آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    قراءة في مجموعة فهد الخليوي القصصية:
    "رياح و أجراس"


    عبّاس سليمان*


    الحلقة الأولى

    لقد تأكّد تماما ما أصبحت تحضى به مسألة العنونة من اهتمام متزايد و هو اهتمام نلمسه لدى المبدعين - واضعي العناوين- أوّلا و لدى الدّارسين و النّقّاد ثانيا حتّى إنّ كثيرا من الدّراسات التي تنجز حول المجاميع القصصيّة و الشعريّة و الرّوايات أصبحت تقف عند دراسة العتبات عموما و تقف عند العناوين على وجه الخصوص مركّزة على دلالاتها و إيحاءاتها متوسّلة بالتّأويل سبيلا لفكّ رموزها وبسط كلّ الفرضيّات التي يمكن أن تنطبق بشكل ما على مرامي الكاتب و مقاصده أوّلا و على النّصّ الذي يلي العنوان و يرافقه ثانيا.
    في هذا الإطار، إطار اهتمام الدّراسات النقديّة بالعنونة، ارتأينا أن نقف عند مجموعة فهد الخليوي القصصيّة (رياح و أجراس) في محاولة لقراءة عنوانها الجامـع و عناوينها الداخليـّة و تحليل ما يمكـن أن يترتّب عنها من إيحــاءات و دلالات و علاقات.


    قراءة في العنوان الجامع


    اعتاد القصّاصون أن يعنونوا مجموعاتهم القصصيّة متوسّلين بإحدى طريقتين:
    1 -انتخاب واحد من عناوين أقاصيص المجموعة لسحبه على الكتاب بأكمله و هو الاختيار الغالب استنادا إلى إحصائيّة أجريناها حديثا على مائة كتاب قصصيّ عربيّ.
    2- اختيار عنوان جامع يكاد يكـون ملخّصا للعناويـن الداخليّة و لمحتويات النّصـوص و لمرامي الكاتب و توجّهاته.
    أما فهد الخليوي فلم يذهب في اختياره لعنوان المجموعة القصصيّة موضوع بحثنا إلى أيّ من الاتّجاهين و إنّما اعتمد اختيارا آخر نراه فريدا و جديدا مفاده الجمع بين عنوانين داخليّين ليؤلّف بجمعهما عنوانا جامعا إذ أنّ "رياح و أجراس" هو حصيلة التّأليف و الجمع بين عنوان أقصوصة (أو دعنا نقول نصّا) وارد بين صفحات 15و16و17 و نّص آخر وارد بين صفحات 21 و22 و23 وقد فصل بين الاثنين نصّ بعنوان : إبــادة.
    و بهذا الاختيار يكون فهد الخليوي قدنأى عن أساليب العنونة السّائدة و آثر التّجديد
    أو التّجريب بما يتيح لعنوان قصصه تفرّدا ما.
    ونجح في كسر أفق انتظار القارئ الذي قد يبحث بين نصوص المجموعـة عن واحد عنوانه (ريــاح و أجراس) فيفاجأ باثنين أحدهما (رياح)و ثانيهما (أجراس).
    وألّف بجمعه بين عنوانين في كلّ منهما قدر من الغموض عنوانا عامّا أو جامعا منفتحا بصفة الغموض التي فيه على التّأويل و تعدّد القراءات و الحثّ على البحث عن وجوه أخرى للكلام
    و عن معاني يخفيها الكاتب وتكشفها المفاتيح التي في الصّياغة و القراءات التي تتناولها فيكون الخليوي بهذا الاختيار قد اجتنب العناوين الفاضحة والمباشرة التي تقتل كلّ رغبة في التّأويل و التّفكير و تحدّ من فضول القارئ و تجعله يكتفي باختيار الكاتب و يقنع تمام القناعة بالمعنى الوحيد و الفهم الأوحد
    إنّ العنوان ليكتسي الأهميّة أو عدمها من كونه إمّا حافزا على القراءة و دافعا إليها و مرغّبـا فيها و إمّا منفّرا منها و معطّلا لها و قد وفّق صاحب "رياح و أجراس" : في بناء عنوان فيه صفات التّحفيـز و الدّفع و التّرغيب قادر بما فيه من تكثيف و قابليّة للتّأويل على شدّ الانتباه و المرور بالقارئ إلى الإبحار عبر ثنايا المتن .


    العناوين الداخلية


    إنّ أوّل ما شدّنا و لفت انتباهنا و نحن نقف متأنّين عند عناوين نصوص فهد الخليوي هو انقسامها – مبدئيّا- إلى ثلاثة مجالات من المدلولات فأمّا الأوّل و هو الطّاغي بامتياز فهو مجال السّـواد و البــؤس و التّشاؤم و القتامة و أمّا الثّاني فمجال الطّرب و الفرح و الالتقاء الحميميّ فيما الثّالث مجال محايــد أو هكذا يبدو للوهلة الأولى و وحدها القراءة يمكن أن تحدّد الانتماء الحقيقيّ لكلّ نصّ من نصوصــه و سننظر في هذه المجالات الثّلاثة بالتّفصيل:

    1- المجال الأوّل دلالات السّواد

    و تنضوي تحته العناوين التّالية:
    * رياح
    * إبادة
    * عن قرية هجرتها شاحنات القمح
    * سطور من تراث الوأد
    * مكابدة
    * ظلام
    * لصّ
    * صحراء
    * جحود


    و لا شكّ أنّ دلالات هذه العناوين لا تحيل على غير الجوع و الموت و المعاناة و السّواد و النّهب و الفراغ و الألم. و قد تردّدنا قليلا أمام العنوان الأوّل ( رياح) باعتبار أنّ دلالة القتامة فيه غير واضحة و لكنّ صورة الغلاف ساعدتنا و وجّهتنا إلى اعتباره هو الآخر موحيا بالخراب و بالعنف و بالإبادة.

    2- عناوين الفرح

    و في هذا المجال يمكن أن تندرج العنوانين الآتيين:
    * عرس
    * بحر و أنثى
    و لا يمكن أن يخفى ما تلقيه عناوين كهذه من ظلال فرح على القــارئ إذ أن العرس مناسبة للزّهــو و للطّرب و للفرح و للالتقاء و البحر عنوان للطّهارة و للرّاحة و للسّفر فكيف إذن عندما يقترن بأنثى.


    3- العناوين المحايدة:
    · أجراس
    · البوّابة
    · بقايا ذاكرة
    · ذكرى

    لم تثر فينا هذه العناوين دلالات معيّنة و إنّما اضطرّتنا إلى أن نلزم الحياد ردحا من الزّمن في انتظار أن تخرجنا منه القراءة و تضطرّنا إلى انطباع مّا.


    قراءة في توزيع العناوين حسب المجالات

    استقطب المجال الأوّل تسعة (09 ) عناوين بما يعني تسعة نصوص من جملة ستّة عشر (16) نصّا أو عنوانا و تمثّل 09 من 16 نسبة تفوق الـ 56 % و هي نسبة عالية لا باعتبارها تجاوز النّصف بل باعتبارها تفـوق عناوين المجالين الثـّـاني و الثّالث مجتمعين و الذين قدّرنا أنّ أحدهما يحوي عناوين دلالات الفرح و الطّرب و أنّ الآخر يحوي عناوين دلالاتها محايدة أو هكذا تبدو على الأقلّ.
    · أمّا المجال الثّاني فاستقطب عنوانين اثنين من جملة ستّة عشر و هو ما يعادل حوالي 12.5 % أي ما يمثّل نسبة ضعيفــة سنأتي لاحقا على تفسيــر ضعفها و مقاصد الكاتب من ورائها.
    · و أمّا المجال الأخير فنحن مضطرّون إلى أن لا نصرّح النّسبة النّهائيّة التي يمثّلها حتّى نستأنس بالمتون التي لحقت بالعناوين لنتأكّد من مدى سلامة افتراض الحياد الذي قدّرناه أو الذي لذنا به طمعا في شيء من الموضوعيّة و التّجرّد و انسجاما مع الانطباعات الأولى التي خلّفتها فينا قراءة ( أجراس – البوّابة – بقايا ذاكرة – ذكرى).
    فأمّا النّسبة قبل المرور إلى ما بعد العناوين فهي 4 من 16 أي ما يقــدّر بـ 25% و هي أيضا نسبة لا ترتقي حتى إلى شطر نسبة المجال الأوّل مجال عناوين الكآبـة و الإبادة و أمّا بعد القراءة فيمكننا أن نلاحظ ما يلي :


    أجراس


    هي أجراس قرعتها الذّاكرة التي عادت بالسّـارد إلى ثلاثيـن عاما خلت و أيقظت فيه " إيقاعات شجيّة و حزينة " ( ص 23).
    النصّ بدأ بالشّعور بالضّجر و انتهى بـ " إيقاعات حزينة و شجيّة تناغمت في فضاء روحه، شعر أنّ ذاكرته تشتعل و تصهر المكان و الزّمان ، و كأنّها تحيل حقبة توارت إلى دقائق معدودات " ص 23.
    يقودنا المحمول السّردي لـ " أجراس" إلى إدراك حالة من السّواد و البؤس تتلبّس بالكاتب و تنأى به بعيدا عن كلّ حالات الفرح و الطّمأنينة الأمر الذي يبرّر لنا حذف هذا النصّ أو قل هذا العنوان من مجال العناوين التي اعتبرناها لأوّل وهلة محايدة لنلحقه مطمئنّين و غير مرتابين بعناوين المجال الأوّل الذي سترتفع مبدئيّا عناوينه من 9 إلى 10


    البوّابة

    تتعمق هواجس التقسيم و المخاوف المحتملة و من تفرّق النّاس أشتاتا و ابتعادهم عن بعضهم بعضا وهو الانطباع الذي يهيمن على هذا النّصّ " ... انتشرت حكاية مخيفة تقول : لو أنشئ طريق مستقيم، فإنّه سيشقّ المدينة إلى نصفين و سيبتعد كلّ نصف عن النّصف الآخر أكثر من عشرين مترا بفعل عرض الطّريق ، و هذا الابتعاد سيؤثّر على التّقارب الحميميّ للمجتمع ثم يفضي إلى الخارج و خارج المدينة ليس إلاّ تيه قاتل و صحارى قاحلة" ص 30.
    و مرّة أخرى ينفلت من عناوين المجال الثّاني- المجال الذي قدّرناه للعناوين المحايدة- عنوان لنص آخر لينضوي بنسبة السّواد التي فيه و بشعور الخوف الذي يلفّه تحت جناحي مجالنا الأوّل الذي قدّرناه مجال الكآبـة و الإبادة و بهذا المولود الجديد يرتفع عدد عناوين الموت و الكآبة من 10 إلى 11 و ترتفع نسبة هذه العناوين إلى 79 % بما يعنيه ذلك من انتشار واسع للسّواد و الكآبة و لروح الإبادة التي تنتظم وفقها أقاصيص المجموعة و بما يعنيه ذلك من انسجام ينبئ عن حسن اختيار و تدقيق و عن إيلاء الكاتب مسألة العنونة ما تستحقّه فعلا من أهميّة الأمر الذي لا يدع مجالا للشكّ في إيمان الكاتب بضرورة احترام الطّرفين الأساسيّيــن في العمليّة الأدبيّة: القـارئ أوّلا و النّاقد ثانيا ( إذا اعتبرنا أن ليس كلّ قارئ ناقد).






    الحلقة الأخيرة

    بقايا ذاكرة

    أدرجنا هذا العنوان ضمن مجال عناوين الحياد لانفتاحه على قراءات عديدة و لإمكان ذهاب التّأويل فيه إمّا مذهب الذّكريات الجميلة التي ينعش هبوبها الرّوح و ينسي همّ الحاضر و رداءته أو مذهب الذّكريات البائسة التي يعكّر مجرّد انتفاضها و خروجها من تلافيف الذّاكرة صفو الحاضر الصّافي أو يزيد رداءة الحاضر رداءة و التي لا تحيل على غير الغمّ و الحزن و الانهزام. ووحدها قراءة ما بعد العنوان كفيلة بتأكيد صحّة بعض الفرضيّات و دحض الفرضيّات الخاطئة.
    و قد قادتنا القراءة إلى أنّ هـذا النصّ ينفتح على شعـور ممـزوج بهاجس الوحـدة و غموض المجهول يغمر الكاتب " و هو يجوب الصّحراء للوصول إلى تلك القرية"( ص 35) و ينغلق على وصف حالة السّارد الذي " ظلّ في تلك اللّيلة شارد الذّهن قلقا تكسو ملامح وجهه غيمة من الحـزن و هو يبحث في بقايا ذاكرته عن مدينة حضنت بدفء حنانها بداية صباه و طراوة أحلامـه " (ص 37) و بين هاجس الوحدة و إحساس الشّرود و الحزن تمتدّ رحلة السّارد من المدينة التي نزح إليها إلى القرية التي هجّ منها صغيرا بحثا عن الوظيفة و الزّوجة و عن حياة أخرى بيد أنّ هذه الرّحلة تخلو تماما من كلّ بصيص للفرح ولا تقف فيها الذّاكرة على موقف انتعاش واحد الأمر الذي يقودنا مجدّدا إلى أن نعدّل بالحذف من قائمـة العناويـن المحايـدة و نلحق بمجالنا الأوّل – مجال عناوين القتامـة و الإبادة – عنوان " بقايا ذاكرة".


    ذكرى


    هذا عنوان آخر ألجأتنا قابليّته لأكثر من قراءة و ذهاب التّأويل فيه مذهب الذّكرى الجميلة أو مذهب الماضي الأليم إلى اعتباره مبدئيّا واحدا من العناوين المحايدة في انتظار أن نستأنس بالنّصّ لنؤكّد إحدى الفرضيّتين و ندحض الفرضيّة المتبقيّة. و قد قادتنا قراءتنا إلى التّالي:
    - استحضرت ذاكرة السّارد في هذه القصّة القصيرة جدّا " ملامح لرجال قتلوا في معارك طاحنـــة و بنادقهم الجديدة مبعثرة قرب جثثهم." (ص 47). و لا يمكننا بعد إطّلاعنا على حقيقة هذه الذّكرى التي انفتح عليها ذهن الكاتب إلاّ أن نلحق هذا النّصّ القصير بمجال نصوص الإبادة و السّواد لترتفع هذه النّصوص إلى ثلاثة عشر نصّا من جملة ستّة عشر حوتها المجموعــة أي بنسبة تفــوق الـ 80%.


    بحر و أنثى

    لم يصرّح العنوان بحالة البحر و لا بما دفع الأنثى إلى إتيانه و لكنّ قراءة هذا النّصّ القصير تكشف عن أنّ المكان هنا – البحر- لم يقم بدوره الاعتياديّ المتعارف عليه – دور التّسلية و محطّ التأمّل و المتعـة- و إنّما مثّل بالنّسبة إلى الأنثى القادمة إليه و الشّمس توشك على الغياب المحطّة الأخيرة من محطّات عمرها القصير أي أنّه مثّل قبرها الذي هوت إليه كما تهوي " نجمة مضيئة" (ص 41).
    فالحدث الرئيسيّ إذن هو حدث انتحار أنثى أو أفول نجم أو انطفاء عمر كانت صاحبته تتّقد حياة و هذا ما يسمح لنا بإلحاق هذا النّصّ بنصوص السّواد و الإبادة و الموت ليرتفع عدد هذه النّصوص إلى 14 نصّا من بين 16 بما يعادل نسبة تقترب من 90 %.
    بهذا التّحليل الذي تناولنا به النّصوص التي بثّت فينا عناوينها انطباع الحياد و بما وصلنا إليه من نتائج أصبح ممكنا تماما أن نحذف المجال الثّاني برمّته لنبقي أخيرا على مجالين اثنين واحد اشتمل على عناوين توحي بالفاجعة و بالجوع و بالموت و آخر ينبئ عنواناه ( عرس – بحر و أنثى) عن الفرح و لمّ الشّمـل و الحميميّة.
    و بهذا التّنظيم الجديد تصبح عناوين مجموعة فهد الخليوي منقسمة إلى مجالين غير متكافئين – كميّا على الأقلّ – يحكمهما التّقابل أو الضّديّة.


    عناوين الفرح

    و قد قدّرنا أنّ (عرس) و(حصان و فرس) عنوانان ناطقان بدلالات الوئام و الفرح لما في الأوّل من إحالة على اجتماع الشّمل و على الاحتفاليّة و على التّأسيس لنواة عائلة جديدة بما تعنيه هذه الإحالات من ضديّة للإبادة والمــوت و للحزن و سآمة الحيــاة و رتابتها و لما في الثّاني من إحالة على الحميميّــة و الحبّ و الشّهوة، فإلى أيّ مدى سيكون المتن وفيّا أو مطابقا لإحالات هذين العنوانين؟

    عرس

    إنّ ولوج عالم ما بعد العنوان بالنّسبة إلى(عرس) لئن كان لا يخيّب ظنّنا في اعتبار هذا النّصّ منفلتا من دلالات الابادة و الموت لما فيه من إحالة على الجمال و على الفرح و على التّكاثر و على الذّكرى الجميلة فإنّنا نقف أمام كسر لأفق انتظارنا إذ يهيّئنا العنوان لقراءة حكاية زواج رجل و امرأة أو حكاية اجتماع حبيبين قرّرا أخيرا أن يضعا حدّا لعزوبيّتهما التي طالت فإذا بنا أمام حديث عن احتفال سرب من الطّيور بزفافه "على ضفاف قرية نهريّة صغيرة" (ص39).
    لنا أن نستنتج أنّ نسمة الفرح الوحيدة إلى حدّ الآن ـ التي هبّت على أو من نصوص فهد الخليوي كان مأتاها جنس آخر ـ جنس غير بشريّ ـ كان مأتاها سرب من الطّيور حلّق ثمّ حطّ ثمّ اختفى.


    حصان و فرس

    أمّا العنوان الثّاني و الذي هو عنوان النّصّ الأكثر شاعريّة من بين كلّ نصوص المجموعة لما فيه من إيحاء مكثّف و من حضور للرّمز و من إحالة على الموروث الدينيّ ـ القرآن تحديدا ـ ( وهي إحالة لمسناها من خلال قيام الحصان و الفرس مقام المرشـد و الدّليل و مقام الدّافع إلى فعل الشّيء و مقام الموجّه إلى ما يتوجّب فعله الأمر الذي نقف على مرجعيّته في قيام الغراب مقام الدّليل بالنّسبة إلى قابيل الذي قتل أخاه ثمّ لم يهتد إلى مواراته التّراب ). قلنا إنّ هذا العنوان لا يخاتلنا و لا يكسر انتظارنا لما بينه و بين النّصّ من انسجام و شبه تطابق إذ النّصّ نصّ حميميّة و اشتهاء و توافق.
    " قال لها:
    ـ أنا الحصان.
    قالت:
    ـ أنا فرسك.(ص51).

    و بهذا الانسجام ينفلت النّصّ من دائرة دلالات الابادة و القطعيّة و الموت ليكون ثانــي و آخر نصّ فيه إحالة على الفرح.


    دلالات العناوين


    نخلص إلى استنتاج مفاده أنّ نصوص فهد الخليوي الواردة ضمن مجموعته القصصيّة (ريــاح و أجراس) نصوص يلفّها و يهيمن عليها السّواد عموما إذ ينتظم 14 واحدا منها من مجموع 16 هي مجموع تلك النّصوص وفق دلالات المــوت و الابادة و الكآبة و المكابدة و شظف العيش و شعور الأسف و الذّكريات الأليمة و الجوع و القتل و الانتحار و النّهب و الإهانة و الاعتداء و الحـرب و الظّلم و التّخلف ... و لا شكّ أنّ هذا الاستنتاج الذي قادتنا إليه عمليّة إحصائيّة تحليليّة ليبرّر لنا التّأكيد على ما في هذه النّصوص من صدق و من وفاء للواقع و من ابتعاد عن التّهويمات الخياليّة و الهرطقات الطوباويّة التي لا تبرّرها حتّى الرّغبة في الانفلات من الواقع الضّاغط.
    و لئن نأى الخليوي عن ربط دلالات القتامة و الابادة بأحداث بعينها ينهض لتحديدها مكان محدّد و حقبة تاريخيّة مبيّنة و أشخاص لها أسماؤها و صفاتها و حضورها فإنّنا نعتبر أنّ سعي الكاتب إلى إضفاء الطّابع الإنسانيّ العامّ على نصوصه يخرجها من المحليّة الضّيّقة و يجعلها تعانق الهموم الإنسانيّة التي لا يحدّدها زمان و لا مكان و لا ترتبط بذوات دون أخرى.
    لقد بدت لنا نصوص فهد الخليوي نصوصا تعكس قلق الــرّوح و ضيق مساحــة الأمـل و انسحاب شعور الأسى على ماضي ساردي تلك النّصوص و حاضرهم بما يجعل حتّى المستقبـل أمامهم و أمام القارئ قاتما لا يلوح منه ضوء فرح واحد. ولا شكّ أنّ نزوع الكاتب إلى الصّدق و إلى الوفاء لأحاسيسه القلقة يعكس وجها آخر من وجوه تفرّد هذه النّصوص التي تأبى أن تكون مجرّد تسلية و كلام خداع قد يمنع انتباه القارئ إلى ما حوله حينا من الوقت و لكنّه لا يستطيع أن يعطّل انتباهه من جديد.
    و لئن كنّا قد وقفنا في هذه القراءة الأولـى على دلالات عنـوان مجموعة فهد الخليـوي و عناوين النّصوص التي أثّثتها و حلّلنا ما بينها من علاقات و ما أثارته فينـا من دلالات و إيحاءات و تأويل فإنّنا نصرّح أنّ هذا الكتاب يستحقّ منّا أن نخصّه بكتاب مواز نقف فيه على أوجه التّجريب التي اكتشفناها في أشكال نصوصه و مضامينها و ما لاحظناه فيها من وجوه عدول لغويّ و بلاغيّ و أسلوبيّ حقّق للمجموعة تميّزا و بوّأها لأن تكون قصصا جديرة بالدّراسة و الاهتمام.


    الخاتمة :

    ضمن اهتمامنا بمجموعة فهد الخليوي القصصيّة " رياح و أجراس" ارتأينا أن نبدأ أوّلا بهذه المقاربة التي قرأنا فيها العنوان الجامع و دلالاته و ما فيـه من عدول عن السّـائد و المتعارف عليه في عنونة المجموعات القصصيّة ثمّ قرأنا العناوين الدّاخليّة ووقفنا عند ما شدّنا إليها بصفة خاصّة ألا و هو سمة القتامة و دلالات الإبادة و الموت لننتهي إلى استنتاج مفاده اتّساع حجم السّواد الذي يلفّ هــذه القصص و أرجعنا اتّساع ذلك الحجم إلى نزوع الكاتب إلى الوفاء للواقع القاتم و هو وفاء زاد من مصداقيّته عدم ارتباط نصوص السّواد بأحداث معيّنة و تواريخ محدّدة و ذلك بنيّة الاتّجاه نحو " عولمة" دلالات المـوت و الإبادة التي لم تترك للجانب الآخر – جانب الفرح- غير مساحة أضيق بكثير من حبّ الحياة و أضيق حتّى من فسحة الأمل.

    كاتب من تونس*


    إحـــــالات

    - رياح و أجراس – قصص - النادي الادبي بحائل – صدرت عن الانتشار العربي بيروت
    الطبعة الأولى 2008م


    المصدر:
    جريدة عكاظ 30 مايو 2008


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    قراءة في مجموعة فهد الخليوي القصصية:
    "رياح و أجراس"


    عبّاس سليمان*


    الحلقة الأولى

    لقد تأكّد تماما ما أصبحت تحضى به مسألة العنونة من اهتمام متزايد و هو اهتمام نلمسه لدى المبدعين - واضعي العناوين- أوّلا و لدى الدّارسين و النّقّاد ثانيا حتّى إنّ كثيرا من الدّراسات التي تنجز حول المجاميع القصصيّة و الشعريّة و الرّوايات أصبحت تقف عند دراسة العتبات عموما و تقف عند العناوين على وجه الخصوص مركّزة على دلالاتها و إيحاءاتها متوسّلة بالتّأويل سبيلا لفكّ رموزها وبسط كلّ الفرضيّات التي يمكن أن تنطبق بشكل ما على مرامي الكاتب و مقاصده أوّلا و على النّصّ الذي يلي العنوان و يرافقه ثانيا.
    في هذا الإطار، إطار اهتمام الدّراسات النقديّة بالعنونة، ارتأينا أن نقف عند مجموعة فهد الخليوي القصصيّة (رياح و أجراس) في محاولة لقراءة عنوانها الجامـع و عناوينها الداخليـّة و تحليل ما يمكـن أن يترتّب عنها من إيحــاءات و دلالات و علاقات.


    قراءة في العنوان الجامع


    اعتاد القصّاصون أن يعنونوا مجموعاتهم القصصيّة متوسّلين بإحدى طريقتين:
    1 -انتخاب واحد من عناوين أقاصيص المجموعة لسحبه على الكتاب بأكمله و هو الاختيار الغالب استنادا إلى إحصائيّة أجريناها حديثا على مائة كتاب قصصيّ عربيّ.
    2- اختيار عنوان جامع يكاد يكـون ملخّصا للعناويـن الداخليّة و لمحتويات النّصـوص و لمرامي الكاتب و توجّهاته.
    أما فهد الخليوي فلم يذهب في اختياره لعنوان المجموعة القصصيّة موضوع بحثنا إلى أيّ من الاتّجاهين و إنّما اعتمد اختيارا آخر نراه فريدا و جديدا مفاده الجمع بين عنوانين داخليّين ليؤلّف بجمعهما عنوانا جامعا إذ أنّ "رياح و أجراس" هو حصيلة التّأليف و الجمع بين عنوان أقصوصة (أو دعنا نقول نصّا) وارد بين صفحات 15و16و17 و نّص آخر وارد بين صفحات 21 و22 و23 وقد فصل بين الاثنين نصّ بعنوان : إبــادة.
    و بهذا الاختيار يكون فهد الخليوي قدنأى عن أساليب العنونة السّائدة و آثر التّجديد
    أو التّجريب بما يتيح لعنوان قصصه تفرّدا ما.
    ونجح في كسر أفق انتظار القارئ الذي قد يبحث بين نصوص المجموعـة عن واحد عنوانه (ريــاح و أجراس) فيفاجأ باثنين أحدهما (رياح)و ثانيهما (أجراس).
    وألّف بجمعه بين عنوانين في كلّ منهما قدر من الغموض عنوانا عامّا أو جامعا منفتحا بصفة الغموض التي فيه على التّأويل و تعدّد القراءات و الحثّ على البحث عن وجوه أخرى للكلام
    و عن معاني يخفيها الكاتب وتكشفها المفاتيح التي في الصّياغة و القراءات التي تتناولها فيكون الخليوي بهذا الاختيار قد اجتنب العناوين الفاضحة والمباشرة التي تقتل كلّ رغبة في التّأويل و التّفكير و تحدّ من فضول القارئ و تجعله يكتفي باختيار الكاتب و يقنع تمام القناعة بالمعنى الوحيد و الفهم الأوحد
    إنّ العنوان ليكتسي الأهميّة أو عدمها من كونه إمّا حافزا على القراءة و دافعا إليها و مرغّبـا فيها و إمّا منفّرا منها و معطّلا لها و قد وفّق صاحب "رياح و أجراس" : في بناء عنوان فيه صفات التّحفيـز و الدّفع و التّرغيب قادر بما فيه من تكثيف و قابليّة للتّأويل على شدّ الانتباه و المرور بالقارئ إلى الإبحار عبر ثنايا المتن .


    العناوين الداخلية


    إنّ أوّل ما شدّنا و لفت انتباهنا و نحن نقف متأنّين عند عناوين نصوص فهد الخليوي هو انقسامها – مبدئيّا- إلى ثلاثة مجالات من المدلولات فأمّا الأوّل و هو الطّاغي بامتياز فهو مجال السّـواد و البــؤس و التّشاؤم و القتامة و أمّا الثّاني فمجال الطّرب و الفرح و الالتقاء الحميميّ فيما الثّالث مجال محايــد أو هكذا يبدو للوهلة الأولى و وحدها القراءة يمكن أن تحدّد الانتماء الحقيقيّ لكلّ نصّ من نصوصــه و سننظر في هذه المجالات الثّلاثة بالتّفصيل:

    1- المجال الأوّل دلالات السّواد

    و تنضوي تحته العناوين التّالية:
    * رياح
    * إبادة
    * عن قرية هجرتها شاحنات القمح
    * سطور من تراث الوأد
    * مكابدة
    * ظلام
    * لصّ
    * صحراء
    * جحود


    و لا شكّ أنّ دلالات هذه العناوين لا تحيل على غير الجوع و الموت و المعاناة و السّواد و النّهب و الفراغ و الألم. و قد تردّدنا قليلا أمام العنوان الأوّل ( رياح) باعتبار أنّ دلالة القتامة فيه غير واضحة و لكنّ صورة الغلاف ساعدتنا و وجّهتنا إلى اعتباره هو الآخر موحيا بالخراب و بالعنف و بالإبادة.

    2- عناوين الفرح

    و في هذا المجال يمكن أن تندرج العنوانين الآتيين:
    * عرس
    * بحر و أنثى
    و لا يمكن أن يخفى ما تلقيه عناوين كهذه من ظلال فرح على القــارئ إذ أن العرس مناسبة للزّهــو و للطّرب و للفرح و للالتقاء و البحر عنوان للطّهارة و للرّاحة و للسّفر فكيف إذن عندما يقترن بأنثى.


    3- العناوين المحايدة:
    · أجراس
    · البوّابة
    · بقايا ذاكرة
    · ذكرى

    لم تثر فينا هذه العناوين دلالات معيّنة و إنّما اضطرّتنا إلى أن نلزم الحياد ردحا من الزّمن في انتظار أن تخرجنا منه القراءة و تضطرّنا إلى انطباع مّا.


    قراءة في توزيع العناوين حسب المجالات

    استقطب المجال الأوّل تسعة (09 ) عناوين بما يعني تسعة نصوص من جملة ستّة عشر (16) نصّا أو عنوانا و تمثّل 09 من 16 نسبة تفوق الـ 56 % و هي نسبة عالية لا باعتبارها تجاوز النّصف بل باعتبارها تفـوق عناوين المجالين الثـّـاني و الثّالث مجتمعين و الذين قدّرنا أنّ أحدهما يحوي عناوين دلالات الفرح و الطّرب و أنّ الآخر يحوي عناوين دلالاتها محايدة أو هكذا تبدو على الأقلّ.
    · أمّا المجال الثّاني فاستقطب عنوانين اثنين من جملة ستّة عشر و هو ما يعادل حوالي 12.5 % أي ما يمثّل نسبة ضعيفــة سنأتي لاحقا على تفسيــر ضعفها و مقاصد الكاتب من ورائها.
    · و أمّا المجال الأخير فنحن مضطرّون إلى أن لا نصرّح النّسبة النّهائيّة التي يمثّلها حتّى نستأنس بالمتون التي لحقت بالعناوين لنتأكّد من مدى سلامة افتراض الحياد الذي قدّرناه أو الذي لذنا به طمعا في شيء من الموضوعيّة و التّجرّد و انسجاما مع الانطباعات الأولى التي خلّفتها فينا قراءة ( أجراس – البوّابة – بقايا ذاكرة – ذكرى).
    فأمّا النّسبة قبل المرور إلى ما بعد العناوين فهي 4 من 16 أي ما يقــدّر بـ 25% و هي أيضا نسبة لا ترتقي حتى إلى شطر نسبة المجال الأوّل مجال عناوين الكآبـة و الإبادة و أمّا بعد القراءة فيمكننا أن نلاحظ ما يلي :


    أجراس


    هي أجراس قرعتها الذّاكرة التي عادت بالسّـارد إلى ثلاثيـن عاما خلت و أيقظت فيه " إيقاعات شجيّة و حزينة " ( ص 23).
    النصّ بدأ بالشّعور بالضّجر و انتهى بـ " إيقاعات حزينة و شجيّة تناغمت في فضاء روحه، شعر أنّ ذاكرته تشتعل و تصهر المكان و الزّمان ، و كأنّها تحيل حقبة توارت إلى دقائق معدودات " ص 23.
    يقودنا المحمول السّردي لـ " أجراس" إلى إدراك حالة من السّواد و البؤس تتلبّس بالكاتب و تنأى به بعيدا عن كلّ حالات الفرح و الطّمأنينة الأمر الذي يبرّر لنا حذف هذا النصّ أو قل هذا العنوان من مجال العناوين التي اعتبرناها لأوّل وهلة محايدة لنلحقه مطمئنّين و غير مرتابين بعناوين المجال الأوّل الذي سترتفع مبدئيّا عناوينه من 9 إلى 10


    البوّابة

    تتعمق هواجس التقسيم و المخاوف المحتملة و من تفرّق النّاس أشتاتا و ابتعادهم عن بعضهم بعضا وهو الانطباع الذي يهيمن على هذا النّصّ " ... انتشرت حكاية مخيفة تقول : لو أنشئ طريق مستقيم، فإنّه سيشقّ المدينة إلى نصفين و سيبتعد كلّ نصف عن النّصف الآخر أكثر من عشرين مترا بفعل عرض الطّريق ، و هذا الابتعاد سيؤثّر على التّقارب الحميميّ للمجتمع ثم يفضي إلى الخارج و خارج المدينة ليس إلاّ تيه قاتل و صحارى قاحلة" ص 30.
    و مرّة أخرى ينفلت من عناوين المجال الثّاني- المجال الذي قدّرناه للعناوين المحايدة- عنوان لنص آخر لينضوي بنسبة السّواد التي فيه و بشعور الخوف الذي يلفّه تحت جناحي مجالنا الأوّل الذي قدّرناه مجال الكآبـة و الإبادة و بهذا المولود الجديد يرتفع عدد عناوين الموت و الكآبة من 10 إلى 11 و ترتفع نسبة هذه العناوين إلى 79 % بما يعنيه ذلك من انتشار واسع للسّواد و الكآبة و لروح الإبادة التي تنتظم وفقها أقاصيص المجموعة و بما يعنيه ذلك من انسجام ينبئ عن حسن اختيار و تدقيق و عن إيلاء الكاتب مسألة العنونة ما تستحقّه فعلا من أهميّة الأمر الذي لا يدع مجالا للشكّ في إيمان الكاتب بضرورة احترام الطّرفين الأساسيّيــن في العمليّة الأدبيّة: القـارئ أوّلا و النّاقد ثانيا ( إذا اعتبرنا أن ليس كلّ قارئ ناقد).






    الحلقة الأخيرة

    بقايا ذاكرة

    أدرجنا هذا العنوان ضمن مجال عناوين الحياد لانفتاحه على قراءات عديدة و لإمكان ذهاب التّأويل فيه إمّا مذهب الذّكريات الجميلة التي ينعش هبوبها الرّوح و ينسي همّ الحاضر و رداءته أو مذهب الذّكريات البائسة التي يعكّر مجرّد انتفاضها و خروجها من تلافيف الذّاكرة صفو الحاضر الصّافي أو يزيد رداءة الحاضر رداءة و التي لا تحيل على غير الغمّ و الحزن و الانهزام. ووحدها قراءة ما بعد العنوان كفيلة بتأكيد صحّة بعض الفرضيّات و دحض الفرضيّات الخاطئة.
    و قد قادتنا القراءة إلى أنّ هـذا النصّ ينفتح على شعـور ممـزوج بهاجس الوحـدة و غموض المجهول يغمر الكاتب " و هو يجوب الصّحراء للوصول إلى تلك القرية"( ص 35) و ينغلق على وصف حالة السّارد الذي " ظلّ في تلك اللّيلة شارد الذّهن قلقا تكسو ملامح وجهه غيمة من الحـزن و هو يبحث في بقايا ذاكرته عن مدينة حضنت بدفء حنانها بداية صباه و طراوة أحلامـه " (ص 37) و بين هاجس الوحدة و إحساس الشّرود و الحزن تمتدّ رحلة السّارد من المدينة التي نزح إليها إلى القرية التي هجّ منها صغيرا بحثا عن الوظيفة و الزّوجة و عن حياة أخرى بيد أنّ هذه الرّحلة تخلو تماما من كلّ بصيص للفرح ولا تقف فيها الذّاكرة على موقف انتعاش واحد الأمر الذي يقودنا مجدّدا إلى أن نعدّل بالحذف من قائمـة العناويـن المحايـدة و نلحق بمجالنا الأوّل – مجال عناوين القتامـة و الإبادة – عنوان " بقايا ذاكرة".


    ذكرى


    هذا عنوان آخر ألجأتنا قابليّته لأكثر من قراءة و ذهاب التّأويل فيه مذهب الذّكرى الجميلة أو مذهب الماضي الأليم إلى اعتباره مبدئيّا واحدا من العناوين المحايدة في انتظار أن نستأنس بالنّصّ لنؤكّد إحدى الفرضيّتين و ندحض الفرضيّة المتبقيّة. و قد قادتنا قراءتنا إلى التّالي:
    - استحضرت ذاكرة السّارد في هذه القصّة القصيرة جدّا " ملامح لرجال قتلوا في معارك طاحنـــة و بنادقهم الجديدة مبعثرة قرب جثثهم." (ص 47). و لا يمكننا بعد إطّلاعنا على حقيقة هذه الذّكرى التي انفتح عليها ذهن الكاتب إلاّ أن نلحق هذا النّصّ القصير بمجال نصوص الإبادة و السّواد لترتفع هذه النّصوص إلى ثلاثة عشر نصّا من جملة ستّة عشر حوتها المجموعــة أي بنسبة تفــوق الـ 80%.


    بحر و أنثى

    لم يصرّح العنوان بحالة البحر و لا بما دفع الأنثى إلى إتيانه و لكنّ قراءة هذا النّصّ القصير تكشف عن أنّ المكان هنا – البحر- لم يقم بدوره الاعتياديّ المتعارف عليه – دور التّسلية و محطّ التأمّل و المتعـة- و إنّما مثّل بالنّسبة إلى الأنثى القادمة إليه و الشّمس توشك على الغياب المحطّة الأخيرة من محطّات عمرها القصير أي أنّه مثّل قبرها الذي هوت إليه كما تهوي " نجمة مضيئة" (ص 41).
    فالحدث الرئيسيّ إذن هو حدث انتحار أنثى أو أفول نجم أو انطفاء عمر كانت صاحبته تتّقد حياة و هذا ما يسمح لنا بإلحاق هذا النّصّ بنصوص السّواد و الإبادة و الموت ليرتفع عدد هذه النّصوص إلى 14 نصّا من بين 16 بما يعادل نسبة تقترب من 90 %.
    بهذا التّحليل الذي تناولنا به النّصوص التي بثّت فينا عناوينها انطباع الحياد و بما وصلنا إليه من نتائج أصبح ممكنا تماما أن نحذف المجال الثّاني برمّته لنبقي أخيرا على مجالين اثنين واحد اشتمل على عناوين توحي بالفاجعة و بالجوع و بالموت و آخر ينبئ عنواناه ( عرس – بحر و أنثى) عن الفرح و لمّ الشّمـل و الحميميّة.
    و بهذا التّنظيم الجديد تصبح عناوين مجموعة فهد الخليوي منقسمة إلى مجالين غير متكافئين – كميّا على الأقلّ – يحكمهما التّقابل أو الضّديّة.


    عناوين الفرح

    و قد قدّرنا أنّ (عرس) و(حصان و فرس) عنوانان ناطقان بدلالات الوئام و الفرح لما في الأوّل من إحالة على اجتماع الشّمل و على الاحتفاليّة و على التّأسيس لنواة عائلة جديدة بما تعنيه هذه الإحالات من ضديّة للإبادة والمــوت و للحزن و سآمة الحيــاة و رتابتها و لما في الثّاني من إحالة على الحميميّــة و الحبّ و الشّهوة، فإلى أيّ مدى سيكون المتن وفيّا أو مطابقا لإحالات هذين العنوانين؟

    عرس

    إنّ ولوج عالم ما بعد العنوان بالنّسبة إلى(عرس) لئن كان لا يخيّب ظنّنا في اعتبار هذا النّصّ منفلتا من دلالات الابادة و الموت لما فيه من إحالة على الجمال و على الفرح و على التّكاثر و على الذّكرى الجميلة فإنّنا نقف أمام كسر لأفق انتظارنا إذ يهيّئنا العنوان لقراءة حكاية زواج رجل و امرأة أو حكاية اجتماع حبيبين قرّرا أخيرا أن يضعا حدّا لعزوبيّتهما التي طالت فإذا بنا أمام حديث عن احتفال سرب من الطّيور بزفافه "على ضفاف قرية نهريّة صغيرة" (ص39).
    لنا أن نستنتج أنّ نسمة الفرح الوحيدة إلى حدّ الآن ـ التي هبّت على أو من نصوص فهد الخليوي كان مأتاها جنس آخر ـ جنس غير بشريّ ـ كان مأتاها سرب من الطّيور حلّق ثمّ حطّ ثمّ اختفى.


    حصان و فرس

    أمّا العنوان الثّاني و الذي هو عنوان النّصّ الأكثر شاعريّة من بين كلّ نصوص المجموعة لما فيه من إيحاء مكثّف و من حضور للرّمز و من إحالة على الموروث الدينيّ ـ القرآن تحديدا ـ ( وهي إحالة لمسناها من خلال قيام الحصان و الفرس مقام المرشـد و الدّليل و مقام الدّافع إلى فعل الشّيء و مقام الموجّه إلى ما يتوجّب فعله الأمر الذي نقف على مرجعيّته في قيام الغراب مقام الدّليل بالنّسبة إلى قابيل الذي قتل أخاه ثمّ لم يهتد إلى مواراته التّراب ). قلنا إنّ هذا العنوان لا يخاتلنا و لا يكسر انتظارنا لما بينه و بين النّصّ من انسجام و شبه تطابق إذ النّصّ نصّ حميميّة و اشتهاء و توافق.
    " قال لها:
    ـ أنا الحصان.
    قالت:
    ـ أنا فرسك.(ص51).

    و بهذا الانسجام ينفلت النّصّ من دائرة دلالات الابادة و القطعيّة و الموت ليكون ثانــي و آخر نصّ فيه إحالة على الفرح.


    دلالات العناوين


    نخلص إلى استنتاج مفاده أنّ نصوص فهد الخليوي الواردة ضمن مجموعته القصصيّة (ريــاح و أجراس) نصوص يلفّها و يهيمن عليها السّواد عموما إذ ينتظم 14 واحدا منها من مجموع 16 هي مجموع تلك النّصوص وفق دلالات المــوت و الابادة و الكآبة و المكابدة و شظف العيش و شعور الأسف و الذّكريات الأليمة و الجوع و القتل و الانتحار و النّهب و الإهانة و الاعتداء و الحـرب و الظّلم و التّخلف ... و لا شكّ أنّ هذا الاستنتاج الذي قادتنا إليه عمليّة إحصائيّة تحليليّة ليبرّر لنا التّأكيد على ما في هذه النّصوص من صدق و من وفاء للواقع و من ابتعاد عن التّهويمات الخياليّة و الهرطقات الطوباويّة التي لا تبرّرها حتّى الرّغبة في الانفلات من الواقع الضّاغط.
    و لئن نأى الخليوي عن ربط دلالات القتامة و الابادة بأحداث بعينها ينهض لتحديدها مكان محدّد و حقبة تاريخيّة مبيّنة و أشخاص لها أسماؤها و صفاتها و حضورها فإنّنا نعتبر أنّ سعي الكاتب إلى إضفاء الطّابع الإنسانيّ العامّ على نصوصه يخرجها من المحليّة الضّيّقة و يجعلها تعانق الهموم الإنسانيّة التي لا يحدّدها زمان و لا مكان و لا ترتبط بذوات دون أخرى.
    لقد بدت لنا نصوص فهد الخليوي نصوصا تعكس قلق الــرّوح و ضيق مساحــة الأمـل و انسحاب شعور الأسى على ماضي ساردي تلك النّصوص و حاضرهم بما يجعل حتّى المستقبـل أمامهم و أمام القارئ قاتما لا يلوح منه ضوء فرح واحد. ولا شكّ أنّ نزوع الكاتب إلى الصّدق و إلى الوفاء لأحاسيسه القلقة يعكس وجها آخر من وجوه تفرّد هذه النّصوص التي تأبى أن تكون مجرّد تسلية و كلام خداع قد يمنع انتباه القارئ إلى ما حوله حينا من الوقت و لكنّه لا يستطيع أن يعطّل انتباهه من جديد.
    و لئن كنّا قد وقفنا في هذه القراءة الأولـى على دلالات عنـوان مجموعة فهد الخليـوي و عناوين النّصوص التي أثّثتها و حلّلنا ما بينها من علاقات و ما أثارته فينـا من دلالات و إيحاءات و تأويل فإنّنا نصرّح أنّ هذا الكتاب يستحقّ منّا أن نخصّه بكتاب مواز نقف فيه على أوجه التّجريب التي اكتشفناها في أشكال نصوصه و مضامينها و ما لاحظناه فيها من وجوه عدول لغويّ و بلاغيّ و أسلوبيّ حقّق للمجموعة تميّزا و بوّأها لأن تكون قصصا جديرة بالدّراسة و الاهتمام.


    الخاتمة :

    ضمن اهتمامنا بمجموعة فهد الخليوي القصصيّة " رياح و أجراس" ارتأينا أن نبدأ أوّلا بهذه المقاربة التي قرأنا فيها العنوان الجامع و دلالاته و ما فيـه من عدول عن السّـائد و المتعارف عليه في عنونة المجموعات القصصيّة ثمّ قرأنا العناوين الدّاخليّة ووقفنا عند ما شدّنا إليها بصفة خاصّة ألا و هو سمة القتامة و دلالات الإبادة و الموت لننتهي إلى استنتاج مفاده اتّساع حجم السّواد الذي يلفّ هــذه القصص و أرجعنا اتّساع ذلك الحجم إلى نزوع الكاتب إلى الوفاء للواقع القاتم و هو وفاء زاد من مصداقيّته عدم ارتباط نصوص السّواد بأحداث معيّنة و تواريخ محدّدة و ذلك بنيّة الاتّجاه نحو " عولمة" دلالات المـوت و الإبادة التي لم تترك للجانب الآخر – جانب الفرح- غير مساحة أضيق بكثير من حبّ الحياة و أضيق حتّى من فسحة الأمل.

    كاتب من تونس*


    إحـــــالات

    - رياح و أجراس – قصص - النادي الادبي بحائل – صدرت عن الانتشار العربي بيروت
    الطبعة الأولى 2008م


    المصدر:
    جريدة عكاظ 30 مايو 2008


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    18/12/2007
    المشاركات
    61
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    شكرا أخي ابراهيم على إتاحة الفرصة لي للاطلاع
    على هذه القراءة التحليلية المفيدة.
    تقريبا قرأت معظم نصوص هذه المجموعة من خلال نشرها في منتديات واتا الحضارية وهي المنتديات
    التي عودتنا على نشر كل ماهو إبداع حقيقي.
    "رياح وأجراس" مجموعة قصصية متميزة شكلا ومضمونا وتستحق أكثر من دراسة وأكثر من اهتمام.


  4. #4
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    18/12/2007
    المشاركات
    61
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    شكرا أخي ابراهيم على إتاحة الفرصة لي للاطلاع
    على هذه القراءة التحليلية المفيدة.
    تقريبا قرأت معظم نصوص هذه المجموعة من خلال نشرها في منتديات واتا الحضارية وهي المنتديات
    التي عودتنا على نشر كل ماهو إبداع حقيقي.
    "رياح وأجراس" مجموعة قصصية متميزة شكلا ومضمونا وتستحق أكثر من دراسة وأكثر من اهتمام.


  5. #5
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    شكرا عزيزي ناجي على المتابعة والاهتمام
    تحياتي


  6. #6
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    شكرا عزيزي ناجي على المتابعة والاهتمام
    تحياتي


  7. #7
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    16/08/2007
    المشاركات
    74
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    الاهتمام بتحليل العنونة أصبح جزء مهم في خطاب الدراسات النقدية الحديثة
    والمثل العربي الدارج يقول: الكتاب من عنوانه.
    شكرا للناقد والناقل.


  8. #8
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: قراءة لحجم السواد وغموض المصير في رياح وأجراس فهد الخليوي

    شكرا أستاذ مسعد على هذه الإضاءة الجميلة
    تحياتي وتقديري


  9. #9
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    23/07/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    هذه القراءة برأيي تعتبر هامة كونها تتطرق لمجال ال"العنونة" باعتبار هذا المجال أصبح أساسيا وجزاء فاعلا في جوهر العمل الإبداعي اذ أن النص الأدبي قد يفقد عنصر الجذب والأهمية إذا كان عنوانه باهتا وغير مرتبط "ديناميكيا" بمضمون وشكل النص.
    تحية تقدير للأستاذ عباس سليمان
    شكرا للأخ إبراهيم.


  10. #10
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/12/2007
    المشاركات
    79
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجوى الظافري مشاهدة المشاركة
    هذه القراءة برأيي تعتبر هامة كونها تتطرق لمجال ال"العنونة" باعتبار هذا المجال أصبح أساسيا وجزاء فاعلا في جوهر العمل الإبداعي اذ أن النص الأدبي قد يفقد عنصر الجذب والأهمية إذا كان عنوانه باهتا وغير مرتبط "ديناميكيا" بمضمون وشكل النص.
    تحية تقدير للأستاذ عباس سليمان
    شكرا للأخ إبراهيم.
    كما أشرت أخت نجوى العنونة جزء مهم وفاعل في جوهر العمل الإبداعي.
    عنوان الكتاب ليس مجرد صياغة لغوية منمقة بل هو دال ومرتبط بأجواء مضمون الكتاب.
    دمت بخير وسعادة.


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •