المشروع الصّهيوني

من النصر إلى الهزيمة !

د. شاكر مطـلق
لم يعرف العرب من المسلمين ومن المسيحيين أيضاً ، وحتى قبل الإسلام مشاكل في التعامل مع اليهود الشرقيين ، سكان المنطقة لأنهم - حسب رأيي - ليسوا إلا عرباً ديانتهم اليهودية ، تماماً كما هي المسيحية ديانة لقسم من العرب.تجلى هذا في التعامل معهم دوماً وأبداً وحتى في ذروة نهوض الدولة العربية الإسلامية في المشرق والمغرب ، وفي إسبانيا أيضاً ، حيث قام المسلمون العرب بحمايتهم من بطش الكنيسة هناك ، وبخاصة عند انهيار دويلات الأندلس .
لم يَكُ الوضع عليه هكذا أبداً في تعامل أوروبا في شرقها وغربها ، والغرب بعامة ، معهم على هذه الشاكلة حيث تم اضطهادهم ومطاردتهم ومنعهم من مزاولة الحرف والمهن الأخرى ، ما عدا التعامل مع المال وإقراضه للآخرين ، أفراداً وحكومات وملوكاً ، وبخاصة عندما كانت الحاجة ماسة لتمويل الحروب ، وما أكثرها في أوروبا .
هذا الأمر دفع إلى تركيز الكتلة النقدية في اليد اليهودية ، التي أصبحت الآن من مختلف الجهات ولم تقتصر على يهود الشرق فحسب ، وبالتالي مكنتهم من فرض سيطرتهم على العديد من الدول والمؤسسات ، ولنا في عائلة
" روتشيلد " الثرية الشهيرة مثالاً على ذلك .
ثمة فئة من اليهود الغربيين أرادت أن تنشأ وطناً لليهود ، محولة الانتماء الديني إلى انتماء قومي ، وذلك قبل أكثر من قرن من الآن ، الأمر الذي لقي رفضاً شديداً من المجتمع اليهودي الديني وحتى المدني الذي قاطع مؤتمر " بازل " بقيادة " هرزيل " واعتبروا قيام الدولة هذه قبل أوانها ضرباً من التجديف ، وهناك قلة لا تزال تعيش في إسرائيل تتبنى هذا الموقف .
الإمبريالية ، أعلى مراحل الرأسمالية ، على حد تعبير " كارل ليفي ماركس " ، رأت في ذلك الوقت أن قيام مثل هذا الكيان على أرض فلسطين يخدم مصالحها ، وكان " وعد بلفور " الحقير ، لأنه لم يكن لا من حقه ولا من حق أي مندوب على أرض ما أن يتصرف بهذه الأرض من وجهة نظر القانون الدولي .
بعد استلام النازية بقيادة الفوهرر ( القائد ) " هتلر " عام 1933 ، تمت مطاردة اليهود في ألمانيا ، لأنهم كانوا يسيطرون فعلاً على مختلف مناحي الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية ، وكان ما كان من معسكرات اعتقال ، ضمت إلى جانب اليهود العديد العديد من الشعوب الأخرى وبخاصة الغجر ، وحتى من الشيوعيين والمثقفين الألمان وأعداداً كبيرة من أسرى الحرب الكونية الثانية ... وكانت المحرقة التي احتكرتها الصهيونية العالمية لصالحها فقط ، وحصلت ( دولة ) الشر إسرائيل التي قامت بتاريخ 15/5/ 1948 ، بناء على قرارات بالتقسيم كانت قد صدرت عن" عصبة الأمم "- 1937 - المتحدة وخليفتها بعد الحرب الكونية الثانية " منظمة الأمم المتحدة " ، هذه القرارات التي رفضها العرب وقبلها الصهاينة ، قامت مرة أخرى لتحقق للإمبريالية ما رمت إليه أصلاً من سيطرة على ما أسموه " الشرق الأوسط " والعالم العربي بعامة وخيراته العديدة ولاسيما ذهبه الأسود ، ولا تزال هذه ( الدولة ) العدوانية المسخ تلعب الدور المنوط بها من قبل الاحتكارات العالمية ولاسيما الأمريكية منها ، حيث يصل زعيمها - مجرم الحرب في العراق وأفغانستان والأرض المحتلة ... الخ - اليوم إلى الوطن المحتل ليشارك في احتفالات قيام هذا الكيان المجرم العنصري قبل ستين عاماً من الآن .
لقد نجح المشروع الصهيوني في تحقيق هذا الأمر ، وفي غياب المشروع العربي المضاد والمدروس والمُمانع لأسباب عديدة ، لا مكان لذكرها الآن ، ولكن هذا المشروع الذي لا يستطيع العيش بسبب التناقضات العميقة في تركيبته الموزائيكية المتنافرة ، لولا الدعم غير المحدود ، وعلى كافة الأصعدة من قبل الإمبريالية الأمريكية وأتباعها في أوروبا .
المقاومة العربية الممانعة لاستيعاب هذا الكيان المسخ - شعبياً على الأقل - والمقاومة البطلة على أرض فلسطين وخارجها، التي نجحت في زعزعة هذا الكيان المصطنع ونشرت الخوف فيه ، ونجحت حيث فشلت الجيوش العربية النظامية بخزيٍ تاريخيٍ لا يزال قائماً ، يصرخ نحو استعادة الكرامة والأرض ، من دون جدوى على ما يبدو حتى الآن وبخاصة عندما يستقبَل المجرم هذا " بوش الصغير " استقبال الأبطال على أرض العرب .
هناك الكثير مما يمكن الحديث فيه ، ولكن خلاصة القول أن المشروع الصهيوني الذي نجح في غياب ذاكرة الأمة
وطاقات شعوبها المغيَّبَة ، لألف سبب عن تحرير الأرض ، لن ينجح على الدوام في البقاء على أرض فلسطين المحتلة ، ليس لأن هذا صيرورة تاريخية فحسب ، وإنما لكوننا أيضاً أحفاد حضارة عريقة برهنت دوماً على أنها أقوى من أي محتل وغاز ، أتـى من مختلف جهات الأرض طرّاً ، لترفي به ، ولو بعد أجيالٍ ، إلى مزبلة التاريخ وتسْلَح عليه وتبول.
======================================
حمص - سورية 14/5/2008
E-Mail:mutlak@scs-net.org