسالة المسيحية الفلسطينية في معركتها المشتركة مع انقى اسلام وأعقله وهو الاسلام المناضل من اجل الحفاظ على القدس وعلى طهارة الارض الفلسطينية المهددة من ابشع انواع الاستثمار وهو الصهيونية. تلك الحركة المتخصصة بعداء العرب تريد كل شيء من امة واحدة.

    هل استفادت حركة حماس من التجارب النضالية التي سبقتها؟

    ان رقي النضال الفلسطيني الحالي حتى بالقياس الى أرقى ما كان قد وصل اليه هذا النضال اثناء الانتداب البريطاني في فلسطين بل وقبله، يعود الى هذا الانصهار والتلاحم وليس ادل على ذلك من تلك الرموز المناضلة والبارزة التي عرفها تاريخ فلسطين كالطبيب الفلسطيني عزت طنوس الذي درس الطب في الجامعة الامريكية في بيروت ليتخرج فيها بعد الحرب العالمية الاولى ولم يمارس مهنته كطبيب سوى لوقت قصير تفرغ بعده للعمل الوطني والاعلامي فكان ممثل فلسطين في القدس ولندن والولايات المتحدة ثم في بيروت وبقي حاملاً القضية مكرساً جهده لها حتى آخر يوم من حياته. كذلك المناضل اميل الغوري الذي انتمى الى الحزب العربي الفلسطيني برئاسة مؤسسه الحاج امين الحسيني فكان السكرتير العام للحزب كما كان رئيس تحرير جريدته اليومية "الوحدة". وبقي اميل الغوري مع الحاج امين الحسيني حتى آخر ايام حياته. ومن تلك الرموز النضالية وصولاً الى الذين مثلوا ارقى اصناف هذا النضال مثل جورج حبش وغيره من انداده في النضال الفلسطيني والعربي.

    القضية الفلسطينية اليوم اين تقف وما تحدياتها؟

    الآن شأنها كما في أي وقت مضى، كانت القضية الفلسطينية ولا تزال هي المعيار المعيار والمقياس واداة التقييم الحقيقية للنضال العربي وهي التي لا تزال عفوية الشعب العربي تعتبرها مقياس الصدق او عدم الصدق في صراع الأمة حيثما كان.

    ولكن مستقبل القضية الفلسطينية كيف تراه اليوم في ضوء الواقع الراهن؟

    مرة واحدة ارتفع فيها الاداء الرسمي العربي الى مستوى التحدي وهو تلك الدعوة التي وجهها الملك عبد الله بن عبد العزيز للفلسطينيين في مؤتمر مكة الكرمة.

    في فلسطين وفي العراق وفي لبنان تعيش الأمة الوجع الواحد الناتج عن الشعور بأنها تعاني نتائج فارق بعيد بين المطلوب والواقع، فلبنان وفلسطين والعراق مشاهد تمزّق وتباعد وتنافر يُراد له ان يكون من قبل صانعيه الدوليين تهجيراً نهائياً لحلم الوحدة العربية ولشعور العرب بأنهم واحد قومي وثقافي وحياتي ومصيري.

    كل خبر يأتي الى المواطن العربي عن هذه الاوطان الثلاثة الآن يحمل دعوة هجرة من العروبة موجهة لكل عربي في آسيا وافريقيا وفي الشتات.

    لم يقسُ الاستعمار على أمة كما هو قاس الآن مع العرب والعروبة واقعاً وحلماً.

    اصبح الواقع ملزماً وحاكماً على العرب حيثما كانوا، بحيث انهم اما ان ينجحوا في كل مكان او لا ينجحون في أي مكان. لم تصدقه مقولة المصير العربي الواحد مثلما هي الآن بمعنى أن الأمة العربية تخوض الآن صراعاً متعدداً وواحداً في الوقت عينه.

    انها قسوة لم يواجهها العرب في عصور الانتدابات الاوروبية الموزعة عليهم جميعاً، ولكنهم مضطرون الى خوضها الان عارفين بالترابط بين كل هذه المعارك المفتوحة على العرب، والهدف منها هو سلبها قوة وحدة النضال العربي التي تبدو طلائعهم قد نسيتها في ساحات كثيرة ولا سيما العلاقة بين كل ما يجري في هذه الساحات وفكرة الوحدة العربية، ان تحرير فلسطين معركة متخصصة بالقضية الفلسطينية وفعل ممارسة للوحدة في كل مكان من أرض العرب.

    د. أنيس الصايغ

    في الذكرى الستين لنكبة فلسطين تطرق المناضل والمفكر الفلسطيني د. أنيس صايغ الى ابرز المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، وهو الذي عبر عنها محطات النضال بقلمه وفكره وكاد ان يدفع حياته اكثر من مرة ثمناً لها.

    عاشق فلسطين يستحضرها اليوم انجازات وتحديات وتجارب في مقاربة ما بين المشهد السياسي بالأمس والمشهد اليوم.

    كيف يقرأ د. أنيس الصايغ نكبة فلسطين بعد مرور ستين عاماً عليها؟

    يمكن الحكم على النكبة باختصار، وهو أن ما حصل بعد النكبة أسوأ من النكبة بحد ذاتها. في النكبة خسرنا جزءاً من فلسطين لكن نتائج النكبة هي اكثر بكثير من عدة نواحٍ من خسارة جزء من فلسطين، فقد خسرنا فلسطين بكاملها وخسرنا اراضي عربية يهددها العدو في كل يوم وخسرنا تضامناً عربياً كان موجوداً ولو في حدود ضيقة، وخسرنا أمماً متحدة كانت الى حد ما تقف مع بعض قضايانا، واذا بناء بعد ستين سنة نجد أننا اسوأ بكثير مما كنا عليه في العام 1948 سواء على الصعيد الفلسطيني او العربي او "الاسرائيلي" أو الدولي لو عدنا الى النضال الفلسطيني من أوائل العشرينات حتى النكبة سنة 1948 لوجدنا انه كان هناك اجماع كامل على المطالبة باستقلال فلسطين ومنع تحقيق الاطماع الصهيونية وثالثاً توحيد فلسطين مع جيرانها العرب.

    كانت هذه المطالب الثلاثة جوهر دعوة كل الاحزاب الفلسطينية والمؤتمرات الوطنية الفلسطينية التي قامت او عقدت بين 1919 و1948 ومن وحي مبادئ هذه الاحزاب وهذه المؤتمرات الوطنية قامت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 تطالب بتحرير كامل تراب فلسطين من البحر الى النهر واقامة دولة فلسطينية هي جزء لا يتجزأ من المشروع العربي القومي الوحدوي العام. فلنقارب ذلك بما نحن عليه اليوم، لدينا منظمات وفصائل واحزاب تعترف بالعدو وتتفاوض معه متنازلة عن القسم الاكبر من حقنا في فلسطين، لدينا منظمة تحرير الغت القسم الاهم من ميثاقها القومي واصبحت غطاء للاعتراف بالعدو والتفاوض معه واصبح لدينا من يعتبر المقاومة ضد العدو عبثاً والاستشهاد انتحاراً فاشلاً.

    وعلى الصعيد العربي في سنة 1948 كانت هناك سبع دول مستقلة حاربت من اجل فلسطين ولو بقدرات ضعيفة وصمدت أمام العدو شهراً كاملاً على الأقلّ. اما اليوم فنحن احدى وعشرون دولة عربية مستقلة ولدى معظمها اسلحة متطورة وقدرات مالية واقتصادية تجعلها قادرة على فعل الشيء الكثير ومع هذا نجد هذه الدول العربية قد انهزمت امام العدو عسكرياً في مدى ايام، وبعضها انهزم في مدى ساعات. ونجدها اليوم تخشى من كلمة الحرب او المقاومة فيتسابق معظمها الى إرضاء العدو وتطمينه ويقيم بعضها علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية مع العدو، واصبح معظمها يقاوم المقاومة كفكر او كنهج او كعمليات استطاعت في لبنان سنة 2006 ان تهزم العدو.

    اما على الصعيد الدولي فمن الصعب اليوم ان نجد اكثر من خمس اوست دول من بين مائة وثمانين دولة غير عربية عضو في الامم المتحدة تقف معنا، بينما الاغلبية المطلقة من الدول في الامم المتحدة في كل جانب متعلق بالقضية الفلسطينية تقف مع العدو وتقبل بالقرارات التي تمليها الولايات المتحدة على الامم المتحدة وهي دائماً ليست في مصلحتنا. هذا مع العلم انه في الخمسينات والستينات قامت تجمعات دولية تقف الى جانب الحق وتدافع عن طموحاتنا الوطنية والقومية من دول الحياد الايجابي الى دول عدم الانحياز الى الكثير من التجمعات الدولية التي انصفتنا قبل عدة عقود لكنها انتهت الان وزالت من الوجود ولم يعد على الساحة الدولية سوكارنو ونهرو وتيتو ونكروما. وبالطبع لم يعد هناك جمال عبد الناصر.

    اما على الصعيد "الاسرائيلي" الصهيوني فليس من داع لأن نتحدث عن الواقع الذي تعيشه امتنا مع هذا العدو. في الوقت الحاضر يكفي ان نتذكر ما حصل في الاسبوع الماضي في غزة والقطاع وهو نسخة جديدة من معاملة قديمة يعاملنا بها الصهاينة منذ ستين عاماً، والفرق بين الماضي والحاضر ان "اسرائيل" كانت تقترف بجرائمها ثم تحاول ان تجد الاعذار، اما اليوم فهي تتحدث بجرأة وصفاقة عن الهولوكوست الذي تقترفه بحق فلسطين به.

    اذاً للإيجاز اقول اننا بعد ستين عاماً من النكبة اصبحت النكبة هي حياتنا اليومية واصبحت الصفة والعنوان الدائمان لحياتنا الفلسطينية يمكن ان يوجزا بكلمة المأساة، بينما اصبح عنوان الوضع العربي بعد ستين عاماً هو التخاذل والتقاعس واصبح عنوان الموقف الدولي هو التآمر، أما عنوان الاداء "الاسرائيلي" فهو الوحشية والمزيد من الوحشية والتفنن في الاساليب الوحشية حتى كاد الهولوكوست النازي يصبح كلمة ملطفة امام الهولوكوست الصهيوني بحق الفلسطينيين.

    إذاً أين نحن من فلسطين اليوم؟

    سيكون جوابي ثنائياً وقد يبدو متناقضاً لكنه ليس كذلك فنحن من حيث الوضع الراهن ابعد ما نكون عن فلسطين، مثلاً هناك من يعتبر واشنطن او نيويورك اقرب الينا من دمشق، لكن ما دمنا وما دام بيننا عدد من الفلسطينيين والعرب يحتفظ بفلسطين من قلبه او وجدانه او عقله او فكره فنحن لسنا فقط قريبين من فلسطين بل نحن في فلسطين وفلسطين فينا. إذاً هناك جو عام محبط ويثير الاشمئزاز ويكاد يفرض علينا القنوط لكن اراداتنا الذاتية وهي التي يمكن ان تتحكم بمستقبلنا هي التي بامكانها ان تبقى النضال الموجود حالياً وتصعده لتجعله في يوم من الايام وفي الظروف المناسبة قادراً على مجابهة العدو مجابهة كاملة، وقادرة على الانتصار على العدو.

    اريد ان اتمثل بكلمة للسيد المسيح "ماذا يستفيد الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"، وانا اريد ان اقول لا يهمنا لو وقف العالم كله ضد ارادتنا اذا كنا نحن فعلاً نتمسك بهذه الارادة وننفذها.

    هل ترى ان القضية الفلسطينية استفادت من تجاربها النضالية وتراكمات هذه التجربة على مدى ستين عاماً؟

    نحن نعيش في جوّ قاتم جداً لأننا نشاهد ونعاني من الضربات المتواصلة، الامر الذي يجعلنا نحجم عن النظر في تجربتنا النضالية ونتناسى او نتغافل عن تلك الوقفات التي وقفها شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية في نضالها ضد العدو. لذلك انا ادعو الا نسمح لأنفسنا بأن نخفف من اهمية تلك الوقفات ولا ان ننظر اليها كشيء ماضٍ ومن مخلفات عهود سابقة وكأنها شيء غريب عنا، ان الدوافع التي جعلت من شعبنا امثولة في المقاومة منذ العشرينات حتى وقت قريب هي الان جديرة بأن تجعلنا اكثر تصميماً على متابعة المقاومة والنضال من أجل الاهداف التي تمسكنا بها في الماضي ولا نزال نتمسك بها.

    انا لا انظر الى الماضي كصنم ولا انظر الى الصفحات البيضاء بشيء من التأليه والتغني بها كما لو كانت تكفي بحد ذاتها وتغنينا عن المزيد منها، على العكس انظر الى حالات النضال السابقة الخصبة والعظيمة كحافز للاستمرار وللتصعيد والتطوير. علينا ان نعتبر جهاد الثمانين سنة السابقة قاعدة لانطلاق جهاد متواصل ومتطور ويتناسب مع الظروف والحاجات والامكانات الحاضرة، والامة التي أنجبت جمال عبد الناصر وعبد القادر الحسيني وعز الدين القسّام وابو جهاد وغسان كنفاني وجورج حبش ووديع حداد قادرة على ان تقدم لنا المزيد من المناضلين الذين أصبح كل واحد منهم رمزاً ومثالاً وقدوة.


    "أم الزينات" قرية فلسطينية في ذاكرة الكبار

    "أنا من الربّة البيضاء" بهذه الكلمات يتذكر خالد منصور من مخيم الفارعة للاجئين الفلسطينيين، شمال شرق مدينة نابلس بالضفة الغربية، أن والده كان يستخدمها في وصف بلدته أم الزينات، الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

    يقول منصور إنه سمع هذه الكلمات في طفولته مرات كثيرة، وحفرت من يومها في قلبه وعقله ووجدانه. إلا أنني بعد أن كبرت ذهبت إلى هناك لزيارة أطلال البلدة برفقة أبي في العام ،1971 دهشت كثيرا من جمالها وطبيعتها الفتانة، وقلت حينها: لقد كان أبي على حق.. فأم الزينات هي الجنة بعينها، فيها الجبل الشامخ، جبل الكرمل وما أدراك ما الكرمل.. وفيها الغابات والأحراش، وفيها الينابيع والآبار، فيها السهل المنبسط الخالي حتى من الحصى، وفيها الوعر وكروم الزيتون".

    ويمضي منصور واصفا قريته بالقول إنها "قرية كانت تربض كالقلعة على سفوح جبل الكرمل العظيم، لتطل على البحر الأبيض المتوسط من جهة، وعلى سهل مرج ابن عامر، الأكثر خصبا في فلسطين، من الجهة الأخرى، وتنبسط أراضيها كالكفّ في سهل الرّوحة الفسيح، لتنتج الحنطة والبقوليات والذّرة، بالإضافة إلى ما تنتجه أراضيها الجبلية من زيتون، وكل ما تشتهيه الأنفس من أصناف الفواكه، كالتين والرمّان والعنب والصّبر".وتبعد "أم الزينات" عن مدينة حيفا 17 كم، باتجاه الجنوب الشرقي، ويحاذيها من الغرب قرية أجزم وأحراش الكرمل. ومن الشمال قرية الدّالية الدّرزية، وكذلك أحراش الكرمل. ومن الشرق واد الملح ومرج ابن عامر، ومن الجنوب قرية الريحانية وسهل الروحة.

    كانت أم الزينات قرية بسيطة هادئة لم يتجاوز عدد سكانها في العام 1948 ال1750 نسمة، وأهلها فلاحون حقيقيون، جادون ومجتهدون، يحبون الأرض كحبّ أبنائهم، لم يفرّطوا في شبر منها، ولم يبيعوا حبّة تراب واحدة للغاصبين والسماسرة.. كانت وادعة وحصينة، فاستحقّت ما قاله عنها الثائر الفلسطيني الكبير أبو درّة بأنها البلد الأمين. إذ شكّلت هذه القرية الملاذ الأمين للثائرين على الاستعمار البريطاني، وللمقاومين للزّحف اليهودي الاستيطاني، خلال النصف الأول من القرن المنصرم، ولم يستطع المحتلون الإنجليز إلقاء القبض على أيّ من الثّوار في أراضيها، رغم أنها عرفت كقاعدة خلفية أساسية للثوار، وهو الأمر الذي أكّدته وقائع معركة أمّ الدّرج الشهيرة.

    ويقول منصور "دخلت أم الزينات أول مرة بصحبة أبي، الذي عرّفني بكل معالمها بآبار مياهها العذبة، كبئر الهرامس وبئر الناطف وبئر شمهورش، وعيون مائها، كعين البويضة، وعين الصفصافة، وعين الشّمالات، وعين الشّقّاق، وعين الحاج، ونبع العلّيقة، ووادي أبو نمر.. وأخذني إلى آثارها القديمة، ليؤكد لي عراقتها وجذورها الضاربة في عمق التاريخ، فعرّفني بمغر النّواميس، ومغارة المعلّقة، وأصرّ على أن أطأ بقدمي معظم قطع الأراضي، التي كان يحفظ أسماءها كما يحفظ أسماءنا نحن أبناءَه. فاصطحبني إلى جورة البير والبطيحي والحج حسن، وخلة الجاج وبكّار والمصرارة ووايد الملح، وجرماشة والمظبعة وذراع نجم وخلة التينة، ووعرة الزيتون والمل وخلة الزّرد والمقشور، وأم القدور وأبو الواويّات وأم السّحالي".

    ويضيف "عرّفني أبي على موقع الجامع والمدرسة والمقبرة القديمة حيث كان جدي الأول محمد الحمد قد دفن، وكذلك المقبرة الجديدة. عرفني على مواقع المنازل، فقال لي هذا موقع بيتنا القديم (دار صبح)، وهذا موقع دار بشر، وهذه حارة المراح حيث كانت عائلة الفحامنة تسكن، وهذا موقع دار أبو خليل، وهذا موقع دار حسّان، وموقع دار الشيخ يوسف، وهذا موقع دار الحردان، ودار الخطيب، ودار سلامة، ودار أبو طربوش، ودار البيّاري.. ولم ينس دار أبو حنا النصراني الوحيد، الذي كان يسكن في القرية، والذي كان يعمل إسكافيّا وخياطا وطبيبا وصاحب دكان في البلدة".

    ويتابع خالد منصور قائلا: "كان أبي يحبّ أمّ الزينات ويعشقها بأرضها وسكانها، يحبها حبّا لم أر شبيها له طيلة حياتي، لدرجة أنه وأثناء سيره بين أطلالها، كان يتعرّف على البيوت، التي أزالها الغزاة اليهود نهائيا من على الأرض في أواخر السبعينات من القرن الماضي.. كان يتعرّف عليها من أشجار الزيتون والتين والرمان والصبر، التي ما زالت باقية حتى اليوم، تنمو وتعيش في مكانها، صامدة رغم كل محاولات الصهاينة الغاصبين لطمس كل شيء عربي في البلدة.. وعند كل بيت كان أبي يتوقّف ليتذكّر ويتنهّد ويقول: هذا بيت فلان، الذي كانت زوجته فلانة وأبناؤه فلانا وفلانا، وهم يعيشون الآن في البلد الفلاني".

    ويقول "رغم كبر سنّ والدي فإنه لم يكن يتعب من التجوال في البلدة، وكان يقضي ساعات وساعات، هائما على وجهه في دروبها القديمة، وكأنه يبحث عن شيء ما كان قد نسيه عند خروجه الأخير من البلدة. وعندما كان يحين موعد العودة، كان أبي يركب السيارة معنا متثاقلا، وكأنه يريد أن يقول لنا: اتركوني هنا في بلدتي، وعودوا أنتم إلى مخيمكم".

    ويصمت منصور قليلا ويضيف "أما نحن الجيل الثاني للهجرة ومن شدّة تعلّقنا بديارنا الأولى، فقد واظبنا على تنظيم رحلة جماعية للحجّ إليها كل عام، وخصوصا في ذكرى النكبة في 15 أيار (مايو)، وهو اليوم الذي يعني لنا الشيء الكثير، حيث أجبرنا فيه الصهاينة بالقوة على ترك منازلنا وأرزاقنا وممتلكاتنا، لنصبح من لحظتها مهجرين مشرّدين، نحمل اسم لاجئين، ويكون لنا رقم في سجلات الأمم المتحدة وسجلات وكالة غوث اللاجئين. لقد سألت أبي ذات يوم لماذا خرجتم من بلدتكم..؟ ولماذا لم تدافعوا عنها..؟ فأجابني والحسرة تعصر قلبه: لقد فعلنا كلّ ما نستطيع، وقاومنا بكل ما نملك، لكن سلاحنا كان بسيطا وقليلا، ولم نكن مدربين جيدا بالمقارنة مع اليهود الأحسن تدريبا، والمالكين لأحدث الأسلحة الإنجليزية... ورغم كل ذلك فلم نترك ديارنا إلا بعد أن قتلت قوّات الهاجاناه العديد من أبناء بلدتنا، وفجّرت عددا كبيرا من المنازل".

    ويستطرد "لقد ظلت حكايا اللجوء ترنّ في آذاننا، ومازالت كذلك إلى يومنا الحاضر، وحرصنا نحن على نقل هذا التراث إلى أبنائنا، ليكون أمانة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل... لقد مات أبي، أبو عاطف، في العام ،1986 ولم تفارق لسانه سيرة أمّ الزينات، وأهل أمّ الزينات، وقد أوصانا أن ننقل رفاته بالإضافة إلى رفات صديق آخر عزيز عليه، هو داود الخالد، إلى أم الزينات، وذلك عندما نعود إليها، ونحررها من دنس الغاصبين".


  17. #17
    عـضــو الصورة الرمزية ايمان عادل
    تاريخ التسجيل
    30/09/2007
    المشاركات
    1
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    ننتظر افتتاح المنتدى بفارغ الصبر عزيزتى
    فلدينا قلوب فلسطينية الى جانب قلوبنا التى تحن لدولتنا الخاصة تدفعنا نشجع هذه الفكرة


  18. #18
    شاعرة
    نائب المدير العام
    الصورة الرمزية مقبوله عبد الحليم
    تاريخ التسجيل
    06/07/2007
    العمر
    64
    المشاركات
    5,481
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    الأخت الحبيبة مقبولة، أشكرك على حماسك، الأقصى في قلوبنا، لكن ما ننظر إليه عملية توثيق، لنا أولا، ولغيرنا ثانيا، الجهل بالقضية كبير جدا، نحن أولى الناس بالتعريف بها. أنتظر أن تكوني جزءا أساسيا في هذه المشروع، الذي أرى أنه سيرى الضوء قريبا بفضل حماسكم وغيرتكم.

    عزيزتي راوية

    وانا معك بكل خطوة فلفلسطين حق كبير في أعناق العرب أجمعين

    بارك الله فيك وأدامك للحق خير نصير

    وعلى بركة الله نبدأ

    دع عنك لومي " كي أكون كما أنا = إني كمثل الورد في البستان
    لا تعتقد أن السنين عدوتي = إن السنين تزفني من ثانِ
    كيما أكون على النساء أميرة = ويفوح عطر الورد من شرياني

  19. #19
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية


    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في 10حلقات بعنوان ( 60 عاما على النكبة )


    الخليج :الجمعة ,16/05/2008

    60 عاما على النكبة ... (الحلقة التاسعة)

    فلتكن الذكرى نقطة استنهاض وانطلاق للأمة

    د . سعيد حارب:
    تمر ذكرى النكبة هذا العام بألم مختلف، إذ تكمل ستين عاماً منذ احتلال الصهاينة لفلسطين وتشريد أهلها وبناء كيان يجمع بين العنصرية والعدوانية . ولا شك أن هذه المناسبة الأليمة تحمل للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة ذكريات تتجدد معها كثير من صور المآسي والحزن، ويكتفي بعضنا بذكر ما مر خلال هذه السنوات من عمر المأساة مكرراً حالة الإحباط واليأس التي يعيشها كثير من العرب، خاصة إذا نظر العربي الى واقعه وما يكتنفه من مشكلات، لكن باعتقادي أننا بحاجة لرؤية هذه الذكرى بصورة مختلفة تتجاوز اجترار المآسي والأحزان، بل تجعل منها منطلقاً جديداً لرؤية قضايانا العربية بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة، وتتمثل هذه الرؤية في جعل هذه الذكرى نقطة انطلاق واستنهاض للأمة بعيداً عن دعوات التخاذل والاستلاب التي يحاول البعض بثها بين العرب، وأول محددات هذه الرؤية أن نعيد دراسة أخطائنا في التعامل مع القضية الفلسطينية سواء كانت تلك الأخطاء على المستوى العربي العام أم على مستوى القيادات الفلسطينية السابقة والمعاصرة، والبحث عن نقاط القوة في هذه القضية، إذ ما زال بعضنا يتعامل مع القضية من نقطة الضعف، أو أننا لا نملك من الأوراق إلا القليل وأن الطرف الآخر سواء كان “إسرائيلياً” أو أمريكياً يملك 99% من أوراق القضية!
    والواقع أن العرب يملكون أكثر أوراق القضية إن أحسنوا استخدامها، ولن يتأتى لهم ذلك إلا إذا تم إعادة بناء المنظومة العربية وإعادة ترميمها بما يخدم مصالح العرب وحدهم، وفي هذه الحالة لن يجد العرب مشكلة في تحديد مصالحهم التي يمكن أن يجتمعوا عليها، بل يمكن أن تكون هذه المصالح نقطة تجمع لهم لا نقطة اختلاف وتفرق كما هي عليه اليوم، الأمر الآخر الذي يجب إعادة النظر فيه هو الموقف من عملية السلام، فستون عاماً من التعامل مع هذا الكيان حرباً وسلماً كفيلة بأن يخرج العرب بنتيجة واضحة عن موقف الطرف الآخر من عملية السلام خاصة مرحلة ما بعد “أوسلو” التي أخذت من العرب والفلسطينيين الشيء الكثير ولم تقدم لهم إلا النزر اليسير، وأن الطرف الآخر ليس جاداً في عملية السلام وأنه لا يريد منها إلا فرصة لتحقيق مصالحه في الأمن والاستقرار وبناء المزيد من المستوطنات وتقليص المساحة الممنوحة للفلسطينيين، والتوسع على حسابهم، ويتبع هذا أن يتأكد العرب من أن الطرف الآخر “إسرائيلياً” كان أم أمريكياً ليس جاداً في موضوع الدولة الفلسطينية الموعودة، فالرئيس الأمريكي جورج بوش دعا لقيام هذه الدولة منذ مجيئه قبل ثماني سنوات وكرر هذه الدعوة في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أنه لم يعمل لتحقيق هذا الوعد بل عمل على عكس ذلك عندما أكد على يهودية “إسرائيل”، ولذلك فإن التعلق بهذه الوعود إنما هو مضيعة للجهد والوقت وعلى العرب والفلسطينيين أن يبحثوا على سبيل آخر لتحقيق هذا الأمر، ولعل آخر الأمر بل أوله أن يعيد الفلسطينيون رؤيتهم لقضيتهم من حيث المصالح التي تحققت والأخطاء التي ارتكبت خلال هذه السنوات، فوضعهم اليوم ليس أسوأ مما كانوا عليه عند النكبة بل هم اليوم أقوى وأكثر تأثيراً في الأحداث وأكثر حضوراً وتعاطفاً دولياً، لكنهم يحتاجون الى ترميم جبهتهم الداخلية، خاصة بعد تمزق صفهم الداخلي ما أثر على موقفهم سواء كان في ما يسمى عملية السلام أم في المقاومة، وما لم يستطع الفلسطينيون إعادة بناء صفهم الداخلي فإنهم لن يستطيعوا أن يحققوا أياً من أهدافهم بل سيكون خلافهم ثغرة يخترقهم العدو من خلالها .
    د . إبراهيم علي الشال:
    (رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الإمارات العربية المتحدة):
    إن نكبة فلسطين تعد نقطة تحول خطيرة في حياة الأمة العربية والإسلامية بصفة عامة والشعب الفلسطيني بصفة خاصة، فقد تم إجلاء شعب بكامله عن أرضه وأزيلت معالم معظم المدن والقرى الفلسطينية لتضليل الذاكرة الشعبية وطمس ذاكرة المكان في أذهان الفلسطينيين الأحياء وأذهان نسلهم من بعدهم، وبالرغم من ذلك لم تحظ هذه القضية بالاهتمام اللازم، فكثيراً ما مرت الذكرى السنوية لهذه النكبة من دون أن يلتفت إليها أحد، والتفكير في إحياء ذكرى النكبة يتطلب منا الكثير من الموضوعية والعقلانية والجهد المتواصل لكي نرسخها في نفوس هذه الأجيال وأيضا الأجيال القادمة .
    إن ما تمر به الأمة الآن من أزمات وسلسلة طويلة من النكبات هو نتاج لهذه النكبة التي حلت بالأمة حيث إن فلسطين تمثل الأمة فإذا كان القلب مجروحاً ومكلوماً فكيف تهنأ هذه الأمة؟ وكيف تتعافى من مصابها إلا بمداواة جرحها .
    إن الأمة لن يصلح حالها إلا بعودة الحق لأصحابه، ورجوع الشعب الفلسطيني إلى داره، عندها تضع الأمة رجلها على الطريق الصحيح الذي من خلاله ستتعافى باقي جراحها وتنجلي أزماتها ونكباتها .
    د . فاطمة الصايغ:
    (أستاذة التاريخ في جامعة الإمارات العربية المتحدة):
    إن الأمة تعرضت خلال الستين عاماً الماضية الى العديد من النكبات لنكتشف بعد كل هذا الوقت أن النكبة الأولى والتي كانت عام 1948 أقلها ضررا حيث إنها كانت واضحة الأهداف وهي احتلال فلسطين أما النكبات التالية فكانت سياسية وحضارية وأيضا ثقافية .
    إن الأمة تتحمل جزءاً من النكبة لكن الآن نتحمل كل أخطائنا خلال الأعوام الستين الماضية .
    إن آمال الأمة العربية قبل عام 1948 والتي كانت تتمثل في الوحدة العربية والقومية تلاشت جميعها وحلت محلها القوميات الصغيرة والإقليميات والطائفية وغيرها من المسميات التي ساعدت على تلاشي آمال الأمة وأحلامها، وما زاد الأمر سوءا هو أننا أصبحنا نتجاهل عناصر القوة لدينا ونبحلق في العناصر التي تفرقنا وتركنا عدونا الخارجي . وبدأنا ننظر الى عدو في الداخل أو الجوار ما جعلنا نفقد الهدف الذي كان يجمعنا، وأصبحنا نعيش في بحر متلاطم الأمواج لا نستطيع أن نحدد وجهتنا فيه وكل ما نفعله هو البحث عن طوق نجاة أجنبي لينتشلنا .
    لذلك لا بد من استرجاع الأهداف التي كانت تجمع الأمة العربية التي كانت تفاخر وتعتز بالعديد من رموزها مثل القائد الراحل جمال عبد الناصر وغيره من القادة وأيضا الاهتمام بالاقتصاد واحداث نوع من التوازن بين التنمية الاقتصادية والسياسية واشراك الأفراد في صناعة القرار .


    00
    أديب قعوار من الرعيل الأول لحركة القوميين العرب:
    فلسطين لن تُحرَّر إلا بالمقاومة


    أربع وأربعون شهادة، تختزل جريمة اغتصاب وطن وتطرح بصدق جارح حقيقة يحاول الكثيرون طمسها أو الهروب منها . أحياناً بجهل، وغالباً بتعمد غير بريء ومشبوه .
    مهاجرون . . نازحون أم مقتلعون؟ هذا السؤال العادي والبسيط قد لا يستوقفنا وقد لا نطرحه على أنفسنا باعتبار أن النتيجة واحدة: وطن محتل وشعب مشرد . لكن ثمة فرق شاسع ما بين الاقتلاع والهجرة، وثمة هدف أو أهداف لتكريس هذا المفهوم وزرعه في الأذهان .

    من هنا ربما تأتي أهمية هذا الكتاب الذي لا يضيء فقط على الذاكرة الفلسطينية بقدر ما يفتح ملف النكبة، تفاصيل وأحداثاً موثقة ويعيد طرح السؤال من جديد: من المسؤول عن ضياع فلسطين؟ الانتداب البريطاني ووعد بلفور أم العصابات الصهيونية وإرهابها الوحشي ومجازرها أم هو واقع الأنظمة العربية المفكك والهزيل أم هو كل هذا معاً؟
    أسئلة تعيد خلط الأوراق والوقائع والأحداث وتضعنا في مواجهة عارية ومكشوفة مع مخزون ذاكرتنا ووجداننا وثقافتنا حول فلسطين قضية وشعباً يطرحها كتاب “شهادات لمقتلعين فلسطينيين” الصادر عن باحث للدراسات والذي تعمّد معدّه المناضل السياسي والكاتب د . أديب قعوار أن يسلّط الضوء على وجوه متعددة وشخصيات متباينة تغطي مساحة فلسطين المحتلة مدناً وقرى . وتتحدث بحميمية وصدق عن جذورها الضاربة في عمق تراب الوطن والتي لم تُستأصل باستئصالها منه . فبقي الدم في عروقها فلسطينياً حتى النخاع وبقيت الصورة في ذاكرتها حيّة حتى اللهفة . فجاءت الحقائق كأنها وليدة اللحظة موثقة ونابضة بالتفاصيل والوقائع والشهود لتكشف عن زيف ادعاءات العدو وتنسفها من جذورها . ولعلّ حرب الابادة التي انتهجها منذ ما قبل النكبة ولا يزال هي من السمات والشواهد التي يؤشر إليها الكتاب حيث يورد الكثير من النماذج التي تفضح عنصرية العدو وعلى لسان عدد من الباحثين الصهاينة من أمثال المؤرخ بين موريس الأستاذ في جامعة “بير السبع” المعروفة بجامعة بن غوريون، والذي كشف في حديث له لجريدة “هآرتس” المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين من أجل استئصال من أسماهم البرابرة، مفصحاً عن ان لا مشكلة اخلاقية في ذبح الفلسطينيين وبالتالي فهو يعتب على بن غوريون لأنه لم يكمل آنذاك عملية الاستئصال هذه ويأمل ان تحين الفرصة للصهاينة ليتسلموا المهمة يوماً!

    ويتطرق قعوار في كتابه الى دور الاعلام الأمريكي المتصهين في تبني وتكريس الادعاءات الصهيونية مشيراً الى رواية “الينبوع” للكاتب الأمريكي جيمس ميشيز التي تربط هجرة الفلسطينيين بأوامر سرية الى ضباط الميدان العربي تقضي بإجلاء جميع المدنيين كما تأمرهم بخلق أقصى حدّ من التشويش والارباك والاخلال بالخدمات العامة كما جاء في صفحة 961 من الرواية “أكدوا لهم أن الجيوش العربية ستستولي على كل فلسطين وسيكون بإمكانهم العودة اليها” . كذلك يتطرق قعوار الى عمليات التهويد وبناء المستوطنات التي كانت ولا تزال تنشط في تغيير معالم الوطن تحقيقاً للكذبة الكبيرة بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض أو إثباتاً لأسطورة الحق التاريخي والوعد الإلهي .
    أربع وأربعون شهادة لمقتلعين من مختلف أرجاء فلسطين حملت دلالات ومعطيات ووقائع كشفت الكثير من الأسرار والحقائق التي غابت أو غُيّبت ولم تعد تتصدر المشهد السياسي اليوم . قواسم مشتركة لمناضلين ومفكرين ومواطنين عاديين جمعتهم قضية واحدة وهمّ واحد، وربما هو حلم واحد العودة الى أرض الوطن حيث المنبت والجذور والهوية . جورج حبش، شفيق الحوت، أحمد اليماني “أبو ماهر”، صلاح صلاح، عبد اللطيف كنفاني، ابراهيم قمبرجي، خليل الوزير “أبو جهاد” وغيرهم أضاؤوا على ذاكرة لم تتعب من احتضانها للوطن والترحال به ومعه عبر البيت والمدرسة وأصدقاء الطفولة ومرتع الصبا والشباب . بعضهم رحل تاركاً شهادته موثقة في أكثر من مطبوعة . والبعض لا يزال يتنفس الوطن حلماً لا بد أن يصبح حقيقة . وآخرون أتعبتهم المنافي ولم يتعبهم انتظارهم الطويل للعودة الى الوطن .
    كتاب موثّق في أكثر من أربعمائة صفحة قدم له المفكر والمناضل د . أنيس صايغ في شهادة موقّعة بنبض العاشق لفلسطين وبصدق الباحث وعمق تجربته . ولعل أبرز ما تطرقت اليه مقدمته مفهوم “الخروج” التوراتي والذي شاع على امتداد أكثر من ثلاثين قرناً وتوأمة هذا التعبير للتاريخ اليهودي من جهة ولأساطير التوراة من جهة أخرى، معتبراً ان هذا الخروج الوهمي في أساساته وأصوله ومدلولاته ومزاعمه يقف ذليلاً أمام خروج آخر حقيقي وواقعي وملموس في ملايين الأدلة والتجسيدات وهو خروج ثلاثة أرباع المليون فلسطيني من ديارهم خروجاً قسرياً ووحشياً وارهابياً . ويعكس د . صايغ معاناة هذا الشعب في ابداعات كتّابه وفنانيه وأدبائه وما سمي آنذاك أدب الاقتلاع . ولا ينسى وهو يضيء على أهمية هذه الشهادات ان تكون له شهادته الخاصة والمتميزة والتي استحضر من خلالها اسرته في طبريا والكثير من ملامح الحياة في مدينته الحبيبة ومسقط رأسه طبريا ليضيء قلمه ويتوهج حنيناً لطفولة تضج عروقها بعشق فلسطين .
    مؤسس في حركة القوميين العرب
    ومن المقدمة الى الشهادات الى مجموعة من الوثائق التي تؤرخ لأبرز أصوات تلك المرحلة ومعطياتها . . ماذا أراد أديب قعوار أن يقول في هذا الكتاب ولماذا اليوم وبعد ستين سنة على الاقتلاع؟
    يقول الكاتب والناقد والمناضل أديب قعوار “لا بدّ للفلسطيني أن تبقى ذاكرته حيّة حاضرة ومتقدة وأن تعيش وتترسخ في ذاكرة أبنائه وأحفاده وألا يتعب من استحضار الوطن” .
    ولكن من هو أديب قعوار؟ أيضاً يجيب وباختصار أنه فلسطيني من الناصرة لكنه عاش منذ سنة 1983 في لبنان حيث درس العلوم السياسية والادارة العامة في الجامعة الأمريكية سنة 1954 ويذكر من زملاء الدراسة د . فوزي صلوخ والسفير خليل مكاوي . وقعوار كما يقول من مؤسسي أو من الرعيل الأول لحركة القوميين العرب ومنذ أوائل الخمسينات .
    كيف كانت بدايته مع النضال؟ يقول: الانطلاقة كانت من الجامعة الأمريكية في بيروت حيث كانت آنذاك تشكل مركزاً قومياً سياسياً ومنها انطلقت حركة القوميين العرب مع د . جورج حبش ووديع حداد ود . أحمد الخطيب الذي أصبح رئيس كتلة نيابية في مجلس النواب الكويتي وأيضاً صالح شبل وجميعهم من طلبة الجامعة وقد شكلوا بداية “منظمة العروبة” والتي اصبحت لاحقاً حركة القوميين العرب وقد انتشرت في العالم العربي من المحيط الى الخليج . ويضيء قعوار على بعض أنشطة الحركة في 1954 حيث حرّكت الشارع العربي وشاركت في أضخم التظاهرات ضد حلف بغداد . وقد تعرضت تظاهرة الطلبة في لبنان الى القمع واطلاق النار فسقط فيها شهيد كما تمّ اعتقاله وسجنه لليلة واحدة الى جانب اعتقال وسجن العديدين وطرد بعضهم خارج لبنان .
    وفي مرحلة الخمسينات أيضاً تأسست “جمعية العروة الوثقى” باعتبارها جمعية ثقافية لتتطور لاحقاً الى مركز نشاط قومي عربي كانت الحركة تدير من خلالها أنشطتها كالانتخابات النقابية والطلابية وتحريك الشارع وكانت تضم أبرز الأحزاب آنذاك كالشيوعيين والحزب القومي السوري لكن حركة القوميين العرب كانت تشكل مركز الثقل فيها . وبعد تظاهرة سنة 1954 تم طرد عدد من الطلبة ولأنه كان في سنة التخرج فقد اكتفي بتوجيه انذار له .
    يقول قعوار “انتميت الى النادي الثقافي العربي والذي انبثق من جمعية العروة الوثقى باعتبارها جمعية ثقافية لتتحول لاحقاً الى مركز لنشاط القوميين العرب وبعد توقيفها أخذ مكانها “النادي الثقافي العربي” والذي يستمر نشاطه حتى اليوم وكنت آنذاك رئيس تحرير مجلة النادي واسمها مجلة “الثقافة العربية” والتي كانت تصدر أعداداً فصلية متخصصة بمواضيع فكرية عربية تتناول في كل عدد منها دولة عربية كفلسطين أو الجزائر وقد أقمنا أول معرض للكتاب العربي أثناء دراستنا الجامعية وفي مركز العروة الوثقى ليتابع النادي الثقافي هذا النشاط لاحقاً ويستمر فيه” .
    ويتطرق قعوار الى مرحلة النضال العربي والى ما تعرضت له حركة القوميين العرب من انشقاقات نجم عنها ولادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . وليتابع نضاله لاحقاً عبر الكتابة والأبحاث وفي مجلات وصحف متعددة كمجلة المقاصد والآداب .
    ماذا عن مؤلفاته الأخرى؟ ربما من أهمها وكما يقول كتابه عن المرأة اليهودية في فلسطين المحتلة والذي صدر سنة 1968 . وفي سنة 2004 أعدّ لمركز الأبحاث الفلسطينية ثلاثة كتب منها الدعاية الصهيونية في الرواية الأمريكية وباللغة الانجليزية وقد ترجم لاحقاً للعربية وهناك كتب عن شكل الدولة العربية العتيدة أصدره سنة 1955 مؤتمر الخريجين العرب في القدس وهو بصدد الانتهاء من كتاب “التعليم الفلسطيني تحت الاحتلالين البريطاني والصهيوني” .
    وأخيراً لماذا هذه الشهادات وفي هذا التوقيت بالذات؟ يقول قعوار انها في الأساس لدحض الفكرة الأساسية التي روجتها الحكومة الصهيونية وحاولت من خلالها اقناع العالم بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم اختيارياً أو بأوامر من القيادات العربية .
    فالحقيقة انهم اقتلعوا اقتلاعاً وعبر عمليات تصفية عنصرية ومجازر ارهابية واغتصاب للفتيات وليس أدلّ على هذه الجرائم وعمليات الإبادة من شهادة بين موريس الذي يلوم بن غوريون فيها لأنه لم يكمل عملية تصفية الشعب الفلسطيني . كما ان ثمة شهادات موثقة تؤكد ان الفيلق اليهودي الذي كان ملحقاً بالجيش البريطاني وعدده 62 ألف امرأة ورجل مدربين تدريباً عسكرياً للقتال في فلسطين وليس للمشاركة في الحرب العالمية الثانية وكانت مهمتهم الأساسية جمع اليهود وتدريبهم على القتال حيثما وجدوا وليس القتال ضد الجيش الألماني . وفي المقابل لم يكن عدد عناصر الجيوش العربية وجيش الانقاذ والمقاومة ليتجاوز 22 ألف نسمة آنذاك الى جانب أن حكومات مصر والأردن والعراق كانت مرتبطة مع بريطانيا بمعاهدات تخوّلها السيطرة على القرار العربي والعسكري علماً بأن همّ بريطانيا خلال الانتداب كان تطبيق وعد بلفور وتسهيل اقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لهذا كان اصرارها خلال تطبيق معاهدة سايكس بيكو أن تكون فلسطين ضمن حصتها ولهذا كانت تشجع على تسليم وتدريب اليهود في الوقت الذي تحظر على عرب فلسطين حمل السلاح ومن كانت تجد معه “فشكه فارغة” كان يعدم أو يسجن مؤبداً وقد شُنق العشرات في فلسطين، أو سجنوا وعُذّبوا .
    أما كيف يرى أديب قعوار تحرير فلسطين بعد ستين عاماً على النكبة؟ فيؤكد أنها اليوم أقرب من الأمس وأن تحريرها لن يكون عبر الجيوش العربية وانما عبر المقاومة الشعبية ويعطي غزة كمثال اذ خرج منها الصهاينة مندحرين تحت ضربات المقاومة لا طوعاً، كذلك الحزام الحدودي في لبنان . ويرى أنها المرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي نحصد فيها انتصارات .
    يبقى أن المناضل أديب قعوار والذي يشغل وقته اليوم بعد تقاعده بالعمل في الترجمة والتواصل عبر الانترنت مع مؤيدي القضية الفلسطينية يصر على أن المقاومة ليست ارهاباً وأن الدولة الصهيونية هي أكبر ارهاب عرفه التاريخ وأنه سيواصل العمل النضالي وإن كان عبر القلم لكشف الحقيقة وتكريس حق شعب فلسطين في وطنه وأرضه .


  20. #20
    شاعر الصورة الرمزية حسن سلامة
    تاريخ التسجيل
    12/05/2007
    المشاركات
    883
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: مشروع توثيق وتأريخ النكبة الفلسطينية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحيتي للجميع ،
    وبهذه المناسبة أشكر الأخت الكريمة راوية على هذه المبادرة المهمة والواجب الوطني ..
    رأيت إدراج سلسلة من اللقاءات قدمتها جريدة الخليج ( الشارقة ) كعادتها في مثل هذه القضايا .. والشكر موصول للقائمين على هذه الصحيفة ..
    اللقاءات عبارة عن ملف في 10حلقات بعنوان ( 60 عاما على النكبة )

    00

    آخر تحديث:الأحد ,18/05/2008

    60 عاما على النكبة ... (الحلقة العاشرة )

    “إسرائيل” منظومة تدميرية تطال الهوية والبنية العربيتين

    صابر فلحوط:
    (المستشار الإعلامي للرئيس السوري)

    لم يشهد الوطن العربي والأمة العربية طوال تاريخهما الحافل بالأحداث والانتصارات والمآسي والنكسات، أخطر وأكبر وأشنع وأبشع من نكبة فلسطين لأنها تتعارض مع الحق والمنطق وحقوق الإنسان وحريات الشعوب.
    فهي استعمار استيطاني عنصري طرد وشرد شعباً من أرضه التاريخية (ارض آبائه وأجداده) وأحلّ بدلاً من هذا الشعب مشردين جاؤوا من مختلف أصقاع العالم يحملون الخناجر والبنادق والمتفجرات ضد هؤلاء السكان الآمنين.
    باختصار هذه عناوين النكبة الفلسطينية التي يتذكرها العالم تاريخياً ويعيشها الشعب الفلسطيني بخاصة والشعب العربي بعامة، يعيشها نزيفاً ودماً وقلقاً وتشرداً وخوفاً وقتلاً وحرقاً وسجوناً طوال ستين عاماً.
    الآن يمكن أن يطرح السؤال التالي: وماذا بعد؟
    المقاومة الفلسطينية أجابت عن هذا السؤال بقولها إما نحن أو هم أو دولة ديمقراطية تجمع العرب واليهود تحت سماء واحدة وفوق ارض واحدة وتتحكم صناديق الاقتراع بمن يحكم، وهذا آخر ما طرح في هذا المجال. أما أن يستمر الاحتلال الصهيوني في الاستيلاء على الأرض وانتهاك المحرمات والمقدسات واستباحة الحقوق وفتح أبواب سجونه للمناضلين الفلسطينيين وتستقر تحته الأرض فهذا مخالف لمنطق الشعوب ونضالاتها طوال تاريخ الصراع بين الشعوب والمحتلين لأرضها.

    الآن المعركة مفتوحة بالسياسة كما هي مفتوحة بالسلاح، والعرب قدموا مبادرة للحل وللجواب عن السؤال ماذا بعد؟ قدموا مبادرة أعلنت في قمة بيروت العربية في عام 2002 وتعتبر هذه المبادرة الحد الأدنى والسقف الأخطر للشعوب العربية من محيطها الذي كان هادراً إلى خليجها الذي كان ساهراً، فهي تقول بعودة “إسرائيل” لخطوط الرابع من حزيران / يونيو 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا وطردوا بقوة السلاح من ديارهم فإذا ما استجيب من قبل العدو الصهيوني ومن يدعمونه ويحمون مشاريعه ومخططاته وجرائمه وإذا ما قبل هذا الاقتراح أو هذه المبادرة اعتقد أن الأجيال القادمة يمكن أن ترى ضوءاً في نهاية هذا النفق من الصراع وإلا فالصراع سوف يستمر، وإن العرب والفلسطينيين بخاصة يستحيل أن يصالحوا ويصافحوا أو أن يتسامحوا مع من يحتل أرضهم ويستبيح حقوقهم.

    ما دام هناك طفل فلسطيني يولد فمن الطبيعي أن يتساءل أين موطن آبائي وأجدادي؟ هل نزلت أنا من القمر أم تحدرت من قوم لهم بيت ودار ومزرعة وبيارة وساحل وأرض كانوا عليها؟ فيأتيه الجواب أرضك محتلة من قبل ما تسمى ب “إسرائيل”، عندئذ لا بد أن يمتشق دمه إذا لم يجد عصاً أو خنجراً أو بندقية ويناضل من أجل استعادة حقه وأرضه وهذا أمر ليس عجباً وليس غريباً فكل الشعوب التي احتلت أرضها سارت على هذا الطريق ونهجت نفس هذا النهج وهذا البرنامج الكفاحي من أجل كرامة الشعوب وعزتها.
    لا شك أن هناك مبادرات كثيرة طرحت والكل اتفقوا على هذه المبادرة فإذا لم تتحقق فسيستمر هذا الخطر الصهيوني على العرب جميعاً، وحذار أن نتصور أن أحداً من العرب سينجو أو أن نظاماً معيناً سيكون في مأمن من شرور وأخطار هذا العدو الصهيوني لأن الجميع مطلوب إلى المقصلة الصهيونية سواء كانوا من عرب النفط أو من عرب القحط، سواء كانوا قد وقعوا اتفاقات الإذعان والاستسلام مع هذا العدو الغادر أو الذين يقفون بعناد وصلابة وشموخ في وجهه ويدفعون ثمن ذلك حصاراً ومقاطعة وضغطاً وتهديداً على مدار الساعة.
    يمكن أن يقال ما معنى النكبة إذا كان العرب ينادون اليوم بحدود 1967؟ أين هي حدود 1948؟ أين هي النكبة إذاً؟ وأنا أقول: إن العرب ينادون بحدود 1967 لأنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا المسألة إلى المربع رقم واحد، الحقيقة والمنطق يقولان إن فلسطين للعرب وإن “الإسرائيليين” قدموا من مختلف أصقاع هذا العالم من أربع جهات هذا الكوكب، جاؤوا غزاة في البواخر وقتلوا الناس وشردوهم من ديارهم.
    هذا هو الحق وهذا هو المنطق إلا أن الفرق بين معادلتي حق القوة وقوة الحق أمر يجعل العرب يطالبون بحدود 1967 كمرحلة أو خطوة أولى على طريق “ما ضاع حق وراءه مطالب ومحارب”.

    مصطفى قاعود:
    (كاتب فلسطيني)

    في الذكرى الستين لنكبة فلسطين إلى أين وصل كفاح الشعب الفلسطيني؟
    ما زالت الذاكرة الفلسطينية تحتفظ بصور النكبة وآلام اللجوء، والمجازر وعمليات التطهير العرقي التي تمت على أيدي العصابات الصهيونية، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا عبر أشكال مختلفة، وفي مقدمتها اغتيال كافة مقومات الحياة، عملت سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، بشكل منهجي ومدروس على تدمير البيئة الفلسطينية، فتجسد الاحتلال في مصادرة جميع أوجه الحياة الفلسطينية، وبحكم طبيعة الاحتلال الاستيطانية الاحلالية فهو ليس مجرد آلية عسكرية تقمع الحريات وتصادر الحقوق الوطنية، بل هو منظومة تدميرية طالت الهوية الوطنية والبنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وامتدت لتشمل البيئة بمختلف جوانبها، بهدف القضاء على كل مقومات الحياة وإرغام الفلسطينيين على الرحيل من تلقاء أنفسهم، عندما تنعدم أسباب الحياة.

    وبذلك تعتقد “إسرائيل” أنها تعفي نفسها من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، عن هذا الرحيل القسري الذي يراد له أن يبدو تلقائيا، بمعنى أنه لن يخلف فضيحة أخلاقية وسياسية، كما حدث إبان نكبة عام ،1948 حيث أسفرت عن قضية اللاجئين التي تحاول “إسرائيل” الفكاك منها بكافة السبل وخصوصا أنها محصنة بقرارات شرعية دولية لم يكن بمقدورها أن ترفضها لأنها ارتبطت بالاعتراف بها.
    مقابل التدمير المتعمد للحياة الفلسطينية، يتدحرج الاستيطان على أنقاض البيوت والأراضي الزراعية المجروفة، وسوف يدعون زورا وبهتانا أنها أرض هجرها أصحابها، وسوف يقال كما قيل عام 1948 من قبل المنظرين الصهاينة “لقد جئنا إلى أرض خربة هجرها سكانها”، وكان ذلك في حينه جزءاً من الدعاية الصهيونية الزائفة، ولكن سرعان ما افتضح أمر تلك الدعاية البائسة، وشرعت الصهيونية بعمليات ترميم للتلف الذي أصاب جدار مكانتها الأخلاقية الزائفة، التي انطلقت من الدعاية الدينية والادعاءات المبنية على الخرافة وتزوير التاريخ والتراث، ليشكل ذاك البهتان المعين الأيديولوجي الذي يمد الصهيونية بالطاقة البشرية اللازمة لتحقيق مشروعها الاستعماري على أرض فلسطين. فها هو اسحق برويار يقول “إن من لا يرتبط بالتوراة وفرائضها لا يوجد لديه أي سبب في العالم ليشتاق إلى فلسطين البعيدة التي هي أرض مهجورة خربة موبوءة بالملاريا، لا يمكن الاستيطان فيها، فلا يستطيع أحد أن يذكر أرضا لأن آباء آباء آبائه فقط مكثوا فيها قبل ألفي عام”، تلك الأوصاف التي وصف بها برويار فلسطين هي غيض من فيض، من سيل الدعاية الكاذبة في ذلك الحين، والهدف دفع اليهود للذهاب إلى فلسطين والاستيطان فيها، دون أن يتولد لديهم أدنى شعور بالذنب حيال مصير أصحاب الأرض الحقيقيين، لذا قيل أيضا “فلسطين أرض بلا شعب”، إلا أن تلك الدعاية وفي ظل كفاح الفلسطينيين وتمسكهم بهويتهم الوطنية، وعلى ضوء الكشف عن المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، وتطور عالم الاتصالات، سرعان ما تعرضت للتلف والهزات العنيفة، حتى من قبل منظرين يهود يتعذر وصفهم باللاسامية بسبب انتقاداتهم للعنصرية الصهيونية.
    في وقت مبكر تمكن الشعب الفلسطيني من نقل قضيته من طور طمس الهوية الوطنية، إلى طور الاعتراف الدولي الواسع بحقوقه الوطنية المتمثلة بالعودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقد تمكن الشعب الفلسطيني في محطتين بارزتين هما الانتفاضتان الأولى والثانية، من إلحاق الهزيمة الأخلاقية والمادية بجيش الاحتلال “الإسرائيلي”، فمهما عظم شأن الأسلحة التي استخدمها الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال، إلا أنه يظل شعبا أعزل بالنظر إلى استخدام قوات الاحتلال كل صنوف الأسلحة بما فيها المحرم دوليا التي ألحقت هزيمة أخلاقية كبيرة ب “إسرائيل”، حملتها على ركوب موجة “الحرب على الإرهاب” وتوظيفها لوصم المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال بالإرهاب بهدف التغطية على جرائم الاحتلال. ومن الناحية المادية عملت انتفاضة الأقصى على رفع التكلفة المادية للاحتلال لدرجة كاد معها شارون يعترف بأن وجود “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية هو احتلال، وقد استخدم فعلا على أبواب فك الارتباط عن غزة كلمة احتلال عدة مرات، وتراجع عن استخدامها بعدما تلقى رسالة هاتفية من المستشار القضائي “الإسرائيلي” يحذره فيها من استخدام كلمة احتلال واستبدالها بمصطلح “الأراضي المتنازع عليها”.
    أما زال حق العودة قابلاً للتحقيق؟ مع إصرار الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه نعم مازال حق العودة قابلاً للتحقيق، ومن الناحية القانونية وفقا للقرار الدولي ،194 حق العودة لا يسقط ولا يتقادم، لكن في إطار مقاربات التسوية المطروحة وخاصة خريطة الطريق التي حولت قضية العودة إلى مسألة تفاوضية أكثر منها حقوقية، تجري محاولات للقفز عن حق العودة، تريد “إسرائيل” مقايضة “يهودية الدولة” بتسوية تمكنها من الاحتفاظ بالقدس والكتل الاستيطانية الكبرى، والخلاص من الفلسطينيين عبر مفهوم تبادل الأراضي والسكان، وهذا لن يكون مقبولا فلسطينيا حتى لو وجد بين صفوف الفلسطينيين من يقبله، لأن ذلك بحد ذاته عملية ترانسفير وإنما داخلي وفي إطار اتفاق، لذا فإن “إسرائيل” اللاهثة وراء المزيد من العنصرية والتطرف والتوسعية إنما تعيد الصراع على أرض فلسطين إلى مربعه الأول، وتفتح الصراع على مصراعيه بما يجعل من جميع أماكن تواجد الفلسطينيين في عموم فلسطين وحدة كفاحية واحدة، والحرب تصبح حربا مفتوحة رغم اختلاف الأساليب الكفاحية، وسوف يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام جدلية كفاحية موحدة في مواجهة الأبرتهايد الصهيوني. وإن ما تقوم به “إسرائيل” على الأرض هو تعبير صارخ عن أزمتها في التعاطي مع التسوية، والحديث عن “دولة يهودية” يفتح شهية أصحاب مشاريع الترانسفير، التي عادت لتطرح نفسها بقوة على الأجندة “الإسرائيلية”، وهو ما لا يتعلق بالفلسطينيين في مناطق 48 فحسب بل أيضا ينسحب على فلسطينيي الضفة الذين أصبحوا خلف الجدران، فإذا مضت “إسرائيل” بشعار “يهودية الدولة” ماذا عن مصير 20% من سكانها الفلسطينيين والمرشحين للازدياد بموجب الضم عندما لا تكون “إسرائيل” دولة جميع مواطنيها؟ وإذا كانت “إسرائيل” تضيق ذرعا بهؤلاء الفلسطينيين فكيف ستقبل بحق عودة اللاجئين؟ وحتى لو تمكنت حكومة أولمرت من التوصل إلى تسوية مع طرف فلسطيني وفقا لأجندتها المعلنة، فإن هذه التسوية غير قابلة للتسويق فلسطينيا، في ظل المعطيات الحالية المتعلقة بالاستيطان والجدران، وأبسط ما يمكن أن يقال هو كيف ستكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة في ظل سيطرة “إسرائيل” على 85% من مصادر المياه الفلسطينية، حيث تقع جميع الأحواض الجوفية ومعظم المياه السطحية تحت السيطرة “الإسرائيلية” وفقا لخريطة جدران الضم والفصل العنصري. وبناء على ما تقدم ربما يكون من الوهم الاعتقاد بأن حق العودة قابل للتحقق عبر المعطيات الحالية للتسوية، المطلوب اليوم هو عدم إسقاط حق العودة و الحفاظ عليه، وربما يأخذ الكفاح من أجل العودة أشكالا جديدة لا نعرف ماهيتها اليوم، ولكنني أرى أنها في طور التشكل.


    عبدالله الحوراني: لا تنازل عن الحقوق مهما طال الزمن
    قال المفكر الفلسطيني عبدالله الحوراني المنسق العام للتجمع الشعبي للدفاع عن حق العودة إنه لا أمل في الأنظمة العربية القائمة في استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية المسلوبة واستعادة الكرامة العربية كونها تخضع للإملاءات الأمريكية، ولكن يبقى الأمل في الأجيال العربية الشابة لتكوين حركة شعبية مناهضة للوجود الأجنبي في المنطقة العربية، بما فيه الاحتلال “الإسرائيلي”، ولهذا يجب على الأحزاب الناشطة في الوطن العربي استغلال الذكرى الستين للنكبة لاستنهاض الهمم والجهود من أجل إحياء الحقوق العربية في وجدان المواطن العربي وإعادة التأكيد على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية. وتالياً الحوار:
    كيف تنظر إلى تزامن الذكرى الستين لنكبة فلسطين في ظل الواقع الراهن عربياً وفلسطينياً؟
    بداية الاتجاه يسير نحو اعتماد يوم 15 أيار/مايو يوماً لذكرى النكبة، لكن عمليا العام 1948 كله ذكرى نكبة، وعام نكبة للشعب الفلسطيني، حيث توالى فيه سقوط قرى ومدن فلسطين التاريخية في يد العصابات الصهيونية، في حين أن تاريخ 15 مايو/ أيار كان تاريخ تأسيس الدولة العبرية على أنقاض فلسطين التاريخية، ولذلك علينا أن نعتبر أن العام 1948 كله عام نكبة.
    الحال الفلسطينية التي وصلنا إليها من انقسامات تعزز النكبة، وبدلاً من الاستفادة من الذكرى الستين للنكبة وخلق حال من الإحياء والانبعاث للجماهير العربية والفلسطينية لإحياء ذكرى النكبة، وأن يكون هذا العام ذكرى انطلاق لاستعادة الحقوق الوطنية المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، ولكن للأسف الشديد هذا العام جاء ليحمل مزيداً من الانتكاسات والنكبات، ويعزز ذكرى النكبة بنكبات أخرى، وأعتقد أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من نكبات وانقسام هو بسبب تراجع الخطاب الرسمي الفلسطيني تجاه الحقوق الوطنية وخصوصا حق العودة، بما فيها تراجع الخطاب العربي الرسمي، كلها عوامل ضاغطة على الشعب الفلسطيني للتفريط بحقوقه الأساسية وتراجع اهتماماته الوطنية لمصلحة الاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية كلقمة العيش والماء ولتر البنزين، أي أن جزءاً من مخطط العدو الصهيوني أنه عمق مآسي الشعب الفلسطيني وحول القضية الفلسطينية من قضية سياسية وحقوق لقضية إنسانية ومعيشية، وصار الاهتمام العربي والعالمي مقتصر على القضايا الإنسانية، ويبقى السؤال: كيف نواجه هذه الأمور، والإجابة هي بالعمل من أجل وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة الأرض الفلسطينية، ولكن للأسف لا يبدو أن أطراف الصراع الداخلي تتفهم الأبعاد العميقة لاستمرار الانقسام، ولذلك يجب أن تكون هناك ثقافة كبيرة وإعلام كبير داخل الشارع الفلسطيني لتنبيه الناس بمخاطر الانصراف عن قضاياهم الوطنية الأساسية، وأن يكون هناك حملة توعية مفادها أن استمرار الواقع الراهن يحمل مخاطر التنازل عن الحقوق السياسية والوطنية المشروعة.
    وفي ظل هذه الحال لا بد من الإشارة إلى أن عمل الحركة الشعبية المواجهة لآثار النكبة والمساندة لحق العودة، لا يرقى إلى حجم التآمر على هذا الحق، وإذا لم نخلق حركة شعبية قوية في الداخل والخارج فإنني أعتقد أن المتآمرين على هذا الحق سواء من “إسرائيليين” أو أمريكان أو أوروبيين أو من داخل الصف الفلسطيني سيجدون أن الأمور ستكون سهلة لتدمير هذا الحق، خصوصاً أن غياب حق العودة عن الخطاب الرسمي العربي، وتراجعه عن الخطاب الرسمي الفلسطيني أدى إلى غياب مفهوم حق العودة لدى المواطن والأحزاب العربية، وأصبح التركيز فقط على الدولة والقدس، رغم أن حق العودة هو أساس القضية الفلسطينية.
    وبرأيك ما أسباب تراجع فعاليات إحياء ذكرى النكبة والمشاركة الشعبية فيها؟
    الهموم اليومية وتحويل القضية الوطنية إلى قضية إنسانية يؤثران في حركة المواطن الفلسطيني وتعاطيه مع الثوابت الوطنية، في حين أن الخطاب الرسمي السياسي يركز على قضية الدولة والقدس وفي الوقت نفسه يجري تحريف مفاهيم حق العودة وكأن العودة خاصة بلاجئي الخارج وعودتهم إلى مناطق السلطة، كل ذلك عوامل تؤثر في إحياء ذكرى النكبة والتمسك بالثوابت الوطنية، ولذا يجب أن تكون هناك حملات توعية على المستويات كافة تركز على ضرورة التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية كي لا تغيب عن ذاكرة الشعب الفلسطيني، ويجب تعزيز الثقافة في المنهاج الفلسطيني، ولهذا جزء من خطتنا لإحياء الذكرى الستين للنكبة نعمل على أن تحيي كل مدينة وكل قرية ذكرى النكبة في يوم سقوطها في يد العصابات الصهيونية، كي نحافظ على ديمومة إحياء الذكرى وتعميقها في نفوس الأجيال الشابة.
    وهل تعتقد بإمكانية أي حل عادل لقضية اللاجئين عبر المفاوضات؟
    أتشكك بجدية المفاوضات السياسية الجارية حالياً، ولا أريد أية إشارة بالتنازل عن حق العودة، ولذلك سنعمل على إعداد مذكرة للتوقيع عليها من أوسع القطاعات في الداخل والخارج الناشطة في مجال الدفاع عن حق العودة نثبت فيها مفاهيمنا لحق العودة ونوجهها للقيادة الفلسطينية المفاوضة ولجميع قادة الفصائل الوطنية والإسلامية، كون أنه ممنوع التنازل عن هذه الثوابت، بل إن القيادة السياسية الممثلة في منظمة التحرير يربطها عقد غير مكتوب مع الشعب الفلسطيني ينص على أن المنظمة أنشئت من اجل تحرير فلسطين وانجاز حق العودة، ذلك أن المنظمة أنشئت في العام 1964 والثورة الفلسطينية انطلقت عام 65 والضفة وغزة لم تكونا محتلتين آنذاك ولذلك لم يكن التفكير في الدولة وإنما في العودة وإذا تنازلت المنظمة عن هذا الحق يعني انفضاض العلاقة بين المنظمة وهذا الشعب وبالتالي تصبح لا تمثله.
    وإجمالاً فإن الحديث عن السلام مع الدولة العبرية مجرد أوهام ولن يكون هناك سلام، كيف لنا أن نحقق السلام في بضعة شهور، وحل قضية عمرها سنوات؟ وأنا لست مع السعي للوصول إلى حلول فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، لأنه الوصول إلى حلول في ظل الانقسام الداخلي والضعف العربي فمعنى ذلك انك لن تنال واحداً على مائة من الحقوق الوطنية، ولا أريد هنا التشكيك في مواقف الرئيس محمود عباس ولكن عليه أن يدرك أن أي تنازل أو تراجع في أي من الثوابت الوطنية لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يسمح بها، ولذلك لست واقعا في مثل هذا الوهم بإمكانية تحقيق تسوية سياسية قبل نهاية العام الجاري، وأن هناك حلولا، وما يقال عن الاستفتاء لا استفتاء على الحق، وعن ماذا سوف نستفتي اللاجئ تريد أن تعود أم لا؟، وأخيراً ما يجري من ضغوط على الشعب الفلسطيني هدفه أن نستغني عن القضايا والثوابت الأساسية وننصرف إلى لقمة العيش، ولهذا علينا توعية المواطن بذلك كي لا يقع في الفخ.
    ما أثر النكبة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني؟
    الشيء الثابت الوحيد أننا لم نفرط بهذه القضية ولم نوقع أي تنازل وإذا كنا غير قادرين حتى الآن على تحرير الأرض وعودة اللاجئين فهذا أقل خطرا من تقديم التنازلات، نكبة 48 لم تؤد إلى استسلام العرب رغم أنها كانت فاجعة وحتى نكسة العام 67 خلقت حال نهوض في العالم العربي وجاءت لاءات قمة الخرطوم الثلاثة في سبتمبر/ أيلول 67 “لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض” وبدأ العرب يتوحدون ولكن المأساة بدأت بعد ما سمي الانتصار العربي في 73 وبدأ التنازل السياسي العربي.
    هل لديك أمل في الأنظمة العربية القائمة؟
    لا، ولذلك يجب أن يكون العمل مع الأحزاب السياسية، وهذه الأنظمة ما كان لها أن تفعل ما تفعله الآن وتخضع للسياسة الأمريكية لو أن الحركة الشعبية نمت وتطورت، لكن الأمل يبقى موجوداً في الأجيال الشابة لإعادة بناء حركة شعبية عربية مقاومة للوجود الأجنبي في المنطقة.


    يتبع ..


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •