آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: آيات والنحلة فدى / قصة طويلة - حنين

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية حنين حمودة
    تاريخ التسجيل
    05/08/2007
    المشاركات
    1,008
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي آيات والنحلة فدى / قصة طويلة - حنين

    آيات والنحلة فدى
    قالت ماما : هيا إلى النوم يا صغيرتي.
    كانت آيات قد لبست ملابس النوم، فقالت وهي تتود إلى ماما بابتسامتها الحلوة: ما هي قصة الليلة يا ماما؟
    أشارت ماما بيدها إلى آيات أن اصعدي واعتلي سرير الأحلام.
    ولما جلست آيات هناك، وغطت ماما رجليها، بدأت من فورها بالحديث.
    قالت ماما:
    يروى أنه أيتها الأميرة الجميلة، كان هناك شجرة عظيمة، وفي مكان عليٍّ من تلك الشجرة، بنى النحل خليته العريقة.
    كان هذا في زمن بعيد لم تعاشره النحلة فدى.
    روت النحلة عزيزة المربية العجوز:
    "حين ضجت الخلية الأم بالنحل، وحين كبرت الملكة الجديدة، صارت الشغالات يبحثن عن المكان المثالي للرحيل. ففي كل يوم وأثناء رحلتهن في جمع الرحيق، كن يتفحصن الأماكن ويفاضلن بينها.
    وذات يوم، وبعد تشاور ضم أهل الخلية كلهم، تم الإجماع على بناء الخلية الجديدة على تلك الشجرة بالذات.
    كان موقع الشجرة مثاليا، فهو قريب من الأزهار، موطن الرحيق، ومرتفع بعيد عن هجمات الدب العاشق للعسل.
    بدأ العمل في البناء، وصار جيش الشغالات يهندس بالشمع غرفه السداسية الرائعة. هذه غرفة الملكة، وهنا يحفظ البيض، وهنا ينام الصغار، وهنا مرتع الحرس، والذكور، والخدم …. ومخزن العسل و…
    حين ارتفع البناء وصارت الخلية جاهزة للسكن، خرجت الملكة الجديدة في زفة بديعة، وسارت مع جيشها المنظم إلى الخلية الجديدة الجميلة.
    قاطعت النحلة فدى مربيتها عزيزة قائلة: وكيف استطاعوا أن يتركوا الخلية الأم؟ كيف يا عزيزة ؟!‍‍‍
    مسحت عزيزة قرون الاستشعار بترو ثم قالت:
    لم يكن هذا الإنتقال هجرا للوطن يا صغيرتي، بل كان كما يحصل عند الإنسان تماما، فحين يكبر الأطفال يخرجون من بيت العائلة إلى بيوتهم الجديدة التي سيكونون فيها عائلات جديدة هي امتداد للسلف."
    في تلك الليلة وحين ذهبت فدى للنوم في غرفتها السداسية الجميلة، راحت تتأمل جدرانها، وتتخيل تعب السلف في ترك هذا الميراث البديع لها ولأخواتها، وقبل أن تنام عاهدت نفسها قائلة: أنا لن أغادر أبدا.. أبدا.
    كانت فدى تلميذة نجيبة، فقد كانت تقوم بكل ما يوكل اليها بعزم ونشاط على أمل أن يلحظوا نشاطها فيبعثوها مع الكبار لجمع الرحيق وصنع العسل.
    في أحد الأيام سألت فدى الشغالة سوسن وهي تتلمس زبانتها اللآمعة القوية: ما هذا ؟!!
    التفتت سوسن اليها وقالت بزهو: هذه زبانتي يا صغيرة. إنها سلاحي الذي أدافع به عن أهلي ووطني.
    امتعضت فدى وقالت وقد زمت شفتيها: أنا لا أحب حمل السلاح يا سوسن. أنا لا أحب القتال، وأتمنى أن أقضي حياتي بين الأزهار لأجمع الرحيق، وأصنع العسل.
    طبطبت سوسن على ظهر فدى وقالت: ومن قال بأننا نحب القتال ؟ فمن يحب أن يموت ؟؟!
    قالت فدى بتعجب: يموت ؟!!
    ابتسمت سوسن وقالت: نعم يا صغيرتي، فعندما تلسع النحلة بزبانتها الرقيقة هذه تنفصل عنها فتموت.

    حين أوت فدى إلى فراشها تلك الليلة راجعت في مخيلتها حديث الموت والجنون الذي حدثتها به سوسن، وأقسمت لشمع الجدران أن لا تخوض في حديث كهذا من بعد، وأن تكتفي بالأحاديث الحلوة كحلاوة الشهد، الزاهية كأزهار الروض.

    بعد عدة أيام، وحين استيقظت فدى من النوم بشرتها المربية عزيزة بأنها ستكون من ضمن الدَّبْر * القاصد للزهور اليوم.
    طارت فدى من السعادة وصارت تلف حول نفسها برقصة فرح متصلة لم توقفها إلا عندما صاحت عزيزة بمرح: لا وقت لهذا الآن، عليك أن تحضري نفسك سريعا، فالدَّبْر على الأبواب.
    بعثت فدى بقبلتها الطائرة إلى المربية عزيزة، ثم انطلقت لتصطف حيث تأمر أميرة الدَّبر.
    كان يومها الأول هذا في الروض القريب حيث تنقلت من زهرة إلى زهرة، وتراشقت مع الصحب بحبات اللقاح، واستحمت بقطرات الندى المنعشة، وارتشفت بعمق ذلك الرحيق اللذيذ.
    وعندما عادت إلى الخلية آخر النهار كانت مرهقة سعيدة، فأوت إلى فراشها على الفور، وهي تعد نفسها بمزيد من اللعب والمتعة في الأيام القادمة.

    استيقظت مبكرة جدا في اليوم التالي، فقد كانت الإثارة تمشي في بدنها، وتوقظ أعضاءها كما توقظ خيالها.
    قالت لها المربية عزيزة: إهدئي يا فدى فما عدت صغيرة.
    غمزت فدى صديقاتها اللواتي لم يكن أقل إثارة منها، وحاولت التقيد بالهدوء كما أمرت عزيزة، فكلها دقائق وسينطلقن كلهن في الفضاء صوب الروض.
    فجأة، عبق الجو برائحة غريبة، لم تشتمها فدى من قبل، لكنها وبغريزتها استشمت الخطر فيها.
    تحول أزيز الخلية إلى صمت غريب، لم تكن تسمع خلاله فدى سوى دقات قلبها المتسارعة، والتي زاد تسارعها حين لمحت اصفرار وجه عزيزة.
    دخلت المقدم شريفة عليهن ودقت رجلها بحركة عسكرية وقالت: إنها الدبابير، لقد قررت مداهمة خليتنا، وها هو دَبرها قادم إلينا، إنه على بعد ميل واحد تقريبا. استعدوا للقتال. الله أكبر.
    ارتفع في الخلية صوت واحد يردد: ززز .. الله أكبر .. ز
    انكمشت فدى على نفسها وهي تردد في قلبها: أنا لا أحب القتال. أنا لن أقتل أحدا .. مستحيل !‍
    ثم نظرت إلى المربية عزيزة وتساءلت: ولماذا تهجم الدبابير علينا يا عمة ؟
    قالت عزيزة: إنها العزة بالإثم يا فدى. إنها قوية، قوية جدا، وخليتنا جميلة، كبيرة، عريقة، وتقع في مكان استراتيجي أعجبها، فاستكثرتها علينا.
    قالت فدى: ولكنها لنا !
    قالت عزيزة: نعم. طأطأت فدى رأسها وقالت: لكنني لا أحب القتال !
    قالت عزيزة: أحد منا لا يحبه.
    قالت فدى بصوت اختنق في صدرها ولم يخرج أبدا: .. نهرب!


    نظرت فدى إلى زميلاتها، كن يشحذن زباناتهن. حتى عزيزة العجوز كانت تشحذ زبانتها الضعيفة.
    تمنت فدى لو أنها لم تكبر بعد، ولو أنها تنام الآن هانئة مع الصغار.
    وحين خطرت في بالها كلمة الصغار ورنت في رأسها صاحت تسأل عزيزة:
    والصغار؟ ماذا سيحل بهم ؟؟
    قالت عزيزة: لا تخافي يا عزيزتي، سنحميهم بأرواحنا.
    رنت الكلمة الأخيرة بعنف في رأس فدى: أرواحنا ! ‍ وهل نملك ما نحميهم به سوى أرواحنا؟!
    نظرت فدى في الأفق وهي تتفكر، فلمحت سحابة سوداء كبيرة تتجه نحوهم.
    صاحت المقدم شريفة: يجب أن نواجهها بعيدا عن الخلية، كي نقلل الضرر قدر الإمكان.
    ثم قسمت النحل الى قسمين، قسم للهجوم، وآخر يبقى في الخلية للدفاع.
    دعت فدى الله تعالى أن لا تكون مع المهاجمين، ومن شدة إلحاحها في الدعاء، استجاب لها.
    حين صاحت المقدم شريفة: هجوم. انطلقت النحلات.
    كانت فدى تراقب المعركة بخوف، فهذا جنون من يقدر على الدبابير ؟
    أخذت ساحة المعركة تقترب من الخلية شيئا فشيئا، والنحل يتساقط ويتقهقر أمام جحافل الدبابير.
    كانت الصديقات يتساقطن الواحدة تلو الأخرى وهن يذدن عن الوطن، وصار انتظار اللقاء صعبا، وتمسك فدى بموقعها في الخلية للدفاع أصعب من دخول قلب المعركة بكثير.
    كانت الدبابير المتوحشة تدوس النحل كالبلدوزرات، وتقطع أوصالهن بزباناتها الفتاكة في فعل همجي مريع لم تتخيله يوما عاشقة الأزهار، صانعة العسل.
    وعندما اقتربت الدبابير أكثر من الخلية خرجت عزيزة العجوز .. وما كادت حتى شقها دبور جبار الى نصفين.
    هنا صاحت فدى: الله أكبر.. الله أكبر
    وغرزت زبانتها الفتية الرقيقة في صدر هذا المعتدي الآثم، وحين حاولت الإنفصال عنه بسحب زبانتها، قُصمت في ألم عظيم فتاك. عندها فتحت فدى عيونها على وسعها للمرة الأخيرة، وصارت تتأرجح مع نسمات الهواء في هبوط سلس ومريح، حتى حطت على سرير الأوراق المتساقطة أسفل الشجرة الوطن.

    أنهت ماما قصة ما قبل النوم، وقبلت آيات، وغطتها جيدا، قبل أن تتركها مع عالم الأحلام.
    وحين استيقظت آيات من نومها وجدت أن الخلية اسمها فلسطين، فلفتت وجهها الى الخلف، ومدت يدها تتحسس زبانتها.


    *الدَّبر: المجموعة, وهو للنحل كالسرب للحمام

    حنين يحيى حمودة
    20/5/2002

    كتبت إثر العملية الاستشهادية التي قامت بها آيات الأخرس. رحمها الله وأسكنها جنان خلده مع إخوتها الشهداء والصديقين.


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية حنين حمودة
    تاريخ التسجيل
    05/08/2007
    المشاركات
    1,008
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي آيات والنحلة فدى / قصة طويلة - حنين

    آيات والنحلة فدى
    قالت ماما : هيا إلى النوم يا صغيرتي.
    كانت آيات قد لبست ملابس النوم، فقالت وهي تتود إلى ماما بابتسامتها الحلوة: ما هي قصة الليلة يا ماما؟
    أشارت ماما بيدها إلى آيات أن اصعدي واعتلي سرير الأحلام.
    ولما جلست آيات هناك، وغطت ماما رجليها، بدأت من فورها بالحديث.
    قالت ماما:
    يروى أنه أيتها الأميرة الجميلة، كان هناك شجرة عظيمة، وفي مكان عليٍّ من تلك الشجرة، بنى النحل خليته العريقة.
    كان هذا في زمن بعيد لم تعاشره النحلة فدى.
    روت النحلة عزيزة المربية العجوز:
    "حين ضجت الخلية الأم بالنحل، وحين كبرت الملكة الجديدة، صارت الشغالات يبحثن عن المكان المثالي للرحيل. ففي كل يوم وأثناء رحلتهن في جمع الرحيق، كن يتفحصن الأماكن ويفاضلن بينها.
    وذات يوم، وبعد تشاور ضم أهل الخلية كلهم، تم الإجماع على بناء الخلية الجديدة على تلك الشجرة بالذات.
    كان موقع الشجرة مثاليا، فهو قريب من الأزهار، موطن الرحيق، ومرتفع بعيد عن هجمات الدب العاشق للعسل.
    بدأ العمل في البناء، وصار جيش الشغالات يهندس بالشمع غرفه السداسية الرائعة. هذه غرفة الملكة، وهنا يحفظ البيض، وهنا ينام الصغار، وهنا مرتع الحرس، والذكور، والخدم …. ومخزن العسل و…
    حين ارتفع البناء وصارت الخلية جاهزة للسكن، خرجت الملكة الجديدة في زفة بديعة، وسارت مع جيشها المنظم إلى الخلية الجديدة الجميلة.
    قاطعت النحلة فدى مربيتها عزيزة قائلة: وكيف استطاعوا أن يتركوا الخلية الأم؟ كيف يا عزيزة ؟!‍‍‍
    مسحت عزيزة قرون الاستشعار بترو ثم قالت:
    لم يكن هذا الإنتقال هجرا للوطن يا صغيرتي، بل كان كما يحصل عند الإنسان تماما، فحين يكبر الأطفال يخرجون من بيت العائلة إلى بيوتهم الجديدة التي سيكونون فيها عائلات جديدة هي امتداد للسلف."
    في تلك الليلة وحين ذهبت فدى للنوم في غرفتها السداسية الجميلة، راحت تتأمل جدرانها، وتتخيل تعب السلف في ترك هذا الميراث البديع لها ولأخواتها، وقبل أن تنام عاهدت نفسها قائلة: أنا لن أغادر أبدا.. أبدا.
    كانت فدى تلميذة نجيبة، فقد كانت تقوم بكل ما يوكل اليها بعزم ونشاط على أمل أن يلحظوا نشاطها فيبعثوها مع الكبار لجمع الرحيق وصنع العسل.
    في أحد الأيام سألت فدى الشغالة سوسن وهي تتلمس زبانتها اللآمعة القوية: ما هذا ؟!!
    التفتت سوسن اليها وقالت بزهو: هذه زبانتي يا صغيرة. إنها سلاحي الذي أدافع به عن أهلي ووطني.
    امتعضت فدى وقالت وقد زمت شفتيها: أنا لا أحب حمل السلاح يا سوسن. أنا لا أحب القتال، وأتمنى أن أقضي حياتي بين الأزهار لأجمع الرحيق، وأصنع العسل.
    طبطبت سوسن على ظهر فدى وقالت: ومن قال بأننا نحب القتال ؟ فمن يحب أن يموت ؟؟!
    قالت فدى بتعجب: يموت ؟!!
    ابتسمت سوسن وقالت: نعم يا صغيرتي، فعندما تلسع النحلة بزبانتها الرقيقة هذه تنفصل عنها فتموت.

    حين أوت فدى إلى فراشها تلك الليلة راجعت في مخيلتها حديث الموت والجنون الذي حدثتها به سوسن، وأقسمت لشمع الجدران أن لا تخوض في حديث كهذا من بعد، وأن تكتفي بالأحاديث الحلوة كحلاوة الشهد، الزاهية كأزهار الروض.

    بعد عدة أيام، وحين استيقظت فدى من النوم بشرتها المربية عزيزة بأنها ستكون من ضمن الدَّبْر * القاصد للزهور اليوم.
    طارت فدى من السعادة وصارت تلف حول نفسها برقصة فرح متصلة لم توقفها إلا عندما صاحت عزيزة بمرح: لا وقت لهذا الآن، عليك أن تحضري نفسك سريعا، فالدَّبْر على الأبواب.
    بعثت فدى بقبلتها الطائرة إلى المربية عزيزة، ثم انطلقت لتصطف حيث تأمر أميرة الدَّبر.
    كان يومها الأول هذا في الروض القريب حيث تنقلت من زهرة إلى زهرة، وتراشقت مع الصحب بحبات اللقاح، واستحمت بقطرات الندى المنعشة، وارتشفت بعمق ذلك الرحيق اللذيذ.
    وعندما عادت إلى الخلية آخر النهار كانت مرهقة سعيدة، فأوت إلى فراشها على الفور، وهي تعد نفسها بمزيد من اللعب والمتعة في الأيام القادمة.

    استيقظت مبكرة جدا في اليوم التالي، فقد كانت الإثارة تمشي في بدنها، وتوقظ أعضاءها كما توقظ خيالها.
    قالت لها المربية عزيزة: إهدئي يا فدى فما عدت صغيرة.
    غمزت فدى صديقاتها اللواتي لم يكن أقل إثارة منها، وحاولت التقيد بالهدوء كما أمرت عزيزة، فكلها دقائق وسينطلقن كلهن في الفضاء صوب الروض.
    فجأة، عبق الجو برائحة غريبة، لم تشتمها فدى من قبل، لكنها وبغريزتها استشمت الخطر فيها.
    تحول أزيز الخلية إلى صمت غريب، لم تكن تسمع خلاله فدى سوى دقات قلبها المتسارعة، والتي زاد تسارعها حين لمحت اصفرار وجه عزيزة.
    دخلت المقدم شريفة عليهن ودقت رجلها بحركة عسكرية وقالت: إنها الدبابير، لقد قررت مداهمة خليتنا، وها هو دَبرها قادم إلينا، إنه على بعد ميل واحد تقريبا. استعدوا للقتال. الله أكبر.
    ارتفع في الخلية صوت واحد يردد: ززز .. الله أكبر .. ز
    انكمشت فدى على نفسها وهي تردد في قلبها: أنا لا أحب القتال. أنا لن أقتل أحدا .. مستحيل !‍
    ثم نظرت إلى المربية عزيزة وتساءلت: ولماذا تهجم الدبابير علينا يا عمة ؟
    قالت عزيزة: إنها العزة بالإثم يا فدى. إنها قوية، قوية جدا، وخليتنا جميلة، كبيرة، عريقة، وتقع في مكان استراتيجي أعجبها، فاستكثرتها علينا.
    قالت فدى: ولكنها لنا !
    قالت عزيزة: نعم. طأطأت فدى رأسها وقالت: لكنني لا أحب القتال !
    قالت عزيزة: أحد منا لا يحبه.
    قالت فدى بصوت اختنق في صدرها ولم يخرج أبدا: .. نهرب!


    نظرت فدى إلى زميلاتها، كن يشحذن زباناتهن. حتى عزيزة العجوز كانت تشحذ زبانتها الضعيفة.
    تمنت فدى لو أنها لم تكبر بعد، ولو أنها تنام الآن هانئة مع الصغار.
    وحين خطرت في بالها كلمة الصغار ورنت في رأسها صاحت تسأل عزيزة:
    والصغار؟ ماذا سيحل بهم ؟؟
    قالت عزيزة: لا تخافي يا عزيزتي، سنحميهم بأرواحنا.
    رنت الكلمة الأخيرة بعنف في رأس فدى: أرواحنا ! ‍ وهل نملك ما نحميهم به سوى أرواحنا؟!
    نظرت فدى في الأفق وهي تتفكر، فلمحت سحابة سوداء كبيرة تتجه نحوهم.
    صاحت المقدم شريفة: يجب أن نواجهها بعيدا عن الخلية، كي نقلل الضرر قدر الإمكان.
    ثم قسمت النحل الى قسمين، قسم للهجوم، وآخر يبقى في الخلية للدفاع.
    دعت فدى الله تعالى أن لا تكون مع المهاجمين، ومن شدة إلحاحها في الدعاء، استجاب لها.
    حين صاحت المقدم شريفة: هجوم. انطلقت النحلات.
    كانت فدى تراقب المعركة بخوف، فهذا جنون من يقدر على الدبابير ؟
    أخذت ساحة المعركة تقترب من الخلية شيئا فشيئا، والنحل يتساقط ويتقهقر أمام جحافل الدبابير.
    كانت الصديقات يتساقطن الواحدة تلو الأخرى وهن يذدن عن الوطن، وصار انتظار اللقاء صعبا، وتمسك فدى بموقعها في الخلية للدفاع أصعب من دخول قلب المعركة بكثير.
    كانت الدبابير المتوحشة تدوس النحل كالبلدوزرات، وتقطع أوصالهن بزباناتها الفتاكة في فعل همجي مريع لم تتخيله يوما عاشقة الأزهار، صانعة العسل.
    وعندما اقتربت الدبابير أكثر من الخلية خرجت عزيزة العجوز .. وما كادت حتى شقها دبور جبار الى نصفين.
    هنا صاحت فدى: الله أكبر.. الله أكبر
    وغرزت زبانتها الفتية الرقيقة في صدر هذا المعتدي الآثم، وحين حاولت الإنفصال عنه بسحب زبانتها، قُصمت في ألم عظيم فتاك. عندها فتحت فدى عيونها على وسعها للمرة الأخيرة، وصارت تتأرجح مع نسمات الهواء في هبوط سلس ومريح، حتى حطت على سرير الأوراق المتساقطة أسفل الشجرة الوطن.

    أنهت ماما قصة ما قبل النوم، وقبلت آيات، وغطتها جيدا، قبل أن تتركها مع عالم الأحلام.
    وحين استيقظت آيات من نومها وجدت أن الخلية اسمها فلسطين، فلفتت وجهها الى الخلف، ومدت يدها تتحسس زبانتها.


    *الدَّبر: المجموعة, وهو للنحل كالسرب للحمام

    حنين يحيى حمودة
    20/5/2002

    كتبت إثر العملية الاستشهادية التي قامت بها آيات الأخرس. رحمها الله وأسكنها جنان خلده مع إخوتها الشهداء والصديقين.


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    22/02/2008
    العمر
    30
    المشاركات
    192
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: آيات والنحلة فدى / قصة طويلة - حنين

    رحم الله آيات ...


    حنين حمودة ...
    ما أروع هذه الحكاية التي سردتيها لنا ها هنا ....
    الخلية اسمها فلسطين ... اجل فلسطين ... وطن لا يزال قائم .... وطن لا يزال يستشهد من أجله الكثير الكثير من المقاتلين في سبيلة ...
    الله اكبر ... الله اكبر ...
    نقولها والدمع يملأ الجفون ... والدمع يهطل من العيون ...

    حنين حمودة ... يا أيتها المبدعة ... بجد لقد أبدعت
    لقد أفرغت ما في جعبتي من كلام ... فلم يبقى بها سوى الشكر ... فشكرا لك ...

    تحياتي ...
    حبي لك يا غالية


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •